حياة الشيخ الطوسي ::: 271 ـ 280
(271)
والسمـوات مطويات بيمـينه ) (1).
    قـال : ومعنى الاية ان الارض باجمعها في مقدوره كما يقبض عليه القابض فيكون في قبضته وكذلك قـوله ( والسمـوات مطويات بيمـينه ) معناه اي في مقدوره طيها وذكرت اليمين مبالغة في الاقتدار والتحقيق للملك (2).
    وقداكد الشيخ الطوسي ان التشبيه كفر باللّه عز وجل وذلك عند تفسيره لسورة الاخلاص فقال :
    وقوله ( اللّه الصمد ) وقيل في معناه قولان :
    احدهما : قال ابن عباس وشقيق وابو وائل : انه السيد المعظم.
    الثاني : ان معناه الذي يصمد اليه بالحوائج ليس فوقه احد.
    ثـم اردف قـائلا : ومـن قـال : الـصمد بمعنى المصمت ، فقد جهل اللّه ، لانه المصمت هوالمتضاغ ط الاجزاء ، وهو الذي لاجوف له ، وهذا تشبيه وكفر باللّه تعالى.
    وقوله ( لم يلد ) نفي منه تعالى لكونه والدا له ولد.
    وقـوله ( ولم يولد ) نفي لكونه مولودا له والد ، لان ذلك من صفات الاجسام وفيه رد على من قال : ان عزير والمسيح ابناء اللّه تعالى وان الملائكة بنات اللّه (3).
    قوله : ( ولم يكن له كفوا احد ) نفي من اللّه تعالى ان يكون له مثل او شبيه او نظير (4).

خلق القران
يجمع الامامية على ان القران مخلوق محدث لم يكن ثم كان (5). وهـم بذلك يقصدون الالفاظ والحروف المقروءة التي تضمنها كتاب اللّه تعالى الذي انزله على نبيه الامين محمد بن عبداللّه (ص).
1 ـ الزمر ( 39 ) الاية 67.
2 ـ الطوسي ، التبيان ، ج9 ، ص 45.
3 ـ الطوسي ، التبيان ، ج10 ، ص 430 ، 431.
4 ـ الطوسي ، التبيان ، ج1 ، ص 431.
5 ـ المظفر ، دلائل الصدق ، ج1 ، ص 226.


(272)
    وهـكـذا يتضح اعتقاد الامامية في هذه المسالة والى هذا المعنى اشار السيد الطباطبائي في الميزان بقوله :
    ان اريـد بـالقران هذه الايات التي تتلوها بما انها كلام دال على معان ذهنية فهو ليس بحسب الحقيقة لاحـادثـا ولا قـديـما ، وانما هو متصف بالحدوث بحدوث الاصوات التي هي معنونة بعنوان الكلام والـقـران ، وان اريد به ما في علم اللّه من معانيها الحقة كان كعلمه تعالى بكل شي ء حقا قديما بقدمه ، فالقران قديم اي علمه تعالى به قديم (1).
    اما الاشعري فيذهب الى ان :
    الـقـران بـاعـتباره كلاما يدل على معنى العلم الالهي الذي هو عين الذات ، فانه قديم من هذه الجهة ، وعليه فلايمكن ان يوصف بوصف زماني ، فهو ليس بقديم ولامخلوق ولكنه كلام اللّه (2).
    والشيخ الطوسي قال كغيره من علماء الامامية بحدوث القران ، ودافع عن هذا بحماس ، ومن ذلك قوله عـنـد تـفـسـيـره لـلايـة الـكـريـمـة ( مـا يـاتــيـهـم مـن ذكر من ربهم محدث الا استمعوه وهم يلعبون ) (3) :
    وفي هذه الاية دلالة على ان القران محدث ، لانه تعالى اخبر انه ليس ياتيهم ذكر محدث من ربهم الا اسـتـمـعوه ، وهم لاعبون ، ثم قال : والاستماع لايكون الا في الكلام ، وقدوصفه بانه محدث فيجب القول بحدوثه (4).
    كما واكد الشيخ الطوسي مثل هذا المعنى عند تفسيره لقوله تعالى :
     ( وهـذا ذكر مبارك انزلناه افانتم له منكرون ) (5) فقال :
1 ـ الطباطبائي ، الميزان ، ج14 ، ص 247.
2 ـ الاشعري ، مقالات الاسلاميين ، ج1 ، ص 114.
3 ـ الانبياء ( 21 ) الاية 2.
4 ـ الطوسي ، التبيان ، ج7 ، ص 202.
5 ـ الانبياء ( 21 ) الاية 50.


(273)
    وفي ذلك دلالة على حدوثه ، لان مايوصف بالانزال وبانه مبارك يتنزل به لايكون قديما ، لان ذلك من صفات المحدثات (1).
    ونجده في موضع اخر وعند تفسيره لقوله تعالى :
     ( مـا نـنـسـخ مـن ايـة او نـنـسـهـا نـات بـخـيـر مـنـهـا او مثلها الم تعلم ان اللّه على كل شي ء قدير ) (2) يقول :
    وفـي الايـة دلـيل على ان القران غير اللّه ، وان اللّه هو المحدث له والقادر عليه ، لان ماكان بعضه خيرا من بعض او شرا من بعض فهو غير اللّه لامحالة ، وفيها دليل ان اللّه قادر عليه وماكان داخلا تـحـت الـقـدرة فـهـو فـعـل والـفـعل لايكون الا محدثا ، ولانه لوكان قديمالماصح وجود النسخ فيه (3).
    وظل الشيخ الطوسي متبنيا لراي الامامية في مسالة خلق القران ، ويستثمر لذلك الراي والدفاع عنه كـل مناسبة يمكنه الحديث من خلالها حول هذا الموضوع ، ولذلك نراه عندمايفسر قوله تعالى : ( انا جعلناه قرانا عربيا لعلكم تعقلون ) (4) يقول :
    وفـيـه دلالـة عـلى حدوثه ، لان المجعول هو المحدث ، ولان مايكون عربيا لايكون قديمالحدوث العربية ، فان قيل : معنى جعلناه سميناه ، لان الجعل قديكون بمعنى التسمية ، قلنا : لايجوز ذلك ـ هاهنا ـ لانه لوكان كذلك لكان الواحد منا اذا سماه عربيا فقد جعله عربيا ، وكان يجب لوكان القران على ما هـو عـليه ، وسماه اعجميا لن يكون اعجميا ، اوكان يكون بلغة العجم وسماه عربيا لن يكون عربيا ، وكل ذلك فاسد (5).
1 ـ الطوسي ، التبيان ، ج7 ، ص 226.
2 ـ البقره ( 2 ) الاية 106.
3 ـ الطوسي ، التبيان ، ج1 ، ص 399.
4 ـ الزخرف ( 43 ) الاية 3.
5 ـ الطوسي ، التبيان ، ج9 ، ص 178.


(274)
العدل
وهو الاصل الثاني من اصول الدين عند الشيعة الامامية الذين يعتقدون : ان مـن صـفات اللّه الثبوتية الكمالية انه عادل غير ظالم ، فلايجور في قضائه ولايحيف في حكمه ، يـثـيـب الـمـطـيـعين ، وله ان يجازي العاصين ، ولايكلف عباده مالايطيقون ، ولايعاقبهم زيادة على مـايستحقون ، وانه سبحانه لايترك الحسن عند عدم المزاحمة ، ولايفعل القبيح لانه تعالى قادر على فـعـل الحسن وترك القبيح ، مع فرض علمه بحسن الحسن وقبح القبيح وغناه عن ترك الحسن وعن فعل القبيح ، فلا الحسن يتضرر بفعله حتى يحتاج الى تركه ، ولاالقبيح يفتقر اليه حتى يفعله ، وهو مع كل ذلك حكيم لابد ان يكون فعله مطابقا للحكمة ، وعلى حسب النظام الاكمل ... وبذلك فان اللّه تعالى منزه عن الظلم وفعل ماهو قبيح (1).
    وقدتطرق الشيخ الطوسي الى جملة من المسائل التي تتصل بالعدل ، وطرح رايه فيها ، وناقش اراء من يـختلف معهم ، وفند ما لم يقم عليه دليل من تلك الاراء ، كما انه اتفق مع غيرالامامية في كثير من هذه الـمـسائل ، وبين اوجه التشابه بينها ، وهنا نعرض لبعض تلك المسائل التي ادلى فيها الشيخ الطوسي بدلوه ، وهو يفسر ايات الكتاب المجيد :
    1 ـ الـظـلـم والـفساد : تعرض الشيخ الطوسي لمسالة الظلم والفساد ، وعلاقة ذلك باللّه تعالى ، فاكد تنزيهه سبحانه ، فقال في تفسيره لقوله تعالى : ( وما اللّه يريد ظلماللعباد ) : (2) انـه تعالى لايريد ظلما للعباد ولايؤثره لهم ، وذلك دال على فساد قول المجبرة الذين يقولون : ان كل ظلم في العالم بارادة اللّه (3).
    وقال في تفسيره لقوله تعالى :
1 ـ المظفر ، عقائد الامامية ، ص 40 ومابعدها.
2 ـ غافر ( 4 ) الاية 31.
3 ـ الطوسي ، التبيان ، ج9 ، ص 73.


(275)
     ( ان اللّه لا يظلم مثقال ذرة وان تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه اجرا عظـيما ) (1).
    وفي الاية دلالة على ان منع الثواب ظلم ، وفيه ايضا دلالة على انه قادر على الظلم لانهاصفة تعظيم وتـنزيه عن فعل مايقدر عليه ، فانه لايفعله لعلمه بقبحه ولانه غني عنه ، ولانه لوفعل لكان ظالما ...
    وذلك منزه عنه تعالى (2).
    وقـال عـنـد تـفـسـيـره لـلايـة الـكـريـمـة : ( ومـا كـان اللّه لــيـظـلـمـهـم ولــكن كانوا انفسهم يظلمون ) (3) :
    فانه تعالى لم يظلم احدا من العباد ، بل كانوا انفسهم يظلمون بجحدهم نعم اللّه واتخاذهم مع اللّه الهة عـبدوها ، وطغيانهم وفسادهم في الارض ، وذلك يدل على فساد قول المجبرة الذين قالوا : ان الظلم مـن فـعـل اللّه ، لانـه لـوكان من فعله لماكانوا هم الظالمين انفسهم ، بل كان الظالم لهم من فعل فيهم الظلم (4).
    كـمـا ويـرى الـمـفـسـر ان فـي الايـة الـكـريمة ( واما الذين امنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم اجـورهـم واللّه لا يحب الظالمـين ) (5) دلالة على بطلان مذهب المجبرة في ان اللّه تعالى يـريـدالـظـلـم ، لانـه قـال : ( لا يـحب الظالمـين ) واذا لم يحب الظلم لم يحب فعل الظلم ، لانه انما لـم يـجـزمـحـبة الظالم لظلمه ، والمحبة هي الارادة ، وفي الاية دلالة على انه لايجازي المحسن بمايستحقه المسي ء ولاالمسي ء بما يستحقه المحسن ، لان ذلك ظلم (6).
    كـما واحتج الشيخ الطوسي على المجبرة الذين ينسبون الظلم الى اللّه ( تعالى ) بدليلين وذلك عندما فسر قوله تعالى :
1 ـ النساء ( 4 ) الاية 40.
2 ـ الطوسي ، التبيان ، ج3 ، ص 200 ، 201.
3 ـ العنكبوت ( 29 ) الاية 40.
4 ـ الطوسي ، التبيان ، ج8 ، ص 187 ، 188.
5 ـ ال عمران ( 3 ) الاية 57.
6 ـ الطوسي ، التبيان ، ج2 ، ص 480.


(276)
     ( ذلك بما قدمت يداك وان اللّه ليس بظلام للعبـيد ) (1) قال :
    انـه تـعـالى لايفعل القليل من الظلم لامرين : احدهما : انه خرج مخرج جواب للمجبرة وردا عليهم ، لانهم ينسبون كل ظلم في العالم اليه تعالى ، فبين انه لوكان كما قالوا لكان ظلاما وليس بظالم.
    الـثاني : انه لوفعل اقل قليل الظلم لكان عظيما منه ، لانه يفعله من غير حاجة اليه ، فهواعظم من كل ظلم فعله فاعله لحاجته اليه (2).

افعال العباد
اخـتـلفت المدارس الاسلامية في ارائها حول مسالة حرية الارادة بالنسبة للانسان ، وفيما اذاكانت افعاله التي يقوم بها تاتي بمحض ارادته واختياره ام انه مجبور على فعلها ومسيرازائها ، ولايملك الا ان يـفعل ، وفي ذلك نشات مدارس مختلفة في الراي ومتباينة في الاتجاه ، تطرفت احداهن للقول : ان الانـسـان مجبور ومسير ، وانه لابد له من الاستجابة ، لماجبل عليه من فعل الخير او الشر ، وقالت اخرى :
    بان الانسان مفوض اليه فعله ، فهو يفعل كما لو لم تكن هناك ارادة الهية تتصرف في هذاالوجود ، وبين هـذه الـمـدرسـة وتـلـك وقـفـت الـمدرسة الامامية لتقول كلمتها فكانت على لسان الامام جعفربن محمدالصادق (ع) حيث قال :
    لاجبر ولاتفويض ولكن امر بين امرين (3).
    وبـذلـك كـانـت الـمدرسة الامامية تحتل الموقف الوسط بين المدارس الاسلامية الاخرى وتمثل الاعتدال في الراي وقداكد ذلك الامام الصادق (ع) حين سئل عن الجبر والقدرفقال :
     ( لاجـبـر ولاقـدر ولـكـن مـنـزلـة بـيـنـهـمـا ، فـيـها الحق ... لايعلمها الا العالم او من علمها اياه
1 ـ الحج ( 22 ) الاية 10.
2 ـ الطوسي ، التبيان ، ج7 ، ص 262.
3 ـ الكليني ، اصول الكافي ، كتاب التوحيد ، باب الجبر والقدر والامر بين الامرين.


(277)
العالم ) (1).
    وقـددافـع الشيخ الطوسي عن الراي الذي تتبناه المدرسة الامامية في هذا المجال ، وطرح رايه في اكثر من موقف ، كما ناقش المجبرة كثيرا ، وفند اراءهم ، وهو يمر بعشرات الايات القرانية مفسرا.
    فقال في تفسيره لقوله تعالى :
     ( ولا تـمش في الارض مرحا انك لن تخرق الارض ولن تبلغ الجبال طولا كل ذلك كان سيـئه عند ربك مكروها ) (2) قال :
    فـخـص مـن ذلك السي ء بانه مكروه عند اللّه لانه تعالى لايكره الحسن وفي ذلك دلالة على بطلان مـذهـب المجبرة من ان اللّه يريد المعاصي لان هذه الاية صريحة بان السي ءمن الافعال مكروه عند اللّه (3).
    وقال عند تفسيره لقوله تعالى :
     ( ومـانـرسـل الـمـرسـلــيـن الا مـبـشرين ومنذرين فمن امن واصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والذين كذبوا باياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون ) (4) فقال :
    ثم اخبر ان المرسل اليهم مختارون غير مجبرين ولامضطرين ، ودل على انه غير محدث لشي ء من افـعـالـهم فيهم ، وان الافعال لهم هم يكتسبونها بما خلق اللّه فيهم من القدرة وانه قدهداهم وبين لهم وبـشرهم وانذرهم فمن امن اثابه ومن عصاه عاقبه ، ولوكانوامجبورين على المعاصي مخلوقا فيهم الكفر ، ولم يجعل فيهم القدرة على الايمان لماكان
1 ـ الشيخ المفيد ، عقائد الصدوق.
2 ـ الاسراء ( 17 ) الايات 37 و38.
3 ـ الطوسي ، التبيان ، ج6 ، ص 478.
4 ـ الانعام ( 6 ) الايات 48 و49.


(278)
للاية معنى (1).
    وقال الطوسي عند تفسيره للاية الكريمة :
     ( ان اللّه فـالـق الـحـب والنوى يخرج الحـى من المـيـت ومخرج المـيت من الحي ذلكم اللّه فاءنى تؤفكون ) (2) وفي الاية دلالة على بطلان قول من قال : ان اللّه ( تعالى ) يحول بين العبد وبين مادعاه اليه ، اذ يخلق فـيـه مـانهاه عنه ... ، لانه قال : ( فانى تؤفكون ) ولوكان شيئا من ذلك لكان هوالموفك لهم والصارف ، تعالى اللّه عن ذلك علوا كبيرا (3).
    وعند تفسيره لقوله تعالى :
     ( ان اللّه لايظلم الناس شيئا و لكن الناس انفسهم يظلمون ) (4) قال الشيخ الطوسي :
    اخـبـر اللّه تـعـالى في هذه الاية على وجه التمدح به بانه لايظلم احدا شيئا ، وانما الناس هم الذين يـظلمون انفسهم بارتكاب مانهى اللّه عنه من القبائح ، فيستحقون بها عقابا ، فكانهم الذين ادخلوا عليها ضـررا ، فـلذلك كانوا ظالمين لانفسهم والمعنى ـ هاهنا ـ ان اللّه لايمنع احدا من الانتفاع بما كلفهم الانـتـفـاع به من القران وادلته ، ولكنهم يظلمون انفسهم بترك النظر فيه والاستدلال به وتفويتهم انفسهم الثواب وادخالهم عليها العقاب ، ففي الاية دلالة على ان فاعل الظلم ظالم كما ان فاعل الكسب كاسب ، وليس لهم ان يقولوا بفعل الظلم ولايكون ظالما به (5).
    وبهذا يكون الشيخ الطوسي قدنفى الراي القائل بان اللّه هو الخالف لافعال العباد وليس للانسان القدرة على فعلها.
    واكد هذا المعنى ايضا في تفسيره لقوله تعالى :
1 ـ الطوسي ، التبيان ، ج4 ، ص 141.
2 ـ الانعام ( 6 ) الاية 95.
3 ـ الطوسي ، التبيان ، ج4 ، ص 209.
4 ـ يونس ( 10 ) الاية 44.
5 ـ الطوسي ، التبيان ، ج5 ، ص 383.


(279)
     ( ام جـعـلـوا للّه شـركـاء خـلـقـوا كـخـلـقـه فتشابه الخلق عليهم قل اللّه خالق كل شي ء وهو الواحدالقهار ) (1) فقال :
    ومـن تـعلق من المجبرة بقوله ( قل اللّه خالق كل شي ء ) (2) على ان افعال العباد مخلوقة للّه فقد ابعد ، لان المراد بذلك ماقدمناه من انه تعالى خالق كل شي ء يستحق بخلقه العبادة دون مالايستحق به ذلك ، ولوكان المراد ماقالوه لكان فيه حجة للخلق على اللّه تعالى وبطل التوبيخ الذي تضمنته الاية الـى مـن وجـه عـبـادتـه الاصنام ، لانه اذا كان الخالق لعبادتهم الاصنام هو اللّه على قول المجبرة فلاتوبيخ يتوجه على الكفار ، ولالوم يلحقهم ، بل لهم ان يقولوا : انك خلقت فينا ذلك فما ذنبنا فيه ، ولم توبخنا على فعل فعلته ؟فتبطل حينئذ فائدة الاية (3).
    وهذا المعنى كان قداكده الشيخ المفيد وهو استاذ مفسرنا حين قال :
    الصحيح عن ال محمد (ص) : ان افعال العباد غير مخلوقة للّه .
    من هنا نجد الشيخ الطوسي حين يفسر قوله تعالى : ( واللّه خـلقكم وماتعـملون ) (4) يقول :
    ثـم نبههم فقال : واللّه تعالى هذا الذي خلقكم وخلق الذي تعملون فيه من الاصنام ، لانهااجسام ، واللّه تـعالى هو المحدث لها ، وليس للمجبرة ان تتعلق بقوله ( واللّه خـلقكم وماتعـملون ) فنقول : ذلك يدل على ان اللّه خالق لافعالنا ، لامور :
    احـدهـا : ان موضوع كلام ابراهيم لهم بني على التقريع لهم لعبادتهم الاصنام ، ولوكان من فعله تعالى لماتوجه عليهم العيب ، بل كان لهم ان يقولوا :
    لم توبخنا على عبادتنا للاصنام واللّه الفاعل لذلك فكانت الحجة لهم لاعليهم.
    الثاني : انه قال لهم ( اتـعبدون ما تـنحتون ) ونحن نعلم انهم لم يكونوا يعبدون نحتهم الذي
1 ـ الرعد ( 13 ) الاية 16.
2 ـ الرعد ( 13 ) الاية 16.
3 ـ الطوسي ، التبيان ، ج6 ، ص 237.
4 ـ الصافات ( 37 ) الاية 96.


(280)
هو فعلهم ، وانما يعبدون الاصنام التي هي الاجسام وهي فعل اللّه بلاشك. فقال لهم ( واللّه خـلقكم ) وخلق هذه الاجسام (1).
    وقـداتـفق الامامية مع المعتزلة في مسالة افعال العباد عندما قالوا بان العبد قادر خالق لافعاله خيرها وشـرهـا مـستحق على مايفعله ثوابا وعقابا في الدار الاخرة ، والرب تعالى منزه ان يضاف اليه شر وظـلـم وفـعـل ، هـو كـفـر ومـعـصـيـة ، لانـه لـوخلق الظلم كان ظالما ، كما لو خلق العدل كان عادلا (2).

الحسن والقبح
الـحـسـن والقبيح صفتان كاملتان في ذوات الاشياء ، فبعضها حسن وبعضها قبيح ، وان العقل الذي هو الرسول الباطن يدركهما ، ويحكم بهما قبل ورود الشرع. (3) ولـهـذا فـالـقـبح والحسن عقليان قبل ان يكونا شرعيين ولذا فالانسان باعتباره كائنا عاقلاوخالقا لافـعـاله ، فهو مسؤول عنها ، ومثل هذا الراي قالت به المعتزلة فقسموا الافعال الى حسنة وقبيحة ، وراوا ان الانسان قادر ان يميز بعقله قبل ورود الشرع بين حسنهاوقبيحها (4) والـى هـذا يـذهـب الـشـيخ الطوسي اثناء التفسير فيقول عند تفسيره لقوله تعالى : ( وقالوا لوشاء الرحمـن ما عبدناهم ما لهم بذلك من علم ان هم الا يخرصون ) (5) قال :
    فيه ابطال لمذهب المجبرة في ان اللّه تعالى يريد القبيح من افعال العباد لان اللّه تعالى قطع على كذبهم فـي ان اللّه تعالى يشاء عبادتهم للملائكة وذلك قبيح لامحالة وعند المجبرة :
1 ـ الطوسي ، التبيان ، ج8 ، ص 470.
2 ـ بدوي ، مذاهب الاسلاميين ، ج1 ، ص 48.
3 ـ الطهراني ، الذريعة ، ج7 ، ص 17
4 ـ جار اللّه ، المعتزلة ، ص 108.
5 ـ الزخرف ( 43 ) الاية 20.
حياة الشيخ الطوسي ::: فهرس