تسلية المُجالس وزينة المَجالس الجزء الثاني ::: 526 ـ 540
(526)
    فقال أبو عبد الله عليه السلام : فجئت من غير حاجة ليس إلّا للزيارة ؟
    قال : نعم ، جئت من غير حاجة إلّا أن اُصلّي عنده وأزوره واُسلّم عليه وأرجع إلى أهلي.
    قال له أبو عبد الله عليه السلام : وما ترون من زيارته ؟
    قال : إنّا نرى في زيارته البركة في أنفسنا وأهالينا وأولادنا وأموالنا ومعايشنا وقضاء حوائجنا.
    قال : فقال له أبو عبد الله عليه السلام : أفلا أزيدك من فضله [ فضلاً ] (1) ، يا أخا اليمن ؟
    قال : زدني ، يا ابن رسول الله.
    قال : إنّ زيارة أبي عبد الله عليه السلام تعدل حجّة مبرورة مقبولة زاكية مع رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فتعجّب الرجل من ذلك ، فقال : إي والله وحجّتين مبرورتين مقبولتين زاكيتين مع رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فتعجّب ، فلم يزل أبو عبد الله عليه السلام يزيده حتّى قال : ثلاثين حجّة مبرورة متقبّلة زاكية مع رسول الله صلّى الله عليه وآله. (2)
    وبالاسناد قال : [ أبي رحمه الله ، قال : ] (3) حدّثنا سعد بن عبد الله ، عن محمد بن الحسين ، عن محمد بن إسماعيل ، عن صالح بن عقبة ، عن يزيد بن عبد الملك ، قال : كنت مع أبي عبد الله عليه السلام فمرّ بنا قوم على حمير ،
1 و 3 ـ من الثواب.
2 ـ كامل الزيارات : 162 ح 7 ، ثواب الأعمال : 118 ح 40 ، عنهما البحار : 101/37 ح 52 و 53.


(527)
فقال : أين يريدون هؤلاء ؟
    فقلت : قبور الشهداء.
    قال : فما يمنعهم من زيارة قبر الغريب ؟
    فقال له رجل من أهل العراق : زيارته واجبة ؟
    قال : نعم ، زيارته واجبة ، ثمّ قال : زيارته خير من حجّة وعمرة ، وعمرة وحجّة ، حتّى عدَّ عشرين حجّة وعمرة ، ثمّ قال : مبرورات متقبّلات.
    قال : فوالله ما قمت حتّى أتاه رجل فقال : إنّي قد حججت تسع عشرة حجّة فادع الله أن يرزقني تمام العشرين.
    قال : فهل زرت قبر الحسين عليه السلام ؟
    قال : لا.
    قال : لزيارته خير من عشرين حجّة. (1)
    وبالاسناد عن سعد بن عبد الله ، عن يعقوب بن يزيد ، عن محمد بن أبي عمير ، عن معاوية بن وهب ، قال : دخلت على أبي عبد الله عليه السلام وهو في مصلّاه ، فجلست حتّى قضى صلاته فسمعته وهو يناجي ربّه فيقول : يا من خصّنا بالكرامة ، ووعدنا الشفاعة ، وحمّلنا الرسالة ، وجعلنا ورثة الأنبياء ، وختم بنا الاُمم السالفة ، وخصّنا بالوصيّة ، وأعطانا علم ما مضى وما بقي ، وجعل أفئدة من الناس تهوي إلينا ، اغفر لي ولإخواني وزوّار قبر أبي عبد الله عليه السلام الّذين أنفقوا أموالهم وأشخصوا أبدانهم رغبة في برنّا ، ورجاءً لما
1 ـ كامل الزيارات : 160 ح 15 وص 163 ح 8 ، ثواب الأعمال : 119 ح 41 ، عنهما البحار : 101/40 ح 62 ـ 64.

(528)
عندك في صلتنا ، وسروراً أدخلوه على نبيّك محمد صلّى الله عليه وآله ، وإجابة منهم لأمرنا ، وغيظاً أدخلوه على عدّونا ، أرادوا بذلك رضوانك ، فكافهم عنّا بالرضوان ، واكلأهم بالليل والنهار ، واخلف على أهاليهم وأولادهم الّذين خلفوا بأحسن الخلف ، وأصحبهم واكفهم شرّ كلّ جبّار عنيد ، وكلّ ضعيف من خلقك وشديد ، وشرّ شياطين الجنّ والإنس ، وأعطهم أفضل ما أمّلوا منك من (1) غربتهم عن أوطانهم ، وما آثرونا على أبنائهم وأهاليهم وقراباتهم.
    اللّهمّ إنّ أعداءنا عابوا عليهم خروجهم فلم ينههم ذلك عن النهوض والشخوص إلينا خلافاً منهم على من خالفنا.
    اللّهمّ فارحم تلك الوجوه الّتي غيّرتها الشمس ، وارحم تلك الخدود الّتي تقلبت على قبر أبي عبد الله عليه السلام ، وارحم تلك الأعين الّتي جرت دموعها رحمة لنا ، وارحم تلك القلوب الّتي جزعت واحترقت لنا ، وارحم تلك الصرخة الّتي كانت لنا.
    اللّهمّ إنّي أستودعك تلك الأنفس وتلك الأبدان حتّى ترويهم من الحوض يوم العطش.
    قال : فما زال صلوات الله عليه يدعو بهذا الدعاء وهو ساجد ، فلمّا انصرف قلت : جعلت فداك لو أنّ الدعاء الّذي سمعته منك كان لمن لا يعرف الله لظننت أنّ النّار لا تطعم منه شيئاً أبداً ، والله لقد تمنّيت أنيّ كنت زرته ولم أحجّ ، فقال : ما أقربك من ذلك ؟! فما الّذي يمنعك من زيارته يا معاوية ؟ ولِمَ
1 ـ في الثواب : في.

(529)
تدع ذلك ؟
    قلت : جعلت فداك ، لم أدر أنّ الأمر يبلغ هذا كلّه.
    فقال : يا معاوية ، من يدعو لزّواره في السماء أكثر ممّن يدعو لهم في الأرض ، لا تدعه لخوفٍ من أحد ، فمن تركه لخوفٍ رأى من الحسرة ما يتمنّى أنّ قبره كان عنده (1) ، أمّا تحبّ أن ترى (2) شخصك وسوادك ممّن يدعو له رسول الله صلّى الله عليه وآله ؟ أمّا تحب أن تكون غداً فيمن رؤي (3) وليس عليه ذنب فيتبع به ؟ أمّا تحبّ أن تكون غداً فيمن تصافحه الملائكة ؟ أمّا تحبّ أن تكون غداً فيمن يصافح رسول الله صلّى الله عليه وآله ؟ (4)
    وبالاسناد عن الحسن بن محبوب ، عن داود الرقّي ، قال : سمعنا (5) أبا عبد الله عليه السلام يقول : ما خلق الله خلقاً أكثر من الملائكة ، وإنّه لينزل من السماء في كلّ مساء سبعون ألف ملك يطوفون بالبيت ليلتهم حتّى إذا طلع الفجر انصرفوا إلى قبر النبيّ صلّى الله عليه وآله فسلّموا عليه ، ثمّ يأتون قبر أمير المؤمنين عليه السلام فيسلّمون عليه ، ثمّ يأتون قبر الحسين عليه السلام فيسلّمون عليه ، ثمّ يعرجون (6) إلى السماء قبل أن تطلع الشمس ، ثمّ تنزل
1 ـ في الثواب : بيده.
    والمراد : أيّ يتمنّى أن يكون قتل لزيارته عليه السلام وقُبر عنده.
2 ـ في الثواب : أن يرى الله.
3 ـ في الثواب : يأتي.
4 ـ ثواب الأعمال : 120 ح 44.
    ورواه في كامل الزيارات : 116 ح 1 و 2 وص 117 ح 3 ، عنه البحار : 101/8 ـ 10 ح 30 ـ 37.
5 ـ في الثواب : سمعت.
6 ـ كذا في الثواب ، وفي الأصل : يرجعون.


(530)
ملائكة النهار سبعون ألف ملك فيطوفون بالبيت الحرام نهارهم حتّى إذا غابت الشمس (1) انصرفوا إلى قبر رسول الله صلّى الله عليه وآله فيسلّمون عليه ، ثمّ يأتون قبر أمير المؤمنين عليه السلام فيسلمون عليه ، ثمّ يأتون قبر الحسين عليه السلام فيسلمون [ عليه ] (2) ، ثمّ يعرجون الى السماء قبل ان تغيب الشمس. (3)
    وبالاسناد : [ أبي رحمه الله ] (4) ، قال : حدّثنا سعد بن عبد الله ، عن محمد ابن الحسين ، عن محمد بن إسماعيل ، عن حنّان بن سدير ، قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : زوروه ـ يعني [ قبر ] (5) الحسين عليه السلام ـ ولا تجفوه ، فإنّه سيّد [ الشهداء وسيّد ] (6) شباب أهل الجنّة. (7)
1 ـ في الثواب : حتّى إذا دنت الشمس للغروب.
2 و 4 و 5 و 6 ـ من الثواب.
3 ـ كامل الزيارات : 114 ح 2 ، ثواب الأعمال : 121 ح 46.
    ورواه الطوسي في أماليه : 1/214 ، عنه البحار : 59/176 ح 8 ، وج 100/57 ح 1 ، ومدينة المعاجز : 4/201 ح 274.
    وأخرجه في البحار : 100/117 ح 8 عن الثواب.
7 ـ كامل الزيارات : 109 ح 1 ، ثواب الأعمال : 122 ح 48.
    وأخرجه في البحار : 101/1 ح 2 عن الكامل ، وفي ص 74 ح 23 عن الثواب.


(531)

    بالاسناد عن محمد بن جعفر القرشي (1) الرزّاز ، عن محمد بن الحسين ابن أبي الخطّاب [ عن أبي سعيد ، عن بعض رجاله ، عن أبي الجارود ] (2) ، قال : قال عليّ بن الحسين عليه السلام : اتّخذ الله كربلاء (3) حرماً آمناً مباركاً قبل أن يخلق أرض الكعبة ويتّخذها حرماً بأربعة وعشرين ألف عام ، وانّه إذا زلزل الله تبارك وتعالى الأرض وسيّرها رفعت كما هي بتربتها صافية (4) فجعلت في أفضل (5) مسكن في الجنّة لا يسكنها إلّا النبيّون والمرسلون ـ أو قال : واُولوا العزم من الرسل ـ وانّها لتزهر (6) بين رياض الجنّة كما يزهر الكوكب الدرّيّ بين الكواكب لأهل الأرض يغشي نورها أصحاب الجنّة (7) ، وهي تنادي : أنا أرض الله المقدّسة الطيّبة المباركة الّتي تضمنّت سيّد الشهداء وسيّد شباب أهل
1 ـ كذا الصحيح ، وفي الأصل : بالاسناد المتقدّم عن أبي القاسم جعفر القرشي ، وهو تصحيف.
2 ـ من الكامل.
3 ـ في الكامل : أرض كربلاء.
4 ـ في الكامل : نورانيّة صافية.
5 ـ في الكامل : أفضل روضة من رياض الجنّة ، وأفضل مسكن ...
6 ـ كذا في الكامل ، وفي الأصل : لتزهو ، وكذا في الموضع الآتي.
7 ـ في الكامل : يغشي نورها أبصار أهل الجنّة جميعاً.


(532)
الجنّة. (1)
    وبالاسناد قال : حدّثنا محمد بن جعفر الرزّاز ، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، عن الحسن بن محبوب ، عن إسحاق بن عمّار ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : إنّ لموضع قبر الحسين عليه السلام حرمة معروفة ، من عرفها واستجار بها اُجير.
    قلت : فصفّ [ لي ] (2) موضعها ، جعلت فداك.
    فقال : امسح من موضع قبره اليوم خمساً وعشرين ذراعاً من ناحية رجليه ، [ وخمساً وعشرين ذراعاً ممّا يلي وجهه ، ] (3) وخمساً وعشرين ذراعاً من خلفه ، وخمساً وعشرين ذراعاً من ناحية رأسه ، وموضع قبره منذ [ يوم ] (4) دفن روضة من رياض الجنّة ، ومنه معراج يعرج فيه بأعمال زوّاره إلى السماء ، فليس ملك [ ولا نبيّ ] (5) في السماوات ولا في الأرض إلّا وهم يسألون الله عزّوجلّ [ أن يأذن لهم ] (6) في زيارة قبر الحسين عليه السلام ، ففوج ينزل وفوج يعرج. (7)
    وقال الصادق عليه السلام : حريم قبر الحسين عليه السلام خمس فراسخ من أربعة جوانب القبر. (8)
1 ـ كامل الزيارات : 268 ح 5 ، كتاب عبّاد العصفري : 17 ( ضمن كتاب الاُصول الستّة عشر ) ، عنهما البحار : 101/108 ح 10 ـ 12.
2 و 3 و 4 و 5 و 6 ـ من الكامل.
7 ـ كامل الزيارات : 272 ح 4 ، عنه البحار : 101/110 ح 19 ـ 22 وعن مصباح المتهجد : 731 ، ومصباح الكفعمي : 508 ، والكافي : 4/588 ح 6 ، وثواب الأعمال : 120 ح 42.
8 ـ كامل الزيارات : 272 ح 3.
    وأخرجه في البحار : 101/111 ح 25 ـ 28 عن ثواب الأعمال : 120 ح 43 ، ومصباح المتهجّد : 731 ، والكامل.


(533)
وروى الحسن بن محبوب ، عن الحسين بن بنت أبي حمزة الثمالي قال (1) : خرجت من الكوفة قاصداً زيارة الحسين عليه السلام في آخر زمان بني مروان وقد أقاموا مشايخ من أهل الشام على الطرقات يقتلون من ظفروا به من زوّاره ، فأتيت إلى القرية الّتي عند حائره عليه السلام فأخفيت نفسي إلى الليل ، ثمّ أتيت إلى الحائر الشريف ، فخرج منه عليَّ رجل فقال : يا هذا ، ارجع من حيث أتيت ، عافاك الله ، فإنّك لا تقدر على الزيارة في هذه الساعة ، فرجعت إلى مكاني ، فلمّا ذهب من الليل شطره أقبلت لزيارة عليه السلام ، فخرج عليَّ ذلك الرجل وقال : يا هذا ، ألم أقلّ لك إنّك لا تقدر على زيارة الحسين هذه الليلة ؟
    فقلت : وما يمنعني من ذلك وأنا قد أقبلت من الكوفة على خوفٍ من أهل الشام أن يقتلوني.
    فقال : يا هذا ، اعلم أنّ إبراهيم خليل الله وموسى كليم الله ومحمد حبيب الله عليهم السلام استأذنوا الله في هذه الليلة أن يزوروا قبر الحسين عليه السلام فأذن لهم ، فهم عنده من أوّل الليلة في جمع من الملائكة لا يحصى عددهم يسبّحون الله ويقدّسونه إلى الصباح.
    فقلت له : وأنت من تكون ، عافاك الله ؟
    قال : أنا من الملائكة الموكّلين بقبره صلوات الله عليه ، فكاد يطير عقلي ممّا دخلني من الرعب ، ورجعت إلى مكاني متفكّراً في ذلك حتّى انفجر عمود الصبح فأتيت فلم أر أحداً ، فصلّيت وزرت وانصرفت على خوف من أهل
1 ـ كذا في الكامل ، وفي الأصل : وروى الحسين بن بنت الحسن بن محبوب قال ، وهو تصحيف.

(534)
الشام. (1)
    وبالاسناد المتقدّم عن الحسين بن عبيد الله ، عن الحسن بن عليّ [ بن أبي عثمان ، عن عبد الجبّار النهاوندي ، عن أبي سعيد ، عن الحسين ] (2) بن ثوير بن أبي فاختة ، قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : يا حسين ، من خرج من منزله يريد زيارة الحسين عليه السلام إن كان ماشياً كتبت له بكلّ خطوة حسنة ، وحطّ بها عنه سيّئة ، حتّى إذا صار في الحائر كتبه الله من المفلحين المنجحين حتّى إذا قضى مناسكه كتبه الله من الفائزين ، حتّى إذا أراد الانصراف ناداه (3) ملك فقال : إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله [ يقرئك السلام و ] (4) يقول لك : استأنف العمل فقد غفر الله لك ما مضى. (5)
    وبالاسناد عن الحسن بن عليّ الكوفي ، عن عليّ بن حسّان الهاشمي ، عن عبد الرحمان بن كثير مولى أبي جعفر عليه السلام ، قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : لو أنّ أحدكم دهرة ثمّ لم يزر الحسين عليه السلام لكان تاركاً حقّاً من حقوق رسول الله صلّى الله عليه وآله [ لأنّ حقّ الحسين عليه السلام فريضة من الله واجبة على كلّ مسلم ] (6). (7)
    وبالاسناد عن محمد بن إسماعيل ، عن صالح بن عقبة ، عن بشير الدهّان ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إنّ الرجل ليخرج إلى قبر الحسين
1 ـ كامل الزيارات : 111 ح 2 باختلاف ، عنه البحار : 101/59 ح 29.
2 و 4 ـ من الكامل والثواب.
3 ـ في الكامل والثواب : أتاه.
5 ـ كامل الزيارات : 132 ح 1 ، ثواب الأعمال : 116 ح 31 ، تهذيب الأحكام : 6/43 ح 89.
6 ـ من الكامل.
7 ـ كامل الزيارات : 122 ح 4 ، تهذيب الأحكام : 6/42 ح 87 ، عنهما البحار : 101/3 ح 10 و11.


(535)
عليه السلام فله إذا خرج من أهله بأوّل خطوة مغفرة ذنوبه ، ثمّ لم يزل يقدّس [ بكلّ خطوة ] (1) حتّى يأتيه ، فإذا أتاه ناجاه الله فقال : عبدي سلني اُعطك ، اُدعني اُجيبك ، اطلب منّي اُعطك ، سلني حاجة اُقضيها لك.
    قال أبو عبد الله عليه السلام : وحقّ على الله أن يعطي ما بذل. (2)
    وبالاسناد عن سيف بن عميرة ومنصور بن حازم قالا : سمعناه صلوات الله عليه يقول : من أتى عليه حول ولم يزر قبر الحسين عليه السلام نقص من عمره حول ، ولو قلت : إنّ أحدكم ليموت قبل أجله بثلاثين سنة لكنت صادقاً ، وذلك لأنّكم تتركون زيارته عليه السلام ، فلا تتركوها يمدّ الله في أعماركم وأرزاقكم ، فتنافسوا في زيارته ولا تدعوا ذلك ، فإنّ الحسين بن عليّ شاهد لكم عند الله وعند رسوله وعند أمير المؤمنين وفاطمة عليهم السلام. (3)
    وبالاسناد عن سلمة بن الخطّاب ، عن إبراهيم بن محمد ، عن عليّ بن المعلّى ، عن إسحاق بن زياد (4) ، قال : أتى رجل أبا عبد الله عليه السلام فقال : إنّي قد ضربت على كلّ شيء لي ذهباً وفضّة ، وبعت ضياعي ، فقلت أنزل مكّة.
    فقال : لا تفعل ، فإنّ أهل مكّة يكفرون بالله جهرة.
1 ـ من الكامل والثواب.
2 ـ كامل الزيارات : 132 ح 2 وص 152 ح 2 ، ثواب الأعمال : 117 ح 32 ، عنهما البحار : 101/24 ح 21 ـ 23.
3 ـ كامل الزيارات : 151 ح 2 ، عنه البحار : 101/47 ح 11.
    ورواه في تهذيب الاحكام : 6/ 43 ح 91 ، وفيه : سيف بن عمير ة ، عن منصور بن حازم.
4 ـ كذا في الكامل ، وفيه : يزداد ـ خ ل ـ ، وفي الأصل والتهذيب : داود ، وفي التهذيب : إبراهيم بن محمد بن عليّ بن المعلّى.


(536)
    قال (1) : ففي حرم رسول الله صلّى الله عليه وآله ؟
    قال : هم شرّ منهم.
    قال (2) : فأين أنزل ؟
    قال : عليك بالعراق الكوفة ، فإنّ البركة منها على اثني عشر ميلاً هكذا وهكذا (3) ، وإلى جانبها قبر ما أتاه مكروب قطّ ولا ملهوف إلّا فرّج الله عنه. (4)
    وبالاسناد عن هشام بن الحكم ، عن الفضيل بن يسار ، قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : إلى جانبكم لقبراً ما أتاه مكروب إلاّ نفّس الله كربته ، وقضى حاجته (5) ـ يعني قبر الحسين عليه السلام ـ. (6)
    ولو أردنا الاستقصاء في فضل زيارته لضاق الوقت وعزت الطوامير.
    وأمّا كرامته صلوات الله عليه وما يظهر على تعاقب الزمان من العجائب والغرائب لدى ضريحه الشريف إلى يوم الناس هذا ما هو مشهور بتجدّد الأعوام والأيّام ، ويظهر للخاصّ والعامّ ، من إجابة الدعاء ، وشفاء المرضى والزمنى قد بلغ حدّ التواتر وطار في الآفاق ذكره ، وشاع على الاطلاق أمره.
1 ـ كذا في الكامل ، وفي الأصل : فقلت.
2 ـ كذا في الكامل ، وفي الأصل : قلت.
3 ـ قال المجلسي رحمه الله : يحتمل أن يكون عليه السلام أشار إلى جانبي الغريّ وكربلاء لا إلى جميع الجوانب ، ويحتمل أن يكون أشار إلى جميع الجوانب ، وإنّما ذكر الراوي مرّتين اختصاراً.
4 ـ كامل الزيارات : 169 ح 9 ، عنه البحار : 99/377 ح 9 ، وج 100/ 404 ح 60.
    ورواه في تهذيب الاحكام : 6/ 44 ح 92.
5 ـ قال المجلسي رحمه الله : يحتمل أن يكون المراد به قبر أمير المؤمنين عليه السلام.
    وعبارة « يعني قبر الحسين عليه السلام » ليست في الكامل والبحار.
6 ـ كامل الزيارات : 167 ح 1 ، عنه البحار : 101/45 ح 1.


(537)
    وسأذكر من ذلك نازلةً نزلت بي وعظم لواقعها خطبي ، وتزلزل لقارعتها قلبي ، وذلك أنّ الله سبحانه كان قد منّ عليَّ في سنة تسعمائة من الهجرة بكتاب « تذكرة الفقهاء » في فقه الخاصّة ، من مصنّفات الشيخ الكامل العالم العامل أبي منصور الحسن جمال الدين بن يوسف بن المطهّر الحلّيّ أفاض الله على ضريحه شآبيب رحمته ، وحشره في زمرة نبيّه وعترته ، وكنت كلفاً به ، ملازماً له ، مثابراً على حصر فوائده ، أستأنس به في خلوتي ، وأستكشف بمطالعته غمّتي ، إلى أن تقلّبت الاُمور ، وتغيرّت الدهور ، واستبدل الله بقوم قوماً ، وبرجالٍ رجالاً ، وقضى الله لي وأحسن القضاء بجوار سيّدالشهداء ، إمام الثقلين ، وسبط سيّد الكونين ، أبي عبد الله الحسين ، وملازمة حضرته الشريفة ليلاً ونهاراً ، إلى أن دخلت سنة ثماني عشرة وتسعمائة حضر في المشهد الشريف رجل من بلدة شيراز يدعى بالسيّد شريف ، وكان له قرب من السلطان ، ثمّ نقم عليه وعزله.
    وكان المذكور يظهر التشيّع ويدّعي الاحاطة بأكثر العلوم ، وفي الباطن زنديقاً يتدّين بمذهب الحكيم ، وإنّما أظهر التشيّع تقرّباً إلى السلطان رياء وسمعة ، فلمّا حضر في المشهد الشريف وكان قد أنهى إليه أمر الكتاب فطلب من الفقير شراءه منه وبذل له عنه ثمناً ، فأبى الفقير عليه ، فأغلظ للفقير في الكلام لأنّه كان من السفاهة والوقاحة والكبر والغلظة على جانب عظيم ، فأجابه الفقير بأعظم من جوابه وأعان الله عليه.
    فمضى المذكور ثانياً إلى باب السلطان ، فوثب صدر الدولة وفوّض إليه أمر الحضرات والأوقاف والاُمور الشرعيّة في سائر البلاد ، فأظهر من الظلم والعسف والعدوان ما لا مزيد عليه ، ووليّ على الحضرات الشريفة في بلاد


(538)
العراق نائباً من قبله مشابهاً له في الكبر والغلظة والظلم ، وفوّض إليه أمر بلدة الحلّة وغيرها من البلاد المتعلّقة بالحضرات الشريفة ـ حضرات الأئمّة عليهم السلام ـ ، وأمره أن لا يجعل له بعد وصوله دأباً ولا همّة إلّا أخذ الكتاب قهراً ، وكتب على يده رسالة تتضمّن التهديد والاغلاض في الكلام.
    فحين وصل إلى المشهد الشريف أوصل الرسالة إلى العبد وأمره بإحضار الكتاب بسرعة من غير تعلّل ، فرأى الفقير انّ الامتناع لا يجدي نفعاً ، فسلّم الكتاب جميعه وعدّته سبع مجلّدات إلى النائب المذكور ، وفوّض الأمر إلى الله سبحانه ، ورأى أن ليس لكربته وغمّته وظلامته كاشفاً إلّا الله والتوسّل إليه بوليّه أبي عبد الله الحسين عليه السلام وآبائه الطاهرين وذرّيّته الأكرمين.
    وألقى الله على لسان الفقير كلمات ـ نثراً وشعراً ـ سمّاها ب‍ « استغاثة المظلوم اللهيف على الظلوم المسمّى بشريف » فكتبها الفقير وحفظها ، ثمّ صلّى صلاة الحاجة عند رأس الضريح المقدّس ، ثمّ دعا بالاستغاثة المذكورةبعد أن تلاما تيسّر من كتاب الله ، ووضع الاستغاثة المذكورة على الضريح وتوسّل إلى الله بأبي عبد الله الحسين ـ بعد تلاوتها ـ وبأبيه وجدّه وأخيه وبالأئمّة التسعة من بنيه.
    فرأى تلك الليلة في المنام إبراهيم بن سليمان الخطّي القطيفي (1) المجاور بمشهد سيّدنا ومولانا أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه كأنّ الفقير قد حظر تحت القبّة الشريفة ووضع أوراقه على الضريح المقدّس ، وألحّ في المسألة والتضرّع إلى الله وإلى أبي عبد الله عليه السلام ، فبينا هو يتوسّل إذا
1 ـ هو الشيخ أبي إسماعيل إبراهيم بن سليمان ، المتوفّى بالغريّ ، المعاصر للمحقّق الكركي ، صاحب كتاب « الفرقة الناجية ». انظر في ترجمته : أمل الآمل : 2/8 ، رياض العلماء : 1/151.

(539)
بيدٍ قد خرجت من الضريح الشريف مشيرة إلى الفقير بثلاث أصابع ، وإذا بقائل يقول : لا تجزع قد بقي من عمر ظالمك ثلاثة.
    فأخبر الشيخ المذكور حفدته صبيحة ذلك اليوم بذلك.
    فبعد مدّة اجتمعتُ بالمذكور ، فسألته عن ذلك ، فأخبرني بصحّته ، فقلت : يمكن أن الثلاثة ثلاثة أعوام ، أو ثلاثة أشهر ، وفوّضت الأمر إلى الله ، واستشعرت لباس الصبر ، وتأسّيت بالنبيّ ووصيّه وأهل بيتهما.
    فما مضت مدّة يسيرة إلّا أقبلت عساكر الروم كالجراد المنتشر ، فكان المذكور زعيم الراية العظمى ، فحين التقى الجمعان وولّى المذكور دبره لا متحرّفاً لقتال ولا متحيّزاً إلى فئة ، بل فراراً وجبناً ، واقتدى بالتيمي وابن صهّاك في الهزيمة يوم خيبر ، فلم يغن عنه الفرار من الله شيئاً ، وأتاه الموت من كلّ مكان ، فصار قتيلاً بدار غربة ، طريحاً في منزل وحشة ، مخضّباً بدم الوريد قوتاً لكلّ خامعة وسيد (1) ، وكان بين الدعاء وقتله ثلاثة أشهر لا ينقص ولا يزيد.
    وكان النائب المذكور قد تأخّر في إرسال الكتاب إليه رجاء أن يمضي هو بنفسه مستصحباً للكتاب لينال الزلفى عنده بذلك ، وكان مقيماً ببلدة بغداد منتظراً للأخبار ، فأتاه خبر سيّده فصار بعد العزّ ذليلاً ، وبعد الامارة مأموراً ، فمضى ولدي طاهر إلى الغاصب المذكور وأخذ الكتاب منه قهراً ، وأتى به.
    فالحمد لله الّذي جبر كسري ، واستجاب دعائي ، ولم يشمت بي أعدائي ، وإنّما أوردت هذه الاستغاثة في كتابي هذا تيمّناً وتبرّكاً بها ، وإظهار الفضيلة للإمام الشهيد أبي عبد الله الحسين ، مضافة إلى مناقه السالفة في حياته
1 ـ الخامعة ، جمعها خوامع ، وهي الضبع لأنّها تخمع ، أيّ تضلع في مشيها.
    والسيِّد : الذئب.


(540)
وبعد موته صلوات الله وسلامه عليه وعلى آبائه الطاهرين ، وأبنائه المعصومين ، صلاة زاكية نامية إلى يوم الدين.

    وهذه الاستغاثة الّتي توسّلت واستعنت إلى الله بها.
    اللّهمّ يا من عرشه مجيد ، وبطشه شديد ، وأخذه مبيد ، وعدله مديد ، ويا قاصم كلّ جبّار عنيد ، وهاضم كلّ ختّار مريد ، ويا ناصراً من استنصر بعزيز سلطانه ، ويا قاهراً من تجبّر ... (1) وعدوانه ، ويا جابراً قلوباً كسرتها عوامل المسرفين من أعدائه ، ويا رافعاً نفوساً خفضتها مواضع المتجبّرين على أوليائه ، ويا من فتح باب الدعاء لمن وجّه مطايا حوائجه إليه ، ويا من تكفّل بإجابة من توكل في كشف حوائجه عليه ، أو يضام أولياؤك ولك الخلق والأمر ؟ أم يهظم أصفياؤك وبيدك الحكم والقهر ؟ أم تتجرّى كفرة كتابك على المنقطعين إليك ؟ أم تتجرّى فجرة عبادك أذى من ألقى كَلّه عليك ؟
    حاشا مجدك الّذي لا يضام ، وجدّك الّذي لا يرام ، وبطشك الّذي لا يطاق ، وملكك الّذي لا يُحاق ، أن تغلق أبواب فضلك عمّن أمّ ذراك ، أو تقطع أسباب عدلك ممّن لم يجد له سواك ، أو أن تفكّك أنامل رجاء من استمسك بمتين حبلك ، أو أن تخيّب دعاء من التزم بوثيق عدلك ، وأن تجبه بالودّ من بذل ماء وجهه لمسألتك ، وأن تقنط بالمنع من وصف ظلامته لعالي حضرتك.
    سبحانك خلقتَ طاغوتاً من عبادك (2) ، وممدت له مدّاً ، وآتيته من كلّ
1 ـ حُذف من الأصل مقدار كلمة واحدة نتيجة ترميم للنسخة ، وتقديرها : ببطشه ، أو ببغيه ، أو ...
2 ـ وردت في « ح » هذه الأبيات :
تسلية المُجالس وزينة المَجالس الجزء الثاني ::: فهرس