حياة الشيخ الطوسي ::: 281 ـ 290
(281)
اللّه تعالى شاءه. وقدنفاه تعالى عن نفسه وكذبهم في قوله (1).
    وفي هذا يقول الشيخ الطوسي عند تفسيره للاية الكريمة.
     ( وان منهم لفريقا يلوون السنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند اللّه وما هو من عند اللّه ويقولون على اللّه الكذب وهم يعلمون ) (2) وقـولـه ( وما هو من عند اللّه ) دلالة على ان المعاصي ليست من عند اللّه بخلاف ماتقوله المجبرة ، ولا مـن فـعـله لانها لوكانت من عنده وليس لهم ان يقولوا انها من عنده خلقاوفعلا وليست من عنده انـزالا ولاامـرا ، وذلك انها لوكانت من عنده فعلا او خلقا لكانت من عنده على اكد الوجوه فلم يجز اطـلاقـا الـنـفـي بانها ليست من عند اللّه. وكما لايجوز ان تكون من عند اللّه من وجه من الوجوه لاطلاق النفي بانه ليس من عند اللّه ، فوجب العموم فيها باطلاق النفي (3).
    واكد المفسر هذا المعنى عند تفسيره لقوله تعالى :
     ( سـيـقـول الذين اشركوا لو شاء اللّه مااشركنا ولا اباؤنا ولا حرمنا من شي ء كذلك كذب الذين من قـبـلـهـم حـتـى ذاقـوا باسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا ان تـتبعون الا الظـن وان انتم الاتخرصون ) (4). فقال :
    وفـي هـذه الاية اول دلالة على ان اللّه لايشاء المعاصي والكفر ، وتكذيب ظاهر لمن اضاف ذلك الى اللّه ، مـع قـيـام ادلة العقل على انه تعالى لايريد القبيح ، لان ارادة القبيح قبيحة ، وهو لايفعل القبيح ، ولان هذه صفة نقص فتعالى اللّه عن ذلك علوا كبيرا (5).
    وبهذا وغيره اكد الشيخ الطوسي على ان المسؤولية تقع على العبد نفسه في اختياره
1 ـ الطوسي ، التبيان ، ج9 ، ص 188.
2 ـ ال عمران ( 3 ) الاية 78.
3 ـ الطوسي ، التبيان ، ج2 ، ص 509.
4 ـ الانعام ( 6 ) الاية 148.
5 ـ الطوسي ، التبيان ، ج4 ، ص 309.


(282)
للحسن والقبيح من الاعمال ، وان اللّه لم يسلب منه حرية الاختيار بعد ان زوده بالعقل الذي بواسطته يستطيع التمييز بين الخير والشر والنفع والضرر والحسن والقبيح.
     ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شـرا يره ) (1).

النبوة
وهي الاصل الثالث من اصول الدين عند الشيعة الامامية ، وهم يعتقدون بـان الـنـبوة وظيفة الهية وسفارة ربانية يجعلها اللّه تعالى لمن ينتخبه ويختاره من عباده الصالحين واوليائه الكاملين في انسانيتهم فيرسلهم الى سائر الناس لغاية ارشادهم الى ما فيه منافعهم ومصالحهم في الدنيا والاخرة ، ولغرض تنزيههم وتزكيتهم من درن مساوئ الاخلاق ومفاسد العادات وتعليمهم الـحـكـمـة والـمعرفة وبيان طرق السعادة والخير لتبلغ الانسانية كما لها اللائق بها ، فترتفع الى درجـاتـهـا الرفيعة في الدارين ... ، كماوان اللّه تعالى لم يجعل للناس حق تعيين النبي او ترشيحه او انـتـخابه وليس لهم الخيرة في ذلك ، بل امر كل ذلك بيده تعالى ، وليس لهم ان يتحكموا فيمن يرسله هاديا ومبشراونذيرا ولا ان يتحكموا فيما جاء به من احكام وسنن وشريعة (2).
    ويـعـتـقـد الامامية ان قاعدة اللطف توجب ان يبعث الخالق اللطيف بعباده رسله ، لهداية البشرواداء الـرسالة الاصلاحية ، وليكونوا سفراء اللّه وخلفاءه (3) وهم بذلك يتفقون مع المعتزلة الذين اعتبروا النبوة لطفا حين بعث اللّه الانبياء ، لان المؤمنين ماكانوا بغير بعثتهم يؤمنون (4) ، في حـيـن خـالـفـوا الاشـاعـرة الـذيـن قـالـوا بـان انـبـعـاث الرسل من القضاياالجائزة لاالواجبة ولاالمستحيلة (5).
1 ـ الزلزلة ( 99 ) الايات 7 و8.
2 ـ المظفر ، عقائد الامامية ، ص 48.
3 ـ نفس المصدر.
4 ـ القاضي عبدالجبار : ابواب التوحيد والعدل ، تحقيق الدكتور ابو العلاء عفيفي ، ج3 ، ص 97.
5 ـ الشهرستاني ، الملل والنحل ج1 ، ص 102.


(283)
    كما ويعتقد الامامية بوجوب عصمة (1) الانبياء (ع) ، ويستدلون على وجوبهابقولهم :
    لـوجاز ان يفعل النبي المعصية ، او يخطا وينسى ، وصدر منه شي ء من هذا القبيل فاما ان يجب اتباعه في فعله الصادر منه عصيانا او خطاء ، او لايجب ، فان وجب اتباعه فقدجوزنا فعل المعاصي برخصة مـن اللّه تـعالى ، بل اوجبنا ذلك ، وهذا باطل بضرورة الدين والعقل ، وان لم يجب اتباعه ، فذلك ينافي النبوة التي لابد ان تقترن بوجوب الطاعة ابدا ، على ان كل شي ء يقع منه من فعل او قول فنحن نحتمل فـيـه الـمعصية او الخطا ، فلايجب اتباعه في شي ء من الاشياء ، فتذهب فائدة البعثة ، بل يصبح النبي كسائر الناس ليس لكلامه ولالعمله تلك القيمة العالية التي يعتمد عليها دائما ، كما لاتبقى طاعة حتمية لاوامره ولاثقة مطلقة باقواله وافعاله. (2) ويـذهب الامامية الى اكثر من ذلك ، حيث يعتقدون بعصمة الانبياء حتى قبل بعثتهم ، والى هذا المعنى يـشـيـر الـسيد المرتضى مبينا وجه الخلاف بين الامامية وغيرهم من المذاهب الاسلامية في هذا المجال فيقول :
    اختلف الناس في الانبياء (ع) ، فقالت الشيعة الامامية : لايجوز عليهم شي ء من المعاصي والذنوب كبيرا وصـغـيـرا لاقبل النبوة ولابعدها ، بينما جوز اصحاب الحديث والحشوية على الانبياء الكبائر قبل الـنـبـوة ، ومـنهم جوزها في حال النبوة سوى الكذب فيما يتعلق باداء الشريعة ، ومنعت المعتزلة من وقـوع الـكـبائر والصغائر المستخفة من الانبياء (ع) : قبل النبوة وفي حالها ، وجوزت في الحالين وقوع مالايستخف من الصغائر (3).
    وقددافع الشيخ الطوسي في تفسيره عن عصمة الانبياء جميعا دون استثناء ففي تفسيره قوله تعالى :
     ( لــيـغـفـر لـك اللّه مـا تـقـدم مـن ذنـبـك ومـا تـاخــر ويـتـم نـعـمـتـه عـلـيـك ويـهديك صـراطـامستقـيما ) (4) ذكر احتمالات اربعة كان قد اوردها المفسرون للمراد من الذنب الـذي ذكرته الاية الكريمة ، ثم جاء عليها لينسفها جميعا دفاعا عن الانبياء وايمانا منه بعصمتهم ، فقال
1 ـ الـعـصـمـة فـي الـتنزه عن الذنوب والمعاصي صغائرها. وكبائرها راجع عقائد الامامية للمظفر ، ص 54.
2 ـ المرتضى ، تنزيه الانبياء ، ص 3.
3 ـ نفس المصدر.
4 ـ الفتح ( 48 ) الاية 2.


(284)
بعد ان ذكر الاحتمالات الاربعة والتي هي :
    احدها : ماتقدم من معاصيك قبل النبوة وماتاخر عنها.
    الثاني : ماتقدم قبل الفتح وتاخر عنه .
    الثالث : ماقد وقع منك ومالم يقع على طريق الوعد بانه يغفره له اذا كان .
    الرابع : ماتقدم من ذنب ابيك ادم وماتاخر عنه (1).
    وهـذه الـوجوه كلها لاتجوز عندنا ، لان الانبياء (ع) لايجوز عليهم فعل شي ء من القبيح لاقبل النبوة ولابـعـدها ، لاصغيرها ولاكبيرها. فلايمكن حمل الاية على شي ء مما قالوه ولاصرفها الى ادم لان الكلام فيه كالكلام في نبينا محمد (ص) (2).
    وبنفس هذه الروح دافع عن عصمة ادم (ع) وهو يفسر قوله تعالى :
     ( فـاكـلا مـنـهـا فـبـدت لـهـمـا سـواتـهـما وطفقا يـخصفان عليهما من ورق الجنة وعصى ادم ربه فغوى ) (3) فقال :
    قـال قوم اخرون انه وقع من ادم عند اكل الشجرة خطاء ، لانه كان نهي عن جنس الشجرة فظن انه نـهي عن شجرة بعينها فاخطا في ذلك ، وهذا خطا ، لانه تنزيه له من وجه المعصية ونسبة المعصية الـيه من وجهين : احدهما : انه فعل القبيح ، والثاني : انه اخطا في الاستدلال ، وقال قوم : انها وقعت منه عمدا وكانت صغيرة ، وقعت محبطة ، وقدبينا ان ذلك لايجوز عليهم (ع) عندنا بحال (4).
    ونراه في مكان اخر يرد على الجبائي وهو يفسر قوله تعالى :
     ( عفا اللّه عنك لم اذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبـين ) (5).
    فيقول :
    وقـال ابو علي الجبائي في الاية دلالة على ان النبي (ص) كان وقع منه ذنب في هذاالاذن.
1 ـ الطوسي ، التبيان ، ج9 ، ص 314.
2 ـ الطوسي ، التبيان ، ج9 ، ص 314.
3 ـ طه ( 20 ) الاية 121.
4 ـ الطوسي ، التبيان ، ج7 ، ص 217.
5 ـ التوبة ( 9 ) الاية 43.


(285)
    قال : لانه لايـجـوز ان يقال لم فعلت ماجعلت لك فعله ؟ كما لايجوز ان يقول لم فعلت ماامرتك بفعله ، وهذا الذي ذكره غير صحيح لان قوله ( عفا اللّه عنك ) انما هي كلمة عتاب له (ص) لم فعل ماكان الاولى به ان لايفعله ، لانه وان كان فعله من حيث لم يكن محظورا فان الاولى ان لايفعله ، ... وكيف يكون ذلك معصية وقـدقال اللّه في موضع اخر ( فاذا استاذنوك لـبعض شانهم فاذن لمن شئت منهم ) وانما اراد اللّه انه كان ينبغي ان ينتظر تاكيد الوحي فيه ، ومن قال : هذا ناسخ لذلك فعليه الدلالة (1).
    وهـكـذا يظل الشيخ الطوسي مدافعا عن كل مامن شانه ان يشين من عصمة الانبياء سلام اللّه عليهم ويرد من يتوهم وقوعهم حتى في الصغائر ، لذلك نجده عند تفسيره لقوله تعالى :
     ( قال رب اغفر لي ولا خي وادخلنا في رحمتك وانت ارحم الراحمـين ) (2) يقول :
    ومـن قـال : انـه ـ اي مـوسـى (ع) ـ استغفر من صغيرة كانت منه او من اخيه فقد اخطا ، ويقال له :
    الصغيرة على مذهبكم تقع مكفرة محبطة فلامعنى لسؤال المغفرة لها (3).
    وقد اكد المفسر :
    ان الانـبياء (ع) لايجوز عليهم شي ء من القبائح لاكبيرها ولاصغيرها لان ذلك يؤدي الى التنفير عن قبول قولهم ، والانبياء منزهون عما ينفر عنهم على كل حال (4).

الامامة
وهي الاصل الرابع من اصول الدين عند الشيعة الامامية الذين يرون ان الايمان لايتم الا بالاعتقاد بها ، ولايـجـوز فـيـها تقليد الاباء والاهل والمربين مهما عظموا وكبروا ، بل يجب النظر في التوحيد والـنـبـوة ، وانـها كالنبوة لطف من اللّه تعالى ، فلابد ان يكون في كل عصر امام
1 ـ الطوسي ، التبيان ، ج5 ، ص 227.
2 ـ الاعراف ( 7 ) الاية 151.
3 ـ الطوسي ، التبيان ، ج4 ، ص 550.
4 ـ الطوسي ، التبيان ، ج4 ، ص 550.


(286)
هاد يخلف النبي في وظائفه من هداية البشر وارشادهم الى ما فيه الصلاح والسعادة في النشاتين ، وله ماللنبي من الولاية الـعـامـة على الناس لتدبير شؤونهم ومصالحهم واقامة العدل بينهم ورفع الظلم والعدوان من بينهم ، وعلى هذا فالامامة استمرار للنبوة والدليل الذي يوجب ارسال الرسل ، وبعث الانبياء هو نفسه يوجب ايـضا نصب الامام بعد الرسول ، كماوان الامامية يعتقدون بان الامامة لاتكون الا بالنص من اللّه تعالى عـلـى لسان النبي او لسان الامام الذي قبله ، وليست هي بالاختيار والانتخاب من الناس (1) وان الامـام كـالـنـبـى يجب ان يكون معصوما من جميع الرذائل والفواحش (2) ومن السهو والـخـطـاوالـنـسـيـان ، والـدلـيـل الـذي اقـتـضـى عـصمة الانبياء هو نفسه يقتضي الاعتقاد بعصمة الائمة (3).
    ويختلف الامامية مع المعتزلة في مسالة النص على الامام.
    فـالشيعة الامامية يقولون بوجوب النص من اللّه تعالى على لسان النبي ( ص ) للامام ، والامامة عندهم ليست بالاختيار والانتخاب ، وهذا مااكده الشيخ المفيد حين قال :
    اتـفـقـت الامـامـية على ان الامامة لاتثبت مع عدم المعجز لصاحبها الا بالنص على عينه والتوقيف ، واجـمـعـت المعتزلة والزيدية والمرجئة والمتسمون باصحاب الحديث على خلاف ذلك ، واجازوا الامامة في من لامعجز له ولانص عليه ولاتوقيف (4).
    وتـرى الـمعتزلة : ان الامامة تكون بانعقاد راي الامة على اختيار من يكون لها اماما في شؤون دينها ودنياها (5).
    واخـتيار الامة الذي تراه ملزما في تنصيب الامام يختلف تماما مع النص الذي تؤمن به الامامية والتي لادخـل لـلامـة فيه اطلاقا ، حيث ان النص من قبل اللّه ورسوله بينما الاختيارمن قبل الامة ، وهو ماترفضه الامامية ولاترى في اختيارها لامام ما ملزما لطاعته شرعا.
1 ـ المظفر ، عقائد الامامية ، ص 65.
2 ـ نفس المصدر ، ص 67.
3 ـ الطوسي ، تلخيص الشافي في الامامة ، ص 69 ومابعدها.
4 ـ المفيد ، اوائل المقالات ، ص 9.
5 ـ بدوي ، مذاهب الاسلاميين ، ج1 ، ص 326.


(287)
    ويـرى الاماميون ان الامامة منصب الهي سنه اللّه للبشر كما سن النبوة ، وان الفرق بين النبي والامام هو :
    ان الامام لايوحى اليه كالنبي وانما يتلقى الاحكام منه مع تسديد الهي فالنبي مبلغ عن اللّه والامام مبلغ عن النبى (1).
    وبـهـذا فـالامـامـة رئاسـة ديـنـيـة وزعـامـة الـهـيـة ونـيـابـة عـن الـرسـول فـي اداء وظـائفه (2) وقداشترطوا في الامام شروطا لابد من توفرها فيه ففي الامام علي بن موسى الرضا (ص) قال :
    الامـام عـالـم لايجهل راع لاينكل.. نامي العلم كامل الحلم.. مضطلع بالامامة عالم بالسياسة مفروض الطاعة قائم بامر اللّه عز وجل ناصح لعباد اللّه حافظ لدين اللّه (3).
    ومن كل ماتقدم يتضح لنا ان من شروط الامامة هي :
    1 ـ العصمة.
    2 ـ الاعلمية.
    3 ـ النص على امامته.
    وبهذا اجمعت الامامية على ان امام الدين لايكون الا معصوما من الخلاف للّه تعالى ، عالما بجميع الدين ، كاملا في الفضل باينا من الكل بالفضل عليهم في الاعمال التي يستحق بها النعيم المقيم (4).
    واجـمـعت المعتزلة والفرق الخارجة عن سمة الامامية على خلاف ذلك ، وجوزوا ان يكون الائمة عصاة في الباطن وممن يقارف الاثام ، ولايجوز الفضل ، ولايكمل علوم الدين (5).
1 ـ كاشف الغطاء ، اصل الشيعة واصولها ، ص 102.
2 ـ المظفر ، دلائل الصدق ، ج 2 ، ص 17.
3 ـ الصدوق ، عيون اخبار الرضا ، ج1 ، ص 221.
4 ـ المفيد ، اوائل المقالات ، ص 7.
5 ـ المفيد ، الاختصاص ، ص 203.


(288)
    والشيخ الطوسي يتطرق لموضوع عصمة الامام في مواضع كثيرة من التبيان فيقول :
    عـند تفسيره للاية الكريمة : ( واذ ابتلى ابراهـيم ربه بكلمات فاتـمـهن قال اني جاعلك للناس اماما قال ومن ذريتـي قال لا ينال عهدي الظالمـين ) (1) فيقول :
    واسـتـدل اصحابنا ـ يعني الامامية ـ بهذه الاية على ان الامام لايكون الا معصوما من القبائح لان اللّه تـعـالـى نـفـى ان يـنـال عهده ـ الذي هو الامامة ـ ظالم ومن ليس بمعصوم فهوظالم : اما لنفسه او لغيره (2).
    ويـقول الشيخ الطوسي رادا على مخالفيه في هذا الموضوع عند تفسيره لقوله تعالى : ( يسالونك عن الـساعة ايان مرساها قل انما علمها عند ربي لايجليها لوقتها الا هو ثقلت في السمـوات والارض لا تـاتــيـكـم الا بـغـتـة يـسـالـونـك كانك حفي عنها قل انما علمها عند اللّه ولـكن اكثر الناس لا يعلمون ) (3) يقول :
    قـال الـجـبـائي : وفي الاية دليل على بطلان قول الرافضة من ان الائمة معصومون منصوص عليهم واحدا بعد الاخر الى يوم القيامة ، لان على هذا لابد ان يعلم اخر الائمة ان القيامة تقوم بعده ، ويزول التكليف عن الخلق ، وذلك خلاف قوله : ( قل انما علمها عند اللّه ). وهـذا الذي ذكره باطل ، لانه لايمتنع ان يكون اخر الائمة يعلم انه لا امام بعده وان لم يعلم متى تقوم الـسـاعة ، لانه لايعلم متى يموت ، فهو يجوز ان يكون موته عند قيام الساعة ، اذااردنا انه وقت فناء الـخلق. وان قلنا : ان الساعة عبارة عن وقت قيام الناس في الحشرفقدزالت الشبهة ، لانه اذا علم انه يفنى الخلق بعده لايعلم متى يحشر الخلق (4). وعن وجوب اطاعة الائمة قال الشيخ الطوسي عند تفسيره لقوله تعالى ( يا ايها الذين امنوااطـيعوا اللّه واطـيـعوا الرسول واولي الامر منكم فان تنازعتم في شي ء فردوه الى اللّه
1 ـ البقرة ( 2 ) الاية 124.
2 ـ الطوسي ، التبيان ، ج1 ، ص 449.
3 ـ الاعراف ( 7 ) الاية 187.
4 ـ الطوسي ، التبيان ، ج5 ، ص 57.


(289)
والرسول ان كنتم تؤمنون باللّه واليوم الاخر ذلك خير واحسن تاويلا ) (1). روى اصـحـابنا عن ابي جعفر ـ يعني محمد الباقر ـ وابي عبداللّه ـ يعني جعفرالصادق (ع) ـ انهم الائمـة مـن ال محمد ، فلذلك اوجب اللّه تعالى طاعتهم بالاطلاق ، كمااوجب طاعة رسوله وطاعة نـفـسـه كـذلـك ، ولايـجـوز ايـجـاب طـاعـة احـد مـطلقا الا من كان معصوما مامونا منه السهو والغلط (2). وبـهـذا فـان الشيخ الطوسي كغيره من علماء الامامية يرى ان الائمة ليسوا معصومين عن المعاصي والقبائح فحسب ، وانما هم معصومون حتى من السهو ايضا ، من هنا جاء تاكيده على ولايتهم للامر بعد الرسول كما ورد في تفسيره لقوله تعالى : ( واذا جاءهم امر من الامن اوالخوف اذاعوا به ولو ردوه الـى الـرسـول والى اولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولافضل اللّه عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان الا قلـيلا ) (3). قال ابو جعفر (ع) : هم الائمة المعصومون (4). هـذا وقـداكد مفسرنا على امامة الائمة وفي اكثر من موضع من تبيانه فهو عندما يفسرقوله تعالى :
     ( انـمـا ولــيــكـم اللّه ورسـولـه والـذيـن امـنـوا الـذيـن يـقــيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) (5) يقول :
    واعـلـم ان هـذه الاية من الدلالة الواضحة على امامة امير المؤمنين (ع) بعد النبي بلافصل ، ووجه الـدلالـة فيها انه قدثبت ان الولي في الاية بمعنى الاولى والاحق ، وثبت ايضا المعنى بقوله : ( والذين امنوا ) : امير المؤمنين (ع) ، فاذا ثبت هذان الاصلان دل على امامته (6). كما واكد الشيخ الطوسي افضلية الامام على (ع) عند تفسيره للاية الكريمة :
1 ـ النساء ( 4 ) الاية 59.
2 ـ الطوسي ، التبيان ، ج3 ، ص 236
3 ـ النساء ( 4 ) الاية 83.
4 ـ الطوسي ، التبيان ، ج3 ، ص 273.
5 ـ المائدة ( 5 ) الاية 55.
6 ـ الطوسي ، التبيان ، ج3 ، ص 549.


(290)
     ( ان تـتـوبـا الـى اللّه فـقـد صـغـت قـلـوبـكـمـا وان تظاهرا عليه فان اللّه هو مولاه وجبريل وصالـح المؤمنـين والملائكة بعد ذلك ظهـير ) (1) يقول المفسر :
    وروت الـخـاصـة والـعـامـة ان المراد بصالح المؤمنين علي بن ابي طالب (ع) ، وذلك يدل على انه افضلهم (2). وقال عند تفسيره لقوله تعالى : ( يا ايها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته واللّه يعصمك من الناس ان اللّه لا يهدي القوم الكافرين ) (3) :
    قال ابو جعفر وابو عبداللّه (ع) : ان اللّه تعالى لمااوحى الى النبى (ص) ان يستخلف علياكان يخاف ان يـشـق ذلـك عـلـى جـماعة من الصحابة ، فانزل اللّه تعالى هذه الاية تشجيعا له على القيام بما امره بادائه (4). وهـكـذا ظـل الـشـيخ الطوسي مدافعا عن راي الامامية في الامامة والامام وعصمته فيذكرالراي المخالف ويدحضه ، وتبنى الراي المتفق مع رايه فيثبته ، مع تبيان اوجه الخلاف ان وجدت ، ومثل ذلك قـد ورد في تفسيره لقوله تعالى ( ويوم نبعث في كل امة شهـيدا عليهم من انفسهم وجئنا بك شهـيدا على هـؤلاء ونزلنا عليك الكتاب تـبيانا لكل شي ء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمـين ) (5) فقال :
    وفي ذلك دلالة على ان كل عصر لايخلو ممن يكون قوله حجة على اهل عصره عدل عند اللّه ، وهو قول الجبائي واكثر اهل العدل ، وهو قولنا ، وان خالفناهم في من هو ذلك العدل والحجة (6). وفـي احيان كثيرة يستشهد الشيخ الطوسي بروايات عن الصحابة ليؤكد ويدعم صحة
1 ـ التحريم ( 66 ) الاية 4.
2 ـ الطوسي ، التبيان ، ج10 ، ص 48.
3 ـ المائدة ( 5 ) الاية 67.
4 ـ الطوسي ، التبيان ، ج3 ، ص 574.
5 ـ النحل ( 16 ) الاية 89.
6 ـ الطوسي ، التبيان ، ج6 ، ص 417.
حياة الشيخ الطوسي ::: فهرس