حياة الشيخ الطوسي ::: 261 ـ 270
(261)
الفصل الثاني :
الشيخ الطوسي وعقائد الامامية
تـحدث القران الكريم في ايات عديدة عن مسائل عقيدية كانت غاية في الاهمية كصفات اللّه وخلق الـقران وافعال العباد ، هل هي من خلق اللّه ام من تدبير الانسان نفسه ؟ الى جانب مسائل اخرى لاتقل عن هذه اهمية في مجال العقيدة ، وقدقراها الصحابة والرعيل الاول من المسلمين ، فامنوا بها دون ان يـقولوا شيئا بصددها ، حتى اذا مااذن النصف الاول للقرن الهجري الاول بالانصراف ، واذا بالمدرسة الاسـلامية تعيش حالة ارهاصات لولادة بعض الفرق والمذاهب ، حيث ظهرت عندئذ القدرية ، فكان مـعـبـد بـن خـالـد الـجـهـنـي ( ت 80هــ ) اول مـن تـكلم بالقدر حيث كان يقول : لاقدر والامر انـف (1) ، وبـهـذا يكون القدرية قدفتحوا بابا للكلام بين المسلمين اخذ بالانتشار والتوسع شـيـئا فـشـيئا ، فظهرت بعدذلك الجهمية والتي تنسب الى جهم بن صفوان ( ت 128هـ ) ، وهو من الـقائلين بالجبر ، وقدوافق جهم اراء المعتزلة في نفي الصفات الازلية الا انه خالفهم في اراء اخرى كثيرة منها : انه لايجوز وصف البارئ بصفة يوصف بها خلقه ، لان ذلك يقتضي تشبيها ، فنفى كونه حيا عـالـمـا واثـبـت كونه قادرا فاعلا خالقا ، لانه لايوصف شي ء من خلقه بالقدرة والفعل
1 ـ البغدادي ، الفرق بين الفرق ، ص ( 14 )


(262)
والخلق ، وان الانسان ، لايقدر على شي ء ، ولايوصف بالاستطاعة ، وانما هو مجبور في افعاله ، لاقدرة له ولا ارادة ولا اختيار (1).
    ولم يمض وقت طويل حتى ظهرت المعتزلة ، والتي كان واصل بن عطاء المتوفى سنة131 ه شيخها وقـديـسـهـا (2) ، وراح هؤلاء ينقضون اراء الجبرية ، وينفون مااكده الصفاتيون ، واعتقدوا باصول خمسة ، عرف بها المذهب الاعتزالي فيما بعد ، وهي :
    الـتـوحـيـد ، الـعـدل ، الـمـنـزلـة بـيـن الـمـنـزلتين ، الوعد والوعيد ، الامر بالمعروف والنهي عن المنكر (3).
    وقـد اثـارت اراء المعتزلة موجة من الصراع الحاد بينهم وبين السلفيين ، وخاصة في مسالة الصفات الالهية ، وفي هذا يقول الشهرستاني :
    اعلم ان جماعة كبيرة من اهل السلف كانوا يثبتون للّه ( تعالى ) صفات ازلية من العلم والقدرة والحياة والارادة والـسـمـع والـبـصـر والـكـلام والجلال والاكرام والجود والانعام والعزة والعظمة ، ولايـفرقون بين صفات الذات وصفات الفعل ، بل يسوقون الكلام سوقاواحدا ، وكذلك يثبتون صفات خبرية مثل اليدين والرجلين ، ولايؤولون ذلك الا انهم يقولون :
    هذه الصفات قد وردت في الشرع ، فنسميها صفات خبرية ، ولماكان المعتزلة ينفون الصفات ، والسلف يثبتون سمي السلف صفاتية والمعتزلة معطلة (4).
    وقـددخـل حـلـبـة الـصـراع جـمـع اخر من اهل السلف ، كان ابرزهم ابو الحسن الاشعري ، ثم تـلاه الـبـاقـلانـي والجويني والغزالي والشهرستاني والرازي وغيرهم ، وهؤلاء جوزوا الكلام في المسائل الاعتقادية على نحو يختلف مع ماكان عليه بعض السلفيين من الصحابة والتابعين وتابعيهم مـن الـذيـن حـرمـوا الكلام فيها ، واوجبوا الايمان بها على ماهو ظاهر من
1 ـ الشهرستاني ، الملل والنحل ، ج1 ، ص 86.
2 ـ المسعودي ، مروج الذهب ، ج3 ، ص 54.
3 ـ القاضي عبدالجبار ، شرح الاصول الخمسة.
4 ـ الشهرستاني ، الملل والنحل ، ج1 ، ص 92.


(263)
نصوص الكتاب والسنة الشريفة (1).
    ولـقـد كان للمدرسة الامامية راي في كل مسالة من المسائل التي اثير الكلام حولها ، وسنتعرض لها بـشـي ء مـن التفصيل ، مع ذكر اراء الشيخ الطوسي فيها باعتباره مفسرا يتعرض في تفسيره للايات القرانية التي كانت مثار جدل بين الفرق الاسلامية ، ولكونه شيخ الطائفة ومتكلم الشيعة (2) وفـقيه الامامية (3) ، وسنحاول استجلاء موقف الشيخ ‌الطوسي من خلال تفسير التبيان ازاء اصـول الدين الخمسة التي تؤمن بها المدرسة الامامية ، والتي هي ( التوحيد والعدل والنبوة والامامة والمعاد ) (4).

التوحيد
    اجـمـع المسلمون على الايمان بوحدانية اللّه تعالى ، والامامية (5) يعتقدون بهذاالاصل كما يـعـتقد به غيرهم ، وقدامنوا بان اللّه ( تعالى ) واحد احد ليس كمثله شي ء قديم لم يزل ولايزال ، هو الاول والاخـر عـلـيـم حليم عادل حي قادر غني سميع بصير لايوصف بماتوصف به المخلوقات ، وقـالـوا : بـانه يجب توحيد اللّه تعالى من جميع الجهات ، فكما يجب توحيده في الذات ( اولا ) ، يجب توحيده في الصفات ( ثانيا ) ، وكذلك يجب توحيده في العبادة ( ثالثا ) ، فلاتجوز عبادة غيره بوجه من الوجوه (6) ، ومثل هذا قال المعتزلة فذكروا :
    ان اللّه واحـد ، لـيـس كـمثله شي ، وليس بجسم ولاشبح ولاجثة ولاصورة ، ولايتحرك ولايسكن ، ولايـتـبعض ، ولايحيط به مكان ، ولايجري عليه زمان ، ولايوصف بشي ء من
1 ـ مـصـطـفـى حـلـمـي ، قواعد النهج السلفي والنسق الاسلامي في مسائل الالوهية والعالم والانسان عند ابن تيمية.
2 ـ ابن كثير ، البداية والنهاية ، ج12 ، ص 97.
3 ـ ابن الجوزي ، المنتظم ، ج8 ، ص 179.
4 ـ الزنجاني ، عقائد الامامية الاثني عشرية ، ص 111.
5 ـ يقول الشيخ المفيد في تسمية الشيعة بالامامية مانصه ( فاما السمة للمذهب بالامامية ووصف الـفـريـق مـن الشيعة بالامامية فهو علم على من دان بوجوب الامامة ووجودها في كل زمان ) انظر المفيد ، اوائل المقالات ، ص 7.
6 ـ المظفر ، عقائد الامامية ، ص 36 ـ 37.


(264)
صفات الخلق الدالة على حدثهم ، ولاتدركه الحواس ، ولم يزل عالما قادرا حيا ، ولايزال كذلك (1).
    وقـداكـد الشيخ الطوسي وحدانية اللّه تعالى خلال تفسيره ، فقال عند تفسيره لقوله تعالى : ( لوكان فـيهما الـهة الا اللّه لفسدتا فسبحان اللّه رب العرش عما يصفون ) (2) :
    لـوصح الهان او الهة لصح بينهما التمانع ، فكان يؤدي ذلك الى ان احدهما اذا اراد فعلاواراد الاخر ضده ، اما ان يقع مرادهما فيؤدي الى اجتماع الضدين ، او لايقع مرادهمافينتقض كونهما قادرين ، او يـقع مراد احدهما فيؤدي الى نقض كون الاخر قادرا ، وكل ذلك فاسد ، فاذن لايجوز ان يكون الاله الا واحدا (3).
    وعلى هذا فان اللّه ( تعالى ) :
    واحد في الالهية والازلية ، ولايشبهه شي ء ، ولايجوز ان يماثله شي ء ، وانه فرد في المعبودية لاثاني له فيها على الوجوه كلها والاسباب ، وعلى هذا اجمع اهل التوحيد الامن شذ من اهل التشبيه ، فانهم اطلقوا الفاظه وخالفوا في معناه ) (4).
    ومثل هذا المعنى يوكده الشيخ الطوسي في مكان اخر من التبيان فيقول :
    ويـدل على ان خالق الجسم لايشبهه ، لانه لواشبهه لكان محدثا مثله ، ويدل على انه قديم ، لانه لوكان محدثا لاحتاج الى محدث ، ولادى ذلك الى مالايتناهى (5).

صفات اللّه تعالى
    تـعـرض الشيخ الطوسي في تفسيره الى مسالة الصفات ، ورد على المجسمة والمشبهة في اكثر من موضع ، واكد في اكثر من مكان من تبيانه ان اللّه خالق قادر عالم قديم فقال في
1 ـ الاشعري ، مقالات الاسلاميين ، ج1 ، ص 235 وما بعدها.
2 ـ الانبياء ( 21 ) الاية 22.
3 ـ الطوسي ، التبيان ، ج7 ، ص 211 ـ 212.
4 ـ المفيد ، اوائل المقالات ، ص 17.
5 ـ الطوسي ، التبيان ، ج3 ، ص 79.


(265)
تفسيره لقوله تعالى :
     ( ان في السمـوات والارض لا يات للمـؤمنـين ) (1).
    وفـي السماوات والارض لايات للمؤمنين الذين يصدقون باللّه ، ويقرون بتوحيده وصدق انبيائه ... ، وفـي السماوات والارض دلالات على الحق من وجوه كثيرة ، منها انه يدل بخلقها على ان لها خالقا ، وانـه قادر لايعجزه شي ء ، وانه مخالف لها ، فلايشبهها ، وعلى انه عالم بما فيها من الاتقان والانتظام ، وفـي اسـتـحـالـة تعلق القدرة بها دلالة على ان صانعها قديم غير محدث ، ويوقفها مع عظمها وثقل اجرامها بغير عمد ولاسند يدل على ان القادر عليها قادر على الاتيان بما لايتناهى ، ولايشبه احد من القادرين ، وانه خارج من حد الطبيعة (2).
    وهذا ما اكده الامام علي بن موسى الرضا ثامن ائمة الامامية بقوله : الاقـرار بـانـه لا الـه غـيـره ولاشـبـيـه له ، ولا نظير له ، وانه مثبت قديم موجود غير فقير ، وليس كمثله شي. (3) كما وقال الطوسي عند تفسيره لقوله تعالى :
     ( فـاطـر الـسمـوات والارض جعل لكم من انفسكم ازواجا ومن الانعام ازواجا يذرؤكم فـيه ليس كمثله شي ء وهو السمـيع البصـير ) (4).
    وقوله : ( ليس كمثله شي ء ) قيل في معناه ثلاثة اقوال :
    احدها : ليس مثل اللّه شي ء من الموجودات ولا المعدومات.
    الثاني : قال الرماني : انه بلغ في نفي الشبيه اذا نفى مثله ، لانه يوجب نفي الشبه على التحقيق والتقدير ، وذلك انه لوقدر له مثل لم يكن له مثل صفاته ، ولبطل ان يكون له مثل ، ولتفرده بتلك الصفات ، وبطل ان يـكـون مثلا له فيجب ان يكون من له مثل هذه الصفات على الحقيقة لامثل له اصلا ، اذ لو كان له مثل لم يكن هو بصفاته ، وكان ذلك الشي ء الاخرهو الذي له تلك الصفات.
1 ـ الجاثية ( 45 ) الاية 3.
2 ـ الطوسي ، التبيان ، ج9 ، ص 245.
3 ـ الصدوق ، عيون اخبار الرضا ، ج1 ، ص 133.
4 ـ الشورى ( 42 ) الاية11.


(266)
    الثالث : انه نفى ان يكون لمثله مثل واذا ثبت انه لا مثل لمثله فلا مثل له ايضا ، لانه لو كان له مثل لكان له امثال (1).
    وقوله : ( وهو السمـيع البصـير ) معناه انه على صفة يجب ان يسمع المسموعات اذا وجدت ويبصر المبصرات اذا وجدت وذلك يرجع الى كونه حيا لا افة به (2).
    وقـداكـد الـشيخ الطوسي ايمانه بتنزيه اللّه عن اوصاف المخلوقين متبعا في ذلك قول الامام جعفر الصادق ـ سادس ائمة اهل البيت ـ في هذا الصدد حيث يقول (ع) :
    هـو عـز وجل مثبت موجود لامبطل ولامعدود ولا في شي ء من صفة المخلوقين ، وله ( عزوجل ) نعوت وصفات واسماؤه حاوية على مخلوقين مثل السميع والبصير والرؤوف والرحيم واشباه ذلك ، والـنعوت نعوت الذات لاتليق الا باللّه تبارك وتعالى ، واللّه نور لاظلام فيه وحي لا موت له وعالم لا جهل فيه وصمد لا مدخل فيه ، ربنا نوري الذات حي الذات عالم الذات صمدي الذات (3).
    وقداوضح الشيخ الطوسي هذا الراي الذي عليه اجماع الامامية في كل مناسبة يمر عليهاعبر ايات الكتاب العزيز فقال في تفسيره لقوله تعالى :
     ( ولما جاء موسى لمـيقاتنا وكلمه ربـه قال رب ارني انظر اليك قال لن تراني ولـكن انظر الى الجبل فان استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربـه للجبل جعله دكا وخـر موسى صعقا ) (4) قال الطوسي :
    اخـتـلـف المفسرون في وجه مسالة موسى (ع) ذلك مع ان الرؤية بالحاسة لاتجوز عليه تعالى على ثلاثة اقوال :
    احدها : انه سال الرؤية لقومه حين قالوا له ( لن نؤمن لك حتى نرى اللّه جهرة ) (5).
    الثاني : في اصل المسالة : انه سال العلم الضروري الذي يحصل في الاخرة ، ويكون في
1 ـ الطوسي ، التبيان ، ج9 ، ص 147.
2 ـ نفس المصدر ، ص 148.
3 ـ الصدوق ، التوحيد ، ص 93.
4 ـ الاعراف ( 7 ) الاية 143.
5 ـ البقرة ( 2 ) الاية 55.


(267)
الدنيا ، ليزول عـنـه الخواطر والشبهات ، والرؤية تكون بمعنى العلم كما يكون الادراك بالبصر كما قال : ( الم تر كيف فعل ربك باصحاب الفـيل ) (1).
    والثالث : انه سال اية من ايات الساعة التي يعلم معها العلم الذي لايختلج فيه الشك ، كمايعلم في الاخر وهذا قريب من الثاني .
    وقـولـه تعالى : ( لن تراني ) جواب من اللّه ( تعالى ) لموسى انه لايراه على الوجه الذي ساله ، وذلك دليل على انه لايرى في الدنيا ولافي الاخرة ، لان لن تفيد التابيد. (2) وامـا الـتـجـلـي الذي ورد في النص القراني فيفسره الشيخ الطوسي بما لايخالف راي الامامية في الصفات فيقول :
    وقـولـه ( فلما تجلى ربـه للجبل ) معناه اظهر اياته التي احدثها في الجبل لحاضري الجبل بان جعله دكا. (3) وقـداكـد الشيخ الطوسي عدم جواز رؤية اللّه تعالى في معرض رده على المجسمة والمشبهة فقال عند تفسيره لقوله تعالى :
     ( ولـو تـرى اذ وقـفوا على ربهم قال اليس هـذا بالحق قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بماكنتم تكفرون ) (4) :
    وقـدظـن قوم من المشبهة ان قوله ( اذ وقفوا على ربهم ) انهم يشاهدونه وهذا فاسد لان المشاهدة لاتـجـوز الا عـلى الاجسام او على ما هو حال في الاجسام وقدثبت حدوث ذلك اجمع فلايجوز ان يكون تعالى بصفة ما هو محدث. (5) ومـثـل هذا الموقف كان الطوسي قد اتخذه عند تفسيره لقوله تعالى ( لا تدركه الابصار وهويدرك الابصار وهو اللطـيف الخبـير ) (6).
1 ـ الفيل ( 105 ) الاية 1.
2 ـ الطوسي ، التبيان ، ج4 ، ص 535 ـ 536.
3 ـ الطوسي ، التبيان ، ج4 ، ص 536.
4 ـ الانعام ( 6 ) الاية 30.
5 ـ الطوسي ، التبيان ، ج4 ، ص 113.
6 ـ الانعام ( 6 ) الاية 103.


(268)
    فقال :
    وفـي هـذه الاية دلالة واضحة على انه تعالى لايرى بالابصار ، لانه تمدح بنفي الادراك عن نفسه ، وكلما كان نفيه مدحا غير متفضل به فاثباته لايكون الا نقصا ، والنقص لايليق به تعالى. (1) وبـهـذا يـتـفـق الـشـيـخ الطوسي مع اراء المعتزلة وبعض الصحابة في عدم جواز القول برؤية اللّه ( تعالى ) ولذلك يقول :
    وقال الشعبي (2) : قالت عائشة : من قال ان احدا راى ربه فقد اعظم الفرية على اللّه وقرات الايـة ، وهـو قـول الـسدي وجماعة اهل العدل من المفسرين كالحسن والبلخي والجبائي والرماني وغـيـرهـم ... وقال اهل الحشو والمجبرة بجواز الرؤية على اللّه تعالى في الاخرة ، وتاولوا الاية على الاحاطة وقدبينا فساد ذلك. (3) ولـم تنفرد الامامية بالقول بعدم جواز الرؤية على اللّه ( تعالى ) ، بل شاركهم في هذا الراي المعتزلة والخوارج والزيدية وكثير من اهل الحديث ، وهذا مااوضحه الشيخ المفيد حيث يقول :
    لايصح رؤية الباري سبحانه بالابصار ، وبذلك شهد العقل ونطق القران وتواتر الخبر من ائمة الهدى من ال محمد (ص) وعليه جمهور اهل الامامية وعامة متكلميهم الا من شذمنهم لشبهة عرضت له في تـاويـل الاخـبـار ، والـمـعتزلة باسرها توافق اهل الامامة في ذلك ، وجمهور المرجئة وكثير من الـخـوارج والـزيـديـة وطـوائف من اصحاب الحديث ، ويخالف فيهم المشبهة اخوانهم من اصحاب الصفات. (4) وقال الطوسي في تفسيره لقوله تعالى : ( وجوه يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة ) (5).
1 ـ الطوسي ، التبيان ، ج3 ، ص 223.
2 ـ الـشـعـبي : هو ابو عمرعامربن شراحيل الكوفي من كبار التابعين كان فقيها شاعرا توفي سنة 104ه. انظرالمسعودي ، مروج الذهب ، ج3 ، ص 401.
3 ـ الطوسي ، التبيان ، ج4 ، ص 226.
4 ـ المفيد ، اوائل المقالات ، ص 23.
5 ـ القيامة ( 75 ) الاية 23.


(269)
    وقوله : ( الى ربها ناظرة ) معناه منتظرة نعمة ربها وثوابه ان يصل اليهم.
    وقوله ( ولا ينظر اليهم يوم القـيامة ) (1) معناه لاينيلهم رحمته.
    وقال الطوسي في تفسيره لقوله تعالى : ( وجوه يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة ) (2).
    وقوله : ( الى ربها ناظرة ) معناه منتظرة نعمة ربها وثوابه ان يصل اليهم وقوله ( ولا ينظر اليهم يوم الـقــيـامـة ) (3) مـعناه لاينيلهم رحمته ، ويكون النظر بمعنى المقابلة ومنه المناظرة في الجدل ....
    وليس النظر بمعنى الرؤية اصلا بدلالة انهم يقولون : نظرت الى الهلال فلم اره فلوكان بمعنى الرؤية لكان متناقضا ....
    ثم يقول :
    ولـوسـلمنا ان النظر يعدل الرؤية لجاز ان يكون المراد انها رؤية ثواب ربها ، لان الثواب الذي هو انواع الملذات من الماكول والمشروب والمنكوح تصح رؤيته ويجوز ايضا ان يكون الى واحد الالاء وفـي واحـدهـا لـغات ( الا ) مثل قفا و ( الى ) مثل معى و ( الى ) مثل حسى فاذا اضيف الى غيره سق ط الـتـنـويـن ، ولايـكـون ( الـى ) حـرفـا فـي الاية وكل ذلك يبطل قول من اجاز الرؤية على اللّه تعالى (4).
    وليس لاحد ان يقول :
    ان الوجه الاخير يخالف الاجماع ، اعني اجماع المفسرين وذلك لانا لانسلم لهم ذلك بل قدقال مجاهد وابـو صـالـح والـحـسـن وسـعـيـدبـن جبير والضحاك : ان المراد نظر الثواب.وروي مثله عن علي (ع) (5).
    وقدفرق اهل اللغة بين نظر الغضبان ونظر الراضي ويقولون : نظر الغضبان ونظر الراضي ونظر عداوة ونظر مودة قال الشاعر :
1 ـ ال عمران ( 3 ) الاية 77.
2 ـ القيامة ( 75 ) الاية 23.
3 ـ ال عمران ( 3 ) الاية 77.
4 ـ الطوسي ، التبيان ، ج10 ، ص 198.
5 ـ نفس المصدر ، ص 199.


(270)
تخبرني العينان ما الصدر كاتم ولاحن بالبغضاء والنظر الشزر
والـرؤيـة لـيـسـت كـذلك فانهم لايضيفونها فدل على ان النظر غير الرؤية والمرئي هوالمدرك ولاتصح الرؤية وهي الادراك الا على الاجسام او الجوهر او الالوان.. ومن شرط المرئي ان يكون هـو او مـحـلـه مـقـابـلا او في حكم المقابل وذلك يستحيل عليه تعالى ، فكيف نجيز الرؤية عليه تعالى ؟ (1) ووفق هذا التصور فسر الشيخ الطوسي ( الوجه ) في قوله تعالى :
     ( وللّه المشرق والمغرب فاينما تولوا فثم وجه اللّه ان اللّه واسـع علـيم ) (2) فقال : المراد بالوجه فيه اختلاف ، قال الحسن ومجاهد : المراد به فثم جهة القبلة ، وهي الكعبة ، لانه يمكن التوجه اليها من كل مكان .
    وقيل : معناه فثم وجه اللّه فادعوه كيف توجهتم.
    وقـال اخرون واختاره الرماني والجبائي : فثم رضوان اللّه ، كما يقال وهذا وجه العمل ، وهذا وجه الصواب ، وكانه قال : للوجه الذي يؤدي الى رضوان اللّه (3).
    ومثل ذلك قاله في تفسيره للفظة ( يد اللّه ) في قوله تعالى : ( يد اللّه فوق ايديهم ) (4).
    قيل في معناه قولان :
    احدهما : عقد اللّه في هذه البيعة فوق عقدهم ، لانهم بايعوا اللّه بيعة النبي (ص).
    والاخر : قول اللّه في نصرة نبيه (ص) فوق نصرتهم.
    وقيل : يداللّه في هدايتهم فوق ايديهم بالطاعة (5).
    وبهذا يكون الشيخ الطوسي وضح المعنى بما ينسجم والراي الذي اجمع عليه الامامية بعيداعن كل تجسيم او تشبيه بصفات المخلوقين .
    وعـنـد تـفـسـيـره لـقـولـه تـعـالـى : ( وما قدروا اللّه حـق قدره والارض جمـيعا قبضته يوم القـيامة
1 ـ الطوسي ، التبيان ، ج10 ، ص 199.
2 ـ البقرة ( 2 ) الاية 115.
3 ـ الطوسي ، التبيان ، ج1 ، ص 114 ، 115.
4 ـ الفتح ( 48 ) الاية 10.
5 ـ الطوسي ، التبيان ، ج9 ، ص 317.
حياة الشيخ الطوسي ::: فهرس