تذكرة الفقهاء الجزء الأول ::: 346 ـ 360
(346)
    ويكره صبّه إلى الكنيف ، قال محمد بن الحسن الصفار : وكتبت إلى أبي محمد العسكري عليه السلام هل يغسل الميت وماؤه الذي يصب عليه يدخل إلى بئر كنيف ؟ فوقّع « يكون ذلك في بلاليع » (1).
    مسألة 118 : يستحب أن يغسل في بيت ـ وبه قال الشافعي ، وأحمد (2) ـ لأنّه أستر للميت ، وإن لم يكن ستر عليه بثوب ، كراهة للنظر إلى الميت ، لإمكان ان يكون فيه عيب كان يطلب كتمانه ، ولهذا نقول : ان الغاسل ينبغي له أن يكون ثقة صالحاً.
    ويستحب أن يكون تحت سقف ولا يكون تحت السماء ، قاله علماؤنا ، وبه قال أحمد (3).
    قالت عائشة : آتانا رسول الله صلّى الله عليه وآله ونحن نغسل ابنته ، فجعلنا بينها وبين السقف ستراً (4).
    وعن الصادق عليه السلام : « أن أباه كان يستحب أن يجعل بين الميت وبين السماء ستر » (5) يعني اذا غسل. ولعلّ الحكمة كراهة مقابلة السماء بعورته.
    مسألة 119 : يستحب تجريد الميت من قميصه ، بأن يفتق جيبه ، وينزع من تحته لئلا يكون فيه نجاسة تلطخ أعالي بدنه ، فإن هذه الحال مظنة النجاسة ، إذ المريض من شأنه ذلك ، خصوصاً عند الموت ، وتستر عورته بمئزر.
1 ـ الكافي 3 : 150 / 3 ، التهذيب 1 : 431 / 1378.
2 ـ المجموع 5 : 159 ، المغني 2 : 316 ، الشرح الكبير 2 : 317.
3 ـ المغني 2 : 316 ، الشرح الكبير 2 : 317.
4 ـ المغني 2 : 316 ، الشرح الكبير 2 : 317.
5 ـ التهذيب 1 : 432 / 1380.


(347)
    واستحب تجريده ابن سيرين ، ومالك ، وأبو حنيفة ، وأحمد في إحدى الروايتين (1) لأنّ تجريده أمكن لتغسيله وأبلغ في تطهيره ، ولأن الحيّ إذا اغتسل تجرد فالميت أولى ، ولأنّه إذا غسل في ثوبه ينجس الثوب بما يخرج ، وقد لا يطهر بصب الماء عليه فيتنجس الميت به.
    وقال الشافعي : يستحب أن يغسل في قميص خلق رقيق ، ينزل الماء فيه ولا يمنع الوصول إلى بدنه ، ويدخل يده في الكمين فيدلك ظاهر بدنه ، ويصب الماء من فوق القميص ، وإن كان ضيّق الكم خرق رأس التخاريص (2) حتى يتمكن من الغُسل والدلك ، وإن كان القميص ضيقاً رده وطرح على عورته ما يسترها ـ وهو رواية عن أحمد (3) ـ لأنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم غسل في قميصه وقد أرادوا خلعه ، فنودوا أن لا تخلعوه واستروا نبيكم (4) ، ويحتمل أن يكون من خواصه للامن في طرفه من تلويث الثوب وتعذر ذلك في غيره.
    على أنّه قد روي من طرقنا الغُسل في القميص ، قال الصادق عليه السلام : « إنّ استطعت أن يكون عليه قميص تغسل من تحت القميص » (5) ، وعن العبد الصالح عليه السلام : « لا يغسل إلّا في قميص يدخل رجل يده
1 ـ المجموع 5 : 161 ، المبسوط للسرخسي 2 : 58 ، اللباب 1 : 126 ، بُلغة السالك 1 : 195 ، بداية المجتهد 1 : 230 ، الشرح الصغير 1 : 195 ، الكفاية وشرح العناية 2 : 71 ، المغني 2 : 314 ، الشرح الكبير 2 : 315 ، فتح العزيز 5 : 116 ، الوجيز 1 : 72 ـ 73 ، شرح فتح القدير 2 : 71.
2 ـ التخريص واحد التخاريص ، وهو ما يوصل به الثوب ليوسعه. تاج العروس 4 : 393 « خرص ».
3 ـ المجموع 5 : 161 ، فتح العزيز 5 : 116 ـ 117 ، الوجيز 1 : 72 ـ 73 ، شرح فتح القدير 2 : 71 ، بداية المجتهد 1 : 230 ، الاُم 1 : 265 ، المغني 2 : 314 ، الشرح الكبير 2 : 315 ـ 316.
4 ـ سنن ابن ماجة 1 : 417 / 1466 ، سنن البيهقي 3 : 387 ، المستدرك للحاكم 1 : 354.
5 ـ التهذيب 1 : 446 / 1443.


(348)
ويصب عليه من فوقه » (1) ، والجمع الامن وعدمه.

فروع :
    أ ـ قال الشيخ في الخلاف : يستحب غسله عرياناً مستور العورة ، إمّا بقميصه ، أو ينزع عنه القميص ، ويترك على عورته خرقة. استدل على التخيير بإجماع الفرقة عملهم (2).
    ومعنى قوله : بقميصه ، أن يخرج يديه من القميص ، ويجذبه منحدراً إلى سرته ، ويجمعه على عورته ، ويجرد ساقيه ، فيصير كالعاري لرواية يونس (3) عنهم عليهم السلام.
    ب ـ الأقرب عدم وجوب ستر عورة الصبي الذي يجوز للنساء تغسيله مجرداً ـ وبه قال أحمد (4) ـ لأنّ جواز نظر المرأة يدل على جواز نظر الرجل.
    ج ـ العورة التي يحرم النظر إليها هي القُبل والدبر ، ويكره ما بين السرة والركبة ، والجمهور على الثاني (5) ، لقول النبيّ صلّى الله عليه وآله لعلي عليه السلام : ( لا تنظر إلى فخذ حي ولا ميّت ) (6).
    د ـ لو كان الغاسل أعمى ، أو وثق من نفسه بكف البصر عن العورة ، ولو غلطاً لم يجب الستر ، لأنّ فائدته منع الإبصار ، فإذا انتفت غايته انتفى ،
1 ـ التهذيب 1 : 446 / 1444 ، الاستبصار 1 : 208 / 731.
2 ـ الخلاف 1 : 692 مسألة 469.
3 ـ الكافي 3 : 141 / 5 ، التهذيب 1 : 301 / 877.
4 ـ المغني 2 : 316 ، الشرح الكبير 2 : 313 ، الإنصاف 2 : 485.
5 ـ المجموع 3 : 169 ، فتح العزيز 5 : 117 ، المغني 2 : 315 ، الشرح الكبير 2 : 315.
6 ـ سنن ابي داود 3 : 196 / 3140 ، سنن ابن ماجة 1 : 469 / 1460 ، سنن الدارقطني 1 : 225 / 4 سنن البيهقي 3 : 388.


(349)
لكن يستحب تحفظاً من الغير والغلط.

    مسألة 120 : ويستحب أن يلين أصابعه برفق ، لأنّ انقباض كفه يمنع من الاستظهار على تطهيرها ، وإن تعسرت تركها ، لأنّه لا يؤمن انكسار أعضائه وتحصل المثلة ، وفي بعض رواياتنا يستحب تليين مفاصله (1) ـ وبه قال أحمد (2) ـ لأنّ ذلك يحصل به اللين ، فيكون أمكن للغاسل في تكفينه وتمديده وتغسيله ، قال : يستحب ذلك في موضعين : عند الموت قبل قسوتها ، وإذا أخذ في غسله (3).
    واستحب المزني معاودة التليين (4) ، قالت الشافعية : هذا لا يعرفه الشافعي لعدم الفائدة ، فإن الغالب أنّه لا تبقى لينة إلى هذا الوقت (5).
    أما بعد الغُسل فلا تليّن أصابعه ولا مفاصله لعدم الفائدة ، وحكى الشيخ عن الشافعي استحبابه (6).

    مسألة 121 : ويستحب للغاسل أن يلف على يده خرقة ينجيه بها ، وباقي جسده يغسله بلا خرقة عملاً بالأصل.
    وأوجب الشافعي وأحمد الخرقة في التنجية ، لأنّ النظر إلى العورة حرام. فاللمس (7) أولى (8) ، فإنّ النظر أخف ، ولهذا يتعلق تحريم
1 ـ الكافي 3 : 140 / 4 ، التهذيب 1 : 298 / 873.
2 ـ المغني 2 : 317 ، الشرح الكبير 2 : 322.
3 ـ المغني 2 : 318.
4 ـ مختصر المزني : 35 ، المجموع 5 : 176 ، فتح العزيز 5 : 122.
5 ـ المجموع 5 : 176 ، فتح العزيز 5 : 122.
6 ـ الخلاف 1 : 696 مسألة 480. واُنظر الاُم 1 : 280 ـ 281 ، والمجموع 5 : 176.
7 ـ في نسخة « م » : فالمس.
8 ـ المجموع 5 : 171 ـ 172 ، فتح العزيز 5 : 118 ـ 119 ، مغني المحتاج 1 : 333 ، الاُم 1 : 265 و 280 ، المغني 2 : 318 ، الشرح الكبير 2 : 319.


(350)
المصاهرة والظهار باللمس دون النظر ، ويمنع التحريم مع الحاجة.
    قال الشافعي : يعد خرقتين نظيفتين ، إحداهما على يده يغسل بها أسفله وينجّيه ، ثم يرمي بها ، ويأخذ الاُخرى فيغسل بها بقية بدنه ، قال : ولو غسل كلّ عضو منه بخرقة كان أولى ، ولو غسل الخرقة التي نجاه (1) بها ، ثم غسل بها (2) بدنه جاز (3).

    مسألة 122 : ويبدأ بغسل فرجه بماء السدر والحرض (4) ، لقول الصادق عليه السلام : « ثم ابدأ بفرجه بماء السدر والحرض ، فاغسله ثلاث غسلات » (5) وهذا على جهة الاستحباب.
    ويجب أن يبدأ بإزالة النجاسة عن بدنه إجماعاً ، لأنّ المراد تطهيره ، وإذا وجب إزالة الحكمية عنه فالعينية أولى ، ليكون (6) ماءً الغُسل طاهراً ، وفي رواية يونس عنهم عليهم السلام : « إمسح بطنه مسحاً رفيقاً ، فإن خرج منه شيء فانقه » (7).

    مسألة 123 : وتجب فيه النيّة على الغاسل ، قاله الشيخ (8) رحمه الله ، وهو أحد قولي الشافعي ، ومذهب أحمد ، لأنّه عبادة فتجب فيه النيّة ،
1 ـ وفي نسخة ( م ) : أنجاه.
2 ـ لم ترد في نسخة ( م ).
3 ـ المجموع 5 : 171 ، فتح العزيز 5 : 118.
4 ـ الحرض : بضمتين أو إسكان الراء وهو الاشنان بضم الهمزة. مجمع البحرين 4 : 200 ، الصحاح للجوهري 3 : 1070 « حرض ».
5 ـ الكافي 3 : 140 / 4 ، التهذيب 1 : 298 / 873.
6 ـ في نسخة ( ش ) : وليكن.
7 ـ الكافي 3 : 142 / 5 ، التهذيب 1 : 301 / 877.
8 ـ الخلاف 1 : 702 مسألة 492.


(351)
والثاني : لا تجب عملاً بالأصل (1) ، لأنّه تطهير من نجاسة الموت ، فهو إزالة نجاسة كغسل الثوب النجس.

    مسألة 124 : ويستحب أن يؤخذ من السدر شيء فيطرح في إجانة ويضرب ضرباً جيداً حتى يرغو ، فتؤخذ رغوته فتطرح في موضع نظيف ، ثم يغسل به رأسه وجسده ، روى معاوية بن عمار قال : أمرني الصادق عليه السلام أن أوضيه ثم أغسله بالاشنان ، وأغسل رأسه بالسدر ولحيته ، ثم افيض على جسده منه ، ثم أدلك به جسده (2) ، فإن تعذر السدر فالخطمي أو ما يقوم مقامه في تنظيف الرأس.

    مسألة 125 : فإذا فرغ شرع في غسله الواجب ، والمشهور عند علمائنا أنّه ثلاث مرات ، مرّة بماء السدر ، والثانية بماء فيه كافور ، والثالثة بالقراح ، لأنّ اُم عطية روت أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله قال في ابنته : ( ثم اغسليها ثلاثاً ، أو خمساً ، أو أكثر من ذلك بماء وسدر ، واجعلي في الأخيرة كافوراً أو شيئاً من الكافور ) (3).
    ومن طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام : « يغسل الميت ثلاث غسلات : مرّة بالسدر ، ومرة بالماء يطرح فيه الكافور ، ومرة اُخرى بالماء القراح » (4) والأمر للوجوب.
    وقال بعض علمائنا : الواجب مرّة واحدة بماء القراح ، والباقيتان
1 ـ المجموع 5 : 156 ، فتح العزيز 5 : 114 ، الوجيز 1 : 72 ، كفاية الأخيار 1 : 101 ، المغني 2 : 329 ، الشرح الكبير 2 : 319.
2 ـ التهذيب 1 : 303 / 882 ، الاستبصار 1 : 207 / 729.
3 ـ صحيح البخاري 2 : 93 و 94 و 95 ، صحيح مسلم 2 : 646 / 939 ، سنن ابي داود 3 : 197 / 3142 ، سنن النسائي 4 : 28 ، سنن الترمذي 3 : 315 / 990 ، الموطأ 1 : 222 / 2.
4 ـ الكافي 3 : 140 / 3 ، التهذيب 1 : 300 / 876.


(352)
مستحبتان (1) ـ وهو مذهب الجمهور (2) ـ لأنّه كغسل الجنابة ، وللأصل ، والأول أشهر وأحوط ، فتعين العمل به.

فروع :
    أ ـ السدر والكافور لا يبلغ بهما إلى سلب الاطلاق ، لصيرورة الماء مضافاً فلا يفيد التطهير ، بل ينبغي أن يكون في الماء قدر سبع ورقات من سدر.
    ب ـ يجب في كلّ غسلة الترتيب فيبدأ برأسه ، ثم بشقه الأيمن ، ثم بشقه الأيسر ، ذهب إليه علماؤنا ، لقول النبيّ صلّى الله عليه وآله ـ لما توفيت ابنته ـ للنساء : ( إبدأن بميامنها ) (3).
    وقول الصادق عليه السلام : « إذا أردت غسل الميت ـ إلى أن قال ـ : وتغسل رأسه ثلاث مرات بالسدر ، ثم سائر جسده ، وابدأ بشقه الأيمن ـ إلى أن قال ـ : فإذا فرغت من غسله فاغسله مرّة اُخرى بماء وكافور وشيء من حنوطه ، ثم اغسله بماء غسلة اُخرى » (4) ولقول الباقر عليه السلام : « غسل الميت مثل غسل الجنب » (5).
    وفي سقوط الترتيب لو غمس في الكثير إشكال.
    ج ـ يستحب أن يبدأ بغسل يديه قبل رأسه ، ثم يغسل رأسه ، يبدأ بشقه الأيمن ، ثم الأيسر ، ويغسل كلّ عضو منه في كلّ غسلة ثلاث مرات ، قاله
1 ـ حكاه المحقق في المعتبر : 71.
2 ـ المجموع 5 : 169 ، المغني 2 : 330 ، الشرح الكبير 2 : 321 ، مغني المحتاج 1 : 334 ، شرح فتح القدير 2 : 73 ، شرح العناية 2 : 74.
3 ـ صحيح البخاري 2 : 93 و 94 صحيح مسلم 2 : 648 / 939 ، سنن أبي داود 3 : 197 / 3145 ، سنن الترمذي 3 : 316 / 990.
4 ـ الكافي 3 : 139 / 1 ، التهذيب 1 : 299 ـ 300 / 874.
5 ـ التهذيب 1 : 447 / 1447 ، الاستبصار 1 : 208 ـ 209 / 732 ، الفقيه : 122 / 586.


(353)
علماؤنا ، لقول الصادق عليه السلام : « ثم تحول إلى رأسه ، فابدأ بشقه الأيمن من رأسه ولحيته ، ثم تثني بشقه الأيسر » (1) وروى التكرار يونس عن رجاله (2).
    د ـ إذا فرغ من غسل رأسه ، وضعه على جنبه الأيسر ليبدو له الأيمن ، فيغسله في كلّ غسلة من قرنه إلى قدمه ، ثم يضعه على جانبه الأيمن ليبدو له الأيسر ، فيغسل من قرنه إلى قدمه.
    هـ ـ لا ينبغي وضع السدر صحيحاً بل مطحوناً ، لأنّ المراد به التنظيف ، والمعد للتنظيف إنّما هو المطحون.
    و ـ لا يغسل أكثر من ثلاث مرات ، لأنّه أمر شرعي فيقف على النقل.
    وقال الشافعي ، وأحمد : الأفضل أن يغسل ثلاث مرات ، فإن لم يحصل الإنقاء غسل خمس مرات ، أو سبعاً ، وترا لا شفعا (3) ، لحديث اُم عطية (4) ، ولم يقدره مالك (5).
    ز ـ لو تعذر السدر أو الكافور أو هما ، ففي سقوط الغسلة بفقدهما نظر أقربه العدم ، لأنّ وجوب الغُسل الخالص يستلزم المطلق.
    ح ـ لو غير الترتيب فغسله أولاً بالقراح ، وثانياً بالسدر أو الكافور ، وثالثاً بالآخر ، فعلى قول سلّار (6) لا بحث ، وعلى قولنا يمكن الطهارة لحصول
1 ـ الكافي 3 : 140 / 4 ، التهذيب 1 : 298 ـ 299 / 873.
2 ـ كذا في الاصلين والصحيح : علي بن ابراهيم عن أبيه عن رجاله عن يونس عنهم عليهم السلام كما في الكافي 3 : 141 / 5 والتهذيب 1 : 301 / 877.
3 ـ المجموع 5 : 169 ، فتح العزيز 5 : 122 ، المغني 2 : 323 ـ 324 ، الشرح الكبير 2 : 321 ، الاُم 1 : 334 ، مغني المحتاج 1 : 334.
4 ـ صحيح البخاري 2 : 93 ـ 95 ، صحيح مسلم 2 : 646 / 939 ، سنن ابي داود 3 : 197 / 3142 ، سنن الترمذي 3 : 315 / 990 ، الموطأ 1 : 222 / 2 ، سنن النسائي 4 : 28.
5 ـ بداية المجتهد 1 : 230 ، الشرح الصغير 1 : 195 ، فتح العزيز 5 : 123 ، الاُم 1 : 264.
6 ـ راجع المعتبر : 71.


(354)
الانقاء المقصود من الغسلات ، والعدم لمخالفة الأمر.
    ط ـ الواجب عند أكثر علمائنا جعل السدر في الغسلة الاُولى خاصة ، والكافور في الثانية خاصة (1).
    وقال الشافعي : يجعل السدر في الاُولى استحباباً ، وهل يحصل بها التطهير ؟ عنده وجهان : المنع لتغيير الماء بالسدر ، والطهارة لأنّ المراد الإنقاء والتنظيف ، وهي أبلغ فيه ، فعلى الأول لا تحسب من الثلاث ، بل يستحب صب الماء القراح عليه بعدها ثلاثاً ، وفي وجه : تحتسب.
    وعلى تقدير عدم الاحتساب ففي احتساب الثانية بالقراح من الثلاث ، وجهان : العدم عند الأكثر لامتزاج الماء بما على المحل من السدر الذي في الغسلة الاُولى ، والمحسوب الغسلات بعد زوال السدر (2) ، وعندنا أن إطلاق الماء باق ، وقال أحمد : يجعل السدر في الثلاث (3).
    أما الكافور فعندنا أنّه في الثانية وجوبا ، وعند الشافعي وأحمد يستحب جعله في الثالثة (4) ، القول النبيّ صلّى اله عليه وآله لام عطية : ( واجعلي في الأخيرة كافوراً ) (5) ، ولأنّه يبرد ويطيب ريحه.
    ي ـ لو لم يجد السدر ففي تغسيله بما يقوم مقامه من الخطمي ونحوه
1 ـ منهم الشيخ الطوسي في النهاية : 32 والمبسوط 1 : 177 ، وابن حمزة في الوسيلة : 64 ، والمحقق في المعتبر : 71.
2 ـ المجموع 5 : 173 ـ 174 ، فتح العزيز 5 : 121 ـ 122.
3 ـ المغني 2 : 320 ، الشرح الكبير 2 : 320.
4 ـ المجموع 5 : 175 ، فتح العزيز 5 : 122 ـ 123 ، مغني المحتاج 1 : 334 ، المغني 2 : 323 ، الشرح الكبير 1 : 324.
5 ـ صحيح البخاري 2 : 93 ـ 95 ، صحيح مسلم 2 : 646 / 939 ، سنن أبي داود 3 : 197 / 3142 ، سنن الترمذي 3 : 315 / 990 ، الموطأ 1 : 222 / 2 ، سنن النسائي 4 : 28.


(355)
إشكال ـ قال به أحمد (1) ـ لحصول المقصود منه. ولعدم التنصيص.
    ولو غسله بذلك مع وجود السدر لم يجز.
    وقال أحمد : يجوز لأنّ المعنى ـ وهو التنظيف ـ موجود ، والحكم يتعدى في كلّ ما وجد فيه المعنى (2).
    ولو غسله بالقراح من غير سدر وكافور لم يجز أيضاً ، وهو يحصل التهطير ؟ إشكال.
    والغريق يغسل عندنا واجباً ، ويلزم سلار العدم ، وهو أحد قولي الشافعي ، وفي الآخر : [ لا يجزئ ) (3) لعدم النيّة (4).
    يا ـ لا فرق بين الرجل والمرأة ، والحر والعبد ، والصغير والكبير في الغسل.

    مسألة 126 : يستحب مسح بطنه في الغسلتين الأولتين قبلهما مسحاً رفيقاً ، لخروج ما لعله بقي مع الميت ، لاسترخاء الأعضاء ، وعدم القوة الماسكة ، وبقاؤه يؤدي إلى خروجه بعد الغُسل ، فيؤذي الكفن.
    أما الحامل فلا يمسح بطنها خوفاً من الإجهاض.
    ولا يمسح في الثالثة بإجماع علمائنا ، لأنّ المطلوب يحصل بالمرتين ، ورواية يونس (5) عنهم عليهم السلام ، فإنها تضمنت المسح في الثانية.
1 ـ المغني 2 : 321 ، الشرح الكبير 2 : 321.
2 ـ المغني 2 : 321 ، الشرح الكبير 2 : 321.
3 ـ ورد في نسختي ( ش ) و ( م ) : لا يجوز ، والصحيح ما أثبتناه.
4 ـ المجموع 5 : 145 ، فتح العزيز 5 : 114 ، مغني المحتاج 1 : 332.
5 ـ الكافي 3 : 141 / 5 ، التهذيب 1 : 301 / 877.


(356)
    وقال الشافعي ، وأحمد : يمسح في الثالثة أيضاً (1) ، قال الشافعي : ولا يمسح بعد الثالثة (2) ، لجواز أن يخرج منه شيء فيحتاج إلى غسله مرّة ثانية.

    مسألة 127 : إذا خرج من الميت شيء بعد غسله ثلاثاً فإن لم يكن ناقضاً غسل ، وإن كان أحد النواقض فلعلمائنا قولان : قال ابن أبي عقيل : يعاد الغُسل (3) ـ وبه قال ابن سيرين ، وإسحاق ، والشافعي في أحد أقواله (4) ـ إذ القصد في غسل الميت أن يكون خاتمة أمره الطهارة الكاملة.
    وظاهر كلام باقي علمائنا : غسل النجاسة حسب (5) ـ وهو أحد أقوال الشافعي ، والثوري ، ومالك ، وأبي حنيفة (6) ـ لأنّ خروج النجاسة من الحيّ بعد غسله لا يبطل ، كذلك الميت ، ولقول الصادق عليه السلام : « إن بدا منه شيء بعد غسله فاغسل الذي بدا منه ولا تُعيد الغُسل » (7).
    وقال أبو إسحاق من الشافعية : الواجب أن يوضّئه للصلاة ولا يعيد غسله كالحي (8).
1 ـ المجموع 5 : 175 ، فتح العزيز 5 : 123 ، المهذب للشيرازي 1 : 136 ، المغني 2 : 318 ، الشرح الكبير 2 : 318 ، المحرر في الفقه 1 : 185.
2 ـ اُنظر المهذب للشيرازي 1 : 136.
3 ـ حكاه المحقق في المعتبر : 73.
4 ـ المجموع 5 : 176 ، فتح العزيز 5 : 123 ، المغني 2 : 325.
5 ـ منهم الشيخ الطوسي في المبسوط 1 : 181 ، والمحقق في المعتبر : 73 ، وابن البراج في المهذب 1 : 59 ، ويحيى بن سعيد الحلّي في الجامع للشرائع : 51.
6 ـ المجموع 5 : 76 ، فتح العزيز 5 : 123 ، المغني 2 : 325 ، الشرح الكبير 2 : 326 ـ 327 ، اللباب 1 : 127.
7 ـ التهذيب 1 : 449 / 1456.
8 ـ المجموع 5 : 176 ، فتح العزيز 5 : 123.


(357)
البحث الثاني : في الغاسل
    مسألة 128 :
الأصل أن يغسل الرجالُ الرجالَ ، والنساءُ النساءَ ، وليس للرجل غسل المرأة إلّا بأحد أسباب :
    أحدها : الزوجية ، فللزوج غسل زوجته اختياراً عند أكثر علمائنا (1) ، ـ وبه قال عطاء ، وجابر بن زيد ، وسليمان بن بشار ، وأبوسلمة بن عبدالرحمن ، وعلقمة ، وقتادة ، وأبوالشعثا ، وحماد ، ومالك ، والشافعي ، وإسحاق ، وداود ، وزفر ، وأحمد في أصح الروايات عنه (2) ـ لأنّ فاطمة عليها السلام أوصت أن تغسلها أسماء بنت عميس ، وعلي عليه السلام ، فكان علي عليه السلام يصب الماء عليها (3) ، واشتهر ذلك في الصحابة ، ولم ينكره أحد ، فكان إجماعاً ، وسئل الصادق عليه السلام عن الرجل يخرج إلى السفر ومعه امرأته يغسلها ؟ قال : « نعم ، واُخته ، ونحو هذا ، ويلقي على عورتها خرقة » (4).
    وللشيخ قول أخر بالمنع ، إلّا مع عدم النساء من وراء الثياب (5) ، وبه
1 ـ منهم : الصدوق في المقنع : 20 ، والشيخ الطوسي في المبسوط 1 : 175 ، وابن البراج في شرح جمل العلم والعمل : 154 ، وأبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : 237 ، وسلار في المراسم : 50 ، والمحقق في شرائع الإسلام 1 : 37 ، ويحيى بن سعيد الحلّي في الجامع للشرائع : 50.
2 ـ المجموع 5 : 149 ، فتح العزيز 5 : 124 ، الوجيز 1 : 73 ، الاُم 1 : 273 ، سبل السلام 2 : 550 و 551 ، المبسوط للسرخسي 2 : 71 ، شرح فتح القدير 2 : 76 ، المغني 2 : 394 ، الشرح الكبير 2 : 311 ، القوانين الفقهية : 92.
3 ـ سنن البيهقي 3 : 396 ، سنن الدارقطني 2 : 79 / 12 ، كشف الغمة 1 : 500 ، دعائم الإسلام 1 : 228.
4 ـ الكافي 3 : 158 / 8 ، التهذيب 1 : 439 / 1418 ، الاستبصار 1 : 199 / 699 ، الفقيه 1 : 94 / 433.
5 ـ التهذيب 1 : 439 ذيل الحديث 1420 ، الاستبصار 1 : 199 ، ذيل الحديث 701.


(358)
قال أبو حنيفة ، والثوري ، والأوزاعي ، وأبو يوسف (1) ، ومحمد ، وأحمد في رواية ، لأنّ الموت فرقة تبيح الاُخت ، والرابعة سواها ، فحرمت اللمس والنظر ، كما لو طلقها قبل الدخول (2).
    وقياسهم باطل ، لأنّه يمنع الزوجة من النظر إلى الزوج ، وهنا بخلافه.

فروع :
    أ ـ لو طلقها ثم ماتت ، فإن كان رجعياً حلّ له تغسيلها ، لبقاء حكم الزوجية ، ولهذا تعتد للوفاة ويتوارثان ـ وروى المزني على الشافعي التحريم (3) ـ وإن كان بائناً لم يجز.
    ب ـ لا فرق بين الزوجة الحرة والامة ، والمكاتبة والمستولدة.
    ج‍ ـ لو ماتت زوجة غير مدخول بها جاز له غسلها ، كالمدخول بها ، فإن المتقضي ـ وهو الزوجية ـ مشترك ، وقال بعض الجمهور : لا يجوز للفرقة وليس بينهما من الاستمتاع ما تصير به في معنى الزوجية (4) ، وهو غلط.
    د ـ لو كانت ذمية لم يجز له غسلها ، لأنّ المسلم لا يغسل الكافر.
    السبب الثاني : الملك ، فيجوز للسيد غسل أمته ، ومدبرته ، وام ولده ـ وبه قال الشافعي (5) ـ لأنّهن في معنى الزوجة في اللمس والنظر
1 ـ في نسخة ( م ) : وأبو ثور ، ولم نجد لهما ذكراً بحدود المصادر المتوفرة عندنا.
2 ـ المجموع 5 : 150 ، فتح العزيز 5 : 124 ، شرح فتح القدير 2 : 76 ، المبسوط للسرخسي 2 : 71 ، بداية المجتهد 1 : 228 ، الوجيز 1 : 73 ، المغني 2 : 394 ، الشرح الكبير 2 : 311.
3 ـ مختصر المزني : 36.
4 ـ المغني 2 : 395 ، الشرح الكبير 2 : 312.
5 ـ المجموع 5 : 153 ، فتح العزيز 5 : 125 ، الوجيز 1 : 73 ، مغني المحتاج 1 : 334.


(359)
والاستمتاع ، فكذلك في الغُسل ، ويلزمه النفقة عليها بحكم الملك ، فكان له تغسيلها كالحرة ، وقال أبو حنيفة : لا يجوز ، لأنّ له أن يطأ اختها في هذه الحال فأشبهت الاجنبية (1).

فروع :
    أ ـ الأقوى أن المكاتبة كالأجنبية ، لتحريمها على المولى بعقد الكتابة ، سواء كانت مطلقة أو مشروطة.
    ب ـ لو كانت الامة مزوجة أو معتدة لم يكن للسيد تغسيلها.
    ج ـ لو انعتق بعضها فكالحرة ، أما المولى منها من الزوجات والاماء ، أو المظاهر منها ، فإنهن كالزوجات ، والمرتدة كالزوجة يغسلها الزوج.
    السبب الثالث : المحرمية ، وللرجل أن يغسل من ذوي أرحامه محارمه من وراء الثياب عند عدم الزوج والنساء ، نعني بالمحارم من لا يجوز للرجل نكاح واحدة منهن نسباً أو رضاعاً ، كالبنت والاُخت ، والعمة والخالة ، وبنت الاخ وبنت الاُخت ، ذهب إليه علماؤنا ، لتسويغ النظر إليهن في الحياة. ومنع الجمهور ذلك (2) ، وكلام الشافعية يعطي الجواز ـ وبه قال مالك ، ومحمد (3) ـ عند الضرورة (4).
1 ـ شرح فتح القدير 2 : 76 ، المبسوط للسرخسي 2 : 71 ، المجموع 5 : 153 ، فتح العزيز 5 : 125.
2 ـ المجموع 5 : 151 ، المغني 2 : 396 ، الشرح الكبير 2 : 313 ، الحجة على أهل المدينة 1 : 358 ، المنتقى للباجي 2 : 5.
3 ـ في نسخة ( م ) : أحمد. وما أثبتناه من ( ش ) هو الصحيح وكما في المصادر ، اُنظر المغني 2 : 396 والشرح الكبير 2 : 313.
4 ـ المجموع 5 : 151 ، فتح العزيز 5 : 128 ، مغني المحتاج 1 : 335 ، الوجيز 1 : 73 ، المغني 2 : 396 ، الشرح الكبير 2 : 313 ، المدونة الكبرى 1 : 186 ، القوانين الفقهية : 91.


(360)
    وأما من ليس من المحارم من ذوي الأرحام ، كبنت العم ، وبنت الخال ، فإنهن كالاجنبيات.

    مسألة 129 : لو ماتت امرأة وليس هنالك إلّا الأجنبي ، قال علماؤنا : تدفن بثيابها ، ولا يغسلها الأجنبي ، ولا ييممها ، لتحريم النظر واللمس في حال الحياة ، فكذا الموت ، ولقول الصادق عليه السلام في الرجل يموت في السفر في أرض ليس معه إلّا النساء قال : « يدفن ولا يغسل ، والمرأة تكون مع الرجال في تلك المنزلة تدفن ولا تغسل » (1).
    وللشافعي وجهان ، أحدهما : أنهم يغسلونها في ثيابها ، ويلف الغاسل خرقة على يده ، ويغض الطرف إلّا لضرورة ، وأظهرهما : أنها لا تغسل ولكن تيمم (2).
    وفقد الغاسل كفقد الماء ، وبهذا قال مالك ، وأبو حنيفة (3) ، وعن أحمد روايتان كالوجهين (4).
    وقد روى أصحابنا أنهم يغسلون منها محاسنها : يديها ، ووجهها ، لأنّها مواضع التيمم (5) ، قال الشيخ : والمنع أحوط (6). وروي عن الباقر عليه
1 ـ الكافي 3 : 158 / 7 ، التهذيب 1 : 438 / 1414 ، الاستبصار 1 : 197 / 693.
2 ـ المجموع 5 : 141 ، فتح العزيز 5 : 126 ، الوجيز 1 : 73 ، مغني المحتاج 1 : 335 ، الشرح الكبير 2 : 314.
3 ـ المجموع 5 : 151 ، فتح العزيز 5 : 126 ، المدونة الكبرى 1 : 186 ، شرح فتح القدير 2 : 71 و 76.
4 ـ المغني 2 : 396 ، الشرح الكبير 2 : 314 ، المجموع 5 : 151 ، فتح العزيز 5 : 126.
5 ـ الكافي 3 : 159 / 13 ، الفقيه 1 : 95 / 438 ، التهذيب 1 : 442 / 1429 ، الاستبصار 1 : 202 / 714.
6 ـ المبسوط للطوسي 1 : 175.
تذكرة الفقهاء الجزء الأول ::: فهرس