تسلية المُجالس وزينة المَجالس الجزء الثاني ::: 31 ـ 45
(31)
    وأصحابه (1) أصحاب أبيه.
    وبابه : قيس بن ورقاء (2) المعروف بسفينة ورشيد الهجري ، ويقال : وميثم التمار.
    وبويع بعد أبيه يوم الجمعة الحادي العشرين [ من ] (3) شهر رمضان في سنة أربعين.
    وكان أمير جيشه عبيد الله بن العبّاس ، ثمّ قيس بن سعد بن عبادة.
    وكان عمره لما بويع سبعاً وثلاثين سنة ، فبقي في خلافته أربعة أشهر وثلاثة أيام ، ووقع الصلح بينه وبين معاوية لعنه الله في سنة إحدى وأربعين ، ثمّ خرج عليه السلام إلى المدينة فأقام بها عشر سنين.
    وسمّاه الله تعالى الحسن ، وسمّاه في التوراة شبراً.
    وكنيته : أبو محمد وأبوالقاسم.
    وألقابه : السيد ، والسبط ، والأمين ، والحجّة ، والبرّ ، والتقيّ ، والزكيّ ، والمجتبى ، والسبط الأوّل ، والزاهد.
    واُمّه فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله ، وظلّ مظلوماً ، ومات مسموماً.
    وقبض بالمدينة بعد مضي عشر سنين من ملك معاوية ، فكان في سني إمامته أوّل ملك معاوية ، ومرض صلوات الله عليه أربعين يوماً ومضى لليلتين
1 ـ البحار : 44/112 ح 6 عن المناقب.
2 ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : بن أبي ورقاء.
3 ـ من المناقب.


(32)
بقيتا من صفر سنة خمسين من الهجرة ، وقيل : سنة تسع وأربعين وعمره سبعة وأربعون سنة وأشهر ، وقيل : ثمان وأربعون ، وقيل : في تمام سنة خمسين من الهجرة.
    وكان معاوية بذل لجعده بنت محمد بن الأشعث الكندي وهي ابنة اُمّ فروة اخت (1) أبي بكر بن أبي قحافة عشرة آلاف دينار ، وإقطاع عشرة ضياع من سقي سُورا (2) وسواد الكوفة على أن تسم الحسن عليه السلام وتولّى الحسين عليه السلام غسله وتكفينه ودفنه ، وقبره بالبقيع عند جدته فاطمة بنت أسد. (3)
    وأولاده خمسة (4) عشر ذكراً وبنت واحدة ، عبد الله وعمر والقاسم اُمهم اُمّ ولد ، والحسين الأثرم والحسن اُمّهما خولة بنت منظور بن رباب الفزارية ، وعقيل والحسن اُمّهما اُمّ بشير بنت منظور بنت أبي مسعود الخزرجية ، وزيد وعمر من الثقفية ، وعبد الرحمان من أم ولد ، وطلحة وابوبكر اُمّهما اُمّ إسحاق بنت طلحة التيمي ، وأحمد وإسماعيل والحسن الأصغر ، ابنته اُمّ الحسن فقط ، ويقال : واُم الحسين وكانتا من اُمّ بشير الخزاعية ، وفاطمة من اُمّ إسحاق بنت طلحة ، واُم عبد الله واُم سلمة ورقية لاُمهات أولاد.
    وقتل مع الحسين عليه السلام من أولاده : عبد الله والقاسم وأبوبكر.
    والمعقبون من أولاده اثنان : زيد بن الحسن ، والحسن بن الحسن.
    في كتاب قوت القلوب : ان الحسن عليه السلام تزوج مائتين وخمسين
1 ـ كذا في المناقب ، وفي الأصل : بنت
2 ـ موضع بالعراق ، وهو من بلد السريانيين.
3 ـ مناقب ابن شهراشوب : 4/28 ـ 29 ، عنه البحار : 44/134 ح 3.
4 ـ في المناقب : ثلاثة.


(33)
امرأة ، وقيل : ثلاثمائة (1) وكان أمير المؤمنين عليه السلام ينضجر من ذلك. (2)
    أبو عبد الله المحدث في رامش أفزاي : إنّ هذه النساء كلهن خرجن في جنازته حافيات. (3)
1 ـ لقد تعددت القصص عن زوجات الحسن عليه السلام وطلاقه والذي يبدو أنّها حيكت بعده بفترة ، وإلا فطيلة حياته عليه السلام لم نر معاوية ولا واحداً من زبانيته عاب الحسن عليه السلام بذلك ، وهو الّذي كان يتسقّط عثرات الحسن عليه السلام ، فلم يجد فيه ما يشينه ، فهو ممّن أذهب الله عنهم الرِّجس وطهرهم تطهيراً.
    ولو كان هناك بعض الشيء لزمّر له معاوية وطبّل ، أضف إلى ذلك كلّه أن المراجع التاريخية وكتب الانساب والرجال لا تعدّ له من النساء والأولاد أكثر من المعتاد في ذلك العصر ، فلو كان أحصن سبعين امرأة أو تسعين لكان أولاده يعدون بالمئات.
    فانظر لطبقات ابن سعد فلا تجده يسمّي للحسن عليه السلام أكثر من ستّ نساء وأربع امهات أولاد. والمدائني كذلك لم يعد للحسن عليه السلام أكثر من عشر نساء كما في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 16/21.
2 ـ إشارة واحدة من أمير المؤمنين عليه السلام كانت تكفي في أن يمتنع الحسن عليه السلام عمّا لا يرتضيه له أبوه ووليّ أمره وأميرالمسلمين جميعاً ، وأميرالمؤمنين عليه السلام وأعرف الناس بطواعية ابنه البارّ له ، وانّه المعصوم المطهر بنص الكتاب والسنّة الثابتة الصحيحة ، وقد نص هو أيضاً على عصمته فيما أخرجه الحافظ أبو سعيد بن الأعرابي في معجمه الورقة 157/أ : أخبرنا داوود بن يحيى الدهقان ، أخبرنا بكار بن أحمد ، أخبرنا إسحاق ـ يعني بن يزيد ـ عن عمرو بن أبي المقدام ، عن العلاء بن صالح عن طارق بن شهاب ، قال : سمعت عليّاً يقول : المعصوم منّا أهل البيت خمسة ، رسول الله وأنا وفاطمة والحسن والحسين.
4 ـ مناقب ابن شهراشوب : 4/29 ـ 30 ، عنه البحار : 44/ 168 ح 4.


(34)

    لمّا مات أمير المؤمنين عليه السلام خطب الحسن عليه السلام بالكوفة ، فقال : أيّها الناس ، إنّ الدنيا دار بلاء وفتنة ، وكل ما فيها فإلى زوال واضمحلال ـ إلى أن قال ـ : وإنّي ابايعكم على أن تحاربوا من حاربت ، وتسالموا من سالمت.
    فقال الناس : سمعنا وأطعنا فمرنا بأمرك يا إمام المؤمنين ، فأقام بالكوفة شهرين. (1)
    وروى صاحب مقاتل الطالبيّين : ان الحسن خطب صبيحة الليلة الّتي قتل فيها أمير المؤمنين عليه السلام ، فقال : لقد قبض الله في هذه الليلة رجلاً لم يسبقه الأوّلون ، ولا يدركه الآخرون [ بعمل ] (2) ، ولقد كان يجاهد بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وآله يقيه بنفسه ، ولقد كان يوجهه برايته فيكتنفه جبرئيل عن يمينه ، وميكائيل عن يساره ، فلا يرجع حتّى يفتح الله عليه ، ولقد توفّي في الليلة الّتي عرج فيها بعيسى بن مريم ، والّتي توفّي فيها يوشع بن نون ، ولا خلّف صفراء ولا بيضاء إلا سبعمائة درهم بقيت من عطائه أراد أن يبتاع بها خادماً
1 ـ مناقب ابن شهراشوب : 4/31 ، عنه البحار : 44/54 ح 6.
2 ـ من المقاتل.


(35)
لأهله ، ثمّ خنقته العبرة ، فبكا [ وبكى ] (1) الناس معه.
    ثمّ قال : أيّها الناس ، من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا الحسن ابن محمد المصطفى صلّى الله عليه وآله ، أنا ابن البشير ، أنا ابن النذير ، أنا ابن الداعي إلى الله عزّوجلّ بإذنه ، وأنا ابن السراج المنير ، وأنا من أهل البيت الّذين أذهب الله عنهم الرِّجس وطهرهم تطهيرا ، والذين افترض الله مودتهم ، فقال : « قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودّة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا » (2) فاقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت.
    قال : فقام ابن عبّاس رضي الله عنه فدعا الناس إلى بيعته فاستجابوا وقالوا : ما أحبه إلينا وأحقه بالخلافة ، فبايعوه ، ثمّ نزل عن المنبر.
    قال : ودسّ معاوية رجلاً من [ بني ] (3) حمير الى الكوفة ، ورجلاً من بني القين إلى البصرة يكتبان إليه بالأخبار ، فدلّ على الحمـيري عند لحـام جرير (4) ، ودلّ على القيني بالبصرة في بني سليم فأخذا وقتلا.
    وكتب الحسن عليه السلام إلى المعاوية :
    أمّا بعد : فإنّك دسست إليّ الرجال كأنّك تحب اللقاء ، وما أشكّ في ذلك فتوقّعه إن شاء الله ، وقد بلغني أنّك شمت بما لا يشمت (5) به أهل الحجى ، وإنّما مثلك في ذلك كما قال الأوّل :
1 و 3 ـ من المقاتل.
2 ـ سورة الشورى : 23.
4 ـ كذا في المقاتل ، وفي الأصل : لجام بن حريز.
5 ـ كذا في المقاتل ، وفي الأصل : انّك تسميت بما يسمّى.


(36)
وقل للّذي يبغي خلاف الّذي مضى وإنّا ومـن قد مـات منّا فكالذي تـأخّر (1) لاخرى مثلها فكأن قد يروح فيمسي في المبيت ويغتدي
    فأجابه معاوية :
    أمّا بعد : فقد وصل إليّ كتابك ، وفهمت ما ذكرت فيه ، وقد علمت بما حدث فلم أفرح قطّ ولم أشمت ولم آس ، وإنّ عليّ بن أبي طالب لكما قال أعشى بني قيس بن ثعلبة (2) :
فأنت الـجواد وأنت الـذي جــدير بطعنة يـوم اللقا وما مزيد من خليج البـحا بأجـود منـه بمـا عنـده إذا مـا القلوب مـلأن الصـدورا ء تضـرب فيـه النسـاء النحورا ر يعلـو الآكـام ويعلو الـجسورا (3) فيعطي الاُلوف (4) ويعطي البدورا
    قال : وكتب عبد الله بن عبّاس من البصرة إلى معاوية :
    فأمّا بعد : فإنّك ودسك أخا بني قين إلى البصرة تلتمس من غفلات (5) قريش مثل الّذي ظفرت به من يمانيتك لكما قال اُميّة بن الصلت (6) :
لعمرك إنّي والخزاعي طاويا (7) أثارت عليها شفرة بكراعها كنعـجة عـاد حتفها تتـحفر فضلت بها من آخر الليل تنحر

1 ـ في المقاتل : تجهّز.
2 ـ كذا في المقاتل ، وفي الأصل : أعشى بني تغلبة.
3 ـ كذا في المقاتل ، وفي الأصل : خليج البحور ... النحورا.
4 ـ كذا في المقاتل ، وفي الأصل : غير مقروءة.
5 ـ كذا في المقاتل ، وفي الأصل : غيلان.
6 ـ في المقاتل : قال بن الأسكر.
7 ـ في المقاتل : طارقا.


(37)
شمت بقوم من صديقك أهلكوا أصابهم يوماً من الموت أصفر (1)
    فكتب إليه معاوية :
    أمّا بعد : فإن الحسن كتب إليّ بنحو ممّا كتبت ، وأنبأني بما لم أحسن ظناً وسوء رأي ، وإنّك لم تصب مثلك ومثلي ولكن مثلياً كما قال طارق الخزاعي :
فوالله ما أدري وإنّي لصادق اعنف إن كانت زبينة أهلكت إلى أيّ مـن يظنّني أتعذّر (2) ونال بني لحيان شرّ فأنفروا
    وكتب الحسن عليه السلام إلى معاوية :
    من عبد الله الحسن بن أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان.
    سلام عليك ، فإنّي أحمد الله الّذي لا إله إلا هو.
    أمّا بعد :
    فإنّ الله تعالى بعث محمّداً صلّى الله عليه وآله رحمة للعالمين ، ومنّة على المؤمنين ، وكافّة إلى الناس اجمعين ، لينذر من كان حيّاً ، ويحق القول على الكافرين ، فبلّغ رسالات الله وأقام على أمر الله حتّى توفّاه الله وهو غير مقصّر ولا وان حتّى (3) اظهر الله به الحق ، ومحق به الشرك ، ونصر به المؤمنين ، وأعزّ به العرب ، وشرف به قريشاً خاصة ، فقال سبحانه : ( وانّه لذكر لك ولقومك ) فلمّا توفّي صلّى الله عليه وآله تنازعت سلطانه العرب ، فقالت قريش : نحن قبيلته واسرته وأولياؤه فلا يحلّ لكم أن تنازعونا سلطان محمد في الناس
1 ـ في المقاتل : من الدهر أعسر.
2 ـ كذا في المقاتل ، وفي الأصل : إلى من تظنّيني له أتعذّروا.
3 ـ كذا في المقاتل ، وفي الأصل : حين.
4 ـ سورة الزخرف : 44.


(38)
وحقّه ، فرأت العرب أن القول ما قالت قريش وانّ الحجّة لهم في ذلك على من ينازعهم أمر محمد صلّى الله عليه وآله ، فأذعنت (1) لهم العرب وسلّمت ذلك ، ثمّ حاججنا نحن قريشاً بمثل ما حاجّت به العرب ، فلم تنصفنا قريش إنصاف العرب لها إنّهم أخذوا هذا الأمر دون العرب بالانتصاف والاحتجاج ، فلمّا صرنا اهل بيت محمد وأوّلناه (2) إلى محاجتهم وطلب النصف بينهم (3) باعدونا واستولوا بالاجتماع على ظلمنا ومراغمتنا والعنت منهم لنا ظالمين عند الله وهو الولي والنصير.
    وقد تعجبنا لتوثب المتوثّبين علينا في حقنا وسلطان نبينا صلّى الله عليه وآله وإن كانوا ذوي فضيلة وسابقة في الاسلام فأمسكنا عن منازعتهم مخافة على الدين أن يجد المنافقون والأحزاب بذلك مغمزاً يثلمونه به ، أو يكون لهم بذلك سبب لما أرادوا من فساده ، واليوم فليعجب المتعجب من توثبك ـ يا معاوية ـ على أمر لست من أهله لا بفضل في الدين معروف ، ولا أثر في الاسلام محمود ، وأنت ابن حزب من الأحزاب ، وابن اعدى قريش لرسول الله صلّى الله عليه وآله ، ولكن الله خيّبك ، وسترد فتعلم لمن عقبى الدار ، تالله لتلقين عن قليل ربّك ، ثمّ ليجزينّك (4) بما قدمت يداك وما الله بظلّام للعبيد.
    إنّ عليّاً لما مضى لسبيله رحمة الله عليه يوم قبض ويوم يبعث حيّاً وّلاني المسلمون الأمر من بعده ، فأسأل الله ألا يزيدنا في الدنيا الفانية شيئاً ينقصنا به غداً في الآخرة ممّا عنده من كرامته ، وإنّما حملني على الكتاب إليك الاعذار
1 ـ في المقاتل : فأنعمت.
2 ـ في المقاتل : وأوليائه.
3 ـ في المقاتل : منهم.
4 ـ كذا في المقاتل ، وفي الأصل : ولكتابه والله حسبك ليجزينّك.


(39)
فيما بيني وبين الله سبحانه في أمرك ، ولك في ذلك إن فعلت الحظّ الجسيم ، وللمسلمين فيه صلاح ، فدع التمادي في الباطل وادخل فيما دخل فيه الناس من بيعتي فإنّك تعلم أنّي أحقّ بهذا الأمر منك عند الله وعند كلّ أوّاب حفيظ ومن له قلب منيب ، واتق الله ودع البغي واحقن دماء المسلمين فوالله مالك من خير في أن تلقى الله من دمائهم بأكثر ممّا أنت لاقيه ، وادخل في السلم والطاعة ولا تنازع الأمر ممّن هو أحقّ به منك ليطفىء الله (1) النائرة بذلك ، وتجتمع الكلمة ، ويصلح ذات البين ، وإن أنت أبيت إلا التمادي في غيك نهدت إليك بالمسلمين فحاكمتك حتّى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين.
    وأجابه (2) معاوية على يدي جندب الأزدي موصل كتاب الحسن عليه السلام :
    فهمت ما ذكرت به محمّداً صلّى الله عليه وآله وهو أحقّ الأوّلين والآخرين بالفضل كلّه ، وذكرت تنازع المسلمين الأمر بعده فصرحت بنميمة فلان وفلان وأبي عبيده وغيره ، فكرهت ذلك لك لأنّ الاُمّة قد علمت أن قريشاً أحقّ بها ، وقد علمت ما جرى من أمر الحكمين ، فكيف تدعوني إلى أمر إنّما تطلبه بحقّ أبيك وقد خرج أبوك منه ؟
    ثمّ كتب :
    أمّا بعد :
    فإنّ الله يفعل في عباده ما يشاء (3) ، لا معقب لحكمه وهو سريع
1 ـ لفظ الجلالة اثبتناه من المقاتل.
2 ـ مناقب ابن شهراشوب : 4/31.
3 ـ إقتباس من سورة الحج : 18.


(40)
الحساب (1) ، فاحذر أن تكون منيّتك على يدي رعاع الناس وآيس أن تجد فينا غميزة ، وإن أنت أعرضت عمّا أنت فيه وبايعتني وفيت لك بما وعدت ، وأنجزت لك ما شرطت ، وأكون في ذلك كما قال أعشى قيس (2) :
وإن أحـد أسدى إليـك كـرامة فلا تحسد المولى إذا كان ذا غنى فأوف بما يدعى إذا مت وافيا ولا تجفه إن كـان للمال نائيا
    ثمّ الخلافة لك من بعدي وأنت أولى الناس بها.
    وفي رواية : لو كنت أعلم أنّك أقوى للأمر ، وأضبط للناس ، وأكبت للعدوّ ، وأقوى على جمع الأموال منّي لبايعتك لأنّني أراك لكلّ خير أهلاً. ثمّ قال : إن أمري وأمرك شبيه بأمر أبي بكر [ وأبيك ] (3) بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله.
    ثمّ كتب :
    فادخل في طاعتي [ ولك الأمر من بعدي ] (4) ولك ما في بيت مال العراق بالغاً ما بلغ تحمله إلى حيث أحببت ، ولك خراج كور العراق يثبته معاوية لك إعانة على نفقتك (5) يجيبها أمينك ويحملها إليك كلّ سنة ، ولك ألا يستولى عليك
1 ـ إقتباس من سورة الرعد : 41.
2 ـ في المناقب : أعشى بني قيس.
    وهو ميمون بن قيس بن جندل من بني قيس بن ثعلبة الوائلي أبو بصير ، يقال له أعشى بكر بن وائل والأعشى الكبير ، توفّي سنة ( 7 ) ه‍. ( أعلام الزركلي : 8/300 ).
3 ـ من المناقب.
4 ـ من المقاتل.
5 ـ في المقاتل : ولك خراج أيّ كور العراق شئت معونة لك على نفقتك.


(41)
بالاساءة ، ولا تقضى دونك الامور ، فلا تعصى في أمرٍ أردت به طاعة الله عزّوجلّ أعاننا الله وإيّاك على طاعته إنّه سميع مجيب.
    قال جندب : فلمّا أتيت الحسن عليه السلام بكتاب معاوية قلت له : إنّ الرجل سائر إليك فابدأه بالمسير حتّى تقاتله في أرضه وبلاده وعمله ، فإمّا إنّك تقدر أنّه ينقاد لك فلا والله حتّى ترى أعظم (1) من يوم صفّين.
    فقال : أفعل.
    ثمّ كتب معاوية إلى عماله على النواحي نسخة واحدة :
بسم الله الرحمن الرحيم
    من عبد الله معاوية أمير المؤمنين إلى فلان وفلان ومن قبله من المسلمين.
    سلام عليكم ، فإنّي أحمد الله الّذي لا إله إلا هو إليكم.
    أمّا بعد :
    فالحمد لله الّذي كفاكم مؤنة عدوكم وقتلة خليفتكم إنّ الله بلطفه نتّج (2) لعليّ بن أبي طالب رجلاً من عباده فاغتاله فقتله ، وترك أصحابه متفرقين مختلفين ، وقد جاءتنا كتب أشرافهم وقادتهم يلتمسون الأمان لأنفسهم وعشائرهم فأقبلوا إليّ حين يأتيكم كتابي بجدكم (3) وجندكم وحسن عدتكم ، فقد أصبتم بحمد الله الثأر ، وبلغتم الأمل ، وأهلك الله أهل البغي والعدوان ، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.
1 ـ في المقاتل : إنّه يتناولك فلا والله حتّى يرى يوماً أعظم.
2 ـ في المقاتل : أتاح.
3 ـ في المقاتل : بجهدكم.


(42)
    قال : فاجتمعت العساكر إلى معاوية وسار قاصداً إلى العراق ، وبلغ الحسن خبر مسيره وانّه قد بلغ جسر منبج ، فتحرّك عند ذلك وبعث حجر بن عديّ يأمر الناس بالتهيّؤ للمسير ، ونادى المنادي ، الصلاة جامعة ، فأقبل الناس يثوبون ويجتمعون ، فصعد عليه السلام المنبر فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال :
    أمّا بعد :
    فإنّ الله كتب الجهاد على خلقه وسمّاه كرهاً ، ثمّ قال لأهل الجهاد من المؤمنين : ( واصبروا إنّ الله مع الصّابرين ) (1) فلستم ـ أيّها الناس ـ بنائلين ما تحبّون إلا بالصبر على ما تكرهون ، إنّه بلغني انّ معاوية بلغه انّا كنّا أزمعنا [ على ] (2) المسير إليه فتحرّك لذلك ، اخرجوا رحمكم الله إلى معسكركم بالنخيلة حتّى ننظر وينظرون ، ونرى ويرون. (3)
    قال : وإنّه في كلامه يتخوف خذلان الناس إيّاه ، فسكتوا فما تكلّم منهم أحد ولا أجابه بحرف ، فلمّا رأى ذلك عديّ بن حاتم قال : أنا ابن حاتم (4) ، سبحان الله ! ما أقبح هذا المقام ؟ ألا تجيبون إمامكم وابن بنت نبيّكم ؟ أين خطباء مضر ؟ أين المتبلغون الخوّاضون (5) من أهل مصر الّذين ألسنتهم كالمخاريق في الدعة ، فإذا جاء (6) الجدّ فروّاغون كالثعالب ؟ أمّا يخافون مقت
1 ـ سورة الأنفال : 46.
2 ـ من المقاتل.
3 ـ في المقاتل : حتّى ننظر وتنظروا ، ونرى وتروا.
4 ـ بعده ـ في الأصل ـ كلمة غير مقروءة.
5 ـ في المقاتل : أين خبطاء مضر ؟ أين المسلمون ؟ أين الخوّاضون ...؟
6 ـ في المقاتل : جدّ.


(43)
الله ولا عيبها وعارها ؟
    ثمّ استقبل الحسن بوجهه وقال : أصاب الله بك المراشد ، وجنبك المكاره ، ووفقك لما يحمد ورده وصدره ، وقد سمعنا مقالتك ، وانتهينا (1) إلى أمرك ، واُسمعنا وأطعنا (2) فيما قلت ورأيت ، وهذا وجهي إلى معسكري فمن أحبّ أن يوافي فليواف ، ثمّ مضى لوجهه ، فخرج من المسجد ودابّته بالباب فركب ومضى إلى النخيلة ، وأمر غلامه أن يلحقه بما يصلحه ، وكان عديّ أوّل الناس عسكراً.
    ثمّ قام قيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنه ومعقل الرياحي وزياد بن صعصعة (3) التميمي فأنّبوا الناس ولا موهم وحرّضوهم ، وكلّموا الحسن بمثل كلام عديّ بن حاتم في الاجابة والقبول.
    فقال لهم الحسن عليه السلام : صدقتهم ما زلت أعرفكم بصدق النية والوفاء بالقول والمودة الصحيحة ، فجزاكم الله خيراً ، ثمّ نزل.
    وخرج الناس فعسكروا ونشطوا للخروج ، وخرج الحسن إلى المعسكر واستخلف على الكوفة المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطّلب وأمره باستحثاث الناس وإشخاصهم إليه ، فجعل يحثهم حتّى التأم العسكر.
    ثمّ إن الحسن عليه السلام سار في عسكر عظيم وعدّة حسنة حتّى أتى دير عبد الرحمان فأقام به ثلاثاً حتّى اجتمع الناس ، ثمّ دعا عبيد الله بن العبّاس ، فقال : يا ابن عمّ ، إنّي باعث معك اثني عشر ألفاً من فرسان العرب وقرّاء المصر ،
1 ـ كذا في المقاتل ، وفي الأصل : وأتينا.
2 ـ في المقاتل : وسمعنا منك وأطعناك.
3 ـ كذا في المقاتل ، وفي الأصل : خصفة.


(44)
الرجل منهم يزيد على الكتيبة (1) ، فسرّ بهم ، وألن لهم جانبك ، وابسط وجهك ، وادنهم من مجلسك ، فإنّهم بقيّة ثقة أمير المؤمنين عليه السلام ، وسر بهم على شط الفرات حتّى تقطع بهم الفرات (2) ، ثمّ سر إلى مسكن ، ثمّ امض حتّى تستقبل معاوية ، فإن أنت لقيته فاحبسه حتّى أتيك فإنّي في اثرك ، وليكن خبرك عندي في كلّ يوم ، وشاور هذين ـ يعني قيس بن سعد وسعيد بن قيس ـ ، وإذا لقيت معاوية فلا تقاتله حتّى يقاتلك ، فإن اُصبت [ فقيس بن سعد على الناس ، وإن اصيب قيس ] (3) فسعيد بن قيس ، فسار حتّى نزل الفلوجة ، ثمّ أتى مسكن.
    وكان أكثر عسكر مولانا الحسن عليه السلام أخلاط من شيعة ومحكمة وشكاك وأصحاب عصبية وفتن ونفاق ، فسار صلوات الله عليه حتّى أتى حمام عمر ، ثمّ أخذ على دير كعب [ ثمّ بكر ] (4) فنزل ساباط ، فلمّا أصبح نادى بالصلاة جامعة ، فاجتمعوا ، فصعد المنبر فخطب وقال تجربة لهم ليظهر لهم بواطنهم :
    أمّا بعد :
    فإني أرجو أن أكون قد أصبحت بحمد الله ومنّه وأنا أنصح خلق الله لخلقه ، وما أصبحت محتملاً علم مسلم ضغينة ، ولا مريداً له بسوء ولا غائلة ، ألا وإن لكم ما تكرهون في الجماعة خير ممّا تحبّون في الفرقة ، ألا وإنّي ناظر لكم خير من نظركم لأنفسكم ، فلا تخالفوا أمري ، ولا تردّوا عليَّ رأيي غفر الله لي ولكم ، وأرشدني وإيّاكم لما فيه المحبّة والرضا.
1 ـ في المقاتل : الرجل منهم يزن الكتيبة.
2 ـ كذا في المقاتل ، وفي الأصل : التراز.
3 و 4 ـ من المقاتل.


(45)
    فقالوا : والله يريد أن يصالح معاوية ويسلم الأمر إليه ، كفر والله الرجل كما كفر أبوه ، فثاروا عليه وأنهبوا فسطاطه حتّى أخذوا مصلاه من تحته ، ونزع مطرفه عبد الرحمان بن جعال الأسدي ، وطعنه جراح بن سنان الأسدي في فخذه فشقه حتّى خالط اربيته ، وسقط الحسن عليه السلام بعد أن ضرب الّذي طعنه واعتنقه فخرّا جميعاً إلى الأرض ، فوثب عبد الله بن الخطل الطائي فنزع المعول من يده فخضخضه به وأكبّ ظبيان بن عمارة عليه فقطع أنفه ، ثمّ أخذوا الآجر فشدخوا وجهه ورأسه حتّى قتلوه.
    وحمل الحسن عليه السلام علي سرير إلى المدائن وبها سعد بن مسعود ووال عليها من قبله ، وكان أمير المؤمنين عليه السلام قد ولاه عليها فأقره الحسن عليه السلام.
    ثمّ إنّ جماعة من رؤساء القبائل كتبوا إلى معاوية بالطاعة في السرّ واستحثّوه على المسير نحوهم وضمنوا له تسليم الحسن عليه السلام إليه عند دنوّه من عسكره ، وورد عليه كتاب قيس بن سعد وكان قد أنفذه الحسن مع عبيد الله بن العبّاس عند مسيره من الكوفة ليلقى معاوية وجعله أميراً وبعده قيس يعلمه بما فعل عبيد الله بن العبّاس عند مسيره.
    وقصته إنّ معاوية نزل قرية يقال لها الجنوبيّة (1) فأقبل عبيد الله حتّى نزل بازائه ، فلمّا كان الغد وجّه معاوية بخيل إليه ، فخرج إليهم عبيد الله فيمن معه فضربهم حتّى ردهم إلى معسكرهم ، فلمّا كان الليل أرسل معاوية إلى عبيد الله بن العبّاس أنّ الحسن قد راسلني في الصلح وهو مسلم الأمر إليّ ، فإن دخلت في
1 ـ في المقاتل : الحيوضيّة بمسكن.
تسلية المُجالس وزينة المَجالس الجزء الثاني ::: فهرس