تذكرة الفقهاء الجزء الأول ::: 361 ـ 375
(361)
السلام : « يصبون عليها الماء صباً من وراء الثياب » (1) واستحبّه الشيخ في كتابي الأخبار جمعاً بينهما (2) ، وروي أنهم يغسلون مواضع الوضوء (3).

    مسألة 130 : لو كان مع الرجال الاجانب نساء كافرات ، قال علماؤنا : يأمر الرجال المسلمون امرأة من الكفار بالاغتسال ـ إمّا تعبدا ، أو لزوال النجاسة الطارئة ـ ثم يعلمها تغسيل المسلمات ، فتغسلها ، لقول الصادق عليه السلام عن المرأة المسلمة تموت وليس معها امرأة مسلمة ، ولا رجل مسلم من ذوي قرابتها ، ومعها نصرانية ورجال مسلمون ، قال : « تغتسل النصرانية ، ثم تغسلها » (4) وبه قال مكحول مع ذوي أرحامها أيضاً (5) ، وغسلت امرأة علقمة امرأة نصرانية (6) ، ومنع أكثر الجمهور من ذلك ، لأنّه عبادة فلا تصح من الكافر ، بل ييممها الرجال (7).

    مسألة 131 : ولا يغسل الرجل إلّا رجل ، أو زوجته ، ذهب إليه العلماء كافة ـ إلّا رواية عن أحمد (8) ـ قالت عائشة : لو استقبلنا من أمرنا ما استدبرناه ما غسل رسول الله صلّى الله عليه وآله غير نسائه (9). ووصّى أبو
1 ـ التهذيب 1 : 442 / 1427 ، الاستبصار 1 : 202 / 712.
2 ـ التهذيب 1 : 442 ذيل الحديث 1427 ، الاستبصار 1 : 202 ذيل الحديث 712.
3 ـ التهذيب 1 : 443 / 1430 ، الاستبصار 1 : 203 / 715.
4 ـ الكافي 3 : 159 / 12 ، الفقيه 1 : 95 / 440 ، التهذيب 1 : 340 ـ 341 / 997.
5 ـ المغني 2 : 397.
6 ـ المغني 2 : 397.
7 ـ المغني 2 : 397 ، الشرح الكبير 2 : 313 ، المجموع 5 : 141 ، فتح العزيز 5 : 126 ، المبسوط للسرخسي 2 : 72.
8 ـ الشرح الكبير 2 : 311 ، المجموع 5 : 132 و 149 ، فتح العزيز 5 : 124.
9 ـ سنن البيهقي 3 : 387 ، سنن ابي داود 3 : 197 / 3141 ، سنن ابن ماجة 1 : 470 / 1464 ، مسند أحمد 6 : 267.


(362)
بكر أن تغسله زوجته أسماء بنت عميس (1) ، ولقول الصادق عليه السلام عن الرجل يصلح أن ينظر إلى امرأته حين تموت ، أو يغسلها إن لم يكن عندها من يغسلها ، وعن المرأة هل لها مثل ذلك من زوجها حين يموت : « لا بأس ، إنّما يفعل ذلك أهل المرأة ، كراهة أن ينظر زوجها إلى شيء يكرهونه » (2).

فروع :
    أ ـ قال في النهاية : تغسله هي أو غيرها من محارمه مع عدم الرجال من وراء الثياب ولا يجردنه (3). وأطلق في غيرها (4) ، وهو الوجه ، والروايات المانعة (5) محمولة على الاستحباب ، وكذا ما روي من اشتراط تغسيلها إياه من وراء الثياب (6).
    ب ـ لو طلق رجعيا ثم مات جاز لها أن تغسله ـ وروى المزني عن الشافعي المنع (7) ـ ولو كان بائنا لم يجز.
    ج ـ يجوز لام ولده أن تغسله ـ وهو أحد وجهي الشافعي (8) ـ لأنّها لو ماتت غسلها فأشبهت الزوجين ، وأوصى زين العابدين عليه السلام أن تغسله
1 ـ مصنف ابن ابي شيء بة 3 : 249 ، سنن البيهقي 3 : 397.
2 ـ الكافي 3 : 157 / 2 ، الفقيه 1 : 86 / 401 ، التهذيب 1 : 439 / 1417 ، الاستبصار 1 : 198 / 698.
3 ـ النهاية : 42.
4 ـ الخلاف 1 : 699 مسألة 486.
5 ـ التهذيب 1 : 440 / 1421 ، الاستبصار 1 : 199 / 702.
6 ـ الكافي 3 : 157 / 4 ، التهذيب 439 / 1416 ، الاستبصار 1 : 197 / 695.
7 ـ اُنظر مختصر المزني : 36.
8 ـ المجموع 5 : 137 و 146 ، فتح العزيز 5 : 126.


(363)
اُم ولد إذا مات ، فغسلته (1).
    وقال أبو حنيفة : لا يجوز ، وهو الوجه الآخر للشافعي ، لأنّها عتقت بموت فصارت كالأجنبية (2) ، والعتق بالموت لا يمنع الغُسل كالفرقة به ، وقد ناقض أبو حنيفة بأنها معتدة منه (3) كما أن الزوجة معتدة منه.
    د ـ لو لم تكن الامة اُم ولد احتمل أنها كام الولد ، والمنع لانتقال الملك إلى غيره ، ولم يكن بينهما من الاستمتاع ما تصير به في معنى الزوجات ، وكذا لو طلقها قبل الدخول.
    هـ ـ لو كانت الزوجة كافرة ، لم يكن لها غسل زوجها إلّا مع عدم المحارم ، ومنع بعض الجمهور مطلقاًً ، لوجوب النيّة ، وليس الكافر من أهلها (4).
    و ـ لو تعذّر المسلم والزوجة ، جاز أن يغسله بعض محارمه من وراء الثياب ، لقول الصادق عليه السلام : « إذا مات الرجل مع النساء ، غسلته امرأته ، فإن لم تكن امرأته ، غسلته أولاهن به وتلف على يدها خرقة » (5) وقال عليه السلام في الرجل يموت وليس عنده من يغسله إلّا النساء ، هل تغسله النساء ؟ قال : « تغسله امرأته أو ذات محرمه ، ويصب عليه الماء صبا من فوق الثياب » (6).
1 ـ التهذيب 1 : 444 / 1437 ، الاستبصار 1 : 200 / 704.
2 ـ المبسوط للسرخسي 2 : 70 ، شرح فتح القدير 2 : 76 ، المجموع 5 : 137 ـ 138 و 153 ، فتح العزيز 5 : 126 ، المغني 2 : 395 ، الشرح الكبير 2 : 312.
3 ـ اللباب 3 : 82 ، بدائع الصنائع 3 : 201.
4 ـ المجموع 5 : 145 ، المغني 2 : 395.
5 ـ التهذيب 1 : 444 / 1436 ، الاستبصار 1 : 198 / 696.
6 ـ الكافي 3 : 157 / 4 التهذيب 1 : 439 / 1416 ، الاستبصار 1 : 197 ـ 198 / 695.


(364)
    ز ـ لو مات ولا مسلم هناك ولا ذات رحم ، فإن كان هناك كافر ، أمر بعض النساء المسلمات رجلاً كافراً بالاغتسال ، وعلّمنه غسل أهل الإسلام ، ثم يغسله كذلك ، لقول الصادق عليه السلام في مسلم مات وليس معه رجل مسلم ، ولا امرأة مسلمة من ذوي قرابته ، ومعه رجال نصارى ونساء مسلمات ، قال : « يغتسل النصارى ثم يغسلونه فقد اضطر » (1) ومنع الجمهور من ذلك (2).
    وإن لم يكن معه أحد من الكفار ، قال علماؤنا : يدفن من غير غسل ، ولا تيمم ، لأنّ النظر إليه حرام ، وبه قال الاوزاعي (3).
    وللشافعي وجهان ، أحدهما : ييمَّم ولا يغسل ـ وبه قال مالك ، وأبو حنيفة ـ لأنّ في غسله النظر إلى من ليس له بمحرم (4) ، والثاني : يغسّل من فوق الثوب ويصب الماء من تحته ، ويمر الغاسل يده عليه وعلى يده خرقة ، وبه قال النخعي (5) ، وعن أحمد روايتان كالوجهين (6).
    ح ـ لو غسله الكافر لتعذر المسلم وذات الرحم ، أو غسلت الكافرة المسلمة ، ثم وجد مسلم أو مسلمة ، فالوجه إعادة الغُسل ما لم يدفن ، لأنّه ساغ للضرورة وقد زالت ، ولم تحصل الطهارة.
    ط ـ لو كان الميت خنثى مشكلاً ، فإن كان صغيراً ، فللرجال والنساء
1 ـ الكافي 3 : 159 / 12 ، التهذيب 1 : 340 / 997.
2 ـ المغني 2 : 397 ، فتح العزيز 5 : 114 ، بُلغة السالك 1 : 194.
3 ـ المجموع 5 : 152.
4 ـ الشرح الصغير 1 : 194 ، المبسوط للسرخسي 2 : 71 ، المجموع 5 : 141 ، فتح العزيز 5 : 126 ، المغني 2 : 396 ، الشرح الكبير 2 : 314.
5 ـ المجموع 5 : 141 ، فتح العزيز 5 : 126.
6 ـ المغني 2 : 396 ، الشرح الكبير 2 : 314.


(365)
غسله ، وإن كان كبيراً ، فإن كان له ذو رحم محرم من الرجال أو النساء غسله ، وإن لم يكن فالوجه دفنه من غير غسل.
    وللشافعي وجهان ، أحدهما : ييمَّم ـ وبه قال أبو حنيفة (1) ـ والثاني : يُغَسَّل (2). ومن يُغَسِّل ؟ للشافعية وجوه :
    أ ـ يشترى من تركته جارية تغسله ، فإن لم تكن تركة فمن بيت المال ، وهو خطأ لأنّتفاء الملك عنه ، إذ الميت لا يملك شيئاً ، ولا استصحاب هنا.
    ب ـ هو في حق الرجال كالمرأة ، وفي حق النساء كالرجل.
    ج ـ الأظهر أنّه يجوز للرجال والنساء غسله استصحاباً لما كان في الصغر ، وهو خطأ لأنّتفاء المقتضي في الصغر وهو انتفاء الشهوة (3).

    مسألة 132 : إذا ازدحم جماعة يصلحون للغسل ، فإن كان الميت رجلاً فأولاهم به أولاهم بالميراث ، ولو كان هناك رجال أباعد ومحارم من النساء ، جاز لهن تولي غسله ـ قاله في المبسوط (4) ـ فإن لم يكن محارم فكالأجنبيات.
    وقال الشافعي : يترتبون في الغُسل كالصلاة ، الاب ثم الجد ، ثم الابن ، [ ثم ابن الابن ) (5) ثم الاخ ، ثم ابنه ، ثم العم ، ثم ابنه (6) ، وهل تقدم زوجته على هؤلاء ؟ له وجهان : التقدم لأنّ لها النظر إلى عورته
1 ـ المجموع 5 : 148 ، فتح العزيز 5 : 126 ، المغني 2 : 396 ، الشرح الكبير 2 : 314.
2 ـ المجموع 5 : 148 ، فتح العزيز 5 : 126 ، الوجيز 1 : 73.
3 ـ المجموع 5 : 148 ، فتح العزيز 5 : 127 ، الوجيز 1 : 73.
4 ـ المبسوط للطوسي 1 : 174 ـ 175.
5 ـ الزيادة من المصدر.
6 ـ المجموع 5 : 130 ، فتح العزيز 5 : 128 ، الوجيز 1 : 73.


(366)
بخلاف القرابات ، فكانت أولى (1).
    وإن كان الميت امرأة ، فالزوج عندنا أولى من كلّ أحد في جميع أحكامها من الغُسل وغيره ، سواء كان الغير رجلاً أو امرأة قريباً أو بعيداً.
    وللشافعي في أولوية الزوج على النساء والقرابات من الرجال وجهان : التقديم ، لأنّه ينظر إلى ما لا ينظرون إليه ، وأظهرهما : تقديمهن عليه ، لأنّ الاُنثى أليق بالأنّثى.
    وتقديمه على الرجال الأقارب لأنّهم جميعاً ذكور ، وهو ينظر إلى ما لا ينظرون إليه ، ووجه تقديمهم أن النكاح ينتهي بالموت ، وسبب المحرمية باقٍ (2).
    وإن لم يكن هناك زوجة ولا رجل ، فإن كان لها فيهن رحم محرم ـ بمعنى أنّه لو كان رجلاً لم يحل له نكاحها كأمها وجدتها وبنتها ـ فهي أولى من كلّ أحد ، ويترتبن ترتب الارث ، فإن كان فيهن ذات رحم لا محرم كبنت العمة فهي أولى من الاجنبيات.
    وإن كان هناك رجال بلا نساء ، فإن كان لها فيهم محرم ، فهو أولى ، وإن لم يكن محرم فكالأجنبي ، فإن اجتمع رجال ونساء من القرابات فالنساء أولى ، لأنّهن أعرف وأوسع في باب النظر إليهن.
    وجميع ما ذكرناه من التقديم مشروط بالاسلام ، فالكافر كالمعدوم ، حتى يقدم المسلم الأجنبي على القريب المشرك ، ولو سلم من له التقدمه الغُسل لغيره ، فله القيام به بشرط اتحاد الجنس.

    مسألة 133 : لا يغسل الرجل أجنبية ، ولا المرأة أجنبياً ، وهو قول أكثر
1 ـ المجموع 5 : 130 ، فتح العزيز 5 : 128.
2 ـ المجموع 5 : 135 ، فتح العزيز 5 : 128 ، الوجيز 1 : 73.


(367)
العلماء ـ وبه قال سعيد بن المسيب ، والنخعي ، وحماد ، ومالك ، وأصحاب الرأي ، وابن المنذر ، والشافعي في أحد الوجهين ، وأحمد في إحدى الروايتين لتحريم النظر ، وفي الاُخرى : يغسل من فوق القميص (1) ، وهو قول الحسن ، ومكحول ، والشافعي في الآخر (2) وقد تقدم.

    مسألة 134 : أجمع العلماء على أن للنساء غسل الطفل مجرداً من ثيابه وإن كان أجنبياً ، اختياراً واضطراراً ، لأنّ المرأة تربيه ولا تنفك عن الاطلاع على عورته لكن اختلفوا في تقديره ، فلعلمائنا قولان ، قال الشيخ : تغسل ابن ثلاث سنين (3) ، وهو أولى ، لقول أبي عبد الله عليه السلام وقد قيل له : حدثني عن الصبي إلى كم تغسله النساء ؟ فقال : « إلى ثلاث سنين » (4) ولأنّه وفاق.
    وقال المفيد وسلار : يغسل ابن خمس سنين مجردا ، وإن كان أكبر صبت الماء عليه صبا (5).
    وقال الحسن : إذا كان فطيماً أو فوقه. وقال الأوزاعي : ابن أربع أو خمس. وقال أصحاب الرأي : الذي لم يتكلم (6) ، وقال أحمد : دون سبع سنين ، لأنّه لا عورة له (7).
1 ـ بُلغة السالك 1 : 194 ، المجموع 5 : 151 ، فتح العزيز 5 : 126 ، بداية المجتهد 1 : 227 ـ 228 ، الشرح الكبير 2 : 314 ، الإنصاف 2 : 483.
2 ـ المجموع 5 : 151 ، فتح العزيز 5 : 126 ، المغني 2 : 396 ، الشرح الكبير 2 : 314 ، الإنصاف 2 : 483.
3 ـ المبسوط للطوسي 1 : 176.
4 ـ الكافي 3 : 160 / 1 ، الفقيه 1 : 94 / 431 ، التهذيب 1 : 341 / 998.
5 ـ المقنعة : 13 ، المراسم : 50.
6 ـ المجموع 5 : 152 ، الشرح الكبير 2 : 313 ، المغني 2 : 396.
7 ـ الإنصاف 2 : 481 ، المغني 2 : 396 ، الشرح الكبير 2 : 313.


(368)
    مسألة 135 : وكذا للرجل غسل الصبية إجماعاً منّا ، لكن اختلف علماؤنا ، فالشيخان جوّزا بنت ثلاث سنين مجردة ، فإن كانت أكبر غسلوها في ثيابها (1) ، وقال الصدوق : إنّ كانت بنت خمس سنين تدفن ولا تغسل ، وإن كانت أقل غسلت (2) ، لرواية محمد بن يحيى (3) ، وهي مرسلة ، والأول أقرب كالصبي.
    وقال الثوري : تغسل المرأة الصبي ، والرجل الصبية ، وغسل أبو قلابة بنتاً له ، وسوغه الحسن ، وكرهه أحمد ، والزهري (4).

    مسألة 136 : الصبي إذا غسل الميت ، فإن كان مميزاً فالوجه الجواز ، لأنّه تصح طهارته ، فصح أن يطهر غيره كالكبير ، ويحتمل المنع ، لأنّه ليس من أهل التكليف ، ويصح أن يغسل المحرم الحلال وبالعكس ، لأنّ كلّ واحد منهما تصح طهارته وغسله ، فكان له أن يطهر غيره.

البحث الثالث : المحل.
    مسألة 137 :
يجب غسل كلّ مسلم للأمر به ، ولا يجب تغسيل الكافر ، ذمياً كان أو حربياً ، مرتداً كان أو أصلياً ، قريباً كان أو بعيداً ، ولا يجوز ذلك ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ـ وبه قال مالك ، وأحمد في رواية (5) ـ لأنّتفاء التطهير عنه ، ولأنّه لا يُصَلّى عليه ، ولا يدعى له ، فلم يكن له (6) غسله.
1 ـ المبسوط للطوسي 1 : 176 ، المقنعة : 13.
2 ـ المقنع : 19.
3 ـ الفقيه 1 : 94 / 432.
4 ـ المغني 2 : 379 ، الشرح الكبير 2 : 314.
5 ـ بُلغة السالك 1 : 194 ، بداية المجتهد 1 : 227 ، المغني 2 : 397 ، الشرح الكبير 2 : 315 ، المجموع 5 : 153.
6 ـ الضمير في ( له ) يقصد به الغاسل.


(369)
    وقال الشافعي : يجوز له غسل قريبه الكافر ـ وهو رواية عن أحمد (1) ـ لأنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله أمر علياً عليه السلام بمواراة أبيه (2) ، ولأن غسله من المعروف ، فيدخل تحت قوله : ( وصاحبهما في الدنيا معروف ) (3) والجواب أن أبا طالب مات مسلماً ، وقد اشتهر النقل بذلك (4) ، والغسل من اُمور الآخرة.

فروع :
    أ ـ لو ماتت الذمّيّة تحت المسلم لن يغسلها ، وقال الشافعي : له أن يغسلها لأنّ النكاح كالقرابة (5).
    ب ـ أولاد المشركين يجرون مجرى آبائهم في عدم التغسيل ، كما أن أولاد المسلمين كآبائهم في وجوبه.
    ج ـ قال المفيد : لا يجوز لأحد من أهل الايمان أن يغسل مخالفاً في الولاية ، ولا يصلّي عليه ، إلّا أن تدعوه ضرورة فيغسله غسل أهل الخلاف (6).
    د ـ ولد الزنا يغسل ، وبه قال الشيخ (7) ، ومن قال من أصحابنا بكفره (8)
1 ـ المجموع 5 : 142 ، الاُم 1 : 266 ، المهذب 1 : 135 ، المغني 2 : 397 ، الشرح الكبير 2 : 315 ، بداية المجتهد 1 : 227.
2 ـ سنن النسائي 4 : 79 ، مسند أحمد 1 : 97 و 103 و 131 ، سنن ابي داود 3 : 214 / 3214 ، سنن البيهقي 3 : 398 ، مصنف ابن ابي شيء بة 3 : 347.
3 ـ سورة لقمان : 15.
4 ـ شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد 14 : 71 ، السيرة النبوية لزيني دحلأنّ 1 : 43 ـ 49 ، تاريخ ابن كثير 2 : 123 ، خزانة الأدب للبغدادي 2 : 76.
5 ـ المجموع 5 : 144.
6 ـ المقنعة : 13.
7 ـ المبسوط للطوسي 1 : 182.
8 ـ هو ابن إدريس في السرائر : 81 و 183 و 241 و 287.


(370)
منع من غسله.

    مسألة 138 : ويجب تغسيل أموات المسلمين من الكبار والصغار ، حتى السقط إذا استكمل أربعة أشهر ـ وبه قال سعيد بن المسيب ، وابن سيرين ، واسحاق ، وأحمد (1) ـ لأنّه مات بعد حياته فيجب غسله ، لما روى الجمهور أن الملائكة غسلت آدم عليه السلام ، وقالوا لولده : هذه سنة موتاكم (2).
    ومن طريق الخاصة ما رواه أحمد بن محمد عمن ذكره ، قال : إذا اتم للسقط أربعة أشهر غسل (3).
    وقال أبو حنيفة ، ومالك : يدرج في خرقة ويدفن إلّا أن يستهل لأنّه لم يثبت له حكم الحياة ، ولا يرث ولا يورث ، والإرث منتف لعدم العلم بحياته حال موت مورثه (4) ، وللشافعي كالمذهبين (5).

فروع :
    أ ـ لو كان للسقط أقل من أربعة أشهر لم يغسل ولم يكفن ولم يصل عليه ، ولف في خرقة ودفن ، وهو مذهب العلماء كافة ، إلّا ابن سيرين فإنه قال : يُصَلّى عليه (6).
1 ـ المغني 2 : 393 ، الشرح الكبير 2 : 333.
2 ـ مسند أحمد 5 : 136.
3 ـ التهذيب 1 : 328 / 960.
4 ـ المغني 2 : 393 ، الشرح الكبير 2 : 333 ، بدائع الصنائع 1 : 302 ، الشرح الصغير 1 : 193.
5 ـ المجموع 5 : 255 ، المغني 2 : 393 ، الشرح الكبير 2 : 333.
6 ـ المغني 2 : 394 ، الشرح الكبير 2 : 333.


(371)
    ب ـ لو وجد ميّت لا يعلم أمسلم هو أم كافر ، نظر إلى العلامات كالختان ، فإن لم تكن عليه علامة ، وكان في دار الإسلام غسل وصلي عليه ، وإلّا فلا.
    ج ـ صدر الميت كالميت في أحكامه كلها ، وفي وجوب تحنيطه إشكال ينشأ من اختصاصه بالمساجد ، ومن الحكم بالمساواة.
    وغير الصدر ، إن كان فيه عظم ، غسل ، ولف في خرقة ، ودفن ، قال سلار : ويحنط (1) ـ وهو حسن (2) إن كان أحد المساجد وجوباً ، وإلّا فلا ـ وإلّا لفّ من غير غسل ودفن.
    د ـ لو ابينت قطعة من حي وفيها عظم ، قيل : تدفن من غير غسل ، لأنّها من جملة لا تغسل (3) ونمنع التعليل ، لأنّ القطعة ميتة ، وكل ميّت يغسل ، والجملة تغسل لو ماتت.

    مسألة 139 : الشهيد إذا مات في المعركة لا يغسل ولا يكفن ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ، وبه قال أهل العلم إلّا الحسن ، وسعيد بن المسيب ، فإنهما أوجبا غسله ، لأنّه ما مات ميّت إلّا جنب (4). وفعل النبيّ صلّى الله عليه وآله أحق بالاتباع ، وقد أمر بدفن شهداء احد ، وقال : ( زملوهم بدمائهم فإنهم يحشرون يوم القيمة وأوداجهم تشخب دما ، اللون لون الدم ، والريح ريح المسك ) (5) وقال الصادق عليه السلام : « الذي يقتل في سبيل الله يدفن في
1 ـ المراسم : 46.
2 ـ في نسخة ( ش ) : حق.
3 ـ قال به المحقق في المعتبر : 86.
4 ـ المجموع 5 : 264 ، المبسوط للسرخسي 2 : 49 ، بداية المجتهد 1 : 227 ، الكفاية 2 : 104 ، المغني 2 : 398 ، الشرح الكبير 2 : 328 ، سبل السلام 2 : 548.
5 ـ مسند أحمد 5 : 431 ، سنن النسائي 4 : 78 ، سنن البيهقي 4 : 11 و 9 : 164 ـ 165 و 170 ، الجامع الصغير للسيوطي 2 : 30 / 4563.


(372)
ثيابه ولا يغسل إلّا أن يدركه المسلمون وبه رمق ، ثم يموت بعد ، فإنه يغسل ويكفن ويحنط ، إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله كفن حمزة في ثيابه ولم يغسله ، ولكنه صلّى عليه » (1).

فروع :
    أ ـ لو كان الشهيد جنباً ، قال الشيخ : لم يغسل (2) ، وبه قال مالك (3) ، لعموم الخبر في الشهداء (4) ، وقال ابن الجنيد والمرتضى : يغسل (5) ، وبه قال أبو حنيفة وأحمد (8) ، وللشافعي كالمذهبين (7) ، لأنّ حنظلة بن الراهب قتل يوم احد (8) ، فقال النبيّ صلّى الله عليه وآله : ( ما شأن حنظلة ، فإني رأيت الملائكة تغسله ) فقالوا : إنّه جامع ثم سمع الهيعة (9) فخرج إلى القتال (10).
1 ـ الكافي 3 : 212 / 5 ، التهذيب 1 : 332 / 973.
2 ـ المبسوط للطوسي 1 : 182.
3 ـ المغني 2 : 399 ، الشرح الكبير 2 : 329 ، بُلغة السالك 1 : 204 ، فتح العزيز 5 : 157.
4 ـ سنن النسائي 4 : 78 ، مسند أحمد 5 : 431 ، الجامع الصغير 2 : 30 / 4563.
5 ـ حكى قولهما المحقق في المعتبر : 84.
6 ـ المغني 2 : 399 ، الشرح الكبير 2 : 329 ، المبسوط للسرخسي 2 : 57 ، فتح العزيز 5 : 157 ، الهداية للمرغيناني 1 : 94 ، اللباب 1 : 134.
7 ـ المجموع 5 : 263 ، فتح العزيز 5 : 157 ، الوجيز 1 : 76 ، المغني 2 : 399 ، الشرح الكبير 2 : 329.
8 ـ احد : جبل من جبال المدينة على بعد ميلين أو ثلاثة منها ، واتفقت غزوة احد فيها ، وذلك في سنة ثلاث من الهجرة لسبع خلون من شوال وقيل للنصف منه ، وكانت راية رسول الله صلّى الله عليه وآله بيد أمير المؤمنين علي عليه السلام ، واختص بحسن البلاء فيها والصبر وثبوت القدم ، عندما زلت من غيره الاقدام. راجع السيرة النبوية لابن هشام 3 : 64 ، السيرة الحلبية 2 : 216 ، المغازي للواقدي 1 : 199 ، تاريخ الطبري 2 : 499 ، الإرشاد للمفيد : 43.
9 ـ الهيعة والهائعة : الصوت تفزع منه وتخافه من عدو. القاموس المحيط 3 : 101 « هيع ».
10 ـ المستدرك الحاكم 3 : 204 ، سنن البيهقي 4 : 15 ، اسد الغابة 2 : 59 ، الاصابة 1 : 361 ، السيرة النبوية لابن هشام 3 : 79.


(373)
    ب ـ لو طهرت المرأة من حيض ، أو نفاس ، ثم استشهدت لم تغسل للعموم (1). وقال أحمد : تغسل كالجنب ، ولو قتلت في الحيض ، أو النفاس ، سقط الغُسل عنده ، لأنّ الطُهر منهما شرط فيه (2).
    ج‍ ـ المرأة كالرجل ، والعبد كالحر ، والصبي كالبالغ وإن كان رضيعا ـ وبه قال الشافعي ، وأبو يوسف ، ومحمد ، وأحمد ، وأبو ثور ، وابن المنذر (3) ـ لأنّه مسلم قتل في معركة والمشركين فكان كالبالغ ، ولأنّه كان في قتلى احد وبدر (4) أطفال كحارثة بن النعمان ، وعمر بن أبي وقاص ، ولم ينقل أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله غسلهم ، وفي يوم الطف (5) قتل ولد رضيع للحسين عليه السلام ولم يغسله ، وقال أبو حنيفة : لا يثبت حكم الشهادة
1 ـ مسند أحمد 5 : 431 ، سنن النسائي 4 : 78 ، سنن البيهقي 4 : 11 و 9 : 164 ـ 165 و 170 ، الجامع الصغير 2 : 30 / 4563 ، الكافي 3 : 210 ـ 212 / 1 ـ 5 ، الفقيه 1 : 97 / 446 و 447 ، التهذيب 1 : 330 / 967 ، الاستبصار 1 : 213 ـ 214 / 753.
2 ـ المغني 2 : 399 ، الشرح الكبير 2 : 329.
3 ـ المجموع 5 : 266 ، المغني 2 : 400 ، الشرح الكبير 2 : 330 ، المبسوط للسرخسي 2 : 54 ، شرح العناية 2 : 107.
4 ـ بدر : اسم بئر كانت لرجل يدعى بدراً ، وفيها دارت رحى أول حرب خاضها المسلمون ، وذلك في شهر رمضان يوم تسعة عشر أو سبعة عشر منه ، على رأس تسعة عشر شهراً من هجرته صلّى الله عليه وآله. السيرة النبوية لابن كثير 2 : 380 ، السيرة النبوية لابن هشام 2 : 257 ، تاريخ الطبري 2 : 421 ، الإرشاد للمفيد : 38.
5 ـ يوم الطف : هو عاشر محرم الحرام من سنة احدى وستين يوم استشهاد سيد الشهداء الامام الحسين عليه السلام على يد الاراذل الامويين من الشجرة الملعونة. كشف الغمة 2 : 45 ، مناقب ابن شهر آشوب 4 : 84 ، ترجمة الامام الحسين عليه السلام من تاريخ ابن عساكر : 165 ، تاريخ الطبري 5 : 400 ، اعلام الورى : 220 ، الكامل في التاريخ 4 : 46 ، الاحتجاج : 301 ، مقتل الحسين للخوارزمي 2 : 32.


(374)
لغير البالغ ، لأنّه ليس من أهل القتال (1). ويبطل بالمرأة.
    د ـ شرط الشيخان في سقوط غسل الشهيد ، أن يقتل بين يدي إمام عادل في نصرته ، أو من نصبّه (2).
    ويحتمل اشتراط تسويغ القتال ، فقد يجب القتال ، وإن لم يكن الامام موجودا ، لقولهم عليهم السلام : « إغسل كلّ الموتى إلّا من قتل بين الصفين » (3).
    هـ ـ كلّ مقتول في غير المعركة يغسل ، ويكفن ، ويحنط ، ويُصلّى عليه ، وإن قتل ظلما ، أو دون ماله ، أو نفسه ، أو أهله ، ذهب إليه علماونا أجمع ـ وبه قال الحسن ، ومالك ، والشافعي ، وأحمد في رواية (4) ـ لقول الصادق عليه السلام : « إغسل كلّ الموتى ، إلّا من قتل بين الصفين » (5).
    وقال الشعبي ، والأوزاعي ، وإسحاق ، وأحمد في رواية : لا يغسل (6) ، لقول النبيّ صلّى الله عليه وآله : ( من قتل دون ماله فهو شهيد ) (7).
    و ـ النفساء تغسل ، وتكفن ، ويُصلّى عليها ، وهو مذهب العلماء
1 ـ المبسوط للسرخسي 2 : 54 ، شرح العناية 2 : 107 ، المجموع 5 : 266 ، المغني 2 : 400.
2 ـ المقنعة : 12 ، المبسوط للطوسي 1 : 181.
3 ـ الكافي 3 : 213 / 7 ، التهذيب 1 : 330 / 967 ، الاستبصار 1 : 213 / 753 ، والرواية فيها موقوفة.
4 ـ المغني 2 : 403 ، الشرح الكبير 2 : 332 ، بُلغة السالك 1 : 204 ، المجموع 5 : 368 ، فتح العزيز 5 : 154.
5 ـ الكافي 3 : 213 / 7 ، التهذيب 1 : 330 / 967 ، الاستبصار 1 : 213 / 753 والرواية فيها موقوفة.
6 ـ المغني 2 : 403 ، الشرح الكبير 2 : 332.
7 ـ صحيح البخاري 3 : 179 ، صحيح مسلم 1 : 124 ـ 125 / 226 ، سنن النسائي 7 : 116 ، سنن ابن ماجة 2 : 861 / 2580 ، سنن ابي داود 4 : 246 / 4772 ، سنن الترمذي 4 : 28 ـ 30 / 1418 ـ 1421 ، مسند أحمد 1 : 187 و 189 و 190 ، الفقيه 4 : 272 / 828.


(375)
كافة ، إلّا الحسن قال : لا يُصَلّى عليها لأنّها شهيدة (1) ، وفعل النبيّ صلّى الله عليه وآله بخلافه ، فإنه صلّى على امرأة ماتت في نفاسها (2) وتسميتها شهيدة للمبالغة في عظم ثوابها.
    ز ـ المطعون والمبطون والغريق ، والمهدوم عليه يغسلون بالإجماع ، وتسميتهم شهداء باعتبار الفضيلة.
    ح ـ لا فرق في الشهيد بين من قتل بالحديد ، والخشب ، والصدم ، واللطم باليد أو الرجل ، عملاً بإطلاق اللفظ.
    ط ـ لو عاد عليه سلاحه فقتله ، فهو كالمقتول بأيدي العدو ، لأنّه قتل بين الصفين ، وقال رجل من أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وآله : أغرنا على حي من جهينة ، فطلب رجل من المسلمين رجلاً منهم فضربه فأخطأ فأصاب نفسه بالسيف ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : ( أخوكم يا معشر المسلمين ) فابتدر الناس ، فوجدوه قد مات ، فلفه رسول الله صلّى الله عليه وآله بثيابه ، ودمائه ، وصلّى عليه ، فقالوا : يا رسول الله أشهيد هو ؟ قال : ( نعم ، وأنا له شهيد ) (3).
    ي ـ لو وجد غريقاً أو محترقاً في حال القتال ، أو ميتاً لا أثر فيه ، قال الشيخ : لا يغسل (4) ـ وبه قال الشافعي (5) ـ لاحتمال أنّه مات بسبب من أسباب القتال.
1 ـ المغني 2 : 403.
2 ـ صحيح البخاري 2 : 111 ، صحيح مسلم 2 : 664 / 964 ، سنن أبي داود 3 : 209 / 3195 مسند أحمد 5 : 19 ، سنن النسائي 4 : 72.
3 ـ سنن ابي داود 3 : 21 / 2539.
4 ـ المبسوط للطوسي 1 : 182.
5 ـ المجموع 5 : 267 ، فتح العزيز 5 : 152.
تذكرة الفقهاء الجزء الأول ::: فهرس