حياة الشيخ الطوسي ::: 241 ـ 250
(241)
مقبول لدى مفسري الامامية جلهم وقداخذ لفظ الجري من مجموعة احاديث مروية عن ائمة اهل البيت منها ماقاله الامام محمد الباقر (ع) :
    ولـو ان الايـة اذا نـزلت في قوم ثم مات اولئك القوم ماتت الاية لمابقي من القران شي ء ، ولكن القران يـجـري اولـه على اخره مادامت السماوات والارض ولكل قوم اية يتلونها[و]هم منها من خير او شر (1).
    وقوله (ع) ايضا :
    ظـهـره : ـ يعني القران ـ تنزيله ، وبطنه : تاويله ، منه مامضى ، ومنه مالم يكن بعد ، يجري كمايجري الشمس والقمر ، كلما جاء منه شي ء وقع (2).
    وقد درج اتباع المذهب الامامي على هذا الفهم وحتى المتاخرون منهم ، فانهم يؤكدون ذلك تبعا لمنهج الـمـدرسـة الامامية التي ينتمون اليها ذلك لان ايات الكتاب لاتختص بموردجزئي تلك الايات التي وردت فـي مـورد خاص ، وفسرت على ذلك الاساس فانها بصددبيان معنى عام يستفيد منه الجميع ، وان المورد الذي نزلت فيه ليس في الحقيقة الا بعض مصاديق المفهوم القراني ... وذكر بعض موارد التنزيل لايوجب تخصيص الاية بذلك المورد (3).
    وعـلـى هـذا الـنحو سار المفسرون المتاخرون كالسيد الطباطبائي صاحب الميزان حيث يقول في تفسيره :
    ان للقران اتساعا من حيث انطباقه على المصاديق وبيان حالها فالاية منه لاتختص بمورد نزولها ، بل يـجـري فـي كـل مورد يتحد مع مورد النزول ملاكا ، كالامثال التي لاتختص بمواردها الاول ، بل تتعداها الى مايناسبها ، وهذا المعنى هو المسمى بجري القران (4).
1 ـ العياشي ، تفسير العياشي ، ج1 ، ص 21.
2 ـ الطباطبائي ، الميزان ، ج1 ، ص 42.
3 ـ السيد اسماعيل الصدر ، محاضرات في تفسير القران الكريم ، ص 7 ـ 8.
4 ـ الطباطبائي ، الميزان ، ج3 ، ص 67 ـ 72.


(242)
    وقـديـذكـر الـشيخ الطوسي احيانا اختلاف المفسرين في سبب نزول بعض الايات ولم يرجح رايا لاحـدهـم ، وانـمـا يـسرد ماذكروه جميعا دون ترجيح لاحدها ، ولعل مرد ذلك الى استحسانه كل الوجوه والا لرد بعضها ، ووافق بعضها الاخر ، ولكنه سكت كما هو الحال في توضيحه لسبب نزول قوله تعالى :
     ( ام تـريـدون ان تسئلوا رسولـكم كما سئل موسى من قبل ومن يتبدل الكفر بالايمان فقد ضل سواء السبـيل ) (1).
    فقال :
    اخـتـلـف الـمـفسرون في سبب نزول هذه الاية ، فروي عن ابن عباس انه قال : قال رافع بن خزيمة ووهـب بـن زيد لرسول اللّه (ص) : ائتنا بكتاب تنزله علينا من السماء نقراه ، وفجرلنا انهارا نتبعك ونصدقك ، فانزل اللّه في ذلك من قولهما :
     ( ام تريدون ان تسئلوا رسولـكم كما سئل موسى من قبل ).
    وقال الحسن : عنى بذلك المشركين من العرب لماسالوه فقالوا :
     ( او تاتى باللّه والملائكة قبيلا ) (2) وقالوا : ( او نرى ربنا ) (3).
    وقال السدي : سالت العرب محمدا (ص) ان ياتيهم باللّه فيروه جهرة.
    وقال مجاهد : سالت قريش محمدا ان يجعل لهم الصفا ذهبا ، فقال : نعم هو لكم كالمائدة لبني اسرائيل ، فـابـوا ورجـعـوا ، وقال ابو علي : روي ان النبي (ص) ساله قومه ان يجعل لهم ذات انواط كما كان لـلـمـشـركـيـن ـ ذات انـواط : وهـي شـجـرة كانوا يعبدونها ويعلقون عليهاالتمر وغيرها من الماكولات. (4) كـمـا ويـذكر الشيخ الطوسي احيانا اختلافا وقع فيه المفسرون حول سبب النزول ، وفيمن نزلت الاية ، ويكتفي ايضا بسرد ارائهم دونما تعليق اورد او ترجيح ، كما فعل في تفسيره
1 ـ البقرة ( 2 ) الاية 108.
2 ـ الاسراء ( 17 ) الاية 92.
3 ـ الفرقان ( 25 ) الاية 21.
4 ـ الطوسي ، التبيان ، ج1 ، ص 413.


(243)
لقوله تعالى :
     ( وقـالت اليهود ليست النصارى على شي ء وقالت النصارى ليست اليهود على شي ء وهم يتلون الكتاب كـذ لـك قـال الـذيـن لا يـعـلـمـون مـثـل قـولهم فاللّه يحـكم بينهم يوم القـيامة فـيما كانوافيه يختلفون ) (1).
    فقال مفسرنا :
    اخـتـلـفـوا فـيـمن نزلت هذه الاية فقال ابن عباس : انه لماقدم اهل نجران من النصارى على رسول اللّه (ص) اتتهم احبار اليهود ، فتنازعوا عند رسول اللّه (ص) فقال رافع بن خويلد : ماانتم على شي ء وكـفـر بـعـيسى وبالانجيل ، فقال رجل من اهل نجران من النصارى : ماانتم على شي ء وجحد بنبوة موسى وكفر بالتوراة فانزل اللّه في ذلك الاية الى قوله : ( فـيماكانوا فيه يختلفون ).
    وقال الربيع : هؤلاء اهل الكتاب الذين كانوا على رسول اللّه (ص) (2).
    وبـهـذا الـقدر يكتفي الشيخ الطوسي دون ان يعلق بشي ء وكرر مثل هذا في بيانه بسبب نزول قوله تعالى :
     ( ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات اللّه واللّه رءوف بالعباد ) (3).
    فقال :
    قال قتادة : نزلت هذه الاية في المهاجرين والانصار ، وقال عكرمة :
    نـزلـت فـي ابـي ذر الـغـفـاري وصهيب بن سهان لان اهل ابي ذر اخذوا اباذر فانفلت منهم فقدم على الـنـبـي (ص) ، فـلـمـارجـع مـهـاجرا عرضوا له ، وكان بمر الظهران فانفلت ايضامنهم حتى قدم الـنـبي (ص) ، فلمارجع مهاجرا عرضوا له فانفلت حتى نزل على النبي (ص). فاما صهيب فانه اخذه المشركون من اهله ، فافتدى منهم بما له ، ثم خرج مهاجرا ، فادركه منقذ بن ظريف بن خدعان ، فخرح له مما بقي من ماله وخلى سبيله.
1 ـ البقرة ( 2 ) الاية 113.
2 ـ الطوسي ، التبيان ، ج1 ، ص 415.
3 ـ البقرة ( 2 ) الاية 207.


(244)
    وروي عـن ابي جعفر (ع) يعني ( محمد الباقر ) انه قال : نزلت في علي (ص) حين بات على فراش رسول اللّه (ص) لما ارادت قريش قتله حتى خرج رسول اللّه (ص) وفات المشركين اغراضهم ، وبه قال عمربن شبه (1).
    كما نجد الشيخ الطوسي يتخذ مثل هذا الموقف عندما يتفق المفسرون والرواة على سبب نزول ايات الكتاب المجيد فيذكر رايهم الذي اتفقوا حوله ، ولم يطرح رايا مغايرا ، وذلك في مواضع عديدة ، منها قوله تعالى : ( يا ايها الذين امنوا اتقوا اللّه وذروا ما بقي من الربا ان كنتم مؤمنـين ) (2).
    فيقول :
    ذكـر السدي وابن جريج وعكرمة ان هذه الاية نزلت في بقية من الربا كانت للعباس ومسعود وعبد ياليل وحبيب وربيعة وبني عمرو بن عمير ، وروي عن ابي الوليدبن المغيرة كان يربي في الجاهلية وكان بقي له بقايا على ثقيف ، فاراد خالدبن الوليدالمطالبة بها بعد ان اسلم ، فنزلت هذه الاية في المنع من ذلك (3).
    وكـذلـك نجد الشيخ الطوسي في مكان اخر يذكر سببا للنزول برواية جمع من الرواة والمفسرين ، ولايـذكـر بعدهم شيئا ، ليبين فيه رايه من يدلل على اتفاقه معهم في صحة السبب ، وقدورد ذلك في سبب نزول قوله تعالى :
     ( الـذيـن اسـتـجـابـوا للّه والـرسـول مـن بـعـد مـا اصـابـهم القرح للذين احسنوا منهم واتـقوا اجرعظـيم ) (4).
    قال :
    ذكـر ابـن عـبـاس والـسدي وابن اسحاق وابن جريح وقتادة : ان سبب نزول هذه الاية ان اباسفيان صـخـربـن حـرب واصحابه لماانصرفوا عن احد ندموا ، وقال بعضهم لبعض : لا
1 ـ الطوسي ، التبيان ، ج2 ، ص 183.
2 ـ البقرة ( 2 ) الاية 278.
3 ـ الطوسي ، التبيان ، ج2 ، ص 366.
4 ـ ال عمران ( 3 ) الاية 172.


(245)
محمدا قتلتم ولا الكواعب اردفتم ، فارجعوا فاغيروا على المدينة واسبوا ذراريهم ، وقيل : ان بعضهم قال لبعض : انكم قـتـلـتم عدوكم حتى اذا لم يبق الا الشريد تركتموهم ، ارجعوا فاستاصلوهم ، فرجعوا الى حمراء الاسـد وسـمـع بهم النبي (ص) فدعا اصحابه الى الخروج وقال : لايخرج معنا الا من حضرنا امس للقتال ، ومن تاخر عنا فلايخرج معنا ، وروي انه (ص) اذن لجابر وحده في الخروج وكان خلفه ابوه على بناته يقوم بهن ، فاعتل بعضهم بان قال : بنا جراح والام فانزل اللّه تعالى :
     ( ان يـمـسـسـكم قرح فقد مس القوم قرح مثله ) وقيل : نزلت فيهم ايضا ( ولا تهنوا في ابتغاء القوم ان تـكـونـوا تـالـمـون فـانهم يالمون كما تالمون وترجون من اللّه ما لا يرجون ) (1) ، ثم اسـتـجـابـواعـلـى مـا بهم الى اتباعهم ، والقى اللّه الرعب في قلوب المشركين فانهزموا من غير حرب ، وخرج المسلمون الى حمراء الاسد ، وهي على ثمانية اميال من المدينة (2).
    ويـتـبنى الشيخ الطوسي احيانا رايا خاصا يخالف فيه كل الاراء التي وردت بخصوص نزول الاية ، ويرد عليها ، ومثال ذلك ماقاله في قوله تعالى : ( ان الذين كفروا سواء عليهم ءانذرتهم ام لم تنذرهم لا يـؤمنون ) (3).
    قال شيخنا الطوسي :
    نـزلـت في ابي جهل وفي خمسة من قومه من قيادة الاحزاب ، قتلوا يوم بدر في قول الربيع بن انس ، واخـتـاره الـبـلخي والمغربي ، وقال ابن عباس : نزلت في قوم باعيانهم من احبار اليهود ، وذكرهم باعيانهم من اليهود الذين حول المدينة ، وقال قوم : نزلت في مشركي العرب ، واختار الطبري قول ابن عباس ، والذي نقوله :
    انـه لابـد ان تـكون الاية مخصوصة ، لان حملها على العموم غير ممكن ، لانا علمنا ان في الكفار من يؤمن ، فلايمكن العموم ، واما القطع على واحد مما قالوه فلادليل عليه (4).
    كـمـا خـالـف الـشـيـخ الـطـوسـي جـمـع مـن الـمـفـسـرين الذين قالوا : ان ( عبس وتولى ان جاءه
1 ـ النساء ( 4 ) الاية 103.
2 ـ الطوسي ، التبيان ، ج3 ، ص 51
3 ـ البقرة ( 2 ) الاية 6.
4 ـ الطوسي ، التبيان ، ج1 ، ص 60.


(246)
الاعمى ) (1) كان المراد فيها النبي (ص) حينما اقبل عليه ابن ام مكتوم ، فقال مفسرنا :
    قـال كثير من المفسرين واهل الحشو : ان المراد به النبي ( ص ) قالوا : وذلك ان النبي (ص) كان معه جماعة من اشراف قومه ورؤسائهم قدخلا بهم ، فاقبل ابن ام مكتوم ليسلم ، فاعرض النبي (ص) عنه كراهية ان تكره القوم اقباله عليه ، فعاتبه اللّه على ذلك.
    وهـذا فـاسـد ، لان النبي (ص) قداجل اللّه قدره عن هذه الصفات ، وكيف يصفه بالعبوس والتقطيب ، وقدوصفه بانه ( لعلى خلق عظـيم ) (2) وقال :
     ( ولـو كـنـت فـظا غلـيظ القلب لانفـضوا من حولك ) (3) وكيف يعرض عمن تقدم وصفه مـع قـولـه تعالى : ( ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغدوة والعشى يريدون وجهه ) (4) ومن عـرف الـنبي (ص) وحسن اخلاقه ، وماخصه اللّه تعالى به من مكارم الاخلاق وحسن الصحبة حتى قيل ، انه لم يكن يصافح احدا قط ، فينزع يده من يده ، حتى يكون ذلك الذي ينزع يده من يده ، فمن هذه صـفـتـه كـيف يقطب في وجه اعمى جاء يطلب الاسلام ؟ على ان الانبياء (ع) منزهون عن مثل هذه الاخـلاق و عـما هو دونها لما في ذلك من التنفير عن قبول قولهم والاصغاء الى دعائهم ، فلا يجوز مثل هذا على الانبياء من عرف مقدارهم وتبين نعتهم. (5) وهكذا يستعين المفسر بالقران نفسه ببرء ساحة النبي ، ويدحض ما توهمه المفسرون بايات بينات من كتاب اللّه تعالى.
    مـن كـل ما تقدم تبين لنا مدى سعة اطلاع الشيخ الطوسي و تمكنه من تتبع الحقائق ومعرفته باسباب الـنـزول لايـات الـكتاب العزيز ، وهو يرجح ما رجح من الاراء عن بينة ، ويردما رد عن بينة ، مع تـدعيم ارائه بابلغ الحجج واوضحها ، وتلك سمة لاتتوفر الا في اولئك القلائل من اعلام المفسرين وكبارهم.
1 ـ عبس ( 80 ) الايات 1 و2.
2 ـ القلم ( 68 ) الاية 4.
3 ـ ال عمران ( 3 ) الاية 159.
4 ـ الانعام ( 6 ) الاية 52.
5 ـ الطوسي ، التبيان ، ج 1 ، ص 269.


(247)
المحكم والمتشابه
    تعرض الشيخ الطوسي في التبيان الى المحكم والمتشابه في القران الكريم دون تكلف ، اذ تخفف منهما بعبارات واضحات ، وادرجهما ضمن السياق ، ليعطي لهما من المعاني مايفيددون توسعة في القول ، فهو حـيـنـمـا يـفسر قوله تعالى : ( هو الذي انزل عليك الكتاب منه ايات محـكمات هن ام الكتاب واخر متشابهات ... ) يقول :
    المحكم هو ما علم المراد بظاهره من غير قرينة تقترن اليه ولادلالة تدل على المراد به لوضوحه ، نحو قوله تعالى :
     ( ان اللّه لا يظلم الناس شيئا ) (1).
    وقوله :
     ( لا يظلم مثقال ذرة ) (2) لانه لايحتاج الى معرفة المراد به دليل (3).
    كما عرف المتشابه بقوله :
    والـمتشابه : ما لا يعلم المراد بظاهره حتى يقترن به ما يدل على المراد به نحو قوله : ( واضله اللّه عـلـى عـلـم ) (4) فـانـه يفارق قوله تعالى : ( واضـلهم السامرى ) (5) لان اضلال السامري قبيح ، واضلال اللّه بمعنى حكمه بان العبد ضال ليس قبيح ، بل هوحسن (6).
    وبـعـد ان ثـبـت الـشـيـخ الـطـوسي رايه واضحا و صريحا في المحكم والمتشابه اورد ما وقع فيه المفسرون من اختلافات في تعريف المحكم والمتشابه فيقول :
1 ـ يونس ( 10 ) الاية 44.
2 ـ النساء ( 4 ) الاية 40.
3 ـ الطوسي ، التبيان ، ج 2 ، ص 395.
4 ـ الجاثية ( 45 ) الاية 23.
5 ـ طه ( 20 ) الاية 85.
6 ـ الطوسي ، التبيان ، ج 2 ، ص 395.


(248)
    واختلف اهل التاويل ـ يعني اهل التفسير ـ في المحكم والمتشابه على خمسة اقوال (1) :
    الاول : قال ابن عباس :
    المحكم : الناسخ والمتشابه المنسوخ.
    الثاني : قال مجاهد :
    الـمـحـكـم : مـا لا يـشـتـبـه مـعـنـاه ، والـمـتـشابه ما اشتبهت معانيه نحو قوله : ( وما يضل به الاالفاسقـين ) (2) و نحو قوله : ( والذين اهتدوا زادهم هدى ) (3).
    الثالث : قال محمد بن جعفر بن الزبير الجبائي :
    ان المحكم ما لا يحتمل الا وجها واحدا ، والمتشابه ما يحتمل وجهين فصاعدا.
    الرابع : قال ابن زيد :
    ان المحكم هو الذي لم تتكرر الفاظه ، والمتشابه : هو المتكرر الالفاظ.
    الخامس : ما روي عن جابر :
    ان المحكم : ما يعلم تعيين تاويله. والمتشابه : ما لا يعلم تعيين تاويله. نحو قوله : ( يسالونك عن الساعة ايان مرساها ) (4).
    وحـيـنما ذكر الشيخ الطوسي اراء المفسرين لم يعترض على احدهم ، كما لم يرجح رايا على راي ، ويبدو انه كان قد استحسن كل هذه التعاريف والا لماسكت عنها.
    ويضيف الشيخ الطوسي شيئا الى ماعرف به المحكم ، وهو يفسر ( هن ام الكتاب ) فيقول : معناه اصل الكتاب الذي يستدل به على المتشابه وغيره من امور الدين.
    وهذا يعني ان المحكم يقوم دليلا على المتشابه ، وعلى امور الدين الاخرى .
    ولـم يـكتف المفسر بهذا الشرح ، وانما يطرح سؤالا ، ثم يجيب عنه ليوضح العلة التي من اجلها انزل المتشابه في القران.
    فيقول :
1 ـ نفس المصدر.
2 ـ البقرة ( 2 ) الاية 26.
3 ـ محمد ( 47 ) الاية 17.
4 ـ النازعات ( 79 ) الاية 42 ، الاعراف ( 7 ) الاية 186.


(249)
    فان قيل : لم انزل في القران المتشابه ؟ وهلا انزله كله محكما.
    فيجيب الشيخ بقوله :
    قـيـل : للحث على النظر الذي يوجب العلم دون الاتكال على الغير من غير نظر ، وذلك انه لو لم يعلم بـالنظر ان جميع ماياتي به الرسول حق يجوز ان يكون الخبر كذبا ، وبطلت دلالة السمع وفائدته ...
    ولـو لا ذلـك لمابان منزلة العلماء وفضلهم على غيرهم ، لانه لوكان كله محكما لكان من يتكلم باللغة الـعـربية عالما به ولاكان يشتبه على احد المراد به فيتساوى الناس في علم ذلك على ان المصلحة مـعـتـبـرة فـي انزال القران. فما انزله متشابها ، لان المصلحة اقتضت ذلك ، وماانزله محكما فلمثل ذلك (1).
    ويـذهـب الـشـيـخ الـطـوسي الى القول بان المتشابه في القران يقع فيما اختلف الناس فيه من امور الدين (2).
    مثال ذلك :
    قـولـه تعالى : ( ثم استوى على العرش ) (3) فاحتمل في اللغة ان يكون كاستواء الجالس على السرير ، واحتمل ان يكون بمعنى الاستيلاء ، نحو قول الشاعر.
ثم استوى بشر (4) على العراق من غير سيف ودم مهراق
واحد الوجهين لايجوز عليه تعالى لقوله : ( ليس كمثله شي ء ) (5) وقوله :
     ( ولم يكن له كفوا احد ) (6).
    والاخر يجوز عليه ، فهذا من المحكم الذي يرد اليه المتشابه (7).
    وهذا وقداورد الشيخ الطوسي معنى اخر في المحكم عندما فسر قوله تعالى :
1 ـ الطوسي ، التبيان ، ج2 ، ص 396.
2 ـ نفس المصدر.
3 ـ الاعراف ( 7 ) الاية 53 ، يونس ( 10 ) الاية 3.
4 ـ يريديه بشربن مروان.
5 ـ الشورى ( 42 ) الاية 11.
6 ـ الاخلاص ( 112 ) الاية 4.
7 ـ الطوسي ، التبيان ، ج2 ، ص 396.


(250)
     ( الـر كتاب احكمت اياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير ) (1).
    فقال : الاحكام منع الفعل من الفساد.
    واستشهد بقول الشاعر :
ابني حنيفة احكموا سفهاءكم اني اخاف عليكم ان اغضبا
وقال في معنى ( احكمت اياته ثم فصلت ) قيل : اقوال (2) :
    احدهما : قال الحسن : احكمت بالامر والنهي ، وفصلت بالثواب والعقاب.
    الثاني : قال قتادة : احكمت اياته من الباطل ، ثم فصلت بالحرام والحلال.
    الثالث : قال مجاهد ( احكمت اياته ) على وجه الجملة ( ثم فصلت ) اي بينت اية اية.
    وهكذا نجد الشيخ الطوسي يتحفظ من هذا الموضوع دون ان يستغرق في التفاصيل والشرح ، وذلك بعد ان طرح رايه واضحا ، ودلل عليه بايات من كتاب اللّه تعالى.

ايات الاحكام
    امـتـاز الشيخ الطوسي عن كثير من المفسرين ببلوغه درجة الاجتهاد (3) والتي اصبح بها فـقـيها يمتلك القدرة العلمية على استخراج الحكم الشرعي من دليله المقررله (4) ، وبهذا فقدتوفرت للشيخ الطوسي ذهنية اسلامية ذات طابع شمولي ، استطاع من خلالها الاحاطة بمختلف عـلـوم الـشـريعة وفنونها ، ومنها تمكن من ان يدقق النظر في ايات الاحكام التي وردت في القران الـكـريـم ، لـيـسـتـنـبـط مـنـهـا ومـن الـسـنـة الشريفة اراءه الفقهية التي جعلته شيخا
1 ـ هود ( 11 ) الاية 1.
2 ـ الطوسي ، التبيان ، ج5 ، ص 446.
3 ـ الاجتهاد : هو النظر في الادلة الشرعية لتحصيل معرفة الاحكام الفرعية التي جاء بها سيد المرسلين ، ( راجع المظفر ، عقائد الامامية ، ص 34 ). 1 ـ الصدر ، الفتاوى الواضحة ، ص 103.
حياة الشيخ الطوسي ::: فهرس