تسلية المُجالس وزينة المَجالس الجزء الثاني ::: 376 ـ 390
(376)
وجدي عليهنّ لا تخمدي ، ويا زفراتي لما نالهنّ لا تبردي ، فلو أنّي نظرت بعيني مسير رواحلهنّ ، وشاهدت عديد سبائهنّ لوضعت أكفّي لأكفّ مطاياهنّ موطئاً ، بل خدّي ، ولبذلت في خلاصهنّ غاية جهدي وجدّي ، ولجاهدت القائد والسائق ، وللعنت الناظر والرامق ، ولاستغثت بصوت يفصح عمّا ضمت عليه جوانحي من غصّتي ، ولناديت بأنّه ينبىء عن عظيم رزيّتي ومصيبتي ، ولحثوت التراب على ترائبي ورأسي ، ولأضرمت الخافقين بتصاعد زفراتي وأنفاسي ، ولشققت قلبي بعويلي إلى جيبي ، ولصدعت الصمّ الرواسخ بنديبي وتحريبي ، منشداً بلسان حالي ، موضحاً عمّا في بالي :
يا طول حزني ويا نحيبي على أجل الورى نجارا تضرم نار الأسى بقلبي فيا أحشائي بنار حزني ويا عيوني سحّي بدمع من‍ وابنته بين العدى تنادي حزناً على النازح الغريب دمعي كالعارض السكوب مأتم في يومه العصيب ووجد قلبي عليه ذوبي ‍ك بفيض الدماء مشوب هل من مغيثٍ هل من مجيب ؟


(377)
وأُسرة من ذويه أمسوا أكرم بهم عصبة كراماً باعت من الله أنفساً مذ أصبحوا في الطفوف صرعى يا اُمّة فارقت هداها ليس لكم بالّذي فعلتم قتلتم سبط من إليكم لهفي على شلوه صريعاً لهفي على رأسه المعلّى لهفي على رهطه اُسارى يسقن عنفاً بين الأعا قوتاً لذي مخلبٍ وذيب واُسوة من فتية وشيب لم تهن لدى الروع في الحروب في الخلد أمسوا قبل المغيب واحتقبت أشنع الذنوب في عفو ذي العرش من نصيب اُرسل من عالم الغيوب لهفي على خدّه التريب لهفي على شيبه الخضيب يعلن بالويل والنحيب دي بلا كفيل ولا حسيب


(378)
إذ تذكّرتهم حيارى واغرق الصدر من دموعي لهفي على صحبه صراعاً لهفي على ثغره المفدّى يا خير مولى من خير قوم ومَن هُم في العباد اولى أنتم معاذي أنتم ملاذي إلى فنا جودكم مديحي تميس حسناً في برد نظم بكلّ معنىً في اللطف أضحى يخفق قلبي من الوجيب واحرق القلب باللهيب لهفي على ثقله النهيب ينكته الرِّجس بالقضيب بهم نجاتي من الخطوب بالجود والصنيع من سحوب (1) أنتم عياذي من الكروب وجّهت باللطف من نسيبي ينسخ أوصافكم فشيب يدقّ عن فكره اللبيب

1 ـ كلمة « سحوب » غير مقروءة في الأصل ، وأضفناها لإتمام البيت.

(379)
يمجّه سمع ذي نفاقٍ يبادل الصفو في حضوري إذا تذكّرت ما عراني خذ لي بحقّي ولا تدعني فأنت حسبي من كلّ سوء قد ضلّ في شكّه المريب ويأكل العرض في مغيب من حمقة قلت يا مجيبي فريسة الغادر الكذوب وساتر في الملا عيوبي
    قال : ولم يزل القوم سائرين بحرم رسول الله صلّى الله عليه وآله من الكوفة إلى الشام على محامل بغير وطاء من بلد إلى بلد ، ومن منزل إلى منزل كما تساق اُسارى الترك والديلم. (1)
    روي عن سهل بن سعد الساعدي ، قال : خرجت إلى بيت المقدس حتّى أتيت دمشق فرأيت أهلها قد علّقوا الستور والحجب والديباج ، وهم فرحون مستبشرون ، وعندهم نساء يلعبن بالدفوف ، فقلت في نفسي : الأهل الشام عيد لا نعرفه ؟ فرأيت قوماً يتحدّثون ، فقلت : يا قوم ، ألكم في الشام عيد لا نعرفه ؟
    قالوا : يا شيخ ، نراك غريباً ؟
    قلت : أنا سهل بن سعد ، رأيت رسول الله صلّى الله عليه وآله [ وحملت
1 ـ مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 2/55.

(380)
حديثه ] (1).
    قالوا : يا سهل ، ما أعجب (2) السماء لا تمطر دماً ، والأرض لم تنخسف بأهلها ؟
    قلت : ولمَ ذاك ؟
    قالوا : هذا رأس الحسين عترة محمد صلّى الله عليه وآله يهدى من العراق.
    فقلت : واعجبا ! يهدى رأس الحسين والناس يفرحون! قلت : من أيّ باب يدخل ؟ فاشاروا الى باب يقال له باب الساعات.
    قال سهل : فبينا أنا كذلك إذ أقبلت الرايات يتلو بعضها بعضاً ، وإذا بفارس بيده رمح منزع السنان ، عليه رأس من أشبه الناس وجهاً برسول الله ، وإذا من ورائه نسوة على جمال بغير وطاء ، فدنوت من أُولاهنّ فقلت لجارية منهنّ (3) : يا جارية ، من أنت ؟
    قالت : أنا سكينة بنت الحسين عليه السلام.
    فقلت : ألك حاجة ، فأنا سهل بن سعد الساعدي ، وقد رأيت جدّك وسمعت حديثه ؟
    قالت : يا سهل ، قل لصاحب الرأس أن يقدّم الرأس أمامنا حتّى يشتغل الناس بالنظر إليه ولا ينظرو إلى حرم رسول الله صلّى الله عليه وآله.
1 ـ من المقتل.
2 ـ في المقتل : ما أعجبك ؟
3 ـ في المقتل : فدنوت من إحداهنّ فقلت لها.


(381)
    قال سهل : فدنوت من صاحب الرأس : فقلت : هل لك أن تقضي لي حاجة وتأخذ منّي أربعمائة درهم ؟
    قال : ما هي ؟
    قلت : تقدّم الرأس أمام الحرم ، ففعل ذلك فسلّمت إليه الدراهم ، ووضع الرأس في طشت واُدخل على يزيد ، فدخلت مع الناس ، وكان يزيد جالساً على السرير ، وعلى رأسه تاج مكلّل ، وحوله كثير من مشايخ قريش ، فلمّا دخل صاحب الرأس جعل يقول :
أوقر ركابي فضّة وذهبا قتلت خير الناس اُمّاً وأبا أنا قتلت السيّد المهذّبا (1) وخيرهم إذ ينسبون (2) النسبا
    فقال يزيد : إذا علمت أنّه خير الناس فلمَ قَتلتَه ؟
    قال : رجوت الجائزة.
    فقيل : إنّ يزيد أمر بقتله. (3)
    وروى سيّدنا السند عليّ بن طاوس رضي الله عنه ، قال : لمّا قرب القوم بالرؤوس والاُسارى من دمشق دنت اُمّ كلثوم من شمر لعنه الله ، وكان في جملتهم ، فقالت : لي إليك حاجة.
    قال : وما حاجتك ؟
    قالت : إذا دخلت البلد فأدخلنا في درب قليل النظّارة ، وتقدّم إلى
1 ـ في المقتل : المحجّبا.
2 ـ في المقتل : يذكرون.
3 ـ مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 2/60 ـ 61 ، عنه عوالم العلوم : 17/427.


(382)
أصحابك أن يخرجوا الرؤوس من بين المحامل وينحّونا عنها فقد خزينا من كثرة النظر إلينا ونحن في هذا الحال ، فأمر في جواب سؤالها أن يجعلوا الرؤوس على الرماح في أوساط المحامل بغياً منه وكفراً ، وسلك بهم على تلك الحال بين النظّارة حتّى أتى بهم باب دمشق فاقيموا على درج باب المسجد الجامع حيث يقام السبى ، فروي أن بعض الفضلاء التابعين لمّا شهد رأس الحسين عليه السلام أخفى نفسه شهراً من جميع أصحابه ، فلمّا وجدوه بعد أن فقدوه سألوه عن سبب ذلك ، فقال : أمّا ترون ما نزل بنا ؟ ثمّ أنشأ يقول :
جاءوا برأسك يا ابن بنت محمد فكأنّما بك يا ابن بنت محمد قتلوك عطشاناً ولمّا يرقبوا ويكبّرون بأن قُتلتَ وإنّما يا من إذا حسن العزاء عن امرىء فبكتك أرواح السحائب غدوة مترمّلاً بدمائه ترميلا قتلوا جهاراً عامدين رسولا في قتلك التأويل والتنزيلا قتلوا بك التكبير والتهليلا كان البكاء حسناً عليه جميلا وبكتك أرواح الرياح أصيلا (1)
    وروي أنّهم لما دخلوا دمشق واُقيموا على درج المسجد منتظرين الإذن من يزيد حيث يقام السبي أقبل شيخ من أهل الشام حتّى دنا منهم ، فقال : الحمد لله الّذي قتلكم وأهلكم ، وأراح العباد من رجالكم ، وأمكن أمير المؤمنين منكم.
    فقال له عليّ بن الحسين عليه السلام : يا شيخ ، هل قرأت القرآن ؟
1 ـ مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 2/125 ـ 126 ، الملهوف على قتلى الطفوف : 210 ، وفيهما الأبيات الأربعة الاُولى فقط.

(383)
    قال : نعم.
    قال : قرأت هذه الآية ( قُلْ لَا أسْألُكُمْ عَلَيْهِ أجْراً إلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (1) ؟
    قال الشيخ : قرأت ذلك.
    فقال عليّ بن الحسين عليه السلام : فنحن الـقربى ، يا شيخ ، هل قرأت ( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَــأنَّ للهِ خُمُسهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى ) (2) ؟
    قال : نعم.
    قال : فنحن القربى ، يا شيخ ، هل قرأت ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (3) ؟
    قال : نعم.
    قال : فنحن أهل البيت الّذي خصصنا به.
    قال : فبقي الشيخ مبهوتاً ساعة ساكتاً نادما على ما تكلّم به ، ثمّ رفع رأسه إلى السماء ، فقال : اللّهمّ إنّي اتوب إليك من بغض هؤلاء القوم ، ثمّ التفت إلى عليّ بن الحسين ، فقال : بالله أنتم هم ؟
    فقال عليّ بن الحسين عليه السلام : تالله إنّا لنحن هم من غير شكّ ، وحقّ جدّنا رسول الله صلّى الله عليه وآله.
    قال : فبكى الشيخ ورمى عمامته ، ثمّ رفع رأسه إلى السماء ، فقال : اللّهمّ
1 ـ سورة الشورى : 23.
2 ـ سورة الأنفال : 41.
3 ـ سورة الأحزاب : 33.


(384)
إنّي أبرأ إليك من عدوّ آل محمد من جنّ أو إنس ، ثمّ قال : هل من توبة ، يا ابن رسول الله ؟
    قال : نعم ، إن تبت تاب الله عليك ، وأنت معنا.
    فقال : وأنا تائب ، فبلغ يزيد مقالته ، فأمر بقتله.
    قال : ثمّ اُدخلوا على يزيد وهم مقرنون بالحبال ، وكان أوّل من دخل شمر بن ذي الجوشن على يزيد بعليّ بن الحسين عليه السلام مغلولة يده إلى عنقه ، فلمّا وقفوا بين يديه على تلك الحال قال له عليّ بن الحسين عليه السلام : اُنشدك (1) بالله يا يزيد ، ما ظنّك برسول الله صلّى الله عليه وآله لو رآنا على هذا الحال ما كان يصنع ؟ فأمر يزيد بالحبال فقطعت (2) ، ثمّ وضع رأس الحسين في طشت بين يديه ، وأجلس النساء خلفه كيلا ينظرن إليه ، وأمّا زينب فإنّها لمّا رأته أهوت إلى جيبها فشقّته (3) ، ثمّ نادت بصوت حزين يقرح (4) القلوب : يا حسيناه ، يا حبيب رسول الله ، يا ابن مكّة ومنى ، ويا ابن فاطمة الزهراء سيّدة النساء ، يا ابن بنت المصطفى.
    قال : فوالله لقد أبكت كلّ من في المجلس ويزيد ساكت.
    ثمّ جعلت امرأة من بني هاشم كانت في دار يزيد تندب الحسين عليه السلام وتنادي : وا حسيناه ، وا سيّداه ، يا ابن محمداه ، يا ربيع الأرامل واليتامى ، يا قتيل أولاد الأدعياء.
1 ـ اُقسمك ـ خ ل ـ.
2 ـ بقطع الحبال ـ خ ل ـ.
3 ـ فشقت وجهه ـ خ ل ـ.
4 ـ كذا في الملهوف ، وفي الأصل : يفزع.


(385)
    قال : فأبكت كلّ من سمعها. (1)
    قال (2) : وقام من أهل الشام أحمر ، فقال : يا أمير المؤمنين ، هب لي هذه الجارية تعينني.
    قالت : وكنت (3) جارية وضيئة ، فارتعدت وفرقت وظننت أنّه يفعل ذلك ، فأخذت بثياب اُختي زينب فقال : كذبتَ والله ولؤمتَ ما ذلك لك ولا له.
    فغضب يزيد ، فقال : بل أنت كذبت إنّ ذلك لي ، ولو شئت فعلته.
    فقالت : كلّا والله ما جعل الله ذلك لك إلّا أن تخرج من ملّتنا وتدين بغير ديننا.
    فقال يزيد : إيايّ تستقبلين بهذا ؟ إنّما خرج من الدين أبوك وأخوك.
    فقالت : بدين الله ودين أبي وجدّي اهتديت.
    قال : كذبتِ يا عدوّة الله.
    قالت زينب : أمير متسلّط يشتم ظلماً ، ويقهر بسلطانه ، اللّهمّ إليك أشكو دون غيرك ، فاستحيا يزيد وندم وسكت مطرقاً.
1 ـ مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 2/61 ـ 62 ، الملهوف على قتلى الطفوف : 211 ـ 214.
2 ـ في المقتل : وروي عن فاطمة بنت الحسين أنّها قالت : لما اُدخلنا على يزيد ساءه ما رأى من سوء حالنا ، وظهر ذلك في وجهه ، فقال : لعن الله ابن مرجانة ، وابن سميّة ، لوكان بينه وبينكم قرابة ما صنع بكم هذا ، وما بعث بكنّ هكذا ، قالت : فقام إليه رجل من أهل الشام ...
3 ـ كذا في المقتل ، وفي الأصل : قال : وكانت.


(386)
    وأعاد الشامي فقال : يا أمير المؤمنين ، هب لي هذه الجارية.
    فقال يزيد : اعزب لعنك الله ، ووهب لك حتفاً قاضياً ، ويلك لا تقل ذلك ، فهذه بنت عليّ وفاطمة ، وهم أهل بيت لم يزالوا مبغضين لنا منذ كانوا. (1)
    قال الشامي : الحسين بن فاطمة وابن عليّ بن أبي طالب !!
    قال : نعم.
    فقال الشامي : لعنك الله يا يزيد ، تقتل عترة نبيّك وتسبي ذرّيّته ، والله ما توهّمت إلّا أنّهم سبي الروم.
    فقال يزيد : والله لألحقنّك بهم ، ثمّ أمر به فضربت عنقه.
    قال : ثمّ تقدّم عليّ بن الحسين بين يدي يزيد وقال :
لا تطمعوا أن تهينونا نكرمكم الله يعلم أنّا لا نحبّكم وأن نكفّ الأذى عنكم وتؤذونا ولا نلومكم إذ (3) لم تحبّونا
    فقال يزيد : صدقت ولكن أراد أبوك وجدّك أن يكونا أميرين ، فالحمد لله الّذي قتلهما ، وسفك دمهما ، ثمّ قال : يا عليّ ، إنّ أباك قطع رحمي ، وجهل حقّي ، ونازعني سلطاني ، فصنع الله به ما قد رأيت.
    فقال عليّ بن الحسين عليه السلام : ( مَا أصَابَ مِنْ مُصيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أنْفُسِكُمْ إلَّا في كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أنْ نَبْرَأَهَا إنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ ) (4).
1 ـ مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 2/62.
2 ـ الملهوف على قتلى الطفوف : 218 ـ 219.
3 ـ في المقتل : فالله يعلم ... إن.
4 ـ سورة الحديد : 22.


(387)
    فقال يزيد لابنه [ خالد ] (1) : اردد عليه ، فلم يدر ما يقول ، فقال يزيد : ( وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ ) (2).
    ثمّ قال عليّ بن الحسين عليه السلام : يا ابن معاوية وهند وصخر ، إنّ النبوّة والإمرة لم تزل لآبائي وأجدادي من قبل أن تولد ، ولقد كان جدّي عليّ بن أبي طالب يوم بدر واُحد والأحزاب في يده راية رسول الله صلّى الله عليه وآله ، وأبوك وجدّك في أيديهما رايات الكفّار.
    ثمّ جعل صلوات الله عليه يقول :
ماذا تقولون إذ قال النبيّ لكم ماذا فعلتم وأنتم آخر الاُمم
    ثمّ قال عليّ بن الحسين عليه السلام : ويلك يا يزيد لو تدري ما صنعت ، وما الّذي ارتكبت من أبي وأهل بيتي وأخي وعمومتي إذاً لهربت في الجبال ، وافترشت الرماد ، ودعوت بالويل والثبور ان يكون رأس الحسين بن فاطمة وعليّ ولده منصوبان (3) على باب مدينتكم ، وهو وديعة رسول الله صلّى الله عليه وآله ، [ فيكم ] (4) فابشر بالخزي والندامة غداً إذا جمع الناس ليوم القيامة. (5)
    ووجدت رواية أحببت إيرادها هنا بحذف الأسانيد ، قال : لمّا اُدخل رأس الحسين عليه السلام وحرمه على يزيد وكان رأس الحسين بين يديه في طشت جعل ينكت ثناياه بمخصرة في يده يقول :
1 ـ من المقتل.
2 ـ سورة الشورى : 30.
3 ـ في المقتل : أيكون رأس أبي الحسين بن عليّ وفاطمة منصوباً.
4 ـ من المقتل.
5 ـ مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 2/63.


(388)
ليت أشياخي ببدر شهدوا لأهلّوا واستهلّوا فرحاً لست من خندف إن لم أنتقم جزع الخزرج من وقع الأسل ثمّ قالوا يا يزيد لا تشل من بني أحمد ما كان فعل
    فقامت زينب بنت عليّ فقالت : الحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على سيّد المرسلين صدق الله كذلك يقول : ( ثُمّ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ أساءُوا السّؤى أنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ ) (1) أظننت يا يزيد حين أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء فأصبحنا نساق كما تساق الأسرى أنّ بنا هواناً على الله ، وبك عليه كرامة ؟ وانّ ذلك لعظيم خطرك عنده ، وشمخت بأنفك ، ونظرت إلى عطفك جذلان سروراً حين رأيت الدنيا مستوسقة ، والاُمور متّسقة ، وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا ، فمهلاً مهلاً أنسيت قول الله سبحانه : ( وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إثْماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ) (2) آمن العدل ـ يا ابن الطلقاء ـ تخديرك حرائرك وإمائك ، وسوقك بنات المصطفى رسول الله كسبايا قد هتكت ستورهنّ ، وأبديت وجوههنّ من بلد الى بلد يستشر فهنّ أهل المناهل ، ويتصفّح وجوههنّ القريب والبعيد ، والدنيّ والشريف ، وليس معهنّ من رجالهنّ وليّ ، ولا من حماتهنّ حمي ، وكيف [ ترتجى ] (3) مراقبة من لفظ فوه أكباد السعداء (4) ، ونبت لحمه بدماء الشهداء ؟!
    وكيف يستبطأ في بغضنا أهل البيت من نظر إلينا بالشنف والشنآن والإحن
1 ـ سورة الروم : 10.
2 ـ سورة آل عمران : 178.
3 ـ من الملهوف.
4 ـ في الملهوف : الأزكياء.


(389)
والأضغان ، ثمّ تقول غير متأثّم ولا مستعظم.
لأهلّوا واستهلّوا فرحاً ثمّ قالوا يا يزيد لا تشل
    منحنياً على ثنايا أبي عبد الله سيّد شباب أهل الجنّة تنكتها بمخصرتك.
    وكيف لا تقول ذلك وقد نكأت القرحة ، واستأصلت الشأفة ، بإراقتك دماء آل محمد ، وتهتف بأشياخك زعمت تناديهم ؟ ولتردّن وشيكاً موردهم ، ولتودّن أنّك شللت وبكمت ولم تكن قلتَ ما قلتَ.
    وقالت : اللّهمّ خذ بحقّنا ، وانتقم ممّن ظلمنا ، واحلُل غضبك بمن سفك دماءنا وقتل حماتنا ، فوالله ما فريتَ إلّا جلدك ، ولا حززت إلّا لحمك ، وسترد على رسول الله صلّى الله عليه وآله بما تحملت من سفك دماء ذرّيّته ، وانتهكت من عترته وحرمة ولحمته ، وليخاصمنّك حيث يجمع الله تعالى شملهم ، ويلمّ شعثهم ويأخذ لهم بحقّهم ، ( وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) (1).
    وحسبك بالله حاكماً ، وبمحمد صلّى الله عليه وآله خصيماً ، وبجبرئيل ظهيراً ، وسيعلم من سوَّل لك هذا ومكّنك من رقاب المسلمين أن بئس للظالمين بدلاً ، وأيّكم شرّ مكاناً وأضعف جنداً.
    ولئن جرت عليَّ الدواهي مخاطبتك ، أنّي لأستصغر قدرك ، وأستعظم تقريعك ، وأستكثر توبيخك ، لكن العيون عبرى ، والصدور حرّى.
    ألا فالعجب كلّ العجب لقتل حزب الله النجباء بحزب الشيطان الطلقاء ،
1 ـ سورة آل عمران : 169.

(390)
فهذه الأيدي تنطف (1) من دمائنا ، والأفواه تتحلّب من لحومنا ، وتلك الجثث الطواهر الزواكي تنتابها (2) العواسل ، وتعفوها اُمّهات الفراعل ، ولئن اتّخذتنا مغنماً لتجدنّا وشيكاً مغرماً ، حين لا تجد إلّا ما قدّمت [ يداك ] (3) ( وَمَا رَبُّكَ بِظَلّامٍ لِلْعَبِيدِ (4) ) فإلى الله المشتكى وعليه المعوّل.
    فكد كيدك ، واسعَ سعيك ، وناصب جهدك ، فوالله لا تمحو ذكرنا ، ولا تميت وحينا ، ولا تدرك أمدنا ، ولا ترحض عنك عارها ، وهل رأيك إلّا فند ، وأيّامك إلّا عدد ، وجمعك إلّا بدد ؟ ويوم ينادي المناد : ألا لعنة الله على الظالمين.
    والحمدُ للهِ الّذي ختم لأوّلنا بالسعادة والمغفرة ، ولآخرنا بالشهادة والرحمة ، ونسأل الله (5) أن يكمل لهم الثواب ، ويوجب لهم المزيد ، ويحسن علينا الخلف (6) ، إنّه رحيم ودود ، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
    فقال يزيد لعنه الله :
يا صيحةً تعلن من صوائح ما أهون الحزن (7) على النوائح (8)
    قال : ودعا يزيد الخاطب وأمره أن يصعد المنبر ويذمّ الحسين وأباه
1 ـ في الملهوف : تنضح.
2 ـ في الملهوف : تتناهبها.
3 ـ من المقتل والملهوف.
4 ـ سورة فصلت : 46.
5 ـ لفظ الجلالة أثبتناه من المقتل والملهوف.
6 ـ في الملهوف : الخلافة.
7 ـ يا صيحة تحمد ... الموت.
8 ـ مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 2/64 ـ 66 ، الملهوف على قتلى الطفوف 214 ـ 218 ، البحار : 45/133.
تسلية المُجالس وزينة المَجالس الجزء الثاني ::: فهرس