وصايا الرسول لزوج البتول ::: 106 ـ 120
(106)
فقال له ، أَقبِلْ فأقبَلَ ، ثمّ قالَ لهُ ، أَدبِرْ فأدبَرَ (299) فقال ، وعزّتي وجلالي ما خلقتُ خلقاً هو أحبُ إليّ منكَ بِكَ ، آخذ وبِكَ أُعطي وبكَ أُثيبُ وبكَ أُعاقب (300).
    يا علي ، لا صدقةَ وذو رَحِم محتاج (301).
    يا علي ، درهمٌ في الخضاب (302) خيرٌ من ألفِ درهم ينفق في سبيلِ اللّه ،

    (299) الأمر بالإقبال والإدبار يمكن أن يُراد به ظاهره فيكون مفاد الحديث إطاعة العقل وإنتهائه ، وإنقياده لأمر الله تعالى ونهيه ..
    ويمكن أن يراد بالإقبال ترقّيه إلى مراتب الكمال ، وبالإدبار التنزّل إلى البدن ..
    ويمكن أن يراد بالإقبال ، الإقبال إلى الخَلق ، وبالإدبار الرجوع إلى عالم القدس (1).
    (300) فيكون العقل هو الملاك والمدار في الأخذ والعطاء والثواب والعقاب. وفسّر الأخذ بالعقوبة والحبس والمنع ، كما فُسّر العطاء بإعطاء الجنّة والمراتب العالية.
    (301) أي لا صدقة كاملةً ، إذ الأقربون أولى بالمعروف .. فلا تكمل الصدقة لغير الرحم مع وجود رحم محتاج.
    (302) خضب يخضب خضباً .. الشيء تلوّن .. وخَضَّبَ ، لَوَّن .. والخضاب هو ما يخضب به الشعر وغيره كالحناء والوسمة ونحو ذلك .. والخضاب من سنن المرسلين كما تلاحظ ذلك في أحاديثه (2).

1 ـ مرآة العقول ، ج 1 ، ص 30.
2 ـ بحار الأنوار ، ج 76 ، ص 97 ، باب 9 ، الأحاديث.


(107)
وفيه أربعُ عشر خصلة (303) ، يطرد الريح من الاُذنين ، ويجلُو البصَر ، ويلين الخياشيم (304) ، ويطيب النكهة (305) ، ويشدّ اللثّة ، ويذهب بالضّنا (306) ، ويقلّ وسوسةَ الشيطان ، وتفرح بهِ الملائكة ، ويستبشر بهِ المؤمن ، ويغيظُ به الكافر وهو زينةٌ ، وطِيب ، ويستحيي منه منكرٌ ونكير ، وهو براءةٌ لهُ في قبره.
    يا علي ، لا خيرَ في القول إلاّ مع الفعل (307) ، ولا في المنظرِ إلاّ مع المَخبرَ (308) ،

    (303) جاءت الخصال الأربعة عشرة في كتاب الخصال (1) أيضاً وهي آثار مباركة توجبها هذه السنّة الشريفة.
    (304) الخياشيم ـ جمع خيشوم ـ ، وهو أقصى الأنف ، ومنهم من يُطلقه على الأنف ، وعن الصدوق ( رحمه الله ) أنّ الخيشوم هو الحاجز بين المنخرين (2).
    (305) النكهة هي رائحة الفمّ.
    (306) الضّناء ـ بالفتح والمدّ ـ ، هو المرض والهزال والضعف. وفي الكافي (3) ، « الغشيان » بدل الضنا.
    (307) أي لا ينفع القول بدون الفعل ، والعلم بدون العمل.
    (308) أي لا عبرة بما يظهر من شخص للإنسان في بادىء النظر إلاّ بعد الإختبار والإمتحان.
    وفي المكارم ( منظر ) بدون الألف واللام ، وفي حاشية البحار نقل عن نسخة

1 ـ الخصال ، ص 497 ، أبواب الأربعة عشر ، ح 1 و 2.
2 ـ مجمع البحرين ، مادّة خشم ، ص 514.
3 ـ فروع الكافي ، ج 6 ، ص 482 ، ح 12.


(108)
ولا في المال إلاّ مع الجُود (309) ، ولا في الصِدقِ إلاّ مع الوفاء (310) ، ولا في الفقهِ إلاّ مع الوَرع (311) ، ولا في الصدقةِ إلاّ مع النيّة (312) ، ولا في الحياة إلاّ مع الصحّة (313) ، ولا في الوطنِ إلاّ مع الأمنِ والسرور (314).
    يا علي ، حُرّمَ من الشاةِ سبعةُ أشياء (315) ، الدمُ والمذاكيرُ ،

( ولا في نظر إلاّ مع الخبرة ).
    (309) أي لا خير في المال إلاّ مع الجود به وإنفاقه في المورد المطلوب المشروع.
    (310) فإنّه حتّى لو كان الوعد مقروناً بنيّة الوفاء ليكون وعد صدق .. لا خير فيه إلاّ مع الوفاء فيه والعمل به.
    (311) أي الورع والكفّ عن محارم الله تعالى ، ليكون فقهاً مع العمل ، وفقيهاً بلا زلل ..
    وفي المكارم ، ( ولا في العفّة إلاّ مع الورع ).
    (312) أي نيّة القربة ، والتقرّب بالصدقة إلى الله تعالى .. لتكون ممّا قال الله تعالى فيها ، ( وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاة تُرِيدُونَ وَجْهَ اللّهِ فأُولَئِكَ هُمُ المُضْعِفُونَ ) (1).
    (313) أي صحّة الدين حتّى تكون حياة دينية صحيحة ، أو صحّة البدن حتّى تكون حياة طيّبة مع الصحة .. وإن كان مرض المؤمن كفّارة لذنبه.
    (314) الأمن ضدّ الخوف ، والسرور ضدّ الحزن .. فالتواجد في الوطن لا ينفع مع إقترانه بالخوف والحزن .. بل كماله يكون في صورة وجود الأمن والسرور.
    (315) رواه في الخصال (2) أيضاً.

1 ـ سورة الروم ، الآية 39.
2 ـ الخصال ، ص 341 ، باب السبعة ، ج 3.


(109)
والمثانةُ ، والنخاعُ ، والغُدَدُ ، والطِحالُ ، والمَرارة (316).
    يا علي ، لا تماكِسْ (317) في أربعةِ أشياء (318) ، في شراءِ الأُضحية ، والكَفَن ،

    (316) الدم معروف ، والمذاكير جمع ذَكَر على خلاف القياس وهو القضيب. والمثانة هي مجتمع البول تقع تحت الكلى والحالبين.
    والنخاع هو الحبل الأبيض داخل عظم الرقبة الممتدّ في الإنسان إلى الصلب وأصل الظهر وفي الحيوان إلى أصل الذَنَب ، ويكون في جوف الفقرات يضمّ سلسلتها ولا قوام للإنسان والحيوان بدونه ويسمّى بالوتين.
    والغدد جمع غدّة وهي النتوءات المستديرة التي تكون في اللحم وتكثر في الشحم.
    والطحال بكسر الطاء معروف ويقال له بالفارسية ، اسپُرز.
    والمرارة هي كيس الصفراء الملتصق بالكبد.
    وتلاحظ في أخبار الباب (1) اُمور اُخرى لا تؤكل من الذبيحة كالاُنثيين وهما الخصيتان ، والحياء وهو الفرج ، والمشيمة وهي موضع الولد ، والفرث وهو الروث في جوفها .. تلاحظها بتفصيلها في الأحاديث تحت عنوان ما يحرم من الذبيحة وما يكره (2).
    (317) المماكسة في البيع إنتقاص الثمن وإستحطاطه.
    (318) وردت في الخصال (3) أيضاً.

1 ـ وسائل الشيعة ، ج 16 ، ص 437 ، باب 31 ، الأحاديث.
2 ـ وسائل الشيعة ، ج 16 ، ص 437 ، ب 31 ، الأحاديث العشرون.
3 ـ الخصال ، ص 245 ، باب الأربعة ، ح 102 ـ 103.


(110)
والنَسَمة (319) ، والكرى إلى مكّة (320).
    يا علي ، ألا أُخبركم بأشبهكم بي خُلقاً (321) قال ، بلى يا رسول اللّه قال ، أحسنكُم خُلقاً ، وأعظمُكم حلماً ، وأبرُّكم بقرابتِه ، وأشدُّكم من نفسِه إنصافاً.
    يا علي (322) ، أمانٌ لأُمّتي مِن الغرق إذا هم ركبوا السفن فقرأوا ، ...
    ( بسم اللّهِ الرحمن الرحيم وَمَا قَدَرُوا اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ القِيامَةِ والسَّماوَاتُ مَطْوّيَاتٌ بِيَمِينِهِ...

    (319) أي ثمن النسمة أي العبد أو الأمة.
    (320) أي أُجرة الإكراء والسفر .. فهذه الاُمور الأربعة لا يماكس فيها لأنّه كلّما كان الثمن فيها أكثر كان الثواب أوفر .. فلا يكون دافع الثمن الأكثر مغبوناً.
    (321) الخلق ـ بالضمّ ـ ، الطبيعة والسجيّة .. وأشبه الناس سجيّةً برسول الله هو من كان أكثر الناس تخلّقاً بأخلاقه من حيث الأخلاق الحسنة ، والحلم العظيم ، والبرّ الوافي ، والإنصاف الكثير ..
    وغير خفي أنّ أشبه الناس به ( صلى الله عليه وآله وسلم ) هم أهل بيته الطاهرون سلام الله عليهم أجمعين.
    (322) شروع في توصيته ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بخواص ثُلَّة من الآيات الشريفة لجملة من الأغراض والمهام ، وقد رُوي عنهم سلام الله عليهم الكثير من ذلك في كتاب القرآن من البحار (1) .. ، وقد أُحصيت بالفارسية في كتاب ( خواص آيات ) للمولى محمّد تقي الاصفهاني فلاحظ.

1 ـ بحار الأنوار ، ج 92 ، ص 262 ـ 385 ، باب 30 ـ 127.

(111)
سُبْحَانَهُ وَتَعالَى عَمّا يُشْرِكُونَ ) (323) ( بسمِ اللّهِ مَجْريها وَمُرْسَيها إنّ رَبّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ) (324).
    يا علي ، أمان لاُمّتي من السَرَق ( قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُو الرَّحْمنَ أَيّاً ما تَدعُو فلهُ الأسماءُ الحُسنى ) (325) إلى آخر السورة (326).
    يا علي ، أمان لاُمّتي من الهَدم ، ( إنَّ اللّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولاَ وَلَئِنْ زَالَتَا إنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَد مِّن بَعْدِهِ إنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً ) (327).
    يا علي ، أمان لاُمّتي من الهَمِّ ، ( لا حولَ ولا قوّةَ إلاّ باللّهِ العليّ العظيم لا ملجأَ ولا منجا من اللّهِ إلاّ إليه ) (328).

    (323) سورة الزمر ، الآية 67.
    (324) سورة هود ، الآية 41.
    (325) سورة الإسراء ، الآية 110.
    (326) تمامه قوله عزّ اسمه ، ( وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخاَفِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلا * وَقُلِ الحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ شَرِيكٌ فِي المُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرا ).
    (327) سورة فاطر ، الآية 41.
    (328) فإنّه التجاء إلى حول الله تعالى وقوّته الغالبتين على كلّ شيء .. وقد أُفيد أنّ هذا الدعاء جُرِّب نفعه لكلّ أمر مهم ..
    وفي حديث جابر الجعفي ، عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) قال ، سألته عن معنى لا حول ولا قوّة إلاّ بالله ؟ فقال ، « معناه ، لا حول لنا عن معصية الله إلاّ بعون الله ، ولا قوّة



(112)
    يا علي ، أمان لأُمّتي من الحرق ، ( إنَّ وَلييَّ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ ) (329) ( وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ) (330) الآية.
    يا علي ، من خاف من السّباع (331) فليقرأ ، ( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ ) (332) ...

لنا على طاعة الله إلاّ بتوفيق الله عزّوجلّ » (1).
    وأضاف الشيخ الطريحي أنّه ورد في الحديث ( لا حول ولا قوّة إلاّ بالله كنز من كنوز الجنّة ) قيل ، الحول الحركة ، فكأنّ القائل يقول ، لا حركة ولا إستطاعة لنا على التصرّف إلاّ بمشيّة الله تعالى ، وقيل ، الحول القدرة ، أي لا قدرة لنا على شيء ولا قوّة إلاّ بإعانة الله سبحانه ، وقد يُفَسَّر الحول بالحيلة أي لا يُوصَل إلى تدبير أمر وتغيير إلاّ بمشيّتك ومعرفتك (2).
    (329) سورة الأعراف ، الآية 196.
    (330) سورة الأنعام ، الآية 91 ، وتمامها قوله عزّ اسمه ، ( إذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى بَشَر مِّن شَيْء قُلْ مَنْ أنزَلَ الكِتابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدىً لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلّمْتُمْ مَّا لَمْ تَعْلَمُوا أنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُم قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُم فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ ).
    (331) تطلق السباع في اللغة على كلّ حيوان مفترس له ناب يعدُو خلف فريسته كالأسد والنمر والذئب ونحوها.
    (332) سورة التوبة ، الآية 128.

1 ـ معاني الأخبار ، ص 21 ، ح 1.
2 ـ مجمع البحرين ، ص 470 ، مادّة حَوَلَ.


(113)
إلى آخر السورة (333).
    يا علي ، من استصعَبَتْ عليه دابّتُه (334) فليقرءْ في أُذنِها اليمنى ، ( وَلهُ أسلَمَ مَن في السّماواتِ والأرضِ طَوْعاً وكَرْهاً وإليهِ يُرجَعُون ) (335).
    يا علي ، مَنْ كان في بطنِه ماءٌ أصفر (336) فليكتُب على بطنِه آيةَ الكرسي وليشربْه (337) فإنّه يَبرأُ بإذنِ اللّهِ عزّوجلّ.
    يا علي ، من خاف ساحراً أو شيطاناً فليقرء ، ( إنّ ربَّكُمُ اللّهُ الذي خَلَقَ السماواتِ والأرضَ ) (338) الآية.

    (333) وتمام الآية إلى آخر السورة قوله عزّ اسمه ، ( حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ * فَإِن تَوَلَّوا فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ لاَ إلَهَ إلاّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ ).
    (334) الدابّة الصعبة ، خلاف الذلول ـ وفي بعض النسخ ( استعصت ).
    (335) سورة آل عمران ، الآية 83.
    (336) فسّر بالصفراء التي تتكوّن في البطن وتندفع مع البول .. كما فُسّر أيضاً بماء الاستسقاء الذي يحصل في البطن ثمّ يدخل إلى سائر الأعضاء.
    (337) أي يشرب غسيل كتابة آية الكرسي المباركة ، بأن يكتبها أيضاً في إناء نظيف بزعفران مثلا ثمّ يغسل الكتابة بماء طاهر ويشربه.
    (338) سورة الأعراف ، الآية 54 ، وهي آية السخرة قوله عزّ شأنه ، ( إنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّام ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَات بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ العَالَمِينَ ).



(114)
    يا علي ، حقُ الولدِ على والدِه أن يُحسنَ اسمَه وأدبَه ويضعه موضعاً صالحاً (339) ، وحقُ الوالدِ على ولدِه أن لا يسمّيه بإسمِه (340) ، ولا يمشي بين يديه ، ولا يجلس أمامَه (341) ، ولا يدخل معهُ في الحَمّام (342).
    يا علي ، ثلاثةٌ من الوَسواس (343) ، أكلُ الطّين ، وتقليمُ الأظفارِ بالأسنان ، وأكلُ اللحية.
    يا علي لَعن اللّهُ والديْن حَملا ولَدهما على عُقوقهما (344).

    (339) فيسمّيه بالأسماء الحسنة المستحبّة كأسماء المعصومين ( عليهم السلام ) ، ويحسّن أدبه بالآداب الإسلامية الكريمة ، ويحلّه المحلّ المناسب له ، الموافق لشأنه ، الصالح في حدّ ذاته من حيث فعاله وأعماله.
    (340) وذلك لما فيه من التحقير ، وترك التعظيم والتوقير عرفاً ، وإنّما يسمّيه بالكنية ، أو الألقاب المشتملة على التكريم كقوله ، يا أبة أو يا أبتاه.
    (341) ففيهما إهانة الأب وهي مبغوضة.
    (342) فإنّ فيه شيء من المهانة والخفّة للأب في حالات العرى.
    (343) أي من وسوسة الشيطان ، أو من تسويل الشيطان المسمّى بالوسواس.
    (344) بأن يكلّفاه تكليفاً يشقّ إتيانه على الولد حتّى يبرّهما ، أو يفعلا فعلا أو يقولا قولا يسبّب عقوقه لهما.
    والعقوق هو العصيان وترك الإحسان وأصله العقّ وهو الشقّ والقطع يقال ، عقّ الولد أباه ، إذا آذاه وعصاه وترك الإحسان إليه (1).

1 ـ مجمع البحرين ، مادّة عقق ، ص 441.

(115)
    يا علي ، يلزم الوالدين من عُقوق وِلدهِما ما يلزمُ الوَلدُ لهما من عُقوقِهما (345).
    يا علي ، رحَم اللّهُ والديْن حَملا ولَدَهما على بِرّهِما (346).
    يا علي ، من أحزَنَ والديْه فقد عَقَّهما (347).

    (345) فإنّ للولد على الوالدين أيضاً حقوقاً إذا لم يأت بها الأبوان كانا عاقّيْن للولد ..
    وفي رسالة الحقوق الجامعة التي رواها أبو حمزة الثمالي عن مولانا الإمام السجّاد ( عليه السلام ) جاء ما نصّه ، « وأمّا حقّ ولدك فأن تعلم أنّه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشرّه ، وأنّك مسؤول عمّا ولّيته به من حسن الأدب والدلالة على ربّه عزّوجلّ ، والمعونة له على طاعته ، فأعمل في أمره عمل من يعلم أنّه مُثاب على الإحسان إليه ، معاقب على الإساءة إليه » (1).
    وفي الحديث النبوي الشريف ، « من حقّ الولد على والده ثلاثة ، يحسن إسمه ، ويعلّمه الكتابة ، ويزوّجه إذا بلغ » (2).
    (346) بحسن التأديب ، ويُسر التكليف ، وإعانتهما على برّ الوالدين.
    (347) فإنّ قول ، ( اُف ) فقط عقوق للوالدين فكيف بأن يقول أو يفعل ما يحزنهما .. وقد ورد هذا البيان في حديث الأربعمائة الشريف أيضاً جاء فيه ، « من أحزن والديه فقد عقّهما » (3).

1 ـ بحار الأنوار ، ج 74 ، ص 6 ، باب 1 ، ح 1.
2 ـ بحار الأنوار ، ج 74 ، ص 80 ، باب 1 ، ح 82.
3 ـ الخصال ، ص 621 ، باب الأربعمائة ، ح 10.


(116)
    يا علي ، مَن اغتيبَ عندَه أخُوهُ المسلمُ فاستطَاع نصرَه فلم ينصْره خَذَلهُ اللّهُ في الدنيا والآخرةِ (348).

    (348) فإنّه قد استفاضت الأخبار الشريفة بردّ الغيبة ، وتحريم سماعها بدون الردّ كما تلاحظها في الوسائل (1) في باب مستقل يشتمل على أحاديث ثمانية.
    وكذا في باب حرمة الغيبة نظير حديث الحسين بن زيد ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، عن آبائه ( عليهم السلام ) ، عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال فيه ، « ألا من تطوَّل على أخيه في غيبة سمعها فيه في مجلس فردّها عنه ردّ الله عنه ألف باب من الشرّ في الدنيا والآخرة ، فإنْ هو لم يردّها وهو قادر على ردّها كان عليه كوزر من إغتابه سبعين مرّة » (2).
    قال الشيخ الأعظم الأنصاري ، « ولعلّ وجه زيادة عقابه أنّه إذا لم يردّه تجرّأ المغتاب على الغيبة فيصرّ على هذه الغيبة وغيرها » ..
    ثمّ أضاف واستظهر أنّ الردّ الواجب للغيبة أمر زائد على النهي عن الغيبة .. وأنّ الردَّ هو الإنتصار للمغتاب .. فإن كان عيباً دنيوياً انتصر له بأنّ العيب ليس إلاّ ما عاب الله به من المعاصي التي أكبرها ذكرك أخاك بما يكرهه ممّا لم يعبأ الله به.
    وإن كان عيباً دينياً وجّهه بمحامل تخرجه عن المعصية.
    وإن لم يكن ذلك العيب الديني قابلا للتوجيه انتصر له بأنّ المؤمن قد يبتلى بالمعصية ، فينبغي أن تستغفر له لا أن تعيّره (3).
    وسيأتي ان شاء الله تعالى بيان حرمة أصل الغيبة بالأدلّة الأربعة عند بيان وصيّة تحف العقول عند قوله ، يا علي ، إحذر الغيبة والنميمة .. فإنّ الغيبة تفطر ، والنميمة

1 ـ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 606 ، باب 156 ، الأحاديث.
2 ـ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 600 ، باب 152 ، ح 13.
3 ـ المكاسب المحرّمة ، ج 4 ، ص 69.


(117)
    يا علي ، من كفى يتيماً في نفقتِه بمالِه حتّى يَستغني وجَبَت لهُ الجَنّةُ الَبتّة (349).
    يا علي ، من مسَحَ يدَه على رأسِ يتيم ترحّماً له أعطاهُ اللّهُ عزّوجَلّ بكلِّ شَعْرة نُوراً يومَ القيامة.
    يا علي ، لا فقَر أشدُّ من الجَهل (350) ، ولا مالَ أعودُ من العقل (351) ، ولا وحشَة أَوْحَشُ من العُجْب (352) ، ولا عقلَ كالتدبير (353) ،

توجب عذاب القبر.
    (349) وقد عقد في البحار (1) ، باباً في العِشرة مع اليتامى ، يشتمل على خمسة وأربعين حديثاً منها الحديث الرابع من الباب عن الإمام الصادق عن أبيه ( عليهما السلام ) قال ، قال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، « من كفل يتيماً ، وكفل نفقته كنت أنا وهو في الجنّة كهاتين ، وقرن بين إصبعيه المسبّحة والوسطى ».
    (350) فإنّ فقر عدم العلم أشدّ من فقر عدم المال لأشرفية العلم من المال ، فيكون فقده أعظم من فقد المال.
    (351) العائدة هي المنفعة .. والأعود هو الأنفع .. ومنافع العقل أكثر من منافع المال .. بل إنّ إستيفاء المنافع من المال يكون بالعقل .. فالعقل أعود.
    (352) فإنّ إعجاب المرىء بنفسه يستلزم ترفّعه على الناس وذلك يسبّب إنفراده عنهم وإستيحاشه منهم.
    (353) أي تدبير الاُمور للدنيا والآخرة .. أو تدبير المعاش بالاقتصاد وعدم الإسراف.

1 ـ بحار الأنوار ، ج 75 ، ص 1 ، باب 31 ، الأحاديث.

(118)
ولا ورعَ كالكفِّ عن محارمِ اللّهِ تعالى (354) ، ولا حَسَبَ كحُسنِ الخُلُق (355) ،

    (354) فإنّه أحسن الورع .. بل في حديث أبي سارة الغزّال (1) ، عن أبي جعفر الباقر ( عليه السلام ) قال ، « قال الله عزّوجلّ : ابن آدم اجتنب ما حرّمت عليك تكن من أورع الناس ».
    وأفاد في شرحه العلاّمة المجلسي ، وكأنّ الأورع يكون بالنسبة إلى من يجتنب المكروهات ، ويأتي بالسنن ، لكن يجترىء على المحرّمات وترك الطاعات كما هو الشائع بين الناس ..
    أو هو تعريض بأرباب البدع الذين يحرّمون ما أحلّ الله على أنفسهم ويسمّونه ورعاً ..
    أو هو تنبيه على أنّ الورع إنّما هو بترك المعاصي لا بالمبالغة في الطاعات والإكثار منها (2).
    (355) الحَسَب هي الشرافة بالآباء وبما يُعدّ من مفاخرهم .. وشرافة حسن الخُلُق جامعة بين خير الدنيا والآخرة .. إذ أنّها جمعت بين هنائة العيش وسيادة الناس ، وبين رضوان الله والجنّة في الآخرة ، فلا تصل إليها المفاخر الدنيوية والمكارم الآبائية ، ولا يكون حَسَب أشرف من حسن الخُلُق.
    وفي حديث جبلّة الإفريقي أنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال ، أنا زعيم ببيت في رَبض الجنّة ـ الربض ، النواحي ـ وبيت في وسط الجنّة ، وبيت في أعلى الجنّة لمن ترك

1 ـ اُصول الكافي ، ج 2 ، ص 77 ، ح 7.
2 ـ مرآة العقول ، ج 8 ، ص 60.


(119)
ولا عبادةَ مثلُ التفكّر (356).

المراء محقّاً ، ولمن ترك الكذب وإن كان هازلا ، ولمن حسن خُلُقه (1).
    وأمّا معنى حسن الخُلُق ففي الحديث ، قلت لأبي عبدالله ( عليه السلام ) ، ما حدّ حسن الخُلُق ؟ قال ، « تلين جانبك ، وتطيّب كلامك وتلقى أخاك ببُشر حسن » (2).
    ويطلق حسن الخُلُق غالباً على ما يوجب حسن المعاشرة ، ومخالطة الناس بالجميل (3).
    (356) فالتفكّر في آيات الله وعظمته وقدرته يقرّب الإنسان إلى الله تعالى بأحسن القرب الحاصل بالعبادة ..
    وقد دلّ ودعى الكتاب والسنّة إلى هذا التفكّر.
    أمّا الكتاب ، ففي آيات كثيرة مثل قوله تعالى في صفة اُولي الألباب ، ( الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا ما خَلَقْتَ هذَا بَاطِلا سُبْحَانَكَ فَقِنا عَذَابَ النّارِ ) (4).
    وأمّا السنّة ، ففي أحاديث عديدة تلاحظها في اُصول الكافي (5) ، والبحار (6). دلّت على أنّ أفضل العبادة إدمان التفكّر في قدرة الله وصنعه ومواعظه ، فإنّه يدعو إلى البرّ والعمل.

1 ـ الخصال ، ص 144 ، ح 170.
2 ـ بحار الأنوار ، ج 71 ، ص 389 ، باب 92 ، ح 42.
3 ـ بحار الأنوار ، ج 71 ، ص 373.
4 ـ سورة آل عمران ، الآية 191.
5 ـ اُصول الكافي ، ج 2 ، ص 54 ، باب التفكّر ، الأحاديث.
6 ـ بحار الأنوار ، ج 71 ، ص 314 ، باب 80 ، الأحاديث.


(120)
    يا علي ، آفةُ الحديثِ الكذب (357) ...

واعلم أنّ التفكّرات الصحيحة تدعو إلى البرّ والعمل كما جاء في الحديث فمثلا ، التفكّر في عظمة الله يدعو إلى خشيته وطاعته ، والتفكّر في فناء الدنيا ولذّاتها يدعو إلى تركها ، والتفكّر في عواقب من مضى من الصالحين يدعو إلى إقتفاء آثارهم ، والتفكّر فيما انتهى إليه أمر المجرمين يدعو إلى إجتناب أطوارهم ، والتفكّر في عيوب النفس يدعو إلى إصلاحها ، والتفكّر في أسرار العبادة يدعو إلى السعي في تكميلها ، والتفكّر في درجات الآخرة يدعو إلى تحصيلها ، والتفكّر في مسائل الشريعة يدعو إلى العمل بها ، والتفكّر في حسن الأخلاق الحسنة وحسن آثارها يدعو إلى تحصيلها ، والتكفّر في قبح الأخلاق السيّئة وسوء آثارها يدعو إلى تجنّبها ، والتفكّر في نقص أعماله يدعو إلى السعي في إصلاحها ، والتفكّر في عقوبات سيّئاته يدعو إلى تداركها بالتوبة والندم .. وهكذا (1).
    وأفاد المحدّث القمّي ( قدس سره ) ، ينبغي أن يتعلّم الإنسان التفكّر الممدوح من ( تمليخا ) أحد أصحاب الكهف قي قصّة اهتدائه ببركة التفكّر ثمّ ذكر القصّة فلاحظ (2).
    (357) الآفة هي العاهة والنقص والبليّة الشديدة .. والآفة التي يُبتلى بها الحديث يعني الكلام هو الكذب .. وهو أشدّ بليّة تعرض الكلام خصوصاً إذا كان كذباً على الله أو رسوله أو أوليائه.
    فالكذب يخرّب الإيمان وقد قال عزّ اسمه ، ( إنَّما يَفْتَرِي الكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ ) (3).

1 ـ مرآة العقول ، ج 7 ، ص 342.
2 ـ سفينة البحار ، ج 7 ، ص 145.
3 ـ سورة النحل ، الآية 105.
وصايا الرسول لزوج البتول ::: فهرس