تذكرة الفقهاء الجزء الأول ::: 331 ـ 345
(331)
لحظة فالدمان وما بينهما نفاس ، لأنّ الطُهر لا يكون أقل من عشرة ، ولو رأت اللحظة الأخيرة خاصة فهي النفاس خاصةً.
    أما الشافعي فعنده إذا انقطع دم النفاس فإن لم يبلغ النقاء بين الدمين أقل الطُهر كيوم ويومين فأزمنة الدم نفاس ، وفي أزمنة النقاء قولان كالحيض (1).
    الثاني : لو رأت يوم الولادة ثم انقطع عشرة أيام ، ثم رأت الدم ثلاثة أيام ، فالأول نفاس ، والنقاء طهر ، والثاني حيض لمضي طهر كامل بعد انقطاع النفاس ، ولو قصر الثاني عن ثلاثة لم يكن حيضاً ، بل دم فساد.
    وعند الشافعي أنّه إذا تخلل بين الدمين أقل الطُهر ، كما لو رأت عقيب الولادة ، ثم طهرت خمسة عشر يوماً ، ثم عاد الدم قبل الستين ، فأصح الوجهين : أنّه حيض ، لأنّه وما قبله دمان تخللهما طهرُ صحيح ، فلا يضم أحدهما إلى الآخر كدمي الحيض ، وبه قال أبو يوسف ، ومحمد (2).
    والثاني ـ وبه قال أبو حنيفة ـ : أنّه دم نفاس لوقوعه في زمان إمكان النفاس (3).
    وقال أحمد : العائد مشكوك فيه ، تصوم وتصلّي ، وتقضي الصوم والطواف ، ولا يأتيها زوجها ، لاحتمال أنّه نفاس ودم فساد (4).
    فلو ولدت ولم تر الدم خمسة عشر يوماً فصاعدا ثم رأته ، فإن قيل : العائد نفاس ، ففي أيام النقاء وجهان (5).
1 ـ المجموع 2 : 528.
2 ـ المجموع 2 : 528 ، الوجيز 1 : 32 ، المغني 1 : 395 ، الشرح الكبير 1 : 407 ، المبسوط للسرخسي 2 : 141 و 3 : 211.
3 ـ المبسوط للسرخسي 2 : 141 ، المجموع 2 : 528 ، الوجيز 1 : 32.
4 ـ المغني 1 : 394 ، الشرح الكبير 1 : 406.
5 ـ فتح العزيز 2 : 600 ـ 601.


(332)
    الثالث : إذا كانت عادتها عشرة أيام حيضاً وعشرين طُهراً ، فرأت عشرة أيام نفاساً وشهراً طُهراً ، ثم رأت الدم واتصل بها لم تبطل بذلك عادتها ، بل ترجع إلى العادة التي كانت قبل الولادة من اعتبار الحيض والطهر.
    وقالت الشافعية : إذا كانت تحيض عشرة وتطهر عشرين فرأت عشرين يوماً نفاساً ثم طهرت شهرين ، ثم عاودها الدم واتصل وعبر أكثر الحيض ، فإنها مستحاضة ، تُردّ إلى عادتها في الحيض ، وهي عشرة أيام ، ويكون طهرها شهرين لأنّ طهرها تغير (1) ، والطهر في الحيض والنفاس واحد وهو يجئ على قول من لا يعتبر تكرر العادة.
    الرابع : لو رأت خمسة أيام ثم ولدت بعد ذلك قبل أن يمضي زمان الطُهر فالدم ليس بنفاس لتقدمه ، قال الشيخ : وليس بحيض ، لأنّ الحامل المستبين حملها لا تحيض ، فيكون دم فساد (2) ، وهو أحد قولي الشافعية ، والثاني : أنّه حيض لأنّ الحامل قد ترى الدم ، ولا يعتبر بينه وبين النفاس طهرُ صحيح ، والولادة تفصل بينهما ، بخلاف الحيض ، لأنّه لم يوجد للطهر بين الحيضتين أقل من خمسة عشر يوماً (3).

    مسألة 104 : حكم النفاس حكم الحيض في جميع المحرمات والمكروهات ، والخلاف في الكفارة بوطئها ، ولا نعلم فيه خلافاً ، لأنّ دم النفاس هو دم الحيض ، وإنّما احتبس مدة الحمل لانصرافه إلى غذاء الولد ، فإذا وضع الولد وانقطع العرق الذي كان مجرى الدم ، خرج من الفرج كما يخرج من الحائض ، فإذا رأت بعد الولادة ساعة دما ثم انقطع كان عليها أن تغتسل ، ولزوجها أن يأتيها ، فإن خافت العود استحب التثبت احتياطاًً.
1 ـ المجموع 2 : 532.
2 ـ المبسوط للطوسي 1 : 68.
3 ـ المجموع 2 : 522 ، الوجيز 1 : 31.


(333)
    مسألة 105 : لو ولدت توأمين ، فابتداء النفاس من الأول ، وعدد الايام من الثاني ، ذهب إليه علماؤنا ـ وهو أحد أقوال الشافعي ، وإحدى روايات أحمد (1) ـ لأنّ كلّ واحد منهما سبب في إثبات حكم النفاس ، بدليل حالة الانفراد فإذا اجتمعا ثبت لكلّ منهما نفاس ، وتداخلا فيما اجتمعا فيه.
    والثاني : أن النفاس من أوّله كله أوّله وآخره ـ وبه قال مالك ، وأبو حنيفة وأبو يوسف ، وأحمد في أصح الروايات (2) ـ لأنّه دم تعقب الولادة فكان نفاساً كالولد الواحد ، فإذا انقضت مدة النفاس من حين وضعت الأول لم يكن ما بعده نفاساً وإن كان يوماً واحداً ، لأنّ ما بعد الأول نفاس لأنّه عقيب الولادة ، فإذا كان أوّله منه فآخره منه كالمنفرد.
    والثالث : أن النفاس من الثاني ـ وبه قال محمد ، وزفر ، وأحمد (3) ـ لأنّ الخارج قبل الثاني دم خرج قبل انقضاء الحمل فأشبه ما إذا خرج قبل الولادة ، والاعتبار بجميع الحمل ، فإن الرجعة إنّما تنقطع بذلك ، وعلى هذا لو أسقطت عضوا من ولد وبقي الولد في البطن ، فهل يجعل الدم نفاسا ؟ على الخلاف.
    إذا عرفت هذا ، قالت الشافعية : إذا لم يجعل الدم نفاساً فهل يكون حيضا ؟ قولان ، بناء على أن الحامل هل تحيض أم لا ؟ (4) وقد تقدم (5).

    مسألة 106 : يعتبر حالها عند الانقطاع قبل العشرة ، فإن خرجت القطنة نقية اغتسلت ، وإلّا توقعت النقاء أو انقضاء العشرة ، لقول الصادق عليه
1 ـ المجموع 2 : 527 ، المغني 1 : 396 ، الشرح الكبير 1 : 408 و 409 ، الإنصاف 1 : 386.
2 ـ المجموع 2 : 526 ، بدائع الصنائع 1 : 43 ، المغني 1 : 395 ، الشرح الصغير 1 : 81 ، اللباب 1 : 48 ـ 49.
3 ـ المجموع 2 : 526 ، المغني 1 : 396 ، المبسوط للسرخسي 3 : 212 ، العناية في شرح الهداية 1 : 167.
4 ـ المجموع 2 : 526 ـ 527.
5 ـ تقدم في المسألة 81.


(334)
السلام وقد سئل عن امرأة ولدت فرأت الدم أكثر مما كانت ترى ، قال : « فلتقعد أيام قرئها ، ثم تستظهر بعشرة أيام ، فإن رأت دما صبيباً فلتغتسل عند وقت كلّ صلاة ، وإن رأت صفرة فلتتوضأ ثم لتصل » (1) وليس مراده الاستظهار بعشرة ، بل إلى عشرة بأن تكون عادتها تسعة فتستظهر بيوم ، أو ثمانية فتستظهر بيومين ، فلا ينافي ما ورد من الاستظهار بيوم أو يومين.
    ولو انقطع قبل العاشر ثم عاد قضت الصوم ، ولو لم ترَ دما حتى انقضى العاشر فلا نفاس ، ثم إنّ استمر ثلاثة فهو حيض ، وإن كان أقل فهو استحاضة.
    فإن عاد قبل العشرة الثانية ما يتمّ به ثلاثاً ، فإن قلنا برواية يونس (2) كان الدم حيضاً ، وما بينهما أيضاً ، وإن اشترطنا التوالي ، فهو استحاضة لفوات الشرط ، وكذا لو رأت بعد العاشر ساعة دما وساعة طُهراً واجتمع ثلاثة أيام في عشرة كان الدم حيضاً على الرواية وما تخلله ، وعلى القول الآخر استحاضة.

    مسألة 107 : وغسلها واجب بإجماع العلماء لما تقدم ، ولا بد معه من الوضوء على الاشهر ، وتقديمه أفضل ، وقد يأتي في بعض عبارة (3) علمائنا وجوب التقديم (4) ، لقول أبي عبد الله عليه السلام : « في كلّ غسل وضوء إلّا غسل الجنابة » (5) والفيئية غير مرادة ، بل المجاز وهو السبق والتأخر مع المتعابعة ، وقول الصادق عليه السلام : « كلّ غسل قبله وضوء إلّا غسل الجنابة » (6) للاستحباب.
1 ـ التهذيب 1 : 175 ـ 176 / 502 ، الاستبصار 1 : 151 / 522.
2 ـ الكافي 3 : 99 / 5 ، التهذيب 1 : 175 / 500 ، الاستبصار 1 : 150 / 520.
3 ـ هكذا في الأصلين ، ولعلّ الصواب : عبارات ، أو عبارة بعض.
4 ـ منهم الشيخ الطوسي في الجمل والعقود : 165 و 163 ، والراوندي في التنقيح الرائع ، كما حكاه المحقق في المعتبر : 69.
5 ـ التهذيب 1 : 143 / 403 و 303 / 881.
6 ـ الكافي 3 : 45 / 13 ، التهذيب 1 : 139 / 391 ، الاستبصار 1 : 126 / 428.


(335)
الفصل الخامس : في غسل الأموات
    وفيه ستة مطالب.
    مقدمة : ينبغي للمريض ترك الشكاية مثل أن يقول : ابتليت بما لم يبتل به أحد ، وشبهه ، ويستحب عيادته إلّا في وجع العين ، قال أمير المومنين عليه السلام : « ضمنت لستة الجنّة : رجل خرج بصدقة فمات فله الجنّة ، ورجل خرج يعود مريضاً فمات فله الجنّة ، ورجل خرج مجاهداً في سبيل الله فمات فله الجنّة ، ورجل خرج حاجا فمات فله الجنّة ، ورجل خرج إلى الجمعة فمات فله الجنة. ورجل خرج في جنازة رجل مسلم فمات فله الجنّة » (1). وإن يأذن لهم في الدخول عليه ، فإذا طالت علته ترك وعياله ، وينبغي تخفيف العيادة إلّا أن يطلب المريض الاطالة.
    وتجب الوصية على كلّ من عليه حق ، ويستحب لغيره ، وينبغي الاستعداد بذكر الموت كلّ وقت ، قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : ( أكثروا من ذكر هادم اللذات ، فما ذكر في كثير إلّا قلّله ، ولا في قليل إلّا كثره ) (2).
1 ـ الفقيه 1 : 84 / 387.
2 ـ سنن الترمذي 4 : 639 / 2460 ، الكامل لابن عدي 5 : 1864 ، الجامع الصغير 1 : 208 / 1399 ، وعوالي اللآلي 1 : 247 / 3.


(336)
    وقال عليه السلام : ( استحيوا من الله حق الحياء ) فقيل : يا رسول الله وكيف نستحيي من الله حق الحياء ؟ قال : ( من حفظ الرأس وما حوى ، والبطن وما وعى ، وترك زينة الحياة الدنيا ، وذكر الموت والبلى ، فقد استحيى من الله حق الحياء ) (1).
    وقال الصادق عليه السلام : « من عد غدا من أجله فقد أساء صحبة الموت » (2).
    وينبغي أن يحسن ظنه بربه ، فقد روي : أن الله تعالى يقول : « أنا عند ظن عبدي بي » (3) ولا ينبغي أن يتمنى الموت وإن اشتد مرضه ، لقوله عليه السلام : ( لا يتمنين أحدكم الموت لضُرّ نزل به ، ولكن ليقولن : اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي ) (4).
    وينبغي التوبة لأنّها مسقط للعقاب ، قال رسول الله صلّى الله عليه وآله ، في آخر خطبة خطبها : ( من تاب قبل موته بسنة تاب الله عليه ، ثم قال : وإن السنة لكثير ، ومن تاب قبل موته بشهر تاب الله عليه ، ثم قال : وإن الشهر لكثير ، ومن تاب قبل موته بيوم تاب الله عليه ، ثم قال : وإن اليوم لكثير ومن تاب قبل موته بساعة تاب الله عليه ، ثم قال : وإن الساعة لكثير ، من تاب وقد بلغت نفسه هذه ـ وأومى بيده إلى حلقه ـ تاب الله عليه ) (5).
1 ـ سنن الترمذي 4 : 637 / 2458 ، مسند أحمد 1 : 387.
2 ـ الفقيه 1 : 84 / 385.
3 ـ الكافي 2 : 58 / 3 ، وصحيح مسلم 4 : 2061 / 2675.
4 ـ صحيح البخاري 7 : 156 و 8 : 94 ، صحيح مسلم 4 : 2064 / 2680 ، سنن أبي داود 3 : 188 / 3109 ، سنن الترمذي 3 : 302 / 970 ، سنن النسائي 4 : 3 ، سنن البيهقي 3 : 377 ، مسند أحمد 3 : 104.
5 ـ الفقيه 1 : 79 / 354 ، ومسند أحمد 2 : 206.


(337)
المطلب الأول : الاحتضار.
    مسألة 108 :
اختلف علماؤنا في وجوب توجيهه إلى القبلة عند الموت ، فقال المفيد وسلار به (1) ، لأنّ علياً عليه السلام قال : « دخل رسول الله صلّى الله عليه وآله على رجل من ولد عبد المطلب ، وهو في السوق وقد وجه إلى غير القبلة ، فقال : وجهوه إلى القبلة ، فانكم اذا فعلتم ذلك اقبلت عليه الملائكة » (2).
    وقال الباقون بالاستحباب (3) ، وبه قال عطاء ، والنخعي ، والشافعي ، ومالك ، وأهل المدينة ، والأوزاعي ، وأهل الشام ، وإسحاق ، وأصحاب الرأي (4) ، لأنّ حذيفة قال : وجهوني (5) ، ولقول النبيّ صلّى الله عليه وآله : ( خير المجالس ما استقبل به القبلة ) (6) والأصل عدم الوجوب.
    وأنكره سعيد بن المسيب ، فإنهم لما أرادوا أن يحولوه إلى القبلة ، قال : ما لكم ؟ قالوا : نحولك إلى القبلة ، قال : ألم أكن على القبلة إلى يومي هذا ؟! (7) وفعلهم به دليل على اشتهاره عندهم.
    تذنيب : وكيفيته أن يلقى على ظهره ، ويجعل باطن قدميه إلى القبلة
1 ـ المقنعة : 10 ، المراسم : 47.
2 ـ الفقيه 1 : 79 / 352 ، ثواب الأعمال : 232 / 1 ، علل الشرائع : 297 ، الباب 234.
3 ـ منهم : الشيخ الطوسي في النهاية : 30 والخلاف 1 : 691 مسألة 466 ، والمحقق في المعتبر : 69 ، ويحيى بن سعيد في الجامع للشرائع : 48.
4 ـ المجموع 5 : 116 ، فتح العزيز 5 : 106 ، بداية المجتهد 1 : 226 ، شرح فتح القدير 2 : 68 ، الوجيز 1 : 72 ، الشرح الكبير 2 : 304 ، المغني 2 : 307 ، الشرح الصغير 1 : 199 ، الهداية للمرغيناني 1 : 90 ، اللباب 1 : 125.
5 ـ المغني 2 : 307 ، الشرح الكبير 2 : 305.
6 ـ الغايات : 87 ، كنز العمال 9 : 139 / 25401 نقلاً عن الطبراني في معجمه.
7 ـ المغني 2 : 307 ، الشرح الكبير 2 : 304 ، بداية المجتهد 1 : 226.


(338)
بحيث لو جلس لكان مستقبلاً ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ـ وبه قال الشافعي ـ (1) لقول الصادق عليه السلام : « يستقبل بوجهه القبلة ، ويجعل باطن قدميه مما يلي القبلة » (2).
    وقال أبو حنيفة : يضجع على شقه الأيمن ووجهه إلى القبلة كما يفعل به في المدفن (3).

    مسألة 109 : ويستحب نقله إلى مصلاه إذا تعسر عليه خروج الروح ، لقول الصادق عليه السلام : « إذا عسر على الميت موته ونزعه قُرّب إلى المصلى الذي كان يصلّي فيه » (4).
    وأن يلقن الشهادتين ، وأسماء الائمة عليهم السلام ، قال الباقر عليه السلام : « لو أدركت عكرمة عند الموت لعلمته كلمات ينتفع بها » قلت : جعلت فداك وما تلك الكلمات ؟ قال : « هو ما أنتم عليه ، فلقنوا موتاكم عند الموت شهادة أن لا اله إلّا الله ، والولاية » (5) وقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : ( لقنوا موتاكم لا إله إلّا الله ، فإن من كان آخر كلامه لا إله إلّا الله دخل الجنّة ) (6).
    وقال الصادق عليه السلام : « اعتقل لسان رجل من أهل المدينة على عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله في مرضه الذي مات فيه ، فدخل عليه رسول الله صلّى الله عليه وآله فقال له : ( قل لا اله إلّا الله ) فلم يقدر عليه ،
1 ـ المجموع 5 : 116 ، فتح العزيز 5 : 106 ، الوجيز 1 : 72.
2 ـ الكافي 3 : 126 / 1 ، التهذيب 1 : 285 / 833.
3 ـ شرح فتح القدير 2 : 68 ، الهداية للمرغيناني 1 : 90 ، شرح العناية 2 : 67 ، اللباب 1 : 125 ، المجموع 5 : 116 ، فتح العزيز 5 : 106.
4 ـ الكافي 3 : 125 / 2 ، التهذيب 1 : 427 / 1356.
5 ـ الكافي 3 : 123 / 5 ، التهذيب 1 : 287 ـ 288 / 838.
6 ـ الفقيه 1 : 78 / 348 ، ثواب الأعمال : 232 / 1 ، أمالي الصدوق : 434 / 5 ، وموارد الظمآن : 184 ، الباب 9.


(339)
فأعاد [ عليه ] (1) رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فلم يقدر عليه ، وعند رأس الرجل امرأة فقال لها : ( هل لهذا الرجل اُمٌّ ؟ ) فقالت : نعم يا رسول الله أنا امه ، فقال لها : ( افراضية أنت عنه ، أم لا ؟ ) فقالت : بل ساخطة ، فقال صلّى الله عليه وآله : ( فإني احب أن ترضي عنه ) ، فقالت : قد رضيت عنه لرضاك يا رسول الله ، فقال له : ( قل لا إله إلّا الله ) ، فقال : لاإله إلّا الله ، فقال له (2) : ( قل يا من يقبل اليسير ويعفوا عن الكثير إقبل مني اليسير واعف عني الكثير إنك أنت العفو الغفور ) ، فقالها ، فقال له : ( ماذا ترى ؟ ) فقال : أرى أسودين قد دخلا علي ، فقال : ( أعدها ـ فأعادها ـ فقال : ما ترى ؟ ) قال : قد تباعدا عني ودخل الابيضان ، وخرج الاسودان فما أراهما ، ودنا الابيضان مني يأخذان بنفسي ، فمات من ساعته » (3).
    وينبغي أن يلقن كلمات الفرج ، قال الصادق عليه السلام : « إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله دخل على رجل من بني هاشم وهو في النزع فقال : ( قل لا إله إلّا الله الحليم الكريم ، لا إله إلّا الله العلي العظيم ، سبحان الله رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع ، وما فيهن وما بينهن ، وما تحتهن ، ورب العرش العظيم ، وسلام على المرسلين والحمد الله رب العالمين ) ، فقالها ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : ( الحمد لله الذي استنقذه من النار » (4).

    مسألة 110 : ويستحب أن يقرأ عنده القرآن ، قال الكاظم عليه السلام لابنه
1 ـ زيادة من المصدر.
2 ـ زياة من النسخة ( ش ).
3 ـ الفقيه 1 : 78 / 350.
4 ـ الكافي 3 : 124 / 9 ، الفقيه 1 : 77 / 346.


(340)
القاسم : قم يا بني واقرأ عند رأس أخيك « والصافات صفاً » حتى تستتمها فلما بلغ ( أهم أشد خلقاً أم من خلقنا ) (1) قضى الفتى ، فلما سجي وخرجوا أقبل عليه يعقوب بن جعفر فقال له : كنا نعهد الميت إذا نزل به يقرأ عنده ( يس ) فصرت تأمر بالصافات ، فقال : « يا بني لم تقرأ عند مكروب من موت قط إلّا عجل الله راحته » (2).
    وقال الشافعي وأحمد : يقرأ ( يس ) (3) ، وقال بعض التابعين : يقرأ سورة الرعد (4). وكل ذلك حسن ، وكما يستحب قراء‌ة القرآن قبل خروج الروح ، فكذا يستحب بعده استدفاعاً عنه.
    ويكره أن يقبض على شيء من أعضائه إنّ حركها ، ولا يمنع منه ، ولا يظهر الجزع عليه ، لئلا تضعف نفسه فتكون إعانة على موته ، ويكره أن يحضره جنب ، أو حائض لقول الصادق عليه السلام : « لا تحضر الحائض الميت ، ولا الجنب عند التلقين ، ولا بأس أن يليا غسله » (5) وقال علي بن أبي حمزة للكاظم عليه السلام : المرأة تقعد عند رأس المريض ـ وهي حائض ـ في حدّ الموت ؟ فقال : « لا بأس أن تمرضه ، وإذا خافوا عليه وقرب ذلك فلتنح عنه وعن قربه ، فإن الملائكة تتأذى بذلك » (6).

    مسألة 111 : ويستحب أن يفعل بالميت بعد وفاته سبعة أشياء :
    الأول : إغماض عينيه ، قالت زينب بنت ام سلمة : ولي رسول الله
1 ـ الصافات : 11.
2 ـ الكافي 3 : 126 / 5 ، التهذيب 1 : 427 / 1358.
3 ـ الوجيز 1 : 72 ، المجموع 5 : 115 ، فتح العزيز 5 : 110 ، مغني المحتاج 1 : 330 ، المغني 2 : 306 ، الشرح الكبير 2 : 304 ، المحرر في الفقه 1 : 182.
4 ـ المجموع 5 : 116 ، فتح العزيز 5 : 110 ، سبل السلام 2 : 537.
5 ـ التهذيب 1 : 428 / 1362.
6 ـ الكافي 3 : 138 / 1.


(341)
صلى الله عليه وآله أبي حين مات ، وولي إغماض عينيه ، وقال : ( إنّ الروح إذا خرجت تبعها البصر ) (1).
    ولما مات إسماعيل ، والصادق أبوه عليه السلام عنده ، شد لحييه وغمضه ، وغطى عليه الملحفة (2).
    ولأنّ فتح عينيه يقبح منظره ، ويحذر معه دخول الهوام إليها ، ولأنّه يكون مشبهاً بالنائم بعد الاغماض.
    الثاني : شد لحييه بعصابة عريضة ، لئلا تسترخي لحياه ، وينفتح فوه ، وتدخل الهوام إلى جوفه ، ويقبح بذلك منظره ، ولحديث الصادق عيه السلام (3).
    الثالث : تليين مفاصله ، فإن ذلك إبقاء للينها فيرد ذراعيه إلى عضديه ويمدهما ، ويرد فخذيه إلى بطنه ويمدهما ، ورجليه إلى فخذيه ويمدهما ، فإن ذلك يعين الغاسل على تمديده وتكفينه.
    الرابع : تجريد ثيابه ، فإنه لا يؤمن معها الفساد ، فإنها تحمية.
    الخامس : وضعه على لوح أو سرير ، لأنّه إذا كان على الأرض سارع إليه الفساد ، ونالته الهوام.
    السادس : تغطيته بثوب لأنّه أستر له ، وسجّي رسول الله صلّى الله عليه
1 ـ صحيح مسلم 2 : 634 / 927 ، سنن ابن ماجة 1 : 467 / 1454.
2 ـ التهذيب 1 : 289 / 842.
3 ـ التهذيب 1 : 289 / 842.


(342)
وآله بثوب حبرة (1) (2) ، وغطى الصادق عليه السلام ابنه اسماعيل بملحفة (3).
    السابع : مد يديه إلى جنبيه وساقيه إنّ كانتا منقبضتين ، لأنّه أطوع للغاسل.

    مسألة 112 : ويسرج عنده ـ إنّ مات ليلاً ـ مصباح إلى الصباح ، لأنّ الباقر عليه السلام لما قبض أمر الصادق عليه السلام بالسراج في البيت الذي يسكنه ، حتى قبض أبو عبد الله عليه السلام ، ثم أمر الكاظم عليه السلام بمثل ذلك في بيت أبي عبد الله عليه السلام (4).
    وينبغي أن يكون عنده من يذكر الله سبحانه ولا يترك وحده ، لقول الصادق عليه السلام : « ليس من ميّت يموت ويترك وحده إلّا لعب الشيطان في جوفه » (5).

    مسألة 113 : المشهور عند علمائنا كراهة ترك حديد أو غيره على بطن الميت (6).
    قال الشيخ : سمعناه مذاكرة (7) ، ولأنّه أمر شرعي يقف على النقل ، ولم يوجد ، وقال أبو علي بن الجنيد : يضع على بطنه شيئاً ، يمنع من
1 ـ الحِبَرة : بكسر الحاء المهملة وفتح الباء الموحدة ، ثوب يصنع باليمن من قطن او كتان مجمع البحرين 3 : 256 « حبر ».
2 ـ صحيح مسلم 2 : 651 / 942 ، صحيح البخاري 7 : 190 ، مسند أحمد 6 : 153 و 269 ، سنن ابي داود 3 : 191 / 3120.
3 ـ التهذيب 1 : 289 / 842.
4 ـ الكافي 3 : 251 / 5 ، التهذيب 1 : 289 / 843 ، الفقيه 1 : 97 ـ 98 / 450.
5 ـ الكافي 3 : 138 / 1 ، التهذيب 1 : 290 / 844.
6 ـ منهم : ابن البراج في المهذب 1 : 54 ، أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : 236 ، والمحقق في شرائع الإسلام 1 : 36.
7 ـ التهذيب 1 : 290.


(343)
ربوها (1).
    وذهب الجمهور إلى وضع سيف ، أو مرآة ، أو حديدة على بطنه لئلا يعلو ، فإن لم يكن فطين مبلول (2).

    مسألة 114 : ويستحب تعجيل أمره مع تحقق موته بإجماع العلماء ، لقوله عليه السلام : ( لا ينبغي لجيفة المسلم أن تحبس بين ظهراني أهله ) (3).
    ومن طريق الخاصة قول رسول الله صلّى الله عليه وآله : ( كرامة الميت تعجيله ) (4) وقال عليه السلام : ( لا ألفين رجلاً منكم مات له ميّت ليلاً فانتظر به الصبح ، ولا رجلاً مات له ميّت فانتظر به الليل ، لا تنتظروا بموتاكم طلوع الشمس ولا غروبها ، عجلوا بهم إلى مضاجعهم رحمكم الله ) فقال الناس : وأنت يا رسول الله يرحمك الله (5).
    أمّا مع الاشتباه فلا يجوز التعجيل به حتى تظهر علامات الموت ، ويتحقق العلم به بالإجماع ، قال الصادق عليه السلام : « خمسة ينتظر بهم إلّا أن يتغيروا : الغريق ، والمبطون ، والمصعوق ، والمهدوم ، والمدخن » (6) وسئل عليه السلام كيف يستبرأ الغريق ؟ قال : « يترك ثلاثة أيام قبل أن يدفن ، إلّا أن يتغير فيغسل ويدفن » (7).
    تذنيب : المصلوب لا يُترك على خشبته أكثر من ثلاثة أيام ثم ينزل بعد
1 ـ حكاه عنه المحقق في المعتبر : 71.
2 ـ المجموع 5 : 120 و 123 ، فتح العزيز 5 : 114 ، الاُم 1 : 274 و 280 ، الوجيز 1 : 72 ، الإنصاف 2 : 466 ، المغني 2 : 308.
3 ـ سنن أبي داود 3 : 200 / 3159 ، سنن البيهقي 3 : 386 ـ 387.
4 ـ الفقيه 1 : 85 / 388.
5 ـ الفقيه 1 : 85 / 389.
6 ـ الكافي 3 : 210 / 5 ، التهذيب 1 : 337 ـ 338 / 988 ، الخصال : 300 / 74.
7 ـ التهذيب 1 : 338 / 990 ، وورد في الكافي 3 : 209 / 1 و 2 نحوه.


(344)
ذلك ويدفن ؛ لقول الصادق عليه السلام : « قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : لا تقروا المصلوب بعد ثلاثة أيام حتى ينزل ويدفن » (1).
    والميت فجأة كالمصعوق ، والخائف من الحرب ، أو السبع ، أو المتردي من جبل ينتظر به علامات الموت ، كاسترخاء رجليه ، وانفصال كفيه ، وميل أنفه ، وامتداد جلدة وجهه ، وانخساف صدغيه.

    مسألة 115 : يستحب إعلام المؤمنين بموته ليتوفروا على تشييعه ـ وبه قال أحمد (2) ـ لأنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله قال : ( لا يموت منكم أحد إلّا آذنوني به ) (3).
    وقال الصادق عليه السلام : « ينبغي لأولياء الميت أن يؤذنوا إخوان الميت بموته ، فيشهدون جنازته ، ويصلون عليه ، ويستغفرون له ، فيكتب لهم الاجر ، وللميت الاستغفار ، ويكتسب هو الاجر بما اكتسب لهم » (4).
    قال الشيخ في الخلاف : فأما النداء فلا أعرف فيه نصاً (5).
    وكره الشافعي النداء (6) ، وقال أبو حنيفة : لا بأس (7). وهو الوجه عندي.
1 ـ الكافي 3 : 216 / 3 ، التهذيب 1 : 335 / 981.
2 ـ المغني 2 : 310 ، الشرح الكبير 2 : 307 ، كشاف القناع 2 : 84 ، الإنصاف 2 : 467 ، المجموع 5 : 216.
3 ـ سنن النسائي 4 : 85 ، المستدرك للحكام 3 : 591. وفيهما ( إلّا آذنتموني به ).
4 ـ الكافي 3 : 166 / 1 ، التهذيب 1 : 452 / 1470 ، علل الشرائع : 301 ، باب 240.
5 ـ الخلاف 1 : 731 مسألة 561.
6 ـ المجموع 5 : 215 ـ 216.
7 ـ شرح فتح القدير 2 : 89 ، شرح العناية 2 : 90 ، المجموع 5 : 216.


(345)
    المطلب الثاني : الغسل.
    وفيه مباحث :
    الأول : في الكيفية.

    مسألة 116 : غسل الميت المسلم ، وتكفينه ، والصلاة عليه ، ودفنه من فروض الكفايات ، بإجماع العلماء ، فإن أعرابياً سقط عن بعيره فوقص (1) فمات ، فقال النبيّ صلّى الله عليه وآله : ( اغسلوه بماء وسدر ) (2).
    فيحرم أخذ الاُجرة على الواجب في هذه الاحوال ، لا على المستحب ، ولا يجب على المسلمين بذل ماءً التغسيل ، وثياب التكفين.
    وفي غسله ثواب عظيم ، قال الصادق عليه السلام : « من غسّل ميتاً فستر وكتم ، خرج من الذنوب كما ولدته امه » (3).

    مسألة 117 : إذا أراد غسله ينبغي أن يفضي به إلى مغتسله ، ويكون ما يلي رجليه منحدراً ، وما يلي رأسه مرتفعاً ، لئلا يجتمع الماء تحته ، ثم يوضع على لوح أو سرير ، لأنّه أحفظ لجسده من التلطخ ، مستقبل القبلة على هيئة الاحتضار. لقول الصادق عليه السلام وقد سئل عن غسل الميت قال : « يستقبل بباطن قدميه القبلة حتى يكون وجهه مستقبل القبلة » (4).
    وهل الاستقبال واجب ؟ فيه خلاف كالاحتضار.
    ويحفر لمصبّ الماء حفيرة يدخل فيها الماء ، فإن تعذر جاز أن يصب الماء إلى البالوعة.
1 ـ وقص الرجل : كسرت رقبته. الصحاح 3 : 1061 « وقص ».
2 ـ صحيح مسلم 2 : 865 / 1206 ، مسند أحمد 1 : 220 ـ 221 و 346 ، سنن البيهقي 3 : 390.
3 ـ الفقيه 1 : 86 / 395.
4 ـ الكافي 3 : 140 / 4 ، التهذيب 1 : 298 / 873.
تذكرة الفقهاء الجزء الأول ::: فهرس