حياة الشيخ الطوسي ::: 231 ـ 240
(231)
الفصل الاول :
الشيخ الطوسي وعلوم القران
النسخ في القران الكريم
يطلق النسخ لغة على :
1 ـ النقل ، فقدجاء في لسان العرب :
    نـسـخ الشي ء ينسخه نسخا وانتسخه واستنسخه اكتتبه عن معارضه ، النسخ اكتتابك كتاباعن كتاب حـرفـا بحرف ، والاصل نسخه والمكتوب عنه نسخه ، لانه قام مقامه ، ومن ذلك قوله تعالى : ( انا كنا نـسـتـنـســخ ما كنتم تعملون ) (1) اي نستنسخ ماتكتب الحفظة من الملائكة الكرام فيثبت عنداللّه (2).
2 ـ الابطال ، فقدجاء في اللسان :
    النسخ : ابطال الشي ء واقامة اخر مقامه ومن ذلك قوله تعالى : ( ما ننسخ من اية او ننسها نات بخير منها او مثلها ) (3).
    والعرب تقول ، نسخت الشمس الظل وانتسخته ازالته ، والمعنى اذهبت الظل وحلت
1 ـ الجاثية ( 45 ) الاية 29.
2 ـ ابن منظور ، لسان العرب ، فصل النون حرف الخاء.
3 ـ البقرة ( 2 ) الاية 106.


(232)
محله.
    ومـن الابـطـال مـايـقال : نسخت الريح اثار الديار ، اي غيرتها ، وابطلتها وازالتها ، وهو رفع الحكم وابطاله من غير ان يقيم له بدلا (1).
    وقـدكـانـت لفظة النسخ تعني عند الصحابة والتابعين مطلق التغيير الذي يطرا على بعض الاحكام ، سـواء رفـعـهـا وحـل محلها ، او خص مافيها من عموم ، او قيد مافيها من اطلاق ، وامثالها من اساليب البيان (2).
    ثـم جاء المفسرون فيما بعد ليجعلوا كلمة النسخ تعني مايشمل التخصيص والتقييدوالاستثناء وترك العمل بالحكم لانتهاء امده ، او لتغيير ظرفه ، او تبدل موضوعه وغيرها (3).
    النسخ في الاصطلاح :
    اصطلح الاصوليون على النسخ بانه رفع الحكم الشرعى بدليل شرعي متاخر ، وبهذا فان النسخ يعني رفع حكم النص بعد ان يكون ثابتا (4).
    وانه ليس لاحد ان ينكر على الشارع او يرفض قوله بالنسخ (5).
    وقـداتفق جمع من العلماء على جواز النسخ عقلا وسمعا ، اذ لامحظور فيه عقلا ، ولولم يكن جائزا عقلا وواقعا لماجوز المنكرون له ان يامر الشارع عباده بامر مؤقت ينتهي بانتهاء وقته. وكذلك لو لم يـكن النسخ جائزا لكانت الشرائع الاولى باقية ، ولو كانت باقية ماثبتت رسالة سيدنا محمد (ص) الى الـنـاس كافة (6) وقدنص القران الكريم على وجودالنسخ ، فقال تعالى : ( ما ننسخ من اية او نـنـسـهـا نـات بـخـيـر منها او مثلها ) (7) وقال ايضا ( يمحواللّه ما يشاء
1 ـ ابن منظور ، لسان العرب ، فصل النون حرف الخاء.
2 ـ علوم القران المنتقى ، ص 169.
3 ـ العتائقي الحلي ، الناسخ والمنسوخ ، مقدمة المحقق الفضلي ، ص 7.
4 ـ الشاطبي ، الموافقات في اصول الشريعة ، شرح عبداللّه دراز ، ج3 ، ص 65.
5 ـ الزرقاني ، مناهل العرفان ، ج2 ، ص 176.
6 ـ الزركشي ، البرهان ، ج2 ، ص 30.
7 ـ البقرة ( 2 ) الاية 106.


(233)
ويـثبت وعنده ام الـكتاب ) (1) وقوله تعالى : ( واذا بدلنا اية مكان اية واللّه اعلم بما ينـزل قالوا انما انت مفتر بل اكثرهم لا يعلمون ) (2).
    والتبديل هنا يتالف من رفع الاصل واثبات البدل ، وذلك هو النسخ سواءا كان المرفوع تلاوة ام حكما.
    وهـناك من يرفض النسخ ويستنكر وقوعه في القران الكريم ، ومنهم المفسر ابو مسلم بن بحر ( ت 372هــ ) حيث يقول الفخر الرازي : اتفق الجمهور على وقوع النسخ في القران الكريم وقال ابو مـسلم بن بحر : انه لم يقع (3) مستندا في ذلك الى قوله تعالى : ( لاياتيه الباطل من بين يديه و لامن خلفه تنزيل من حكيم حميد ) وشبهته في الاستدلال ان هذه الاية تفيد بان احكام القران لاتبطل ابدا ، والنسخ فيه ابطال لحكم سابق (4) ، ولعل هذاالتاويل بعيد عن ظاهر الاية التي تفيد بان احكام القران موافقة للعقل ، وان اخباره مطابقة للواقع ، والفاظه محفوظة من التغيير والتبديل ، ولربما يـكـون هـذا المعنى اقرب الى اثبات النسخ ووقوعه منه الى نفيه وامتناعه ، لان النسخ تصرف الهي حكيم تقتضيه الحكمة ، وترتبط به المصلحة (5).
    وقـد اجـمـعـت الامـامـية على ان الحكم الثابت في القران ينسخ باية اخرى ، فمرة تكون هذه الاية الـناسخة ناظرة الى الحكم المنسوخ ومبينة لرفعه ، ومرة اخرى تكون الاية الناسخة غير ناظرة الـى الـحـكـم المنسوخ ، وانما يلتزم بالنسخ لمجرد التنافي بينهما فيلتزم بان الاية المتاخرة ناسخة لحكم الاية المتقدمة (6).
    امـا السنة فهي لاتنسخ القران سواءا كانت متواترة او احادا وذلك لان مثل هذا النسخ
1 ـ الرعد ( 13 ) الاية 39.
2 ـ النحل ( 16 ) الاية 101.
3 ـ الرازي ، مفاتيح الغيب ، ج3 ، ص 229.
4 ـ الزرقاني ، مناهل العرفان ، ج2 ، ص 207 الاية : فصلت ( 41 ) 42.
5 ـ الزرقاني ، مناهل العرفان ، ج2 ، ص 208.
6 ـ الـسـيد الخوئي ، البيان في تفسير القران ، ص 286 ، الحكيم ، الاصول العامة للفقه المقارن ، ص 247.


(234)
‌مخالفا للاخبار المتواترة بعرض الاخبار على الكتاب وطرح ماخالفه والرجوع اليه (1).
    والى هذا الراي يذهب الامام الشافعي ايضا فيقول :
    انما نسخ مانسخ من الكتاب بالكتاب وان السنة لاناسخة للكتاب ، وانما هي تبع الكتاب بمثل مانزل نصا ومفسرة معنى ماانزل اللّه منه جملا (2).
    فـي حـين اجاز الجمهور نسخ الكتاب بالسنة (3) ، وان اجمعوا على ان خبر الواحدلاينسخ الـقـران بـاعتبار ان الظني لايقاوم القطعي فيبطله ، (4) ويرى الشيخ الطوسي ان النسخ في القران لايخلو من ثلاثة اقسام (5) :
    احدها : نسخ حكمه دون لفظه كاية العدة في المتوفى عنها زوجها المتضمنة للسنة فان الحكم منسوخ والـتـلاوة بـاقية ، وذلك في قوله تعالى : ( والذين يتوفون منـكم ويذرون ازواجايتربصن بانفسهن اربـعـة اشهر وعشرا فاذا بلغن اجلهن فلا جناح عليكم فـيما فعلن في انفسهن بالمعروف واللّه بما تـعـمـلـون خبـير ) (6) وهذه الاية ناسخة (7) لقوله تعالى : ( والذين يتوفون منـكم ويذرون ازواجا وصـية لا زواجهم متاعا الى الحول غير اخراج ) (8) وكذلك الحال في اية الـنـجـوى حـيـث قـولـه تـعـالـى : ( يـا ايـهـا الـذيـن امنوا اذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ) (9).
    يقول الشيخ الطوسي :
    فنسخ اللّه تعالى ذلك الحكم بالاية التي بعدها (10) ، فقال ناسخا لهذا الحكم ( ااشفقتم ان
1 ـ الطباطبائي ، تفسير الميزان ، ج4 ، ص 275.
2 ـ الشافعي ، الرسالة ، ص 106.
3 ـ حسب اللّه ، اصول التشريع الاسلامي ، ص 278.
4 ـ الشاطبي ، الموافقات ، ج3 ، ص 106.
5 ـ الطوسي ، التبيان ، المقدمة ، ج1 ، ص 13.
6 ـ البقرة ( 2 ) الاية 234.
7 ـ الطوسي ، التبيان ، ج2 ، ص 261.
8 ـ البقرة ( 2 ) الاية 240.
9 ـ المجادلة ( 58 ) الاية 14.
10 ـ الطوسي ، التبيان ، ج9 ، ص 55.


(235)
تقدموا بـيـن يـدى نـجـواكـم صـدقـات فـاذا لـم تـفـعـلـوا وتـاب اللّه عـلـيـكـم فـاقـيموا الصلوة واتواالزكاة ... ) (1).
    وكـذلـك وجـوب ثـبـات الـواحـد لـلـعـشـرة في حالة الحرب كما في قوله تعالى ( يا ايها النبي حــرض الـمــؤمـنـين على القتال ان يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وان يكن منكم مائة يـغلبوا الفا من الذين كفروا بانـهم قوم لا يفقهون ) (2) وقدنسخت هذه الاية بما بعدها ، حيث يقول تعالى : ( الان خـفف اللّه عنكم وعلم ان فـيكم ضعفا فان يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وان يكن منكم الف يغلبوا الفين باذن اللّه واللّه مع الصابرين ) (3).
    يقول الشيخ المفسر :
    هـذه الايـة نسخت حكم ماتقدمها ، لان في الاولى كان وجوب ثبات الواحد للعشرة والعشرة للمائة ، فـلما علم اللّه تعالى ان ذلك يتسق عليهم ، وتغيرت المصلحة في ذلك ، نقلهم الى ثبات الواحد للاثنين والمائة للمائتين ، فخفف ذلك عنهم ، وهو قول ابن عباس والحسن وعكرمة وقتادة ومجاهد والسدي وعطاء والبلخي والجبائي والرماني وجميع المفسرين (4).
    ومـن كـل مـاتـقدم يكون الحكم مرتفعا ومنسوخا بينما التلاوة باقية ، وهذا يبطل قول من منع جواز النسخ في القران ، لان الموجود بخلافه (5).
    الثاني : مانسخ لفظه دون حكمه كاية الرجم ، فان وجوب الرجم على المحصنة لاخلاف فيه ، والاية التي كانت متضمنة له منسوخة بلاخلاف ، وهي قوله : ( والشيخ والشيخة اذازنيا فارجموهما البتة فانهما قضيا الشهوة جزاء بما كسبا نكالا من اللّه واللّه عزيزحكيم ) (6).
    الثالث : مانسخ لفظه وحكمه :
1 ـ المجادلة ( 58 ) الاية 13.
2 ـ الانفال ( 8 ) الاية 65.
3 ـ الانفال ( 8 ) الاية 66.
4 ـ الطوسي ، التبيان ، ج5 ، ص 154.
5 ـ نفس المصدر ، المقدمة ، ج1 ، ص 13.
6 ـ الطوسي ، التبيان ، ج1 ، ص 13.


(236)
    وذلـك نـحو مارواه المخالفون عن عائشة : انه كان فيما انزل اللّه ان عشر رضعات تحرمن ، ونسخ ذلك بخمس عشرة ، فنسخت التلاوة والحكم (1).
    وهكذا يوضح الشيخ الطوسي ان النوع الثالث من النسخ والمتضمن نسخ اللفظ والحكم لاوجود له في الـقـران. وهـذا يـتضح من ايراده لعبارة مارواه المخالفون ، وكانه يشنع بهم من خلال مارووه. حين يـقـولون : ونسخ ذلك بخمس عشرة وهو مالايحتويه الكتاب العزيزاصلا فيدحض بذلك زعمهم وينفي وقوع مثل هذا النسخ في القران الكريم ، كما وانه قدذكرعبارة قبل هذا يقول فيها : ولايخلو الـنـسخ في القران من اقسام ثلاثة (2) ثم ذكرهاليبين للقارئ ان بعض هذه الانواع قديرد في القران ، وان بعضها قدلايصح ولايرد كما هوالحال في النوع الثالث من الانواع التي ذكرها.
    ويـؤكـد الشيخ الطوسي ان القران لاينسخ بحديث لائمة اهل البيت (ع) وذلك في معرض رده على البلخي الذي يقول في كتاب التفسير :
    قـال قـوم ـ لـيسوا ممن يعتبرون ولكنهم من الامة على حال ـ ان الائمة المنصوص عليهم بزعمهم مفوض اليهم نسخ القران وتدبيره ....
    فيرد عليه مفسرنا بقوله :
    واظـن انـه ـ يـعـنـي الـبلخي ـ عنى بهذا اصحابنا الامامية لانه ليس في الامة من يقول بالنص على الائمة (ع) سواهم ، فان كان عناهم فجميع ماحكاه عنهم باطل وكذب عليهم ، لانهم لايجيزون النسخ على احد من الائمة (ع) ولا احد منهم يقول بحدوث العلم (3).
    والشيخ الطوسي يخالف بعض المفسرين احيانا في قولهم بنسخ بعض الايات الكريمة ففي قوله تعالى :
     ( ولا تـاكـلـوا مـمـا لـم يـذكـر اسـم اللّه عليه وانه لفسق وان الشياطـين ليوحون الى
1 ـ نفس المصدر.
2 ـ نفس المصدر.
3 ـ الطوسي ، التبيان ، ج1 ، ص 14.


(237)
اولـيائهم لـيجادلوكم وان اطعتموهم انـكم لمشركون ) (1).
    يقول مفسرنا : ليست الاية منسوخة ولاشي ء منها ، ومن ادعى نسخ شي ء منها فعليه الدلالة ، ثم يردف قائلا :
    فان الحسن وعكرمة : نسخ منها ذبائح الذين اوتوا الكتاب بقوله تعالى : ( وطعام الذين اوتواالكتاب حل لكم ) (2) وعندنا ان ذلك مخصوص بالحبوب دون الذبائح.
    ثم يدعم الشيخ الطوسي رايه بما قاله غيره في هذا المجال فيقول :
    وقال قوم : ليس اهل الكتاب داخلين في جملة من يذكر اسم اللّه على ذبيحته وليس واحدا من هؤلاء معنيا بالاية فلايحتاج الى النسخ (3).
    كما ورد الشيخ الطوسي على ابن عباس قوله :
    ان قـوله تعالى : ( وقولوا للناس حسنا ) (4) ، نسخ بقوله : قاتلوهم حتى يقولوا لااله الا اللّه او يقروا بالجزية (5) والصحيح انها ليست منسوخة ولكن امروا بان يقولوا حسنافي الاحتجاج عـلـيـهـم اذا دعـوا الـى الايمان وبين ذلك لهم ، وقال قتادة نسختها اية السيف والصحيح انها ليست مـنـسـوخـة ، وانـمـا امـر اللّه تعالى بالقول الحسن في الدعاء اليه والاحتجاج عليه ، كما قال تعالى لنبيه (ص) :
     ( ادع الى سبـيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هى احسن ) (6).
    وبين في اية اخرى فقال :
     ( ولا تسبوا الذين يدعون من دون اللّه فيسبوا اللّه عدوا بغير علم ) (7).
1 ـ الانعام ( 6 ) الاية 121.
2 ـ المائدة ( 5 ) الاية 5.
3 ـ الطوسي ، التبيان ، ج4 ، ص 257.
4 ـ البقرة ( 2 ) الاية 83.
5 ـ فـي قـوله تعالى : ( قاتلوا الذين لايؤمنون باللّه و لاباليوم الاخر و لايحرمون ما حرم اللّه ورسـولـه ولا يدينون دين الحق من الذين اوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ) التوبة ( 9 ) الاية 29.
6 ـ النحل ( 16 ) الاية 125.
7 ـ الانعام ( 6 ) الاية 108.


(238)
    وليس الامر بالقتال ناسخا لذلك ، لان كل واحد منهما ثابت في موضعه (1).
    وهـكـذا نـجـد الـشـيـخ الـطـوسـي مـلما الماما واسعا في هذا الميدان حتى انه لايدع قولا من اقـوال الـمـفـسـريـن الا وحـاكـمـه وتعمق فيه لذلك نجده يتفق مع طائفة منهم في راي ويخالف طـائفـة اخـرى فـي اراء ، مما يعكس سعة اطلاعه ودقة ملاحظته وتمرسه في كتاب اللّه واياته حتى عرف ناسخها ومنسوخها ، وكان سلاحه في كل راي يطرحه هو الدليل القاطع والحجة الدامغة ، وقدشخص الايات الناسخة والمنسوخة في القران الكريم ، وثبت ذلك في تفسيره وانكر على الكثير من المفسرين قولهم بنسخ بعض ايات الكتاب التي كان لايرى نسخهاوفند مزاعمهم.

اسباب النزول
    لـمـعـرفـة اسـباب النزول اهمية كبرى في فهم النص القراني وفي تحديد المراد من ايات الكتاب العزيز.
    قال الواحدي :
    اذ هـي ـ يـعـنـي اسباب النزول ـ اوفى مايجب الوقوف عليها واولى ماتصرف العناية اليها ، لامتناع معرفة تفسير الاية وقصد سبيلها ، دون الوقوف على قصتها وبيان نزولها (2).
    وقـدتاتي اهمية معرفة اسباب النزول للايات القرانية الكريمة بلحاظ كون القران قدنزل قسم منه عقب واقعة او سؤال ، والقسم الاخر نزل ابتداء (3).
    ولـذلـك اشار ابن دقيق العبد الى هذا المعنى بقوله : ان بيان سبب النزول طريق قوي في فهم معاني القران (4).
    وهـذا مـااكـده ابـن تيمية حينما قال : ان معرفة سبب النزول يعني على فهم الاية فان
1 ـ الطوسي ، التبيان ، ج1 ، ص 331.
2 ـ الواحدي ، ابو الحسن علي بن احمد النيسابوري ، اسباب النزول ، القاهرة ، ط1 ، ص 4.
3 ـ السيوطي ، الاتقان ، ج1 ، ص 30.
4 ـ نفس المصدر.


(239)
العلم بالسبب يـورث الـعـلم بالمسبب (1) ومفسرنا ـ كغيره من المفسرين اعطى هذاالموضوع اهمية خـاصة ، حيث اشار الى سبب النزول ، وذكر اراء العلماء والمفسرين فيها ، وكان يرجح مايطمئن اليه عـنـدما يذكر للمفسرين اكثر من سبب في نزول اية ما ، وقدغطى موضوع اسباب النزول صفحات عديدة من تفسيره التبيان ، نورد هنا بعض الامثلة على ذلك منها قوله في سبب نزول الاية الكريمة :
     ( لا تحسبن الذين يفرحون بما اتوا ويحبون ان يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب الـيم ) (2) قال :
    وروي عـن ابـن عـبـاس وسـعيد ان الاية نزلت في اليهود ، حيث كانوا يفرحون باجلال الناس لهم ونـسـبهم اياهم الى العلم ، وقال الضحاك والسدي : نزلت في اليهود حين فرحوابما اثبتوا من تكذيب النبى (ص).
    وقال سعيدبن جبير : فرحوا بما اتى اللّه ال ابراهيم ، وقال ابن عباس : ان النبي (ص) سالهم عن شي ء فكتموه ، ففرحوا بكتمانهم ، واقوى هذه الاقوال ان يكون قوله : ( لاتحسبن الذين يفرحون ) يعني بها من اخبر اللّه عنهم انه اخذ ميثاقهم ، ليبين للناس امرمحمد (ص) ولايكتمونه ، لان قوله ( لا تحسبن الذين يفرحون ) في سياق الخبر عنهم وشبيه قصتهم ، مع ان اكثر اهل التاويل عليه (3).
    وهكذا نجد الشيخ الطوسي يطرح جملة اراء لعدد من المفسرين ثم يتبنى رايا اخر ويصفه بالاقوى ومن ذلك قوله تعالى :
     ( وان من اهل الكتاب لمن يؤمن باللّه و ما انزل اليكم و ماانزل اليهم خاشعين للّه لايشترون بايات اللّه ثمنا قليلا اولئك لهم اجرهم عند ربهم ان اللّه سريع الحساب ) (4) قال الشيخ الطوسي :
1 ـ ابن تيمية ، مقدمة في اصول التفسير ، ص 47.
2 ـ ال عمران ( 3 ) الاية 188.
3 ـ الطوسي ، التبيان ، ج3 ، ص 77.
4 ـ ال عمران ( 3 ) الاية 199.


(240)
    اخـتـلـفـوا فـيـمن نزلت هذه الاية ، فقال جابربن عبداللّه وسعيدبن المسيب وقتادة وابن جريح : ان النبي (ص) لما بلغه موت النجاشي دعا له واستغفر له وصلى عليه ، وقال للمؤمنين صلوا عليه فقالوا :
    نصلي على رجل ليس بمسلم ؟ وقـال قـوم مـنـافـقـون : نصلي على علج بنجران ؟ فنزلت هذه الاية وكانت الصفات التي فيهاصفات النجاشي.
    وقال ابن زيد وفي رواية عن ابن جريج وابن اسحاق انها نزلت في جماعة من اليهودوكانوا اسلموا ، منهم عبداللّه بن سلام ومن معه.
    وقـال مـجاهد : انها نزلت في كل من اسلم من اهل الكتاب من اليهود والنصارى وهو اولى لانه عموم الايـة ، ولادليل يقطع به على ماقالوه على انها لونزلت في النجاشي او من ذكرلم يمنع ذلك من حملها عـلـى عـمومها في كل من اسلم من اهل الكتاب لان الاية قدتنزل على سبب وتكون عامة في كل من تتناوله (1).
    وهـنـا يـتضح لنا انسجام الشيخ الطوسي في الموقف مع القاعدة الاصولية المعروفة ( العبرة بعموم اللفظ لابخصوص السبب ) لذلك نراه يميل الى ان المراد من الاية اعلاه هو عموم اللفظ ، لان ماورد مـن شـان الـنـزول لايوجب قصد الحكم على الواقعة فالمورد عنده لايخص الوارد ، لان البيان عام والتعليل مطلق اذ المدح النازل في حق افراد من المؤمنين ، او الذم النازل في حق افراد اخرين معلل بوجود صفات فيهم ، لايمكن قصرها على شخص موردالنزول ، مع وجود عين تلك الصفات في قوم اخرين.
    والـطوسي بهذا يتفق مع جملة من العلماء والمفسرين في هذا المجال فقدذهب ابن تيمية الى القول بان الـنـاس وان تـنـازعـوا فـي اللفظ العام الوارد على سبب هل يختص بسببه ؟فلم يقل احد من علماء الـمـسلمين : ان عمومات الكتاب والسنة تختص بالشخص المعني واما غاية مايقال : انها تختص بنوع ذلـك الشخص فتعم مايشبهه (2) والذي عليه الشيخ ‌الطوسي في العمل بقاعدة ( العبرة بعموم اللفظ لابخصوص السبب ) يسمى الجري وهو
1 ـ الطوسي ، التبيان ، ج3 ، ص 93.
2 ـ ابن تيمية ، مقدمة في اصول التفسير ، ص 47.
حياة الشيخ الطوسي ::: فهرس