تسلية المُجالس وزينة المَجالس الجزء الأول ::: 256 ـ 270
(256)
صدرَك ) (1) ، بدر مشرق ( ورفعنا لكَ ذكركَ ) (2) ، تاج نبوّته ( ما كانَ محمّدٌ أبا أحدٍ من رجالكم ولكن رسولَ اللهِ وخاتم النبيّينَ ) (3) ، ومنهاج ملّته ( ومن يبتغِ غير الإسلامِ ديناً فلن يُقبلَ منه وهو في الآخرةِ من الخاسرينَ ) (4) ، وقسم رسالته ( يس والقرآنِ الحكيمِ إنّكَ لمنَ المرسلينَ ) (5) ، وصحيفة أدبه ( خُذِ العفوَ وأمر بالعرفِ وأعرض عنِ الجاهلينَ ) (6) ، ومعراج رفعته ( سبحانَ الّذي أسرى ) (7) ، وكمال معرفته ( سنقرئكَ فلا تنسى ) (8).
    رسخت قدمه في صعيد المجد الأطول ، وشمخت شجرته في روضة الشرف الأعبل ، طار بقوادم التقديم لمّا اُسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، وفاز بدرجة التعظيم لمّا وطئ بأخمصه بساط العزّة والكبرياء ، ونودي في ذلك المقام : دس البساط بنعليك ، وخوطب بلسان الحال : ( إنّا أوحينا ) (9) النبيّون طلائع جنودك ، والكروبيّون مقدّمة عديدك ، و ( إنّا فتحنا ) (10) علم نصرتك وتأييدك ، ( ولسوف يعطيك ربّك فترضى ) (11) علامة رفعتك وتمجيدك.
1 ـ سورة الشرح : 1.
2 ـ سورة الشرح : 4.
3 ـ سورة الأحزاب : 40.
4 ـ سورة آل عمران : 85.
5 ـ سورة يس : 1 ـ 3.
6 ـ سورة الأعراف : 199.
7 ـ سورة الإسراء : 1.
8 ـ سورة الأعلى : 6.
9 ـ سورة النساء : 163.
10 ـ سورة الفتح : 1.
11 ـ سورة الضحى : 5.


(257)
    الدنيا والآخرة في قبضة حكمك ، وعلوم الأوّلين والآخرين كالقطرة في بحر علمك ، لم أخلق خلقاً أكرم منك عليّ ، ولم اُنشئ نشأً أدنى منك إليّ ، السبع الطباق ميدان سباق ، وسدرة المنتهى غاية براقك ، شجرتك في دوحة المجد نسقت ، ونبعتك في ربوة العزّ سمقت ، قلبك خزانة علمي ، وشرعك مناط حكمي ، ويمنك موضع سرّي ، وأمرك قرين أمري.
    ( من يطعِ الرسولَ فقد أطاعَ اللهَ ) (1) عنوان صحيفتك ، ( فاتّبعوني يحببكمُ اللهُ ) (2) توقيع رسالتك ، يا بدر دجى أسريت به ليلاً إلى حضرة قدسي ، ويا شمس ضحى أبديت سناها من مقام اُنسي ، خذ ما أتيتك بقوّة.
    فإذا لسان حاله ، صلّى الله عليه وآله : يا من شرّفني ـ بلذيذ مناجاته بي (3) ـ إلى الصفيح الأعلى من سماواته ، وأطلعني على أسرار ملكوته ، وأسمعني نغمة خطاب جبروته ، ربّي وحقّ ما أزلفتني به من قربك ، وأتحفتني من خالص حبّك ، وما ضمّت عليه جوانحي وأحشائي من صحّة يقيني وولائي ، وما سكن من بهجتك في سواد ناظري وسويداء ما في قلبي إلا جلال جمالك ، ولا في نفسي إلا بهاء كمالك ، صرفت كلّي نحو طاعتك ، ووجّهت وجهي إلى كعبة محبّتك ، ووقفت سمعي على خطاب حضرتك ، حلية لساني شريف ذكرك ، وراحة جناني دوام شكرك.
    يا معبودي ومقصودي ، ومن له خضوعي وسجودي ، نوّر بمصابيح التوفيق سبيل سلوكي إليك ، واحملني على مطايا التحقيق موضّحاً أدلّة الحقّ عليك ، إنّك الهادي إلى الطريق الرشاد ، والموضح سبيل السداد ، هذا الذي جليت
1 ـ سورة النساء : 80.
2 ـ سورة آل عمران : 31.
3 ـ كذا في الأصل.


(258)
رين القلوب بذكر مفاخره ، وجلوت على النفوس غروس مآثره ، ونقلت درّه من طور مراتبه ، وصببت قطرة من بحر مناقبه.
    روي عنه بالروايات القاطعة ، والآثار الساطعة ، متّصلة إليه صلّى الله عليه وآله صعد المنبر فخطب بعد أن اجتمع الناس إليه ، فقال :
    يا معشر المؤمنين ، إنّ الله سبحانه أوحى إليّ أنّي مقبوض ، وانّ ابن عمّي علياً مقتول ، وإنّي ـ أيها الناس ـ اُخبركم بخبرٍ إن علمتم به سلمتم ، وإن تركتموه هلكتم ، إنّ ابن عمّي علياً هو أخي ووزيري ، وهو خليفتي ، وهو المبلّغ عنّي ، وهو إمام المتّقين ، وقائد الغرّ المحجّلين ، إن استرشدتموه أرشدكم ، وإن تبعتموه نجوتم ، وإن خالفتموه ضللتم ، وإن أطعتموه فالله أطعتم ، وإن عصيتموه فالله عصيتم ، وإن بايعتموه فالله بايعتم ، وإن نكثتم بيعته فبيعة الله نكثتم ، وإنّ الله سبحانه أنزل عليَّ القرآن ، وهو الذي من خالفه ضلّ ، ومن ابتغى علمه عند غير علي هلك.
    أيها الناس ، اسمعوا قولي ، واعرفوا حقّ نصيحتي ، ولا تخلفوني في أهل بيتي إلا بالذي اُمرتم به من حقّهم (1) ، فإنّهم حامتي وقرابتي وإخوتي وأولادي ، وإنكم مجموعون ومساءلون عن الثقلين ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ، إنّهم أهل بيتي ، فمن آذاهم آذاني ، ومن ظلمهم ظلمني ، ومن أذلّهم أذلّني ، ومن أعزّهم أعزّني ، ومن أكرمهم أكرمني [ ومن نصرهم نصرني ، ومن خذلهم خذلني ، ومن طلب الهدى في غيرهم فقد كذّبني ]. (2)
    أيها الناس ، اتّقوا الله وانظروا ما أنتم قائلون إذا لقيتموه ، فإنّي خصيم لمن
1 ـ في الأمالي : حفظهم.
2 ـ من الأمالي.


(259)
آذاهم ، ومن كنت خصمه خصمه الله (1) ، أقول قولي [ هذا ] (2) وأستغفر الله لي ولكم. (3)
    أقول : في موجب هذه الخطبة التي ذكر الرسول صلّى الله عليه وآله فيها شرف أمير المؤمنين ، وأبان عن فضله الّذي لا يوازيه فضل أحد من العالمين ، إذ اختصّه بخلافته وإخوته ، وسجّل انّه الأولى بتدبير اُمّته ، وأوضح عن شرف رتبته ، وأفصح برفعة منزلته بقوله : هذا أخي ووزيري وخليفتي والمبلّغ عنّي ، ثمّ زاده شرفاً بقوله : هذا أخي ووزيري وخليفتي والمبلّغ عنّي ، ثمّ زاده شرفاً بقوله : هو إمام المتّقين ، وقائد الغرّ المحجّلين ، وإنّما خصّ المتّقين بالذكر لكونهم هم الفائزون بإخلاص الطاعة له في سرّهم وعلانيتهم ، وهم المتّبعون بأداء أمره ونواهيه في ظواهرهم وبواطنهم ، وهم الّذين اهتدوا فزادهم الله هدى وآتاهم تقواهم (4) ، وهم الّذين اعتصموا بحبل الله فعصموا من الردى في دنياهم واُخراهم (5) ، وان كان صلوات الله عليه إماماً لجميع الخلق من الثقلين ، وسيّداً لمن أقرّ بتوحيد ربّ المشرقين وربّ المغربين.
    ثم عرّفنا صلّى الله عليه وآله إن استرشدناه استرشدنا ، وإن تبعناه نجونا ، وإن خالفناه ضللنا ، وإن أطعناه فالله أطعنا ، وإن عصيناه فالله عصينا ، وإن
1 ـ في الأمالي : خصمه خصمته.
2 ـ من الأمالي.
3 ـ أمالي الصدوق : 62 ح 11 ، عنه البحار : 38 / 94 ح 10 ، وإثبات الهداة : 1 / 279 ح 148.
    ورواه في بشارة المصطفى : 16 ـ 17 بالاسناد إلى الصدوق.
    وأورده في مشارق أنوار اليقين : 52 ـ 53 ، عنه البحار : 23 / 153 ح 118.
4 ـ إقتباس من الآية : 17 من سورة محمد صلّى الله عليه وآله.
5 ـ إقتباس من الآية : 103 من سورة آل عمران.


(260)
بايعناه فالله بايعنا ، وإن نكثنا بيعته فبيعة الله نكثنا.
    ثم قال صلّى الله عليه وآله : إنّ الله أنزل عليَّ القرآن الذي من خالفه ضلّ ، ومن ابتغى علمه عند غير عليّ هلك.
    وما كان صلّى الله عليه وآله ليثبت له هذه الخصائص تشهّياً ، ولا ليوجب له هذه الفضائل اقتراحاً ، بل بوحي يوحى ، لكونه صلّى الله عليه وآله لا ينطق عن الهوى (1).
    ولم يكن سبحانه ليوجب علينا متابعته ، ويفرض علينا ولايته ، ولا يحثّنا على الاستمساك بعروته ، ويأمرنا بسلوك طريقته ، إلا لأنّه سبحانه علم تشدّده في حبّه ، وإخلاصه بقالبه وقلبه.
    قد طهّره سبحانه بالعصمة ، وأيّده بالحكمة ، لا تأخذ فيه لومة لائم ، ولا يثني عزيمته عن التوجّه إليه عقائد العزائم ، قلبه منبع الأسرار الإلهيّة ، ونفسه معدن العلوم الربّانيّة والفضائل النفسانيّة ، إلى كعبة علومه تشدّ الرحال ، وببيت معارفه يطول الرجال ، وعلى قواعد استنباطه تبنى الأحكام ، وهو الذي وضع قوانين العلوم بأسرها ، وتفرّد دون الخلق بضبطها وحصرها ، فالعلوم الإلهيّة من عين يقينه نبعت ، الأحكام الشرعيّة من تحقيقه وتبيينه تفرّعت ، وموازين الفصاحة بلسانه استقام لسانها ، وقعر البلاغة بنهج بلاغته قامت سوقها واستقامت أوزانها ، والقواعد الرياضيّة بحدّة فطنته أوضح غامض إشكالها ، وأقام البرهان على وحدة الصانع ووجوب وجوده بترتيب قضاياها وأشكالها.
    كلّ علم لا يُعزى إليه فهو باطل ، وكلّ نثر لا يحلّى بجواهر كلامه فهو
1 ـ إشارة إلى الآية : 3 و 4 من سورة النجم.

(261)
عاطل ، وكلّ عالم لا يعتمد عليه فهو جاهل ، وكلّ منطبق لا يقفو أثره فهو باقل (1) ، وكلّ فاضل لا يحذو حذوه فهو خامل.
    ما من علم إلا وهو أصله وفرعه ، وما من أدب إلا وهو بصره وسمعه ، إليه يرجع المتألّهون في سلوكهم ، وبنور كشفه تكشف ظلمة الحيرة من سلوكهم ، أقدم الناس سلماً ، وأغزرهم علماً ، واعرفهم بكتاب الله ، وأذبّهم عن وجه رسول الله.
    سيفه القاطع ، ونوره الساطع ، وصدّيقه الصادق ، ولسانه الناطق ، وأنيس وحشته ، وجليس وحدته ، ووليّ عهده ، وأبو ولده ، وأفضل الخلق من بعده ، لم يسبقه الأوّلون بعلم وجهاد ، ولم يلحقه الآخرون بجدّ واجتهاد ، نصر الرسول إذ خذلوا ، وآزره إذ فشلوا ، وآثره بنفسه إذ بخلوا ، واستقام على طريقته ، إذ غيّروا وبدّلوا.
    مجده شامخ ، وعلمه راسخ ، كم حجّة لمارق أدحض ، وكم شبهة لزاهق قوّض ، وكم علم للشرك نكّس ، وكم جدّ للظلم أتعس ، وكم جمع للنفاس أركس ، وكم منطبق من اولي الشقاق أبلس ، أوّل من صام وصلّى وتصدّق ، وأقام الإسلام في بدر وحنين واُحد والخندق ، كم قصم فقار مشرك بذي الفقار ، كالوليد وعمرو وذي الخِمار (2) ، ردّت له الشمس وقد دنت للطفل ، حتى أدّى فرضه وعن طاعة ربّه ما اشتغل.
أوّل في الدين ذو قدم خصّة ربّي فصـيّره وله عزّ إذا انتسبا لبني بنت النبيّ أبا

1 ـ باقلٌ : اسم رجل يضرب به المثل في العِيّ. « لسان العرب : 11 / 62 ـ بقل ـ ».
2 ـ هو سُبيع بن الحارث ، من بني مالك.


(262)
    فهو سيّد الوصيّين ، وزوج سيّدة نساء العالمين ، وابناه سيّدا شباب أهل الجنّة ، وعمّه حمزة سيّد الشهداء ، وأخوه جعفر يسمّى ملكاً ، سيّد الطيور في الجنّة يطير عبد مناف سيّد العرب ، وحماته اُمّ المؤمنين أوّل امرأة أسلمت وصلّت وأنفقت ، ومنها نسل النبي صلّى الله عليه وآله ، واُمّه فاطمة بنت أسد أوّل هاشميّة ولدت من هاشميّين.
    وروى الثقات عن رسول الله صلّى الله عليه وآله أنّه قال : يا عليّ ، لك أشياء ليس لي مثلها ؛ إنّ لك زوجة مثل فاطمة وليس لي مثلها ، ولك ولدين من صلبك وليس لي مثلهما من صلبي ، ولك مثل خديجة امّ أهلك وليس لي مثلها ، ولك حمو (1) مثلي وليس لي حمو مثلي ، ولك أخ في النسب مثل جعفر وليس لي مثله في النسب ، ولك اُمّ مثل فاطمة بنت أسد الهاشميّة المهاجرة وليس لي اُمّ مثلها.
    سلمان وأبوذرّ والمقداد : انّ رجلاً فاخر عليّاً عليه السلام فقال [ النبيّ صلّى الله عليه وآله ] (2) : إن فاخرت العرب فأنت أكرمهم ابن عمّ ، وأكرمهم نفساً ، وأكرمهم زوجة ، وأكرمهم ولداً ، واكرمهم أخاً ، وأكرمهم عمّاً ، وأعظمهم حلماً ، وأكثرهم علماً ، وأقدمهم سلماً ، [ وفي خبر : ] (3) وأشجعهم قلباً ، وأسخاهم كفّاً.
    وفي خبر آخر : أنت أفضل اُمّتي فضلاً. (4)
    وروى شيخ السنّة القاضي أبو عمرو عثمان بن أحمد في خبر طويل أنّ
1 ـ في المناقب : صهر ، وكذا في الموضع الآتي.
2 و 3 ـ من المناقب.
4 ـ مناقب ابن شهراشوب : 2 / 170 ، عنه البحار : 40 / 68 ح 102.


(263)
فاطمة بنت أسد رأت النبي صلّى الله عليه وآله يأكل تمراً له رائحة تزداد على كلّ الأطائب من المسك والعنبر ، من نخلة لا شماريخ لها ، فقالت : ناولني ـ يا رسول الله ـ أنل منها.
    قال صلّى الله عليه وآله : لا تصلح إلا أن تشهدي معي [ أن ] (1) لا إله إلا الله ، وأنّ محمداً رسول الله ، فشهدت الشهادتين ، فناولها فأكلت ، فازدادت رغبتها ، وطلبت اُخرى لأبي طالب ، فأوعز إليها صلّى الله عليه وآله الا تعطيه الا بعد الشهادتين.
    فلمّا جنّ عليها الليل اشتمّ أبو طالب نسيماً ما اشتمّ مثله قطّ فأظهرت ما معها فالتمسه منها ، فأبت عليه (2) إلا أن يشهد الشهادتين ، فلم يملك نفسه أن شهد الشهادتين غير أنّه سألها أن تكتم عليه لئلّا تعيّره قريش ، فعاهدته على ذلك ، وأعطته ما معها ودنا إليها ، فعلقت بعليّ صلوات الله عليه في تلك الليلة ، ولمّا علقت بعليّ عليه السلام ازداد حسنها ، وكان يتكلّم في بطنها ، وكانت يوماً في الكعبة فتكلّم علي عليه السلام مع جعفر فغشي عليه ، فالتفتت فإذا الأصنام خرّت على وجوهها ، فمسحت على بطنها وقالت : يا قرّة العين ، تخدمك (3) الأصنام فيّ داخلاً ، فكيف شأنك خارجاً ؟! وذكرت لأبي طالب ذلك ، فقال : هو الّذي قال لي عنه أسد في طريق الطائف. (4)
    وروى الحسن بن محبوب ، عن الصادق عليه السلام أنّه لمّا أخذ فاطمة
1 ـ من المناقب.
2 ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : إليه.
3 ـ في المناقب : سجدتك.
4 ـ مناقب ابن شهراشوب : 2 / 172 ، عنه البحار : 35 / 17 ح 14 ، وحلية الأبرار : 2 / 19 ح 1.


(264)
بنت أسد الطلق أتت الكعبة فانفتح البيت من ظهره ودخلت فاطمة فيه ، ثمّ عادت الفتحة والتصقت وبقيت فيه ثلاثة أيّام تأكل من ثمار الجنّة وأرزاقها حتى ولدت أمير المؤمنين عليه السلام في جوف الكعبة.
    وقيل : إنّه لمّا أخذها المخاض أتت الكعبة وقالت : ربّ إنّ مؤمنة بك وبما جاء من عندك من كتب ورسل ، مصدّقة بكلام جدّي إبراهيم ، فبحقّ الّذي بنى هذا البيت ، وبحقّ المولود الذي في بطني لما يسّرت عليّ ولادتي.
    فانفتح البيت ودخلت فيه وإذا بحوّاء ومريم وآسية واُمّ موسى ، وصنعن به كما صنعن برسول الله صلّى الله عليه وآله عند ولادته ، فلمّا ولدته سجد على الأرض يقول : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أنّ محمّداً رسول الله ، [ وأشهد أنّ عليّاً وصيّ محمد رسول الله ] (1) ، بمحمد تختم النبوّة ، وبي تتمّ الوصيّة ، وأنا أمير المؤمنين ، ثمّ سلّم على النساء ، وأشرقت الأرض (2) بضيائها ، فخرج أبو طالب وهو يقول : أبشروا ، فقد خرج وليّ الله.
    وفي رواية اُخرى : انّه لمّا خرجت به اُمّه من البيت قال لأبي طالب : السلام عليك يا أبة ورحمة الله وبركاته ، ثمّ تنحنح وقرأ : ( بسم الله الرحمن الرحيم قد أفلح المؤمنونَ ) (3) الآيات ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : قد أفلحوا بك ، أنت والله أميرهم تميرهم من علومك فيمتارون ، وانت والله دليلهم وبك يهتدون.
    ووضع رسول الله صلّى الله عليه وآله لسانه في فيه فانفجر اثنتا عشرة
1 ـ من المناقب.
2 ـ في المناقب : السماء.
3 ـ سورة المؤمنون : 1.


(265)
عيناً ـ الحديث ـ فحنّكه رسول الله بريقه ، وأذّن في اُذنه اليمنى ، وأقام في اليسرى ، فعرف الشهادتين وولد على الفطرة. (1)
    وروي أنّه لمّا ولد [ علي عليه السلام ] (2) أخذ أبو طالب بيد فاطمة ـ وعليّ على صدره ـ وخرج ليلاً إلى الأبطح ونادى :
يا ربّ هذا الغـسق الدجيِّ بيّن لنا من حكمك المقضيّ والقـمر المـبتلـج المضيّ [ ماذا ترى في اسم ذا الصبيّ ؟ ] (3)
    قال : فجاء شيء كالسحاب يدبّ على وجه الأرض حتى حصل في صدر أبي طالب فضمّه مع عليّ إلى صدره ، فلمّا أصبح إذا هو بلوح أخضر فيه مكتوب :
خصصتما بالولد الزكيّ فاسمه من شامخ عليّ والطاهر المنتجب الرضيّ عليّ اشــتقّ من العلـيّ (4)
    قال : فعلّق (5) اللوح في الكعبة ، وما زال هناك حتى أخذه هشام بن عبد الملك لعنه الله ، وإجماع أهل البيت أنّه ولد في الزاوية اليمنى في الكعبة ، فالولد الطاهر من النسل الطاهر ، ولد في الموضع الطاهر ، فأين توجد هذه
1 ـ مناقب ابن شهراشوب : 2 / 173 ـ 174 ، عنه البحار : 35 / 17 ذ ح 14.
2 ـ من المناقب.
3 ـ من المناقب.
    وفي « ح » : قال أبو طالب :
سمّيته بعليّ كي يدوم له عزّ العلوّ وخير العزّ أدومه
4 ـ انظر كفاية الطالب : 406 ، عنه الغدير : 7 / 347. وفي الفضائل لشاذان : 56 ـ 57 ، عنه البحار : 35 / 102 ـ 103.
5 ـ في المناقب : فعلّقوا.


(266)
الكرامة لغيره ؟ فأشرف البقاع الحرم ، وأشرف الحرم المسجد ، وأشرف [ بقاع ] (1) المسجد الكعبة ، ولم يولد فيه مولود سواه ، فالمولود فيه يكون في غاية الشرف ، وليس المولود في سيّد الأيّام يوم الجمعة في الشهر الحرام في البيت الحرام سوى أمير المؤمنين عليه السلام. (2)
    وأجمع أهل البيت بأدلّة قاطعة بأنّه معصوم ، وأجمع الناس انّه لم يشرك بالله أبداً ، وانّه بايع (3) النبيّ في صغره وترك أبويه.
    وروى جابر رضي الله عنه ، عن النبي صلّى الله عليه وآله قال : ثلاثة لم يكفروا بالله (4) طرفة عين : مؤمن آل يس ، وعليّ بن أبي طالب ، وآسية امرأة فرعون. (5)
    وروي أنّه اعترف رجل [ محصن ] (6) عند أمير المؤمنين عليه السلام انّه زنا مرّة بعد مرّة وأمير المؤمنين يتغافل عنه حتى اعترف الرابعة ، فأمر صلوات الله عليه بحبسه ، ثمّ نادى في الناس ، ثم أخرجه بالغلس (7) ، ثمّ حفر له حفيرة ووضعه فيها ، ثمّ نادى : أيها الناس ، هذه حقوق الله لا يطلبها من كان عليه مثلها ، فانصرفوا ما خلا عليّ بن أبي طالب والحسن والحسين صلوات الله عليهم. (8)
1 ـ من المناقب.
2 ـ مناقب ابن شهراشوب : 2 / 174 ـ 175 ، عنه البحار : 35 / 18 ـ 19.
3 ـ كذا في المناقب ، وفي الاصل : تابع.
4 ـ في المناقب : بالوحي.
5 ـ مناقب ابن شهراشوب : 2 / 177.
6 ـ من المناقب.
7 ـ الغلس : ظلمة آخر الليل.
8 ـ مناقب ابن شهراشوب : 2 / 177 ، وزاد فيه : فرجمه ، ثمّ صلّى عليه.


(267)
    وفي التهذيب انّ محمد بن الحنفية كان ممّن رجع. (1)
    وكان أمير المؤمنين ممّن وصفه الله تعالى ( واجنُبني وبنيَّ أن نعبدَ الأصنامَ ) (2) ثم قال : ( ومن ذرّيّتنا امّةً مسلمةً لكَ ) (3) ، فنظرنا في أمر الظالم فإذا الاُمّة قد فسّروه انّه عابد الأصنام ، وانّ من عبدها فقد لزمه الذّل ، وقد نفى الله أن يكون الظالم إماماً (4) لقوله : ( لا ينالُ عهدي الظالمينَ ) (5).
    ووجدنا العامّة بأسرهم إذا ذكروا عليّاً قالوا : كرّم الله وجهه ، وأجروا ذلك على ألسنتهم ، يعنون بذلك : عن عبادة الأصنام. (6)
    ديك الجنّ (7) :
شرفي محبّة معشر وولاي من في فتكه لم يعبد الأصنام قطّ ثبتاً إذا قدما سـواه ثقل الهدى وكتـابه شرّفوا بسورة هـل أتى سمّاه ذو الـعرش الفتى ولا ألام ولا عـــتـا إلى المـهاوي زلـّـتا بـعـد الـنبـيّ تشتّتا

1 ـ تهذيب الأحكام : 10 / 11 ذ ح 23 وفيه أن ذلك كان في قضيّة اُخرى.
2 ـ سورة إبراهيم : 35.
3 ـ سورة البقرة : 128.
4 ـ في المناقب : خليفة.
5 ـ سورة البقرة : 124.
6 ـ مناقب ابن شهراشوب : 2 / 177.
7 ـ هو أبو محمد عبد السلام بن رغبان ، أصله من مؤتة ، وولد في حمص ، وهو شاعر مشهور مجيد ... وكان يتشيّع ، له مراث كثيرة للحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام ، توفّي سنة « 235 » ه‍. « الكنى والألقاب : 2 / 212 ».


(268)
واحسرتاه من ذلّهم طالت حياة عدوّهم وخضوعهم واحسرتا حتّى متى وإلى متى ؟
    ثمّ انّه صلوات الله عليه لم يشرب الخمر قطّ ، ولم يأكل ما ذبح على النصب ، وغير ذلك من الفسوق وقريش ملوّثون بها. (1)
    روى قتادة ، عن الحسن البصري ، قال : اجتمع علي وعثمان بن مظعون وأبو طلحة وأبو عبيدة ومعاذ بن جبل وسهيل بن بيضاء وأبو دجانة في منزل سعد بن أبي وقّاص ، فأكلوا شيئاً ، ثم قُدّم إليهم شيئاً من الفضيح ، فقام أمير المؤمنين عليه السلام وخرج من بينهم ، فقال عثمان في ذلك ، فقال علي : لعن الله الخمر ، والله لا أشرب شيئاً يذهب بعقلي ، ويضحك بي من رآني ، واُزوّج كرمتي من لا اُريد ، وخرج من بينهم ، فأتى المسجد ، وهبط جبرئيل بهذه الآية : ( يا أيها الذينَ آمنوا ـ يعني الذين اجتمعوا في منزل سعد ـ إنّما الخمرُ والميسرُ والأنصابُ والأزلامُ رجسٌ من عملِ الشيطانِ ) (2) إلى آخرها ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : تبّاً لها ، [ والله ـ يا رسول الله ـ لقد كان بصري فيها نافذ منذ كنت صغيراً.
    قال الحسن : ] (3) والله الذي لا إله إلا هو ما شربها (4) قبل تحريمها ولا ساعة قطّ. (5)
    ثم إنّه كان أبو طالب وفاطمة بنت أسد ربّيا رسول الله صلّى الله عليه وآله ،
1 ـ مناقب ابن شهراشوب : 2 / 178.
2 ـ سورة المائدة : 90.
3 ـ من المناقب.
4 ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : ما شربتها.
5 ـ مناقب ابن شهراشوب : 2 / 178.


(269)
وربّى النبي صلّى الله عليه وآله وخديجة لعلي عليه السلام ، وسمعنا (1) مذاكرة أنّه لمّا ولد أمير المؤمنين صلوات الله عليه لم يفتح عينيه ثلاثة أيّام ، فجاء النبي صلى الله عليه وآله ففتح عينيه ، ونظر إلى النبي صلّى الله عليه وآله ، فقال النبي صلّى الله عليه وآله : خصّني بالنظر ، وخصصته بالعلم.
    وروي أنّ النبي صلّى الله عليه وآله حين تزوّج خديجة قال لعمّه أبي طالب : إنّي اُحبّ أن تدفع إليّ بعض ولدك يعينني على أمري ويكفيني ، وأشكر لك بلاءك عندي.
    فقال أبو طالب : خذ أيّهم شئت ، فأخذ عليّاً عليه السلام. (2)
    نهج البلاغة : وقد علمتم موضعي من رسول الله صلى الله عليه وآله بالقرابة ، والمنزلة الخصيصة ، وضعني في حجره وأنا وليد يضمّني إلى صدره ، ويلفّني (3) في فراشه ، ويمسّني خدّه (4) ، ويشمّني عَرفَهُ (5) ، وكان يمضغ الشيء ويلقمنيه ، وما وجد لي كذبة في قول ولا خطلة (6) في فعل ، ولقد قرن الله به صلّى الله عليه وآله من لدن [ أن ] (7) كان فطيماً أعظم مَلَكٍ من ملائكته يسلك به طريق المكارم ، ومحاسن أخلاق العالم ، ليله ونهاره ، ولقد كنت أتّبعه اتّباع الفصيل أثر اُمّه ، يرفع لي [ في ] (8) كلّ يوم عَلَماً من أخلاقه ،
1 ـ في المناقب : وسمعت.
2 ـ مناقب ابن شهراشوب : 2 / 179 ، عنه البحار : 38 / 294 ح 1 ، وحلية الأبرار : 2 / 28 ح 2 ( صدره ).
3 ـ في النهج : وأنا وَلَد ... ويكنفني.
4 ـ في المناقب والنهج : جسده.
5 ـ عرفه : رائحته الذكيّة.
6 ـ الخلطة : واحدة الخَطَل ، وهو الخطأ ينشأ عن عدم الروية.
7 ـ من النهج.
8 ـ من المناقب والنهج.


(270)
ويأمرني بالاقتداء به. (1)
    فمن استقت عروقه من منبع النبوّة ، ورضعت شجرته ثدي الرسالة ، وتهدّلت أعصانه (2) من نبعة الامامة ، ونشأ في دار الوحي ، وربّي في بيت التنزيل ، ولم يفارق النبي صلّى الله عليه وآله ساعة في حال حياته إلى حال وفاته ، لا يقاس به أحد من سائر الخلق ، وإذا كان صلوات الله عليه نشأ في أكرم اُرومة ، وأطيب مغرس ، والعرق الصالح ينمي ، والشهاب الثاقب يسري ، وتعليم الرسول نافع (3) ، ولم يكن الرسول صلّى الله عليه وآله ليتولّى تأديبه ويتضمّن حضانته وحسن تربيته إلا على ضربين (4) : إمّا على التفرّس فيه ، أو بالوحي من الله سبحانه ، فإن كان بالتفرّس فلا تخطئ فراسته ولا يخيب [ ظنّه ] (5) ، وإن كان بالوحي فلا منزلة أعلى ولا حال أدلّ على الفضيلة والامامة منه. (6)
    ثمّ إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله خصّه بسيّدة النساء دون غيره بأمر الله سبحانه ، وتولّى سبحانه عقدة نكاحها ، وأنزل في ذلك قرآناً يتلى إلى يوم القيامة.
    روى ابن عبّاس رضي الله عنه وابن مسعود وجابر والبراء وأنس
1 ـ نهج البلاغة : 300 خطبة رقم 192 ، عنه مناقب ابن شهراشوب : 2 / 180 ، والبحار : 38 / 320 ح 33.
وأخرجه في حلية الأبرار : 2 / 30 ح 4 عن المناقب.
2 ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : عليه أغصانه.
3 ـ في المناقب : ناجع.
4 ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : إلا على خير بيّن.
5 ـ من المناقب.
6 ـ مناقب ابن شهراشوب : 2 / 180 ، عنه البحار : 38 / 295.
تسلية المُجالس وزينة المَجالس الجزء الأول ::: فهرس