حياة الشيخ الطوسي ::: 51 ـ 60
(51)
مايستحقه من الدرس والبحث والتوسعة والاسـتـقـصـاء ، ولذلك كثف جهوده في هذا المجال ، وظل ملازما لحلقات التدريس حتى اخر سني حياته ، وفي ذلك يقول تلميذه ابن شهريارابو عبداللّه محمد بن احمد الخازن :
    حدثنا الشيخ ابو جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي رحمه اللّه بالمشهد المقدس الغروي ، وعلى ساكنه افضل الصلوات في شهر رمضان من سنة ثمان وخمسين واربعمائة (1).
    ولـعـل انـشـغال الشيخ الطوسي بالتدريس وعمله المتواصل في بناء وتطوير مدرسته الجديدة كان الـسـبب وراء الانتاج الفكري للشيخ وقلة التاليف عنده ، اذا انه لم يكتب غير الامالي واختيار الرجال وشـرح الـشرح رغم انه عاش اثني عشر عاما في النجف الاشرف ( 448 ـ 460 هـ ) منذ هجرته اليها وحتى وفاته ( ره ) فيها.
    وقدانفردت مدرسة الشيخ الطوسي في النجف بمميزات خاصة منها :
    1 ـ انها احادية الاتجاه ، حيث كان مذهب اهل البيت هو المادة الاساسية في تلك المدرسة ، بعد ان كانت مـدرسـتـه في بغداد تشتمل على اكثر من اتجاه من مختلف المذاهب الاسلامية ، ولعل هذا يعود الى اسـبـاب عـدة مـنها : انعدام التنافس المذهبي والصراع الفكري ، لان سكان النجف وطلبتها كلهم من المنتمين لمذهب اهل البيت.
    ثـم خـلـو الـنـجف الاشرف من العلماء الكبار الذين كان يجد امثالهم في مدارس بغداد ، والذين كانوا يشكلون عنصر التحدي الذي لايملك الشيخ الطوسي امامه الا الدفاع عن كل شبهة ، او الرد على اي راي لايعتقد بصوابه ، وذلك من خلال المناظرات وحلقات الجدل والحوار التي كانت تزخر بها بغداد ومـدارسـها ، بالاضافة الى ذلك فان ابتعاد النجف الاشرف عن مركز الخلافة ساهم الى حد بعيد في خـلق اجواء هادئة قليلة التاثر بالمنازعات والصراعات السياسية التي كانت لها انعكاساتها المباشرة على الاراء المذهبية.
    2 ـ ومما امتازت به مدرسة النجف الاشرف الجديدة كونها تسير ضمن حلقات دراسية
1 ـ ابن طاووس ، مهج الدعوات ، ص 218.

(52)
خاصة ، يجتمع فيها الشيخ بتلاميذه ، ويملي عليهم معارفه في التفسير والحديث وعلم الرجال والفقه والاصول ، وهو مالم تشهد مثيله الدراسة من قبل ، ولعل كتاب الامالي للشيخ ‌الطوسي يعطينا صورة واضحة عن سير تلك الدراسة ، حيث تضمن الكتاب موضوعات مختلفة في شتى العلوم والفنون الاسلامية.
    3 ـ كـان الشيخ الطوسي يلقي دروسه بمشهد الامام علي (ع) ، وبذلك اصبحت مدرسته متصلة اتصالا وثـيـقـا بـالمسجد ، وليست من المدارس المستقلة عن الجوامع (1) كما هوالحال في مدارس بـغـداد ، وقـدظـلـت هـذه الميزة قائمة الى يومنا هذا لتصبح تقليدا خاصابمدرسة النجف الاشرف وحـوزتـهـا الـعلمية على غرار الحوزة التي انشاها الشيخ الطوسي قبل مايقرب من الف عام ، والتي صـارت فـيـما بعد شجرة مباركة تؤتي اكلها كل حين علماءوكتابا وفقهاء وادباء وخطباء وشعراء ، ساهموا في اغناء المكتبة الاسلامية والانسانية ، وتركوا اثارهم وبصماتهم واضحة على كل مجتمع عاشوا فيه.

اولاده
    خلف الشيخ الطوسي ولده الشيخ ابا علي الحسن بن ابي جعفر محمد الطوسي ، وقدخلف اباه في العلم والعمل والتدريس والفتيا والقاء الحديث ، وكان من مشاهير رجال العلم وكبار رواة الحديث ، قرا على والده جميع تصانيفه (2).
    واجازه والده في النجف سنة 445ه. وقدكان عالما فاضلا فقيها محدثا جليلا ثقة (3).
    تـتـلـمذ عليه جماعة كثيرة من اعيان الافاضل ، واليه ينتهي كثير من طرق الاجازات الى المؤلفات القديمة والروايات (4).
    كـمـا وخلف الشيخ الطوسي ابنتين كانتا عالمتين من اهل الرواية والدراية ، اجازلهما
1 ـ ناجي معروف ، علماء النظاميات ، ص 141.
2 ـ مستجب الدين ، الفهرست ، ص 4.
3 ـ الحر العاملي ، امل الامل ، 461.
4 ـ اسداللّه التستري ، مقابس الانوار ، ص 9.


(53)
ابوهما الشيخ الطوسي رواية ماصنف (1).

وفاة الشيخ الطوسي
    تـبـايـنـت الـروايـات فـي تـحـديـد سـنـة وفـاة الـشـيـخ الطوسي ، فرواية تقول : انه توفي سنة 458 ه (2) ، واخرى تقول : ان سنة وفاته كانت 459 ه (3) ، وثالثة تقول : ان الـشـيـخ ‌الـطـوسـي تـوفي عام 460 ه (4) ، ويبدو ان الرواية الثالثة هي اصدق الروايات وادقـهـا ، لان الـمـعـروف عـن الـشيخ الطوسي انه بقي بعد وفاة استاذه الشريف المرتضى اربعة وعـشـريـن عـاما (5) ، وحيث ان الشريف المرتضى كان قدتوفي سنة 436 هـ ـ ، فهذا يعني ان وفـاة الـشـيـخ الـطـوسـي كانت في سنة 460 ه ، باضافة اربعة وعشرين سنة عاشها بعده ، وبهذا يـكـون الـشـيـخ الـطوسي قدعمر خمسة وسبعين عاما من عام 385ه وحتى عام 460ه ، والذي يـؤكـدهـذه الـرواية ايضا هو اقامة الشيخ الطوسي مدة اثنتي عشرة سنة في النجف من 448 الى سنة 460 ه (6).
    وكـمـا اختلف الرواة في تعيين عام وفاته ، فانهم اختلفوا ايضا في تحديد يوم وفاته ، فمنهم من يقول :
    انـهـا كـانـت في ليلة الثاني عشر من المحرم (7) ، بينما يقول غيرهم : انها كانت في الثاني والـعـشـريـن مـنه (8) ، وقدتولى غسل الشيخ ودفنه جماعة من خيارتلاميذه ، حيث يقول الحسن بن مهدي السليقي :
1 ـ كاشف الغطاء ، الحصون المنيعة في طبقات الشيعة ، ج1 ، ص 328.
2 ـ ابن شهر اشوب ، معالم العلماء ، ص 102 ، الكنتوري ، كشف الحجب ، ص 56.
3 ـ الصفدي ، الوافي بالوفيات ، ج2 ، ص 349 ، زيدان ، تاريخ اداب اللغة العربية ، ج3 ، ص 11.
4 ـ بحر العلوم ، موسوعة العتبات المقدسة ، ج2 ، ص 42.
5 ـ نفس المصدر.
6 ـ الطهرانى ، مقدمة التبيان ، ج1 ، ص 45.
7 ـ فنديك ، اكتفاء القنوع بما هو مطبوع ، ص 181.
8 ـ الـعـلامـة الحلي ، الرجال ، ص 248 ، الخوانسارى ، روضات الجنات ، ص 581 ، البحراني ، لؤلؤة البحرين ، ص 293 ؛ الطهراني ، مقدمة التبيان ، ج 1 ، ص 45.


(54)
    توليت انا والشيخ اءبو محمد الحسن ين عبدالواحد العين زربي والشيخ ابو الحسن اللؤلؤي غسله في تلك الليلة ودفنه (1).
    وقـددفـن فـي الـمـوضـع الـمعروف اليوم ، وهو بيته (2) الذي تحول فيما بعد الى مسجد اطـلـق عـليه اسم مسجد الشيخ الطوسي ، والذي اصبح من المزارات المعروفة (3) ، اضافة الى كونه مدرسة يدرس فيها طلبة العلوم الدينية في حوزة النجف الاشرف ضمن حلقات خاصة مختلف الـعـلـوم الاسـلامية ، وقبر الشيخ الطوسي يتوسط المسجد (4) ، ويرتفع عن سطح الارض حوالي متر واحد ، وعلى جدار المسجد الذي يرقد فيه شيخنا الطوسي كتبت ابيات من الشعر ، تؤكد ان وفاة الشيخ كانت سنة 460 ه ، والابيات هي :
يامرقد الطوسي فيك قدانطوى بك شيخ طائفة الدعاة الى الهدى اودى بشهر محرم فاضافه وبكى له الشرع الشريف مؤرخا محيي العلوم فكنت اطيب مرقد ومجمع الاحكام بعد تبدد حزنا بفاجع رزئه المتجدد ( ابكى الهدى والدين فقد محمد ) (5)
    ويقع قبر الشيخ الطوسي في محلة المشراق ، وهي اقدم محلة في مدينة النجف الاشرف.
1 ـ العلامة الحلي ، الرجال ، ص 148 ، البحراني ، لؤلؤة البحرين ، ص 293.
2 ـ الـصـدر ، عـيـون الـرجـال ، ص 74 ، كـمال الدين ، فقهاء الفيحاء ، ص 81 ، سركيس ، معجم المطبوعات ، ج2 ، ص 1248.
3 ـ بحر العلوم ، الرجال ، ج3 ، ص 239.
4 ـ زرت قـبر الشيخ الطوسي اكثر من مرة عند زيارتي لمدينة النجف الاشرف ، اخرها كانت عام 1399 ه ـ.
5 ـ البيت يؤرخ وفاة الشيخ الطوسي بسنة 460ه ، انظر كتاب ضبط التاريخ بالاحرف ، ص 13 ، للشيخ جعفر النقدي.


(55)
الفصل الثاني :
عصر الطوسي
عصر الشيخ الطوسي
    تميز القرنان الرابع والخامس بعد الهجرة النبوية الشريفة بتلاحق الاحداث المختلفة والمتارجحة بـين الشدة والرخاء والحرية والاضطهاد تبعا للظروف السياسية ، وحسب طبيعة الخلفاء المتعاقبين على السلطة ، وكانت تلك المتغيرات والتقلبات السياسية قدتركت بصماتها على الشيخ الطوسي ، كما تركت اثارها على غيره من ابناء ذلك العصر.
    وقدشهد اقليم خراسان نوعا من الاضطهاد والقهر بسبب السياسة المتزمتة التي اتسمت بطابع قمعي ابـان حـكـم الـسلطان محمود الغزنوي ، والتي نال من ويلاتها طلبة العلوم العقلية نصيبا ليس بالقليل باعتبارهم اندادا ومعارضين للسلفيين من اتباع المذهب السني ، حيث قدبالغ السلطان محمود الغزنوي فـي تـعـذيـبـهم والاساءة اليهم ، فنفي خلقا كثيرا من المعتزلة والرافضة والاسماعيلية والجهمية والـمشبهة ، وامر بلعنهم على المنابر (1). كما لم يسلم الفلاسفة من اضطهاده ، حيث قدجد في تعقبهم وابادتهم ، وكان كذلك متممالسياسته في تعقب القرامطة الذين تغلب عليهم ، حتى شنق بامره في يوم واحد مئتان بتهمة
1 ـ ابن العماد ، شذرات الذهب ، ج3 ، ص 186 ، اليافعي ، مراة الجنان ، ج3 ، ص 22.

(56)
الاعتزال وسوء المذهب.
    ثـم اعـقب ذلك تفاقم الاوضاع وسوء الحالة ، حينما تضاعفت حالة الاضطهاد المذهبي ، واشتدت في خـراسـان خاصة بعد وصول الدعوة الاسماعيلية المصرية اليها (1) ، الامرالذي ادى بالشيخ الطوسي كما ادى بغيره من العلماء وطلاب العلوم من غير ابناء المذهب السني لان يهربوا من جحيم الاضـطـهاد الى بلد اخر ، فكانت بغداد محط الرحال لهم ، والتي لم تكن هي ايضا بمنجى عن اثار هذه السياسة الجائرة ، وان كانت احسن حالا من غيرهابسبب وجود البويهيين على راس الحكم فيها.
    ولـعـل تاريخ الاضطهادالفكري في العصر العباسي يعود الى ماقبل وصول الشيخ ‌الطوسي الى بغداد بـكـثـيـر ، حـيـث كان السبب في هذا الاضطهاد هو الصراع الفكري القائم بين المدارس الكلامية والفقهية ، والتي يشكل الخلاف الحاد بين اصحاب النزعة السلفية والنزعة العقلية اهم مظاهره ، مما اثـار غـضـب السلطة العباسية ايام المتوكل على اللّه ( 232 ـ 247 هـ ) ، والذي كان منحازا وبشكل مـتـطـرف الـى الـمدرسة السلفية ، تلك المدرسة التي اخذت تضطهد الفئات المخالفة لها كالمعتزلة والـشيعة ، وكل من يحاول التوفيق بين احكام العقل واحكام الشرع (2) ، وبانحياز الخليفة لهذا الاتجاه يكون السلفيون قدزادوا من نفوذهم ، وصاروا يلوحون بعصا التهديد لمن خالفهم ، حتى صاروا حكومة داخل حكومة (3).
    وقـد تـدخـلوا في شؤون الناس الخاصة ، مما سبب الاستياء العام بعد ان عجزت السلطة عن ردعهم ، الامـر الذي شجع الامراء على الخروج عن اوامر السلطة المركزية ، فاعلنوااستقلالهم ، مما اثار غـضـب الـخـليفة المستكفي باللّه ( 333 ـ 334 هـ ) على الاتراك الذين كانوايتولون امور البلاد ، وضـبـط الامن فيها ، واضطر عندها للاستنجاد بالبويهيين ليتسلموا
1 ـ مصطفى جواد ، مقالة في مجلة المجمع العلمي العراقي ، مج4 ، ج2 ، ص 512.
2 ـ المسعودي ، مروج الذهب ، ج4 ، ص 86.
3 ـ احمد امين ، ضحى الاسلام ، ج3 ، ص 200.


(57)
السلطة في العراق ، ووضع حد للارتباك والفوضى (1).
    وقـدكـان الـبـويـهـيـون انـذاك قـوة لايستهان بها ، لذلك اصبحوا فيما بعد السادة الجددللخلافة الـعـبـاسـية (2) ، عام 334ه مستفيدين من تجربة القمع الفاشلة والتي لم يجن اصحابها نفعا ، فـسلكوا طريقا وسطا بانتهاجهم سياسية معتدلة مع كل الفرق واصحاب المدارس والاتجاهات ، بغية اقرار الامن وبسط النظام واعادة هيبة الدولة ، وقدارادوا ان يثبتوا للناس انفتاحهم وعدم انحيازهم لـفـئة من خلال فرضهم الاوامر المشددة ضد الشيعة ، رغم انتمائهم المذهبي للتشيع ، حيث قدبلغوا حدا منعوهم معه من اقامة شعائرهم الدينية (3). كما واقدموا على نفي الشيخ المفيد عن بغداد ، فغادرها عام 393 ه (4).
    وقـدتـبـين لعامة الناس ان البويهيين كانوا افضل ممن سبقهم من الحكام ، اذ انهم ورغم كونهم شيعة ، لـم يحاولوا تسليط ابناء مذهبهم على اهل السنة ، فساد الهدوء في عصرهم ، وازد هرت العلوم بسبب سـيـاسـة الانـفـتاح واللين التي مارسوها ، ولاطلاقهم الحرية الدينية والحرية الفكرية والحرية القلمية (5). وقدظهر ذلك واضحا في عهدعضدالدولة (6) ( 367ـ372 ) الذي كان يـؤثـر مجالسة الادباء على منادمة الامراء (7). وله دار بشيراز وخزانة للكتب عليها وكيل وخازن ومشرف من عدول البلد ، ولم يبق كتاب صنف الى وقته من انواع العلوم كلها ، الا وحصله فيها ، والدفاتر منضدة على الرفوف ، ولكل نوع بيوت ، وفهرستات
1 ـ مسكويه ، تجارب الامم ، ج6 ، ص 85.
2 ـ السامر ، الدولة الحمدانية ، ج1 ، ص 257.
3 ـ ابن الجوزى ، المنتظم ، ج8 ، ص 140.
4 ـ ابن الاثير ، الكامل ، ج9 ، ص 86.
5 ـ عضدالدوله ، هو ابو شجاع فنا خسرو بن ركن الدولة ابي الحسن بن ابي شجاع بويه ، انظر القمي ، الکني و الالقاب ، ج 2 ، ص 333 ؛ و ابن الوردي ، التاريخ ، ج1 ص 424.
6 ـ الثعالبى ، يتيمة الدهر ، ج2 ، ص 216.
7 ـ المقدسي ، احسن التقاسيم ، ص 449.


(58)
فيها اسامي الكتب (1).
     وقـد كرم عضد الدولة العلماء من الفلاسفة ، وافرد لهم في داره موضعا يقرب من مجلسه ، يجتمعون فيه للمفاوضة ، وكان هو نفسه مشاركا في عدة من فنون الادب ، واخرج من بيت المال اموالا عظيمة صرفت في ابواب العلم وتحصيله ، وعلى الصدقات لذوي الحاجة من اهل الملة ، وتجاوزهم الى اهل الذمة (2).
    كما عمل على النهوض بمرافق بلاده بشكل مثير ، فعمد الى تشجيع العلماء والقراء ، وشيد المساجد والـمـستشفيات وغيرها من المنشات العامة ، واصلح القنوات والابار ، فامتلات بالمياه ، كما خصص جزءا من اموال الدولة للترفيه عن الفقراء (3).
    وقـد صـحـب عضد الدولة عدد كبير من العلماء والكتاب ، وصنفوا له كتبا قيمة مثل كتابي الايضاح وكـتـاب الـتكملة في النحو الذي صنفه الشيخ ابوعلي الحسن بن احمدبن عبدالغفارالفارسي النحوي ( 288 ـ 377 هـ ) (4).
    وكـان امـام زمـانـه في علم النحو ، وكذلك كتاب التاجي في اخبار بني بويه لابي اسحاق ابراهيم بن هلال بن هارون الحراني الصابي ( 320 ـ 384 هـ ) (5) ، الذي كان كاتب الانشاء ببغداد في عهد الدولة البويهية .
    ولا غـرابـة ان تـزدهـر الـعلوم في مثل هذا العهد ازدهارا سريعا ، وينبغ العديد في مختلف العلوم والـفـنـون والاداب ، سـيـما وان العهد البويهي جاء بعد فترة من الاضطهاد الفكري الخانق ، فتفتقت الـطـاقـات ونـمـت المواهب في ظل عهد يحترم العلم ، ويكرم العلماء ، ولذلك تزخر ايام البويهيين بـاصـحـاب الـفـكـر والادب والـفقه والتفسير والشعر والحديث ، وغيرها من
1 ـ زيدان ، تاريخ اداب اللغة.
2 ـ مسكويه ، تجارب الامم ، ج6 ، ص 408.
3 ـ دائرة المعارف الاسلامية ، ماده بابويه ، ج4 ، ص 357.
4 ـ الزركلى ، الاعلام ، ج2 ، ص 193 ، ابن خلكان ، وفيات الاعيان ، ج1 ، ص 361.
5 ـ زيدان ، تاريخ اداب اللغة العربية ، ج2 ، ص 275 ، ابن خلكان ، وفيات الاعيان ، ج1 ، ص 34.


(59)
امثال الشيخ المفيد ابـوعـبـداللّه مـحمد بن محمد بن النعمان ( 336 ـ 413 هـ ) (1) ، والشريف الرضي ابوالحسن محمد بن الحسين ( 359 ـ 406 ) (2) ، حيث كان نقيب النقباء وشاعرعصره ، واليه كانت امارة الحج والمظالم.
    وكـذلـك الـشـريـف الـمـرتـضـى ابـوالـقـاسـم عـلـي بـن الـحـسـيـن الـموسوي المعروف بـعـلـم الهدى ( 355 ـ 436 هـ ) (3) ، ومن ثم صاحبنا الشيخ الطوسي ، ومن قبله كان ابوجعفر مـحـمـدبـن يعقوب الكليني ( ت سنة 329 هـ ) (4) ، وهو احد شيوخ الشيعة الامامية وصاحب كـتـاب الـكافي ، احد الاصول الاربعة عندهم ، وكذلك ابوالقاسم جعفربن محمد بن جعفربن موسى بن قـولويه (5) ، والذي يعتبر من كبار علماء الامامية ، واءستاذ الشيخ المفيدوالمدفون حاليا في مـدينة الكاظمية ببغداد بجوار الامامين موسى الكاظم ومحمدالجواد (ع) ، والذي كانت وفاته سنة 368ه ، وكذلك الشيخ الصدوق ابوجعفر محمد بن على بن بابويه القمي (6) الذي يعتبر رئيس الـمـحدثين واحد شيوخ الشيعة الامامية ، ويعد كتابه من لايحضره الفقيه احد الاصول الاربعة عند الامـامـيـة ، وقـد تـوفي عام 381 ه ، كماونبغ في هذا العصر الكثيرون من شيوخ واصحاب الفرق الكلامية مثل :
    الـمـاوردي ابوالحسن علي بن محمد بن حبيب البصري (7) صاحب كتاب الاحكام
1 ـ الطوسي ، الرجال ، ص 458.
2 ـ الثعالبي ، يتيمة الدهر ، ج3 ، ص 137 ، متز ، الحضارة الاسلامية ، ج1 ، ص 312 ، ابن الجوزى ، المنتظم ، ج 7 ، ص 281 ؛ ابن خلکان ، و فيات الاعيان ، ج4 ، ص 44؛ الطريحي ، مجمع البحرين ، ج1 ، ص 189؛ التستري ، قاموس الرجال ، ج8 ، ص148.
3 ـ الطوسي ، الفهرست ص 98ـ100.
4 ـ الـقـمي ، الكنى والالقاب ، ج2 ، ص 103 ، بحرالعلوم ، الرجال ج3 ، ص 325 ، ابن شهر اشوب ، معالم الرجال ، ص 88.
5 ـ الطوسي ، الرجال ، ص 458 ، ابن حجر ، لسان الميزان ، ج2 ، ص 125 ، القمي ، الكنى والالقاب ، ج1 ، ص 385.
6 ـ الـقـمـي ، الـكنى والالقاب ، ج1 ، ص 216 ، بروكلمان ، تاريخ الادب العربي ، ج3 ، ص 343؛ الطوسي ، الفهرست ، ص 67.
7 ـ ابن خلكان ، وفيات الاعيان ، ج2 ، ص 444 ، الطاهر ، الشعر العربي ، ج1 ، ص 65.


(60)
السلطانية ، وهو احد فقهاء الشافعية ، وقد توفي في بغداد سنة 450 ه.
    والـجـويـنـي امـام الـحـرمـيـن ابـوالـمـعـالـي ضـيـاءالـديـن عـبـدالـمـلـك بـن عـبداللّه بن يـوسـف ( 419 ـ 478 هـ ) (1) ، وهـو احـد فـقـهـاء الشافعية ، والباقلاني ابوبكر محمد بن الـطـيـب بـن مـحمد ، توفي في بغداد عام 403 ه (2) ، وهو اشعري المذهب ، وقد انتهت اليه رياسة المذهب الاشعري ، وكان ممن صنف في علم الكلام ، والبصري ابوالحسين محمد بن علي الطيب الـمتوفى سنة 436 ه (3) ، ويعتبر من اكبر شيوخ المعتزلة ، وكان امام وقته في علم الكلام ، وابـن الصباغ ابونصر عبدالسعيد بن محمد بن عبدالواحد ( 400 ـ 477 ) (4) ، وقددرس في الـمـدرسـة الـنظامية ببغداد ، واعتبر فقيه العراقيين في عصره ، وكان شافعي المذهب ، والدامغاني ابـوعـبـداللّه مـحـمدبن علي ( 398 ـ 478 هـ ) (5) ، وكان اءستاذ المذهب الحنفي ، وقد عين بـمـنـصـب قاضي القضاة سنة 447 ه ، والبغدادي ابوالوفاء علي بن محمد بن عقيل الظفري المقرئ ( 431 ـ 513 هـ ) (6) ، وهو احد شيوخ الحنابلة وكان فقيها واءصوليا متكلما وواعظا.
    ومثل هذا الخليط من العلماء والفقهاء والمتكلمين والمنتمين الى مذاهب شتى يعكس لنا بوضوح طبيعة الاجواء العلمية السائدة في العصر البويهي ، ويؤكد وجود الحرية الفكرية والانفتاح العلمي على كل الـمـذاهب ، دون ان يختص الاهتمام البويهي بطائفة من الناس على حساب غيرهم ، حيث كان الامامي والـشـافـعي والحنفي والحنبلي والاشعري والمعتزلي كلهم يلقون الرعاية والعون والحماية ، ومما يؤكد هذا ان عضد الدولة نفسه كان يكرم العلماءاءوفى اكرام ، وينعم عليهم اءهناء انعام ويقربهم من حضرته ، ويدنيهم من خدمته ،
1 ـ السبكي ، طبقات الشافعيه ج5 ، ص 165 ، ابن خلكان ، وفيات الاعيان ، ج2 ، ص 341.
2 ـ ابن خلكان ، وفيات الاعيان ، ج3 ، ص 400.
3 ـ نفس المصدر ، ج3 ، ص 401.
4 ـ الطاهر ، الشعر العربي ، ج1 ، ص 66 ، ابن خلكان ، وفيات الاعيان ، ج2 ، ص 385.
5 ـ الطاهر ، الشعر العربي ، ج1 ، ص 66.
6 ـ البغدادي ، الذيل علي طبقات الحنابلة ، ج1 ، ص142.
حياة الشيخ الطوسي ::: فهرس