تسلية المُجالس وزينة المَجالس الجزء الثاني ::: 511 ـ 525
(511)
    علم يهتدي المهتدون بواضح مبادئه ، وعالم يقتدي المقتدون بساطع أنواره ، فارس النهار والليل ، ومنكس الأبطال عن صهوات الخيل ، راهب العرب إذا جنّ الظلام ، وكاشف الكرب عن وجه سيّد الأنام ، طاهر النسب ، ظاهر الحسب ، ضرّاب القلل ، بطل السهل والجبل ، حليف الكتاب ، أليف المحراب ، خواض الغمرات ، شديد العزمات.
    خلفاء الله على عباده ورتبه ، واُمناؤه في بلاده عترته ، مشاهدهم معارج الدعوات ، وضرائحهم مصاعد الحسنات ، تحنّ قلوب المؤمنين إلى زيارتها حنين الطير إلى أوكارها ، وتتشوّق نفوس المخلصين إلى وفادتها واعتمادها ، جعلها الله أشرف بقاع الأرض ، وسبب النجاة في الحساب والعرض ، والهجرة إليها أفضل أعمال الثقلين ، لا سيّما مرقد أبي عبد الله الحسين ، الّذي هدم ركن الايمان بوفاته ، وقصم حبل الاسلام بفواته ، فهو مهبط ملائكة الله المقرّبين ، ومختلف أرواح الأنبياء والمرسلين.
    مسجده أفضل مسجد أُسّس على التقوى من أوّل يوم ، ومشهده أشرف مشهد بنيانه من أولياء الله أشرف قوم ، إن يكن البيت الحرام قبلة للأنام ومعدناً للبركات ، فلكربلاء بحلول سبط المصطفى في تربتها مرجّحات ، شمخت الكعبة فخراً إذ منحت رفعة تعلو على هامة السماك الأعزل والمشتري ، فخوطبت بلسان التأديب : قرّي كعبة فلولا أرض يقال لها كربلا لما خلقتك ، فأطيلي وأقصري.
    شرف الكعبة بمولد سيّد الوصيّين كان مقدار ساعة ، وشرف كربلاء بضريح سبط خاتم النبيّين إلى قيام الساعة ، إن يكن الطواف بالكعبة به تمام الحجّ والعمرة ، فالطواف بضريحه يعدل ثوابه ثواب ذلك ألف ألف مرّة ، إن تكن


(512)
الكعبة قبلة جباه المسلمين ، فكربلا وجهة قلوب المؤمنين ، إن تكن الصلاة في المقام عزيمة وفريضة ، فبغير ولايته وولاية آبائه وأبنائه لا تعادل عند الله جناح بعوضة ، إن يكن البيت العتيق عتيق من الطوفان والغرق ، فمقامه صلوات الله عليه لما اُجري عليه الماء جار وما انطلق ، إن تكن أفئدة من الناس تهوي الى البيت الحرام ، فقلوب المؤمنين تحنّ إلى زيارته على الدوام.
    جعل الله التوفيق زمام عصابة من أوليائه تقودها به إليه ، ومغناطيس نفوس خلاصةٍ من أصفيائه يتهافتون شوقاً عليه ، لا تأخذهم في وفادته لومة لائم ، ولا تثني عزائمهم عن زيارته مخافة ناصب ولا غاشم ، بذلوا أنفسهم وأموالهم ليستظلّوا بظلال تلك العواطف والمراحم ، وهجروا أبناءهم وديارهم هجرة إلى الله ورسوله لينالوا الزلفى من تلك الجوائز والمكارم ، زجّوا القلوص من كلّ فجّ عميق ، وحثحثوا الركاب من كلّ مرمى سحيق ، تركوا الأطفال كاليتامى ، والحلائل كالأيامى ، تلفح وجوههم الهواجر بسمومها ورياحها ، وتهزل أجسامهم المغاور بغدّوها ورواحها ، تبسط الملائكة أجنحتها لمواطىء أقدامهم ، وتبارك عليهم في صلواتها في مسيرهم ومقامهم ، لهم معقّبات من بين أيديهم ومن خلفهم يحفظونهم من أمر الله بالغدّو والآصال ، ولو لا ذلك لاصطلمتهم أكفّ الناصبة اُولي الجحود والضلال ، حتّى إذا لاحت لهم من جانب طور كربلاء أنوار ذلك الجناب ، وأشرقت عليهم شموس العرفان من تلك القباب ، اُديرت كؤوس السرور على نفوسهم وقلوبهم ، إذ فازوا بنيل المنى من وليّهم ومطلوبهم ومحبوبهم.
    لمّا شربوا من شراب حبّة بالكأس الرويّة صرفاً ، زادهم العناية الإلهيّة توفيقاً وعرفاناً ولطفاً ، نادى فيهم المنادي لمّا دنا من النادي ، وغنّى لهم الحادي


(513)
لمّا ترنّم الشادي ، وأنشد بشأن حالهم مفصحاً ، وغرّد ببيان مقالهم موضحاً :
طور جمال حسنكم لمّا بدا بدا كبرق من سجاف مزنه وحقّكم لا حلت عن عهدي وإن يروم منّي سلوة ولا أرى كيف سلوي وهواكم مفزعي حبكم لي جُنّة وجَنّة سعت إليكم قدمي ولو على إن تطردوني فإلى من ألتجي ؟ يا كربلا سقا ثراك مسبٌل فيك ثوى أشرف من مشى على خير الورى جدّاً واُمّاً وأباً وتربة ومهجعاً ومصرعاً أملاك عرش الله حقّاً علموا قد جعل الله لهم من عرشه تهوي إليه عصبة ما وجدت يلومهم في قصدهم قوم شروا حتّى إذا ما شاهدوا مشهده وأقبلوا تحفّهم ملائك قاموا على الباب فنودوا طبتم وعفّروا الخدّ على أعتابه يا زائري سبط النبيّ دينكم لاح لقلب صبكم نور الهدى فجدّد العهد بكم وأكّدا اُتّهم فيكم لائمي وأنجدا ان يسلوني عن هواكم رشدا إذا عرى خطب رماني واعتدى في هذه الدنيا وفي الاُخرى غدا رأسي سعيت كأن حظي أسعدا أو تبعدوني فبمن أرمي العدا ؟ يكسو الربا ربر جدّاً وعسجداً وجه الثرى سبط النبيّ أحمدا ومنصباً ومنسباً ومحتدا ومعبداً ومسجداً ومشهداً بفضله فاتّخذوه مسجدا إلى ثراه مهبطاً ومصعداً من دون آل أحمد ملتحدا ببغيهم دين الضلال بالهدى ولاح نور الله منه وبدا بإذن ذي العرش يفون العددا بما صبرتم فادخلوه سجّدا شكراً تنالوا رفعة وسؤددا دين الهدى وغير دينكم سدى


(514)
قد هيّأ الله لكم من أمركم تصافحون الرسل الكرام صاروا لكم خوان صدق عنده أسماؤكم في صحف المجد غدت اُوبوا بخير ما يؤوب وافد وجاهدوا وصابروا ورابطوا بزروة المقتول ظلماً رشدا والأملاك في حضرته والشهدا وهم لكم يوم القيامة شهدا معرفة وخبراً ومبتدا به من الخلق على من وفدا من خالق الحقّ عناداً واغندا
    فطربوا لنغمة الحادي شكراً ، وأظهروا لله حمداً وشكراً ، ولمّا أطربهم بلبل ذلك الدوح بشهيّ نغمته ، وحرّكهم محرّك الحيّ بفصيح كلمته ، أقبلت الملائكة الكرام تزفّهم بأنواع التوقير والتعظيم ، وتبشّرهم بمغفرة من ربّهم ورضوان وجنّات لهم فيها نعيم مقيم ، خالدين فيها أبداً إنّ الله عنده أجر عظيم. (1)
    حتّى إذا وقفوا بتلك الأعتاب ، وقرعوا ببذل الاخلاص ذلك الباب ، وكشف لهم عن وجه الحبيب النقاب ، وارتفع الحجاب عن ذلك الجناب ، ناداهم ربّ الأرباب ، ومعتق الرقاب : ( أَنِّي لَا اُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أوْ اُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَاُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَاُوذُوا في سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَاُكَفّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَاُدْخَلِنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَاباً مِنْ عِنْدِ اللهِ وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ ) (2) وقيل لهم نيابة عن ربّ العالمين : ( ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ ) (3).
1 ـ إقتباس من الآيتين : 21 و 22 من سورة التوبة.
2 ـ سورة آل عمران : 195.
3 ـ سورة الحجر : 46.


(515)
    فأقبلوا يسافهون مسامع زعام ذلك المقام بشفاههم ، وينفثون ثرى مواطىء الأقدام بجفونهم وجباههم ، طالبين نظرة من محجوب جماله ، سائلين قطرة من زلال إفضاله ، قد أخضبوا النجاد بواكف عبراتهم ، وأشرفوا البلاد بتصاعد زفراتهم ، يعجّون إلى الله من ذنوبهم عجيج الثكلى ، ويضجّون ضجيج شدّة البلوى.
    ولمّا أحرزوا الأرباح في متّجر عبادتهم ، وفازوا بالنجاح من قبول زيارتهم ، وضعت تيجان العرفان على هامات هممهم ، واُفرغت خلع الأعطاف على أعطاف كرمهم ، واُحبروا من جوائز الغفران بما لا عين رأت ولا اُذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، ولا حصر بحدّ ولا قدر ، وقيل لهم : ارجعوا فقد حمد الله سعيكم وشكر ، وغفر لكم ما تقدّم من ذنبكم وما تأخّر.
    فأبوا مغفورة ذنوبهم ، مستورة عيوبهم ، قد أظلّهم الله بظلّ رحمته ، ونظر إليهم بعين عنايته ، يباهي بهم ملائكة أرضه وسمائه ، وأرواح أنبيائه وأوليائه ، قد أثبت أسماءهم في صحف مكرّمة مرفوعة مطهّرة ، بأيدي سفرة كرام بررة ، ( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلَا يَطَأوُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍ نَيْلاً إلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحُ إنَّ اللهَ لَا يُضِيعُ أجْرَ الْمُحْسِنيِنَ وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيَرةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِياً إلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) (1).

الدعاء للزائرين من المؤمنين
    اللّهمّ إنّ هذه العصابة الزائرة من أوليائك المؤمنين ، والجماعة الحاضرة
1 ـ سورة التوبة : 121 و122.

(516)
من أصفيائك المخلصين ، قد هجروا أوطانهم هجرة إليك ، وفارقوا بلدانهم اعتماداً عليك ، وأنفقوا أموالهم ثقة بما في يديك ، وناديتهم إلى زيارة سبط نبيّك فأجابوا بلبيّك اللّهمّ لبيّك ، قد نصبوا أنفسهم لاحتمال الأذى من العصابة الناصبة ، ووطّنوا أسماعهم لاستماع الهجر من الطائفة المارقة الكاذبة ، يقاسون في مسيرهم من أعداء الله ما الموت أيسر من (1) بعضه ، ويتحمّلون الأذى في ذات الله ممّن خفّ ميزانه يوم حسابه وعرضه ، يعيّرهم بنو الزناة بوفادتهم على وليّك وابن أوليائك ، ويوبّخهم نجل البغاة بتوجّههم إلى صفيّك وابن أصفيائك ، ويستحلّون أنفسهم وأموالهم ، ويغرّون بهم سفهاءهم وجهّالهم ، قد اعتقدوا أذى المؤمنين من أفضل الطاعات ، والوقيعة في أعراض الصالحين من أكل القربات ، وتكرار غيبتهم في لهواتهم أحلى من مكرّر القند والضرب ، والتجسّس على عوراتهم أفخر ما يقتنى ويكتسب.
    اللّهمّ إنّ علماءهم وأعلامهم واُمراءهم وحكّامهم ووعّاظهم وخطباءهم قد طغوا في البلاد ، فأكثروا فيها الفساد ، فصبّ عليهم من قهرك سوط عذاب ، وكن لهم يا ربّ بالمرصاد.
    اللّهمّ العن جبتهم وطاغوتهم ، وودّهم وسواعهم ، ولا تهم وعزاهم ، وذكرهم واُنثاهم ، ومبدأهم ومنتهاهم ، وارم بلادهم بالخميس يتلوه الخميس ، والعساكر يحقرها العساكر ، وسلّط عليهم من لا يرحم صراخهم بتضرّعهم ، ولا تقبل عشارهم بتوجّههم ، فيسومهم الخسف ، ويذيقهم الحتف ، ويفلّ غربهم ، ويذلّ صحبهم ، ويثقل أغلالهم ، ويسلب مالهم ، ويذبح أطفالهم ، ويستبيح نساءهم ، ويستعبد أبناءهم ، فإنّهم قد أهانوا أولياءك ، وأغروا أعداءك ،
1 ـ لفظ « من » أثبتناه لاقتضاء السياق.

(517)
وألحدوا في آياتك ، وكذّبوا ببيّناتك.
    عالمهم منافق ، وواعظهم مارق ، وسراجهم غاسق ، وتقيّهم فاسق ، عشاهم من رشاهم ، وملبوسهم من تلبيسهم ، وحللهم من حليّهم ، ومزراتهم من مزواريهم (1) وسرابيلهم من أكاريبهم.
    ذئاب بل ذباب ، وسباع بل كلاب ، يتهافتون على جمع الحطام ، ويتهالكون على أكل الحرام.
    ( رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابِ الْأَلِيمَ ) (2) ، ( رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً إنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِراً كَفَّاراً ) (3).
    اللّهمّ وأفرغ على زوّار سبط سيّد الأنبياء ، وقرّة عين سيّدة النساء ، صبراً جميلاً ، وامنحهم فرجاً قريباً ، واخلفهم فيمن خلفوا ، واخلف عليهم ما أنفقوا ، واجعل البرّ والتقوى شعارهم ، والسلامة من كلّ الأسواء دثارهم ، واجعل لهم معقّبات من بيد أيديهم ومن خلفهم يحفظونهم من أمرك ، واكبت أعداءهم بشدّة بطشك وقهرك.
    اللّهمّ إنّك آتيت لهم بكلّ درهم أنفقوه في زيارتهم عشرة آلاف مدينة في جنّتك ، وأعددت لهم ما لا عين رأت ولا اُذن سمعت في جوار رحمتك ، فصلّ على محمد وآل محمد ، وزدهم من فضلك يا واسع الرحمة ، وأتمم عليهم من
1 ـ كذا في الأصل.
2 ـ سورة يونس : 88.
3 ـ سورة نوح : 26 و27.


(518)
جودك هذه النعمة ، وأبلغهم مأمنهم ، وأوصلهم موطنهم ، مغفورة ذنوبهم ، مستورة عيوبهم ، معصومين في حلّهم وارتحالهم ، محفوظين في عيالهم وأطفالهم.
    اللّهمّ ومن أحللت به قضاءك منهم قبل وصول وطنه ، وجرّعته كؤوس المنون قبل ورود عطنه ، فصلّ على محمد وآل محمد ، وارحم غربته ، وصل وحدته ، وآنس وحشته ، بجوار نبيّك سيّد المرسلين ، وأخيه عليّ أمير المؤمنين ، وآلهما الأئمّة الطاهرين ، برحمتك يا أرحم الراحمين.
    اللّهمّ وأنا عبدك المسكين ، الضارع المستكين ، حططت رحلي بفنائك ، وألقيت كَلّي على وليّك وابن أوليائك ، متّخداً حضرته الشريفة موطناً ومنزلاً ، لا اُريد منها بدلاً ، ولا ألقى عنها حولاً ، حين ذرفت السنّ على السبعين ، وخلّفت الاخوان والأهلين.
    اللّهمّ فكما ختمت عمري بمجاورته ، وأهّلتني للكون في حضرته ، وجعلت لي عندك قدم صدق بملازمته ، وأثبتّ اسمي في جرائد الموسومين بخدمته ، والمخلصين في محبّته ، اُزيّن المنابر بذكر مناقبه ومناقب آبائه ، واُسرّ المحاضر بنشر مرابته ومراتب أبنائه ، فصلّ على محمد وآل محمد ، واجعل حضرته الشريفة موطن حياتي ومماتي ، وكفّر بملازمتها سيّئاتي ، وضاعف بمجاورتها حسناتي ، واجعل ثراها موضعاً لقبري بعد وفاتي ، وأحيني فيها سعيداً ، وأمتني شهيداً ، لامغيّراً ولا مبدّلاً ، ولا ضالّاً ولا مضلّاً ، بل مستمسكاً بعروتك الوثقى ، سالكاً طريقة نبيّك المصطفى ، وأخيه وليّك المرتضى ، وآلهما الأئمّة النجباء ، إنّك على كلّ شيء قدير ، وبالإجابة جدير.


(519)

    وأمّا فضل زيارته عليه السلام ، والهجرة إلى بقعته ، والاستشفاء بتربته ، وإجابة الدعاء تحت قبّته ، فلا يحصرها حدّ ، ولا يستوفيها عدّ ، وقد صنّف الشيخ الجليل أبوالقاسم جعفر بن محمد بن قولويه (1) القمّي رضي الله عنه في ذلك خاصّة كتاباً سمّاه ب‍ « كامل الزيارات » ، مشتملاً على فضل زيارته عليه السلام ، وفضل الصلاة عنده.
    وروى رضي الله عنه في ذلك روايات وأخباراً وكرامات كثيرة ، وكذلك غيره من فقهاء الشيعة وأبرارهم ، كالشيخ الفقيه أبي جعفر الطوسي رضي الله عنه ، والشيخ عماد الدين أبي جعفر محمد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي رضي الله عنهم أجمعين. (2)
    وساُورد نبذة ممّا رووه رضي الله عنهم وأوردوه في فضل زيارته ، من
1 ـ كذا الصحيح ، وفي الأصل : أبو جعفر محمد بن قولويه.
2 ـ في « ح » : وعن عليّ عليه السلام : إذا تصدّق المرء بنية الميّت أمر الله تعالى جبرئيل عليه السالم أن يحمل إلى قبره سبعين ألف ملك ، بيد كلّ ملك طبق من نور ، فيحملون إلى قبره ، ويقولون : السلام عليك يا وليّ الله ، هذه هديّة فلان بن فلان إليك ، فتلألأ قبره وأعطاء الله ألف مدينة في الجنّة ، وزوجه ألف حوراء ، وألبسه ألف حلة ، وقضى له ألف حاجة.
    وقال عليه السلام : إذا قرأ المؤمن آية الكرسي وجعل ثواب قراءته لأهل القبور جعل الله له بكلّ حرف ملكاً يسبّح له إلى يوم القيامة. [ إرشاد القلوب للديلمي : 175 ـ 176 ].


(520)
الأحاديث الصحيحة ، والروايات الصريحة ، التقطتها من كتبهم.
    ذلك ما رواه الشيخ أبو جعفر بن بابويه (1) رضي الله عنه : [ أبي رحمه الله ] (2) قال : حدّثنا سعد بن عبد الله ، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، عن محمد بن إسماعيل ، عن الخيبري (3) ، عن الحسين بن محمد القمّي ، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام ، قال : من زار قبر الحسين أبي عبد الله عليه السلام بشاطىء الفرات كان كمن زار الله فوق عرشه (4). (5)
    قال شيخنا الشيخ الشهيد محمد بن مكّي رضي الله عنه في دروسه ـ عند ذكر هذا الحديث ـ ؛ هو كناية عن كثرة الثواب والإجلال ، بمثابة من رفعة الله إلى سمائه ، وأدناه من عرشه ، وأراه من خاصّة ملكه ما يكون به توكيد كرامته. (6)
    وروى أيضاً رضي الله عنه في دروسه أنّ زيارته فرض على كلّ مؤمن ، وأنّ تركتها ترك حقّ لله ولرسوله ، وأنّ تركها عقوق رسول الله صلّى الله عليه وآله ، وإنقاص في الإيمان والدين ، وأنّه حقّ على الغنيّ زيارته في السنة مرّتين ، والفقير في السنة مرّة ، وأنّه من أتى عليه حول ولم يأت قبره نقص من عمره حول ، وأنّها تطيل العمر ، وأنّ أيّام زيارته لا تعدّ من الأجل ، وتفرّج الغمّ ،
1 ـ كذا الصحيح ، وفي الأصل : قولويه.
2 ـ من الثواب.
3 ـ كذا في الثواب ، وفي الأصل : الحريري.
4 ـ قال المجلسي : أيّ عَبَدَ الله هناك ، أو لاقى الأنبياء والأوصياء هناك فإنّ زيارتهم كزيارة الله ، أو يحصل له مرتبة من القرب كمن صعد عرش ملك وزاره.
5 ـ كامل الزيارات : 147 ح 2 ، ثواب الأعمال : 110 ح 1 ، عنهما البحار : 101/69 ح 3 و4.
6 ـ الدروس الشرعية : 2/10.


(421)
وتمحّص الذنوب ، وبكلّ خطوة حجّة مبرورة ، وله بزيارته عتق ألف نسمة ، وحمل على ألف فرس في سبيل الله ، وله بكلّ درهم أنفقه عشرة آلاف درهم ، وأنّ من أتى قبره عارفاً بحقّه غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر.
    وأنّ زيارته يوم عرفة مع المعرفة بحقّه بألف بألف حجّة وألف ألف عمرة متقبّلات ، وألف غزوة مع نبيّ أو إمام.
    وزيارته أوّل رجب مغفرة للذنب ألبتّة ، ونصف شعبان يصافحه مائة (1) ألف نبّي وعشرون ألف نبيّ ، وليلة القدر مغفرة للذنب ، وأنّ الجمع بين زيارته في سنة واحدة ليلة عرفة والفطر وليلة النصف من شعبان بثواب ألف حجّة مبرورة ، وألف عمرة متقبّلة ، وقضاء ألف حاجة للدنيا والآخرة.
    وزيارته في العشرين من صفر من علامات المؤمن ، وزيارته في كلّ شهر ثوابها ثواب مائة ألف شهيد من شهداء بدر (2).
    وقال رضي الله عنه أيضاً في دروسه : روى المفضّل بن عمر ، عن الصادق عليه السلام في الصلاة عنده كلّ ركعة بألف حجّة ، وألف عمرة ، وعتق ألف رقبة ، وألف وقفة في سبيل الله مع نبيّ مرسل. (3)
    وعن مولانا موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام : أدنى ما يثاب به زائر أبي عبد الله عليه السلام بشطّ الفرات إذا عرف حقّه وحرمته وولايته أن يغفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر. (4)
1 ـ في الدروس : مائتا.
2 ـ الدروس الشرعية : 2/9 ـ 10.
3 ـ الدروس الشرعية : 2/11.
4 ـ كامل الزيارات : 138 ح 3 وص 153 ح 5 ، ثواب الأعمال : 111 ح 6 ، عنهما البحار : 101/24 ح 19 و20.


(522)
    روى الشيخ جعفر بن محمد بن قولويه (1) بحذف الأسانيد قال : سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام : ما لمن زار قبر الحسين عليه السلام ؟
    فقال : إنّ الحسين عليه السلام (2) وكلّ الله به أربعة آلاف ملك شعثاً غبراً يبكونه إلى يوم القيامة ، رئيسهم ملك يقال له منصور ، فلا يزوره زائر إلّا استقبلوه ، ولا يودّعه مودّع إلا شيّعوه ، ولا يمرض إلّا عادوه ، ولا يموت إلّا صلّوا على جنازته واستغفروا له بعد موته. (3)
    وبحذف الاسناد ، عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام ، قال : وكلّ الله بقبر الحسين عليه السلام سبعين ألف ملك يصلّون عليه ، ويدعون لمن زاره ، ويقولون : يا ربّنا ، هؤلاء زوّار الحسين افعل بهم وافعل. (4)
    وبالاسناد عن صالح ، عن الحارث بن المغيرة ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : إنّ الله تبارك وتعالى ملائكة موكّلين بقبر الحسين عليه السلام ، فإذا همّ الرجل بزيارته أعطاهم الله ذنوبه ، فإذا خطا محوها ، ثمّ إذا خطا ضاعفوا له حسناته ، فما تزال حسناته تضاعف حتّى يوجب له الجنّة ، ثمّ اكتنفوه وقدّسوه ، وينادون ملائكة السماوات : قدّسوا زوّار حبيب حبيب الله ، فإذا اغتسلوا ناداهم [ محمد صلّى الله عليه وآله : يا وفد الله ، اُبشروا بمرافقتي في الجنّة ، ثمّ ناداهم ] (5) امير المؤمنين عليه السلام : أنا ضامن
1 ـ كذا الصحيح ، وفي الأصل : أبو جعفر محمد بن قولويه. ويحتمل أيضاً أن يكون : أبو جعفر محمد بن بابويه.
2 ـ في المصادر : إنّ عند قبر الحسين عليه السلام.
3 ـ كامل الزيارات : 119 ح 1 وص 191 ح 8 ، ثواب الأعمال : 113 ح 15 ، البحار : 101/63 ح 42.
4 ـ كامل الزيارات : 119 ح 2 و4 ، التهذيب : 6/47 ح 104 ، عنهما البحار : 101/54 ح 12 و 13.
5 ـ من الكامل.


(523)
لحوائجكم (1) ، ودفع البلاء عنكم في الدنيا والآخرة ، ثمّ اكتنفوهم (2) عن أيمانهم وعن شمائلهم حتّى ينصرفوا إلى أهاليهم (3).
    وبالاسناد عن الأعمش ، قال : كنت نازلاً بالكوفة وكان لي جار كثيراً ما كنت أقعد إليه ، وكان ليلة جمعة فقلت له : ما تقول في زيارة الحسين عليه السلام ؟
    فقال لي : بدعة ، وكلّ بدعة ضلالة ، وكلّ ضلالة في النار.
    فقمت من بيد يديه وأنا أمتلىء غيظاً وقلت : إذا كان في السحر أتيته فحدّثته من فضائل أمير المؤمنين ما يسخّن الله به عينه.
    قال : فأتيته وقرعت عليه الباب ، فإذا أنا بصوت من وراء الباب : إنّه قد قصد الزيارة في أوّل الليل ، فخرجت مسرعاً ، فأتيت الحائر ، فإذا أنا بالشيخ ساجد لا يملّ من السجود والركوع ، فقلت له : بالأمس تقول لي بدعة ، وكلّ بدعة ضلالة ، وكلّ ضلالة في النّار ، واليوم تزوره ؟!
    فقال لي : يا سليمان ، لا تلمني فإنّي ما كنت اُثبت لأهل هذا البيت إمامة حتّى كانت ليلتي هذه فرأيت رؤيا أرعبتني.
    فقلت : ما رأيتَ أيّها الشيخ ؟
    قال : رأيت رجلاً لا بالطويل الشاهق ، ولا بالقصير اللاصق ، لا اُحسن أصفه من حسنه وبهائه ، معه أقوام يحفّون به حفيفاً ، ويزفّونه زفّاً ، بين يديه
1 ـ في الكامل : لقضاء حوائجكم.
2 ـ في الكامل : التقاهم ـ اكتنفهم خ ل ـ.
3 ـ كامل الزيارات : 132 ح 3 وص 152 ح 3 ، ثواب الأعمال : 117 ح 33 ، عنهما البحار : 101/64 و65 ح 50 ـ 52.


(524)
فارس على فرس له ذنوب ، على رأسه تاج ، للتاج أربعة أركان ، في كلّ ركن جوهرة تضيء مسيرة ثلاثة أيّام ، فقلت : من هذا ؟
    فقالوا : محمد بن عبد الله بن عبد المطّلب صلّى الله عليه وآله.
    فقلت : والآخر ؟
    فقالوا : وصيّه عليّ بن أبي طالب عليه السلام.
    ثمّ مددت عيني فإذا أنا بناقة من نور ، عليها هودج من نور ، تطير بين السماء والأرض.
    فقلت : لمن الناقة ؟
    قالوا : لخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد عليها السلام.
    فقلت : والغلام ؟
    قالوا : الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام.
    قلت : فأين يريدون ؟
    قالوا : يمضون بأجمعهم إلى زيارة المقتول ظلماً الشهيد بكربلاء الحسين بن عليّ ، ثمّ قصدت الهودج فإذا أنا برقاع تساقط من السماء أماناً من الله عزّ وجلّ لزوّار الحسين بن عليّ ليلة الجمعة ، ثمّ هتف بنا هاتف : الا اننّا وشيعتنا في الدرجة العليا من الجنّة.
    والله يا سليمان ، لا اُفارق هذا المكان حتّى تفارق روحي جسدي. (1)
    وبالاسناد قال : حدّثني محمد بن الحسن ، قال : حدّثني أحمد بن
1 ـ المزار الكبير : 461 ( مخطوط ) ، عنه البحار : 101/58 ح 26.

(525)
إدريس ، عن محمد بن أحمد ، [ عن محمد ] (1) بن الحسين ، عن محمد بن إسماعيل ، [ عن الخيبري ، ] (2) عن موسى بن القاسم الحضرمي ، قال : ورد أبو عبد الله الصادق عليه السلام في أوّل ولاية أبي جعفر فنزل النجف ، ثمّ قال : يا موسى ، اذهب إلى الطريق الأعظم فقف على الطريق وانظر فإنّه سيجيئك رجل من ناحية القادسيّة ، فإذا دنا منك فقل : هنا رجل من ولد رسول الله صلّى الله عليه وآله يدعوك ، فإنّه سيجيء معك.
    قال : فذهبت حتّى قمت على الطريق والحرّ شديد ، فلم أزل قائماً حتّى كدت أعصي وأنصرف وأدعه ، إذ نظرت إلى شيء مقبل شبه رجل على بعير.
    قال : فلم أزل أنظر إليه حتّى دنا منّي ، فقلت : يا هذا ، هنا رجل من ولد رسول الله صلّى الله عليه وآله يدعوك ، وقد وصفك لي.
    فقال : اذهب بنا إليه.
    قال : فجاء حتّى أناخ بعيره ناحية قريباً من الخيمة ، قال : فدعا به ، فدخل الأعرابيّ إليه ، ودنوت أنا فصرت على باب الخيمة أسمع الكلام ولا أراهما ، فقال له أبو عبد الله عليه السلام : من أين أقبلت ؟
    قال : من أقصى اليمن.
    قال : أنت من موضع كذا وكذا ؟
    قال : نعم.
    قال : فيم جئت إلى ها هنا ؟
    قال : جئت زائراً للحسين عليه السلام.
1 و 2 ـ من الثواب.
تسلية المُجالس وزينة المَجالس الجزء الثاني ::: فهرس