حياة الشيخ الطوسي ::: 141 ـ 150
(141)
فاجره على اللّه انه لايحب الظالمين ) (1).
    فيقول :
    قـال : ( جزاء سيئة سيئة مثلها ) قال ابو نجيح والسدي : معناه اذا قال اخزاه اللّه متعديا قال له مثل ذلك اخـزاه اللّه ، ويـحـتمل ان يكون المراد ماجعل اللّه لنا الا الاقتصاص منه من ( النفس بالنفس والعين بالعين والانف بالانف والاذن بالاذن والسن بالسن والجروح قصاص ) (2).
    فان للمجني عليه ان يفعل بالجاني مثل ذلك من غير زيادة وسماه سيئة للازدواج ، كماقال :
     ( وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ) (3). وقال :
     ( فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ) (4).
    وقد اكثر الشيخ الطوسي من الاستشهاد بالايات القرانية في تفسيره لايات اخرى ومن خلال قراءتنا لتفسير التبيان ، لم نجده يفوت فرصة الا ويستثمر بها اية قرانية لشرح اخرى.

اعتماده مبدا السياق والنظم في القران
اسـتـعان الشيخ الطوسي بنظم الايات القرانية والعلاقة القائمة بين الايات السابقة والايات اللاحقة لاسـتجلاء الكثير من المعاني ، واستطاع من خلال عملية الربط بين الايات المتجاورة ضمن السياق الـقـراني ان يبرز مفهوما ماكان بمقدوره ان يوصل الى ذهن القارئ بغير عملية الربط هذه بين الاية وماسبقها من الايات ، وهذا مايؤكد اهتمام المفسر بمبداالسياق باعتباره احد القرائن الحالية في فهم الكلام (5).
    اذن لابـد لـلـمفسر من ان يبحث عن كل مايكشف اللفظ الذي يؤيد فهمه من دوال اخرى
1 ـ الشورى ( 42 ) الاية 40.
2 ـ المائدة ( 5 ) الاية 40.
3 ـ النحل ( 16 ) الاية 126.
4 ـ انظر التبيان ، ج9 ، ص 167 ، الاية : البقرة ( 2 ) 194.
5 ـ رمضان ، الطباطبائي ومنهجه في تفسير القران ، ص 163.


(142)
، سواء كانت لـفظية كالكلمات التي تشكل مع اللفظ الذي يريد فهمه كلاما مترابطا او حالياكالظرف والملابسات التي تحيط بالكلام ، وتكون ذات دلالة في الموضوع (1).
    وحـيـنما يغفل المفسر سياق الايات القرانية وطريقة الصياغة والنظم المسلسل الذي جاءت به تلك الايات فمن الطبيعي ان يقع في مطبات ضخمة اثناء تفسيره للنصوص القرانية ، وكما حصل للمجبرة حين اقتطعوا نصا قرانيا وفسروه بعيدا عن مبدا الاخذبالسياق فقالوا في تفسير قوله تعالى ( واللّه خلقكم وما تعملون ) (2) : ان ذلك يدل على ان اللّه خالق لافعالنا (3).
    في حين ان الملاحظ في السياق انها جاءت حكاية لقول ابراهيم مع قومه واستنكاره لعبادتهم الاصنام والتي هي اجسام ، واللّه تعالى هو المحدث لها (4).
    وكذلك الحال في قوله تعالى : ( ذق انك انت العزيز الكريم ) (5).
    اذ كانت تدل بسياقها على انه الذليل الحقير (6).
    مـن هنا فان ملاحظة السياق والتناسب والترابط بين الفصول والمجموعات القرانية ضرورة ومفيدة جدا في فهم مدى القران ومواضيعه واهدافه (7).
    ولـذلـك فـان الـشيخ الطوسي يستعين بنظم الايات القرانية واسلوب صياغتها لتعيين بعض المعاني والـكـشـف عن المقاصد والنكات القرانية او دعم مايتبناه من راي تفسيري ، وقداحتوى التبيان على شواهد عديدة كان يؤكد فيها المفسر على العلاقة القائمة بين الايات ويستخرج منها معنى او مفهوما فقال :
1 ـ الصدر ، دروس في علم الاصول ، الحلقة الاولى ، ص 130.
2 ـ الصافات ( 37 ) الاية 96.
3 ـ الطوسي ، التبيان ، ج8 ، ص 470.
4 ـ نفس المصدر.
5 ـ الدخان ( 44 ) الاية 49
6 ـ عبدالرحمن المك ، اصول التفسير ، ص 71.
7 ـ دروزه ، القران المجيد ، ص 204.


(143)
    ان وجـه اتـصـال قـولـه تـعـالـى : ( ولا يـظـلـمـون فتيلا ) بما قبله انه لماقال : ( بل اللّه يزكي من يشاء ) (1) نفى عن نفسه الظلم لئلا يظن ان الامر بخلافه (2).
    وقـال ايـضـا : عـنـد مـا قـرا ( مـن يـطـع الـرسـول فـقـد اطـاع اللّه ومـن تولى فما ارسلناك عليهم حفيظا ) (3).
    ووجـه اتـصـال هـذه الايـة بما قبلها ، انه لماذكر الحسنة التي هي نعمة من اللّه ، بين ان منهاارسال نـبـي اللّه ، ثـم بين ان منها طاعة الرسول التي هي طاعة اللّه فهي في ذكر نعم اللّه مجملة ومفصلة ، وفـيـها تسلية للنبى (ص) في تولي الناس عنه وعن الحق الذي جاء به مع تضمنها تعظيم شانه تكون طاعته طاعة اللّه (4).
    وذكر الطوسي بعد قراءته للاية الكريمة :
     ( واتل عليهم نبا ابنى ادم بالحق اذ قربا قربانا فتقبل من احدهما ولم يتقبل من الاخر قال لا قتلنك قال انما يتقبل اللّه من المتقين ) (5) ان وجـه اتـصـال هذه الاية بما قبلها ان اللّه تعالى اراد ان يبين ان حال اليهود في الظلم ونقض العهد وارتكاب الفواحش من الامور كحال ابن ادم قابيل في قتله اخاه هابيل ، وما عاد عليه من الوبال بتعديه ، فـامـر نبيه ان يتلو عليهم اخبارهما ، وفيه تسلية للنبى (ص) لما ناله من جهلهم بالتكذيب في جحوده وتبكيت اليهود (6).
    وعندما قرا قوله تعالى :
     ( والذين يدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا انفسهم ينصرون ) (7) قال :
1 ـ النساء ( 4 ) الاية 49.
2 ـ الطوسي ، التبيان ، ج3 ، ص 222.
3 ـ النساء ( 4 ) الاية 80.
4 ـ الطوسي ، التبيان ، ج3 ، ص 268.
5 ـ المائدة ( 5 ) الاية 27.
6 ـ الطوسي ، التبيان ، ج3 ، ص 491.
7 ـ الاعراف ( 7 ) الاية 96.


(144)
    هـذا عطف على الاية الاولى ، فكانه قال : قل : وليي اللّه القادر على نصرتي عليكم وعلى من اراد بي ضـرا ، والـذيـن تـتـخـذونـهم انتم الهة لايقدرون على ان يضروكم ولا ان يدفعواعنكم ضررا ، ولايقدرون ان ينصروا انفسهم ايضا لو ان انسانا اراد بهم سوء من كسر اوغيره.
    وانـمـا كرر هذا المعنى ، لانه ذكره في الاية التي قبلها على وجه التقريع ، وذكره هاهنا على وجه الفرق بين صفة من تجوز له العبادة ممن لاتجوز ، كانه قال :
    ان ناصري اللّه ولاناصر لكم ممن تعبدون (1).
    وقال ايضا عند تفسيره لقوله تعالى :
     ( وما كان اللّه ليضل قوما بعد اذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون ان اللّه بكل شي ءعليم ) (2) قال :
    قـال مـجـاهـد : وجـه اتصال هذه الاية بما قبلها هو انه لماحرم اللّه تعالى على المؤمنين الاستغفار لـلـمـشـركـيـن بـين انه لم يكن اللّه ليؤاخذكم الا بعد ان يدلكم على تحريمه وانه يجب عليكم ان تتقوه (3) وعند ذكره لقوله تعالى :
     ( ان الـذيـن امـنـوا وعـمـلـوا الـصـالـحـات يـهديهم ربهم بايمانهم تجري من تحتهم الانهار في جنات النعيم ) (4) قال :
    لماذكر اللّه تعالى الكفار ومايستحقونه من المصير الى النار في الايات الاول ذكر في هذه ( ان الذين امنوا ) يعني صدقوا باللّه ورسوله ، واعترفوا بهما ، واضافوا الى ذلك الاعمال الصالحات ، ( يهديهم ) اللّه تـعـالى جزاء بايمانهم الى الجنة ( تجري من تحتهم الانهار في
1 ـ الطوسي ، التبيان ، ج5 ، ص 61.
2 ـ التوبة ( 9 ) الاية 116.
3 ـ الطوسي ، التبيان ، ج5 ، ص 311.
4 ـ يونس ( 10 ) الاية 9.


(145)
جنات النعيم ) يعني البساتين التي تجري تحت اشجارها الانهار التي فيها النعيم (1).
    وعند تفسيره لقوله تعالى :
     ( لا يـتـخـذ المؤمنون الكافرين اولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من اللّه في شي ءالا ان تتقوا منهم تقاة ويحذركم اللّه نفسه والى اللّه المصير ) (2) قال الطوسي :
    ووجه اتصال هذه الاية بما قبلها انه تعالى لمابين عظيم اياته بما في مقدوراته ممالايقدر عليه سواه ، دل على انه ينبغي ان تكون الرغبة في ماعنده وعند اوليائه من المؤمنين دون اعدائه الكافرين ، فنهى عن اتخاذهم اولياء دون اهل التقوى الذين سلكواطريق الهدى (3).
    وفي ذكره لقوله تعالى : ( وللّه ما في السموات وما في الارض والى اللّه ترجع الامور ) (4).
    قال :
    وجه اتصال هذه الاية بما قبلها وجه اتصال الدليل بالمدلول عليه ، لانه لماقال :
     ( ومـا اللّه يـريـد ظـلـمـا ) وصـلـه بـذكـر غـنـاه عن الظلم ، اذ الغني عنه العالم بقبحه ، ومعناه لايجوزوقوعه منه (5).

التفسير بالسنة
    تـعـنـي الـسـنـة عند الامامية الاثني عشرية قول المعصوم وفعله وتقريره ، ولافرق بين ان يكون المعصوم النبي (ص) او الائمة الاثني عشر (6).
1 ـ الطوسي ، التبيان ، ج5 ، ص 342.
2 ـ ال عمران ( 3 ) الاية 28.
3 ـ الطوسي ، التبيان ، ج2 ، ص 434.
4 ـ ال عمران ( 3 ) الاية 109
5 ـ الطوسي ، التبيان ، ج2 ، ص 555.
6 ـ الحكيم ، الاصول العامة للفقه المقارن ، ط1 ، ص 147 ، ومابعدها بيروت.


(146)
    والعصمة عند الامامية تشمل النبي والائمة الاثني عشر ، حيث قالوا :
    ان الامـام كالنبى ، يجب ان يكون معصوما من جميع الرذائل والفواحش ماظهر منهاومابطن ، كما يجب ان يـكون معصوما من الخطا والسهو والنسيان ، لان الائمة حفظة الشرع والقوامون عليه ، حالهم في ذلـك حـال الـنـبى ، والدليل الذي اقتضانا ان نعتقدبعصمة الانبياء هو نفسه يقتضينا ان نعتقد بعصمة الائمة (1).
    وقـد حظي الائمة من اهل البيت على هذه المنزلة باعتبارهم احد الثقلين اللذين تركهمارسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم في الامة ، وامر باتباعهما حينما قال (ص) :
    يا ايها الناس اني تارك فيكم ما ان اخذتم به لن تضلوا كتاب اللّه وعترتي اهل بيتي (2).
    وقـد استدل الشيخ الطوسي بهذا الحديث في كون العترة حجة كما ان الكتاب حجة (3) لياخذ بـرواياتهم بعد ثبوت صحة نسبتها اليهم (ع) شانه في ذلك شان سائرالعلماء الامامية في اخذهم عن الائمة (ع) والذين قيدوا مايروى عنهم (ع) بموافقته للكتاب عطفا على الحديث النبوي الشريف اذا جـاءكـم عـني حديث فاعرضوه على كتاب اللّه ، فماوافق كتاب اللّه فاقبلوه ، وماخالفه فاضربوا به عرض الحائط كما وانه قد روي مثل هذاالحديث عن ائمتنا (ع) (4).
    وقد حدد الشيخ الطوسي اسس منهجه الاثري في التفسير ، وفقا لماكان يراه من ان معاني القران على اربعة اقسام :
    احـدهـا : مـااختص اللّه تعالى بالعلم به فلايجوز لاحد تكلف القول فيه ولاتعاطي معرفته وذلك مثل قـولـه تـعـالـى : ( يـسـالـونك عن الساعة ايان مرساها قل انما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها
1 ـ المظفر ، عقائد الامامية ، ص 67.
2 ـ انـظـر سـنـن الترمذي ، ابواب المناقب ، مناقب اهل البيت ، والمراجعات للسيد عبدالحسين شرف الدين ، ط 19 ، ص 14 ـ 15 ، القاهره.
3 ـ انظر التبيان ، ج1 ، ص 5.
4 ـ نفس المصدر.


(147)
الا هو ) (1) ومثل قوله تعالى : ( ان اللّه عنده علم الساعة ) (2).
    وفـي مثل هذا القسم لايجيز الشيخ الطوسي لاحد ان يقول فيه شيئا حيث يؤكد ذلك بقوله : فتعاطي معرفة مااختص اللّه تعالى به خطا.
    وثانيها : ماكان ظاهره مطابقا لمعناه فكل من عرف اللغة التي خوطب بها عرف معناه ، مثل قوله تعالى :
     ( ولا تقتلوا النفس التي حرم اللّه الا بالحق ) (3).
    ومثل قوله تعالى :
     ( قل هو اللّه احد ) (4) وغير ذلك.
    وثالثها : ما هو مجمل لاينبئ ظاهره عن المراد به مفصلا ، مثل قوله تعالى :
     ( اقيموا الصلاة واتوا الزكاة ) (5).
    وقـولـه : ( وللّه عـلـى الـنـاس حـج البيت من استطاع اليه سبيلا ) (6) وقوله : ( واتوا حقه يوم حصاده ) (7) وقوله : ( في اموالهم حق معلوم ) (8) ومااشبه ذلك.
    فـان تـفـصـيـل اعداد الصلاة وعدد ركعاتها ، وتفصيل مناسك الحج وشروطه ومقاديرالنصاب في الـزكاة ، لايمكن استخراجه الا ببيان النبى (ص) ووحي من جهة اللّه تعالى ، ولهذا اكد الطوسي منع القول فيه بقوله : فتكلف القول في ذلك خطا ممنوع منه ويمكن ان تكون الاخبار متناولة له.
1 ـ الاعراف ( 7 ) ، الاية 187.
2 ـ لقمان ( 31 ) ، الاية 34.
3 ـ الانعام ( 6 ) ، الاية 151.
4 ـ التوحيد ( 112 ) الاية 1.
5 ـ البقرة ( 2 ) الايات 43 و83 ، النساء ( 4 ) الاية 76 ، الحج ( 22 ) الاية 78 ، النور ( 24 ) الاية 56 ؛ المجادلة ( 58 ) الاية 13 ؛ المزمل ( 73 ) الاية 20.
6 ـ ال عمران ( 3 ) الاية 97.
7 ـ الانعام ( 6 ) الاية 141.
8 ـ المعارج ( 70 ) الاية 24.


(148)
    ورابعها : ماكان اللفظ مشتركا بين معنيين فما زاد عنهما ، ويمكن ان يكون كل واحدمنهما مرادا ، فانه لاينبغي ان يقدم احد به فيقول :
    ان مراد اللّه فيه بعض مايحتمل الا بقول نبى او امام معصوم ، بل ينبغي ان يقول :
    ان الظاهر يحتمل لامور ، وكل واحد يجوز ان يكون مرادا على التفصيل.
    ومتى كان اللفظ مشتركا بين شيئين ، او مازاد عليهما ، ودل الدليل على انه لايجوز ان يريد الا وجها واحدا ، جاز ان يقال : انه هو المراد (1).
    لـذا يـذكر الشيخ الطوسي ان مثل هذا التقسيم يبرز لنا قبول الاخبار ، ولم نردها على وجه يوحش نقلها والمتمسكين بها (2).
    ثم يضع مفسرنا شروطه لقبول الاخبار والتي هي : الاجماع او النقل المتواتر عمن يجب اتباع قوله ، ولايقبل في ذلك خبر واحد (3).
     ... ثم قال :
    وامـا طـريقة الاحاد من الاخبار الشاردة والالفاظ النادرة فانه لايقطع بذلك ، ولايحمل شاهدا على كـتاب اللّه ، وينبغي ان يتوقف فيه ، ويذكر مايحتمله ، ولايقطع على المراد فيه بعينه ، بانه متى قطع بالمراد كان مخطئا ، وان اصاب الحق كما روي عن النبى (ص) ، لانه قال تخمينا وحدسا ، ولم يصدر ذلك عن حجة قاطعة وذلك باطل بالاتفاق (4).
    ويـبـدو ان المفسر كان متشددا في قبول الرواية ، لذلك اشترط ان يكون الحديث متواترا اي مابلغت رواتـه في الكثرة مبلغا احالت العادة تواطؤهم على الكذب واستمر ذلك الوصف في جميع الطبقات ، حيث تتعدد فيكون اوله كاخره ووسطه كطرفيه ، وهو يقيد العلم ويجب
1 ـ انظر التبيان ، ج1 ، ص 5 ـ 6.
2 ـ انظر التبيان ، ج1 ، ص 6.
3 ـ نفس المصدر.
4 ـ عدة الاصول ، المقدمة.


(149)
العمل به (1).
    كـمـا بين موقفه من اخبار الاحاد الشاردة ، وينبغي ان نشير هنا الى ان الشيخ الطوسي يذهب الى ان خـبر الاحاد لايوجب العلم غير انه حجة يجب العمل به وفق شروط محدودة ، لوجود ادلة قطعية على ذلك.
    وقـد ذهـبـت الـحنفية والشافعية وجمهور المالكية الى وجوب العمل به وفق جملة من الشروط ، فـيـشـتـرط فـي الراوي لصحة التحمل والتمييز والضبط ، كما يشترط فيه لصحة الاداءالبلوغ والاسـلام والـعـدالـة والـضبط ، واما بالنسبة الى لفظ الخبر ، فيشترط فيه الا يحذف الراوي منه مايتوقف تمام المعنى عليه ، ويشترط في معناه الا يعارضه ما هو اقوى منه ، واشترط الكرخي وبعض الـحـنـفية الا يكون موضوع الحديث مما تعم به البلوى ، اذا لو كان كذلك لذاع واشتهر فعدم ذيوعه حينئذ يورثه شكا.
    وقيل :
    ان خبر الواحد العدل يوجب العلم ، لانه يوجب العمل بالدليل ، ولاعمل الا عن علم ، وهو مذهب داود الـظـاهـري ، وحـكـي عـن مالك ، وروي عن احمد ، واختاره ابن حزم ، واطال الاحتجاج له ، وقال الخوارج والمعتزلة : انه لايوجب العمل ، لانه لايوجب العلم ، ولاعمل الا عن علم (2).
    والذي عليه الامامية هو الاخذ بحجية خبر الواحد في الاحكام العملية فقط (3) وهذا مااكده ايضا السيد الطباطبائي صاحب الميزان بقوله :
    واما الشيعة ، فالذي ثبت عندهم في علم اصول الفقه حجية خبر الواحد الموثوق
1 ـ الشهيد العاملي ، الدراية في علم مصطلح الحديث ، ص 12.
2 ـ زكـي الـديـن شـعبان ، اصول الفقه ، ط2 ، ص 147 ومابعدها ، محمد ابو زهرة ، اصول الفقه ، ص 103 ومابعدها ، علي حسب اللّه ، اصول التشريع الاسلامي ، ص 43.
3 ـ الخوئي ، البيان في تفسير القران ، ص 399 ـ 400.


(150)
الصدور في الاحكام الشرعية ولايعتبر في غيرها (1).
    وقدتضمن التبيان عددا لاباس به من الاحاديث والروايات والاخبار عن النبي (ص) والائمة من اهل البيت ليستعين بها المفسر في شرحه لاية ، او توضيحه لمفهوم او طرحه لراي ، وهنا نورد بعضا من تلك الاحاديث والاخبار التي اعتمدها الطوسي في تفسيره ، فمثلا اورد ، ثلاثة اقوال في معنى العفو وهي :
    قال ابن عباس ، وقتادة : هو مافضل عن الغنى.
    وقال الحسن وعطاء : هو الوسط من غير اسراف ولا اقتار.
    وقال مجاهد : هو الصدقة المفروضة.
    ثم ذكر مفسرنا ماروي عن الائمة من اهل البيت (ع) لتفسير معنى العفو فقال :
    وروي عن ابي جعفر (ع) ان العفو مافضل عن قوت السنة. فنسخ ذلك باية الزكاة.
    وروي عن ابي عبداللّه (ع) ان العفو ها هنا : الوسط (2).
    وهـكذا يستعين المفسر بروايات عن الائمة سلام اللّه عليهم لشرح معنى او تاكيد قول من الاقوال التي اوردها المفسرون بهذا الشان .
    مثال اخر :
    وقال عند تفسيره لكلمة الاعسار الذي تضمنته الاية الكريمة :
     ( وان كان ذو عسرة فنظرة الى ميسرة وان تصدقوا خير لكم ان كنتم تعلمون ) (3).
    وروي عـن ابـي عـبداللّه (ع) هو اي الاعسار اذا لم يقدر على مايفضل من قوته وقوت عياله على الاقتصاد (4) وقدنقل قول الجبائي في بيان معناه ، فقال :
1 ـ الطباطبائي ، القران في الاسلام ، ص 74.
2 ـ الطوسي ، التبيان ، ج2 ، ص 214.
3 ـ البقرة ( 2 ) الاية 280.
4 ـ الطوسي ، التبيان ، ج2 ، ص 369.
حياة الشيخ الطوسي ::: فهرس