تربية الطفل دينيا وأخلاقيا ::: 346 ـ 360
(346)
يعملون من أجله ؛ وهذا ما يستلزم تحديد قيمة الفن وأطره ، وقيمة الاعراف والتقاليد ، والعلم والفكر والفلسفة ، والامثال والحكم ، والاستعارات البلاغية.
    ولابد ايضاً من تبيان قيمة طلب العلم ، وهل ان غاية املهم هو الحصول على وثيقة التخرج ام ان هناك امرا آخر ؟ وذلك يعني ضرورة اطلاعهم على القيمة التي يهدفون اليها في مجال العلم والسبب الكامن وراء ذلك ، وما هي قيمة الوعي في رأيهم ، وما هي الفلسفة التي يتوخونها في هذا المجال ، ولماذا ؟؟
    2 ـ في الجانب الاجتماعي :
    يجب ان يتضح في هذا المجال قيمة وثمن الحياة الاجتماعية ، وما مدى العلاقات او الضوابط التي تقوم على اساسها ؟ وما هي حدود الاواصر التي تربطهم مع مختلف الشرائح الاجتماعية ، ابتداء من الوالدين والاخوة والاخوات ، والاصدقاء والاقارب والمعارف والزملاء ، والاخوة في الدين ، ومن اتباع الديانات الاخرى ، والاصدقاء في البلدان الاجنبية ، والاعداء الاجانب ، وما هي القيم والحدود المطلوب مراعاتها في هذا المضمار ؟
    اما في مجال الحياة الاجتماعية فيجب تحديد مفاهيم الصداقة والعداء ، والتضحية والجهاد في سبيل الله ، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ومكافحة الفساد ، والتقوى الاجتماعية ، وحسن الخلق ، وما هي الشروط والضوابط التي يجب ان تقوم على اساسها روابط الصداقة والعداوة ، وما هي درجة كل منها استناداً الى كلام الدين ؟
    كما ان المربي مكلف بأن يوضح قيمة العلاقات العامة والخاصة ،


(347)
والموقف الذي يجب اتخاذه ازاء كل منها ، ما هي حياة الانطواء وما فيها من قيم سلبية ؟ وما هي قيمة الحياة الاجتماعية التي يحياها الصالحون والخيرون ؟ وما هي قيمتها مع الاشرار والفاسقين ؟
    فالامور التي ذكرناها هي امور مهمة ، ولابد من نقلها الى الجيل الناشئ.
    3 ـ في الجانب الاقتصادي :
    يجب ان تتضح قيمة العمل وكيفيته ، ومكانه ، ومجالاته ، وظروفه ، ومقداره ، وهدفه ، ونتيجته.
    يجب افهام الطالب سواء كان طفلاً او صبياً او شاباً : ما هو المشروع وما هو غير المشروع ؟ يجب ان يعرف القيمة الايجابية والسلبية للمال ، وهل ان كسبه غاية ام وسيلة ؟ وما هو الهدف من كسبه وفي اي طريق يجب ان يبذل وما هي الضوابط ؟ وما هو التوزيع الذي يبني القيم ؟ وما نوع الانفاق المشتمل على شيء من القيم والفضائل.
    عليكم ان تفكروا بشأن الطعام ، وهل ان الغرض منه هو سد الجوع ام التقوي على انجاز الاعمال ام التلذذ ؟ وما هي قيمة الطعام ؟ لماذا يجب تناول الطعام وكيف ؟ ما هي الموانع من كونه هدفاً ؟ وما هي الفوائد من كونه وسيلة ؟ وما هي قيمة الاسراف ؟ وما هو الإقتار ؟ كيف تتم مراعاة الاعتدال ؟ وما هي اهمية مبدأ من أين لك هذا ؟ والى اين انت ذاهب به ؟ وما هي نظرتنا ازاء الدخل ، الكسب ، والانفاق والصدقات ، والخمس ، والزكاة ، والإيثار ، والعطاء ، والهبة و ... ؟


(348)
    4 ـ في الجانب السياسي :
    ففي هذا الجانب يجب ان يتجلى موقف المربي بخصوص مسألة الحرية وحدودها وانواعها من ناحية الاطلاق والتقييد مشروطة او غير مشروطة ، كما يجب ان يتضح استخدام الحرية وتطبيقها ومعرفة الشروط والاسس التي يجب ان تمارس في ظلها.
    ومن ناحية القوانين والمقررات فيجب ان تعرف اهميتها وما هو القانون الجيد ؟ ولماذا يجب اتباعه ؟ وما هو القانون الذي تجب مواجهته ، ولماذا ؟ ما هي قيمة التحزب ؟ وما هو الحزب او الجماعة التي تمتلك القيمة والاعتبار؟ ولماذا ؟ اين تكمن قيمة العلاقات الداخلية ؟ وما هو شكل العلاقات الخارجية ؟ ما هو الموقف الذي يجب ان نتخذه تجاه الاصدقاء الاجانب ؟ وما هو الموقف الذي يجب اتخاذه ازاء الاعداء الأجانب ؟ ما هي قيمة البشرية ؟ ما هي قيمة السلم ؟ وما هي قيمة الحرب والجهاد والدفاع ؟ ما هي القيمة التي نوليها للجهاد الدفاعي ؟ وما هي القيمة التي نوليها لجهاد التحرير ؟ ما هو موقفنا ازاء الثورات ؟ ما الذي يجب عمله عند تدخل القوى المتجبرة ؟ ما هي قيمة الحكومة ؟ ما نوع السلطة ؟
    ما هي قيمة المداراة ؟ وما هي مواردها ؟ ما هو موقفنا حيال المساومة ؟ وما نوعها ؟ ومع من ؟ وتحت اية ظروف ؟
    ما هي قيمة العدالة ؟ وما هي سلبيات الظلم ؟ العدالة مع من ؟ والظلم لمن ؟.


(349)
    5 ـ في الجانب المعنوي :
    يرى ديننا ان الانسان قدمه على الارض ورأسه في السماء ، فهو موجود نصفه مادي ونصفه الآخر الهي ، وهو ينطوي على نفحة من الباري عزوجل ، ونفحة من الأزل نرى آثارها في نزوعه الى البحث عن المطلق ، فهو مفطور على معرفة الله ويسعى الى الارتباط به.
    فالمهم في التربية هو ان نشخص قيمة الارتباط بالله للاجيال وان نجعل ارتباطهم بالله مباشراً بنحو يعرفون كيف يجب ان يكونوا امامه ، وبأية صورة يعرضون عليه شؤونهم ومشكلاتهم.
    ومن الضروري بالنسبة لهم معرفة قيمة دينهم وان يفهموا قيمته الاقناعية ويدركوا ثمن المعنويات والعبودية لله تعالى ؛ فحياتهم مقرونة بالازمات على الدوام ، سواء المفتعلة منها ام العفوية ؛ وذلك ما يدفعهم الى التوسل جيداً. فعلى الجيل الصاعد ان يفهم قيمة الحق ويدرك النتائج السلبية للباطل ، ويعرف قيمة الشرف والعدالة ، والامانة ، والصدق ، و يدرك ثمن التكامل المعنوي ويؤمن به. من الضروري ان يدرك هؤلاء ان الدين ما هو الا ناصر ومعين ، ولا مفر لهم من اكتساب القيم المعنوية وغرسها في أنفسهم ، وتكريس جذورها في اعماق قلوبهم ، لانها تنمو وتينع وتمنحهم القيم التي يصبون اليها.
    ان افتقاد الحياة للقيم المعنوية يجعل منها كسفينة خالية من ربانها ، لا


(350)
سبيل لها للوصول الى ساحل الأمان ، فيجب عليهم ان يدركوا هذا الأمر.
    ومن الضروري بالنسبة لهم ان يدركوا قيمة العبادة وكيفيتها ، ويفهموا لذة الارتباط بالله ومناجاته ، ليعوضوا بذلك عما لديهم من نواقص وسلبيات.

    تحذير للوالدين والمربين :
    من الضرورات الاساسية في عمل المربين وجود نوع من التنسيق والتعاون بين جميع القطاعات المهمة بنقل القيم والفضائل إلى الأطفال ، وتجنب اي اختلاف وتعارض ، وان لايكرهوا الابناء على الاستسلام الأعمى للآراء والافكار وان يكون تصرفهم منطقياً اذا ما عرض أي سؤال في أي مجال من المجالات ؛ والا فكل قبول ثم بلا تأمل ولا رؤية يكون في مرحلة البلوغ والشباب موضعاً للتساؤل والتشكيك كما يعتبر من الضروري ازالة العقبات عن طرق استجابتهم للقيم المطلوبة ، ومراقبة الآراء التي يبديها الآخرون امام الطفل.
    كما ومن المتعين وضع منهج وقيود بخصوص ارتياد المحافل ، وقراءة الصحف والمجالات والكتب والنشرات.
    والنقطة الاخيرة والمهمة هي أن يجسد الوالدان والمربون في شخصياتهم كل القيم الدينية التي يرومون ان يترعرع ابناؤهم وفقاً لها ، لأن ما يراه الطفل اكثر تأثيراً مما يسمعه.


(351)


(352)

(353)
    مقدمة :
    مسألة كذب الأطفال هي واحدة من المسائل التربوية الهامة بالنسبة للاطفال والعوائل. وهي مسألة تعاني منها أغلب العوائل لا في صغر سن الطفل بل في فترة سن التمييز. فاعمال الطفل حتى وان امتزجت بالكذب في الأيام الاولى من حياته فهي محبوبة عند الأبوين ، الا ان نفس هذا الجانب سيكون صعباً على الوالدين تقويمه في المستقبل.
    ومن الملفت للإنتباه ان أسس هذه الخصلة القبيحة تترسخ منذ أيام الطفولة. فالاسباب الاجتماعية او حتى الدوافع الغريزية قد تلجيء الطفل الى الكذب والتحايل فيقابل من الوالدين بالتشجيع والضحك والاستحسان غير ملتفتين الى ان هذا الموقف هو الذي يؤدي الى تنامي واستفحال مثل هذه العادة المنبوذة ، فتنعكس نتائجها الوخيمة على الأبوين والمربين بالأذى والإرهاق.
    نحاول في بحثنا هذا التحدث عن هذه الظاهرة واسبابها ودوافعها وطرق مكافحتها ، وتقديم الارشادات اللازمة للوالدين والمربين في هذا المجال. ولكن يبدو من الضروري أولاً وقبل كل شيء تبيان الصورة العامة لهذه الظاهرة.


(354)
    تعريف الكذب :
    الكذب هو الكلام الذي لايتطابق مع الحقيقة والواقع ، او هو عدم وجود رابطة او علاقة صحيحة بين ما يقوله الشخص وما هو موجود في الواقع الخارجي.
    فعمل الكاذب هو تحريف الحقيقة عن وعي والتفوه بما لا وجود له في العالم الخارجي ، وطبعاً لا يصدق هذا على الاطفال في كل الظروف ، وذلك لأننا سنرى في ما بعد بأن الكثير من صغار السن او الاطفال المميزين لايفرقون أحياناً بين الحقيقة والخيال فيقولون اموراً نعتبرها من وجهة نظرنا كذباً.
    غالباً ما يقترن كذب الاطفال المميزين بوجود الأرضية المناسبة والتدابير المدروسة وتمتاز بوجود الخطط والحسابات التي يستغلها الطفل في سبيل بلوغ الهدف الذي يبتغيه.

    صور الكذب :
    للكذب صور متعددة. فهو احياناً يتخذ طابع تحريف الحقيقة او قلبها في احيان أخرى ، ويتفوه بعض الاطفال باشياء لا وجود لها في الواقع ويتحدثون احياناً عن مسألة لهم يد فيها و كأنهم بعيدون عنها كل البعد.
    وقد يكون الكذب ذا طابع اعتباطي في بعض الحالات ، صحيح انه يتحدث عن أمر واقع الا انه يبالغ كثيراً في تصويره ، وكما يقال انه يصنع من


(355)
الحبة قبة. وقد تكون القضية على العكس تماماً في حالات أخرى ، كأن يكون قد تسبب في حصول أمر خطير او حادثة كبيرة الا انه يصورها وكأنها قضية بمنتهى الصغر والتفاهة وذلك من اجل التخلص من عواقبها او العقوبات المترتبة عليها.
    يقوم الكذب احياناً على اساس بيان قضية ما ، او قد يكون احياناً بصورة الصمت عنها ، كأن يدور الحديث بين شخصين عن المواصفات الحميدة التي يمتاز بها الطفل الفلاني وهي غير موجودة فيه حقيقة ، فان السكون ازاء امثال هذا الكلام والانصات اليه يعد بذاته نوعاً من الكذب.

    الغاية من الكذب :
    ولكن ما هي الاهداف والغايات التي يتوخاها الطفل او الشاب او حتى الكبير من الكذب ، يمكن القول بوجود اهداف متعددة ومختلفة فيما يتعلق بالجوانب القائمة على الوعي والادراك.
    يهدف الكذب عادة الى تضليل المقابل او تعتيم الأمر عليه لغرض الوصول في ظل ذلك الى الغاية المنشودة. فالكاذب يرمي الى إغفال الآخرين وخداعهم لكي لايفهموا حقيقة ما يجري وليبقى الطريق مفتوحاً امامه لبلوغ مآربه.
    وقد يكون هذا الهدف او الاهداف متعددة و متنوعة ، من جملتها النجاة من العقوبة ، والحصول على المنافع المنشودة وجلب أنظار واهتمام الناس الآخرين الذين لهم دور في حياته وسعادته فقد ينجح الانسان احياناً بواسطة الكذب من خداع شخص قادر على جلب الخير والسعادة له بشكل او آخر ،


(356)
ودفعه الى التصديق به ومسايرته نحو تحقيق اهدافه.

    الكذب دلالة على ماذا ؟
    ان الكذب سواء عند الصغير ام عند الكبير ينم عن وجود حالة من الاضطراب وعدم الاستقرار الداخلي. ويدل على أن الشخص يعيش في وضع غير مستقر. وان شخصيته ومكانته عرضة للخطر ولا منجي له منه سوى بواسطة الكذب.
    فهو قد يشعر احياناً بالضعف او الحقارة ، وتظل هذه المعاناة تؤلمه فيضطر الى سلوك هذا الاسلوب أملاً في النجاة ونيل الاستقرار والإتزان ولاجل ايضاح هذه المسألة نشير الى ان الانسان يعيش في عالم معقد يصعب فيه اثبات الوجود وحيازة المكانة اللائقة ، ولا يتاح فيه للانسان نيل كل ما يبتغي ، ولاسبيل امامه لبلوغ اهدافه سوى باحدى الوسيلتين التاليتين وهما ؛ أولاً الجهد والتعب وتحمل المشاق والآلام ، وثانياً : الاساليب غير الشريفة التي تتيح له نيل غاياته بسهولة ولكن بشكل غير مشروع ؛ ومن ابرز ادواتها الكذب.
    وعلى هذا الاساس فان ضعف الانسان وعجزه عن بلوغ اهدافه هو سبب الكذب ، وانه ـ اي الكذب ـ دلالة على الشعور بالضعف.
    فمن بلغ الرشد وحاز الكمال وتغلب على مشاعر الضعف والحقارة في نفسه لن يكون بحاجة الى الكذب ، بل ان شؤون حياته تسير بأجمعها على وتيرة من الصدق والاستقامة.


(357)
    اعراض الكذب على الفرد :
    الكذب ظاهرة غير فطرية ، لذا فهو بحاجة الى التعلم وخوض التجارب المختلفة. فالطفل لايتيسر له الكذب ببساطة ؛ لذلك يواجه اثناء الكذب مصاعب متنوعة يمكن ملاحظة اثارها عليه بكل بساطة ، وهي آثار واعراض جمة يمكن الاشارة الى بعض منها في ما يلي : ـ
    شحوب لون الطفل ، وتسارع ضربات قلبه وجفاف فمه حتى يصعب على اللسان الدوران في الفم بسهولة ، والتلعثم في الكلام وعدم القدرة على التحدث كالمعتاد ، وتضارب اقواله التي تبدو وكأنها بلا رأس ولا اساس والتحدث باضطراب وفقدان القدرة على التحكم بالاعضاء ، والنظرات الحائرة مع ظهور آثار الخجل على محياه.
    وهذه الاعراض اكثر ما تشاهد ـ طبعاً ـ على الأشخاص الذين بدأوا الكذب حديثاً ، ثم تبدأ بالاضمحلال مع تدرجهم في الكذب وكثرة ممارستهم له حتى يبلغون درجة يكونون قادرين معها على التظاهر بالمظلومية وحتى البكاء حين الكذب ويظهر نفسه وكأنه على حق مع الادلاء باليمين الكاذبة.

    الكذب من الوجهة الشرعية والاخلاقية :
    نحن نعلم ان جميع المذاهب والأديان اعتبرت الكذب امراً ذميماً. وفي الشريعة الاسلامية صرح القرآن بشدة غضب الله ولعنته على الكاذبين


(358)
واشارت الروايات الى عدم امكانية.
    تحقيق ايمان العبد الا بترك الكذب ، وان المفاسد قد جمعت في خزائن مفتاحها الكذب.
    قد يتعرض الإنسان نتيجة لقول الصدق لكثير من المضار ، وقد أكد الاسلام على ضرورة تحمل تلك الاضرار حفاظاً على قيمة الصدق وابتعاداً عن الدخول في عالم الزيف والتصنع. وان وردت هنالك حالات تبيح الكذب لمصلحة ما ، فيجب ان نعلم أولاً ان تلك الموارد لاتحصل على مدى حياة الانسان سوى مرتين او ثلاث مرات ، وثانياً ان لاتنطوي على قتل نفس او انتهاك عرف او كرامة شخص و ... الخ.

    مخاطره واضراره :
    ينطوي الكذب على مخاطر واضرار كثيرة ، يبدو اهمها من وجهة نظرنا تحويل حياة الإنسان الحقيقية الى أخرى مزيفة ومتصنعة. فمن يكذب انما يسعى في حقيقة الحال الى اخراج نفسه من عالم الواقع وادخالها في عالم الزيف والتمويه ، هذا في الحقيقة انتزاع له من صورته الشخصية وتحويله الى مجرد شيء آخر.
    الكذب يقضي على الثقة ويجعل الفرد غريباً بين افراد المجتمع ، ويزلزل الكيان الاجتماعي ويعيق حركته ويؤدي في بعض الحالات الى التناحر وسوء التفاهم وينشر بين الناس سوء الظن ويخدش الضوابط والركائز الأدبية والأخلاقية وينهي قيمة الحياة ويقضي على لذتها في ما بين افراد المجتمع.


(359)
    فالكذب الذي يبدر من الطفل اليوم حتى وان كان ضئيلاً بل وحتى محبوباً ، الا انه يشتمل في الواقع على خطر فادح الا وهو امكانية تحوله في ما بعد الى انسان محتال يهدد. بنقل هذا المرض الى ميدان الحياة الاجتماعية حتى يسري الى جوانب السياسة والاقتصاد في المجتمع ثم يأخذ طريقه بالتسلل الى ثقافة ذلك المجتمع وتقاليده ، ويتسع نطاقه حتى يدخل في الفن والادب والاعلام ، وهذا ما يؤثر في زعزعة اركان الحياة الاجتماعية.

    ضرورة معالجته :
    اننا نعتبر الكاذب انساناً مريضاً لا قرار له ، ولايثق ببقية الناس. وهو انما يطعن ـ من خلال الكذب ـ بشخصيته وكيان المجتمع ، ويجب السعي لانقاذه من هذه الحالة واخراجه منها.
    والأمل بالاصلاح موجود وقائم ، وكلما كان اصغر سناً كان الامل بالاصلاح اكبر ، وسبب ذلك هو ان هذه الظواهر لم تتجذر بعد في شخصيته ولم تتحول لحد الآن الى عادة متاصلة. ولا زال قلبه وروحه كالعجينة بيد الوالدين والمربين بامكانهم صياغتها كيف ما شاءوا.
    اما واجب المربي فهو العمل على اصلاح ومعالجة هذا النقص عن طريق التوعية وابداء المحبة له والرغبة في سعادته ، ونصحه وارشاده وخلق الثقة لديه والتأكيد له بالوقوف الى جانبه ومساعدته ، وتنبيهه الى مخاطر الكذب حتى تستقبحه نفسه ويسعى الى النجاة منه.
    ولا يجب ان ننسى بان طفل اليوم أب غداً ، وما هو الا ذكرى ومظهر


(360)
لوالديه ومربيه ؛ فان فشلنا في اصلاحه فسيكون سبباً لإلحاق الضرر بالمجتمع ، والاساءة الى سمعة وكرامة والديه ومربيه.

    تعلم الكذب :
    يبدو من الضروري الاشارة الى هذه النقطة وهي ان اكثرية علماء الاخلاق وعلماء النفس يرون ان الكذب ظاهرة لها طابع اجتماعي وتعليمي ، وحتى ان بعض المتخصصين في هذا الحقل اشاروا الى وجود جذور غريزية للكذب اذ تتجلى ابرز صورها لدى الحيوانات عن طريق المخادعة والاستتار ، الا ان التجارب اليومية تثبت خلاف ذلك.
    اننا نرى ان الطفل يتعلم الكذب من عائلته ومجتمعه والمحيطين به. واصل خلقته مفطورة على الصدق ، والكذب حالة طارثة عليه ومكتسبة من الآخرين. فحين يحاول الكذب في الأيام الأولى يتعثر في كلامه ويعتريه القلق والاضطراب ، الا انه يتحول تدريجياً ومن التمرين والممارسة الى شخص محترف يتفنن في اساليب الكذب.
    فمن المعروف أن الطفل يمتاز بالنشاط الذهني ، وهذا ما نجعله ينسجم ويتفاعل بسرعة مع ما يرى وما يسمع من اكاذيب. وكثيراً ما تؤدي العلاقات الاجتماعية وألوان الكذب وصورة المختلفة التي يراها من هذا وذاك الى اكتسابه لهذه الخصلة واحترافها والتعود عليها. وهذا ما يعتبر بمثابة المؤشر والانذار للوالدين على ضرورة مراقبة اقوالهم وافعالهم ، وتحذير الطفل من الاصدقاء الكذابين والمجتمع الموبوء بامثال هذه الخصال الخبيثة.
تربية الطفل دينيا وأخلاقيا ::: فهرس