تذكرة الفقهاء الجزء الأول ::: 316 ـ 330
(316)
تغتسل في انقضاء السابع عشر إلى آخر الشهر ، لإمكان انقطاع الدم في كلّ وقت.
    و ـ لو قالت : حيضي خمسة في كلّ شهر وكنت في الخمسة الأخيرة طاهراً ولي طهرُ صحيح غيرها ، احتمل أن يكون حيضها الخمسة الاُولى ، والباقي يكون طُهراً ، وكذا الخمسة الثانية والثالثة عندنا.
    وقال الشافعي : لا يحتمل الثالثة لأنّه لا يمكن قبلها طهر كامل ولا بعدها سوى الخمسة الأخيرة ، ويحتمل الرابعة أو الخامسة (1).
    فالخمسة الاُولى طهرُ مشكوك فيه ، تتوضأ لكلّ صلاة ، وتغتسل عند انقضائها إلى آخر العاشر لأنّه طهرُ مشكوك فيه.
    وكذا من الحادي عشر إلى الخامس عشر ـ وعنده أنّه طُهر بيقين (2) ـ ومن السادس عشر إلى آخر العشرين طهرُ مشكوك فيه ، تتوضأ لكلّ صلاة ، وتغتسل عند انقضائه إلى آخر الخامس والعشرين.
    ز ـ لو قالت : حيضي عشرة أيام وكنت اليوم العاشر حائضاً فقد تجاوز العدد نصف الزمان بنصف يوم ، لوقوع الشك في تسعة عشر ، فتعمل من أول الشهر ما تعمله المستحاضة ، ثم تغتسل آخر العاشر لاحتمال أنّه آخره وتفعل ما تفعله المستحاضة إلى آخر التاسع عشر ، وتغتسل عند كلّ صلاة لاحتمال الانقطاع عندها والباقي طهر بيقين.
    فإن قالت : الحيض يوم الثاني عشر ، فالاولان طُهر بيقين ، وكذا من الثاني والعشرين إلى آخره ، والباقي مشكوك فيه ، لكن لا تغتسل للأنّقطاع إلّا في آخر الثاني عشر ، وعند كلّ صلاة منه إلى آخر الحادي والعشرين ،
1 ـ المجموع 2 : 486.
2 ـ المجموع 2 : 486.


(317)
فلها يومان من أول الشهر طُهر بيقين ، وكذا تسعة من آخره ، والشك وقع من أول الثالث إلى آخر الحادي والعشرين ، فقد قصر نصف الزمان عن العدد بنصف يوم فالثاني عشر حيض بيقين.
    وغلط قلم الشيخ هنا فجعل لها مع اليومين ثمانية أيام من آخره طُهراً (1) ، والحق أنّه تسعة.
    ح ـ ولو قالت : حيضي خمسة من الشهر لا أعرفها إلّا أني إن كنتُ يوم السادس طاهراً كنت السادس والعشرين حائضاً ، وإن كنت في السادس حائضاً كنت في السادس والعشرين طاهراً.
    وتحقيقه أنها تحيض أحد هذين ، فالأول طُهر بيقين ، وكذا من الحادي عشر إلى آخر الحادي والعشرين ، والباقي مشكوك فيه ، وتغتسل لاحتمال الانقطاع آخر السادس إلى آخر العاشر ، وكذا آخر السادس والعشرين إلى آخر الشهر ، وتفعل في جميع الايام ما تفعله المستحاضة.

فروع ، في الامتزاج :
    أ ـ إذا قالت : حيضي عشرة في كلّ شهر ، وكنت أمزج إحدى العشرات بالاُخرى بيوم ، فالأول والثلاثون طُهر بيقين ، والشك وقع بينهما ، فلا حيض لها بيقين ، تعمل ما تعمله المستحاضة جميع الشهر ، وتغتسل آخر الحادي عشر ، وآخر التاسع عشر ، والحادي والعشرين ، والتاسع والعشرين لاحتمال الانقطاع.
    قال الشيخ : ويسقط قضاء صوم الأول والثلاثين ، لأنّهما طُهر بيقين ، وتقضي ما عداهما لأنّها صامت مع الشك في الطهارة ، فوجب القضاء.
    ثم قال : ولو قلنا : إنّه لا يجب إلّا قضاء عشرة أيام كان صحيحاً ، لأنّه
1 ـ المبسوط للطوسي 1 : 56.

(318)
من المعلوم أن الحيض لا يزيد عليها ، وصوم المستحاضة صحيح ، ولا حاجة إلى تجديد النيّة عند كلّ ليلة ، وهذا هو المعول عليه دون الأول ، والأول مذهب الشافعي (1).
    والحكم صحيح ، لكن لا مدخل للتحديد هنا ، والشافعي وافقنا على قضاء أكثر الحيض وهو خمسة عشر في أحد القولين ، وفي الآخر : ستة عشر (2).
    ب ـ لو قالت : كان حيضي عشرة وأمزج العشرة بالاُخرى بيومين ، فيومان من أول الشهر ويومان من آخره طُهر بيقين ، والشك في الباقي تعمل في الجميع ما تعمله المستحاضة ، ولا حيض بيقين لقصور العدد عن نصف الزمان ، وتغتسل آخر الثاني عشر ، والثامن عشر ، والثاني والعشرين ، والثامن والعشرين لاحتمال الانقطاع.
    ولو كان المزج بخمسة فلا حيض بيقين ، لمساواة العدد نصف الزمان ، فخمسة من أول الشهر وخمسة من آخره طُهر بيقين ، لكن غسل الانقطاع في آخر الخامس عشر والخامس والعشرين خاصة.
    وفرع الشيخ المزج بستة إلى المزج بالتسعة عقيب تفريعه المزج بيوم إلى المزج بستة (3) وهما واحد.
    ج ـ لو قالت : حيضي عشرة وأمزج النصف بالنصف بيوم فيومان حيض بيقين واثنا عشر طُهر بيقين ، لزيادة العدد على نصف الزمان بيوم ، هما الخامس عشر والسادس عشر ، ومن السابع إلى الرابع عشر مشكوك فيه ، وكذا من السادس عشر إلى آخر الرابع والعشرين تعمل ما تعمله المستحاضة ، وتغتسل لاحتمال الانقطاع آخر السادس عشر والرابع والعشرين.
1 ـ المبسوط للطوسي 1 : 60.
2 ـ فتح العزيز 2 : 496.
3 ـ المبسوط للطوسي 1 : 59 ـ 63.


(319)
    د ـ لو قالت : حيضي تسعة ونصف ، وكنت أمزج أحد النصفين بالآخر بيوم ، والكسر من أوّله ، واليوم الكامل في النصف الثاني ، فستة ونصف من أول الشهر طُهر بيقين ، وتمام السابع إلى آخر السادس عشر حيض بيقين ، ولو كان الكسر من الثاني فبالعكس ، من أول الشهر إلى آخر الرابع عشر طُهر بيقين ، ومن الخامس عشر إلى النصف الأول من الرابع والعشرين حيض بيقين.
    ولو قالت : أمزج العشر بالعشر بيوم والكسر من الأول ، فالأول ونصف الثاني طُهر بيقين ، ثم إلى آخر الحادي عشر مشكوك فيه ، فتغتسل في آخره لاحتمال الانقطاع ، ونصف الثاني عشر طُهر بيقين ، ومن النصف الثاني إلى آخر الحادي والعشرين مشكوك فيه ، تغتسل في آخره لاحتمال الانقطاع.
    ولو كان الكسر في العشر الثاني فإلى آخر التاسع طُهر بيقين ، ثم يحتمل ابتداء الحيض من أول العاشر ، فآخره النصف الأول من التاسع عشر ، ومن أول التاسع عشر ، فآخره النصف الأول من التاسع والعشرين ، ولا يحتمل أن يكون المزج بين العشرين بيوم والكسر فيهما ، لأنّ العشرين لا تختلط بيوم.
    القسم الثالث : ناسية العدد دون الوقت.
    فإن ذكرت أول الحيض أكملته ثلاثة بيقين ثم تغتسل في آخر الثالث لاحتمال الانقطاع وتعمل إلى العاشر ما تعمله المستحاضة ، وتغتسل في كلّ وقت يحتمل الانقطاع.
    وإن ذكرت آخره جعلته نهاية الثلاثة ، واغتسلت عنده لاحتمال الانقطاع ، وتعمل فيما بعده عمل المستحاضة لأنّها طاهرة فيه قطعاً وما قبله ثلاثة أيام حيض بيقين ، وما زاد إلى تمام العشرة طهرُ مشكوك فيه ، تعمل ما تعمله المستحاضة ، وتقضي صوم عشرة أيام احتياطاً.


(320)
    وإن لم تذكر الأول والآخر فذلك الوقت الذي عرفت حيضها فيه إن لم يزد على أقل الحيض فحيضها معلوم ، كما لو قالت : أعلم أني كنت ثاني الشهر حائضاً ورابعه طاهراً.
    وإن زاد من غير تداخل كما لو قالت : كنت حائضاً يوم الخامس وطاهرا يوم العاشر ، فالزمان مشكوك فيه تعمل ما تعمله المستحاضة.
    وإن تداخل كما لو قالت : كنت حائضاً يوم الثالث وطاهراً يوم السادس فالمتداخل حيض بيقين ، وهو الثالث ، وما عداه مشكوك فيه ، فيحتمل جعل الثالث آخر الحيض تغليبا للسبق ، وأوله إنّ أدى اجتهادها إليه ، وعملنا بالاجتهاد والتخيير ، وأوسطه ، فيكون العشرة حيضاً.
    ولو قالت : إنّ حيضي كان في النصف الأول من الشهر ولا أعرف قدره ولا وقته ، فالنصف الثاني طُهر بيقين ، ومن أول الشهر ثلاثة أيام يحتمل الحيض والطهر ولا يحتمل الانقطاع ، فتعمل ما تعمله المستحاضة ، وبعد ذلك إلى تمام النصف يحتمل الحيض والطهر والانقطاع ، فتعمل عمل المستحاضة ، وتغتسل لكلّ صلاة.

    مسألة 98 : قد بيّنا أن أقل الحيض ثلاثة أيام ، واختلف علماؤنا في اشتراط التوالي ، فالأكثر عليه (1) ، وقال آخرون : بعدمه (2) ، فإذا رأت ثلاثة أيام متوالية فهو حيض قطعاً ، فإذا انقطع وعاد قبل العاشر وانقطع فالدمان وما بينهما حيض ، ذهب إليه علماؤنا ـ وبه قال أبو حنيفة (3) ـ لأنّ أقل الطُهر عشرة
1 ـ منهم : السيد المرتضى كما في المعتبر : 53 ، وابنا بابويه في الفقيه 1 : 50 ، والهداية : 21 ، والشيخ الطوسي في الجمل : 163 ، والمبسوط 1 : 42 ، وابن حمزة في الوسيلة : 56 ، وابن إدريس في السرائر : 28.
2 ـ قال به الشيخ الطوسي في النهاية : 26 ، وابن البراج في المهذب 1 : 34.
3 ـ شرح فتح القدير 1 : 153 و 154 ، شرح العناية 1 : 153 ، اللباب 1 : 44 ، أحكام القرآن للجصاص 1 : 345.


(321)
أيام ، ودم الحيض يسيل تارة وينقطع اُخرى ، وإنّما يثبت للنقاء حكم الطُهر إذا انقطع بالكليّة.
    وقال مالك وأحمد : تلفق ، فأيّام الدم حيض ، وأيام النقاء طهر ، لأنّ النقاء موجود في بعض الاوقات حقيقة ، كما أن الدم موجود في بعضها حقيقة ، وكما لا يجوز جعل الدم الموجود طُهراً كذا لا يجوز جعل الطُهر الموجود حيضاً بل يوفى كلّ منهما حكمه (1) ، والملازمة ممنوعة ، وللشافعي قولان ، أظهرهما : الأول (2).
    فإن جاز ذلك عشرة أيام ، فإن كانت مبتدأة قال الشيخ : تدع الصلاة والصوم كلما رأت الدم ، وإذا رأت الطُهر صلّت وصامت إلى أن تستقر لها عادة لقولهم عليهم السلام : « كلما رأت الطُهر صلّت وصامت ، وكلما رأت الدم تركت الصلاة إلى أن تستقر لها عادة » (3) والظاهر أن مراده من ذلك ترك العبادة في الدم المحتمل لأنّ يكون حيضاً لا مطلقاًً.
    ويحتمل عندي هنا اُمور ثلاثة : جعل الثلاثة حيضاً أخذاً بالمتيقن ، وقضاء صوم أحد عشر يوماً ، وجعل السبعة أو العشرة ، فلو كان السابع أو العاشر يوم النقاء فالوجه إلحاقه بالطهر.
    وإن كانت ذات عادة ردت إليها سواء رأت فيها دماً أسود ، أو أحمر ، أو نقاء ، قاله الشيخ (4) ، والوجه إلحاق النقاء بما بعده ، وإن نسيتها عملت بالتمييز ، وتراعي بين الحيضتين عشرة أيام طهراً.
1 ـ بُلغة السالك 1 : 79 ـ 80 ، المجموع 2 : 502 ، فتح العزيز 2 : 537 ، الوجيز 1 : 29 ، الشرح الكبير 1 : 385.
2 ـ المجموع 2 : 502 ، فتح العزيز 2 : 537 ، الوحيز 1 : 29 ، المغني 1 : 403 ، الشرح الكبير 1 : 386.
3 ـ المبسوط للطوسي 1 : 66.
4 ـ المبسوط للطوسي 1 : 66.


(322)
    ولو رأت ثلاثة أيام دماً ثم انقطع ثم عاودها قبل العشرة فالجميع حيض ، وقضت صوم النقاء ، وجاز لزوجها الوطء فيه ، فإذا ظهر أنّه حيض لم يكن عليه شيء.
    وإن رأت أقل من ثلاثة ثم انقطع ورأته قبل العاشر وبلغ المجموع ثلاثة فلعلمائنا قولان ، أحدهما أنّه ليس بحيض لاشتراط التوالي في عدد أقل الحيض (1) ، والثاني : أنّه حيض إنّ كمل ثلاثة في جملة العشرة (2). وللشافعية كالقولين (3).
    ومنهم من اشترط في التلفيق أن يكون أوّله حيضاً كاملاً وآخره حيضاً كاملاً (4).
    ومنهم من لم يشترط بلوغ أقل الحيض ، فلو رأت ساعة ثم انقطع ثم رأت قبل خمسة عشر ساعة اُخرى كانت الساعتان مع الطُهر المتخلل بينهما حيضاً ، وهو أضعف الوجوه عندهم (5).
    ولو كمل أقل الحيض في أكثر من عشرة لم يكن حيضاً ، وموضع الخلاف ما إذا كانت أزمنة النقاء زائدة على الفترات المعتادة بين دفعات الدم ، فإن لم يزد عليها فالجميع حيض إجماعا.

فروع :
    أ ـ إذا رأت أقل الحيض ثم انقطع وجب عليها العبادة إجماعاً ، لأنّ
1 ـ قال الصدوق في الفقيه 1 : 50 ، والهداية : 21 ، وابن حمزة في الوسيلة : 57 ، وابن إدريس في السرائر : 28 ، والشيخ الطوسي في الجمل : 163 ، وحكاه المحقق عن المرتضى في المعتبر : 53.
2 ـ قال به الشيخ الطوسي في النهاية : 26 ، وابن البراج في المهذب 1 : 34.
3 ـ المجموع 2 : 505 ، فتح العزيز 2 : 543 ، الوجيز 1 : 30.
4 ـ المجموع 2 : 505 ، فتح العزيز 2 : 542 ، الوجيز 1 : 29.
5 ـ المجموع 2 : 505 ، فتح العزيز 2 : 544 و 546 ، الوجيز 1 : 30.


(323)
الموجود حيض تام ، وربما لا يعود الدم ، فلا يبيح لها ترك العبادة بالشك. وإن رأت أقل وقلنا أيام النقاء طهر اغتسلت ، لأنّ الدم ربما عاد ، فالدم الموجود حيض ، وظهر أن للنقاء حكم الطهر.
    وإن قلنا : أنها كالحيض فلا غسل لأنّ الدم ان لم يعد ، فليس له حكم الحيض حتى يجب غسله ، وإن عاد ظهر أن الزمان حيض ، وليس للغسل في زمان الحيض حكم.
    ب ـ لو كانت عادتها خمسة أيام ، ورأت يوماً دماً ويوماً نقاءً ، وتجاوز الدم والنقاء الأكثر ولا تمييز ، فإن قلنا : أنها لا تلفق ، فأيّام العادة حيض الدم والنقاء الذي يليه ، قاله الشافعي (1).
    وإن قلنا : تلفق ، فمن أين تلفق ؟ للشافعي قولان ، احدهما : من أيام العادة حسب ، لأنّ النقاء من أيام العادة ، وإنّما انقطع دمها فيه فتنقص من عادتها ، والثاني : تلفق من أكثر الحيض ، لأنّ عادتها تفرقت فيها (2). فعلى الأول يحصل لها ثلاثة أيام حيض ، وعلى الثاني تلفق خمسة أيام من تسعة.
    ولو كانت عادتها ستة أيام ، فإن قلنا ، لا تلفق فالحيض خمسة أيام والسادس نقاء ليس بعده حيض فلا يكون حيضاً ، وتنقص عادتها ، وإن قلنا : تلفق من زمان العادة حصل لها ثلاثة أيام ، وإن قلنا : من خمسة عشر لفقنا لها ستة أيام من أحد عشر.
    ج‍ ـ يشترط في جعل النقاء حيضاً أمران ، أحدهما : أن يكون النقاء محبوساً بدمين في الأكثر ، فلو رأت يوماً وليلةً دماً وأربعة عشر نقاءً ، ورأت
1 ـ المجموع 2 : 508.
2 ـ المجموع 2 : 508.


(324)
في السادس عشر ، فالنقاء مع ما بعده من الدم طهر قاله الشافعي (1) ، وعندنا الأكثر عشرة.
    والثاني : أن يكون قدر الحيض في مدة الخمسة عشر تمام أقل الحيض وإن تفرق بالساعات ، وهو أظهر أقوال الشافعي (2).
    د ـ لو رأت أقل الحيض وانقطع ، ثم عاد قبل انقضاء الطُهر بعد مجاوزة اكثر الحيض ، فالأول حيض ، والثاني دم فساد.
    هـ ـ لو كانت عادتها خمسة من أول الشهر فرأت الأول طُهراً ثم الثاني دماً ثم الثالث طُهراً ، وهكذا احتمل جعل الثاني والرابع والسادس حيضاً خاصة ، وخمسة أيام دما خاصة.
    وعند الشافعي إنّ وقف على خمسة عشر من الدم ، فإن قيل بعدم التلفيق ، فالاربعة عشر حيض ، وإن قيل به لفقت خمسة أيام من تسعة.
    وإن زاد الدم على الخامس عشر فقد استحيضت ، فإن قيل بالتلفيق فمن أين يلفق ؟ على الوجهين ، أحدهما : من زمان العادة فلها يومان حيض من زمان العادة ، هو الثاني والرابع ، والثاني : من زمان الإمكان فيلفق لها خمسة أيام أولها الثاني وآخرها العاشر.
    وإن قيل بعدم التلفيق فهل الاعتبار بزمان العادة أو بعدها ؟ وجهان : العادة ، لأنّه إذا اعتبر عددها اعتبر زمانها فحيضها الثاني والثالث والرابع لأنّ الأول طهر قبله طهر ، والخامس طهر بعده استحاضة.
    والثاني : الاعتبار بعدد العادة دون زمانها ، لانتقال حيضها فحيضها خمسة أولها الثاني وآخرها السادس (3).
1 ـ فتح العزيز 2 : 542 ، الوجيز 1 : 29.
2 ـ المجموع 2 : 505 ، فتح العزيز 2 : 543 ، الوجيز 1 : 30.
3 ـ المجموع 2 : 513 ـ 514.


(325)
    والنفاس هو الدم الخارج عقيب الولادة بالإجماع ، لأنّه خارج عقيب نفس ، أو مأخوذ من تنفس الرحم بالدم ، فالخارج قبل الولادة ليس بنفاس إجماعاً لقول الصادق عليه السلام في المرأة يصيبها الطلق أياماً ، أو يوماً ، أو يومين فترى الصفرة أو دما قال : « تصلّي ما لم تلد ، فإن غلبها الوجع ففاتها صلاة لم تقدر أن تصليها فعليها قضاء تلك الصلاة بعدما تطهر » (1).
    وأمّا الخارج مع الولادة ، فالشيخ نصّ على أنّه نفاس (2) ـ وهو أصح وجهي الشافعية (3) ـ لأنّه دم خرج لخروج الولد فأشبه الخارج بعده.
    وقال المرتضى رضي الله عنه : النفاس هو الذي تراه عقيب الولادة (4) ، وهو يشعر بأن الخارج معها ليس بنفاس ، وبه قال بعض الشافعية ، وأبو حنيفة (5) ، لأنّه انفصل قبل انفصال الولد ، فأشبه ما خرج قبله.
1 ـ الكافي 3 : 100 / 3 ، التهذيب 1 : 403 / 1261.
2 ـ المبسوط للطوسي 1 : 68.
3 ـ المجموع 2 : 521 ، فتح العزيز 2 : 579.
4 ـ الناصريات : 227 مسألة 64.
5 ـ المجموع 2 : 520 ، فتح العزيز 2 : 579 ، كفاية الأخيار 1 : 46 ، الهداية للمرغيناني 1 : 33 ، شرح العناية 1 : 164 ، المبسوط للسرخسي 3 : 21 ، اللباب 1 : 47.


(326)
    مسألة 99 : ولو ولدت ولم تر دماً فلا نفاس إجماعاً ، ولا يجب عليها الغُسل عند علماء أهل البيت عليهم السلام ، وبه قال أبو حنيفة (1) عملاً بالأصل السالم عن معارضة الحدث ، وللشافعي قولان (2) ، وعن أحمد روايتان ، إحداهما : الوجوب لأنّه مخلوق من مائها فهو بمنزلة خروج الماء (3) ، ويعارضه أنّه جامد فأشبه الحصا والدود.

    مسألة 100 : لا يشترط في الولد الحياة بل ولا التمامية ، فلو ولدت مضغة أو علقة بعد أن شهد القوابل أنّه لحمة ولد ، ويتخلق منه الولد كان الدم بالإجماع نفاساً ، لأنّه دم جاء عقيب حمل ، أما النطفة والعلقة المشتبهة فلا اعتبار بهما لعدم تيقن الحمل بهما ، فيكون حكمه حكم دم الحائل.

    مسألة 101 : وليس لأقل النفاس حدّ ، فجاز أن يكون لحظة واحدة ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ـ وبه قال أكثر العلماء كالشافعي ، ومالك وأبي حنيفة ، وأحمد (4) ـ لأنّه دم وجد عقيب سببه ـ وهو الولادة ـ فكان نفاساً ، وولدت امرأة على عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله فلم تر نفاساً ، فسميت ذات الجفوف (5).
    وحكي عن الثوري أنّ أقلّه ثلاثة أيام لأنّه أقل الحيض (6) ، ولا ملازمة بينهما ، وحكي عن أبي يوسف أنّه قال : أقلّه أحد عشر يوماً ، ليزيد أقلّه على
1 ـ المجموع 2 : 150 ، فتح القدير 1 : 164.
2 ـ المجموع 2 : 149 ، فتح العزيز 2 : 580.
3 ـ المجموع 2 : 150 ، المغني 1 : 394.
4 ـ المجموع 2 : 525 ، بداية المجتهد 1 : 52 ، المنتقى للباجي 1 : 127 ، كفاية الأخيار 1 : 47 ، المغني 1 : 393 ، الهداية للمرغيناني 1 : 34 ، شرح العناية 1 : 165 ، اللباب 1 : 48 ، الوجيز 1 : 31 ، الشرح الكبير 1 : 403.
5 ـ المهذب للشيرازي 1 : 52 ، المغني 1 : 393 ، واُنظر المعتبر : 67.
6 ـ المجموع 2 : 525 ، نيل الأوطار 1 : 359 ، شرح الأزهار 1 : 166.


(327)
أكثر الحيض (1).
    وقال محمد بن الحسن ، وأبو ثور ، والشافعي في أحد قوليه : أقلّه ساعة (2).
    وقال المزني : أقلّه أربعة أيام لأنّ أكثر النفاس أربعة أضعاف أكثر الحيض ، فكان أقل النفاس أربعة أضعاف أقل الحيض ، وهو يوم وليلة ، فأقل النفاس أربعة (3).
    وقال أبوعبيد : أقلّه خمسة وعشرون يوماً (4) ، والكل خطأ ، لأنّ الشرع لم يرد بتحديده فيرجع إلى الوجود ، وقد وجد أقل من ذلك.
    إذا ثبت هذا ، فإذا انقطع الدم عقيب لحظة كانت بحكم الطاهر بقية اليوم إذا لم يعاود الدم.
    وقال أحمد في رواية : لو رأت النقاء لدون يوم لم يثبت لها حكم الطاهرات (5).
    وهو خطأ لقول علي عليه السلام : « لا يحل للنفساء إذا رأت الطُهر إلّا أن تصلّي » (6).

    مسألة 102 : اختلف علماؤنا في أكثره فالمشهور أنّه لا يزيد على أكثر أيام
1 ـ المبسوط للسرخسي 3 : 211 ، الكفاية 1 : 166 ، بداية المجتهد 1 : 52 ، نيل الأوطار 1 : 359 ، المحلى 2 : 207.
2 ـ المجموع 2 : 522 ـ 523 ، المغني 1 : 393 ، الشرح الكبير 1 : 403 ، الكفاية 1 : 166.
3 ـ المجموع 2 : 525.
4 ـ المغني 1 : 393 ، الشرح الكبير 1 : 403.
5 ـ المغني 1 : 394 ، الشرح الكبير 1 : 404.
6 ـ سنن البيهقي 1 : 342.


(328)
الحيض ـ قاله الشيخ ، وعلي بن بابويه ، والمفيد في أحد قوليه (1) ـ لقول أحدهما عليهما السلام : « النفساء تكف عن الصلاة أيام أقرائها » (2).
    ولأنّه دم حيض حبسه احتياج الولد إلى الغذاء ، وانطلاقه باستغنائه عنه ، وأكثر الحيض عشرة ، ولأنّه أحوط للعبادة.
    وفي الثاني : ثمانية عشر يوماً ـ وبه قال المرتضى ، وابن الجنيد والصدوق (3) ـ لقول الصادق عليبه السلام وقد سئل عن النفساء كم تقعد؟ فقال : « إنّ أسماء بنت عميس أمرها رسول الله صلّى الله عليه وآله أن تغتسل لثماني عشرة ليلة » (4) ولا حجة فيه ، لاحتمال وقوع السؤال عند الانتهاء.
    وقال ابن أبي عقيل : أيامها كأيام حيضها وأكثره أحد وعشرون يوماً ، فإن انقطع دمها في تمام حيضها صلّت وصامت ، وإن لم ينقطع صبرت ثمانية عشر يوماً ثم استظهرت بيوم أو يومين ، فإن كانت كثيرة الدم صبرت ثلاثة أيام ، ثم اغتسلت واحتشت واستثفرت وصلّت ، لما رواه البزنطي ـ في الصحيح ـ عن الباقر عليه السلام (5).
    وقال الشافعي : اكثره ستون يوماً ـ وهو رواية لنا ـ وبه قال عطاء ، والشعبي ، ومالك ، وأبو ثور ، وحكي عن عبيد الله بن الحسن العنبري ، والحجاج بن أرطاة (6) لأنّه قد وجد ذلك ، ولا دليل فيه ، لأنّ الزائد
1 ـ النهاية : 29 ـ 30 ، المقنعة : 7 ، وحكى قول علي بن بابويه المحقق في المعتبر : 67.
2 ـ الكافي 3 : 97 / 1 ، التهذيب 1 : 173 / 495 ، الاستبصار 1 : 150 / 519.
3 ـ المقنعة : 7 ، الانتصار : 35 ، الفقيه 1 : 55 ، وحكى قول ابن الجنيد المحقق في المعتبر : 67.
4 ـ التهذيب 1 : 180 / 515 ، الاستبصار 1 : 153 / 531. وفيهما عن الباقر عليه السلام.
5 ـ حكاه المحقق في المعتبر : 67.
6 ـ المجموع 2 : 522 و 524 ، مختصر المزني : 11 ، الوجيز 1 : 31 ، المغني 1 : 392 ، الشرح الكبير 1 : 402 ، بداية المجتهد 1 : 52 ، شرح الأزهار 1 : 166 ، المحلى 8 : 203 ، نيل الأوطار 1 : 358 ، سنن الترمذي 1 : 259.


(329)
استحاضة.
    وقال أبو حنيفة والثوري وأحمد وإسحاق وأبو عبيد : أكثره أربعون يوماً (1) ـ وهو رواية لنا أيضاً (2) ـ لأنّ ام سلمة قالت : كانت النفساء تقعد على عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله أربعين ليلة وأربعين يوماً (3) ، والراوي مجهول ، فلا عبرة به.
    وحكى ابن المنذر عن الحسن البصري أنّه قال : خمسون يوماً (4) ـ وهو رواية لنا (5) ـ وحكى الطحاوي عن الليث أنّه قال : من الناس من يقول : سبعون يوماً (6).

    مسألة 103 : إذا زاد الدم على الأكثر ـ وهو عشرة عندنا ، وستون عند الشافعي (7) وأربعون عند أبي حنيفة (8) ـ فالأقوى عندي أنها إنّ كانت ذات عادة في الحيض جعلت نفاسها عدد أيام حيضها والباقي استحاضة ، وإن لم تك ذات عادة كان نفاسها عشرة أيام ، لما تقدم من الرد إلى أيامها في الحيض.
1 ـ المجموع 2 : 524 ، المغني 1 : 392 ، الشرح الكبير 1 : 402 ، المحلى 2 : 203 ، نيل الأوطار 1 : 358 ، بداية المجتهد 1 : 52 ، بدائع الصنائع 1 : 41 ، اللباب 1 : 48 ، المبسوط للسرخسي 3 : 210 ، الهداية للمرغيناني 1 : 34 ، شرح العناية 1 : 166 ، أحكام النساء للامام أحمد : 60.
2 ـ التهذيب 1 : 177 / 506 ، الاستبصار 1 : 152 / 526.
3 ـ سنن أبي داود 1 : 83 / 311 و 312 ، سنن ابن ماجة 1 : 213 / 648 ، سنن الترمذي 1 : 256 / 139.
4 ـ المجموع 2 : 524 ، مقدمات ابن رشد 1 : 91 ، نيل الأوطار 1 : 358 ، الشرح الكبير 1 : 402 ، سنن الترمذي 1 : 258 ذيل الحديث 139.
5 ـ التهذيب 1 : 177 / 507 ، الاستبصار 1 : 152 / 527.
6 ـ المجموع 2 : 524 ، حلية العلماء 1 : 232.
7 ـ المجموع 2 : 522 و 524 ، الوجيز 1 : 31.
8 ـ المبسوط للسرخسي 3 : 210 ، اللباب 1 : 48 ، بدائع الصنائع 1 : 41.


(330)
    وقال بعض أصحاب الشافعي : إذا استحيضت النفساء وتجاوز الدم ستين كانت الستون نفاساً ـ وهو قول المزني ـ والزائد استحاضة لثبوت النفاس باليقين ، فلا يزول إلّا بمثله ، بخلاف الحيض لأنّه لم يثبت أولاً باليقين (1).
    وقال بعضهم : الزائد على الستين حيض لعدم التنافي (2).
    وقال الباقون منهم بالتفصيل ، فإن كانت ذات عادة فيه بأن تلد مرتين مثلا وترى الدم أربعين ردت إلى عادتها من الاربعين ، ثم إنّ كانت معتادة في الحيض فترد إلى عادتها في الطُهر ، ثم تحيض قدر عادتها في الحيض.
    وان كانت مبتدأة في الحيض جعلت القدر الذي ترد إليه المبتدأة في الطُهر استحاضة ، والقدر الذي ترد إليه في الحيض حيضاً ، ولو ولدت مراراً وهي ذات جفاف ، ثم ولدت واستحيضت ، فلا نجعل عدم النفاس عادة ، بل هي مبتدأة في النفاس.
    وإن كانت مبتدأة في النفاس فله قولان ، أحدهما : الرد إلى لحظة ، والثاني : إلى أربعين ، لأنّه الغالب ، وإن كانت محيرة فحكمها حكم الحائض في شرط التمييز ، وترد إليه كما في الحيض ، إلّا أن الستين هنا بمنزلة خمسة عشر هناك ، فلا يزيد التمييز على الستين ، وإن نسيت عادتها في النفاس ففي قول تُردّ إلى الاحتياط ، وعلى آخر أنها تُردّ إلى ما ترد إليه المبتدأة (3).

فروع :
    الأول : لو رأت عقيب الولادة لحظة ثم انقطع ، ورأته قبل العاشر
1 ـ المجموع 2 : 530.
2 ـ المجموع 2 : 530.
3 ـ المجموع 2 : 530 ـ 531 ، فتح العزيز 2 : 590 ـ 592 ، الوجيز 1 : 32.
تذكرة الفقهاء الجزء الأول ::: فهرس