حياة الشيخ الطوسي ::: 1 ـ 10

الشيخ الطُوسي مفسراً
خضير جعفر


الاهداء
الى الذي كان خلقه القران ...
الى الرسول القائد ...
محمد بن عبداللّه (ص) اهدي هذا الجهد المتواضع ...



(7)
المقدمة
بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمدللّه رب العالمين ، والصلاة والسلام على رسوله الامين وعلى اله الطيبين الطاهرين.
    و بـعـد : فقد كان القران الكريم ولايزال موضع احترام المسلمين وتقديسهم ، فمنه يستمدون اسس اعتقاداتهم ، ويستلهمون من اياته ماتصلح به امور دينهم ودنياهم ، وينهلون من فيضه قيمهم وافكارهم ومـعـايـيـر سلوكهم ، فنشات العلاقة بين القران والانسان المسلم على هذا الاساس ، وظلت تتعمق الصلات بينهما وتتجذر الاواصر بتناسب طردي مع وعي الانسان والتزامه .
    ولقد استطاع القران الكريم ان يقفز بالمؤمنين به قفزات عملاقة على صعيد الفكروالسلوك والبناء الحضاري والمحتوى الداخلي للانسان ، وبالتالي فقد جعل منهم امة وسطاشاهدة على الخلق ، ونصب من العاملين به خلفاء للّه على ارضه وحججا على عباده.
    وارتـبط المسلمون بهذا الدستور الالهي ايما ارتباط ، ومنحوه من العناية والاهتمام ماوسعتهم الحيلة واسـعفهم الجهد والا مكان ، ولذلك انصبت جهود العلماء على اكتشاف خزائن عطائه وكنوز خيراته مـن خـلال تـوضـيـح مـعانيه واستنطاق اياته واستجلاء حقائقه وتبيان مفاهيمه ، وتنافسوا في ذلك مـسـتفرغين الوسع ، فتشعبت مذاهبهم واتحفوا المكتبة


(8)
الاسلامية بما لاحصر له من التفاسير التي سـتـبقى ـ رغم ما فيها من جوانب مشرقة ـ قاصرة عن ادراك كنه المعجزة الالهية واسرار النص القراني .
    وقـدحظي القران الكريم باهتمام المسلمين جميعا بمختلف مذاهبهم وطرائقهم ، اذانبرى له من كل مـذهـب جمع من خيرة العلماء والمتخصصين لدراسته والغوص في بحارمفاهيمه ومعانيه ، وقدكان لـلـشـيعة الامامية شرف المساهمة في استجلاء معاني النص القراني ، حيث تطوع جمع من علمائهم على مر العصور المتعاقبة لتفسير القران الكريم ، وتوضيح اياته واستنباط احكامه وتشريعاته.
    وقـدشهد القرن الخامس الهجري ولادة كتاب يحتوي على تفسير جميع القران ، ويشتمل على فنون معانيه (1) لواحد من اكبر علماء عصره هو الشيخ الطوسي ـ زعيم المذهب الامامي انذاك ـ الذي استطاع ان يقوم بعملية تطوير واضحة المعالم في المنهج التفسيري الذي تبناه في تبيانه.
    وقـد تـصـديـت بعد التوكل على اللّه تعالى لخوض غمار دراسة حول الشيخ الطوسي ومنهجه في الـتـفـسـيـر ، فـكانت رسالتي الموسومة الطوسي مفسرا جهدا متواضعا على شواطئ بحر العظمة الـقـرانية التي غاص في عباب رحمتها الشيخ الطوسي ، ليحمل من لالئها مايزين بها تبيانه ، ويتقلدها وسـام فخر يغالب الزمن ، وتنقشه ريشة الخلود عطاء ثرا وسفرا خالداوشجرة مباركة تؤتي اكلها كل حين ذكرا حسنا وثناء جميلا.
    ولعل بواعث اختياري لهذا الموضوع هي ما يلي :
    1 ـ كون تفسير التبيان اول محاولة تفسيرية كاملة عند الشيعة الامامية.
    2 ـ كون الشيخ الطوسي ، فقيها مجتهدا استطاع ان يتعامل مع النص القراني بذهنية اسلامية ذات طابع شـمـولي لاحاطة المفسر باكثر جوانب العلوم والثقافة الاسلامية فضلاعن كونه مؤسسا للحوزة العلمية في النجف الاشرف ، والتي اصبحت فيما بعد من اهم واكبرالجامعات في العالم الاسلامي.
1 ـ انظر التبيان ، ج 1 ، ص 1.

(9)
    3 ـ سـلـك الـمـفـسر في تفسيره منهجا ثنائي الاتجاه جمع فيه منهج التفسير بالراي الى جانب منهج الـتـفـسير بالاثر ، وبهذا يكون الشيخ الطوسي قداقام التفسير على دعامتي العقل والنقل بعد ان كان مستندا الى دعامة النقل وحدها.
    4 ـ استطاع الشيخ الطوسي من خلال تطرقه الى الابواب المتعددة في تفسيره ، ان يحفظتراثا فكريا وثقافيا ولغويا ضخما سواء عند مناقشته لاراء اصحاب المذاهب الاسلامية اواراء النحاة واللغويين فيمايذهبون اليه.
    5 ـ كـان الـشيخ الطوسي يتحلى بروح موضوعية عالية ونزعة علمية نزيهة ، ويظهر ذلك جليا من خلال سرده لاراء من يختلف معهم من علماء المدارس الاسلامية واصحاب المذاهب والمقالات وذلك اثناء مناقشته لهم وردوده عليهم بعيدا عن كل تعصب ذميم اوتحجر ممقوت ، حيث كان يقبل من اراء الاخـرين ما يراه صحيحا ، بينما يرفض او يضعف مالاينسجم والمنهج العلمي الذي امن به ، وان كان مـن المرويات المنسوبة الى ائمة اهل البيت (ع) وبهذا يكون الطوسي عالما باحثا عن الحقيقة مؤمنا بها رافضا لما سواها بغض النظر عن كل اعتبار اخر.
    ولـهـذا فقد جاءت دراستي هذه محاولة مني للكشف عن جوانب العظمة في شخصية الشيخ الطوسي واثاره العظيمة التي يشكل التبيان احد دعائمها.
    وقدتناولت في هذه الدراسة ثلاثة ابواب وخاتمة :
    فـفـي الـبـاب الاول تحدثت بفصلين عن حياة الشيخ الطوسي وبيئته وعصره مبينا ثقافته وهجراته ومـراحـل دراسته وشيوخه وتلاميذه وتاليفه شارحا بالتفصيل الظروف السياسية والفتن الطائفية التي عصفت به في بغداد ومن ثم هجرته الى مدينة النجف الاشرف وانشاءه لمدرسته الجديدة فيها.
    وفي الباب الثاني قسمت الحديث الى فصول اربعة :
    الـفـصل الاول ، اجملت فيه البحث حول نشاة التفسير وتطور مناهجه ، ثم اردفته بوصف مجمل عن التبيان.
    امـا الفصل الثاني ، فقد تكلمت فيه عن الجانب العقلي في التبيان ، وبينت منهج المفسر


(10)
واراءه وطريقته فـي الـتـعـامل مع النص القراني بوحي من العقل والراي المقبول موضحامناقشته لاراء المفسرين ، واصحاب المذاهب من المعتزلة والمشبهة والمجسمة والمفوضة وغيرهم.
    وفي الفصل الثالث ، تناولت الجانب الاثري في التبيان موضحا تفسيره للقران بالقران وتفسيره للقران بالسنة ، وطريقة استخدام الشيخ الطوسي للسياق والنظم بين الايات في فهم النصوص القرانية.
    امـا الـفـصل الرابع ، فقد تكلمت فيه بشي ء من التفصيل عن الجانب اللغوي في التبيان موضحا طريقة استخدام المفسر للغة والاعراب والقراءة والشعر والامثال في استيضاح المعنى المراد بيانه.
    وفي الباب الثالث تطرقت بفصلين مستقلين عن علوم القران وعقائد الامامية على التوالي :
    فـفـي الـفـصـل الاول تعرضت لموقف الشيخ الطوسي من علوم القران كالناسخ والمنسوخ ‌والتاويل واسباب النزول والمحكم والمتشابه وايات الاحكام.
    اما الفصل الثاني من هذا الباب فقد افردته للحديث عن عقائد الامامية ، وتطرقت فيه الى اصول الدين :
    الـتـوحيد والعدل والنبوة والامامة والمعاد ، وما يتفرع من مسائل كالتقية والعصمة والصفات وخلق القران وافعال العباد والحسن والقبح والمتعة وغيرها.
    وبهذا حاولت الكشف عن المنهج التفسيري للشيخ الطوسي مستعينا باللّه تعالي ومستمدا منه القوة ، اذ لاحول لي ولاقوة بسواه ، واللّه اسال ان يهدينا سبل الرشاد ، ويوفقنا للعلم والعمل بكتاب اللّه ، انه نعم المولى ونعم النصير ، والحمدللّه رب العالمين.
حياة الشيخ الطوسي ::: فهرس