حياة الشيخ الطوسي ::: 91 ـ 100
(91)
لاستجلاء الكثير من المعاني من خلال ربط الايات القرانية بما قبلها من ايات كريمات.
    12 ـ يـكثر الشيخ الطوسي من ذكر اراء المفسرين ، فيفند بعضها ويناقش يعضها الاخر ، ليرد ما يرد عـن بـيـنة ، ويقبل ما يقبل عن بينة ، وقد كانت الثقة العالية بالنفس تدعوه احيانا ، لان يخالف جمهور المفسرين داعما رايه بالدليل والبرهان.
    13 ـ رد الـشـيـخ الـطـوسـي على اهل الكتاب وناقشهم في معتقداتهم ، كما ناقش اصحاب المدارس الـكلامية من الاسلاميين ، واعترض على الكثير من مقولاتهم ، كما هو الحال في رده على المعتزلة والاشـاعـرة والـخـوارج والـمجبرة والمشبهة والمجسمة والقائلين باءن المعارف ضرورية وما شاكلهم ، كما ودافع بحماس منقطع النظير عن الامامية ومعتقداتهم (1).
    14 ـ عـنـد تفسيره للاية القرانية كان يذكرها ثم يورد ما يتعلق بها من القراءة واسباب النزول ـ ان وجدت ـ واللغة ومن ثم المعنى ، وهنا نورد هذا النموذج من تفسيره :
    قوله تعالى :
     ( ولا تـتـمـنـوا مـا فضل اللّه به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسالوا اللّه من فضله ان اللّه كان بكل شي ء عليما ) (2) القراءة :
    قرا ابن كثير والكسائي ( وسلوا ) بغير همزة ، وكذلك كلما كان امر للمواجهة (3) في جميع الـقـران ، الـبـاقـون بالهمزة ، ولم يختلفوا في ( وليسالوا ما انفقوا ) (4) ، لانه امر لغائب ، قال ابوعلي الفارسي : كلاهما جيد ، ان ترك الهمزة او اءثبتها (5).
    النزول :
    وقيل في سبب نزول هذه الاية ان ام سلمة قالت : يا رسول اللّه لانغزو مع الرجال ولنانصف الميراث ، يـا ليت كنا رجالا ، فكنا نقاتل معهم ، فنزلت هذه الاية في قول مجاهد.
1 ـ انظر الشيخ الطوسي وعقائده الامامية ، ص 279 ، وما بعدها من هذه الرسالة.
2 ـ النساء ( 4 ) الاية32.
3 ـ في المصدر للمواجه.
4 ـ الممتحنة ( 60 ) الاية10.
5 ـ في المصدر واثباتها.


(92)
وقال الزجاج : قال الرجال ليتنا كنا فضلنا في الاخرة على النساء ، كما فضلنا عليهن في الدنيا ، وبه قال السدي.
    اللغة :
    والـتـمـني هو قول القائل : ليت كان كذا لما لم يكن ، وليت لم يكن كذا لما كان ، وفي الناس من قال : هو معنى في القلب ، وقال الرماني : هو ما يجب على جهة الاستمتاع به. ومن قال : هو معنى في القلب ، قال :
    ليس هو من قبيل الشهوة ، ولا من قبيل الارادة ، لان الارادة لاتتعلق الا بما يصح حدوثه ، والتمني قد يتعلق بما مضى ، والشهوة ايضا كالارادة في انها لاتتعلق بما مضى.
    المعنى :
    وظـاهـر الخطاب يقتضي تحريم تمني ما فضل اللّه به بعضنا على بعض ، وقال الفراء : هوعلى جهة الـندب والاستحباب ، والاول هو حقيقة التمني ، والذي قلناه هو قول اكثرالمفسرين ووجه تحريم ذلـك انـه يـدعو الى الحسد ، وايضا فهو من دنايا الاخلاق ، وايضافان تمني الانسان لحال غيره ، قد يـؤدي الـى تسخط ما قسم اللّه له ، ولايجوز لاحد ان يقول ، ليت مال فلان لي ، وانما يحسن ان يقول :
    ليت مثله لي.
    وقـال البلخي : لايجوز للرجل ان يتمنى ان كان امراة ، ولا للمراة ان تتمنى لو كانت رجلابخلاف ما فـعـل اللّه ، لان اللّه لايـفـعل من الاشياء الا ما هو اصلح ، فيكون قد تمنى ما ليس باصلح ، او ما يكون مـفـسـدة ، ويـمـكـن ان يـقال : ان ذلك يحسن بشرط ان لايكون مفسدة ، كما يقول في حسن السؤال سواء. (1) ومثل هذا الطرح في التفسير نجده في اغلب صفحات التبيان عند تفسيره لايات القران الكريم.
    15 ـ تـجـنب الطوسي التكرار الممل والاختصار المخل ، وكذلك الاسهاب من غيرضرورة ، وبهذا كان المفسر معتدلا مقتصدا في كل ما طرح .
    ويبقى الشيخ الطوسي احد اءولئك الرواد في التفسير الذين اءسدوا خدمة جلى لتوضيح معاني الكتاب العزيز واستجلاء اسراره ، وفي ذلك يصرح ابوعلي الفضل بن الحسن
1 ـ الطوسي ، التبيان ، ج3 ، ص 183.

(93)
الطبرسي ( 548 ) ، الذي هو احد تلامذة الشيخ الطوسي وصاحب تفسير مجمع البيان ، حيث يقول في معرض وصفه للتبيان :
    انـه الـكـتـاب الذي يقتبس منه ضياء الحق ويلوح عليه رواء الصدق ، قد تضمن من المعاني الاسرار الـبـديـعـة ، واحـتـضن من الالفاظ اللغة الوسيعة ، ولم يقتنع بتدوينها دون تبيينها ، ولابتنميقها دون تحقيقها (1).
    وبهذا يكون التبيان اول محاولة تفسيرية كاملة عند الشيعة الامامية التي لازالت موضع تقدير العلماء واجلالهم.
1 ـ الطبرسي. مجمع البيان ، ج1 ، ص 10.

(94)

(95)
الفصل الثاني :
الجانب العقلي في التبيان
    ان مـعـرفة الطرق التي يسلكها المفسر ـ اي مفسر ـ لتبيان المعنى المراد من النص القراني ، تسهم مساهمة حادة وفعالة في استيضاح منهجه في التفسير ومنحاه في استنطاق ايات الكتاب العزيز.
    ولعل الحديث حول مسلكي الراي والاثر عند الشيخ الطوسي ، والمحصلة النهائية التي نستخلصها من طـبـيعة التفاعل القائم بين المسلكين ، والعلاقة الناشئة من خلال ربط احدهمابالاخر ، سوف تسل ط الاضـواء عـلـى منهجية مفسرنا ، وتعيننا بالتالي على تحديد تلك المنهجية ، والتعرف على خصائصها ومميزاتها الاساسية ، ولذلك جهدت في ان اعرض للجانب العقلي في التبيان بفصل خاص ، ثم خصصت الـحديث في الفصل التالي للجانب الاثري من التفسير عند الطوسي ، مبينا طريقته في تفسير القران بالقران ، وتفسير القران بالسنة ، بعدها تحدثت عن استخدام الشيخ الطوسي للجانب اللغوي في الكشف عـن مـدلـول الايـات الـقـرانـية ومعانيها ، والصفحات التالية في هذا الباب ستوضح منهج الطوسي في التفسير واءسلوب تناوله للايات القرانية الكريمة وطريقته في التعامل مع النص القراني لمعرفة معناه.
    اكد الشيخ الطوسي على اهمية التفكر ، واعتمد اءسلوب النظر في فهم النصوص القرانية


(96)
واستعمال الـعـقـل في معرفة ايات اللّه واحكامه ، وقد حفل التبيان بالعديد من الاشارات التي تنم عن المنهجية العقلية التي كان يتبعها مفسرنا في تصديه لتفسير ايات الكتاب العزيزوالتي يمكن تلخيصها فيما يلي :

1 ـ موقف الطوسي من النظر والاستدلال في ايات اللّه
    تبنى الشيخ الطوسي موقفا مؤيدا لاستخدام العقل والنظر في فهم اءمور الشريعة ، وقداورد الكثير مـن الردود في تفسيره على الذين يقولون بحرمة النظر ، كما استدل بالقران على صحة رايه القائل بضرورة النظر واعمال العقل ، وهنا نورد بعض الامثلة التي امتلابها تفسيرالتبيان منها :
    مثال :
    فى تفسيره للاية الكريمة :
     ( ان مثل عيسى عند اللّه كمثل ادم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون ) (1) قال الشيخ الطوسي :
    والـمثل ذكر سائر يدل على ان سبيل الثاني سبيل الاول ، فذكر اللّه ادم بان انشاه من غيروالد ، يدل عـلى ان سبيل الثاني سبيل الاول في باب الامكان والقدرة ، وفي ذلك دلالة على بطلان قول من حرم الـنـظـر ، لان اللّه تعالى احتج به على المشركين ، ولا يجوز ان يدلهم الا بما فيه دليل ، فقياس خلق عـيـسـى مـن غـيـر ذكـر كـقـيـاس خلق ادم ، بل هو فيه اوجب ، لانه في ادم من غير اءنثى ولا ذكر (2).
    مثال : وعند تفسيره لقوله تعالى :
     ( افمن يمشي مكبا على وجهه اهدى امن يمشي سويا على صراط مستقيم ) (3) قال الطوسي :
1 ـ ال عمران ( 3 ) الاية59.
2 ـ الطوسي ، التبيان ، ج2 ، ص 482.
3 ـ الملك ( 67 ) الاية22.


(97)
    وفـي الايـة دلالـة على وجوب النظر في الدين لانه تعالى ضرب المثل بالناظر في مايسلكه ، حتى خـلـص الـى الـطـريـق المستقيم ، فمدحه بهذا ، وذم التارك للنظر مكبا على وجهه ، لايثق بسلامة طريقه (1).
    مثال : وعند تفسيره لقوله تعالى :
     ( او لم ير الانسان انا خلقناه من نطفة فاذا هو خصيم مبين ) (2) قال الطوسي :
    وفـي الايـة دلالـة على صحة استعمال النظر ، لان اللّه ( تعالى ) اقام الحجة على المشركين بقياس النشاة الثانية على النشاة الاولى ، وانه يلزم من اقر بالاولى ان يقربالثانية (3).
    كما وقد تبنى الشيخ الطوسي مبدا الاخذ بالقياس العقلي واعتباره حجة ، كما في تفسيره لقوله تعالى :
     ( اليس ذلك بقادر على ان يحيي الموتى ) (4) فقال : وفي الاية دلالة على صحة القياس العقلي ، وهو ان من قدر على احياء الانسان قادر على احيائه بعد الاماتة (5).
    وفـي الوقت الذي نجد الشيخ الطوسي يدلل على صحة القياس العقلي ، نجده لايقر بصحة القياس في الشريعة ، فيقول عند تفسيره لقوله تعالى :
     ( ... فـاتـاهـم اللّه مـن حـيـث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بايديهم وايدي المؤمنين فاعتبروا يا اولي الابصار ) (6) ومن استدل بهذه الاية على صحة القياس في الشريعة فقد ابعد ، لان الاعتبار ليس من القياس في شي ء وانـما معناه الاتعاظ ولايليق بهذا الموضع قياس في الشرع ، لانه لو قال
1 ـ الطوسي ، التبيان ، ج10 ، ص 68و69.
2 ـ يس ( 36 ) الاية77.
3 ـ الطوسي ، التبيان ، ج8 ، ص 418.
4 ـ القيامة ( 75 ) الاية40.
5 ـ الطوسي ، التبيان ، ج10 ، ص 203.
6 ـ الحشر ( 59 ) الاية2.


(98)
بعد قوله : ( يخربون بيوتهم بايديهم وايدي المؤمنين ) فقيسوا الارز على الحنطة لما كان كلاما صحيحا ، ولا يليق بما تقدم ، وانما يليق بما تقدم الاتعاظ والانزجار عن مثل افعال القوم من الكفر باللّه. (1)

2 ـ رفضه للفكرة القائلة بان المعارف ضرورية
    وقد استدل المفسر باءسلوب عقلي رائع على القائلين بها وفند مزاعمهم ، ومن ذلك قوله عند تفسيره للاية الكريمة :
     ( انما يامركم بالسوء والفحشاء وان تقولوا على اللّه ما لا تعلمون ) (2) فقال :
    وفـي الايـة دلالة على بطلان قول من قال : ان المعارف ضرورة ، لانها لو كانت ضرورة لماجاز ان يـدعوهم الى خلافها ، كما لايدعوهم الى خلاف ما هم مضطرون اليه من ان السماء فوقهم والارض تحتهم ، وما جرى مجراه مما يعلم ضرورة (3).
    كما ورد الشيخ الطوسي على القائلين بان المعارف ضرورة عند تفسيره لقوله تعالى :
     ( واذا ذكر اللّه وحده اشمازت قلوب الذين لا يؤمنون بالاخرة ) (4).
    فقال : وفي قوله اشمازت قلوبهم دليل على فساد قول من يقول : المعارف ضرورة.
    وقال الطوسي عند تفسيره لقوله تعالى :
     ( واذا قيل لهم تعالوا الى ما انزل اللّه والى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه اباءنا او لو كان اباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون ) (5) وفـيها دلالة على وجوب المعرفة ، وانها ليست ضرورية ، لان اللّه تعالى بين الحجاج
1 ـ الطوسي ، التبيان ، ج9 ، ص 558.
2 ـ البقرة ( 2 ) الاية169.
3 ـ الطوسي ، التبيان ، ج2 ، ص 74.
4 ـ الزمر ( 39 ) الاية45.
5 ـ المائدة ( 5 ) الاية104.


(99)
عليهم في هذه الاية ، ليعرفوا صحة ما دعا الرسول اليه ، ولو كانوا يعرفون الحق ضرورة لم يكونوا مقلدين لابائهم ، وكـان يـجـب ان يـكـون اباؤهم ايضا عارفين ضرورة ولو كانواكذلك لماصح الاخبار عنهم بانهم لايـعـلمون شيئا ولايهتدون ، وانما نفى عنهم الاهتداءوالعلم معا ، لان بينهما فرقا ، وذلك ان الاهتداء لايكون الا عن بيان وحجة (1).

3 ـ رفضه التقليد في اصول الدين
    رفض الشيخ الطوسي التقليد في الامور الاعتقادية شانه في ذلك شان كل اتباع المذهب الامامي القائل بعدم صحة الاعتقاد المبني على التقليد والاتكال على تقليدالمربين او الاباء :
    بـل يجب على الانسان بحسب الفطرة العقلية المؤيدة بالنصوص القرانية ان يفحص ويتامل في اصول اعـتـقـاداتـه الـمسماة باصول الدين ، التي اهمها التوحيد والنبوة والامامة والمعاد ، ومن قلد اباءه او نـحوهم في اعتقاده هذه الاصول فقد ارتكب شططا وزاغ عن الصراط المستقيم ، ولايكون معذورا ابدا (2).
    وقـداكـد الشيخ الطوسي رفضه التقليد في ثنايا تفسيره ، ورد على القائلين به في اكثر من مناسبة ، فهو عند تفسيره لقوله تعالى :
     ( انا وجدنا اباءنا على امة وانا على اثارهم مهتدون ) (3)
قال :
    والـتـقليد قبيح بموجب العقل ، لانه لو كان جائزا للزم فيه ان يكون الحق في الشي ءونقيضه ، فيكون عابد الوثن يقلد اسلافه ، وكذلك يقلد اسلافه اليهودي والنصراني والمجوسي ، وكل فريق يعتقد ان الاخر على خطا وضلال ، وهذا باطل بلاخلاف ، فاذا
1 ـ الطوسي ، التبيان ج4 ، ص 39 40.
2 ـ المظفر ، عقائد الامامية ، ص 32.
3 ـ الزخرف ( 43 ) الاية 23.


(100)
لابد من الرجوع الى حجة عقل او كتاب منزل من قبل اللّه تعالى (1).
    وعند تفسيره لقوله تعالى :
     ( واذا فـعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها اباءنا واللّه امرنا بها قل ان اللّه لايامر بالفحشاء اتقولون على اللّه مالاتعلمون ) (2) قال :
    وفـي الاية حجة على اصحاب المعارف واهل التقليد لانه ذم الفريقين ، ولو كان الامرعلى مايقولون لماتوجه عليهما الذم (3).
    وفي تفسيره قوله تعالى :
     ( قـل هـلم شهداءكم الذين يشهدون ان اللّه حرم هذا فان شهدوا فلاتشهد معهم ولاتتبع اهواءالذين كذبوا باياتنا والذين لايؤمنون بالاخرة وهم بربهم يعدلون ) (4) قال :
    مـعـنى هذه الاية ان الحجاج بان الطريق الموصول الى صحة مذهبهم غير مسند ....؟ اذالم يثبت من جهة حجة عقل ولاسمع ، وما لم يصح ان يثبت من احد هذين الوجهين باطل لامحالة (5).
    ثم يردف الطوسي قائلا :
    وفي الاية دلالة على فساد التقليد ، لانه لو كان التقليد جائزا لماطالب اللّه الكفار بالحجة على صحة مذهبهم ، ولماكان عجزهم على الاتيان بها دلالة على بطلان ما ذهبوااليه (6).
    وعند تفسيره لقوله تعالى :
1 ـ الطوسي ، التبيان ، ج9 ، ص 190.
2 ـ الاعراف ( 7 ) الاية 28.
3 ـ الطوسي ، التبيان ، ج4 ، ص 383.
4 ـ الانعام ( 6 ) الاية 150.
5 ـ الطوسي ، التبيان ، ج4 ، ص 312.
6 ـ نفس المصدر ، ص 313.
حياة الشيخ الطوسي ::: فهرس