تذكرة الفقهاء الجزء الأول ::: 241 ـ 255
(241)
لتعذره فيه ، وتحريم الاجتياز بغير طهارة ، ولقول الباقر عليه السلام : « إذا كان الرجل نائما في المسجد الحرام أو مسجد الرسول صلّى الله عليه وآله ، فاحتلم وأصابه جنابة ، فليتيمم ولا يمرّ في المسجد إلّا متيمماً » (1) ولا بأس أن يمرّ في سائر المساجد ، ولا يجلس في شيء من المساجد ، ويجب عليه القصد إلى أقرب الابواب إليه.
    الرابع : لو كان في المسجد ماءً كثير ، فالأقرب عندي جواز الدخول إليه والاغتسال فيه ما لم يلوّث المسجد بالنجاسة.
    الخامس : لا يجوز للجنب وضع شيء في المساجد مطلقاًً على الاشهر خلافاً لسلار (2) ، ويجوز له الاخذ منها لقول الصادق عليه السلام وقد سئل عن الجنب والحائض يتناولان من المسجد المتاع يكون فيه ، قال : « نعم ، ولكن لا يضعان في المسجد شيئاً » (3).

    مسألة 71 : يكره للجنب أشياء :
    الأول : حمل المصحف ومس أوراقه ، وتحرم الكتابة ، ومنع منه أكثر الجمهور (4) وقد تقدم (5) وقول الكاظم عليه السلام : « المصحف لا يمسه على غير طهر ولا جنباً ولا يعلّقه ، إنّ الله تعالى يقول : ( لا يمسه إلاالمطهرون ) (6) » (7) محمول على الكراهية.
1 ـ الكافي 3 : 73 / 14 ، التهذيب 1 : 407 / 1280.
2 ـ المراسم : 42.
3 ـ الكافي 3 : 51 / 8 ، التهذيب 1 : 125 / 339.
4 ـ المجموع 2 : 67 ، المغني 1 : 169 ، الشرح الكبير 1 : 229 ، كفاية الأخيار 1 : 50 ، مغني المحتاج 1 : 36 ، تفسير القرطبي 17 : 227 ، المحلى 1 : 84.
5 ـ تقدم في مسألة 69.
6 ـ الواقعة : 79.
7 ـ التهذيب 1 : 127 / 344 ، الاستبصار 1 : 113 / 378.


(242)
    الثاني : النوم إلّا أن يتوضأ ، ذهب إليه علماؤنا ، وبه قال علي عليهالسلام وعبد الله بن عمر وأحمد (1) ، لأنّ ابن عمر سأل النبيّ صلّى الله عليه وآله أيرقد أحدنا وهو جنب ؟ قال : ( نعم اذا توضأ ) (2).
    ومن طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام وقد سئل عن الرجل ينبغي له أن ينام وهو جنب : « يكره ذلك حتى يتوضأ » (3).
    وقال ابن المسيب وأصحاب الرأي : ينام من غير وضوء (4) ، لأنّ عائشة قالت : كان رسول الله صلّى الله عليه وآله يجنب ثم ينام ، ولا يمس ماء‌ا حتى يقوم بعد ذلك ، فيغتسل (5) ، ولأنّه حدث يوجب الغُسل ، فلا يستحب به الوضوء مع بقائه كالحيض.
    وتحمل الرواية على الغُسل أو الجواز ، وحدث الحائض ملازم.
    الثالث : الأكل والشرب ما لم يتمضمض ويستنشق ، ذهب إليه علماؤنا لقول الباقر عليه السلام : « الجنب اذا أراد أن يأكل ويشرب غسل يده وتمضمض ، وغسل وجهه وأكل وشرب » (6).
    وقال أحمد : يغسل فرجه ويتوضأ ، وهو مروي عن علي عليه السلام ، وعبد الله بن عمر (7) لرواية عائشة أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله كان إذا أراد أن يأكل أو ينام توضأ (8) ، يعني وهو جنب ، وبه رواية عن الباقر عليه
1 ـ المجموع 2 : 158 ، المغني 1 : 261 ، الشرح الكبير 1 : 259 ، عمدة القارئ 3 : 243.
2 ـ صحيح البخاري 1 : 80 ، صحيح مسلم : 248 / 306 ، سنن ابن ماجة 1 : 193 / 585.
3 ـ الفقيه 1 : 47 / 179.
4 ـ المجموع 2 : 158 ، المغني 1 : 261 ، الشرح الكبير 1 : 259 ، عمدة القارئ 3 : 243.
5 ـ سنن ابن ماجة 1 : 192 / 581 ، سنن الترمذي 1 : 202 / 118 ، سنن البيهقي 1 : 201.
6 ـ الكافي 3 : 50 / 1 ، التهذيب 1 : 129 / 354.
7 ـ المغني 1 : 261 ، الشرح الكبير 1 : 259 ، عمدة القارئ 3 : 243 ، الإنصاف 1 : 260.
8 ـ صحيح مسلم 1 : 248 / 305 ، سنن أبي داود 1 : 57 / 224 ، سنن ابن ماجة 1 : 194 / 591.


(243)
السلام (1).
    وعن أحمد رواية أنّه يغسل كفيه ، ويتمضمض ـ وبه قال إسحاق وأصحاب الرأي (2) ـ وعليه دلت الرواية الاُولى عن الباقر عليه السام (3) ، وقال مجاهد : يغسل كفيه ، وبه قال مالك إن كان أصابهما أذى (4).
    الرابع : الخضاب وهو قول أكثر علمائنا (5) ـ خلافاً لابن بابويه (6) ـ لقول الصادق عليه السلام : « لا يختضب الرجل وهو جنب » (7).
    قال المفيد : ولا حرج لو أجنب بعد الخضاب (8) ، ولو قيل بالكراهية كان وجها لأنّه علل الكراهة ـ مع سبق الجنابة ـ بمنع وصول الماء إلى ظاهر المختضب ، لقول الكاظم عليه السلام وقد سئل أيختضب الرجل وهو جنب ؟ قال : « لا » قلت : فيجنب وهو مختضب ؟ قال : « لا » (9).
    الخامس : الجماع للمحتلم خاصة قبل أن يغتسل ، ولا بأس بتكرار الجماع من غير غسل يتخللها ، لأنّه عليه السلام كان يطوف على نسائه بغسل واحد (10).
1 ـ الكافى 3 : 50 / 1 ، التهذيب 1 : 129 / 354.
2 ـ المغني 1 : 261 ، الشرح الكبير 1 : 259 ، الإنصاف 1 : 261 ، عمدة القارئ 3 : 243.
3 ـ الكافي 3 : 50 / 1 ، التهذيب 1 : 129 / 354.
4 ـ المدونة الكبرى 1 : 30 ، المغني 1 : 261 ، الشرح الكبير 1 : 259 ، عمدة القارئ 3 : 243 ، المنتقى 1 : 98.
5 ـ منهم الشيخ الطوسي في المبسوط 1 : 29 ، وابن حمزة في الوسيلة : 55 ، والمحقق في المعتبر : 51 ، ويحيى بن سعيد في الجامع للشرائع : 39.
6 ـ الفقيه 1 : 48.
7 ـ التهذيب 1 : 181 / 518 ، الاستبصار 1 : 116 / 387.
8 ـ المقنعة : 7.
9 ـ التهذيب 1 : 181 / 517 ، الاستبصار 1 : 116 / 386.
10 ـ صحيح البخاري 1 : 75 ، سنن أبي داود 1 : 56 / 218 ، سنن ابن ماجة 1 : 194 / 588 ، سنن الدارمي 1 : 192.


(244)
    مسألة 72 : قد بيّنا وجوب الاستيعاب ، فلو أهمل لمعة فإن كان مرتبا غسلها وغسل الجانب المتأخر عما هي فيه ليحصل الترتيب ، ولا يجب غسل الجانب الذي هي فيه ، وإن كان أسفل منها لاجزاء النكس هنا ، بخلاف الوضوء ، وإن كان مرتمسا احتمل ذلك لمساواته المرتب فيساويه في الحكم ، والاكتفاء بغسلها والإعادة ، وإذا جرى الماء تحت قدم الجنب أجزأه ، وإلا وجب غسله.
    ولا تنقض المرأة شعرها مع وصول الماء إلى أصله ، لقول الصادق عليهالسلام : « لا تنقض المرأة شعرها إذا اغتسلت من الجنابة » (1) ولو لم يصل إلا بالحل وجب ، وبه قال الشافعي (2) ، وقال النخعي : يجب نقضه بكل حال (3) ، وقال مالك : لا يجب نقضه بكل حال (4).
    ولو كان في رأسها حشو ، فإن كان رقيقاً كالدهن لا يمنع من وصول الماء اكتف بالصب ، وإلّا وجب إزالته.

    مسألة 73 : يجزي غسل الجنابة عن الوضوء بإجماع أهل البيت عليهم السلام سواء جامعه حدث أصغر أو أكبر ، وأطبق العلماء على عدم إيجاب الوضوء إلّا ما حكي عن داود وأبي ثور ، فإنهما أوجباهما معاً ، وهو وجه للشافعية (5) لقوله تعالى : ( حتى تغتسلوا ) (6) وقالت عائشة : كان
1 ـ الكافي 3 : 45 / 16 ، التهذيب 1 : 162 / 466.
2 ـ الاُم 1 : 40 ، المجموع 2 : 187 ، كفاية الأخيار 1 : 25 ، مغني المحتاج 1 : 73 ، فتح العزيز 2 : 167.
3 ـ المجموع 2 : 187 ، الشرح الكبير 1 : 251.
4 ـ بُلغة السالك 1 : 64 ، فتح العزيز 2 : 168.
5 ـ المجموع 2 : 186 و 195 ، مغني المحتاج 1 : 76 ، المغني 1 : 250 ، الشرح الكبير 1 : 257 ، عمدة القارئ 3 : 191 ، نيل الأوطار 1 : 306 ـ 307.
6 ـ النساء : 43.


(245)
رسول الله صلّى الله عليه وآله لا يتوضأ بعد الغُسل من الجنابة (1).
    ومن طريق الخاصة قول الباقر عليه السلام وقد قال له محمد بن مسلم : إنّ أهل الكوفة يروون عن علي عليه السلام أنّه كان يأتي بالوضوء قبل الغُسل من الجنابة : « كذبوا على علي عليه السلام ما وجدوا ذلك في كتاب علي عليه السلام ، قال الله تعالى : ( وإن كُنتم جنباً فاطّهّروا ) (2) » (3) ، وقول الكاظم عليه السلام : « ولا وضوء عليه » (4).
    ولأنّ العبادتين إذا كانتا من جنس واحد ، وإحداهما صغرى والاُخرى كبرى جاز أن يدخل الصغرى في الكبرى ، كالحج والعمرة عندهم (5).

فروع :
    الأول : لو توضأ معتقداً أن الغُسل لا يجزيه كان مبدعاً وصح غسله.
    الثاني : قال بعض الشافعية : يجب عليه غسل واحد عنهما ، لكن يترتب فيه أعضاء الوضوء ، لأنّ الترتيب واجب في الوضوء (6) ، وهو حق عندنا ، لأنّ الترتيب واجب في الغُسل إلّا مع الارتماس.
    الثالث : اختلف علماؤنا في غير غسل الجنابة ، فقال المرتضى : إنّه كاف عن الوضوء وإن كان الغُسل مندوباً (7) ، لقول الباقر عليه السلام :
1 ـ سنن ابن ماجة 1 : 191 / 579 ، سنن الترمذي 1 : 179 / 107 ، سنن النسائي 1 : 137.
2 ـ المائدة : 6.
3 ـ التهذيب 1 : 142 / 400 ، الاستبصار 1 : 125 / 426.
4 ـ التهذيب 1 : 142 / 402.
5 ـ المجموع 2 : 195 ـ 196.
6 ـ المجموع 2 : 193.
7 ـ حكاه المحقق في المعتبر : 52.


(246)
« الغُسل يجزي عن الوضوء ، وأي وضوء أطهر من الغُسل » (1) ، وقول الصادق عليه السلام : « الوضوء بعد الغُسل بدعة » (2) ويحمل على غسل الجنابة.
    وقال الشيخان : لا يكفي (3) ، وهو الأقوى لعموم « فاغسلوا » (4) ولقولالصادق عليه السلام : « كلّ غسل قبله وضوء إلّا غسل الجنابة » (5) وقوله عليه السلام : « كلّ غسل فيه وضوء إلّا الجنابة » (6) ولأنّهما معلولا علتين اجتمعتا ، فيثبتان لعدم التنافي بينهما.

    مسألة 74 : إذا أحدث حدثاً أصغر في أثناء الغُسل قال الشيخ ، وابنا بابويه : يعيد الغُسل (7) ـ وهو الأقوى عندي ـ لأنّ الاصغر يدخل في الاكبر وقد انتقض ما فعله من الاكبر ، فيجب الغُسل من رأس.
    وقال المرتضى : يتمّ ويتوضأ (8) ، لأنّ الاصغر يوجب الوضوء لا الغُسل ، ولا ينقضه ، فيسقط وجوب الإعادة ، ولا يسقط حكم الحدث بما بقي من الغسل.
    وقال ابن البراج : يتمّ ولا شيء عليه (9) ، لأنّه قبل إكمال الغُسل جنب ، والأصغر يدخل تحت الأكبر.
    وقال الشافعي : لو غسل الجنب جميع بدنه إلّا رجليه ، ثم أحدث لم
1 ـ التهذيب 1 : 139 /390 ، الاستبصار 1 : 126 / 427 ، وذيله في الكافي 3 : 45 ذيل الحديث 13.
2 ـ الكافي 3 : 45 / 12 ، التهذيب 1 : 140 / 395.
3 ـ المقنعة : 6 ، المبسوط للطوسي 1 : 30.
4 ـ المائدة : 6.
5 ـ الكافي 3 : 45 / 13 ، التهذيب 1 : 139 / 391 ، الاستبصار 1 : 126 / 428.
6 ـ التهذيب 1 : 143 / 403 و 303 / 881.
7 ـ المبسوط للطوسي 1 : 29 ـ 30 ، الفقيه 1 : 49.
8 ـ حكاه المحقق في المعتبر : 52.
9 ـ حكاه أيضاً المحقق في المعتبر : 52.


(247)
يتعلق حكم الحدث بالرجلين ، لوجود حدث الجنابة فيهما ويغسلهما عن الجنابة ثم يتوضأ في أعضاء وضوئه سوى رجليه فهذا وضوء ليس فيه غسل الرجلين ، أو يقال وضوء يبدأ فيه بغسل الرجلين.
    ولو غسل الجنب أعضاء وضوئه دون بقية بدنه ثم أحدث لزمه أن يتوضأ ، لأنّ حدثه صادف أعضاء الوضوء وقد زال حكم الجنابة فيها ، فلزمه الوضوء مرتباً ، وإن غسل جميع بدنه إلّا أعضاء الوضوء ثم أحدث لم يلزمه الوضوء ، لأنّ حكم الجنابة باق فيها ، فلا يؤثر فيه الحدث ، ويغسل أعضاءوضوئه للجنابة من غير ترتيب ويجزيه (1).

    مسألة 75 : لو أجنب الكافر وجب عليه الغُسل ، ولم يصح منه إلّا بعد الإسلام ، لاشتراط النيّة وهي منفية عنه ، فلو اغتسل حال كفره لم يصح ، وبه قال الشافعي وله قول آخر : عدم الإعادة ، كالذمية إذا اغتسلت من الحيض لإباحة وطء المسلم (2) ، والأصل ممنوع مع قيام الفرق ، لأنّ غسلها لحق الآدمي دون حقه تعالى ، بخلاف الكافر.

فروع :
    الأول : المرتد كالكافر لا يصح غسله إلّا بعد رجوعه.
    الثاني : لو ارتدّ المسلم بعد غسله لم يبطل ، وكذا بعد الوضوء والتيمم.
    وللشافعي ثلاثة أوجه في الوضوء والتيمم ، أحدها : لا يفسدان ، والثاني :
1 ـ المجموع 1 : 449 ـ 450.
2 ـ المجموع 2 : 152 ، كفاية الأخيار 1 : 27 ، المغني 1 : 240 ، الشرح الكبير 1 : 238 ، نيل الأوطار 1 : 281.


(248)
يفسدان ، وبه قال أحمد (1) ، والثالث : يفسد التيمم دون الوضوء (2).
    الثالث : لو أسلم ولم يكن مجنباً لم يجب عليه الغُسل ، بل يستحب ـ وبه قال الشافعي (3) ـ للأصل ، ولأن العدد الكثير أسلم على عهدرسول الله صلّى الله عليه وآله ولم يأمرهم بالغسل ، ولأن الإسلام عبادة ليس من شرطها الغُسل ، فلم يجب كالجمعة.
    وقال أحمد ، وأبو ثور ، وابن المنذر : يجب (4) ، لأنّ قيس بن عاصم ، وثمامة بن اثال أسلما فأمرهما النبيّ صلّى الله عليه وآله بالاغتسال (5). ويحمل على الاستحباب.

    مسألة 76 : لا يفسد الماء لو أدخل الجنب أو الحائض أيديهما في الإناء مع عدم النجاسة ـ وبه قال الشافعي (6) ـ لأنّ بدنهما طاهر ، وروى أبو هريرة قال : لقيني رسول الله صلّى الله عليه وآله وأنا جنب فأخذ بيدي فمشيت معه حتى قعد ، ثم انسللت فأتيت الرحل فاغتسلت ، ثم جئت وهو قاعد ، فقال : ( أين كنت يا أبا هريرة ؟ ) فقلت له : [ يا رسول الله لقيتني وأنا جنب ، فكرهت أن اجالسك حتى اغتسل ] (7) فقال : ( سبحان الله إنّ المؤمن ليس
1 ـ المغني 1 : 200 ، الشرح الكبير 1 : 225.
2 ـ المجموع 2 : 5 ، المغني 1 : 200 ، الشرح الكبير 1 : 225 ـ 226.
3 ـ الاُم 1 : 38 ، المجموع 2 : 153 ، كفاية الأخيار 1 : 27 ، المغني 1 : 239 ، الشرح الكبير 1 : 237.
4 ـ المغني 1 : 239 ، الشرح الكبير 1 : 237 ، المجموع 2 : 153 ، سبل السلام 1 : 140 ، نيل الاوطار 1 : 281.
5 ـ صحيح البخاري 1 : 125 ، سنن النسائي 1 : 109 ، مسند أحمد 5 : 61.
6 ـ حلية العلماء 1 : 178.
7 ـ الزيادة من المصدر.


(249)
بنجس ) (1).
    وقال أبو يوسف : إنّ أدخل يده لم يفسد الماء ، وإن أدخل رجله فسد ، لأنّ الجنب نجس ، وعفي عن يده للحاجة (2). وهو غلط لما تقدم.
    ويكره للجنب أن يغتسل في الماء الراكد وإن كثر ـ وبه قال الشافعي (3) ـ لقوله عليه السلام : ( لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ، ولا يغتسل فيه من الجنابة ) (4) ، ويكره في البئر أيضاً ، وهو قول الشافعي (5) وعند أكثر علمائنا أنها تنجس (6).

    مسألة 77 : الموالاة ليست واجبة هنا للأصل ، وهو مذهب علمائنا ، وعند الشافعي أنها واجبة (7).
    وتكره الاستعانة ، ويحرم التولية ، وقد تقدم البحث في ذلك كله في الوضوء.
    وهل تستحب التسمية ؟ للشافعي وجهان : الثبوت لأنّها طهارة عن حدث ، والعدم لأنّ نظمها نظم القرآن (8) ، ولو أخل بالمضمضة والاستنشاق
1 ـ صحيح البخاري 1 : 79 ، صحيح مسلم 1 : 282 / 371 ، سنن أبي داود 1 : 59 / 231 ، سنن ابن ماجة 1 : 178 / 534 ، سنن الترمذي 1 : 207 / 121 ، سنن النسائي 1 : 145 ، مسند أحمد 2 : 235 و 382 و 471.
2 ـ المبسوط للسرخسي 1 : 53 ، المغني 1 : 246 ، الشرح الكبير 1 : 262 ، حلية العلماء 1 : 178.
3 ـ المجموع 2 : 196 ، كفاية الأخيار 1 : 26 ، المحلى 1 : 211.
4 ـ صحيح البخاري 1 : 68 ، صحيح مسلم 1 : 235 / 282 ، سنن النسائي 1 : 197 ، سنن أبي داود 1 : 18 / 70 ، سنن الدارمي 1 : 186 ، سنن ابن ماجة 1 : 124 / 344.
5 ـ المجموع 2 : 196.
6 ـ منهم الشيخ الطوسي في المبسوط 1 : 12 ، وسلار في المراسم : 36 ، وابن البراج في المهذب 1 : 22 ، ويحيى بن سعيد في الجامع للشرايع : 19 ، وابن إدريس في السرائر : 12.
7 ـ المجموع 1 : 453.
8 ـ المجموع 2 : 181 ، كفاية الأخيار 1 : 25.


(250)
قال الشافعي : يستحب إعادة الغُسل (1) وليس بمعتمد.
    ومقطوع الأنف والشفتين يجب عليه غسل ما ظهر بالقطع في الجنابة والوضوء ، لتغير الموضع عما كان ، وزوال الحائل فصار ظاهراً كما لو تقشرالجلد ، وهو أحد وجهي الشافعي ، والثاني : لا يجب ، لأنّه باطن بأصل الخلقة (2).
    وغير المختون إن كان مرتتقا لم يجب كشف البشرة معاً وإلّا وجب ، ويغسل الباطن والظاهر أيضاً ، وللشافعي وجهان ، أحدهما : الوجوب لأنّ الجلدة مستحقة الإزالة شرعاً ، ولهذا لو أزالها إنسان لم يضمن (3).

    مسألة 78 : المرأة كالرجل في الغُسل وكيفيته ، نعم ينبغي لها الاستظهار في الايصال إلى اصول الشعر ، ولا يجب على البكر إيصال الماء إلى باطن فرجها ، وكذا الثيب ، وللشافعي في غسل باطنه في الحيض وجهان ، وفي الجنابة كذلك إنّ قال بنجاسة رطوبة الفرج (4).
    وهل يجب على السيد شراء الماء للوضوء والغسل ؟ يحتمل ذلك كالفطرة ، والعدم كدم التمتع ، والمائية لها بدل وهو التيمم ، فينتقل إليه كماينتقل إلى الصوم ، وللشافعي كالوجهين ، وكذا الوجهان في المرأة (5).
    وقيل : لا يلزم شراء ماءً غسل الحيض والنفاس ، لأنّه من جملة مؤونة التمكين الواجب عليها.
1 ـ قال النووي في المجموع 2 : 197 نقلاً عن الشافعي : إنّ ترك الوضوء والمضمضة والاستنشاق فقد أساء ويستأنف المضمضة والاستنشاق.
2 ـ المجموع 1 : 382 و 2 : 199 ، فتح العزيز 2 : 165 ، كفاية الأخيار 1 : 25.
3 ـ المجموع 2 : 199 ، فتح العزيز 2 : 165 ، كفاية الأخيار 1 : 25.
4 ـ المجموع 2 : 186 ، فتح العزيز 2 : 165 ـ 166 ، كفاية الأخيار 1 : 25.
5 ـ المجموع 2 : 200.


(251)
    وفيه مطالب :
    الأول : في ماهيته ، وهو لغة السيل ، وشرعاً الدم الذي له تعلق بانقضاء العدة إمّا بظهوره ، أو بانقطاعه على الخلاف ، وهو دم يرجئه الرحم إذا بلغت المرأة ، ثم يعتادها في أوقات معلومة ، لحكمة تربية الولد ، فإذاحملت انصرف ذلك الدم بإذن الله تعالى إلى تغذيته ، ولهذا قل أن تحيض الحامل ، فإذا وضعت الولد خلع الله تعالى عنه صورة الدم ، وكساه صورة اللبن ليغتذي به الطفل ، فإذا خلت المرأة من حمل ورضاع بقي ذلك الدم لامصرف له ، فيستقر في مكان ثم يخرج في الغالب في كلّ شهر ستة أيام ، أوسبعة ، وقد يزيد ويقلّ على حسب اختلاف الامزجة.
    وهو في الأغلب أسود ، أو أحمر غليظ حار ، له دفع ، قال الصادق عليه السلام : « دم الحيض حار عبيط أسود » (1) والعبيط : الطري ، وقال الباقرعليه السلام : « إذا رأت الدم البحراني فلتدع الصلاة » (2) والبحراني : الأحمر الشديد الحمرة والسواد.
    فإن اشتبه بدم العُذرة أدخلت المرأة قطنة ، فإن خرجت مطوقة فهو
1 ـ الكافي 3 : 91 / 1 ، التهذيب 1 : 151 / 429.
2 ـ الكافي 3 : 86 / 1 ، التهذيب 1 : 383 / 1183.


(252)
لعذرة ، وإن خرجت منغمسة فهو حيض ، لقول الباقر عليه السلام والكاظم عليه السلام : « فإن خرجت مطوقة فهو من العذرة ، وإن خرجت منتقعة بالدم فهو من الطمث » (1).
    وان اشتبه بدم القرح أدخلت إصبعها ، فإن كان خارجاً من الأيمن فهو دم قرح ، وإن كان من الأيسر فهو حيض ، وهو الاشهر ، ورواه الشيخ في التهذيب عن الصادق عليه السلام (2) ، وأما ابن يعقوب فإنه روى عن الصادق عليه السلام العكس (3) ، وبه قال ابن الجنيد (4).

    مسألة 79 : لا حيض مع سن الصغر ، وهي من لم تكمل تسع سنين ، فلو رأت قبلها وإن كان بشيء يسير ما هو بصفة الحيض لم يكن حيضاً ، وهذا تحديد تحقيق لا تقريب ، وللشافعي قولان (5).
    وله ثلاثة أقوال في أول وقت إمكانه : أول التاسعة ، وبعد ستة أشهر منها ، وأول العاشرة (6).
    ولا حيض أيضاً مع اليأس ، وهو بلوغ خمسين سنة في غير القرشية والنبطية ، وبلوغ ستين فيهما ، لقول الصادق عليه السلام : « إذا بلغت المرأة خمسين سنة لم ترَ حمرة ، إلّا أن تكون امرأة من قريش » (7) ورويت روايتان مطلقتان : إحداهما بخمسين (8) ، والاُخرى بستين (9) ، وهما محمولتان على
1 ـ الكافي 3 : 94 / 2 و 1 ، التهذيب 1 : 152 / 432 و 385 / 1184 ، المحاسن : 307 / 21 و 308 / 22.
2 ـ التهذيب 1 : 385 / 1185.
3 ـ الكافي 3 : 94 / 3.
4 ـ حكاه المحقق في المعتبر : 52.
5 ـ المجموع 2 : 373.
6 ـ الوجيز 1 : 25 ، المجموع 2 : 373 ، فتح العزيز 2 : 410.
7 ـ الكافي 3 : 107 / 3 ، الفقيه 1 : 51 / 198 ، التهذيب 1 : 397 / 1236.
8 ـ الكافي 3 : 107 / 4 ، التهذيب 1 : 397 / 1237.
9 ـ الكافي 3 : 107 / 2 ، التهذيب 7 : 469 / 1881.


(253)
هذا التفصيل ، فاذا بلغت المرأة هذا السن كان الدم استحاضة.
    وعن أحمد روايتان ، إحداهما : خمسون ، والثانية : ستون (1) ، وبالفرق قال أهل المدينة (2).

    مسألة 80 : الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض وفي أيام الطُهر طهر ، كما أن الأسود العبيط في أيام الطُهر دم فساد ، وروي عن الصادق عليه السلام : « أن الصفرة حيض إن كان قبل الحيض بيومين ، وإن كان بعده بيومين فليس منه » (3).
    وللشافعية كالأول واختلفوا ، فقال بعضهم : الصفرة والكدرة في أيام الإمكان حيض ، وقال آخرون : في أيام العادة ، وقال بعضهم : إنّ تقدمها دم أسود وإن كان بعض يوم (4) ، وبالأول قال ربيعة ، ومالك ، وسفين ، والأوزاعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو حنيفة ، ومحمد (5) ، لقوله تعالى : ( ويسألونك عن المحيض قل هو أذى ) (6) وهو يتناول الصفرة والكدرة ، ولأنّه دم في زمان الإمكان لم يجاوزه فكان حيضاً كالاسود.
    وقال أبو يوسف : الصفرة حيض والكدرة ليست حيضاً إلّا أن يتقدمها دم أسود (7) ، وقال أبو ثور : إنّ تقدمهما دم أسود فهما حيض ، واختاره ابن
1 ـ المغني 1 : 406 ، الشرح الكبير 1 : 352 ، المحرر في الفقه 1 : 26 ، الإنصاف 1 : 356.
2 ـ المغني 1 : 406 ، الشرح الكبير 1 : 353.
3 ـ الكافي 3 : 78 / 2 ، الفقيه 1 : 51 / 196 ، التهذيب 1 : 396 / 1231.
4 ـ المجموع 2 : 392 ، مختصر المزني : 11 ، المغني 1 : 383 ، الشرح الكبير 1 : 383 ، بداية المجتهد 1 : 53 ، عمدة القارئ 3 : 309 ـ 310 ، المحلى 2 : 168 ـ 169.
5 ـ المغني 1 : 383 ، الشرح الكبير 1 : 383 ، مسائل أحمد : 24 ، بداية المجتهد 1 : 53 ، اللباب 1 : 42 ، بُلغة السالك 1 : 78 ، المجموع 2 : 395 ، المبسوط للسرخسي 2 : 18 ، المحلى 2 : 168 ـ 169 ، عمدة القارئ 3 : 309 ـ 310.
6 ـ البقرة : 222.
7 ـ الهداية للمرغيناني 1 : 30 ، بدائع الصنائع 1 : 39 ، المجموع 2 : 395 و 396 ، المغني


(254)
المنذر (1).
    وقال داود : ليس بحيض (2) لأنّ اُم عطية ـ وكانت بايعت رسول الله صلي الله عليه وآله ـ قالت : كنا لا نعتد بالصفرة والكدرة بعد الغُسل شيئاً (3).

    مسألة 81 : والأقوى إمكان اجتماع الحيض والحبل ـ وبه قال مالك ، والشافعي ، والليث ، والزهري ، وقتادة ، وإسحاق (4) ـ لأنّ عائشة قالت : إذا رأت الدم لا تصلّي (5) والظاهر إنّه توفيق.
    ومن طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام وقد سئل عن الحبلى ترى الدم أتترك الصلاة ؟ : « نعم ، إنّ الحبلى ربما قذفت بالدم (6) وكذا عن الكاظم عليه السلام » (7).
    وقال شيء خنا المفيد وابن الجنيد : لا يمكن (8) ، وبه قال جمهور التابعين ، كسعيد بن المسيب ، وعطاء ، والحسن ، وجابر بن زيد ، وعكرمة ، ومحمد بن المنكدر ، والشعبي ، ومكحول ، وحماد ، والثوري ، والأوزاعي ، وأبو حنيفة ، وابن المنذر ، وأبو عبيد ، وأبو ثور ، وأحمد (9) لأنّ
1 : 383 ، الشرح الكبير 1 : 383 ، المحلى 2 : 169 ، حلية العلماء 1 : 220.
1 ـ المجموع 2 : 396 ، المغني 1 : 383 ، الشرح الكبير 1 : 383 ، المحلى 2 : 169 ، حلية العلماء 1 : 220.
2 ـ بداية المجتهد 1 : 53 ، حلية العلماء 1 : 221.
3 ـ صحيح البخاري 1 : 89 ، سنن أبي داود 1 : 83 / 307 ، سنن ابن ماجة 1 : 212 / 647 ، سنن الدارمي 1 : 215 ، سنن النسائي 1 : 186 و 187.
4 ـ المجموع 2 : 386 ، بداية المجتهد 1 : 53 ، بُلغة السالك 1 : 78 ، المغني 1 : 405 ، الشرح الكبير 1 : 353 ، المبسوط للسرخسي 2 : 20.
5 ـ المغني 1 : 405 ، الشرح الكبير 1 : 353.
6 ـ الكافي 3 : 97 / 5 ، التهذيب 1 : 386 / 1187 ، الاستبصار 1 : 138 / 474.
7 ـ الكافي 3 : 97 / 4 ، التهذيب 1 : 386 / 1189 ، الاستبصار 1 : 139 / 476.
8 ـ أحكام النساء : 11 ، وحكى قول ابن الجنيد المحقق في المعتبر : 53.
9 ـ المجموع 2 : 386 ، المغني 1 : 405 ، بداية المجتهد 1 : 53 ، بُلغة السالك 1 : 78 ، شرح العناية 1 : 143 ، المبسوط للسرخسي 2 : 20 ، الشرح الكبير 1 : 353.


(255)
النبي صلّى الله عليه وآله قال : ( لا توطأ حامل حتى تضع ، ولا حائل حتى تستبرئ بحيضة ) (1). جعل وجود الحيض علماً على براء‌ة الرحم ، فدل على عدم الاجتماع.
    ومن طريق الخاصة قول زين العابدين عليه السلام : « قال النبيّ صلي الله عليه وآله : ما جمع الله بين حيض وحبل » (2).
    وللشيخ قول آخر : إنّ رأته في زمان عادتها فهو حيض ، وإن تأخر بعشرين يوماً فليس بحيض (3) ، لقول الصادق عليه السلام : « إذا رأت الحامل بعدما يمضي عشرون يوماً من الوقت الذي كانت ترى الدم فيه من الشهر الذي كانت تقعد فيه ، فإن ذلك ليس من الرحم ولا من الطمث فلتتوضأ » (4) الحديث.
    قال الشيخ في الخلاف : إجماع الفرقة على أن الحامل المستبين حملها لا تحيض ، وإنّما الخلاف قبل أن يستبين (5).

    مسألة 82 : أقل الحيض ثلاثة أيام بلياليها بلا خلاف بين فقهاء أهل البيت عليهم السلام ـ وبه قال أبو حنيفة والثوري (6) ـ لأنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله
1 ـ سنن أبي داود 2 : 248 / 2157 ، سنن الدارمي 2 : 171 ، مسند أحمد 3 : 87.
2 ـ التهذيب 1 : 387 / 1196 ، الاستبصار 1 : 140 / 481 « وروي فيهما عن الامام الباقر عليه السلام ».
3 ـ النهاية : 25.
4 ـ الكافي 3 : 95 / 1 ، التهذيب 1 : 388 / 1197 ، الاستبصار 1 : 140 / 482.
5 ـ حكاه المحقق في المعتبر : 53 ، واُنظر الخلاف 1 : 239 مسألة 205.
6 ـ الهداية للمرغيناني 1 : 30 ، اللباب 1 : 42 ، بدائع الصنائع 1 : 40 ، عمدة القارئ 3 : 307 ، المجموع 2 ، 380 ، فتح العزيز 2 : 412 ، المغني 1 : 354 ، بداية المجتهد 1 : 50 ، الشرح الكبير 1 : 354
تذكرة الفقهاء الجزء الأول ::: فهرس