تسلية المُجالس وزينة المَجالس الجزء الثاني ::: 496 ـ 510
(496)
والحمد لله الّذي طلب لكم بالثأر ، وأدرك لكم رؤوس أعدائكم [ فقتلهم ] (1) في كلّ فجّ ، وغرّقهم في كلّ بحر ، وشفى بذلك صدور قوم مؤمنين ، وأذهب غيظ قلوبهم.
    فقدموا بالرؤوس والكتاب عليه ، فبعث برأس ابن زياد لعنه الله إلى عليّ ابن الحسين عليه السلام ، فاُدخل عليه وهو يتغدّى ، فقال عليّ بن الحسين عليه السلام : اُدخلت على ابن زياد وهو يتغدّى ورأس ابي بين يديه ، فقلت : اللّهمّ لاتمتني حتّى تريني رأس ابن زياد وأنا اتغدّى ، فالحمد لله الّذي أجاب دعوتي.
    ثمّ أمر فرمي به ، فحمل إلى ابن الزبير فوضعه على قصبة ، فحرّكته الريح فسقط ، فخرجت حيّة من تحت اللسان (2) فأخذت بأنفه ، ففعل ذلك ثلاث مرّات ، فأمر ابن الزبير فاُلقي في بعض شعاب مكّة.
    قال : وكان المختار رحمه الله قد سئل في أمان عمر بن سعد لعنه الله ، فآمنه على أن لا يخرج من الكوفة فإن خرج منها فدمه هدر.
    قال : فخرج عمر حتّى أتى الحمّام ؛ فقيل له : أترى هذا يخفى على المختار ؟ فرجع ليلاً ودخل داره ، فأتى عمر رجل فقال له : إنّي سمعت المختار يحلف ليقتلن رجلاً ، والله ما أحسبه غيرك ، فلمّا كان الغد غدوت فدخلت على المختار ، وجاء الهيثم بن الأسود فقعد ، فجاء حفص بن عمر بن سعد ، فقال للمختار : يقول لك أبو حفص : إنّي على العهد الّذي كان (3) بيننا وبينك.
    قال : اجلس ، فدعا المختار أبا عمرة ، فجاء رجل قصير يتخشخش في
1 ـ من الأمالي.
2 ـ في الأمالي : الستار.
3 ـ في الأمالي : أنزلنا بالذي كان.


(497)
الحديد فسارّه ، ودخل رجلان ، فقال : اذهبا معه ، والله ما أحسبه بلغ دار عمر ابن سعد حتّى جاء برأسه.
    فقال المختار لحفص : أتعرف هذا الرأس ؟
    فقال : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، نعم.
    فقال المختار : يا أبا عمرة ألحقه بأبيه ، فقتله.
    فقال المختار : عمر بن سعد بالحسين ، وحفص بعليّ بن الحسين ، ولا سواء.
    قال : واشتدّ أمر المختار بعد قتل ابن زياد وأخاف الوجوه وقال : لا يسوغ لي طعام ولا شراب حتّى أقتل قتلة الحسين عليه السلام وأهل بيته ، وما من [ ديني ] (1) ترك أحد منهم حيّاً ، وقال : أعلموني من شرك في دم الحسين وأهل بيته ، فلم يكن يأتوه برجل فيقولون : هذا من قتلة الحسين أو ممّن أعان عليه إلّا قتله ، وبلغه أن شمر بن ذي الجوشن لعنه الله أصاب مع الحسين (2) إبلاً له قد أخذها ، فلمّا قدم الكوفة نحرها وقسم لحمها.
    فقال المختار : احصوا لي كلّ دار دخلها شيء من ذلك اللحم ، فأحصوها ، فأرسل إلى كلّ من أخذ منه شيئاً فقتلهم وهدم دوراً بالكوفة (3).
    واُتي المختار بعبد الله بن أُسيد الجهنيّ ، ومالك بن هيثم البدّائي من كندة وحَمَل بن مالك المحاربيّ ، فقال : يا أعداء الله ، أين الحسين بن عليّ ؟
1 ـ من الأمالي.
2 ـ كذا ، والظاهر : من الحسين ، أو : مع الحصين.
3 ـ انظر : ذوب النضار لابن نما : 124.


(498)
    قالوا : اكرهنا على الخروج إليه.
    فقال : أفلا مننتم عليه وسقيتموه من الماء ؟!
    وقال للبدائي : أنت صاحب برنسه لعنك الله ؟
    قال : لا.
    قال : بلى.
    ثمّ قال : اقطعوا يديه أو رجليه ودعوه يضطرب حتّى يموت ، فقطعوه (1) ، وأمر بالآخرين فضربت أعناقهم ، واتي بقراد بن مالك وعمرو بن خالد وعبد الرحمان البجلي وعبد الله بن قيس الخولاني ، وقال لهم : يا قتلة الصالحين ، ألا ترون الله بريئاً منكم ؟ لقد جاءكم الورس بيوم نحس ، فأخرجهم إلى السوق فقتلهم هناك (2).
    وبعث المختار معاذ بن هانىء الكندي ، وأبا عمرة كيسان رضي الله عنهما إلى دار خَوليّ بن يزيد الأصبحي ـ وهو الّذي حمل رأس الحسين عليه السلام إلى ابن زياد ـ ، فأتوا داره فاستخفى في المخرج ، فدخلوا عليه فوجدوه قد ترك (3) على نفسه قوصرّة (4) ، فأخذوه وخرجوا يريدون المختار ، فتلقّاهم في ركب ، وردّه إلى داره ، وقتله عندها وأحرقه (5).
1 ـ انظر : ذوب النضار : 123.
2 ـ انظر : ذوب النضار : 123 ـ 124.
3 ـ في الأمالي : أكبّ.
4 ـ القوصرّة : وعاء من قصب يُرفع فيه التمر من البواري.
5 ـ انظر : ذوب النضار : 118 ـ 119.


(499)
    وطلب [ المختار ] (1) شمر بن ذي الجوشن فهرب إلى البادية ، فسُعي به إلى أبي عمرة ، فخرج إليه مع نفر من أصحابه فقاتلهم قتالاً شديداً فأثخنته الجراح ، فأخذه أبو عمرة أسيراً ، وبعث به إلى المختار فأغلى له دهناً في قدر وقذفه فيها فتفسّخ ووطىء مولى لآل حارثة بن مضرّب وجهه ورأسه.
    ولم يزل المختار يتتبّع قتلة الحسين عليه السلام حتّى قتل منهم خلقاً كثير ، وهرب الباقون فهدم دورهم ، وقتلت العبيد مواليهم الّذين قاتلوا الحسين عليه السلام ، وأتوا المختار فأعتقهم. (2)
    وروى الشيخ أبو جعفر الطوسي رضي الله عنه قال : أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرني المظفّر بن محمد البلخي ، قال : حدّثنا أبو علي محمد بن همّام الاسكافي ، قال : حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميري ، قال : حدّثنا داود بن عمر النهدي ، عن الحسن بن محبوب ، عن عبد الله بن يونس ، عن المنهال بن عمرو ، قال : دخلت على عليّ بن الحسين عليه السلام في مكّة ، فقال لي : يا منهال ، ما فعل حرملة بن كاهلة الأسدي ؟
    فقلت : تركته حيّاً بالكوفة.
    قال : فرفع يديه جميعاً ، ثمّ قال : اللّهمّ أذقه حرّ الحديد ، اللّهمّ أذقه حرّ الحديد ، اللّهمّ أذقه حرّ النّار ، اللّهمّ أذقه حرّ النار.
    قال المنهال : فقدمت الكوفة وقد ظهر المختار بن أبي عبيد ، وكان لي صديقاً ، قال : فكنت في منزلي أيّاماً حتّى انقطع الناس عنّي ، ثمّ ركبت إليه فلقيته خارجاً من داره فقال : يا منهال ، لم تأتنا في ولايتنا هذه ، ولم تهننا بها ،
1 ـ من الامالي.
2 ـ أمالي الطوسي : 240 ـ 245 ح 16 ، عنه البحار : 45/333 ح 2 ، وعوالم العلوم : 17/658 ح 1.


(500)
ولم تشركنا فيها ؟ فأعلمته أنّي كنت بمكّة ، وأنّي قد جئتك الآن ، وسايرته ونحن نتحدّث حتّى أتى الكناس ، فوقف وقوفاً كأنّه منتظر لشيء ، وقد كان اُخبر بمكان حرملة بن كاهلة لعنه الله ، فوجّه في طلبه ، فلم نلبث أن جاء قوم يركضون وقوم يشدّون حتّى قالوا : أيّها الأمير ، البشارة ، قد اُخذ حرملة بن كاهلة ، فما لبثنا أن جيء به ، فلمّا نظر إليه المختار قال لحرملة : الحمد لله الّذي مكّنني منك ، [ ثمّ ] (1) قال : الجزّار الجزار ، فُاتي بجزّار ، فقال له : اقطع يديه ، فقطعتا ، ثمّ قال : اقطع رجليه ، فقطعتا ، ثمّ قال : النّار النار ، فاُتي بنار وقصب فاُلقي عليه فاشتعلت فيه النار.
    فقلت : سبحان الله ! سبحان الله !
    فقال : يا منهال ، إنّ التسبيح لحسن ، ففيم سبّحت ؟
    فقلت : أيّها الأمير ، دخلت في سفرتي هذه منصرفي من مكّة على عليّ ابن الحسين عليه السلام ، فقال : يا منهال ، ما فعل حرملة بن كاهلة ؟ قلت : تركته حيّاً بالكوفة ، فرفع يديه جميعاً وقال : اللّهمّ أذقه حرّ الحديد ، اللّهمّ أذقه حرّ الحديد ، اللّهمّ أذقه النّار ، اللّهمّ أذقه حرّ النار.
    فقال المختار : أسمعت عليّ بن الحسين عليه السلام يقول هذا ؟
    فقلت : والله لقد سمعته يقول هذا ، فنزل عن دابّته وصلّى ركعتين وأطال السجود ، ثمّ قام وركب ، وقد احترق حرملة ، وركبت معه وسرنا ، فحاذيت داري ، فقلت أيّها الأمير ، إن رأيت أن تشرّفني وتكرّمني وتنزل عندي وتحرم بطعامي.
1 ـ من الأمالي.

(501)
    فقال : يا منهال ، تعلّمني أنّ عليّ بن الحسين عليه السلام دعا بأربع دعوات فأجابه الله على يدي ، ثمّ تأمرني أن آكل ! هذا يوم صوم شكراً لله على ما فعلته بتوفيقه ، وحرملة هو الّذي حمل رأس الحسين عليه السلام إلى يزيد ، وهو الّذي رمى عليّ بن الحسين الرضيع بسهم فذبحه. (1)

الندبة
    يا شهيداً شهد الله له بوفاء حقّه ، ويا صدّيقاً اخذ الله ميثاقه على خلقه ، ويا من جاهد في الله حقّ جهاده ، ويا من أخلص الله في إصداره وإيراده ، ويا دليل الخلق على معبودهم ، ويا سبيل الرشد إلى مقصودهم ، ويا من أيده الله بالعصمة الّتي شرّفه بها على بني نوعه ، وجعل أعلام الهدى ومصابيح الدجى من فروعه ، ويا حجّة الله البالغة من الله على عباده ، ويا ربيع اليتامى والأيامى ببره وإرفاده ، ويا صاحب الفرع المرجب الّذي شاع وبان في الآفاق فضله ، واتّصل بحبل القرآن حبله ، وعمّ الخافقين نحله ، وأرمض قلوب القاسطين عدله ، وجعل برد الأمن على الظّالمين محرّماً ، وأجسادهم بصارمه جماداً ، قد أفاض عليها ملابس من فيض الدماء.
    حزني عليك جلّ عن وصف الواصفين عظيمه ، وجزعي لديك فات حصر الحاصرين جسيمه ، أذرف المدامع في حضرتك ، واُشنّف المسامع بمراثيك ومدحتك ، إذا تصور فكري مصابك ، وخطر بسرّي ما أصابك ، سئمت
1 ـ أمالي الطوسي : 238 ـ 239 ح 15 ، عنه البحار : 45/332 ح 1 ، وعوالم العلوم : 17/664 ح 2. وأورده في حكاية المختار في أخذ الثار برواية أبي مخنف : 58 مرسلاً ، وفي مناقب ابن شهراشوب : 4/133 ، ذوب النضار : 120 ـ 122 ، كشف الغمة : 2/112.

(502)
الحياة ولذّتها ، وقلوت الدنيا وزهرتها ، فلا ضحكت سنّي إن ضحكت وقد ابتليتم بصروف الردى ، ولا قرّت عيني إن سررت ونساؤكم أسرى يسار بها إلى العدى.
    أيقرّ طرفي ورؤوسكم يسار بها إلى الطغاة ؟ أم يسكن وجدي وعيالاتكم يساق بها إلى البغاة ؟ أم ترقد مقلتي ومنازلكم نافذة لحمالكم (1) ؟ أم تبرد غلّتي ومحاريبكم خالية من صلواتكم ؟
    فها أنذا أستنبط بأكفّ لوعتي ينابيع أدمعي ، وأستخرج بأيدي حسرتي زفراتي من أضلعي ، واُنظم نثراً من سليم طبعي ، واُنثر درّاً ، من قويم صنعي ، ويروي لساني عن جريح جناني ، وبياني عن صحيح إيماني :
مصابكم في بحار الحزن ألقاني وصرت من دهري الجاني حليف جوى غريق إنسان عيني بالدموع سوى مررت بالأُربع اللاتي بكم شرفت ناديتها أين من كانوا بحار ندى وهَدَّ رُكْني وأجرى دمعي القاني إلى البكاء بدم الأجفان ألجاني جليل رزئكم في الخلق انساني فعادني عيد أشجان فأبكاني ما ان لهم بالسخا والجود من ثان

1 ـ كذا في الأصل.

(503)
كانوا مصابيح ظلماً الضلالة ما كم فيك قد قطعوا طيب المنام وفي عراصك كم أحيوا بجودهم كانوا بدوردجى لا بل شموسَ ضحى أعلام حقّ رقوا بالصدق منزلة بحار علم ولا حدّ لساحلها كانت منازلهم كنز الفقير وأم‍ فأصبحت بعدهم قفراء موحشة إنّ البدور الّتي كانت مطالعها وصرت خالية من بعد انسهم أضحت مدارس ذكر الله دارسة أثناهم عن مقال الحقّ من ثان وواصلوا الظلام بتسبيحٍ وقرآنِ ؟ آمال قوم بإفضالٍ وإحسانِ ؟ يهدى بنور هداهم كلّ حيران ما نالها غيرهم قاص ولا داني بحار حلم وإخلاص بإيمان ‍ن المستجير وكهف الخائف العاني يروى لسان الصدى عنها بتحناني منازلي هدّمتها البعد أركاني يجاوب البوم منّي نعب غربان في أربعي فلهذا الحزن أوهاني


(504)
إلى الحسين شهيد الطفّ أندب أم أوقفت فكري على الربع الّذي ظعنوا والوجد يقلقني والشوق يحرقني وقلت والحزن يطويني وينشرني يا ربع أين الاُولى كانوا حماتك من ومن ألفتهم كانت غيوث سخا ومن هم في الندى كالشمس تحيي ما غنا الفقير وأمن المستجير ومن أعلام علم علت ما أمها بشرٌ أجابني الربع أوداني الزمان بهم أخْنَتْ عليهم صروف الدهر فانقلبوا لمسلم حين أذري الدمع أوهاني ؟ عنه وأخلوه من أهلٍ وسكّان والدمع يغرقني من فيض أجفاني والكرب يظهر في سرّي وإعلاني ريب الزمان ومن هضمٍ وعدوان بعارضٍ من سماء الجود هتّان على البسيطة من نبت وحيوان سُمّوا بمجدٍ وإخلاصٍ وعرفان إلّا تنزّه عن جهلٍ ونقصان وكلّ شيء سوى ربّ العلى فان بالبعد نائين عن أهل وأوطان


(505)
في الله اُوذوا وباعوا أنفساً طهرت واستشعروا حبّنا من حسن صبرهم قلوبهم جعلوها للدروع وقا كانت مجالس غاداني مكارمهم فشتت البين شملاً كان مجتمعاً مأواهم في سويدا القلب ما بَرَحُوا يهزّني ذكرهم في خلوتي حزناً فأرسل الطرف لي أطفي ضرام جوى وددت لو كنت ترباً ضمّ أعظمهم وصرت أسموا على البيت الحرام بما فيا لها غصّة لا تنقضي وجوى من ذي الجلال بجنّات ورضوان في الله لم يصرعوا من فقد معواني من وقع حرب بني حرب وسفيان وهم محال ساداتي وأعياني وهدّني وبسهم الحزن أصماني وفي سواد عيوني كلّ أحياني كما يهزّ الصبا غصناً من الباني إطفاؤه بغزير الدمع أعياني قد عظّم الله من مثواهم شاني اوتيت إذ خير أهل الأرض سكّان لا ينطفي وقضاءٍ جرّ حرماني


(506)
كانوا شموساً وأرجائي مشارقها حتّى إذا غربت عنّي محاسنهم يا لائمي لا تلمني إن بكيت دماً أو حرّمت مقلتي طيب المنام أو ال‍ فإنّ من عمروا ربعي بجودهم آل الرسول وأولاد البتول وأب‍ نجل الكرام مصابيح الظلام مجا بفضلهم صُحُف الله الاولى نطقت أخنى الزمان عليهم فانثنوا وهم وبين معتقل بالأسر يرسف في ما ان له مستجيب ان شكا برحا وحسن معناهم روحي وريحاني هَدَّ البعاد بكفّ البين بنياني عليهم بعويلٍ طول أزماني ‍فؤاد منّي لم يسمح بسلواني وشادني مجدهم فخراً وأعلاني ‍واب الوصول إلى حورٍ وولدان ديح الأنام وأعلا نجل عدنان كما أتى مدحهم في آي فرقان ما بين مخترم بالقتل ظمآني قيوده بين غدّارٍ وخوّان من مستشيط بتقريعٍ وعدوان


(507)
كم من وليد لهم قبل الفطام سقي ونسوة منهم عُنفاً تساق بها فكم رؤوس لهم فوق الرماح غدت من عصبة نشأوا في الكفر كم نصبوا أصحاب بدرٍ واُحدٍ والّذي نصروا كم أزمعوا حرب خير المرسلين أولاد آكلة الأكباد أخبث من وعترة الطلقاء القاسطين ومن كلّا ولا اعتقدوا الاسلام مذ كفروا كلّا ولا أسلموا طوعاً بلى قهروا حتّى إذا وجدوا عوناً يمدّ لهم من كأس حتف بكفّ الموت ملآن ؟ إلى زنيمٍ لفرط البغي جذلان تهدى إلى شرّ موصوفٍ بطغيان ؟ الوجوه منهم لأنصاب وأوثان ؟ وداً ونسراً بإشراكٍ وبهتان واعلا العالمين بفرسان وركبان نشأ على الكفر من شيبٍ وشبّان لم يخلصوا دينهم يوماً بإيمان حقّاً ولا اتخذوه دين ديّان فاستسلموا حذراً من فتك سلطان حبل الضلالة من رجسٍ وشيطان


(508)
أبدوا نفاقاً به ضاقت صدورهم وأقبلت نحو صفّين صفوفهم ليكتموا نعمة الله الّتي ظهرت بحرب أولى الورى منهم بأنفسهم ونصّ أكرم مبعوث وأشرف من‍ وأظهروا شبهة منهم مدلّسة وهكذا بوحي من سمومهم وسادة من ذويه في الطفوف ثووا تجمّلوا بلباس الصبر لم يهنوا صلّى عليهم إله العرش ما طلعت ومثلها لعنات للّذين بغوا وأظهروا الغدر مقروناً بشتّان بصافنات عليها شرّ فرسان ويبدلوا شكرها بغياً بكفران بنصّ ذكر وتصديق ببرهان ‍عوت بصدقٍ وتبليغٍ وتبيان في حربه باخترام الرِّجس عثمان أردوا فتاه بأمسى رهن أكفان أكرم بهم خير سادات وفتيان في الله ما شأنهم في جدّهم شان شمس وما أودعت روح بجثمان عليهم ما شدّت ورق بأغصان


(509)
المجلس العاشر
في فضل زيارته صلوات الله عليه ، وما صدر
في فضله من الأحاديث النبوّية ، وإجابة
الدعاء لدى تربته الشريفة

    واُصدّر المجلس بالخطبة الموسومة ب‍ « تحفة الزوّار ومنحة الأبرار » قلتها بإذن الله في المشهد الشريف.
    الحمد لله الّذي أظهر دين الاسلام ونشر أعلامه ، وأشهر شرع الايمان وبيّن أحكامه ، وجعل أسباب حججه ، وبيّناته متّصلة إلى يوم القيامة ، وأسّس بنيانه على عرفان درجتي النبوّة والإمامة ، وأوضح برهانه بمقال سيّد الخلق وكلمة الله التامّة ، محمد سيّد المرسلين وشفيع المذنبين يوم الطامّة.
    شيّد الله به الرسالة ، وأيّد بالمعجز مقاله ، وأعلى على كلّ جلال جلاله ومقامه ، فهو صلّى الله عليه وآله أكرم وارث وموروث ، وأفضل مرسل ومبعوث ، إلى الخاصّة والعامّة.
    أيدّه الله بوصيّه سيّد الأوصياء ، وصفيّه قدوة الأصفياء ، وبعاضده في الشدّة والرخاء ، ربّ الرئاسة العامّة ، أمير المؤمنين ، ومبير الظّالمين ، ونصير المظلومين ، ذي الامامة والزعامة. صاحب الغدير ، وصائم الهجير ، وبدر الحقّ


(510)
المنير ، إذا أبدى الباطل ظلامه.
    جعل الله سبطي نبيّ الرحمة ولديه ، وسيّدي شباب أهل الجنّة ، وفرعي جميع الاُمّة فرعيه ، وحبّه بداء الايمان وختامه ، الأئمّة الأطهار من ولده ، والعترة الأخيار من عدّه ، والملائكة الأبرار من جنده ، حين أظهر الحقّ ببدر وحنين وأقامه.
    نحمد ربّنا إذ جعلنا من المستمسكين بعروة عصمته ، السالكين واضح طريقته ، لا نقدّم عليه من لا يعادل شسع نعله ، ولا نؤخّره عمّن ليس له فضل كفضله ولا أصل كأصله ، بل نعتقده بعد سيّد المرسلين ، أفضل أهل السماوات وأهل الأرضين ، ونقدّمه بعد خاتم النبيّين ، على جميع الأنبياء والأولياء الصدّيقين ، بل وعلى الصافّين الحافّين ، وحملة العرش من الملائكة المقرّبين.
    حبّه مفاتيح أبواب الجنان ، وبغضه مقاليد دركات النيران ، لا إيمان إلّا حبه ، ولا قربى إلّا قربه ، ولا عترة إلّا عترته ، ولا ذرّيّة إلّا ذرّيّته ، جلّ أن يدرك وصف الواصفين سيّداً البتولة الزهراء عرسه ، والأئمّة النجباء غرسه ، ونفس سيّد الأنبياء نفسه ، وسرّة البطحاء فضله وجنسه.
    حدّ شجاعته تامّ وما سواه ناقص ، ورسم شهامته في أعلى مقام إذ غيره ناكص ، فرّوا ولم يفرّ ، وغيّروا ولم يغيّر ، وبدّلوا ولم يبدّل ، وخذلوا ولم يخذل ، قياس من ساماه في الفخر عقم ، وأساس من جاراه في المجد سقم ، يقتطف رؤوس الأبطال اقتطافاً ، ويختطف نفوس الشجعان اختطافاً ، بدر الدجى في كفه زحل إذا مشى بين الصفين ، وشمس الضحى في دارة الحمل إذا قضى بين الخصمين.
تسلية المُجالس وزينة المَجالس الجزء الثاني ::: فهرس