تذكرة الفقهاء الجزء الأول ::: 151 ـ 165
(151)
    ولا يجب أيضاً مسحهما عندنا إجماعاً ، لا ظاهرهما ولا باطنهما ، فمن فعل فقد أبدع ، لقول الباقر عليه السلام : « ليس عليهما مسح ولا غسل » (1).
    وقال الشافعي : يستحب مسح باطنهما وظاهرهما بماء جديد ، لأنّفراد حكمهما عن الرأس والوجه ، وبه قال ابن عمر ، وأبو ثور (2).
    وقال مالك : هما من الرأس ، ويستحب أن يأخذ لهما ماءً جديداً (3). وقال أحمد : هما من الرأس يجب مسحهما على الرواية التي توجب استيعاب الرأس ، ويجزي مسحهما بماء الرأس (4).
    وروي عن ابن عباس ، وعطاء ، والحسن البصري ، والأوزاعي ، أنهما من الرأس يمسحان بمائه ، وبه قال أصحاب الرأي (5) ، واحتج الجميع بقوله عليه السلام : ( الاُذنان من الرأس ) (6) ، ولا حجة فيه عندنا ، لأنّا
سنن ابي داود 1 : 33 / 134 ، سنن الترمذي 1 : 53 / 37 ، سنن الدارقطني 1 : 97 ، سنن البيهقي 1 : 66 ، الجامع الصغير 1 : 472 / 3046 ، معرفة السنن والآثار 1 : 236 ، جامع المسانيد للخوارزمي 1 : 231.
1 ـ الكافي 3 : 29 / 10 ، التهذيب 1 : 55 / 156 ، الاستبصار 1 : 63 / 187.
2 ـ مختصر المزني : 2 ، الاُم 1 : 26 ، المجموع 1 : 413 ، فتح العزيز 1 : 427 ، تفسير القرطبي 6 : 90.
3 ـ المدونة الكبرى 1 : 16 ، بداية المجتهد 1 : 14 ، القوانين الفقهية : 29 و 30 ، تفسير القرطبي 6 : 90.
4 ـ المغني 1 : 149 ، الشرح الكبير 1 : 168 ، الإنصاف 1 : 162.
5 ـ المجموع 1 : 413 ، المبسوط للسرخسي 1 : 7 و 64.
6 ـ مصنف ابن أبي شيء بة 1 : 17 ، سنن ابن ماجة 1 : 152 / 444 ، سنن أبي داود 1 : 33 / 134 ، سنن الترمذي 1 : 53 / 37 ، سنن الدارقطني 1 : 97 ، سنن البيهقي 1 : 66 ، الجامع الصغير 1 : 472 / 3046 ، مسند أحمد 5 : 258 و 268 ، معرفة السنن والآثار 1 : 236 ، جامع المسانيد للخوارزمي 1 : 231.


(152)
نخص المسح بمقدمه ، وقال الشعبي ، والحسن بن صالح بن حي : إنّه يغسل ما أقبل منهما مع الوجه ويمسح ما أدبر مع الرأس (1).

    مسألة 42 : لا يجب غسل ما بين الاُذن والعذار ـ من البياض ـ عندنا ، وبه قال مالك (2) لأنّه ليس من الوجه.
    وقال الشافعي : يجب على الأمرد والملتحي (3) ، وقال أبو يوسف : يجب على الأمرد خاصة (4).
    ولا ما خرج عما دارت عليه الإبهام والوسطى من العذار عرضاً ، ولا يستحب ، لتوقفه على الشرع.
    ويرجع الانزع والأغم (5) وقصير الاصابع وطويلها إلى مستوي الخلقة ، فلو قصرت أصابعه عنه غسل ما يغسله مستويها ، ولو قل عرض وجهه عنه لم يتجاوز إلى العذار ، وإن نالته الاصابع.
    ولا يعتبر كلّ واحد بنفسه لجواز أن يكون أغم أو أصلع ، فيغسل الأغم ما على جبهته من الشعر ، ويترك الأصلع ما بين منابت الشعر في الغالب من الرأس إلى حدّ شعره.
    وأما النزعتان ـ فهما ما انحسر عنهما الشعر في جانبي مقدم الرأس ، ويسمى أيضاً الجلحة ـ لا يجب غسلهما ، وكذا موضع الصلع ، وبه قال الشافعي (6).
1 ـ المجموع 1 : 414 ، تفسير الرازي 11 : 159 ، نيل الأوطار 1 : 188.
2 ـ تفسير القرطبي 6 : 84 ، بداية المجتهد 1 : 11 ، المنتقى للباجي 1 : 36.
3 ـ الاُم 1 : 25 ، المجموع 1 : 373 ، كفاية الأخيار 1 : 12.
4 ـ المبسوط للسرخسي 1 : 6 ، المجموع 1 : 373.
5 ـ الأغم : هو الذي سال شعره حتى ضاقت جبهته ، الصحاح 5 : 1998 غمم.
6 ـ الاُم 1 : 25 ، مختصر المزني : 2 ، المجموع 1 : 396 ، فتح العزيز 1 : 337 ، الوجيز 1 : 12 ، مغني المحتاج 1 : 51 ، السراج الوهاج : 16.


(153)
    والصدغان من الرأس ، والعذار ـ هو ما كان على العظم الذي يحاذي وتد الاُذن ـ ليس من الوجه عندنا ، خلافاً للشافعي (1).
    والعارضان : ما نزل من العذارين من الشعر على اللحيين ، والذقن تحته : وهو مجمع اللحيين ، والعَنْفَقة : هو الشعر الذي على الشفة السفلى عاليا بين بياضين.
    وموضع التحذيف ، وهو الذي ينبت عليه الشعر الخفيف بين ابتداء العذار والنزعة ـ ليس من الوجه ، لنباب الشعر عليه ، فهو من الرأس ، وللشافعي وجهان ، أحدهما : من الوجه ، ولذلك يعتاد النساء إزالة الشعر عنه ، وبه سمي موضع التحذيف (2).

    مسألة 43 : يجب أن يغسل ما تحت الشعور الخفيفة من محل العرض ، كالعنفقة الخفيفة ، والاهداب ، والحاجبين ، والسبال ، لأنّها غير ساترة فلا ينتقل اسم الوجه إليها ، ولو كانت كثيفة لم يجب غسل ما تحتها بل غسل ظاهرها.
    أما الذقن فإن كان شعره كثيفاً لم يجب تخليله ، ولا إيصال الماء إلى ما تحته ، بل غَسل ظاهره أيضاً ذهب إليه علماؤنا ـ وبه قال الشافعي (3) ـ لأنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله توضأ فغرف غُرفة غسل وجهه (4) وقال علي عليه السلام في وصفه صلّى الله عليه وآله : « كان كبير الهامة ، عظيم اللحية ،
1 ـ الاُم : 1 : 25 ، المجموع 1 : 377 ، فتح العزيز 1 : 341 ، الوجيز 1 : 12 ، مغني المحتاج 1 : 51 ، تفسير الرازي 11 : 158.
2 ـ المجموع 1 : 372 ، فتح العزيز 1 : 339 ، الوجيز 1 : 12 ، مغني المحتاج 1 : 51 ، المهذب للشيرازي 1 : 23.
3 ـ الاُم 1 : 25 ، مختصر المزني 2 ، المجموع 1 : 374 ، فتح العزيز 1 : 342 ، الوجيز 1 : 12 ، مغني المحتاج 1 : 51 ، السراج الوهاج : 16 ، المهذب للشيرازي 1 : 23.
4 ـ صحيح البخاري 1 : 47 ، سنن أبي داود 1 : 34 / 137 ، سنن النسائي 1 : 74.


(154)
أبيض مشرب بحمرة » (1).
    ومعلوم أن الغرفة لا تأتي على ما تحت الشعر كلّه ، ولأنّه صار باطناً كداخل الفم.
    وقال أبو ثور ، والمزني : يجب غسل ما تحت الكثيف ، كالجنابة وكالحاجبين (2).
    وهو غلط لكثرة الوضوء ، فيشق التخليل بخلاف الجنابة ، والحاجبان غير ساترين غالبا.
    وقال أبو حنيفة ، في الشعر المحاذي لمحل الفرض : يجب مسحه ، وفي رواية اُخرى عنه : مسح ربعه ، وهي عن أبي يوسف أيضاً وعنه ثانية : سقوط الفرض عن البشرة ، ولا يتعلق بالشعر ، وهي عن أبي حنيفة أيضاً (3).
    واعتبر أبو حنيفة ذلك بشعر الرأس ، فقال : إنّ الفرض إذا تعلق بالشعر كان مسحاً (4) ، وهو خطأ لقوله عليه السلام : ( اكشف وجهك فإن اللحية من الوجه ) (5) لرجل غطى لحيته في الصلاة ، بخلاف شعر الرأس فإن فرض البشرة تحته المسح ، وهنا الفرض تحته الغسل ، فإذا انتقل الفرض إليه انتقل على صفته.
    وأما إن كان الشعر خفيفاً لا يستر البشرة ، فالأقوى عندي غسل ما تحته
1 ـ مسند أحمد 1 : 116.
2 ـ المجموع 1 : 374 ، المغني 1 : 117 ، الشرح الكبير 1 : 162 ، عمدة القارئ 3 : 222 ، نيل الأوطار 1 : 185.
3 ـ المبسوط للسرخسي 1 : 80 ، شرح فتح القدير 1 : 13 ، أحكام القرآن للجصاص 2 : 340 ، حلية العلماء 1 : 119.
4 ـ اُنظر المغني 1 : 131.
5 ـ كنز العمال 7 : 519 / 20044 ، الجامع الكبير 1 : 935 ، الفردوس 5 : 127 / 7702 و 135 / 7733.


(155)
وإيصال الماء إليه ، وبه قال ابن أبي عقيل (1) ، وهو مذهب الشافعي (2) ، لأنّها بشرة ظاهرة من الوجه ، وقال الشيخ : لا يجب تخليلها ، كالكثيفة (3) ، والفرق ظاهر.

فروع :
    أ ـ يستحب تخليل الكثيفة لما فيه من الاستظهار ، ولأنّه عليه السلام كان يخللها (4) ، وليس بواجب.
    ب ـ لو نبت للمرأة لحية فكالرجل ، وكذا الخنثى المشكل ، وقال الشافعي : يجب تخليلها لأنّه نادر (5).
    ج ـ لو غسل شعر وجهه أو مسح على شعر رأسه ، ثم سقط لم يؤثر في طهارته لأنّه من الخلقة كالجلد ، وبه قال الشافعي (6) ، وقال ابن جرير : تبطل طهارته كالخفين (7). وهو غلط ، لأنّه ليس من الخلقة بل بدل.
    د ـ لا يجب غسل المسترسل من اللحية عن محل الفرض طولاً وعرضاً ، وبه قال أبو حنيفة ، والمزني (8) ، لأنّ الفرض إذا تعلق بما يوازي
1 ـ حكاه المحقق في المعتبر : 37.
2 ـ المجموع 1 : 375 و 376 ، فتح العزيز 1 : 341 ، الوجيز 1 : 12 ، كفاية الأخيار 1 : 12 ، السراج الوهاج : 16 ، المهذب للشيرازي 1 : 23.
3 ـ المبسوط للطوسي 1 : 20 ، الخلاف 1 : 77 مسألة 25.
4 ـ سنن ابي داود 1 : 36 / 145 ، سنن ابن ماجة 1 : 148 ـ 149 / 429 ـ 433 ، سنن الدارمي 1 : 178 ، مستدرك الحاكم 1 : 149.
5 ـ المجموع 1 : 376 ، فتح العزيز 1 : 343 ، الوجيز 1 : 12 ، مغني المحتاج 1 : 52 ، تفسير الرازي 11 : 158.
6 ـ المجموع 1 : 393 ، المهذب للشيرازي 1 : 24.
7 ـ المغني 1 : 130 ، المبسوط للسرخسي 1 : 65.
8 ـ المجموع 1 : 380 ، فتح العزيز 1 : 345 ، بدائع الصنائع 1 : 4.


(156)
محل الفرض اختص بما يحاذيه ، كشعر الرأس ، وقال أحمد ومالك : يجب لدخوله في اسم الوجه ، ولأنّه ظاهر نابت على محل الفرض فأشبه ما يحاذيه (1) ، وللشافعي قولان (2).
    هـ ـ لا يستحب إدخال الماء إلى باطن العينين ، لما فيه من الاذى ، وللشافعي قولان ، هذا أحدهما ، والآخر : الاستحباب (3) ، لأنّ ابن عمر كان يفعل ذلك حتى عمي (4) ، وليس بحجة ، نعم يستحب أن يمسح مآقيه (5) بإصبعه لإزالة الرمص (6) الواصل إليهما ، وقد روي أنّه عليه السلام كان يفعله (7).
    و ـ يستحب أن يزيد في ماءً الوجه على باقي الأعضاء ، لما فيه من الغضون (8) والشعور والدواخل والخوارج ، وقد روى علي عليه السلام : « أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله كان يكثر فيه الماء » (9).
    ز ـ لو أدخل يده وغسل بشرة اللحية لم يجزئ ، لأنّها إنّ كانت كثيفة فالغسل للظاهر ، وإن كانت خفيفة فالغسل لهما ، فلا يجزي أحدهما.

    مسألة 44 : والواجب أن يغسل وجهه من القصاص إلى المحادر ، فإن
1 ـ المغني 1 : 130 ـ 131 ، الشرح الكبير 1 : 160 ـ 161 ، الإنصاف 1 : 156 ، كشاف القناع 1 : 96 ، بداية المجتهد 1 : 11 ، تفسير القرطبي 6 : 83.
2 ـ المجموع 1 : 380 ، فتح العزيز 1 : 345 ، الوجيز 1 : 13 ، كفاية الأخيار 1 : 13 ، مغني المحتاج 1 : 52 ، السراج الوهاج : 16.
3 ـ الاُم 1 : 24 ، المهذب للشيرازي 1 : 23 ، المجموع 1 : 369 ، مغني المحتاج 1 : 50.
4 ـ الموطأ 1 : 45 / 69
5 ـ مآقي : جمع ، واحده مؤق ومؤق العين طرفها مما يلي الانف. الصحاح 4 : 1553 القاموس المحيط 3 : 281 ( مأق ).
6 ـ الرمص ـ بالتحريك ـ وسخ يجتمع في المؤق. الصحاح 3 : 1042 ، القاموس المحيط 2 : 305 « رمص ».
7 ـ مسند أحمد 5 : 258 ، سنن أبي داود 1 : 33 / 134 ، سنن ابن ماجة 1 : 152 / 444.
8 ـ الغضون واحدها : الغضن وهي مكاسر الجلد. الصحاح 6 : 2174 « غضن ».
9 ـ سنن أبي داود 1 : 29 / 117 ، ونقله المصنف بالمعنى.


(157)
نكس ، قال الشيخ (1) وأكثر علمائنا (2) : يبطل ، وهو الوجه عندي ، لأنّه عليه السلام بدأ بالقصاص (3) في بيان المجمل ، فيكون واجباً ، لاستحالة الابتداء بالضد ، وقال المرتضى رضي الله عنه : يكره (4) ، والجمهور على الجواز كيف غسل (5) ، لحصول المأمور به ، وهو مطلق الغسل.
    ولابد من غسل جزء من الرأس وأسفل الذقن ، لتوقف الواجب عليه ، وفي وصفه بالوجوب إشكال.
    ويجب في الغسل تحصيل ما مسماه ، وهو الجريان على المغسول ، فالدهن إنّ صدق عليه الاسم أجزأ وإلّا فلا ، وكذا في غسل اليدين.

    المبحث الثالث : في غسل اليدين
    وهو واجب بالنص والإجماع ، ويجب إدخال المرفقين في غسلهما ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ، وهو قول أكثر العلماء ، منهم : عطاء ، ومالك ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأصحاب الرأي (6) لقوله تعالى : ( إلى المرافق ) (7) والغاية تدخل غالباً ، ولقول الصادق عليه السلام : « إنّ المنزل
1 ـ المبسوط للطوسي 1 : 20.
2 ـ منهم سلّار في المراسم : 37 ـ 38 ، وابن حمزة في الوسيلة : 50 ، والمحقق في المعتبر : 37.
3 ـ التهذيب 1 : 55 / 157.
4 ـ حكاه عنه المحقق في المعتبر : 37.
5 ـ المجموع 1 : 380.
6 ـ الاُم 1 : 25 ، المجموع 1 : 385 ، الوجيز 1 : 13 ، فتح العزيز 1 : 347 ، بداية المجتهد 1 : 11 ، مقدمات ابن رشد 1 : 51 ، أحكام القرآن لابن العربي 2 : 566 ، تفسير القرطبي 6 : 86 ، الشرح الصغير 1 : 42 ، مغني المحتاج 1 : 52 ، تفسير الرازي 11 : 159 ، شرح فتح القدير 1 : 13 ، بدائع الصنائع 1 : 4 ، اللباب 1 : 6 ، المبسوط للسرخسي 1 : 6.
7 ـ المائدة : 6.


(158)
من المرافق » (1).
    وروى جابر قال : كان رسول الله صلّى الله عليه وآله إذا توضأ أدار الماء على مرفقيه (2) ، خرج مخرج البيان ، ولأن ( إلى ) تستعمل تارة بمعنى ( مع ).
    ومن طريق الخاصة ، حكاية الباقر عليه السلام صفة وضوء رسول الله صلّى الله عليه وآله (3) ، ولأنّه أحوط.
    وقال بعض أصحاب مالك ، وأبوبكر محمد بن داود الظاهري ، وزفر ابن الهذيل : لا يجب غسل المرفقين (4) ، لأنّه تعالى جعلهما غاية وحدا للغسل ، والحد غير داخل ، لقوله تعالى : ( إلى الليل ) (5) وقد بيّنا أنها بمعنى مع ، على أن الحد المجانس داخل ، مثل : بعث هذا الثوب من هذا الطرف إلى هذا الطرف.

    مسألة 45 : ويجب أن يبتدأ بالمرفقين ، ولو نكس فقولان كالوجه ، والحق البطلان.
    ويجب أن يبدأ باليمنى قبل اليسرى ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ـ خلافاً للجمهور (6) ـ لأنّ المأتي به بياناً إنّ قدم فيه اليسرى وجب الابتداء بها ، وليس
1 ـ الكافي 3 : 28 / 5 ، التهذيب 1 : 57 / 159 نقلاً بالمعنى.
2 ـ سنن البيهقي 1 : 56 ، سنن الدارقطني 1 : 83 / 15.
3 ـ الكافي 3 : 25 / 4 و 5 ، الفقيه 1 : 24 / 74.
4 ـ بداية المجتهد 1 : 11 ، تفسير القرطبي 6 : 86 ، الهداية للمرغيناني 1 : 12 ، عمدة القارئ 2 : 233 ، بدائع الصنائع 1 : 4 ، المبسوط للسرخسي 1 : 6.
5 ـ البقرة : 187.
6 ـ المجموع 1 : 383 ، الاُم 1 : 26 ، كفاية الأخيار 1 : 16 ، فتح العزيز 1 : 420 ـ 421 ، السراج الوهاج : 18 ، المغني 1 : 120 ، الشرح الكبير 1 : 149 ، شرح فتح القدير 1 : 31 ، الشرح الصغير 1 : 48.


(159)
كذلك إجماعاً فتعين العكس.
    ولو قطعت من فوق المرفق سقط غسلها ، ويستحب غسل موضع القطع بالماء ، وإن قطعت من دون المرفق وجب غسل الباقي ، وإن قطعت من المرفق فقد بقي من محل الفرض بقية ، وهو طرف عظم العضد ، لأنّه من جملة المرفق ، فإن المرفق مجمع عظم العضد وعظم الذراع.

فروع :
    الأول : لو وجد الاقطع من يوضيه لزمه ، فإن تعذر إلّا بأجرة المثل وجبت ، ولو تعذر إلّا بأزيد ، فالوجه الوجوب مع عدم الضرر ، ولو لم يجد أصلا أو عجز عن الطهارة ، فالوجه عندي سقوط الصلاة أداءً وقضاءً.
    وقال بعض الشافعية : يصلّي على حسب حاله ويعيد ، لأنّه بمنزلة من لم يجد ماءً ولا تراباً (1).
    الثاني : لو توضأ ثم قطعت يده لم يجب عليه غسل ما ظهر منها ، لتعلق الطهارة بما كان ظاهراً وقد غسله.
    فإن أحدث بعد ذلك وجب غسل ما ظهر من يده بالقطع ، لأنّه صار ظاهراً ، وكذا لو قلم أظفاره بعد الوضوء لم يجب غسل موضع القطع إلّا بعد الحدث في طهارة اخرى.
    الثالث : لو انكشطت جلدة من محل الفرض وتدلّت منه وجب غسلها ، ولو تدلت من غيره لم يجب ، ولو انكشطت من غير محل الفرض وتدلّت من محل الفرض وجب غسلها.
    وإن انقلعت من أحد المحلّين ، فالتحم رأسها في الآخر ، وبقي
1 ـ المجموع 1 : 392 ، المهذب للشيرازي 1 : 24.

(160)
وسطها متجافياً فهي كالنابتة في المحلّين ، يجب غسل ما حاذى محل الفرض من ظاهرها وباطنها وما تحتها من محل الفرض.

    مسألة 46 : لو كان له يد زائدة ، فإن لم تتميز عن الاصلية وجب غسلهما معاً لعدم الأولوية ، وللأمر بغسل الأيدي.
    وان علمت الزائدة ، فإن كانت تحت المرفق وجب غسلها أيضاً ، لأنّها جزء من اليد فأشبهت اللحم الزائد ، وإن كانت فوق المرفق ، فإن كانت قصيرة لا يحاذي منها شيء محل الفرض لم يجب غسلها.
    وان كان منها شيء يحاذي مرفقه أو ذراعه ، فالأقرب عدم وجوب غسلها ، وعدم غسل المحاذي أيضاً ، لأنّ أصلها في غير محل الفرض ، فهي تابعة له.
    ويحتمل الوجوب لوقوع اسم اليد عليها ، وكذا في القصيرة ، وللشافعية في غير القصيرة وجهان (1).

فروع :
    أ ـ لو كان له إصبع زائدة في كفه ، أو كف زائدة في ذراعه ، أو ذراع زائد وجب غسله ، لأنّه في محل الوضوء ، فهو تابع له ، وكذا لو كان له لحم نابت أو عظم.
    ب ـ لو طالت أظافره فخرجت عن حدّ يده يحتمل وجوب غسله لأنّه جزء من اليد ، والعدم كالمسترسل من اللحية ، وللشافعية وجهان (2).
    ج ـ الوسخ تحت الأظفار ، إن كان يمنع من إيصال الماء إلى البشرة
1 ـ المجموع 1 : 388 ، فتح العزيز 1 : 351 ـ 352 ، الشرح الكبير 1 : 164.
2 ـ المجموع 1 : 387 ، المهذب للشيرازي 1 : 24.


(161)
وجب إزالته ، إلّا مع المشقة.
    د ـ لو كان في إصبعه خاتم ، أو في يده سير ، أو دملج ، فإن كان يصل الماء تحته استحب تحريكه ، وإن لم يصل إلّا بالتحريك وجب.
    هـ ـ لو كان له رأسان وبدنان على حقو واحد وجب غسل أعضائه كلها وإن حكمنا بوحدته ، وكذا لو كان له رأسان وجب غسل وجهيه ومسحهماً.

    البحث الرابع : في مسح الرأس
    وهو واجب بالنص والإجماع ، ويجزي أقل ما يصدق عليه الاسم للامتثال ، فيخرج عن العهدة ، ولأنّه عليه السلام مسح ناصيته (1).
    ويستحب مقدار ثلاث أصابع ، وقال بعض علمائنا : يجب (2) ، وما اخترناه قول الشافعي ، وابن عمر ، وداود (3).
    والثوري حكي عنه أنّه قال : لو مسح شعرة واحدة أجزأ (4) ، وللشافعي قول آخر : ثلاث شعرات (5).
    وعن مالك ثلاث روايات ، إحداها : الجميع ، وهي إحدى الروايتين
1 ـ صحيح مسلم 1 : 230 / 81 و 231 / 83 ، سنن النسائي 1 : 76 ، سنن البيهقي 1 : 58 ، مسند أحمد 4 : 244 و 5 : 439.
2 ـ الصدوق في الفقيه 1 : 28 ذيل الحديث 88.
3 ـ الاُم 1 : 26 ، مختصر المزني : 2 ، نيل الأوطار 1 : 192 ، السراج الوهاج : 16 ، مغني المحتاج 1 : 53 ، المجموع 1 : 398 ـ 399 ، فتح العزيز 1 : 353 ، الوجيز 1 : 13 ، عمدة القارئ 2 : 235 ، التفسير الكبير 11 : 160 ، أحكام القرآن لابن العربي 2 : 568 ، المغني 1 : 143 ، الشرح الكبير 1 : 167 ، المحلى 2 : 52.
4 ـ المحلى 2 : 52.
5 ـ المجموع 1 : 398 ، فتح العزيز 1 : 354 ، المغني 1 : 143 ، الشرح الكبير 1 : 167 ، الهداية للمرغيناني 1 : 12 ، شرح العناية 1 : 16 ، أحكام القرآن لابن العربي 2 : 568.


(162)
عن أحمد ، وهو محكي عن المزني لقوله تعالى : ( وامسحوا برؤوسكم ) (1) وهو يقتضي مسح الجميع (2).
    الثانية : حكى محمد بن مسلمة ـ صاحبه ـ أنّه قال : إنّ ترك قدر الثلث جاز ، وهي الرواية الثانية لأحمد (3).
    الثالثة : إنّ ترك يسيراً بغير قصد جاز (4).
    وعن أبي حنيفة ثلاث روايات ، الاُولى : الربع ، الثانية : قدر الناصية (5) ، لأنّ أنسا قال : رأيت رسول الله صلّى الله عليه وآله أدخل يده تحت العمامة ومسح على ناصيته (6) ، وهذا خرج مخرج البيان.
    الثالثة : ثلاث أصابع إلى الربع (7) ، وعليه يعولون. والناصية ما بين النزعتين وهي أقل من نصف الربع ، فبطل تحديده.
    فرع : لو مسح على جميع الرأس فعل الواجب وزيادة لأنّه تعالى أمر بالبعض ، وإنكار أن الباء للتبعيض مدفوع ، فإن اعتقد مشروعيته أبدع ، ولا
1 ـ المائدة : 6.
2 ـ عمدة القارئ 2 : 235 ، المغني 1 : 141 و 142 ، الشرح الكبير 1 : 166 ، مقدمات ابن رشد 1 : 51 ، نيل الأوطار 1 : 192 ، المجموع 1 : 399 ، فتح العزيز 1 : 354 ، الإنصاف 1 : 161 ، بداية المجتهد 1 : 12 ، مختصر المزني : 2.
3 ـ المجموع 1 : 399 ، أحكام القرآن لابن العربي 2 : 568 ، القوانين الفقهية : 29 ، مقدمات ابن رشد 1 : 51 ، حلية العلماء 1 : 122.
4 ـ أحكام القرآن لابن العربي 2 : 568 ، عمدة القارئ 2 : 234 ، أحكام القرآن للجصاص 2 : 341.
5 ـ المجموع 1 : 399 ، الهداية للمرغيناني 1 : 12 ، أحكام القرآن للجصاص 2 : 343 ـ 344 ، عمدة القارئ 2 : 235 ، اللباب 1 : 6 ، بدائع الصنائع 1 : 4 ، المبسوط للسرخسي 1 : 63.
6 ـ سنن ابي داود 1 : 37 / 147 ، سنن البيهقي 1 : 61.
6 ـ المبسوط للسرخسي 1 : 63 ، بدائع الصنائع 1 : 4 ، عمدة القارئ 2 : 235 ، أحكام القرآن للجصاص 2 : 341 ، الهداية للمرغيناني 1 : 12 ، شرح فتح القدير 1 : 16 ، المجموع 1 : 399.


(163)
يستحب ، خلافاً للشافعي (1).

    مسألة 47 : ويختص المسح بمقدم الرأس عند علمائنا أجمع ، خلافاً للجمهور (2) ، لأنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله مسح بناصيته (3) في معرض البيان.
    وقول الصادق عليه السلام : « مسح الرأس على مقدمته » (4) ولأنّه مُخرج عن العهدة بيقين فلا يجزي المسح على غيره ، ولو مسح على المقدم وغيره امتثل ، وفعل حراماً إن اعتقد وجوبه أو مشروعيته.
    ولا يجوز المسح على غير المقدم عند علمائنا أجمع ، ومن جوّز مسح البعض من الجمهور يختص المقدم (5).
    والمستحب مقبلاً ، ويجوز مدبراً على كراهة ، لحصول الامتثال بكل منهما ، ولقول الصادق عليه السلام : « لا بأس بمسح الوضوء مقبلاً ومدبراً » (6) ومنع بعض علمائنا من الاستقبال كاليدين (7).

    مسألة 48 : ويجب المسح على بشرة المقدم ، أو شعره المختص به ، ولا يجزي على حائل كالعمامة والمقنعة ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ، لأنّه
1 ـ المهذب للشيرازي 1 : 26 ، المجموع 1 : 402 ، مغني المحتاج 1 : 59.
2 ـ الاُم 1 : 26 ، المجموع 1 : 395 ، أحكام القرآن للجصاص 2 : 341 ، شرح العناية 1 : 15 ، المغني 1 : 142 ، الشرح الكبير 1 : 167 ، نيل الأوطار 1 : 192.
3 ـ صحيح مسلم 1 : 230 / 81 و 231 / 83 ، سنن النسائي 1 : 76 ، سنن البيهقي 1 : 58 ، مسند أحمد 4 : 244 و 5 : 439.
4 ـ التهذيب 1 : 62 / 171 ، الاستبصار 1 : 60 / 176.
5 ـ عمدة القارئ 2 : 235 ، نيل الأوطار 1 : 192 ، فتح العزيز 1 : 426.
6 ـ التهذيب 1 : 58 / 161 ، الاستبصار 1 : 57 / 169.
7 ـ ذهب إلى المنع السيد المرتضى في الانتصار : 19 ، والشيخ الطوسي في النهاية : 14 ، والخلاف 1 : 83 مسألة 31 ، وابن حمزة في الوسيلة : 50.


(164)
مأمور بالمسح على الرأس ، وهو يصدق على البشرة وشعرها.
    وقال بعض الشافعية : إنّ مسح على البشرة يصح إن كان محلوقاً ، وإلّا فلا ، لأنّ الواجب المسح على الشعر ، لأنّ الرأس اسم لما ترأس وعلا ، وهو الشعر (1) ، وليس بشيء.
    ومنع الشافعي من المسح على الحائل كالعمامة ، وبه قال مالك ، وأبو حنيفة (2).
    وقال الثوري ، والأوزاعي ، وأحمد ، وداود : يجوز. إلا أن أحمد ، والأوزاعي شرطا لبسها على طهارة (3).
    وقال بعض أصحاب أحمد : إنّما يجوز إذا كانت تحت الحنك (4) ، لأنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله أمر بالمسح على المشاوذ والتساخين (5) ، والمشاوذ : العمائم ، والتساخين : الخفاف. وهو بعد التسليم محمول على الموضع ، ومسح أبي بكر على العمامة (6) ليس بحجة.

    فروع :
    أ ـ لو عقص شعره النازل عن حدّ الرأس في مقدمه لم يجز المسح
1 ـ فتح العزيز 1 : 354.
2 ـ الاُم 1 : 26 ، المجموع 1 : 407 ، فتح العزيز 1 : 426 ، التفسير الكبير 11 : 160 ، مقدمات ابن رشد 1 : 52 ، نيل الأوطار 1 : 206 ، رحمة الامة 1 : 18 ، المحلى 2 : 61 ، بداية المجتهد 1 : 13 ، بدائع الصنائع 1 : 5 ، أحكام القرآن للجصاص 2 : 351 ، المغني 1 : 341 ، الشرح الكبير 1 : 181.
3 ـ المجموع 1 : 407 ، التفسير الكبير 11 : 160 ، أحكام القرآن للجصاص 2 : 351 ، مقدمات ابن رشد 1 : 52 ، مسائل الامام أحمد : 8 ، بداية المجتهد 1 : 13 ، المغني 1 : 340 ، نيل الأوطار 1 : 205 ، المحلى 2 : 61 ، رحمة الامة 1 : 18 ، حلية العلماء 1 : 124.
4 ـ المغني 1 : 342 ، الشرح الكبير 1 : 183 ، الإنصاف 1 : 185 ـ 186.
5 ـ غريب الحديث للهروي 1 : 116 ، الفائق 2 : 266 ، لسان العرب 13 : 207 سخن.
6 ـ المجموع 1 : 407 ، المغني 1 : 340 ، الشرح الكبير 1 : 181 ، نيل الأوطار 1 : 205.


(165)
عليه ، لأنّه بمنزلة العمامة ، وكذا لو جمع شعراً من غيره في المقدم ومسح.
    ب ـ شرط الشعر الممسوح أن لا يخرج عن حدّ الرأس ، فلا يجوز أن يمسح على المسترسل ، ولا الجعد الكائن في حدّ الرأس إذا كان يخرج بالمد عنه.
    ج ـ لو كان على رأسه جمة في موضع المسح فادخل يده تحتها ومسح على جلدة رأسه أجزأه.
    د ـ لو مسح على شعر المقدم ثم حلقه لم يبطل وضوؤه.
    هـ ـ يجوز للمرأة إدخال إصبعها تحت المقنعة في الظهر والعصر والعشاء ، ويستحب وضعها في الغداة والمغرب.
    و ـ لو مسح على الحائل لضرورة أو تقية جاز ، وفي الإعادة مع الزوال إشكال.

    مسألة 49 : ويجب المسح ببقية نداوة الوضوء ، وهو شرط في الصحة ، ولو استأنف ماءً جديداً ومسح به بطل وضوؤه ، ذهب إليه علماؤنا أجمع إلّا ابن الجنيد (1) ، لأنّ عثمان وصف وضوء رسول الله صلّى الله عليه وآله ولم يذكر الاستئناف (2).
    ومن طريق الخاصة ، صفة الباقر والصادق عليهما السلام وضوء رسول الله صلّى الله عليه وآله. وأنه مسح ببقية نداوة يده من غير أن يستأنف ماءً جديداً (3) ، وفعله وقع بياناً فلا يجزي غيره.
1 ـ حكاه المحقق في المعتبر : 38.
2 ـ صحيح مسلم 1 : 204 / 226 ، سنن النسائي 1 : 64 ، سنن أبي داود 1 : 26 / 106.
3 ـ الكافي 3 : 25 / 5 ، التهذيب 1 : 55 / 157 ، الاستبصار 1 : 58 / 171 ، وفيها عن الامام الباقر عليه السلام.
تذكرة الفقهاء الجزء الأول ::: فهرس