تسلية المُجالس وزينة المَجالس الجزء الثاني ::: 16 ـ 30
(16)
بعض والله سميع عليم ) (1).
    في كتاب العقد لابن عبد ربّه الأندلسي وكتاب المدائني أيضاً : قال عمروبن العاص لمعاوية : لو أمرت الحسن بن عليّ أن يخطب على المنبر ، فلعله يحصر فيكون ذلك وضعاً من قدره عند الناس ، فأمر الحسن بذلك.
    فلمّا صعد المنبر تكلّم فأحسن ، ثمّ قال : أيّها الناس ، من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن عليّ بن أبي طالب ، أنا ابن أوّل المسلمين إسلاماً ، وأمي فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله ، أنا ابن البشير النذير ، أنا ابن السراج المنير ، أنا ابن من بعث رحمة للعالمين.
    وعن ابن عبد ربّه أيضاً : أنّه قال : لو طلبتم ابناً لنبيّكم ما بين لابتيها (2) لم تجدوا غيري وغير أخي.
    فناداه معاوية : يا أبا محمد ، حدثنا بنعت الرطب ـ وأراد بذلك أن يخجله ويقطع عليه كلامه ـ ، فقال : نعم تلقحه الشمال ، وتخرجه الجنوب ، وتنضجه الشمس ، ويطيبه (3) القمر.
    وفي رواية المدائني : الريح تنضجه (4) ، والليل يبرّده ويطيّبه.
    وفي رواية المدائني قال : فقال عمرو : انعت لنا الخرأة.
    قال : نعم ، تبعد الممشى في الأرض الصحصح (5) حتّى تتوارى من القوم ،
1 ـ سورة آل عمران : 34.
2 ـ أيّ ما أحاطت به الحرتان من المدينة.
3 ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : ويصنعه.
4 ـ في المناقب : تنفخه.
5 ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : الصحيح. والصحصح : ما استوى من الأرض وكان


(17)
ولا تستقبل القبلة ولا تستدبرها ، ولا تمسح باللقمة والرمة ـ يريد العظم والروث ـ ولا تبل في الماء الراكد. (1)
    وفي روضة الواعظين : ان الحسن عليه السلام كان إذا توضّأ ارتعدت مفاصله ، واصفرّ لونه ، فقيل له في ذلك. فقال : حقّ على كلّ من وقف بين يدي ربّ العرش أن يصفر لونه ، وترتعد مفاصله.
    وكان صلوات الله عليه إذا بلغ باب المسجد رفع رأسه ويقول : اللّهمّ ضيفك (2) ببابك ، يا محسن ، قد أتاك المسيء ، فتجاوز عن قبيح ما عندي بجميل ما عندك يا كريم.
    وعن الصادق عليه السلام : أنّ الحسن عليه السلام حج خمساً وعشرين حجّة على قدميه.
    وبالاسناد (3) عن القاسم بن عبد الرحمان ، عن محمد بن عليّ عليه السلام : قال الحسن عليه السلام : إنّي لأستحيي من ربّي أن القاه ولم أمش إلى بيته ، فمشى عشرين مرّة من المدينة على رجليه.
    وفي كتابه (4) بالاسناد : أنّ الحسن عليه السلام قاسم ربّه ماله نصفين.
    وعن شهاب بن عامر أنّ الحسن قاسم ربّه ماله مرّتين حتّى تصدّق بفرد نعله.
أجرد.
1 ـ مناقب ابن شهراشوب : 4/11 ـ 12 ، عنه البحار : 43/ 355 ح 33.
2 ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : صفيك.
3 ـ حلية الأولياء : 2/37.
4 ـ أيّ حلية الأولياء لأبي نعيم الاصفهاني.


(18)
    وفي رواية : أنّه تصدّق ثلاث مرات يقاسم ربّه ماله حتّى إنّه كان ليعطي نعلاً ويمسك نعلاً ، ويعطي خفّاً ويمسك خفّاً.
    وكان يمشي في طريق مكّة ، وإن النجائب لتقاد معه. (1)
    روي أنّه دخلت على الحسن عليه السلام امرأة جميلة وهو في صلاته فأوجز في صلاته ، ثمّ قال لها : ألك حاجة ؟
    قالت : نعم.
    قال : وما هي ؟
    قالت : قم فأصب منّي فإنّي وفدت ولا بعل لي.
    قال : إليك عنّي لا تحرقيني بالنار ونفسك ، فجعلت تراوده عن نفسه وهو يبكي ويقول : ويحك إليك عنّي ، واشتدّ بكاؤه ، فلمّا رأت ذلك بكت لبكائه ، فدخل الحسين عليه السلام ورآهما يبكيان ، فجلس يبكي ، وجعل أصحابه يأتون ويجلسون ويبكون حتّى كثر البكاء وعلت الأصوات ، فخرجت الأعرابية ، وقام القوم ، ولبث الحسين عليه السلام بعد ذلك وهو لا يسأل الحسن عن ذلك إجلالاً له ، فبينا الحسن عليه السلام ذات يوم (2) نائماً إذ استيقظ وهو يبكي ، فقال الحسين عليه السلام : ما شأنك ، يا أخي ؟
    قال : رؤيا رأيتها.
    قال : وما هي ؟
    قال : لا تخبر أحداً ما دمت حياً.
1 ـ مناقب ابن شهراشوب : 4/14 ، عنه البحار : 43/339 ح 13.
2 ـ في المناقب : ليلة.


(19)
    قال : نعم.
    قال : رأيت يوسف عليه السلام في المنام فجئت أنظر إليه فيمن نظر ، فلمّا رأيت حسنه بكيت ، فنظر إليّ في الناس ، فقال : ما يبكيك ، يا أخي ، بأبي واُمّي ؟
    فقلت : ذكرتك وامرأة العزيز ، وما ابتليت به من أمرها ، وما لقيت في السجن ، وحرقة الشيخ يعقوب ، فبكيت من ذلك ، وكنت أتعجب منه.
    فقال عليه السلام : فهلا تعجبت ممّا كان من المرأة البدوية بالأبواء ؟
    وللحسن عليه السلام :
ذري كدر الأيّام إن صفـاءها وكيف يغر الدهر من كان بينه تولّى بأيام الـسرور الـذواهب وبين الليالي محكمات التجارب
    وله عليه السلام :
قل للمقيم بغير (1) دار إقامة إن الّذين لقـيتهم وصحبتهم حان الرحيـل فودع الأحبابـا صاروا جميعاً في القبور ترابا
    ومن سخائه عليه السلام أنّه سأله رجل فأعطاه خمسين ألف درهم وخمسمائة دينار وقال : ائت بحمال يحمل لك ، فأعطى الحمال طيلسانه ، وقال : هذا الكرى للحمال.
    وجاء بعض الأعراب فقال : أعطوه ما في الخزانة ، فوجدوا فيها عشرون ألف درهم ، فدفعها إلى الأعرابي.
    فقال الأعرابي : هلا تركتني أبوح بحاجتي واُظهر مدحتي ؟
1 ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : تغيرّ.

(20)
    فأنشأ صلوات الله عليه :
نحن انـاس عطاؤنا خـضل (1) تجود قبـل السـؤال أنفـسنا لو علم البحر فضل (2) نائلنا يرتع فيـه الرجـاء والأمل خوفاً على ماء وجه من يسل لغاض من بعد فيضه خجل (3)
    أبو جعفر المدائني ـ في حديث طويل ـ : قال : خرج الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر حجاجاً ففاتهم أثقالهم ، فجاعوا وعطشوا ، فرأوا في بعض الشعاب خباءً رثاً وعجوزاً فاستسقوها.
    فقالت : اطلبوا هذه الشويهة ، ففعلوا واستطعموها فقالت : ليس إلا هي فليقم أحدكم فليذبحها حتّى أصنع لكم طعاماً ، فذبحها أحدهم ، ثمّ شوت لهم من لحمها ، وأكلوا وقيّلوا عندها ، فلمّا نهضوا قالوا لها : نحن نفر من قريش نريد هذا الوجه ، فإذا نحن انصرفنا وعدنا فالممي بنا فإنّا صانعون بك خيراً ، ثمّ رجلوا.
    فلمّا جاء زوجها وعرف الحال أوجعها ضرباً ، ثمّ مضت الأيّام وأضرت بها الحال فرحلت حتّى اجتازت بالمدينة ، فبصر بها الحسن عليه السلام فأمر لها بألف شاة وأعطاها ألف دينار ، وبعث معها رسولاً إلى الحسين عليه السلام فأعطاها مثل ذلك ، ثمّ بعثها إلى عبد الله بن جعفر فأعطاها مثل ذلك.
    ودخل عليه رجل (4) فقال : يا ابن رسول الله ، إنّي عصيت رسول الله صلّى الله عليه وآله.
1 ـ الخضل : كلُّ شيء نَدٍ يُترشّف نداه.
2 ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : علم.
3 ـ مناقب ابن شهراشوب : 4/14 ـ 16 ، عنه البحار : 43/340 ح 14.
4 ـ في المناقب : ودخل الغاضري عليه السلام.


(21)
    فقال عليه السلام : بئس ما فعلت ، كيف فعلت ؟
    فقال : إن رسول الله صلّى الله عليه وآله قال : لا يفلح قوم ملكت عليهم امرأة ، وقد ملكت عليّ امرأتي فأمرتني أن اشتري غلاماً (1) ، فاشتريته وقد أبق منّي.
    فقال صلوات الله عليه : اختر أحد ثلاثة : إن شئت قيمة عبد. فقال : ها هنا لا تتجاوز ! قد اخترت ، فأعطاه ذلك.
    وقال أنس : حيّت (2) جارية للحسن عليه السلام بطاقة ريحان ، فقال لها : أنت حرة لوجه الله ، فقلت له في ذلك ، فقال : أدبنا الله سبحانه وقال : ( وإذا حيِّيتم بتحيَّة فحيُّوا بأحسن منها ) (3) وكان أحسن منها إعتاقها. (4)
    وروى المبرد قال : رآه شاميّ راكباً فجعل يلعنه والحسن عليه السلام لا يرد ، فلمّا فرغ أقبل عليه الحسن وضحك وقال : أيّها الشيخ ، أظنّك غريباً ولعلك شبهتني ، فلو استعنتنا أعناك (5) ، ولو سألتنا أعطيناك ، ولو استرشدتنا أرشدناك ، ولو استحملتنا حملناك ، وإن كنت جائعاً أشبعناك ، وإن كنت عرياناً كسوناك ، وإن كنت محتاجاً أغنيناك ، وإن كنت طريداً آويناك ، وإن كنت ذا حاجة قضيناها لك ، فلو كنت حرّكت رحلك إلينا ، وكنت ضيفاً لنا إلى وقت ارتحالك كان أعود عليك ، لأن لنا موضعاً رحباً ، وجاهاً عريضاً ، ومالاً كثيراً.
1 ـ في المناقب : عبداً.
2 ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : جاءت.
3 ـ سورة النساء : 86.
4 ـ مناقب ابن شهراشوب : 4/16 ـ 18 ، عنه البحار : 43/341 ح 15.
5 ـ في المناقب : فلو استعتبتنا أعتبناك. أيّ لو استرضيتنا فرضّيناك.


(22)
    فلمّا سمع الرجل كلامه بكى ، ثمّ قال : أشهد أنّك خليفة الله في أرضه ، الله أعلم حيث يجعل رسالته ، وكنت أنت وأبوك أبغض خلق الله إليّ ، فالآن أنت أحبّ الخلق إليّ ، وحوّل رحله إليه ، وكان ضيفه إلى أن ارتحل ، وصار معتقداً محبّتهم. (1)
    وروى البخاري والموصلي : قال إسماعيل بن خالد لأبي جحيفة : رأيت رسول الله صلّى الله عليه وآله ؟
    قال : نعم ، وكان الحسن عليه السلام يشبهه.
    أبو هريرة [ قال ] (2) : دخل الحسن يوماً وهو معتمّ فظننت أنّ (3) النبيّ صلّى الله عليه وآله قد بعث.
    وروى الغزالي : أن النبيّ صلّى الله عليه وآله قال للحسن : أشبهت خَلقي وخُلقي. (4)
    دعا أمير المؤمنين عليه السلام محمد بن الحنفيّة يوم الجمل فأعطاه رمحه وقال له : اقصد بهذا الرمح قصد الجمل ، فذهب فمنعوه بنو ضبّة ، فلمّا رجع إنتزع الحسن الرمح من يده ، وقصد قصد الجمل ، وطعنه برمحه ، ورجع إلى والده ، وعلى الرمح أثر الدم ، فتمغر وجه محمد من ذلك ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : لا تأنف فإنّه ابن النبيّ وأنت ابن علي. (5)
1 ـ مناقب ابن شهراشوب : 4/19 ، عنه البحار : 43/344 ذ ح 16.
2 ـ من المناقب.
3 ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : أن.
4 ـ مناقب ابن شهراشوب : 4/20 ـ 21 ، عنه البحار : 43/293 ـ 294.
5 ـ مناقب ابن شهراشوب : 4/21 ، عنه البحار : 32/187 ح 137 ، وج 43/345 ذ ح 17.


(23)
    وطاف الحسن عليه السلام بالبيت يوماً فسمع رجلاً يقول : هذا ابن فاطمة الزهراء ، فالتفت إليه فقال : قل هذا ابن عليّ بن أبي طالب ، فأبي خير من أمي. (1)
    وتفاخرت قريش والحسن عليه السلام ساكت لا ينطق ، فقال له معاوية : [ يا ] (2) أبا محمد ما لك لا تنطق ؟ فوالله ما أنت بمشوب الحسب ، ولا بكليل اللسان.
    فقال الحسن عليه السلام : ما ذكروا فضيلة إلا وليّ محضها ولبابها. (3)
    أخبار أبي حاتم (4) : إنّ معاوية فخر يوماً ، فقال : أنا ابن بطحاء مكّة ، أنا ابن أغزرها (5) جوداً ، وأكرمها جدوداً ، وأنا ابن من ساد قريشاً فضلاً ناشئاً وكهلاً.
    فقال الحسن عليه السلام : يا معاوية ، أعليّ تفتخر ؟! أنا ابن عروق الثرى ، أنا ابن مأوى التقى ، أنا ابن من جاء بالهدى ، أنا ابن من ساد اهل الدنيا ، بالفضل السابق ، والحسب الفائق ، أنا ابن من طاعته طاعة الله ، ومعصية معصية الله ، فهل لك أب كأبي تباهيني به ، وقديم كقديمي تساميني به ؟ قل : نعم ، أو لا.
    فقال معاوية : بل أقول : لا ، وهي لك تصديق. (6)
1 ـ مناقب ابن شهراشوب : 4/21 ، عنه البحار : 43/345 صدر ح 18.
2 ـ من المناقب.
3 ـ مناقب ابن شهراشوب : 4/21 ، عنه البحار : 44/103 ح 10.
4 ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : أمثال أبي حازم.
5 ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : أعرفها.
6 ـ مناقب ابن شهراشوب : 4/21 ـ 22 ، عنه البحار : 44/103 ح 11 وعن كشف الغمة : 1/575.


(24)
    وقال معاوية يوماً للحسن عليه السلام : أنا خير منك.
    قال : كيف ذاك : يا ابن هند ؟
    قال : لأن الناس قد اجتمعوا عليّ ولم يجمعوا عليك.
    قال الحسن : هيهات هيهات لشرّ ما علوت ، يا ابن آكلة الأكباد ، المجتمعون عليك رجلان : بين مطيع ومكره ، فالطائع لك عاص لله ، والمكره معذور بكتاب الله ، وحاشى لله أن أقول أنا خير منك فلا خير فيك ، ولكن الله برأني من الرذائل كما برأك من الفضائل.
    كتاب الشيرازي : روى سفيان الثوري ، عن واصل ، عن الحسن ، عن ابن عبّاس في قوله سبحانه : ( وشاركهم في الأموال والأولاد ) (1) أنّه جلس الحسن بن عليّ عليه السلام ويزيد بن معاوية يأكلان الرطب ، فقال يزيد : يا حسن ، إنّي مذ كنت أبغضك.
    فقال الحسن : يا يزيد ، اعلم أن إبليس شارك أباك في جماعه فاختلط الماء ان فأورثك ذلك عداوتي ، لأنّ الله سبحانه يقول : ( وشاركهم في الأموال والأولاد ) وشارك الشيطان حرباً عند جماعه فولد له صخر ، فلذلك كان يبغض جدّي رسول الله صلّى الله عليه وآله.
    هرب سعيد بن سرح (2) من زياد إلى الحسن عليه السلام ، فكتب الحسن إليه يشفع فيه.
    فكتب زياد إلى الحسن :
1 ـ سورة الإسراء : 64.
2 ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : سعد بن أبي شرح.


(25)
    من زياد بن أبي سفيان إلى الحسن بن فاطمة.
    أمّا بعد :
    فقد أتاني كتابك تبدأ فيه باسمك قبل اسمي وأنت طالب حاجة ، وأنا سلطان وأنت سوقة (1) ، وذكر نحواً من ذلك.
    فلمّا قرأ الحسن الكتاب تبسم وأنفذ بالكتاب إلى معاوية ، فكتب معاوية إلى زياد لعنه الله يؤنّبه ويأمره أن يخلّي عن أخي سعيد وولده وامرأته وردّ ماله وبناء ما قد هدمه من داره ، ثمّ قال :
    وأمّا كتابك إلى الحسن باسمه واسم اُمّه لا تنسبه إلى أبيه ، واُمّه بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله ، وذلك أفخر له إن كنت تعقل. (2)
    كتاب الفنون (3) عن أحمد المؤدّب ونزهة الأبصار : أنّه مرّ الحسن عليه السلام بقوم فقراء وقد وضعوا كسيرات لهم على الأرض وهم يلتقطونها ويأكلونها ، فقالوا له : هلمّ يا ابن رسول الله إلى الغذاء ، فنزل وقال : إنّ الله لا يحبّ المستكبرين (4) ، وجعل يأكل معهم حتّى اكتفوا والزاد على حاله ببركته ، ثمّ دعاهم إلى منزله (5) وأطعمهم وكساهم. (6)
    وفي العقد : أنّ مروان بن الحكم قال للحسن بن عليّ عليه السلام بين
1 ـ السُوقَة : الرعية.
2 ـ مناقب ابن شهراشوب : 4/22 ـ 23 ، عنه البحار : 44/104 ح 12 وعن كشف الغمة : 1/573.
3 ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : العيون.
4 ـ إقتباس من قوله تعالى في سورة النحل : 23.
5 ـ في المناقب : ضيافته.
6 ـ مناقب ابن شهراشوب : 4/23 ، عنه البحار : 43/351 ح 28.


(26)
يدي معاوية : أسرع الشيب إلى شاربك يا حسن. ويقال : إن ذلك من الخرق.
    فقال عليه السلام : ليس كما بلغك ولكنّا معشر بني هاشم أفواهنا عذبة وشفاهنا طيبة (1) ، فنساؤنا يقبلن علينا بأنفاسهن ، وأنتم معشر بني اُميّة فيكم بخر شديد ، فنساؤكم يصرفن أفواههن وأنفاسهن إلى أصداغكم ، فإنّما يشيب منكم موضع العذار من أجل ذلك.
    فقال مروان : أمّا إنّ يا بني هاشم فيكم خصلة سوء.
    قال : وما هي ؟
    قال : الغلمة (2).
    قال : أجل ، نزعت من نسائنا ووضعت في رجالنا ، ونزعت الغلمة من رجالكم ووضعت في نسائكم ، فما قام لاُموية إلا هاشمي ، ثمّ خرج ، وأنشد صلوات الله عليه :
وما رست هذا الدهر خمسين حجة فما أنا في الـدنيا بلـغت جسيمها وقد أشرعتني فـي المـنايا أكفها (3) وخمساً اُرجّي قابـلاً بعد قابلِ ولا في الّذي أهوى كدحت بطائلِ وأيقنت أنّي رهـن موت معاجل (4)

1 ـ في المناقب : طيبة أفواهنا ، عذبة شفاهنا.
2 ـ الغلمة : شهوة الجماع.
3 ـ استظهر في هامش البحار : فقد أشرعت في المنايا أكفها.
4 ـ مناقب ابن شهراشوب : 4/23 ـ 24 ، عنه البحار : 44/105 ح 13.


(27)
    قيل لمجنون : الحسن كان أفضل أم الحسين ؟
    قال : الحسن ، لقوله سبحانه : ( ربّنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ) (1) ولم يقل : حسينة. (2)
    وروى أبو يعلى الموصلي في المسند : عن ثابت البناني ، عن أنس وعبد الله ابن شيبة (3) ، عن أبيه أن النبيّ صلّى الله عليه وآله قام إلى صلاة والحسن متعلق به ، فوضعه النبيّ صلّى الله عليه وآله إلى جانبه وصلّى ، فلمّا سجد أطال السجود فرفعت رأسي من بين القوم فإذا الحسن على كتف النبيّ صلّى الله عليه وآله ، فلمّا سلم قال له القوم : يا رسول الله ، لقد سجدت في صلاتك سجدة ما كنت تسجدها ، كأنما يوحى إليك.
    فقال صلّى الله عليه وآله : لم يوح إليّ ، ولكن ابني كان على كتفي فكرهت أن اعجله حتّى نزل.
    وفي رواية اخرى أنّه قال : إن ابني ارتحلني فكرهت أن اعجله حتّى يقضي حاجته.
    وفي رواية اخرى : قال : كان النبيّ صلّى الله عليه وآله يصلي بنا وهو ساجد فيجيء الحسن وهو صبي صغير حتّى يصير على ظهره أو رقبته فيرفعه رفعاً رفيقاً ، فلمّا صلّى صلاته قالوا : يا رسول الله ، إنّك لتصنع بهذا الصبي شيئاً لم تصنعه بأحد !
    فقال : هذا ريحانتي.
1 ـ سورة البقرة : 201.
2 ـ مناقب ابن شهراشوب : 4/24.
3 ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : شبيب.


(28)
    وعن أبي هريرة : قال : ما رأيت الحسن قطّ إلا فاضت عيناي بدموعها ، وذلك أنّه أتى يوماً يشتد حتّى قعد في حجر رسول الله صلّى الله عليه وآله فجعل يقول في لحية رسول الله صلّى الله عليه وآله هكذا وهكذا ورسول الله صلّى الله عليه وآله يفتح فمه ، ثمّ يدخل فمه في فمه ، ويقول : اللّهمّ انّي اُحبّه فأحبّه وأحبّ من يحبّه ، يقولها ثلاث مرات.
    عبد الرحمان بن أبي ليلى : كنّا عند النبيّ صلّى الله عليه وآله فجاء الحسن وأقبل يتمرّغ عليه فرفع قميصه وقبل زُبيبته. (1)
    الخدري : إن الحسن عليه السلام جاء والنبي صلّى الله عليه وآله يصلي فأخذ بعنقه وهو جالس ، فقام النبيّ صلّى الله عليه وآله وإن الحسن ليمسك بيديه حتّى ركع.
    وعن أبي هريرة : كان النبيّ صلّى الله عليه وآله يقبّل الحسن ، فقال الأقرع بن حابس : إنّ لي عشرة من الولد ما قبلت أحداً منهم.
    فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : من لا يرحم لا يُرحم. (2)
    وروي من طرق العامّة ، ورواه أصحابنا رضي الله عنهم في كتبهم : عن أمير المؤمنين عليه السلام ، وعن عليّ بن الحسين ، وعن أسماء بنت عميس ، قالت : لمّا ولدت فاطمة الحسن عليهما السلام جاءني النبيّ صلّى الله عليه وآله وقال : يا أسماء هاتي ابني ، فدفعته إليه في خرقة صفراء ، فرمى بها ، وقال : يا
1 ـ مناقب ابن شهراشوب : 4/24 ـ 25 ، عنه البحار : 43/294 ح 55.
وانظر ترجمة الإمام الحسن عليه السلام من القسم غير المطبوع من طبقات ابن سعد : 40 ح 40 ، ففيه مصادر كثيرة للحديث.
2 ـ مناقب ابن شهراشوب : 4/25 ، عنه البحار : 43/295 ح 56.


(29)
أسماء ألم أعهد إليكم ألا تلفوا المولود في خرقة صفراء ؟ فلففته في خرقة بيضاء ودفعته إليه ، فأذن في اذنه اليمنى ، وأقام في اليسرى ، وقال لعليّ : أيّ شيء سميت ابني هذا ؟
    فقال أمير المؤمنين عليه السلام : ما كنت لأسبقك باسمه ، وقد كنت اُحبّ أن اُسمّيه حرباً.
    فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : وأنا لا اُحبّ أن أسبق ربّي باسمه ، ثمّ هبط جبرئيل ، فقال : السلام عليك يا محمد ، العلي الأعلى يقرؤك السلام ، ويقول : علي منك بمنزلة هارون من موسى ولا نبيّ بعدك ، سمّ ابنك هذا باسم ابن هارون.
    قال : وما اسم ابن هارون ، يا جبرئيل ؟
    قال : شبّر.
    قال : لساني عربيّ.
    قال : سمّه الحسن.
    قال : فلمّا كان يوم سابعه عق عنه بكبشين أملحين ، وأعطى القابلة فخذاً وحلق رأسه ، وتصدق بوزن الشعر ورقاً ، وطلى رأسه بالخلوق (1) ، ثمّ قال : يا أسماء ، الدم فعل الجاهلية.
    قالت : فلمّا ولد الحسين فعل مثل ذلك. (2)
1 ـ الخلوق : طيب معروف مركب يتخذ من الزعفران وغيره من أنواع الطيب وتغلب عليه الحمرة والصفرة.
2 ـ مناقب ابن شهراشوب : 4/25 ـ 26 ، عنه البحار : 43/238 ح 4 وعن عيون أخبار الرضا عليه السلام : 2/25 ح 5 ، وصحيفة الرضا عليه السلام : 240 ح 146.


(30)
    قال الباقر عليه السلام ـ في خبر ـ : فوزنوا الشعر فكان وزنه درهماً ونصفاً. (1)
    الصادق عليه السلام وابن عبّاس وأبوهريرة أيضاً : إن فاطمة عادت رسول الله صلّى الله عليه وآله في مرضه الّذي عوفي منه ومعها الحسن عليه السلام والحسين عليه السلام ، فأقبلا يغمزان ممّا يليهما من يد رسول الله صلّى الله عليه وآله حتّى اضطجعا على عضديه وناما ، فلمّا انتبها خرجا في ليلة ظلماء مدلهمة ذات رعد وبرق وقد أرخت السماء عزاليها ، فسطع لهما نور ، فلم يزالا يمشيان في ذلك النور ويتحدثان حتّى أتيا حديقة بني النجار فاضطجعا وناما ، إلى تمام الحديث (2) ، وهذا الحديث أوردته مستوفى من أمالي الشيخ الجليل أبي جعفر محمد بن عليّ بن بابوية القمي رضي الله عنه عند ذكر مأتم للأعمش مع أبي جعفر المنصور الدوانيقي قبل هذا المجلس ، فلا حاجة لإعادته.
    وكان مولده صلّى الله عليه وآله بالمدينة ليلة النصف من شهر رمضان عام اُحد سنة ثلاث من الهجرة ، وقيل : سنة اثنتين ، وجاءت به فاطمة عليها السلام يوم السابع من مولده في خرقة من حرير الجنّة ، وكان جبرئيل أتى بها رسول الله صلّى الله عليه وآله فسماه حسناً ، وعق عنه كبشاً ، فعاش مع جدّه سبع سنين وأشهراً ، وقيل : ثمان ، ومع أبيه صلوات الله عليه ثلاثين سنة ، وبعده تسع سنين ، وفي رواية : عشر سنين.
    وكان صلوات الله عليه ربع القامة ، وله محاسن كثّة (3).
1 و 2 ـ مناقب ابن شهراشوب : 4/26.
3 ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : كثير.
    ويقال : كثّ اللحية : إذا اجتمع شعرها وكثر نبته وجعد من غير طول.
تسلية المُجالس وزينة المَجالس الجزء الثاني ::: فهرس