تربية الطفل دينيا وأخلاقيا ::: 331 ـ 345
(331)
السليمة التي لا ضرر في دخولها الى ميادين الحياة الاجتماعية.

    العوامل المؤثرة في القيم :
    بناء على ذلك ، يمكن القول ان هنالك عدة عوامل تؤثر في قيم اي مجتمع او جماعة من الناس ، وهي عبارة عن :
    ـ السن : فلكل سن مقتضياته الخاصة ، وينجذب افراده لقيم خاصة. فالطفل يصبو الى الشيء الذي يهرب منه غيره.
    ـ التكامل : والمراد به التكامل الجسمي او النفسي او الفكري ، فقصير النظر يسعى الى نوع من القيم خلافاً لمن يمتلك سعة فكرية وبعداً في النظر. كما يؤثر الضعف او القوة الجسدية ووجود المعنويات او عدمها في هذا الأمر.
    ـ الوضع الثقافي : فأعضاء العائلة التي تتمتع بمستوى ثقافي متدن ليسوا كافراد العائلة التي تتحلى بثقافة متطورة.
    ـ الوضع السياسي : فالمجتمع الذي يعاني من الأزمات يعيش قيماً خاصة غير قيم المجتمع الذي يعيش الانفتاح.
    ـ فلسفة الحياة : فيؤثر نوع الفلسفة التي نختارها لحياتنا في نوع القيم التي نحبذها.
    ـ الحاجة : فالحاجة ـ بمعناها العام ـ تؤثر في القيم التي ينشدها الأفراد.
    ـ التغييرات : بالمعنى العام للكلمة وتشمل الاجتماعية منها والسياسية بل وحتى البيئية والمناخية.
    وعلى هذه الشاكلة ، فهنالك الكثير من العوامل الاخرى التي ذكرت


(332)
بشكل عام ، والتي تؤثر في القيم ، وتضع المربي امام مسائل معقدة في هذا المجال ، وفي السيطرة على القيم. ولا شك ان كثرة العوامل تؤدي الى شدة المواقف وصعوبتها والى مضاعفة عمل المربي.

    الحياة والقيم :
    يسعى ابناؤنا ـ منذ السنوات الأولى للتمييز والمراحل الاولى للبلوغ ـ الى معرفة فلسفة الحياة وعللها ، وبالطبع فانهم لايعرفون القيمة الحقيقية والثمن الواقعي للحياة. وحتى انهم يعتبرون الانسان أعلى مرتبة من الحيوان ، الا انه اقل درجة من الانسان الحقيقي ، وهم يسندون في ذلك الى مزاياه المادية لا المعنوية.
    فهم يشعرون في هذه السنوات بأن امامهم مسائل جديدة واسئلة يجب الاجابة عليها ، ولاعلم لهم بأصل الحياة وهل يقوم على اللذة ام المصلحة ؟ ولايدرون على من يستندون ؛ على الواقع ام على الحقيقة ؟ حتى ان بعضهم يتصور الحياة شيئاً تافهاً لا معنى له وقضية لاتستوجب الاهتمام.
    وتقوم عقائدهم وافكارهم على اساس الجوانب التجريبية كما تتجانس مع ما يقال ويسمع ؛ فهم يريدون ان يحصلوا بين هذا وذاك على شيء ما ، وهم بحاجة ماسة للدليل في اختيار الفلسفة الحياة ومعرفة قيمتها. وقد تحرفهم الغفلة عن جادة الصواب او تجرفهم الى واد آخر.
    وهم يحددون توجهاتهم على اساس الحكم الذي يصدره الوالدان والمربون على القيم ، يفكرون مع انفسهم هل يتقبلون اللذة ام يجتنبوها ؟ ويولون اهمية للاهداف التي نختارها لهم ، وتنفذ الى جميع زوايا حياتهم


(333)
واذهانهم ، ويرون من الضروري ان نضم بين ايديهم الموازين اللازمة باعتبارنا مربين لهم ، كي يستطيعوا تحديد الفضائل التي يحتاجونها ويختارونها.

    مصدر استلهام القيم :
    ان الاجابة واضحة عن المصدر الذي يأخذ أبناؤنا منه قيمهم ؟ فهنالك ثلاثة مصادر للقيم بالنسبة لهم ، وهي
    1 ـ الاسرة : وهي اقوى واهم مصدر للقيم بالنسبة للابناء فالطفل ، وخصوصاً في المراحل الاولى من حياته يتعلم كل شيء من العائلة ، فهو يتعلم ما يقوله الوالدان حسناً كان ام سيئاً. ان اهمية دور العائلة في تركيز القيم لدرجة يمكن القول انها تحافظ على اعتبارها حتى نهاية العمر.
    فالعائلة التي تعيش حياة مادية ، وتسيطر على الوالدين حالة اللاابالية وانعدام الدين ، والاسرة التي تسودها القيم المتضادة والمتناقضة ... يعيش اطفالها حالة من الضياع والانحراف ويقضون حياتهم على هذه الشاكلة حتى يحل اليوم الذي تتوفر فيه امكانية البحث والتقييم بالنسبة لهم في محيط آخر ، فيعودون الى جادة الصواب.
    2 ـ المدرسة : فبالنسبة للابناء الذين بلغوا سني الدراسة تطرح مسألة المعلم والمدير والمرشد والمستخدم. فاذا كانت مناهج المدرسة استمراراً لنمط التربية في البيت فلن تحصل اية مشكلة ، اما اذا كانت هنالك اختلاف وتعارض ، فلن يجني الطفل غير الضياع.
    فطريقة سلوك المعلم واسلوب تدريسه وطرق الاصلاح والبناء التي


(334)
يتبعها ، والاوامر والنواهي التي يصدرها المدير والمعاون ، ونوعية التصرفات التي يشاهدها من زملاء المدرسة ، والمضامين التي تحملها الدروس ، والاهداف التربوية ، او قل النظام السائد بشكل عام و .. تعتبر كلها وسطاً ناقلاً للقيم الخاصة بالطفل ، والتي قد تكون بمجموعها عاملاً في بناء او تدبير شخصيته. ولاننسى ان زيادة تسلط ونفوذ اي من العائلة والمدرسة يؤدي الى رجحان كفة القيم التي تطرحها الجهة الاكثر نفوذاً وتاثيراً.
    3 ـ المجتمع : والمراد به الثقافة التي تسود ابناء المجتمع. وتطرح فيه مسألة الفن والادب والاعراف والتقاليد والعالم والفكر والسنن و ...
    فهذه الاجواء والمفاهيم تنتقل الى الابناء من افراد المجتمع ، وبالخصوص رهط الزملاء. ويجب ان تخضع للضوابط. فابناؤنا معرضون لتأثير افكار الآخرين وايحاءاتهم منذ بلوغهم سن التمييز ، حيث تؤثر فيهم وسائل الاعلام من صحف ومجلات وكتب وبرامج اذاعية وتلفازية ... ولا يقل مدى تأثيرها عن الدور الذي تؤديه العائلة.

    مراحل بلورة القيم :
    هناك فرق في انواع القيم التي يتقبلها الافراد في مراحل الحياة المختلفة. فكثير من القيم المعتبرة في مرحلة ، تناقض القيم المعتبرة في غيرها.
    فالدمى بالنسبة للطفل قيمة ، لكنها ليست كذلك بالنسبة للسياسي العجوز وكذا الحال بالنسبة للركض العبثي وغيره من الاعمال الاخرى غير الهادفة.
    1 ـ في مرحلة الطفولة :
    لاغلب القيم الشائعة في هذه السنين طابع مادي وحسي وذوقي ولمسي. فالشيء الذي يحظى بقيمة لدى الاطفال هو ما


(335)
يمكن تذوقه والتلذذ به كالطعام والشراب والرضاعة.
    ومن غير المعقول ان نتوقع منه شيئاً يتسم بالاخلاص والتضحية والايثار والمساواة والمواساة و ... فمنطقهم هو منطق يتعلق بذواتهم ، وعقائدهم مزيج من عقائد الوالدين وثقافة المجتمع والتعاليم الرسمية والتجارب الشخصية ونظرتهم الطفولية للعالم. وان عمرهم وعقلهم وتجربتهم لا تسمح لهم بالتفكير بما وراء المادة ، ونظرتهم لا تتجاوز حدود المأكل والملبس. وبالطبع فان تاثير الكبار عليهم قوي للغاية ؛ وفي بعض الاحيان يجبرون انفسهم على اتباع ما يؤمرون به.
    2 ـ مرحلة المراهقة :
    ان موقفهم ازاء القيم بنحو يمكن القول عنه انهم يرون ان كل قيمهم معرضه للخطر والتشكيك ، وهم يسعون الى تقييم انفسهم ليروا ماهيتهم ومدى قدرتهم.
    من الضروري اعانة الشاب لمعرفة الحقيقة وطلبها ، وكذلك لمعرفة معنى ومفهوم الحياة. وهي صعبة في نفس الوقت ؛ لانه كثيراً ما يلاحظ انهم لايفرقون بين الوهم والخيال ، والواقع والحقيقة ، أو لا يرون تمايزاً بينها. وان حكمهم على الامور سطحي ، حتى ان أغلبهم يتبعون رأي الاكثرية في تقبلهم للدين والتعاليم ؛ فهم مع الاكثرية اين ما كانت ، وذلك ما يجعلهم يشعرون بمزيد من الأمان.
    انهم يشعرون في هذه السن بالحاجة الى الدين ويتقبلون القيم الدينية بكل بساطة ، حتى انهم اكثر تحملاً من الآخرين ازاء التعاليم الدينية وقيمها.


(336)
ويتمكنون ببساطة من أقلمة أنفسهم مع ضوابط الحياة الدينية.
    فمن خلال استثمار هذه الارضية الشعورية والعاطفية يمكن تعليمهم طريق الحياة وتعبيد طرق الحياة المعنوية أمامهم.
    3 ـ في مرحلة الكهولة :
    ان المرء في هذه المرحلة يصل الى وضع يكون فيه محص الدنيا الى حد كبير ، وصار لديه فهم لمسائل الحياة ، ويستطيع ان ينال قيمه الشخصية والنسبية وان يحفظها من الأخطار ، ويستقيم تفكيره ، وتتجذر لديه اغلب التصرفات حتى تصبح كالعادة المغروسة.
    ودور الايحاء مهم لديه من اجل انتقال القيم ، ولكن بشرط ان تقترن بالمنطق والاستدلال ، وهو ليس في وضع يسمح له بقبول اية عقيدة والاستسلام لها من غير تمحيص. فهو لايمكن النفوذ الى داخله واقناعه بسهولة بهذا الرأي وذاك.
    وهنالك مسألة تجدر الاشارة اليها وهي ان معتقداته وأفكاره السابقة ونمط مساره في الحياة ، والذي أخذ قالبه فيه وبلور شخصيته في ظل توجيهات الوالدين والمدرسة والزملاء والاقران ، وجعله يبدو وكأنه لا امل في اصلاحه أو اعادة صياغته ؛ ولكن لاينبغي عقد الأمل على احتمال اقتناعه بقبول القيم ؛ وهذا هو احد الاسباب في عدم نجاح دعوة الانبياء في عصرهم.

    عمل المربي فيما يخص القيم :
    باعتبارنا مربين نصبوا من خلال التربية الى نقل القيم والقواعد والاعراف


(337)
والأداب المنشودة ، والادلة والشواخص الاجتماعية ، الى ابناء المجتمع ، ونعلمهم نوع القيم المطلوبة ؛ فيجب الايحاء اليهم بالقيم الموجودة عن طريق التربية. وهذا هو واجب جميع المربين والمعلمين. ولكن من الضروري الانتباه الى هذه النقاط في سبيل بلوغ هذا الهدف.
    1 ـ معرفة القيم :
    فأول مسألة بالنسبة للمربي في هذا المجال هي ان يعرف القيم بما في ذلك القيم الموجودة وكذلك المطروحة في ديننا ، والتي لايتم التطرق اليها في المجتمع.
    فلا شك في وجوب بحث وتقييم الكثير من القيم ، وهل أنها قائمة على أساس موازين الدين الذي نرتضيه أم لا ؟ وحينذاك تتجلى تلك القيمة في التربية ، وكذلك من الضروري ان نرى ما هي الامور المطروحة في ديننا مما لا وجود لها في المجتمع ونقلها الى الطفل من خلال توجيهنا له.
    كما يجب على المربي معرفة ما اذا كانت القيم عينية أم ذهنية ؟ وما هو الخاص منها وما هو غير الخاص ، وايها ثابت وايها يتغير ، وما هو تسلسل القيم ودرجاتها.
    وهل ان القيم الراهنة والسلوك صحيحة ام خاطئة ؟ وما هو معيار حسنها وقبحها ؟ وهل انها تستند الى العلة ام التجربة ؟ أم العلم ام الدين ؟
    فلا جدال في عدم امكانية اتخاذ القرار بشأن تربية الأفراد بدون معرفة القيم ، ولايمكن اعدادهم للانسجام مع هذا العالم المتغير من غير معرفة نوع الشخصية التي نصبوا اليها. وما هو الفرد الذي يجب اعداده لهذا العالم الجديد.


(338)
    2 ـ معرفة نمط الأفكار :
    والمسألة الثانية بهذا الخصوص هي معرفة نمط الأفكار. فنحن نعلم ان الأفكار الملقاة الى الافراد تتفاوت وتتنوع على مدى مراحل الحياة ، فالبعض قد تقبل المسائل عن طريق الالحاح والاكراه ، والبعض الآخر عن طريق المنطق والاستدلال ، وبعض عن طريق العلم والعمل. فلكل من هذه القيم موطأ قدم في نفوسهم.
    ان الجيل الصاعد ، وابتداء من الطفل والصبي والشاب ، ليسوا في مرحلة من النضج تؤهلهم لاتقان فهم القيم واتخاذ القرار بشأنها فكل واحد منهم يتقبل قيماً معينة وله رأيه الخاص بها. فبعضهم يصبوا الى القيم المطلقة ، والآخر يؤمن بالقيم المقيدة ، أو الثابتة ، أو المتغيرة ، الاقليمية او المحيطية.
    وتختلف عاقبة الأمر بالنسبة للحياة التي يرتضونها على مدى مراحل العمر المختلفة. فالبعض يحبذ نظام التسلط وأعمال العنف ، وجماعة تحبذ المنطق والاستدلال. وبعض يفضل نمط التحلل ، فيتقبلون الحياة المطلقة ويعتبرونها ذات قيمة. واحياناً تكون الدنيا بالنسبة لهم ذات طابع مكاني وشخصي ومحلي.
    وصفوة القول هي انه لايمكن تلقين القيم وكيفية نقلها الى جيل الاطفال واليافعين والشباب والكبار ما لم يتم التعرف بدقة على اساليب التفكير ، ولايمكن الاطمئنان من نجاحنا في أمر التربية من دونه.
    2 ـ معرفة الرغبات والعواطف :
    فالقيم وكيفية انتقالها أو قبولها يرتبط


(339)
بميول وعواطف الانسان ، وتتغير بتغير أي منها.
    فأنتم تعلمون ان نوع الرغبات والعواطف تختلف لدى الافراد وعلى الاقل على اساس الجنس ؛ فهي تختلف بين الذكور والاناث فكل منهم له رغبات وعواطف في مراحل من حياته تتباين مع ما لدى الآخرين.
    ولأبنائنا مآرب خاصة بهم في كل مرحلة من العمر ؛ فمثلاً منتهى امل الطفل في سن الخامسة هو نيل بعض الحلويات والمرطبات ولا امل لدى الشاب اهم من الحصول على زوجة وبيت. ومطمح الكبار هو بلوغ الدرجة والرتبة والثروة والجاه.
    وعلى هذا الأساس ، فإن المآرب والعواطف لدى الأفراد تتغير على الدوام ، فعواطفهم وتفاعلاتهم غير ثابتة ، بل تغدو و تروح من مكان الى آخر كأمواج البحر. والمهم في الموضوع هو معرفة هذه المتغيرات عند الناس ، لانها تمثل ارضية الميول عندهم.
    فلا شك ان الكثير من اسس الرغبة والعلاقة العاطفية الموجودة في العقائد والتصورات تتدخل ـ بالنتيجة ـ في القيم ، فتقويها أو تضعفها.
    فعلى الوالدين معرفة هذه الحالات والكيفيات لدى الاطفال ، واخذها بنظر الاعتبار في نقل القيم ؛ وحسب المثل العامي : يقيسون الحجم ثم يشرعون بخياطة الملابس المتناسبة مع ذلك المقياس.
    4 ـ معرفة العقيدة الأفضل :
    ان التربية لا تحصل في الفراغ ولاتقوم على اساس المآرب او الآراء الفردية ، فكل شخص يقوم بتربية ابناء المجتمع على اساس دين ومعتقد. فمنذ الخطوات الاولى في هذا المجال


(340)
يجب معرفة الدين الذي نرتضيه. فنقوم بتربية ابنائنا على اساس الدين الذي نعتنقه ونجزم بشرعيته.
    وعلى هذا الاساس ، من الضروري أن نعرف ما هو الاسلام ؟ ماذا يقول ؟ وما هي القيم التي يدعو اليها ؟
    ففي رأينا ـ نحن المؤمنين ـ ان الحسن هو ما يعتبره الدين حسناً ، وبالعكس ، فالقبيح هو ما يقول الدين بقبحه ، وعلى هذا ، فلا علاقة لنا بما يقوله الناس ، لاننا نعترف بأن الله تعالى يعرف صلاح كل امر وقد ابدى رأيه فيه. فالذي يدعي انه يريد الخير اكثر من الباري تعالى ، يقول هراء. وكذا كل من يدعي بانه اكثر اطلاعاً على اسرارنا وخفايانا وحاجاتنا من الله ، فكلامه لغو وباطل.
    فيجب فهم القيم عن طريق قوانين الشرع. ويجب ازالة الحجب عن ما يبدو للعيان غامضاً ، والسعي لمعرفة المعايير من خلال كشف ومعرفة القيم وادخالها الى حيز التنفيذ.

    على طريق بناء القيم :
    وفي الحقيقة ان هذا يرتبط بكون القيم ايجابية ام سلبية اذ اننا نسلك طرقاً مختلفة لبنائها. ونذكر اولاً ان القيم التي نعتبرها ايجابية هي التي تحظى بالتاييد والثناء. والقيم السلبية هي التي تجابه بالذم. اما في طريق تكوينها وبنائها فنحاول ابداء التشجيع والاستحسان امام الطفل لكل ما يستحق المدح والثناء او تطبيقها علمياً ، وتحفيزه على مراعاتها ودفعه للقيام بالعمل الفلاني. وبالطبع نعمد في الادوار الاولى من الحياة بان نقول : ان اباك يحب


(341)
هذا العمل ، وان امك ترغب في ان تنجز لها هذا العمل. ويمكن بعدها نسبة هذا الحب الى الله ، والقول بأن الله يحب ان تعمل كذا وكذا.
    ويتخذ نفس الاجراء باسلوب الذم بخصوص القيم السلبية التي نستهدف ازالتها. وبالامكان استخدام اسلوب الايحاء بالكلام له ليكف عن هذا العمل أو ذاك ، كأن نقول له : ان اباك لايحب ان تقوم بكذا وكذا ، ثم نستطيع القول في المراحل الاخرى ان الله لايحب هذا العمل.
    ويمكن الاستعانة ببعض الأساليب كالتشجيع والثناء في سبيل بناء القيم ، اذ بالامكان تحفيز المرء على اداء العمل المطلوب من خلال كلمة احسنت أو مرحبا ، او الاعراض عنه للدلالة على النفور من عمل ما ، وإشعاره بأن لايقوم بهذا العمل.
    ويمكن الاستفادة من القصص في هذا السبيل ، لان الاطفال يميلون اليها ويرغبون في معرفة النتائج التي تتمخض عنها ، اي أننا قادرون على صياغة نتائج القيم الايجابية في قالب قصصي ، وابراز قبح القيم السلبية بنفس ذلك الاطار أيضاً.

    سبل انتقال القيم :
    يمكن اتخاذ سبل متعددة ومناهج مختلفة لايصال ونقل القيم الى الجيل الجديد ، واهمها :
    1 ـ احياء الفطرة :
    تشير التعابير القرآنية الى ان المفاهيم الاساسية والمطلقة ، حسنها وقبيحها ، كامنة في داخل الانسان ، وتأتي معه الى الدنيا اثناء الولادة ، وان


(342)
فطرة الانسان فطرة الهية قائمة على معرفة الله ، وبقدر ما نبذل من جهد في ارشاد وتعليم الاشخاص ، فاننا نعرفهم بالحقائق والقيم ونزرع بذورها في قلوبهم. فالطفل سريع التعرف على كل ما هو حقيقي وقيم ، ويجب ان يتعلم كل ما يتعارض والقيم عن طريق التعليم والمشاهدة.
    فباطن العقل عارف بكل ما ينطوي على الخير والصلاح ، بينما يتعلم الفساد تدريجياً ، وهو أمين بطبعه ، ويتعلم الخيانة والكذب فيما بعد.
    وعلى هذا الاساس ، فبالقدر الذي نسيطر فيه على الطفل منذ صغر سنه ـ بحيث لاندعه يشاهد أو يسمع الا ما هو حسن وصادق ـ فاننا نقوم بعملية نقل القيم الايجابية اليه وترسيخها فيه كذلك.
    2 ـ التعليم المباشر :
    حيث نحاول فيه من خلال الامر والنهي والنظرية والبيان ان ننقل القيم الى الاطفال والشبان. و بالطبع فان بلوغ هذا الهدف يحتاج الى توفر الظروف والامكانيات والاوضاع والمجالات التي لاتتوفر ببساطة.
    فمن المعروف ان الانسان يبدي موقفاً معيناً ازاء كل ما يعرض له ، وتزداد امثال هذه المواقف في سنوات معينة من العمر.
    الا ان هذا النهج يصبح اقل تاثيراً في مراحل الحياة التالية ، اي في مرحلة المراهقة والشباب ، وذلك لامتلاكهم لتصورات تحول دون تقبل آراء الآخرين واوامرهم ونواهيههم. فالمراهقون والشباب يمتلكون قوة وقدرة وهم مغرورون بقدرتهم ويريدون ان يروا الى اين ستنتهي بهم ردود الفعل ازاء المواقف المتصلبة.


(343)
    ومن جانب آخر ، فان المراهقين والشباب بل وحتى الكبار يعتبرون امرنا ونهينا المباشر لهم نوعاً من الاستهانة بهم.
    فمن الطبيعي ان يبدون ازاءه التصلب والعناد ، وهذا ما ينطوي على مضاعفات في الكثير من الحالات ، وهذا يعني عدم جدواها ؛ بل قد تصحبها اضرار وخيمة ايضاً.
    3 ـ التعليم غير المباشر :
    ويبدو أنه اسلوب ومنهج جيد لنقل القيم. فالمربون يستطيعون ان يحققوا طموحاتهم من خلال المباشرة ، والحديث ، وتوجيه الأبناء لدراسة الكتب والقصص والامثال المفيدة.
    ان المربين الاذكياء والفطنين يحاولون توفير الظروف والامكانيات التي تجعل ابناءنا يندفعون تلقائياً نحو قراءة الكتب والمقالات والقصص والأشعار ، ويقومون بأنفسهم بتحليل الأمور والاستنتاج. وفي مثل هذه الحالة سيكون تقبل القيم ايسر ويتضاعف اطلاعهم على الحقائق.
    ان التعليم غير المباشر مفيد لعدم اصطحابه بالضغظ والاكراه كما هو الحال في التعليم المباشر الذي يحتم وقوف الشخص المراد تربيته امام المربي. اذ يبدي الأول مقاومة وعناداً.
    لقد أثبتت الدراسات ان الذين يتعرضون للضغوط في البداية سيتخذون فيما بعد مواقف عدائية ضد المجتمع ، ولايرفضون قيمه فقط ، بل وينكرونها ويقفون ضدها ايضاً. فليس هنالك من جاذبة تحفزهم لتقبل التعاليم والعمل بها. ولو أكرهوا عليها فانهم سيصابون بالاضطرابات


(344)
والاختلافات النفسية.
    4 ـ تقديم القدوة الصالحة :
    ويعتبر تعليما مباشراً من جانب وغير مباشر من جانب آخر ، وهو افضل منهج لنقل القيم وموضع اهتمام من قبل اولياء الدين ، فيجب تعلم القيم من خلال العمل كي يتم فهم سبلها وما فيها من السنن ، وكذا من أجل التعرف على خصائصها ومشاهدة جوانبها وأبعادها المختلفة.
    وهذا الأمر يمكن القيام به لجميع أدوار العمر سيما وان الأطفال لايفهمون القيم في بداية الحياة ، ومن جانب آخر ، فإن وضعهم الفكري والعقلي لا يتيح لهم تعلم جميع المسائل دفعة واحدة. فمن خلال تقديم النموذج والقدوة ، يتعرف الطفل على القيم تدريجياً ، ويترسخ لديه كل ما تعلمه.
    فمن اجل بلوغ هذا الهدف من الضروري توفير الظروف والامكانات بحيث يشاهد الطفل مجموعة كاملة من القيم التي تتجسد في سلوك الوالدين والمربين ، فيتعرف الطفل على مفهوم الصدق ، والامانة ، والتواضع ، وحسن السلوك ، والتعاون ، واعانة الآخرين ، والتضحية ، والايثار ، و ... الخ.
    ومن الضروري ذكر هذه النقطة وهي ان الاطفال يراقبون اعمال الكبار ، فمن خلال مشاهدة سلوكهم يتعلمون ما يجب ان يعملوه ، وما يجب ان يتركوه ، فكل عمل يعتبر درساً بالنسبة لهم ، فقد يكون درساً ايجابياً وبناء ، وقد يكون درساً مدمراً وهداماً.


(345)
    مواقف المربين :
    ان ما يجب ان يتخذه المربون من مواقف ازاء القيم ؛ والأمور والجوانب التي يجب ان ينقلوها الى الطفل بحاجة الى بحث مفصل وشامل. واما ما يمكن طرحه في هذه العجالة فهو ما يجب اتخاذه في المجالات التالية والتي قد تكون ذات آثار ايجابية :
    1 ـ في الجانب الثقافي :
    ويجب في هذا الجانب الاهتمام بعالم الخلق وقيمته ، والتأكيد على حقيقة ان العالم لم يخلق عبثاً ولا اعتباطاً ، مع تبيان أهمية الانسان ومقامه وقيمته ومكانته وشأنه باعتباره جزءاً صغيراً من هذا العالم الكبير ، فهم يتصورون احياناً انهم خلقوا عبثاً ، سيما اذا تسرب اليأس الى نفوسهم لسبب او لآخر. فلايرون مخرجاً سوى الانتحار.
    فمن الضروري ان يفهموا مكانتهم وموقعهم وما هو الموقف الذي يجب عليهم اتخاذه ، وما هي موجبات كمالهم ، والاهمية التي تحظى بها سمة الكمال ، وكيف يستفاد من استعدادهم الفطري وامكاناتهم الذاتية والطبيعية ، فيجب ان يعرف هؤلاء هل ان الطفل يولد مفطوراً على الصلاح ام على الخبث ؟ وهل يأتي إلى الدنيا بريئاً ام مذنباً ؟
    انهم بحاجة الى التمسك بهدف معين في الحياة مع ضرورة اتضاح الهدف المنشور بالنسبة لهم ، ولماذا يجب ان تزول شكوكهم في مجال تحمل المسؤولية. ومن الضروري ايضاً ان يتعرفوا على الهدف الذي
تربية الطفل دينيا وأخلاقيا ::: فهرس