حياة الشيخ الطوسي ::: 101 ـ 110
(101)
     ( وكيف اخاف ما اشركتم ولا تخافون انكم اشركتم باللّه ما لم ينزل به عليكم سلطانا ... ) (1) قال الطوسي : وفي الاية دلالة على فساد قول من يقول بالتقليد وتحريم النظروالحجاج.
    وقـدهـاجـم الشيخ الطوسي من يرفض المناظرة والحجاج في الدين والدعوة الى توحيداللّه تعالى فقال :
    اخبر اللّه تعالى ان الحجج التي ذكرها ابراهيم لقومه اتاها اللّه اياه ، واعطاها اياه بمعنى انه هداه لها ، فـانـه احتج بها بامر اللّه ورضيها منه وصوبه فيها ، ولهذا جعلها حجة على الكفار ... وفي ذلك دلالة عـلـى صـحة المحاجة والمناظرة في الدين والدعاء الى توحيداللّه والاحتجاج على الكافرين لانه تعالى مدح ذلك واستصوبه ومن حرم الحجاج فقدرد صريح القران (2).

4 ـ تاكيده على اهمية العقل واعتباره حجة
    اكد الشيخ الطوسي من خلال تفسيره لايات الكتاب العزيز على اهمية العقل واعتباره الحجة الاقوى فيما يعتقد الانسان ويعتد به. وهو مايراه الامامية ، حيث يقولون :
    ان عـقولنا هي التي فرضت علينا النظر في الخلق ومعرفة خالق الكون ، كما فرضت علينا النظر في دعوى من يدعي النبوة وفي معجزته (3).
    ومن هنا نجد الشيخ الطوسي يقول عند تفسيره الاية الكريمة :
     ( افلا يتدبرون القران ولو كان من عند غير اللّه لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ) (4) هذه الاية الكريمة تدل على اشياء :
    احـدهـا : عـلـى بطلان التقليد وصحة الاستدلال في اصول الدين ، لانه حث ودعا الى
1 ـ الانعام ( 6 ) الاية 81.
2 ـ الطوسي ، التبيان ، ج4 ، ص 192.
3 ـ المظفر ، عقائد الامامية ، ص 31.
4 ـ النساء ( 4 ) الاية 82.


(102)
التدبر ، وذلك لايكون الا بالفكر والنظر.
    الـثـانـي : يـدل عـلـى فساد مذهب من زعم ان القران لايفهم معناه الا بتفسير الرسول من الحشوية والمجبرة لانه تعالى حث على تدبره ليعملوا به (1).
    وعند تفسيره للاية الكريمة :
     ( رسـلا مـبـشـريـن ومـنـذريـن لـئلا يـكـون لـلـنـاس عـلى اللّه حجة بعد الرسل وكان اللّه عزيزاحكيما ) (2) اكد الشيخ الطوسي على حجية العقل واهميته ، فقال :
    فاما من لم يعلم من حاله ان له في انفاذ الرسل اليه لطفا فالحجة قائمة عليه بالعقل ، وادلته على توحيده وصفاته وعدله ، ولو لم تقم الحجة بالعقل ولاقامت الا بانفاذ الرسل لفسد ذلك من وجهين :
    احـدهما : ان هدف الرسل لايمكن العلم به الا بعد تقدم العلم بالتوحيد والعدل ، فان كانت الحجة لم تقم عليه بالعقل ، فكيف الطريق له الى معرفة النبي (ص) وصدقه ؟ والـثـانـي : انه لو كانت الحجة لاتقوم الا بالرسول لاحتاج الرسول ايضا الى رسول اخر ، حتى تقوم عـلـيـه الـحـجة ، والكلام في رسوله كالكلام في هذا الرسول ، ويؤدي ذلك الى مالايتناهى ، وذلك فاسد (3).
    ويصرح الشيخ الطوسي على ضرورة التدبر في القران الكريم فيقول عند تفسيره لقوله تعالى :
     ( افلا يتدبرون القران ام على قلوب اقفالها ) (4) معناه افلايتدبرون القران بان يتفكروا فيه ويعتبروا به ، ام على قلوبهم قفل يمنعهم من ذلك تنبيها لهم عـلـى ان الامر بخلافه ، وليس عليها مايمنع من التدبر والتفكر والتدبر في النظر في موجب الامر وعاقبته وعلى ذلك دعاهم الى تدبر القران.
1 ـ الطوسي ، التبيان ، ج3 ، ص 270.
2 ـ النساء ( 4 ) الاية 165.
3 ـ الطوسي ، التبيان ، ج3 ، ص 395.
4 ـ محمد ( 47 ) الاية 24.


(103)
    وفـي ذلـك حـجـة عـلـى بـطـلان قـول مـن يـقـول : لايجوز تفسير شي ء من ظاهر القران الا بخبروسمع (1).
    وهـذا مما يؤكد وبشكل جلى ان الشيخ الطوسي يتبنى منهجية عقلية في تفسيره ، اضافة الى اعتماده على الماثور الصحيح.

5 ـ وجود بعض الاشارات العلمية في تفسير التبيان
    فـقد تضمن التبيان على اشارات علمية تنم عن الروح العلمية التي اتسمت بها ثقافة الشيخ الطوسي ، وتـوحـي بـانـتـهاجه منهجا عقليا منفتحا على ما في الكون من معارف وعلوم ، ومن ذلك قبوله لفكرة كروية الارض.
    فعند تفسيره لقوله تعالى : ( الذي جعل لكم الارض فراشا ) (2) قال :
    واستدل ابوعلي الجبائي بهذه الاية ، على ان الارض بسيطة ليست كرة ، كما يقول المنجمون والبلخي بان قال : جعلها فراشا ، والفراش البساط ، بسط اللّه تعالى اياها ، والكرة لاتكون مبسوطة ، قال : والعقل ايـضـا يدل على بطلان قولهم ، لان الارض لايجوزان تكون كروية مع كون البحار فيها ، لان الماء لايـسـتـقر الا فيما له جنبان يتساويان ، لان الماء لايستقر فيه كاستقراره في الاواني ، فلو كانت له نـاحـيـة فـي الـبـحـر مـستعلية على الناحية الاخرى لصار الماء من الناحية المرتفعة الى الناحية المنخفضة ، كما يصير كذلك اذا امتلا الاناء الذي فيه الماء.
    وهنا رد الشيخ الطوسي على الجبائي قائلا :
    وهذا لايدل على ماقاله ، لان قول من قال : الارض كروية ، معناه ان لجميعها شكل الكرة. (3)
1 ـ الطوسي ، التبيان ، ج9 ، ص 301.
2 ـ البقرة ( 2 ) الاية 22.
3 ـ الطوسي ، التبيان ، ج1 ، ص 103.


(104)
مثال اخر عند تفسيره لقوله تعالى :
     ( ... ثم استوى الى السماء فسويهن سبع سموات وهو بكل شي ء عليم ) (1) قال :
    وقال الرماني :
    الـسـمـاوات غير الافلاك ، لان الافلاك تتحرك وتدور ، واما السماوات لاتتحرك ولاتدورلقوله تعالى : ( ان اللّه يمسك السماوات والارض ان تزولا ) وهذا لبس ، لانه يمتنع ان تكون السماوات هي الافلاك ، وان كانت متحركة ، لان قوله تعالى : ( يمسك السماوات والارض ان تزولا ) معناه لاتزول عن مراكزها التي تدور عليها ، ولولاامساكها لهوت ... ؟ بما فيها من الاعمالات سفلا (2).
    مثال ثالث :
    لـم يستبعد الشيخ الطوسي فكرة نشوء السحاب من تبخر مياه الارض ، ويتضح ذلك من تفسيره لقوله تعالى :
     ( ... وما انزل اللّه من السماء من ماء فاحيا به الارض بعد موتها ... ) (3) فقال في معرض طرحه لاراء المفسرين :
    فان قيل : هل السحاب بخارات تصعد من الارض ؟ قلنا : ذلك جائز لايقطع به ، ولامانع ايضا من صحته من دليل عقل. (4)

6 ـ موقف الشيخ الطوسي من عقائد الامامية
    استطاع الشيخ الطوسي ان يدعم مذهبه الامامي بكل مااوتي من حول وقوة وقدرة علمية ومنهج عقلي رصين مستفيدا من ايات الكتاب العزيز لبيان صواب وجهات النظر
1 ـ البقرة ( 2 ) الاية 29.
2 ـ الطوسي ، التبيان ، ج1 ، ص 127.
3 ـ البقرة ( 2 ) الاية 164.
4 ـ الطوسي ، التبيان ، ج2 ، ص 58.


(105)
التي يؤمن بها الامامية في التوحيد والـعـدل والـنبوة والامامة والمعاد وكل مايتصل بها من فروع ومسائل كالتقية وعصمة النبى (ص) والائمـة والـمتعة ، وكذلك مسالة خلق القران وغيرها ، وقددافع الشيخ الطوسي عنها دفاعا متسما بـالـحـماس والقناعة الثابتة ، ورد كل الاشكالات والاقوال التي كانت تثار حول تلك المسائل ، وبما يؤكد منهجه المتطور وابداعه والقدرة على المناظرة والحوار ، فاعطى كل موضوع من موضوعات الـعـقـائد لـدى الامـامـية مايستحقه من الحديث ، وكانت النزعة العقلية بارزة الى حد كبير في كل ماتحدث به الشيخ ‌الطوسي ، وقدافردنا لموقف الشيخ الطوسي من عقائد الامامية فصلا خاصا وبشي ء من التفصيل تحت عنوان ( الشيخ الطوسي وعقائد الامامية ).

7 ـ ردوده على المفسرين ومناقشته لارائهم
    تـعـرض الـشـيخ الطوسي لاراء جملة من المفسرين ، واشكل على الكثير من ارائهم واقوالهم التي عرضوها في تفاسيرهم ، وقدتناول في التبيان كلا من تفسير البلخي والطبري والرماني والجبائي ، وبـيـن الاخـطـاء الـتـي وقـعوا فيها عند تفسيرهم لايات القران الكريم ، وردهم ردا عقليا هادئا ، وقـديـتـضـح لنا ـ من خلال متابعتنا لتصديه لهم ـ منهجه العقلي في التفسير حيث كان يعرض راي المفسر ، ثم ياتي عليه بالنقد فيسنده بالدليل والحجة ، ثم يعرض رايه مدعوما بالدليل والحجة ايضا.
    وقـدكان يعمد احيانا الى ترجيح راي لاحد المفسرين على اراء غيره ، ويدعم الراي الذي يميل اليه بما يملكه من حجة ودليل ، وبهذا يكون الشيخ الطوسي قداتحف المكتبة الاسلامية بالعديد من الاراء الـتـي قـالـهـا الـمفسرون القدامى ، والتي لولاذكره لها لضاعت مع ماضاع من تراث فكري وثقافي اسلامي ، ولم نحصل على شي ء منها بغير ذكره لها.
    وهنا نورد بعضا من ردوده ومناقشاته لاراء جملة من المفسرين :

1 ـ الطوسي والبلخي
    رد الـشـيـخ الطوسي على البلخي في مواضع كثيرة من التبيان نعرض بعضا منها : ففى


(106)
تفسيره لقوله تعالى :
     ( ... ربـنـا لا تـؤاخـذنـا ان نـسـيـنـا او اخطانا ربنا ولا تحمل علينا اصرا كما حملته على الذين من قبلنا ... ) (1) قال :
    كـان يجوز ان يؤاخذ اللّه العبد بما يفعله ناسيا او ساهيا ، ولكن تفضل بالعفو في قوله تعالى ( لا يكلف اللّه نـفـسـا الا وسـعـهـا ) (2) ، ذكـر ذلك البلخي وهذا غلط ، لانه كما لم يجزتكليف فعله ولاتـركـه لـم يـجـز ان يؤاخذ به ولايشبه ذلك المتولد الذي لايصح تكليفه بعدوجود سببه لانه لايجوز ان يتعمد سببه وليس كذلك مايفعله من جهة السهووالنسيان (3) وعند تفسيره لقوله تعالى : ( وان من امة الا خلا فيها نذير ) (4) قال الطوسي :
    واسـتدل ابوالقاسم البلخي بهذه الاية على ان العوض دائم بان قال : بين اللّه تعالى انه يحشر الحيوان كـلـهـا ويـعـوضـها ، فلوكان العوض منقطعا لكان اذا اماتها استحقت اعواضااخر على الموت وذلك بـتسلسل ، فدل على انه دائم ، وليس هذا بشي ء ، لانه يجوز ان يميت اللّه الحيوان على وجه لايدخل عليهم الالم ، فلايستحقون عوضا ثانيا ، فالاولى ان يقول : ان دام تفضلا منه تعالى (5).
    وفي تفسيره لقوله تعالى :
     ( والا تصرف عني كيدهن اصب اليهن واكن من الجاهلين ) (6) قال الطوسي :
    وقـال البلخي : في الاية دلالة على انه لاينصرف احد عن المعصية الا بلطف اللّه عز وجل ،
1 ـ البقره ( 2 ) الاية 286.
2 ـ البقرة ( 2 ) الاية 286.
3 ـ الطوسي ، التبيان ، ج2 ، ص 385 و386.
4 ـ فاطر ( 35 ) الاية 24.
5 ـ الطوسي ، التبيان ، ج4 ، ص 13.
6 ـ يوسف ( 12 ) الاية 33.


(107)
لانه لو لم يعلم ذلك لماصح خبره به ، وليس في الاية ما يدل على ذلك ، بل فيها ما يدل على ان يوسف كان لطف ، ولولاه لفعل المعصية ، واما ان يدل على انه لا احد ينتهى عن معصية الا بلطف ، فلا (1).
    وفـي مـعرض تفسيره لقوله تعالى : ( ان اللّه عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الارحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس باى ارض تموت ان اللّه عليم خبير ) (2) قال الطوسي :
    وسال البلخي نفسه فقال : اذا قلتم : ان من اعتقد الشي ء على ما هو به تقليدا او تخمينا اوتنجيما يكون عـالـما ، فلو ان الانسان اعتقد ان امراة تلد ذكرا او انثى او رجلا يموت في بلد بعينه ، ويكسب في الغد كذا ، فوافق ذلك اعتقاده فيجب ان يكون عالما ، ويبطل الاختصاص في الاية .
    واجاب : ان ذلك وان كان جائزا فانه لايقع لظاهر الاية.
    فرده الطوسي بقوله :
    وهذا غيرصحيح ، لان من المعلوم ضرورة ان الانسان يخبر شيئا فيعتقده فيكون على مااعتقد من هذه الاشـيـاء الـخـمسة ، وانما لايكون علما ، لانه لاتسكن نفسه الى ذلك ، فاماالمنع من وقوعه فمعلوم خلافه (3).

2 ـ الطوسي والطبري
    كما رد الشيخ الطوسي في التبيان على الطبري وارائه في التفسير ومن ذلك نذكر ماياتي : قال الشيخ الطوسي عند تفسيره للاية الكريمة :
1 ـ الطوسي ، التبيان ، ج6 ، ص 135.
2 ـ لقمان ( 31 ) الاية 34.
3 ـ الطوسي ، التبيان ، ج8 ، ص 260 ، 261.


(108)
     ( ان الذين كفروا سواء عليهم ءانذرتهم ام لم تنذرهم لا يؤمنون ) (1) وقـال ابـن عـبـاس : نـزلت في قوم باعيانهم من احبار اليهود ذكرهم باعيانهم من اليهودالذين حول الـمدينة ، وقال قوم : نزلت في مشركي العرب. واختار الطبري قول ابن عباس والذي نقوله : انه لابد ان تـكـون الايـة مـخـصوصة ، لان حملها على العموم غيرممكن ، لاناعلمنا ان في الكفار من يؤمن ، فلايمكن العموم ، واما القطع على واحد مما قالوه فلادليل عليه. (2) وقـد لايـرد الـشـيـخ الـطـوسـي احيانا بنفسه على الطبري ، وانما يكتفي بذكر ما رده به غيره من المفسرين ، كما هو الحال في تفسير قوله تعالى :
     ( واذ واعدنا موسى اربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده وانتم ظالمون ) (3) فقال الطوسي :
    وقال الاخفش وعد باتمام اربعين ليلة او انقضاء اربعين ليلة كقولك :
    اليوم اربعون يوما منذ خرج فلان واليوم يومان ، اي تمام يومين.
    وقال الطبري : لايجوز ماقاله الاخفش ، لانه خلاف ظاهر التلاوة وماجاءت به الرواية.
    وهـنـا نـجد الشيخ الطوسي يتبنى رايا للرماني ويستشهد به للرد على ماقاله الطبري في رده على الاخفش فيقول مفسرنا :
    قال الرماني : في هذا ـ اي راي الطبري ـ غلط ظاهر ، ان الوعد لايتصل وقوعه في الاربعين كلها ، اذا كان الوعد هو الاخبار الموعود بما فيه النفع ، فلم يكن ذلك الخبر في اول تلك المدة ، فلايدل على ذلك ان يكون التقدير على ماقاله الاخفش ، او على وعدناه اقامة اربعين ليلة للمناجاة او غيبته اربعين ليلة من قومه للمناجاة ، وما اشبه ذلك من التقدير (4).
    ورد الطوسي رايا للطبري كان قد اورده عند تفسيره لقوله تعالى :
1 ـ البقره ( 2 ) الاية 6.
2 ـ الطوسي ، التبيان ، ج1 ، ص 61.
3 ـ البقرة ( 2 ) الاية 51.
4 ـ الطوسي ، التبيان ، ج1 ، ص 233.


(109)
     ( ومن اظلم ممن منع مساجد اللّه ان يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها ) (1) فـقـال : وقـال ابـن زيـد والبلخي والجبائي والرماني : المراد به مشركي العرب ، وضعف هذاالوجه الطبري من بين المفسرين بان قال : ان مشركي قريش لم يسعوا قط في تخريب مسجد الحرام ، وهذا ليس بشي ء ، لان عمارة المساجد بالصلاة فيها ، وخرابها بالمنع من الصلاة فيها. (2) ورد عليه ايضا عند مروره على ذكر الشهادة في قوله تعالى :
     ( ... ولا ياب الشهداء اذا ما دعوا ... ) (3) فقال وهو يعرض الاراء التي قيلت فيها :
    الثالث في رواية عن ابن عباس والحسن وابي عبداللّه (ع) لاقامتها واثباتها ، وهو اعم فائدة .
    وقـال الطبري : لايجوز اذا دعوا لاقامتها ، لان قبل ان يشهدوا لايوصفون بانهم شهداء ، وهذا باطل ، لانه تعالى قال : ( واستشهدوا شهيدين من رجالكم ) فسماهما شاهدين قبل اقامة الشهادة (4).
    ورد الشيخ الطوسي في موضع اخر على الطبري وهو يفسر قوله تعالى :
     ( ان الذين كفروا بعد ايمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم واولئك هم الضالون ) (5) فقال :
    وقال الطبري : انه لايجوز تاويل من قال : ان تقبل توبتهم عند حضور موتهم.
    قـال : لانـه لاخلاف بين الامة ، ان الكافر اذا اسلم قبل موته بطرفة عين في ان حكمه حكم الاسلام فـي وجـوب الصلاة عليه ومواريثه ودفنه في مقابر المسلمين واجراء جميع احكام الاسلام عليه ، ولو كان اسلامه غيرصحيح لماجاز ذلك.
1 ـ البقرة ( 2 ) الاية 114.
2 ـ الطوسي ، التبيان ، ج1 ، ص 416.
3 ـ البقرة ( 2 ) الاية 282.
4 ـ الطوسي ، التبيان ، ج2 ، ص 375 ، الاية : البقرة ( 2 ) 228.
5 ـ ال عمران ( 3 ) الاية 90.


(110)
    وهنا رد الشيخ الطوسي عليه بقوله :
    وهـذا الـذي قاله ليس بصحيح ، لانه لايمتنع ان تتعبد باجراء احكام الاسلام عليه ، وان كان اسلامه عـلـى وجـه من الالجاء لايثبت معه استحقاق الثواب عليه ، كما انا تعبدناباجراء احكام الاسلام على الـمـنـافـقـين وان كانوا كفارا. وانما لم يجز قبول التوبة في حال الالجاء اليه لان فعل الملجا كفعل المكره في سقوط الحمد والذم ، (1) وقدقال اللّه تعالى :
     ( وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى اذا حضر احدهم الموت قال اني تبت الا ن ) (2).

3 ـ الشيخ الطوسي والرماني
    وقـدتـصـدى الـشيخ الطوسي للرد على الرماني في ارائه التي كان يتبناها ، ومن ذلك نوردالامثلة التالية :
    قـال الـرمـاني : النسخ الرفع لشي ء قدكان يلزمه العمل به الى بدل ، وذلك كنسخ الشمس بالظل ، لانه يصير بدلا منها في مكانها.
    فرد الطوسي عليه بقوله :
    وهـذا لـيس بصحيح ، لانه ينتقض بمن تلزمه الصلاة قائما ، ثم يعجز عن القيام فانه يسقطعنه القيام لـعـجـزه ، ولايـسمى العجز ناسخا ولاالقيام منسوخا وينتقض بمن يستبيح بحكم العقل عند من قال بـالابـاحـة ، فـاذا ورد الـشـرع بحظره لايقال الشرع نسخ حكم العقل ، ولاحكم العقل يوصف بانه منسوخ. (3) واعترض الطوسي على فصل الرماني بين العلم والمعرفة بان قال :
    الـمعرفة هي التي يتبين بها الشي ء من غيره على جهة التفصيل ، والعلم قديتميز به الشي ءعن طريق الـجملة دون التفصيل كعلمك بان زيدا في جملة العشرة ، وان لم تعرفه بعينه وان فصلت بين الجملة التي هو فيها والجملة التي ليس هو فيها.
    فاعترضه الشيخ الطوسي قائلا :
1 ـ الطوسي ، التبيان ، ج2 ، ص 527.
2 ـ النساء ( 4 ) الاية 18.
3 ـ الطوسي ، التبيان ، ج1 ، ص 393.
حياة الشيخ الطوسي ::: فهرس