حياة الشيخ الطوسي ::: 81 ـ 90
(81)
    وقوله تعالى ( افلا يتدبرون القران ام على قلوب اقفالها ) (1).
    وقـدفـسـر الـمـجـوزون نـهي الرسول (ص) بانه واقع على من قال برايه في نحو مشكل القران ومـتـشـابهه ، او اريد بالراي الذي يغلب على صاحبه من غير دليل يقوم عليه او مجمل النهي ، او من يقول في القران بظاهر العربية دون ان يرجع الى الماثور ، وبالتالي فان المفسربالراي الذي يستعين بالماثور وادوات التفسير الاخرى من اللغة العربية وعلومها وعلوم القران والتاريخ والفقه واصوله وعلى العقائد وغيرها ، مما ذكرها الباحثون شروطاللمفسرين (2) لايمكن ان يكون مشمولا بـالـنـهـي الوارد في الحديث (3) ، وهذا يعنى ـ حسب راي هذا الفريق ـ ان هناك نوعين من الـتـفـسـيـر بالراي : احدهما جائز معتبر ، وهوالذي تراعى فيه الاصول والمعايير المعتبرة لدى المفسرين ، والتي لايخرج منها المفسر من احكام الشريعة وروح القران الكريم ، والنوع الاخر هو الـنـوع الـمـنـهـي عنه والذي لايلتزم فيه المفسر بالمعايير والضوابط المعروفة التي درج عليها الـمـفسرون ، وبالتالي فسوف تاتي تفسيراتهم ، وهي تحمل معها بذور التناقض والخلاف مع الاحكام الاسلامية والمنطق القراني.
    هـذا وان الـتـفسير بالراي قد اتخذ مسارات وطرقا مختلفة تتناسب ونوع الثقافة التي حصل عليها المفسر وطريقة التفكير في المدرسة التي ينتمي اليها ، ويمكن ذكر اهم المناحي التفسيرية في هذا المجال وهي :
    1 ـ الـمـنحى الفقهي في التفسير : وهو المنهج الذي سلكه المفسرون في بيان ايات الاحكام ، وتوضيح الـمـراد منها ، وقداتسع هذا الاتجاه من التفسير بعد ان ظهرت المذاهب الاسلامية المختلفة ، والتي اختلف معها المفسرون كل حسب مايعتقده ومايتبناه من افكارومفاهيم ، فلاهل السنة بمذاهبهم الاربعة تـفـسـير فقهي متنوع تبعا لهذه المذاهب الفقهية ، وكذلك الظاهرية والخوارج ، (4) واخرون غيرهم.
1 ـ محمد ( 47 ) الاية 24.
2 ـ السيوطي ، الاتقان ، ج4 ، ص 200.
3 ـ الذهبي ، التفسير والمفسرون ، ج1 ، ص 253 ومابعدها.
4 ـ نفس المصدر ، ص 432 ومابعدها.


(82)
    فـلـلحنفية كتاب احكام القران لابي بكر الرازي المعروف بالجصاص ( ت 370 هـ ) ، وعندالشافعية كـتـاب احـكـام الـقـران لابي الحسن الطبرى ( ت 540 هـ ) ، ولدى المالكية كتاب ( احكام القران ) لابي بكربن العربي ( ت 543 هـ ).
    2 ـ الـمـنـحـى الـعقيدي : والذي نشا بسبب اتجاه رجال كل فرقة الى اعمال عقولهم في تاويل النص القراني ، وتحكيم معتقداتهم فيه ، ومن ثم استخراج الادلة منه على سلامة اتجاههم (1).
    وقـدكـان هـذا المنحى خطيرا جدا حيث ظهرت امتدادات الصراع الفكري والعقائدي بشكل مؤثر حـاول الـكـثـير من الفرق تسخير كتاب اللّه وجره بما ينسجم ومتبنياتهاواتجاهاتها ، فتاولت ايات الكتاب بشكل قسري ، وكثيرا ماكانت تبتعد فيه عن الروح الموضوعية والنزاهة ، وقدكان للمعتزلة دور كبير في هذا الميدان ، حيث انهم حاولوا تطويع النص القراني لمايخدم افكارهم ، وركبوا عامل الـلـغة للوصول الى هذا الهدف ، وتفسيرالكشاف للزمخشري (2) حافل بهذا النوع من التاويل والتفسير الذي تطفح فيه النزعة الاعتزالية بشكل جلي ، يقابله في الجانب الاخر الفخر الرازي في تـفـسيره مفاتيح الغيب ، والذي دافع فيه عن اهل السنة وابرز النزعة الاشعرية ، وهاجم المعتزلة ، واشـبـع تـفـسـيـره نـقـدا لـهـم واحـتـجـاجا عليهم ، كما ودخل علماء المدرسة الامامية حلبة الصراع وطرحوا اراءهم ومعتقداتهم في كتب التفسير ، حيث لم يكونوا متفقين مع المعتزلة في جميع مـعـتـقداتهم ، وكذلك مع اهل السنة (3) ، الى جانب ذلك فقدظهرت فرق اخرى عديدة اخذت تتوسل بالقران في اثبات عقائدها وافكارها كالخوارج والجهمية والمرجئة وغيرهم (4).
1 ـ الشحات زغلول ، الاتجاهات الفكرية في التفسير ، ص 184
2 ـ نفس المصدر.
3 ـ شـرح الـمفسرون من الامامية افكارهم في مسالة الصفات ورؤية اللّه وخلق القران والعدل و الحسن و القبح و العصمة و التقية و الرجعة الي غير ذلک من المسائل المختلف عليها مع الفرق الاسلاميه الاخري.
4 ـ علي سامي النشار ، نشاة الفكر الفلسفي في الاسلام ، ج1 ، ص 229.


(83)
    3 ـ الـمـنـحى الفلسفي : وقدنشا هذا المنهج بعد اتصال المسلمين بغيرهم فيما بعد عصرالفتوحات ، وكـذلـك بـعـد ان نـشـطـت حـركـة الترجمة من الكتب والثقافات الاخرى كاليونانية والفارسية والـهـندية (1) ، فقام الفلاسفة المسلمون بمحاولة التوفيق بين الثقافة الاسلامية وغيرها من الـثقافات الاخرى ، كما حاولوا التوفيق بين الفلسفة وبين الدين الاسلامي من خلال تاويل النصوص الدينية ، وحملها على معان تتفق وماتقول به الفلسفة (2).
    فـالـفـارابـي فسر الملائكة بانها صور علمية ، جواهرها علوم ابداعية قائمة بذواتها ، تلحظالامر الاعـلـى فينطبع في هوياتها ماتلحظ ، وهي مطلقة لكن الروح القدسية تخاطبها في اليقظة ، والروح النبوية تعاشرها في النوم (3) وفسر ابن سينا قوله تعالى ( اللّه الصمد ) فقال : للصمد في اللغة تفسيران : احدهما الذي لاجوف له ، والثاني : السيد ، فعلى التفسيرالاول معناه سلبي ، وهو اشارة الى نـفـي الـماهية ، فان كان ماله ماهية فله جوف وباطن ، وهوتلك الماهية ، ومالابطن له ، وهو موجود فـلاجـهـة ولااعتبار في ذاته الا الوجود ، والذي لااعتبار له الا الوجود فهو غير قابل للعدم ، فان الـشـي ء مـن حـيـث هو هو موجود غير قابل للعدم ، اذ الصمد الحق واجب الوجود مطلقا من جميع الوجوه ، وعلى هذا التفسير الثاني معناه اضافي ، وهو كونه سيدا للكل اي مبدا للكل (4).
    4 ـ الـمنحى الباطني : واصحاب هذا المذهب هم من الاسماعيلية الذين قالوا بامامة اسماعيل بن الامام جـعـفـرالـصـادق ، والـبـاطـنـيـة كانت قدظهرت ايام حكم المامون العباسي ، وانتشرت في زمان المعتصم (5).
    وقداسرفت هذه الفرقة في التمسك بباطن الايات القرانية دون ظاهرها المعلوم من اللغة ، وقالوا : ان نـسبة الباطن الى الظاهر كنسبة اللب الى القشور متشبثين بقوله تعالى :
1 ـ السيد خليل ، نشاة التفسير ، ص 55.
2 ـ الشحات زغلول ، الاتجاهات الفكرية في التفسير ، ص 301.
3 ـ نفس المصدر ، ص 317.
4 ـ الشحات زغلول ، الاتجاهات الفكرية في التفسير ، ص 327.
5 ـ عبدالقاهر البغدادي ، الفرق بين الفرق ، وبيان الفرقة الناجية منهم ، ص 170.


(84)
( فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب ) (1).
    وقـدافـرد الغزالي كتابا خاصا لنقض افكارهم والتشهير بهم سماه فضائح الباطنية ، يقول في بعض فقراته :
    ولماعجزوا عن صرف الخلق عن القران والسنة صرفوهم عن المراد بهما الى مخاريق زخرفوها ، واسـتـفـادوا ابطال معاني الشرع ، وكل ماورد من الظواهر في التكاليف والحشروالنشر والامور الالهية ، فكلها امثلة ورموز الى بواطن (2).
    وذكر بعضا من نماذجهم التفسيرية منها :
    الزنى هو القاء نطفة العلم الباطن في نفس من لم يسبق معه عقد العهد.
    والاحتلام : هو ان يسبق لسانه الى افشاء السر في غير محله ، فعليه الغسل ، اي تجديدالمعاهدة.
    اما نار ابراهيم فهي غضب نمرود لا النار الحقيقية.
    وذبح اسماعيل معناه اخذ العهد عليه (3).
    ومـثل هذا التفسير لم يجد رواجا واسعا ، خاصة وانه يخالف النصوص القرانية مخالفة صريحة ، كما ولـم يدعمه اصحابه بما يوثقه من احاديث النبي (ص) ، او احاديث الائمة من اهل البيت باعتبارهم من القائلين بامامة علي والحسنين وعلي بن الحسين ومحمدالباقروجعفرالصادق (ع).
    5 ـ الـمـنحى الصوفي : واصحاب هذا المذهب من المتصوفة الذين عرفوا بالاتجاه الروحي ، والذين يـغـلـب عليهم طابع الزهد والتقشف ، وقدحاول هؤلاء اخضاع القران الكريم الى مايعتقدونه ، شانهم بـذلـك شـان غيرهم من اصحاب المذاهب المختلفة ، وقدجاءتفسيرهم لايات القران الكريم متميزا بـالـرمـزيـة واسـتـعـمال الاشارة في التعبير ، وهم في ذلك يلتقون مع الباطنية في بعض المواقف الـتفسيرية ازاء النصوص ، وهم في منحاهم هذا
1 ـ نفس المصدر ، ص 181 ، مناهل العرفان للزرقاني ، ج2 ، ص 74 والاية : الحديد ( 57 ) 13.
2 ـ الغزالي ، فضائح الباطنية ، تحقيق عبدالرحمن بدوي ، ص 55.
3 ـ الغزالي ، فضائح الباطنية ، ص 55 ومابعدها.


(85)
يستندون الى ما في القران من دعوة للتامل والتدبر ، والـى مـاروي عـن رسـول اللّه (ص) : لـكـل ايـة ظهر وبطن ، ولكل حرف حد ، ولكل حد مطلع و ... (1) ، وبذلك تاولوا ايات القران الكريم ، وفسروها بما يتناسب ورؤاهم ، ومن ذلك تفسير قوله تعالى ( وان من الحجارة لمايتفجر منه الانهار وان منها لما يشقق فيخرج منه الماء وان منها لما يـهـبـط من خشية اللّه ) (2) ، فذكروا ان مراتب القلوب في القسوة مختلفة فالتي يتفجر منها الانـهـار قلوب يظهر عليهاالغليان انوار الروح بترك الملذات والشهوات وبعض الاشياء والمشبهة بخرق العادات ، كمايكون لبعض الرهبانيين واليهود.
    والـتـي تـشـقـق ( فيخرج منه الماء ) هي التي يظهر عليها في بعض الاوقات عند انخراق الحجب الـبـشـريـة من انوار الروح فيريه بعض الايات والمعاني المعقولة كما يكون لبعض الحكماء والتي ( يـهـبـط مـن خـشية اللّه ) مايكون لبعض اهل الاديان والملل من قبول عكس انوار الروح من وراء الحجب ، فيقع فيها الخوف والخشية وهذه المراتب مشتركة بين المسلمين وغيرهم (3).
    3ـ التفسير اللغوي : وقدتبنى اصحاب هذا المنهج استخدام اللغة كاداة اساسية في فهم النص القراني واستخلاص معاني الايات منه باعتباره نصا ادبيا معجزا ، ومن اشهر اصحاب هذا الاتجاه الفراء ( ت 207 ) ، ومـن ثم جاء ابو عبيده ( ت 210 ) ، واعقبهم في ذلك ثعلب ( ت 291 ) ، وغيرهم ممن كتبوا في معاني القران ، وقد اوجد هذا الاتجاه حركة واسعة في مجال الدراسات اللغوية ، فظهرت بعد ذلك اثـار علمية في غريب القران وامثال القران ومصادرهاوغيرها (4) ، وقداكثر اصحاب هذا الاتـجاه من الاستشهاد بالشعر العربي على الايات القرانية ، وعنوا عناية خاصة باللغة صرفتهم عن الاشـتـغـال بـالقصص القراني وتفصيل القول فيه (5) ،
1 ـ الشاطبي ، الموافقات ، ج3 ، ص 382.
2 ـ البقرة ( 2 ) الاية 74.
3 ـ نظام الدين النيسابوري ، غرائب القران ورغائب الفرقان ، ج1 ، ص 348.
4 ـ السيد خليل ، نشاة التفسير ، ص 58.
5 ـ ابوعبيدة ، مجاز القران ، ج1 ، ص 168.


(86)
وقد اثر هذا الاتجاه تاثيرا خاصا في اسـتـحصال التحليل الذي لايدع النص مخلقا او مطويا على نفسه دون الاستفادة بكل ما فيه من ايثار لـفـظـة عـلى اخرى او حرف على اخر (1) ، ولعل اول من حفز على انتهاج هذا السبيل هو ابـن عـبـاس حـيـنـما قال : اذاسالتموني عن غريب القران فالتمسوه في الشعر ، فان الشعر ديوان العرب (2).

وصف مجمل للتبيان
يـقـع الـتـبيان في عشرة مجلدات ضخمة تحتوي على ( 5312 ) صفحة ، وقدافتتح الشيخ ‌الطوسي تفسيره بمقدمة قصيرة اشار فيها الى الاسباب التي دعته ان يكتب هذا التفسير ، حيث قال :
    ان الذي حملني على الشروع في عمل هذا الكتاب ، اني لم اجد احدا من اصحابنا ـقديما وحديثا ـ من عمل كتابا يحتوي على تفسير جميع القران ، ويشتمل على فنون معانيه ، وانما سلك جماعة منهم في جـميع مارواه ونقله وانتهى اليه في الكتب المروية في الحديث ، ولم يتعرض احد منهم لاستيفاء ذلك وتـفـسـيـر مايحتاج اليه ، فوجدت من شرع في تفسير القران من علماء الامة ، بين مطيل في جميع مـعـانـيـه ، واستيعاب ماقيل فيه من فنونه كالطبري وغيره ، وبين مقصر اقتصر على ذكر غريبه ومعاني الفاظه ، وسلك الباقون المتوسطون في ذلك مسلك ماقويت فيه منتهم ، وتركوا مالامعرفة لهم بـه ، فـان الـزجـاج والـفـراء ومـن اشـبـهـهـمـا مـن الـنـحـويين افرغوا وسعهم في الاعراب والـتـصـريـف ، ومـفـضـل بـن سلمة وغيره استكثروا من علم اللغة واشتقاق الالفاظ ، والمتكلمين كـابـي عـلـي الـجـبـائي وغيره صرفوا همتهم الى مايتعلق بالمعاني الكلامية ، ومنهم من اضاف الى ذلـك الـكـلام في فنون علمه ، فادخل فيه مالايليق به من بسط فروع الفقه واختلاف الفقهاءكالبلخي وغـيـره ، واصلح من سلك في ذلك مسلكا جميلا مقتصدا محمد بن بحرابومسلم الاصفهاني وعلي بن عيسي الرماني ، فان كتابيهما اصلح ماصنف في هذا
1 ـ السيد خليل ، دراسات في القران ، ص 70.
2 ـ القرطبي ، الجامع لاحكام القران ، ط2 ، ج1 ، ص 24.


(87)
المعنى ، غير انهما اطالا الخطب فيه ، واوردا فيه كثيرا مما لايحتاج ، وسمعت جماعة من اصحابنا ـ قديما وحديثا ـ يرغبون في كتاب مقتصد يجتمع عـلـى جـميع فنون علم القران من القراءة والمعاني والاعراب والكلام على المتشابه والجواب عن مـطاعن الملحدين فيه وانواع المبطلين كالمجبرة والمشبهة والمجسمة وغيرهم ، وذكرمايختص اصـحـابـنـا بـه مـن الاسـتـدلال بـمـواضـع كـثـيرة منه على صحة مذاهبهم في اصول الديانات وفروعها. (1) بناء على ذلك كتب الشيخ الطوسي تفسيره الذي يمكننا ان نصفه بما يلي :
    1 ـ مـن حـيـث الـمـنهج استطاع المفسر ان ياتي بتفسير يعتمد على الاثر والمنقول كمايعتمد على الـمعقول ، واعتماده الاثر كان يتم وفق ضوابط ومعايير خاصة ، اساسها النقدوالمحاكمة والترجيح وفـي خصوص التفسير يشترط الطوسي مراعاة الادلة الصحيحة العقلية والشرعية ، وبذلك رسم الخطوط العامة لهذا المنهج التفسيري الذي لم يتجاوزهااثناء التفسير ، بل ظل ملازما لها وملتزما بها في تبيانه.
    2 ـ في بداية كل سورة يريد تفسيرها يشير الطوسي الى عدد اياتها وينبه الى الاختلاف الحاصل بين القراء في العدد ان وجد.
    فـفـي سـورة الـحـج قـال : وهـي ثـمان وسبعون اية في الكوفي ، وست في المدنيين ، وخمس في المكي (2)
     بـيـنـمـا اكـد عـدم وجـود الـخلاف في عدد ايات سورة الزخرف فقال : وهي تسع وثمانون اية بلاخلاف (3).
    وهكذا يعمل في بداية كل سورة.
    3 ـ يـنـبـه الـمـفـسر الى المكي والمدني من الايات في كل سورة ، مع ذكر اسماء بعض المفسرين واراءهم بذلك.
1 ـ الطوسي ، التبيان ، ج1 ، ص 2
2 ـ انظر التبيان ، ج7 ، ص 255.
3 ـ نفس المصدر ، ج9 ، ص 177.


(88)
    ففي سورة المنافقون قال : مدنية بلاخلاف ، وهو قول ابن عباس وعطاءوالضحاك (1).
    وعن سورة عبس قال : مكية في قول ابن عباس والضحاك (2).
    كما يبين الشيخ الطوسي الاقوال المختلفة في كون الايات مكية ام مدنية ، كما في سورة الانفال حيث قـال : هـذه الـسورة مدنية في قول قتادة وابن عباس ومجاهد وعثمان ، وقال : هي اول مانزل على الـنبي (ص) ، وحكى عن ابن عباس انها مدنية الا سبع ايات اولها ( وان يمكر بك الذين كفروا ) الى اخر سبع ايات بعدها (3).
    ومثل هذا الاختلاف بين المفسرين ذكره الطوسي عند تفسيره لسورة النحل فقال :
    وهي مكية الا اية هي قوله ( والذين هاجروا في اللّه من بعد ما ظلموا ).
    وقال الشعبي : نزلت النحل كلها بمكة الا قوله ( وان عاقبتم ) ... الى اخرها.
    وقال قتادة : من اول السورة الى قوله ( كن فيكون ) مكي والباقي مدني .
    وقال مجاهد : اولها مكي واخرها مدني (4).
    4 ـ يـشـيـر المفسر في اوائل السور احيانا الى وجود النسخ او عدمه في السورة ، فهو في تفسيره لـسـورة الـسـجـدة قال : ليس فيها ناسخ ولامنسوخ (5) ومثل ذلك قاله في تفسيره لسورة الرعد (6).
    بينما نجده في سورة الاعراف يذكر اختلاف المفسرين حول وقوع النسخ فيها فيقول :
    وقال قوم : هي محكمة كلها ، وقال اخرون : حرفان منها منسوخان :
    احدهما : قوله ( خذ العفو ) يريد من اموالهم وذلك قبل الزكاة .
    والاخر : قوله ( واعرض عن الجاهلين ) نسخ باية السيف (7).
1 ـ نفس المصدر ، ج5 ، ص 71.
2 ـ نفس المصدر ، ج6 ، ص 357.
3 ـ نفس المصدر ، ج5 ، ص 71.
4 ـ نفس المصدر ، ج6 ، ص 357.
5 ـ نفس المصدر ، ج9 ، ص 101.
6 ـ نفس المصدر ، ج6 ، ص 211.
7 ـ يـريـد بـهـاالايـة5 مـن سـورة التوبة ( 9 ) : ( فاذا انسلخ الاشهر الحرم فاقتلواالمشركين حيث وجدتموهم و خذوهمو احصروهم و اقعدوا لهم کل مرصد ).


(89)
    وقال قوم : ليس واحد منهما منسوخا ، بل لكل منهما موضع والسيف له موضع.
    وهنا قال الطوسي مرجحا للراي الثاني : وهو الاقوى ، لان النسخ يحتاج الى دليل (1).
    5 ـ يـشـرح الـمفسر اراء اللغويين والاختلافات الواردة في ارائهم ، وقديرد على بعضها ، ويرجح البعض الاخر ، كما ويطرح رايا خاصا به مخالفا بذلك كل الاراء المطروحة (2) وقد يستعين الشيخ الطوسي بذكر الاراء اللغوية لكشف المقصود من الاية ولبيان المعنى المستودع فيها.
    6 ـ يـذكـر الـمفسر من الاعراب واراء النحاة مايعينه على استيضاح معنى الاية ، وفهم المراد منها ، وهو في هذا المجال يناقش اراء النحاة ، ويرد على بعضهم ، وقديرجح اراءالبعض الاخر ، كما يورد احيانا اراء خاصة به مما يؤكد قدرته العالية في هذاالباب (3).
    7 ـ لايـحظى الشعر عند الطوسي باهمية خاصة في تفسيره ، وان اكثر من الاستشهاد به ، كما وانه لايـرقـى لان يكون حجة لاثبات حقيقة دينية ، وانما يذكره لتاكيد المعنى ، او تاييدالاستعمال لغوي ضـمن السياق القراني ، وقدلايذكر اسماء الشعراء الذين يستشهد بشعرهم ، وربما يعود ذلك الى قلة اكتراثه بهم (4).
    8 ـ اسـتخدم عددا من الامثال مما قالته العرب في استيضاح بعض المعاني او المفاهيم ، ولكنه لم يكثر منها (5) 9 ـ اكـثـر من الحديث حول القراءات وبين اراء جمع من القراء والاختلاف في قراءتهم ولكنه اجاز القراءة باي من القراءات المشهورة ، ولم يعترض على واحدة منها (6).
1 ـ انظر التبيان ، ج4 ، ص 340.
3 ـ انظر صفحة 175 ومابعدها من هذه الرسالة.
3 ـ انظر صفحة 189 ومابعدها من هذه الرسالة.
4 ـ انظر صفحة 219 ومابعدها من هذه الرسالة.
5 ـ انظر صفحة 217 ومابعدها من هذه الرسالة.
6 ـ انظر صفحة 206 ومابعدها من هذه الرساله.


(90)
    10 ـ تخفف الشيخ الطوسي في تفسيره من البلاغة ، ولم يسهب في الكلام حولها ، وربماكان يشير اليها احيانا دون عناية مشهودة ، ولم اجد في التبيان ما يؤكد اهتمام المفسر بها ، كماهو الحال في القراءة او اللغة والاعراب ، وقد ذكرها في موارد معدودة كما في تفسيره لقوله تعالى :
     ( ومكروا ومكر اللّه واللّه خير الماكرين ) (1) فقال :
    والمكر وان كان قبيحا ، فانما اضافه تعالى الى نفسه لمزاوجة الكلام ، كما قال : ( فمن اعتدى عليكم فـاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ) (2) وليس باعتداء ، وانما هو جزاء ، وهذا احد وجوه البلاغة ، لانه على اربعة اقسام :
    احدها : المزاوجة نحو ( ومكروا ومكر اللّه ).
    والـثاني : المجانسة نحو قوله : ( يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والابصار ) (3) بالنصب على مجانسة الجواب للسؤال.
    والـثـالـث : الـمـطـابقة نحو قوله ( ماذا انزل ربكم قالوا خيرا ) (4) وبالنصب على مطابقة يتبع الجواب للسؤال.
    والـرابـع : الـمقابلة نحو قوله : ( وجوه يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة ووجوه يومئذ باسرة تظن ان يفعل بها فاقرة ). (5 ) و ( 6)
11 ـ اسـتعان الشيخ الطوسي في تفسير الايات بذكر ايات اءخرى ليفسر بعضها بالبعض الاخر وفقا لـمبدا تفسير القران بالقران (7) كما واستفاد من السياق والنظم بين الايات
1 ـ ال عمران ( 3 ) الاية 54.
2 ـ البقرة ( 2 ) الاية194.
3 ـ النور ( 24 ) الاية37.
4 ـ النحل ( 16 ) الاية30.
5 ـ القيامة ( 75 ) 22ـ25.
6 ـ التبيان ، ج2 ، ص 476 ،
7 ـ انظر صفحة 133 و ما بعدها من هذه الرسالة.
حياة الشيخ الطوسي ::: فهرس