تسلية المُجالس وزينة المَجالس الجزء الثاني ::: 1 ـ 15

تسلية المُجالس وزينة المَجالس
الموسوم ب‍
« مقتل الحسين عليه السلام »
تأليف
السيد الأديب محمد بن أبي طالب الحسيني الموسوي الحائري الكَرَكي
« من أعلام القرن العاشر »
الجزء الثاني
تحقيق
فارس حسّون كريم
من مصادر بحار الانوار


(4)

(5)
بسم الله الرحمن الرحيم


(6)

(7)
المجلس الرابع
في خصائص الامام الثاني سبط المصطفى ، ورابع
أصحاب الكساء ذي المآثر والمنن ، مولانا وسيّدنا
أبي محمد الحسن ، وذكر شيء من فضائله المختصّة
به والمشتركة مع جدّه وأبيه وأمّه وأخيه
صلوات الله عليهم أجمعين.

    الخطبة : الحمد لله الّذي جعل حمده سبيلاً موصلاً إلى نعيم جنّته ، وسبباً متّصلاً بعميم رحمته ، وشكره وسيلة لشاكره إلى المزيد من نعمته ، وذكره شرفاً لذاكره في سرّه وعلانيته ، وبنى قواعد دينه على توحيده ومعرفته ، وأخذ عباده بتقديسه وتنزيهه عمّا لا يليق بربوبيته ، ونصب لهم أعلاماً يهتدي بها المتردّد في تيه حيرته ، وأطلع في سماء العرفان أنجماً ينجو بزواهرها ضالهم في ظلمة شبهته ، وجعل تلك الأعلام الواضحة ، والأنجم اللائحة ، عباداً مكرمين من خواصه ، وأولياء معصومين قد صفاهم واصطفاهم بإخلاصه. أولهم نبيّ تمّمت به الرسالة والنبوّة ، وإمام انتهت إليه الرئاسة والفتوة ، لما جعله سبحانه أشدّ خلقه بسطة في العلم والجسم والقوّة ، واختصه الرسول بالوصية والخلافة والاخوة ، ثبت في العقل والنقل عموم رئاسته ، وقبح في


(8)
الحقيقة والطريقة تقديم من قصر عن رتبته.
    نحمد ربّنا على ما أطلعنا عليه من سرة المكنون ، وعلمه المخزون ، ونزهنا عن اتباع كلّ ناعق بالباطل ، وزاهق بغير الحق قائل ، وبنى على حب آله قواعد عقائدنا ، وركز في جبلّتنا معرفة سادتنا وأئمّتنا ، وانهم أولوا الأمر الّذين ألزم عباده بطاعتهم ، وحث أنامه على متابعتهم ، فمن سلك غير سبيلهم ، واهتدى بغير دليلهم ، قاده سوء اختياره إلى الشقاوة السرمدية ، وأوقعه ضلال سعيه في الهلكة الأبدية.
    لا نشك في كفر من تقدّمهم غاصباً وتسمى بغير اسمه كاذباً ، واستوجب اللعنة بإلحاده في دين الله ، واستحق العقوبة بجحده ولاية الله ، وتوالى في الله أوليائهم ، وتعادى في الله أعداءهم ، ويلعن الحانث صدّيقهم ، والناكث فاروقهم ، والثالث زهوقهم ، والرابع زنديقهم ، الّذي كان إسلامه نفاقاً ، ودينه شقاقاً ، وطبعه غدراً ، ومعتقده كفراً ، الباغي بحربه والكافر بربه ، والخارج على إمام الحق بجنده ، والباغي على وليّ الخلق بحسده ، والمدبر في قتل السيد الزكي قرة عين النبيّ وثمرة قلب الوصيّ ، والمديف له قواتل سمومه بغدره ، والمفسد رؤساء جنوده بمكره.
    اللّهمّ العنه والعن كلّ منقاد طوعاً لأمره ، وكل شاك في ضلاله وكفره.


(9)

    الجد النبيّ ، والأب الوصيّ ، والاُم الزهراء ، والدار البطحاء ، فضله معروف ، وكرمه موصوف ، يخل الغيث بفيض كفه ، ويخجل البحر بسبب عرفه ، اصوله كريمة ، وأياديه عميقة ، وحبّه فرض واجب ، ووده حكم لازب ، وطاعته تمام الايمان ، ومعصيته سبيل الخسران ، الناطق بالحكمة ، والمؤيد بالعصمة ، إمام الاُمّة ، وثاني الأئمّة ، مَن حبّه من النيران جُنّة ، واتباعه سبيل موصل إلى نعيم الجنّة ، وولاؤه على أهل الأرض فرض لا سنّة ، ذو النسب الطاهر ، والحسب الفاخر والمجد الأعبل ، والشرف الأطول ، والعلم المأثور ، والحلم المشهور ، الّذي تردى بالمجد واتزر ، وتصدى للبذل واشتهر ، وظهر عنه العلم وانتشر ، وبخدمته الأمين جبرئيل افتخر.
    آل عمران تشهد للرسول بنبوّته يوم المباهلة ، وسورة الانسان تنبىء عن كمال فضيلته حين المفاضلة ، وأحزاب المجد بحجّة آية تطهيرها لعصمته


(10)
ناصرة ، وأبصار الفخر إلى نضرة بهجته يوم الكساء ناظرة ، شاطر الله ماله مراراً ، وآثر المسكين واليتيم والأسير بقوّته إيثاراً ، وكان للمسلمين نوراً ومناراً ، وللعارفين غيثاً مدراراً ، تشمخ المنابر فخراً إن علاها بقدمه ، وتشرق المحاضر سروراً إذا غمرها بكرمه ، موات الآمال يحيى بوابل جوده ، وأموات الافضال تنشر بها طل جوده ، والرئاسة العامّة تتجلّى على رفعة إمامته ، والمناقب التامة تخطر بين يدي زعامته.
    من اتخذه بضاعة ربحت تجارته في الدنيا والآخرة ، ومن تولّى عن أمره إلى غيره ومعاندة أضحت كرته خاسرة ، رضيت به وبأهل بيته سادة عمن سواهم ، ووسمت جبهتي بميسم العبودية لجلال علاهم ، فإن رقموني في دفاتر عبيدهم ، وأثبتوني في جرائد عديدهم ، فذلك غاية مرادي وأقصى مناي ، وإن طردوني عن أبواب كرمهم ، ومحوني من جرائد خدمهم ، فيا شقوتي وخيبة مسعاي.
    اللّهمّ نور قلبي بحبهم ، واشرح صدري بقربهم ، ولا تخلني من حياطتهم ، ولا تصرف وجهي عن وجههم ، والحظني بعين عنايتهم ، ولا تنزع منّي بركة رأفتهم ، إنّك على كلّ شيء قدير.
    محمد بن إسحاق ، بالاسناد : جاء أبوسفيان إلى عليّ عليه السلام ، فقال : يا أبا الحسن ، جئتك في حاجة.
    قال : وفيما جئتني ؟
    قال : تمشي معي إلى ابن عمّك محمد فتسأله أن يعقد لنا عقداً ، ويكتب لنا كتاباً. فقال أمير المؤمنين : لقد عقد لك رسول الله صلّى الله عليه وآله عقداً لا يرجع عنه أبداً ، وكانت فاطمة من وراء الستر ، والحسن يدرج بين يديها وهو


(11)
طفل من أبناء أربعة عشر شهراً (1) ، فقال : يا بنت محمد ، قولي لهذا الطفل يكلّم لي جدّه فيسود بكلامه العرب والعجم.
    فأقبل الحسن عليه السلام على أبي سفيان وضرب بإحدى يديه على أنفه والاخرى على لحيته ، ثمّ أنطقه الله سبحانه بأن قال : يا ابا سفيان ، قل : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، حتّى أكون لك شفيعاً.
    فقال أمير المؤمنين عليه السلام : الحمد لله الّذي جعل من ذرّيّة محمد المصطفى نظير يحيى بن زكريا ، آتاه (2) الحكم صبياً.
    واستغاث الناس إليه عليه السلام من زياد بن أبيه ، فرفع يده وقال : اللّهمّ خُذ لنا ولشيعتنا من زياد بن أبيه ، وأرنا فيه نكالاً عاجلاً ، إنّك على كلّ شيء قدير.
    قال : فخرج خراج في إبهام يمينه ، ويقال : السلعة (3) ، وورم إلى عنقه فمات لا رحمه الله (4).
    قال محمد بن إسحاق : ما بلغ أحد من الشرف بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله ما بلغ الحسن بن عليّ ، كان يبسط له بساط على باب داره فإذا خرج وجلس انقطع الطريق ، فما يراه أحد من خلق الله إلاّ قام إجلالاً له ، فإذا علم قام
1 ـ وردت هذه القصة في كتب السير عند ذكر فتح مكّة سنة ثم‏ّان للهجرة حين جاء أبو سفيان إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله ليبرم عهد المشركين ويزيد في مدته.
    وقد قيل كان عمر الحسن عليه السلام خمس سنين ، وفي الكامل في التاريخ : 2/241 انّه غلام.
2 ـ في المناقب : ( وآتيناه الحكم صبياً ) سورة مريم : 12.
3 ـ في المناقب ، خراج في إبهام يمينه يقال لها : السلعة.
4 ـ مناقب ابن شهراشوب : 4/6 ـ 7 ، عنه البحار : 43/326 ح 6.


(12)
فدخل داره فيمر الناس ، ولقد رأيته في طريق مكّة ماشياً فما أحد من خلق الله رآه إلا نزل ومشى.
    أبو السعادات في الفضائل : إن الشيخ أبو الفتوح أملى في المدرسة الناجية أنّ الحسن بن عليّ عليه السلام كان يحضر مجلس رسول الله صلّى الله عليه وآله وهو ابن سبع سنين فيسمع الوحي فيحفظه ، فيأتي إلى اُمّه فيلقي إليها ما حفظه ، فلمّا دخل عليها أمير المؤمنين عليه السلام وجد عندها علماً بالتنزيل ، فسألها عن ذلك ، فقالت : من ولدك الحسن ، فتخفّى يوماً في الدار وقد دخل الحسن فأراد أن يلقيه إليها فأرتج (1) عليه ، فعجبت (2) ، فخرج أمير المؤمنين عليه السلام وضمه إليه وقبّله.
    وفي رواية : يا اماه ، قلَّ بياني ، وكل لساني ، لعل سيداً يرعاني. (3)
    الحسين بن أبي العلاء ، عن جعفر بن محمد عليه السلام : قال الحسن بن عليّ عليه السلام لأهل بيته : يا قوم ، إنّي أموت بالسم كما مات رسول الله صلّى الله عليه وآله.
    فقال له أهل بيته : ومن الّذي يسمك ؟
    قال : جاريتي أو امرأتي.
    فقالوا له : أخرجها من ملكك عليها لعنة الله.
1 ـ أُرتِجَ على القارىء ... إذا لم يقدر على القراءة كأنه اُطبِقَ عليه ، كما يُرتَجُ الباب ، وكذلك ارْتُتِجَ عليه. ولا تقل : ارتُجَّ عليه بالتشديد. « الصحاح : 1/317 ـ رتج ـ ».
2 ـ في المناقب : فعجبت اُمّه من ذلك ، فقال : لا تعجبين يا اُماه ، فإن كبيراً يسمعني واستماعه قد أوقفني ، فخرج ...
3 ـ مناقب ابن شهراشوب : 4/7 ـ 8 ، عنه البحار : 43/338 ح 11.


(13)
    فقال : هيهات من إخراجها ومنيتي على يدها ، مالي منها محيص ، ولو أخرجتها لم يقتلني غيرها ، كان قضاء مقضياً وأمراً واجباً من الله ؛ فما ذهبت الأيّام حتّى بعث معاوية إلى زوجته بالسمّ.
    فقال الحسن لها : هل عندك شربة لبن ؟
    فقالت : نعم ، فأتت باللبن وفيه السمّ الّذي بعث به معاوية ، فلمّا شربه وجد مسّ [ السمّ ] (1) في بدنه ، فقال : يا عدوة الله ، قتلتيني قاتلك الله ، أمّا والله لا تصيرين منّي خلفاً ، ولا تصيبين (2) من الفاسق اللعين عدوّ الله خيراً أبداً. (3).
    محمد الفتال النيشابوري في كتاب مونس الحزين : بالاسناد عن عيسى ابن الحسن ، عن الصادق عليه السلام : قال بعضهم للحسن بن علي في احتمال الشدائد من معاوية ، فقال صلوات الله عليه كلاماً معناه : لو دعوت الله سبحانه لجعل العراق شاماً والشام عراقاً ، ولجعل الرجل امرأةً والمرأة رجلاً.
    فقال السائل (4) : ومن يقدر على ذلك ؟
    فقال عليه السلام : انهضي ، ألا تخجلين وتستحين أن تقعدي بين الرجال ؟ فوجد الرجل نفسه امرأة بيّنة كالنساء ، ثمّ قال : قد صارت عيالك رجلاً ويقاربك وتحملين منها وتلدين (5) ولداً خنثى ، فكان كما قال عليه السلام ، ثمّ إنهما تابا وجاءا إليه ، فدعا لهما ، فأعادهما الله تعالى إلى الحالة الاُولى. (6)
1 ـ من المناقب.
2 ـ في المناقب : لا تصيبين منّي خلفاً ، ولا تنالين.
3 ـ مناقب ابن شهراشوب : 4/8 ، عنه البحار : 43/327 ذ ح 6.
4 ـ في المناقب : الشاميّ.
5 ـ في المناقب : وتقاربك وتحمل عنها وتلد.
6 ـ مناقب ابن شهراشوب : 4/8 ـ 9 ، عنه البحار : 43/327 ضمن ح 6.


(14)
    قال أحدهما عليهما السلام في قوله : ( هل يستوي الّذين يعلمون والذين لا يعلمون ) : (1) نحن الّذين نعلم ، وعدونا لا يعلم ، وشيعتنا اُولوا الألباب (2).
    وقيل للحسن عليه السلام : إن فيك عظمة.
    قال : لا ، العظمة لله ، بل فيَّ عزّة ، قال الله تعالى : ( ولله العزّة ولرسوله وللمؤمنين ) (3).
    وقال واصل بن عطاء : كان الحسن عليه السلام عليه سيماء الأنبياء ، وبهاء الملوك. (4)
    محمد بن أبي عمير (5) : عن رجاله ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، عن الحسن بن عليّ عليه السلام قال : إنّ لله سبحانه مدينتين : إحداهما في المشرق والاخرى في المغرب ، عليهما سور من حديد ، وعلى كلّ مدينة ألف [ ألف ] (6) باب ، لكلّ باب مصراعان (7) من ذهب ، وفيهما سبعون ألف لغة ، يتكلم كلّ واحد بخلاف لغة صاحبه ، وأنا أعرف جميع اللغات وما فيهما وما بينهما وما عليهما حجّة لله غيري وغير أخي الحسين عليه السلام. (8)
1 ـ سورة الزمر : 9.
2 ـ مناقب ابن شهراشوب : 4/9.
3 ـ سورة المنافقون : 8.
4 ـ مناقب ابن شهراشوب : 4/9 ، عنه البحار : 43/338 ح 12.
5 ـ كذا الصحيح ، وفي الأصل والمناقب : محمد بن عمير.
6 ـ من المناقب.
7 ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : مصراع.
8 ـ مناقب ابن شهراشوب : 4/9 ـ 10 ، عنه البحار : 43/337 ح 7 ، وعوالم العلوم : 16/109 ح 6 وعن بصائر الدرجات : 339 وص 493 ح 11.


(15)
    الكليني في كتابه الكافي (1) : انّه جاء في حديث عمرو بن عثمان ، عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه سئل الحسن عن امرأة جامعها زوجها ، فقامت بحرارة جماعه فساحقت جارية بكراً ، وألقت النطفة إليها ، فحملت.
    فقال عليه السلام : أمّا في العاجل فتؤخذ المرأة بصداق هذه البكر ، لأن الولد لا يخرج منها حتّى تذهب عذرتها ، ثمّ ينتظر بها حتّى تلد فيقام عليها الحدّ ويؤخذ الولد فيرد إلى صاحب النطفة ، وتؤخذ المرأة ذات الزوج فترجم.
    قال : فاطلع أمير المؤمنين عليه السلام فرآهم يضحكون ، فقصوا عليه القصة ، فقال : ما أحكم إلا بما حكم به الحسن.
    وفي رواية : لو أن أبا الحسن لقيهم ما كان عنده إلا ما قال الحسن. (2)
    محمد بن سيرين : أن عليّاً عليه السلام قال لابنه الحسن : أجمع الناس ، فلمّا اجتمعوا قام صلوات الله عليه فخطب الناس ، فحمد الله وأثنى عليه ، وتشهد ، ثمّ قال : أيّها الناس ، إنّ الله اختارنا [ لنفسه ] (3) ، وارتضانا لدينه ، واصطفانا على خلقه ، وأنزل علينا كتابة ووحيه ، وأيم الله لا ينقصنا أحد من حقنا شيئاً إلا انتقصه الله من حقّه ، في عاجل دنياه وآجل آخرته ، ولا يكون علينا دولة إلا كانت لنا العاقبة ( ولتعلمن نبأه بعد حين ) ، ثمّ نزل وجمع بالناس ، وبلغ أباه ، فقبل بين عينيه ، وقال : بأبي أنت وأمي ( ذرّيّة بعضها من
واخرجه في البحار : 27/41 ح 2 ، وج 57/326 ح 6 عن البصائر بطريقيه.
1 ـ الكافي : 7/202 ح 1 ، عنه البحار : 43/352 ح 30 ، وعوالم العلوم : 16/109 ح 5.
2 ـ مناقب ابن شهراشوب : 4/10 ـ 11.
3 ـ من المناقب.
4 ـ سورة ص : 88.
تسلية المُجالس وزينة المَجالس الجزء الثاني ::: فهرس