تذكرة الفقهاء الجزء الأول ::: 136 ـ 150
(136)
    ج ـ الدراهم إذا كان عليها شيء من القرآن لم يجز مسّه ، وللشافعي وجهان ، أحدهما : الجواز للمشقة (1).
    د ـ كتب المصحف يجوز للمحدث ، وقال الشافعي : إن كان حاملا له لم يجز وإلّا جاز (2) ، ولا يمنع من القراء‌ة إجماعا.
    هـ ـ يكره المسافرة بالمصحف إلى أرض العدو لئلا تناله أيدي المشركين ، ولقوله عليه السلام : ( لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدو ) (3).
    و ـ هل يختص اللمس بباطن الكف ، أو يعم أجزاء البدن ؟ إشكال.
    ز ـ لو قلب الاوراق بقضيب جاز ، وللشافعي وجهان (4).
    ح ـ المنسوخ حكمه خاصة يحرم مسّه ، دون المنسوخ تلاوته ، وهو أصح وجهي الشافعي (5).
    ط ـ لا يحرم مسّ كتب التفسير ، وقال الشافعي : إنّ تميز القرآن بغلظ خطه حرم وإلّا فلا (6).
    ي ـ لا يحرم مسّ كتب الفقه ولا أحاديث النبيّ والائمة عليهم السلام ، ولو تضمنت به قرآنا اختص القرآن بالتحريم.
    يا ـ لا يحرم مسّ التوراة والانجيل.
    يب ـ لو كان على بدن المتطهر نجاسة لم يحرم عليه المس ، وإن كانت على العضو الماس ، نعم يحرم بموضعها لأنّ الحدث أمر حكمي لا
1 ـ المجموع 2 : 68 ـ 69 ، فتح العزيز 2 : 105 ـ 106 : مغني المحتاج 1 : 38 ، الوجيز 1 : 17.
2 ـ المجموع 2 : 70 ، فتح العزيز 2 : 108.
3 ـ المصاحف للسجستاني : 208 ، كنز العمال 1 : 620 / 2863.
4 ـ المجموع 2 : 68 ، مغني المحتاج 1 : 38 ، الوجيز 1 : 17 ، فتح العزيز 2 : 103 ـ 104.
5 ـ المجموع 2 : 70 ، مغني المحتاج 1 : 37.
6 ـ المجموع 2 : 69 ، فتح العزيز 2 : 106.


(137)
يتبعض ، والنجاسة عينية يختص حكمها بمحلها.
    يج ـ لو بقي المسح لم يرتفع المنع.
    يد ـ لا يمنع الحدث من سجود الشكر والتلاوة ، ويمنع من سجود السهو ، والسجدة المنسية.
    تتمة : لو توضأ قبل الاستنجاء صحت طهارته ، ولو صلّى أعاد الصلاة بعد الاستنجاء دون الطهارة ، لقول الصادق عليه السلام : « عليه أن يغسل ذكره ، ويعيد صلاته ، ولا يعيد وضوء‌ه » (1).
    وقال الصدوق : يعيد الوضوء (2) ، لقول الباقر عليه السلام : « يغسل ذكره ثم يعيد الوضوء » (3) ، وهو محمول على الاستحباب ، أو على تجدد حدث.
    وللشافعي في صحة الوضوء قبل الاستنجاء قولان (4).
    أما التيمم قبل الاستنجاء فعندي إن كان لعذر لا يمكن زواله صحّ ، وإلّا فلا ، ومن شرط التضيق أبطله ، ومن لا فلا.
    وللشافعي وجهان (5) لا باعتبار التضيق بل من حيث انه تيمم لا يبيح الصلاة ، فأشبه التيمم قبل الوقت.
    ولو كان على بدنه نجاسة في غير محل الفرض فتوضأ قبل إزالتها صحّ ، ولو تيمم فكالاستنجاء.
1 ـ التهذيب 1 : 48 / 137 ، الاستبصار 1 : 53 / 154.
2 ـ المقنع : 4.
3 ـ التهذيب 1 : 49 / 142 ، الاستبصار 1 : 54 / 158.
4 ـ المجموع 2 : 97 ، مغني المحتاج 1 : 43 ، المهذب للشيرازي 1 : 34.
5 ـ الاُم 1 : 23 ، المجموع 2 : 97 ، مغني المحتاج 1 : 43 ، المهذب للشيرازي 1 : 34.


(138)

(139)
    وفيه مطلبان : الأول : في واجباته.
    وهي سبعة : النيّة ، وغسل الوجه ، وغسل اليدين ، ومسح الرأس ومسح الرجلين ، والترتيب ، والموالاة ، فهنا مباحث :
    الأول : النية.

    مسألة 38 : النيّة واجبة في الطهارات الثلاث ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ، وبه قال علي عليه السلام ، وربيعة ، ومالك ، والليث بن سعد ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وداود ، وأبو عبيد ، وابن المنذر (1) ، لقوله تعالى : ( وما امروا إلّا ليعبدوا الله مخلصين ) (2) وقوله عليه السلام : ( إنّما الأعمال بالنيات ، وإنّما لامرئ ما نوى ) (3) وقول
1 ـ المجموع 1 : 312 ، فتح العزيز 1 : 310 ، تفسير الرازي 11 : 153 ، أحكام القرآن للجصاص 2 : 334 ، المبسوط للسرخسي 1 : 72 ، مغني المحتاج 1 : 47 ، بداية المجتهد 1 : 8 ، بدائع الصنائع 1 : 19 ، مقدمات ابن رشد 1 : 40 ، الوجيز 1 : 11 ، نيل الأوطار 1 : 163 ، المغني 1 : 121 ، الشرح الكبير 1 : 151 ، الاُم 1 : 29 ، أحكام القرآن لابن العربي 2 : 559 ، الميزان 1 : 115 ، رحمة الامة 1 : 17.
2 ـ البينة : 5.
3 ـ سنن النسائي 1 : 58 ، سنن ابن ماجة 1 : 1413 / 4227 ، صحيح البخاري 8 : 175 ، صحيح مسلم 3 : 1515 / 1907.


(140)
الرضا (1) عليه السلام : « لا عمل إلّا بنية » (2) ، ولأنّها طهارة عن حدث كالتيمم.
    وقال الثوري وأصحاب الرأي : تجب النيّة في التيمم خاصة ، دون الوضوء والغسل ، لأنّه تعالى أمر بالغسل ولم يأمر بالنيّة والزيادة قبيحة ، ولأنّها طهارة بالماء كإزالة النجاسة ، ومفهوم الآية (3) فاغسلوا للصلاة ، مثل إذا سافرت فتزوّد (4).
    والوضوء عبادة مأمور بها ، وتجنب النجاسة ترك معتاد فاختلفا ، ولا ينتقض بالصوم لأنّه ترك غير معتاد.
    وقال الحسن بن صالح بن حي : يجوز التيمم أيضاً بغير نيّة (5) ، وعن الأوزاعي روايتان : إحداهما كقول الحسن ، والثانية كقول أبي حنيفة (6).

    مسألة 39 : والنيّة إرادة إيجاد الفعل على الوجه المأمور به شرعا يفعل بالقلب ، ولا اعتبار باللفظ ، نعم ينبغي الجمع ، فإن اللفظ أعون له على خلوص القصد ، ولو تلفّظ بلسانه ولم ينو بقلبه لم يجزئه ، وبالعكس يجزي ، ولو اختلف القصد واللفظ فالعبرة بالقصد.
    وكيفيتها : أن ينوي الوضوء لوجوبه ، أو ندبه ، أو وجههما ، إذ
1 ـ من هنا بدأ السقط من النسخة ( ش ) واستمر إلى أوائل بحث الترتيب والموالاة.
2 ـ أمالي الطوسي 2 : 202 ـ 203.
3 ـ المائدة : 6.
4 ـ المجموع 1 : 313 ، فتح العزيز 1 : 310 ، بداية المجتهد 1 : 8 ، المغني 1 : 121 ، الشرح الكبير 1 : 151 ، الميزان 1 : 115 ، رحمة الامة 1 : 17 ، القوانين الفقهية : 28 ، أحكام القرآن للجصاص 2 : 334 ، المحلى 1 : 73.
5 ـ المجموع 1 : 313 ، بداية المجتهد 1 : 67 ، المحلى 1 : 73.
6 ـ المجموع 1 : 313 ، أحكام القرآن لابن العربي 2 : 559 ، بداية المجتهد 1 : 67.


(141)
المأخوذ عليه إيقاع العبادة على وجهها ، وإنّما يقع عليه بواسطة القصد ، ورفع الحدث أو استباحة فعل لا يصح إلّا بالطهارة ، متقربا به إلى الله تعالى ، وذو الحدث الدائم ـ كالمبطون وصاحب السلس ، والمستحاضة ـ ينوي الاستباحة ، فإن اقتصر على رفع الحدث فالوجه البطلان.
    ووقتها عند ابتداء غسل الوجه ، ويجوز أن تتقدم عند غسل اليدين المستحب لا قبله ، ولا بعد الشروع في الوجه ، ويجب استدامتها حكماً إلى الفراغ ، يعني أنّه لا يأتي بنية لبعض الافعال يخالفها.
    وهل تكفي نيّة القربة ؟ قال الشيخ : نعم للامتثال (1) ، والأقوى المنع لمفهوم الآية (2).

فروع :
    أ ـ لا تجب النيّة في إزالة النجاسات ، لأنّها كالترك ، فلا تعتبر فيها النيّة كترك الزنا ، وهو أحد وجهي الشافعي ، وفي الآخر : يشترط قياساً على طهارة الحدث (3) ، والفرق ظاهر.
    ب ـ لا يصح وضوء الكافر ولا غسله ، لعدم صحة النيّة منه ، فإذا أسلم تلزمه الإعادة ، وهو أحد أقوال الشافعي (4).
    وثانيها : إعادة الوضوء خاصة ، لأنّ الغسل يصح من الكافر ، فإن الذمّيّة تغتسل من الحيض لحق الزوج فتحل له (5).
1 ـ النهاية : 15.
2 ـ المائدة : 6.
3 ـ المجموع 1 : 310 ، فتح العزيز 1 : 311 ، كفاية الأخيار 1 : 12 ، الوجيز 1 : 11.
4 و 5 ـ الوجيز 1 : 11 ، فتح العزيز 1 : 312 ، المجموع 1 : 330 ، الاشباه والنظائر للسيوطي : 35 ، كفاية الأخيار 1 : 12.


(142)
    وثالثها : عدم إعادتهما كإزالة النجاسة ، وبه قال أبو حنيفة (1).
    ولو توضأ المسلم ثم ارتدّ لم يبطل وضوؤه لارتفاع الحدث أولا ، وعدم تجدد غيره ، وهو أحد وجهي الشافعي ، والثاني : يبطل ، وبه قال أحمد ، لأنّ ابتداء الوضوء لا يصح مع الردة ، فإذا طرأت في دوامه أبطلته (2) ، وليس بجيد ، لأنّه بعد الفراغ مستديم حكمه لا فعله ، فلا تؤثر فيه الردة ، كالصلاة بعد فعلها.
    ولو ارتدّ المتيمم فأصح وجهي الشافعي الإعادة (3) ، لخروجه عن أهلية الاستباحة ، فصار كما لو تيمم قبل الوقت.
    ج ـ لو أوقع النيّة عند أول جزء من غسل الوجه صحّ ، ولم يثب على ما تقدم من السنن ، وإن تقدمت عليها فإن استصحبها فعلا إليها صحّ ، واثيب ، وإن عزبت قبله ولم تقترن بشيء من أفعال الوضوء بطل ، وهو أقوى وجهي الشافعي (4).
    وإن اقترنت بسنة أو بعضها صحّ ، وهو أضعف وجهي الشافعي (5) ، لأنّها من جملة الوضوء وقد قارنت ، وأصحهما عنده : البطلان ، لأنّ المقصود من العبادات واجبها ، وسننها توابع.
1 ـ المجموع 1 : 330 ، فتح العزيز 1 : 312 ، المبسوط للسرخسي 1 : 116 ، شرح فتح القدير 1 : 116 ، نيل الأوطار 1 : 282.
2 ـ المجموع 2 : 5 و 300 ـ 301 ، فتح العزيز 1 : 314 ، كفاية الأخيار 1 : 38 ، المغني 1 : 200 ، الشرح الكبير 1 : 226.
3 ـ المجموع 2 : 5 و 300 ، فتح العزيز 1 : 314 ، المهذب للشيرازي 1 : 43 ، كفاية الأخيار 1 : 38 ، الوجيز 1 : 11.
4 ـ الوجيز 1 : 12 ، فتح العزيز 1 : 316 ـ 317 ، المجموع 1 : 320 ، المهذب للشيرازي 1 : 21 ، الاُم 1 : 29.
5 ـ فتح العزيز 1 : 317.


(143)
    د ـ إنّما يستحب غسل اليدين قبل إدخالهما الآنية المنقولة في حدث النوم ، والبول والغائط ، والجنابة ، فلو اغترف من ساقية وغسل يديه لم يصح إيقاع النيّة عنده ، إلّا أن يستصحبها فعلا إلى المضمضة أو غسل الوجه ، وكذا لو غسل من آنية منقولة في حدث مسّ الميت.
    هـ ـ لا يشترط استدامة النيّة فعلا بل حكماً ، نعم يشترط أن لا يحدّث نيّة اُخرى بعد عزوب الاُولى ، فلو نوى التبرد أو التنظيف بعد عزوب الاُولى بطل الوضوء ، وهو أصح وجهي الشافعي (1) ، لأنّ النيّة باقية حكماً ، وهذه حاصلة حقيقة فتكون أقوى.
    و ـ لو نوى قطع الطهارة بعد فراغه لم تنقطع لارتفاع حدثه ، ولو نوى في الاثناء ، فالأقرب عدم التأثير فيما مضى ، ولا اعتبار بما يفعل ، إلّا أن يجدد النيّة ـ وهو أحد وجهي الشافعي ، والآخر : يبطل وضوؤه كالصلاة (2) ـ فإن لم يكن السابق قد جفّ كفاه البناء ، وإلّا وجب الاستئناف.
    ز ـ لو ضم الرياء بطلت طهارته لاشتماله على وجه قبيح ، ويلوح من كلام المرتضى رضي الله عنه الصحة (3).
    ولو ضم التبرد أو التنظيف احتمل الصحة ، لأنّ التبرد حاصل ، وإن لم ينوه فتلغو نيته ، كما لو كبر الامام وقصد إعلام القوم مع التحريم ، أو نوى الصلاة وقصد دفع خصمه باشتغاله بالصلاة.
    والبطلان ، لأنّ الاشتراك في العبادة ينافي الإخلاص.
    والأول أقوى وجهي الشافعي (4).
1 ـ المجموع 1 : 318 ، الاُم 1 : 29 ، فتح العزيز 1 : 318 ، السراج الوهاج : 15.
2 ـ المجموع 1 : 336 ، الاُم 1 : 29.
3 ـ الانتصار : 17.
4 ـ المجموع 1 : 325 ، الوجيز 1 : 12 ، السراج الوهاج : 15 ، فتح العزيز 1 : 327 ، الاُم 1 : 29.


(144)
    ح ـ لا بدّ من نيّة رفع الحدث أو الاستباحة عند بعض علمائنا (1) ، ولو جمع كان أولى ، ولو نوى طهارة مطلقاًً ، قال بعض علمائنا : يصح ، لأنّه فعل المأمور به فيخرج عن العهدة (2) ، وللشافعي قولان (3).
    ولا يجب تعيين الحدث ولا الصلاة ، فلو عينهما لم يتعين ، وترتفع كلّ الاحداث سواء كان ما نوى رفعه آخر الاحداث أو أولها ، وهو أحد وجوه الشافعي ، لأنّ الاحداث تتداخل ، وما يرفع بعضها يرفع جميعها.
    ووجه : أنّه لا يرتفع ، لأنّه لم ينو رفع جميع الاحداث ، وثالث : ارتفاع الجميع إن كان آخر الاحداث لتداخلها ، وإن كان أولها لم يرتفع ما بعده (4).
    ولو نوى استباحة فريضة ارتفع حدثه مطلقاًً وصلّى ما شاء ، وكذا لو نوى أن يصليها لا غيرها ، لأنّ المعيّنة لا تصح إلّا بعد رفع الحدث ، وهو أحد وجوه الشافعي ، وثان : بطلان الطهارة ، لأنّه لم ينو ما تقتضيه الطهارة ، وثالث : استباحة المعيّنة ، فإن الطهارة قد تصح لمعينة كالمستحاضة (5).
    ط ـ الفعل إنّ شرط فيه الطهارة صحّ أن ينوي استباحته قطعاً ، وإن استحبت فيه ـ كقراء‌ة القرآن ، ودخول المساجد ، وكتب الحديث والفقه ـ فنوى استباحته ، قال الشيخ : [ لا ] (6) يرتفع حدثه ، ولا يستبيح
1 ـ ذهب إليه الشيخ في المبسوط 1 : 19 ، وابن البراج في المهذب 1 : 43 ، وابن إدريس في السرائر : 19 ، والمحقق في المعتبر : 36 ، ويحيى بن سعيد في الجامع للشرايع : 35.
2 ـ المحقق في المعتبر : 36.
3 ـ المجموع 1 : 323 ، الوجيز 1 : 12 ، فتح العزيز 1 : 320 ـ 321 ، كفاية الأخيار 1 : 12.
4 ـ المجموع 1 : 326 ، المهذب للشيرازي 1 : 22 ، فتح العزيز 1 : 319 ـ 320.
5 ـ المجموع 1 : 327 ، فتح العزيز 1 : 321.
6 ـ لم ترد في نسخة ( م ) والصحيح ما اثبتناه بقرينة ما بعده.


(145)
الصلاة ، لأنّه لم ينو الاستباحة ، ولا رفع الحدث ، ولا ما يتضمنها ، لأنّ هذه الافعال لا يمنع منها الحدث (1).
    ويحتمل الرفع ، لأنّ استحبابها مع الطهارة إنّما يصح مع رفع الحدث ، فقد نوى ما يتضمنه ، وللشافعي قولان (2).
    والوجه التفصيل وهو : الصحة إنّ نوى ما يستحب له الطهارة لاجل الحدث كقراء‌ة القرآن ، لأنّه قصد الفضيلة ، وهي القراء‌ة على طهر.
    وعدمها إنّ نوى ما يستحب لا للحدث ، كتجديد الوضوء وغسل الجمعة ، وإن لم يجب ولم يستحب كالأكل لم يرتفع حدثه قطعاً لو نوى استباحته.
    ي ـ لا يجوز أن يوضّئه غيره إلّا مع الضرورة ، وهو قول داود (3) ، وقال الشافعي : يجوز مطلقاًً (4) ، والنيّة حالة الضرورة ـ عندنا ، ومطلقاً عنده ـ يتولاها المتوضي لا الموضي (5).
    يا ـ لو فرق النيّة على الأعضاء ، بأن نوى غسل الوجه لرفع الحدث عنده ، ثم غسل اليدين لرفع الحدث عنده وهكذا ، فالأقرب الصحة لأنّه إذا صحّ غسل الوجه بنية مطلقة فالاولى صحته بنية مقصودة ، وهو أحد وجهي الشافعي.
1 ـ المبسوط للطوسي 1 : 19.
2 ـ المجموع 1 : 324 ، المهذب للشيرازي 1 : 22 ، فتح العزيز 1 : 322 ، الوجيز 1 : 12 ، السراج الوهاج : 15.
3 ـ المجموع 1 : 341.
4 ـ الاُم 1 : 28 ، المجموع 1 : 341 ، فتح العزيز 1 : 443 ـ 444.
5 ـ المجموع 1 : 341.


(146)
    وفي الآخر : لا يصح ، لأنّها عبادة واحدة كالصلاة والصوم (1) ، وهو ممنوع لارتباط أفعال الصلاة بعضها ببعض ولهذا تبطل بالفصل ، بخلاف الطهارة.
    ولو نوى بغسل الوجه رفع الحدث عنه بطل ، وكذا لو ذكر في أصل النيّة رفع الحدث عن الأعضاء الاربعة.
    يب ـ نصّ أبو الصلاح منّا على وجوب النيّة في غسل الميت لأنّها عبادة (2) ، وهو أحد وجهي الشافعي ، والثاني : لا يجب (3) وهو يبتنى على أن الميت نجس أم لا.
    يج ـ اذا انقطع دم المجنونة ، وشرطنا الغسل في إباحة الوطء غسلها الزوج ونوى ، فاذا عقلت لم تستبح الصلاة ، وللشافعي وجهان (4) ، وهل يكفي في إباحة الوطئ؟ عنده وجهان (5).
    ولو نوت المسلمة إباحة الوطء ، فالوجه الإباحة ، والدخول في الصلاة ، لأنّها نوت ما يتضمن رفع الحدث ، وهو أحد وجهي الشافعي ، وفي الآخر : لا يباح الوطء ولا الصلاة (6) ، لأنّ الطهارة لحق الله تعالى وحق الزوج ، فلا يتبعض الحكم. وتكلف طهارة تصلح للحقين ، بخلاف الذمّيّة لأنّها ليست من أهل حق الله.
    يد ـ طهارة الصبي معتبرة لأنّ تجويز فعله ليس للحاجة كالتيمم ،
1 ـ المجموع 1 : 329 ، فتح العزيز 1 : 335 ، الوجيز 1 : 12 ، السراج الوهاج : 15.
2 ـ الكافي في الفقه : 134.
3 ـ المجموع 1 : 334.
4 ـ المجموع 1 : 331.
5 ـ المجموع 1 : 331.
6 ـ المجموع 1 : 323.


(147)
ووضوء المستحاضة ، فإنه لا حاجة في حقه ، إذ لا تكليف عليه ، ولا للرخصة كالمسح على الجبيرة ، لأنّ الرخصة تقتضي المشقة ، ولا مشقة ، فهي أصلية.
    فلو توضأ في صغره ثم بلغ وصلّى صحت صلاته ، وكذا لو وطئت قبل البلوغ فاغتسلت ثم بلغت ، وهو قول بعض الشافعية (1).
    وقال المزني : يعيد (2). وهو وجه عندي.
    يه ـ لو نوى رفع حدث والواقع غيره عمداً لم يصح وضوؤه ، لأنّه نوى رفع ما ليس عليه ، وما عليه لم ينو رفعه ، وللشافعية وجهان (3) ، وفي الغالط إشكال ينشأ من هذا ، ومن عدم اشتراط التعرض للحدث ، فلا يضره الخطأ.
    يو ـ لو نسي النقض صحّ له أن يصلّي ، فلو تطهر للاحتياط ثم ذكر لم يجزئه ، لأنّه لو ينو الوجوب ، وهو أحد وجهي الشافعي ، والثاني : يصح كما لو دفع ما يتوهمه ديناً ثم ظهر وجوبه (4) ، وليس بجيد ، لعدم اشتراط النيّة هناك.
    يز ـ لو أخل بلمعة جاهلا ، ثم غسلها في التجديد لم يرتفع حدثه ، لأنّه أوقع الواجب بنية الندب ، وللشافعية وجهان (5) ، وكذا لو جدد الطهارة ثم
1 ـ المجموع 1 : 333.
2 ـ المجموع 1 : 333.
3 ـ المجموع 1 : 335 ، فتح العزيز 1 : 320 ، مغني المحتاج 1 : 47.
4 ـ المجموع 1 : 331 ، فتح العزيز 1 : 323 ، الوجيز 1 : 12 ، كفاية الأخيار 1 : 12 ، مغني المحتاج 1 : 49.
5 ـ المجموع 1 : 332 ، الوجيز 1 : 12 ، فتح العزيز 1 : 333 ، كفاية الأخيار 1 : 12 ، مغني المحتاج 1 : 49.


(148)
ظهر له أنّه كان محدثاً.
    يح ـ لو نوى الجنب الاستيطان في المسجد ، أو مسّ كتابة القرآن صحّ ، ولو نوى الاجتياز فالأقرب الارتفاع ، خلافاً للشيخ (1).
    يط ـ لو شك في النيّة ، فإن كان بعد الإكمال لم يلتفت وإلّا استأنف.
    ك ـ كلّ من عليه طهارة واجبة ينوي الوجوب ، وغيره ينوي الندب ، فإن نوى الوجوب وصلّى به أعاد ، فإن تعددتا مع تخلل الحدث أعاد الاُولى خاصة.
    كا ـ لو نوى الندب قبل الوقت فدخل بعد فعل البعض فالأقوى الاستئناف لبقاء الحدث ، فيندرج تحت الأمر ، ويحتمل الاتمام لوقوعه مشروعا ، فيحتمل الاستمرار على النيّة والعدول إلى الوجوب.

    مسألة 40 : لا شيء من الطهارات الثلاث بواجب في نفسه عدا غسل الجنابة على الخلاف ، وإنّما تجب بسببين ، إمّا النذر وشبهه ، أو وجوب ما لا يتمّ إلّا بها إجماعاً.
    أما غسل الجنابة فقيل : إنّه كذلك للأصل ، ولقوله تعالى : ( وإن كُنتم جنباً فاطّهّروا ) (2) ، والعطف يقتضي التشريك ، ولجواز الترك في غير المضيق ، وتحريمه فيه ، والدوران يقضي بالعلية.
    وقيل : لنفسه ، لقوله عليه السلام : ( إذا التقى الختانان وجب الغسل ) (3).
    فعلى الأول ينوي الوجوب في وقته ، وكذا غيره من الطهارات ،
1 ـ المبسوط للطوسي 1 : 19.
2 ـ المائدة : 6.
3 ـ سنن ابن ماجة 1 : 199 / 608 و 200 / 611 ، سنن البيهقي 1 : 163.


(149)
والندب في غيره.
    وعلى الثاني ينوي الوجوب فيه مطلقاًً ، وفي غيره من الطهارات في وقته ، فلو نوى الوجوب مع ندب الطهارة أو بالعكس أو أهملهما ـ على رأي ـ بطلت.

فروع :
    أ ـ قاضي الفرائض ينوي الوجوب دائماً ، وغيره ينوي الندب قبل الوقت اذا لم تجب عليه الطهارة ، ولو نوى الوجوب بطلت طهارته ، فإن صلّى بها بطلت صلاته ، فإن تعدّدت الطهارات والصلوات كذلك ، وتخلل الحدث بطلت الطهارة الاُولى وصلواتها خاصة.
    ب ـ الشاك في دخول الوقت ينوي الندب ، وفي خروجه الوجوب ، للاستصحاب ، فإن ظهر البطلان فالوجه عدم الإعادة ، مع عدم التمكن من الظن ، وكذا الظن مع عدم التمكن من العلم ، وثبوتها مع التمكن في البابين.
    ج‍ ـ المحبوس بحيث لا يتمكن من العلم ولا الظن يتوخى ، فإن صادف ولو آخر الاجزاء أو تأخر فالوجه الصحة ، وإلّا أعادهما معا.
    د ـ لو ردد نيته بين الوجوب والندب ، أو هما على تقديرين ، لم يصح.
    هـ ـ لو ظن وجوب الصلاة فتوضأ واجباً ، ثم ظهر البطلان ففي الصحة إشكال ، أما لو ظن البراء‌ة فنوى الندب ، ثم ظهر البطلان فالأقرب الصحة.

    البحث الثاني : في غسل الوجه
    وهو واجب بالنص والإجماع ، وحدّه طولاً من قصاص شعر الرأس إلى


(150)
محادر شعر الذقن إجماعاً ، وعرضاً ما دارت عليه الإبهام والوسطى ، وبه قال مالك (1) لأنّ الوجه ما تحصل به المواجهة ، ولقول أحدهما عليهما السلام : « ما دارت عليه السبابة والوسطى والإبهام من قصاص شعر الرأس إلى الذقن ، وما سوى ذلك ليس من الوجه » (2).
    وقال باقي الفقهاء : ما بين العذار والاُذن من الوجه ، فحدّه عرضاً من وتد الاُذن إلى وتد الاُذن لحصول المواجهة به من الأمرد (3) ، وهو ممنوع.

    مسألة 41 : الاُذنان ليسا من الوجه ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ، وبه قال فقهاء الامصار (4) إلّا الزهري ، فإنه قال : إنّهما من الوجه يجب غسلهما معه (5) لقوله عليه السلام : ( سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره ) (6) فأضاف السمع كما أضاف البصر. وهو خطأ ، لأنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله لم يغسلهما ، وروى أبو امامة الباهلي أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله قال : ( الاُذنان من الرأس ) (7). والاضافة قد تحصل بالمجاورة.
1 ـ مقدمات ابن رشد 1 : 50 ، تفسير القرطبي 6 : 83 ، الشرح الصغير 1 : 41 ، المنتقى للباجي 1 : 35.
2 ـ الكافي 3 : 27 / 1 ، الفقيه 1 : 28 / 88 ، التهذيب 1 : 54 / 154.
3 ـ الاُم 1 : 25 ، المجموع 1 : 371 ، السراج الوهاج : 16 ، فتح العزيز 1 : 337 ، الوجيز 1 : 12 ، المبسوط للسرخسي 1 : 6 ، اللباب 1 : 6 ، المغني 1 : 126 ـ 127 ، الشرح الكبير 1 : 158 ، بداية المجتهد 1 : 11 ، تفسير القرطبي 6 : 84 ، المنتقى للباجي 1 : 36 ، مقدمات ابن رشد 1 : 50 ، تفسير الرازي 11 : 157 ، شرح الأزهار 1 : 86 ، نيل الأوطار 1 : 188.
4 ـ الاُم 1 : 27 ، مختصر المزني : 2 ، السراج الوهاج : 15 ، المغني 1 : 126 ـ 127 ، الشرح الكبير 1 : 145 ، بداية المجتهد 1 : 14 ، المبسوط للسرخسي 1 : 6 ، اللباب 1 : 6 ، نيل الأوطار 1 : 188.
5 ـ الميزان 1 : 118 ، المغني 1 : 126 ، الشرح الكبير 1 : 145 ، نيل الأوطار 1 : 188.
6 ـ صحيح مسلم 1 : 535 / 771 ، سنن الترمذي 2 : 474 / 580 ، سنن النسائي 2 : 221 ، سنن أبي داود 1 : 201 / 760 ، سنن ابن ماجة 1 : 335 / 1054 ، مستدرك الحاكم 1 : 220 ، مسند أحمد 6 : 30 و 217.
7 ـ مصنف ابن ابي شيء بة 1 : 17 ، مسند أحمد 5 : 258 و 268 ، سنن ابن ماجة 1 : 152 / 444 ،
تذكرة الفقهاء الجزء الأول ::: فهرس