وصايا الرسول لزوج البتول ::: 166 ـ 180
(166)
    يا علي ، وللمحسنِ (39) أربعُ (40) خصال ، أن تكونَ سريرتُه أصلحَ من العَلانية (41) ،

يُحمد على شيء من عمل الله ».
    وينبغي أن تلاحظ أحاديث ذمّ الرياء في الكافي (1) ، والبحار (2).
    منها الحديث السابع من باب الرياء من الكافي عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال ، قال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، « إنّ الملك ليصعد بعمل العبد مبتهجاً به ، فإذا صعد بحسناته يقول الله عزّوجلّ ، إجعلوها في سجّين (3) إنّه ليس إيّاي أراد ».
    وعلى الجملة تعرف أنّ طلب المنزلة وإظهار الطاعة في المرائي تسوّل له هذه الخصال التي وردت في الحديث الإيصائي ، تطويل الركوع والسجود إذا كان مع الناس ، وتخفيفهما إذا كان وحده ، ثمّ إظهار التواضع إذا كان مع الناس .. والتكبّر إذا كان وحده ، ثمّ إكثار تعييب الناس ليسيء سمعتهم لأجل تحسين حال نفسه ..
    وجاء في الحديث العلوي أيضاً ، قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، « ثلاث علامات للمرائي ، ينشط إذا رأى الناس ، ويكسل إذا كان وحده ، ويحبّ أن يُحمد في جميع اُموره » (4).
    (39) أي من يكون فعاله محاسن الأعمال ـ خلاف المسيء.
    (40) في النسخة هكذا ولعلّ في الأصل ثلاثة ، وهي المقدار المذكور.
    (41) وبهذه الصفة يكون خالياً عن النفاق والتدليس ، ومبطّناً للخير

1 ـ اُصول الكافي ، ج 2 ، ص 293.
2 ـ بحار الأنوار ، ج 72 ، ص 265 ، باب 116 ، الأحاديث.
3 ـ وهو ديوان الفجّار والكتاب الجامع الذي دُوّن فيه أعمال الكفرة والفسقة من الجنّ والإنس.
4 ـ اُصول الكافي ، ج 2 ، ص 295 ، ح 8.


(167)
وأن يُحسن إلى من عصى اللّه (42) ، وأن يستَر عيبَ الناس (43).
    يا علي ، وللمنافقِ (44) أربعُ خصال ، يُكثرُ عيوبَ جيرانِه ، وإذا غضبَ لم يَملْك نفسَه ، ولم يَعْفُ ، وأنْ يُسيءَ إلى من أحسَنَ إليه.

والإخلاص فلابدّ وأن تصدر منه المحاسن دون المساوىء.
    (42) بإرشاده إلى طاعة الله وإنقاذه من معصية الله.
    (43) وستر العيوب من شيم الكرام ، ومعالي الاُمور العظام ، في سبيل اللطف والإحسان إلى نوع الإنسان.
    (44) المنافق يطلق على معان :
    منها ، من يُظهر الإسلام ويُبطن الكفر وهو المعنى المشهور.
    ومنها ، صاحب الرياء .. فيكون المرائي منافقاً.
    ومنها ، من يظهر الحبّ ويكون في الباطن عدوّاً ، أو يظهر الصلاح ويكون في الباطن فاسقاً.
    ومنها ، من يدّعي الإيمان ولم يعمل بمقتضاه ، ولم يتّصف بالصفات التي ينبغي أن يكون المؤمن عليها فيكون باطنه مخالفاً لظاهره.
    ذكر هذا العلاّمة المجلسي بعد حديث « ثلاث مَنْ كنّ فيه كان منافقاً وإنْ صام وصلّى وزعم أنّه مسلم ، من إذا ائتمن خان ، وإذا حدّثَ كذب ، وإذا وعد أخلف ».
    ثمّ أفاد ( قدس سره ) ، كأنّ المراد بالمنافق فيه هو المعنى الأخير (1).
    فالمنافق حين لم يعمل بمقتضى اُصول الإيمان يتّصف بتكثير عيوب الجيران ، وعدم إمتلاك الغضب ، وعدم العفو ، والإساءة إلى المحسن.

1 ـ بحار الأنوار ، ج 72 ، ص 108.

(168)
    يا علي ، وللصادقِ (45) أربعُ خصال ، أنَ يَصْدُقَ عند الرهبةِ ، وعند الرَغبةِ ، وعند الشَهوةِ ، وعندَ الرضا ، وعندَ الغضب ، وأن لا يُظهَر مصيبتَه للناس ، وأن لا يدعوَ على من ظَلَمه ، ولا يُظهرَ عبادتَه ولا يشكوَ مصيبَته.
    يا علي ، أحسِنْ طَهورَكَ يُباركُ اللّهُ لكَ في رزقِك (46).

وقد عقد في الكافي (1) باباً في صفة النفاق والمنافق ، وفي غيره (2) أيضاً فلاحظ.
    (45) الصدق في اللغة هو خلاف الكذب ، وفسّر بمطابقة الخبر للواقع ونفس الأمر.
    إلاّ أنّ الصادق واقعاً هو من صدق في دين الله نيّةً وقولا وعملا ـ كما أفاده الشيخ الطريحي (3) في تفسير قوله تعالى : ( وَكُونُوا مَعَ الصادِقِينَ ) (4).
    والصادق بهذا المعنى الجامع والصدق الإيماني الواقع يكون صادقاً في جميع حالاته في الرهبة والرغبة والرضا والغضب ، وبواسطة نيّة الصدق لا يظهر المصيبة ولا يشكوها ، ويتستّر في العبادة ، بل ينوي الخير ولا يدعو على من ظلمه ، إن كان قابلا للهداية ، أو إن لم يفعل ما يوجب الدعاء عليه.
    فلاحظ أخبار فضيلة الصدق في البحار (5) ، إذا أردت إستقصاء الآثار.
    (46) الطهور ـ بفتح الطاء ـ ، في أصل اللغة هو الطاهر المطهِّر ، وفسّر بالطاهر

1 ـ اُصول الكافي ، ج 2 ، ص 393.
2 ـ بحار الأنوار ، ج 72 ، ص 172 ، باب 103 ، الأحاديث.
3 ـ مجمع البحرين ، ص 437.
4 ـ سورة التوبة ، الآية 119.
5 ـ بحار الأنوار ، ج 71 ، ص 1 ـ 17 ، باب 60 ، الأحاديث.


(169)
    يا علي ، الطَهورُ نصفُ الإيمان (47) فإنّ الملائكةَ يستغفرونَ ويدعُون لمن يُحسِنُ طَهورَه.
    يا علي ، الصلاةُ عَمودُ الإسلام (48) ..

في نفسه المطهّر لغيره أي الماء والأرض (1) ، ويطلق على ما يطهّر النفس من الحدث أي الغسل والوضوء والتيمّم ، وتحسينها هو ، إتيانها صحيحة كاملة حسنة ..
    والوضوء والغسل والتيمّم الحسن تقرّب إلى الله ، وطهارة للنفس ، ونقاء من الأدران ، فتوجب البركة في الرزق .. مضافاً إلى أنّها توجب إستغفار الملائكة لمن يحسّنها كما في الفقرة الآتية .. ومعلوم أنّ المغفرة توجب رزق السماء .. كما قال عزّ إسمه ، ( وَيَا قَوْم اسْتَغْفِرُوا رَبّكُمْ ثُمّ تُوبُوا إلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْراراً ) (2).
    وقال عزّ إسمه ، ( فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْراراً * وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَال وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَّكُمْ جَنّات وَيَجْعَلْ لَّكُمْ أَنْهاراً ) (3).
    (47) فإنّه لا يتمّ الإيمان إلاّ بالطهور ، ولا صلاة إلاّ بطهور .. فيكون الطهور شطراً وجزءاً من الإيمان .. ولعلّ التعبير بالنصف بلحاظ جزئه ونصفه الآخر وهي الصلاة ..
    وجاء في حديث الجعفريات أيضاً ، « الوضوء نصف الإيمان » (4).
    (48) فمثلها كعمود الفسطاط .. إذا ثبت العمود ثبت الفسطاط ، وإذا زال العمود زال الفسطاط.

1 ـ مجمع البيان ، ج 7 ، ص 173.
2 ـ سورة هود ، الآية 52.
3 ـ سورة نوح ، الآيات 10 ـ 12.
4 ـ مستدرك الوسائل ، ج 1 ، ص 288 ، باب 1 ، ح 9.


(170)
إنّ اللّهَ وملائكتَه يُصلُّونَ على مَن يُصلّي الصَّلَواتِ في أوقاتِها بتمامِ رُكوعِها وسُجودِها (49).

    ووجوب الصلاة من ضروريات الدين مع دليل الكتاب المبين ، ومتواتر سنّة سيّد المرسلين والأئمّة الهداة المهديين ، وإجماع المسلمين.
    وقد بُني عليها الإسلام ، وصارت من دعائم الدين كما تلاحظه في الأحاديث الواردة في فضل الصلاة (1).
    (49) أي مع تمامية ركوعها وسجودها وإتيانهما كاملين ، فإنّ الصلاة قد أُمر بالمحافظة عليها بأدائها في أوقاتها ، والمواظبة عليها بجميع شروطها وحدودها ، وإتمام أركانها.
    وذُمّ إضاعتها والإستخفاف والإستهانة بها ، كما تلاحظه في مفصّل الأحاديث (2).
    من ذلك قول النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، « إذا كان يوم القيامة يأتي الله بالعبد فأوّل شيء يسأله عنه الصلاة .. فإن جاء بها تامّة وإلاّ زُخّ ـ أي دفع ورمي ـ في النار ».
    وإنّ مَنْ ضَيّعَ صلاته حشره الله تعالى مع قارون وفرعون وهامان.
    وإنَّ من ترك صلاةً لا يرجو ثوابها ولا يخاف عقابها ، فلا أُبالي أيموت يهودياً أو نصرانياً أو مجوسياً.
    ومن ترك صلاته حتّى تفوته من غير عذر فقد حبط عمله.
    ولا يزال الشيطان يرعب من بني آدم ما حافظ على الصلوات الخمس فإذا ضيّعهنّ تجرّأ عليه وأوقعه في العظائم (3).

1 ـ بحار الأنوار ، ج 82 ، ص 188 ـ 236 ، باب 1 ، الأحاديث.
2 ـ بحار الأنوار ، ج 73 ، ص 1 ـ 25 ، باب 6 ، الأحاديث.
3 ـ بحار الأنوار ، ج 82 ، ص 202.


(171)
    يا علي ، ركعتانِ باللَّيلِ أفضلُ من ألفِ ركعة في النهار ، صلاةُ الليلِ نورٌ لصاحبِها في الدنيا والآخرةِ.
    يا علي ، المصلّي بالليل يُحشرُ يومَ القيامةِ على ناقة من نُوقِ الجنّةِ .. وفي يمينِه براءةٌ لهُ من النارِ ، وأمانٌ من العقاب ..
    إنّ اللّهَ عزّوجلَّ وَعَدَ المصلّين باللّيلِ لكلّ ركعة قصرٌ في الجَنّةِ ، ولكلِّ سجود حوراء ، من كرامةِ المصلّي بالليل ، وانّ اللّه عزّوجلّ يُحبّهُ ويُحبْبهُ إلى جميعِ خَلقه ، ويَرزقُهُ دوامَ العافيةِ وسعةَ الرّزق (50).

    وليس منّي مَنْ استخفّ بصلاته ، لا يرد عليّ الحوض لا والله.
    وقوله صلوات الله عليه وآله في الحديث الذي روته مولاتنا فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) ، « من تهاون بصلاته من الرجال والنساء إبتلاه الله بخمس عشرة خصلة ... » (1) ثمّ ذكر خصال السوء التي تصيب المتهاون ، في الدنيا ، وعند موته ، وفي قبره ، وعند القيامة فراجع.
    (50) فصلاة الليل هي النافلة العظيمة التي دعا إليها الله تعالى في آيات عديدة من كتابه الكريم كقوله تعالى : ( وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً ) (2).
    ورغّب فيها النبي وآله الطاهرون في أحاديث كثيرة منها ما تلاحظها في هذه الوصيّة الشريفة ، ومنها ما ورد من كونها تحسّن الوجه ، وتحسّن الخُلُق ، وتطيّب الريح ، وتدرّ الرزق ، وتقضي الدَين ، وتجلو البصر ، وتذهب بالهمّ ، وتصحّ البدن

1 ـ بحار الأنوار ، ج 83 ، ص 21.
2 ـ سورة الإسراء ، الآية 79.


(172)
    يا علي ، مَن مشى إلى صلاةِ الجَماعة كتبَ اللّهُ له حجّة (51) ومن مشى إلى نافلة كَتَبَ اللّهُ لهُ عُمرة (52).

وغير ذلك ، كما تلاحظ ذلك في أحاديث فضلها (1) الآتية في وصيّة اُخرى رقم 117.
    ولاحظ في بيان العترة الطاهرة آداب القيام إلى صلاة الليل ، والدعاء عند ذلك بالأدعية المأثورة (2) ، وكيفيّة صلاة الليل والشفع الوتر وسننها وآدابها وأحكامها (3) ، والله وليّ التوفيق.
    (51) وقد وردت أحاديث وافرة متظافرة في فضل صلاة الجماعة من البحار (4).
    منها الحديث الثامن من باب فضل الجماعة عن النبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنّه قال ، « وأمّا الجماعة فإنّ صفوف اُمّتي في الأرض كصفوف الملائكة في السماء ، والركعة في جماعة أربع وعشرون ركعة ، كلّ ركعة أحبّ إلى الله عزّوجلّ من عبادة أربعين سنة.
    وأمّا يوم القيامة يجمع الله فيه الأوّلين والآخرين للحساب ، فما من مؤمن مشى إلى الجماعة إلاّ خفّف الله عليه عزّوجلّ أهوال يوم القيامة ثمّ يأمر به إلى الجنّة ».
    واُفيد فقهاً أنّ الجماعة مستحبّة في الفرائض الحواضر اليوميّة كلّها بالدليل كتاباً ، وسنّة ، وإجماعاً ، بل ضرورة من الدين بحيث يدخل منكرها في سبيل الكافرين (5).
    (52) فإنّ النوافل قربان المؤمن إلى الله ، وطلب الخير من مظانّه ، فتوجب فضل الله تعالى بمثل هذا الثواب الكريم لمن مشى إلى إتيانها ، وهو ثواب العمرة التي

1 ـ بحار الأنوار ، ج 87 ، ص 116 ، باب 6.
2 ـ بحار الأنوار ، ج 87 ، ص 186 ، باب 11.
3 ـ بحار الأنوار ، ج 87 ، ص 194 ، باب 12.
4 ـ بحار الأنوار ، ج 88 ، ص 2001 ، باب 1.
5 ـ جواهر الكلام ، ج 13 ، ص 134.


(173)
    يا علي ، مَن لم يُجالِس العلماءَ أربعينَ يوماً ماتَ قلبُه (53).
    يا علي ، كنْ عالِماً أو مُتعلِّماً ولا تكُن الثالثَ فتَهلَك. قال ( عليه السلام ) ، فمَن الثالِث يا رسولَ اللّه ؟
    قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، اللاّهي الذي لا يَعْلَم ولا يَتعلّم ..

هي سعيٌ إلى بيت الله الحرام.
    وتلاحظ فضل النوافل في أحاديث البحار (1).
    منها الحديث الخامس عشر من باب جوامع أحكام النوافل عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال :
    قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، قال الله تعالى ، « ما تحبّب إليَّ عبدي بشيء أحبّ إليَّ ممّا افترضته عليه ، وإنّه ليتحبّب إليَّ بالنافلة حتّى اُحبّه ، فإذا أحببتُه كنتُ سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ولسانه الذي ينطق به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، إذا دعاني أجبته ، وإذا سألني أعطيته ... ».
    (53) بواسطة حرمانه من العلم ، وعدم إستفادة قلبه من طرائف الحكمة ، والجهل موت القلب كما أنّ العلم حياته ، وجاء في حديث الإمام السجّاد ( عليه السلام ) فيما أوحى الله تعالى إلى دانيال ، « ... وانّ أحب عبادي عندي التقي ، الطالب للثواب الجزيل ، اللازم للعلماء ، التابع للحلماء ، القابل عن الحكماء » (2).
    فيلزم مجالسة العالم الربّاني الذي يكون علمه محيياً للقلب ، ليستفاد من علمه حياة القلوب.

1 ـ بحار الأنوار ، ج 87 ، ص 21 ، باب 1 وما بعده.
2 ـ بحار الأنوار ، ج 1 ، ص 185 ، باب 1 ، ح 109.


(174)
فان قَتَل أو زَنى أو شَرِب فلا يؤمَن ، فإنّه قاسي القلب (54).
    يا علي ، ركعتانِ من العالِم أفضلُ من سبعينَ ركعة من الجاهل (55).
    يا علي ، العابدُ بلا علم مَثَلُه كمَثَلِ رجل يكيل المَاءَ في البَحرِ لا يَدري زيادتَه من نُقصانِه ، أم كمَثَل رجل يزرعُ السَبْخ (56).
    يا علي ، عليكَ بالعلم ولو بالصين ، فإنّه ليسَ شيءٌ أحبُّ إلى اللّهِ تعالى من العالم أو المتعلِّم أو المستمِع (57).

    (54) فإنّ الجاهل الذي لا يتعلّم يقسو قلبه ، وقسوة القلب هي غلظته وقلّة رحمته وصلابته عن قبول الحقّ وذكر الله والخوف والرجاء وغيرها من الصفات الحميدة .. لذلك يتأتّى منه فعال القسوة ، ولا يكون مأموناً من الشرّ كقتل الأنفس ، والزنا بالأعراض ، وشرب الخمور.
    (55) فصلاة العالم تكون مقرونة بمعرفته بالمعبود وتوجّهه إليه وخشوعه له .. ولا تكون صلاة الجاهل كذلك فتنقص من حيث الكيفيّة وإن زادت من حيث الكميّة .. كما تقدّم في وصيّة الفقيه.
    (56) السبخ هي الأرض المالحة التي يعلوها الملح ولا يكاد يثبت فيها إلاّ بعض الأشجار ، وعبادة العابد بلا علم لا تحصل منها النتيجة المطلوبة ، والأثر النافع مثل زراعة الأرض السبخة.
    (57) إذ لا خير في الدنيا إلاّ لمن علّم أو تعلّم ، فيلزم تعلّم العلم وعدم البقاء على الجهل فإنّ مَنْ لم يصبر على ذلّ السؤال ساعة يلزمه الصبر على ذلّ الجهل أبداً ..
    لذلك حثّت الروايات المتواترة على العلم .. وطلبه ولو كان في أقاصي البلاد ، وجعلت الأجر على تعليمه ، وتعلّمه ، وإستماعه .. بل حتّى على محبّة ذلك سَوْقاً للناس إلى نور العلم وإنقاذاً لهم من ظلمة الجهل.



(175)
    يا علي ، مَن أكرمَ الضيفَ أكرمهُ اللّهُ ، ومَن أبغضَ الضيفَ أبغضُه اللّه (58).
    يا علي ، ما أسرعَ الرحمَةَ والبركةَ ...

    ففي حديث السكوني ، عن الإمام الصادق ، عن أبيه ( عليهما السلام ) قال ، « العلم خزائن ، والمفاتيح السؤال ، فاسألوا يرحمكم الله ، فإنّه يؤجر في العلم أربعة ، السائل ، والمتكلّم ، والمستمع ، والمحبّ » (1).
    بل في حديث الغوالي ، قال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، « أُغْدُ عالماً أو متعلّماً أو مستمعاً أو محبّاً لهم ، ولا تكن الخامس فتهلك » (2).
    وفي حديث الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، « طلب العلم فريضة على كلّ مسلم ، ألا إنّ الله يحبّ بُغاة العلم » (3) ـ أي طُلاّبه ـ.
    (58) فإنّه قد ورد في الأمر بإكرام الضيف عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنّه قال ، « مَنْ كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه » (4).
    فيكون إكرام الضيف من شؤون الإيمان ـ لذلك يوجب إكرامه إكرام الله ، وبغضه بغض الله ، والضيف هديّة الله كما سيجيىء في الحديث العلوي الشريف.
    وتلاحظ أحاديث فضل إكرام الضيف وآداب الضيافة في أبوابها (5) الروائية.

1 ـ بحار الأنوار ، ج 1 ، ص 196 ، باب 3 ، ح 1.
2 ـ بحار الأنوار ، ج 1 ، ص 195 ، باب 2 ، ح 13.
3 ـ بحار الأنوار ، ج 1 ، ص 172 ، باب 1 ، ح 26.
4 ـ بحار الأنوار ، ج 75 ، ص 460 ، باب 93 ، ح 14.
5 ـ بحار الأنوار ، ج 75 ، ص 450 ـ 463 ، باب 91 ـ 94 ، الأحاديث.


(176)
إلى بيت يدخُلهُ الضيفُ والبَعير (59).
    يا علي ، أطعِم الطعامَ ، وأفشِ السَّلام (60) ، وصَلِّ باللّيلِ والناسُ نِيام (61) ...

    (59) قيل الإبل إسم جنس يشمل الذكر والاُنثى .. إلاّ أنّ لفظ الإبل ملازم التأنيث ، والبعير مذكّر اللفظ ، ويقال للذكر جمل وللاُنثى ناقة.
    ولعلّ الرحمة والبركة في البعير من جهة كثرة منافعه الحاصلة منه وفوائده المترتّبة عليه ، فيؤكل لحمه ، ويشرب لبنه ، ويلبس صوفه ، ويُركب ظهره ، وتنقل الأمتعة عليه ، ويسافر إلى البلدان به ، وتقطع الصحارى به ، ويستفاد عند شدّة العطش من راويته ، ولا يحتاج إلى الإنفاق في علوفته لأنّه يرعى كلّ شيء نابت في البراري.
    (60) إفشاء السلام هو ، إظهاره ونشره بين الناس.
    (61) وجُعلت هذه الثلاثة من المنجيات في حديث المكارم عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، « المنجيات إطعام الطعام ، وإفشاء السلام ، والصلاة بالليل والناس نيام » (1).
    وفي كلّ واحد من هذه الخصال فضل كثير مذكور في بابه فكيف إذا إجتمعت وجلبت نظر رحمة الله تعالى التي توجب البُعد عن العذاب ، بل الدخول في الجنّة.
    ففي الحديث عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قال ، « ما من مؤمن يحبّ الضيف إلاّ ويقوم من قبره ووجهه كالقمر ليلة البدر ، فينظر أهل الجمع فيقولون ، ما هذا إلاّ نبي مرسل ، فيقول مَلَك ، هذا مؤمن يحبّ الضيف ويكرم الضيف ، ولا سبيل له إلاّ أن

1 ـ مكارم الأخلاق ، ج 1 ، ص 292 ، ح 5.

(177)
وإذا فعلتَ ذلك نظَر اللّهُ إليك في كلِّ يوم سبعينَ مرّة (62) ، ومن نَظَر اللّهُ إليهِ لم يعذبْه.
    يا علي ، أكرِمْ جارَك وكُنْ مُحبّاً لخيرِه ، فإن من يحسد خَيرَ جارِه محى اللّهُ عمرَه في الباطل (63) وأنَفقَ مالَه في غيرِ الحقّ (64).

يدخل الجنّة ، قال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، إذا أراد الله بقوم خيراً أهدى إليهم هدية ، قالوا ، وما تلك الهدية ؟ قال ، الضيف ينزل برزقه ، ويرتحل بذنوب أهل البيت » (1).
    (62) ومن المعلوم أنّ نظره تعالى هو نظر رحمة ، ورحمته خير مطلق.
    (63) أي انقضى عمره في الباطل.
    (64) هذا من آثار حسد الجار وترك إكرامه فقد أمر الكتاب الكريم ، وحثّت أحاديث المعصومين ( عليهم السلام ) على إكرام الجار ، والإحسان إليه ، وحسن الجوار معه ..
    وقد بلغ الإهتمام بالجار إلى حدّ الإيصاء والتوصية به على لسان الرسول الأمين وأمير المؤمنين .. وجعلوه من الدين المبين .. كما تلاحظها مجموعة في البحار (2).
    حتّى أنّه جاء في الحديث السابع من الباب مسنداً إلى الإمام الرضا ( عليه السلام ) أنّه قال ، « ليس منّا من لم يأمن جاره بوائقه » أي غوائله وشروره.
    وفي المجمع ما نصّه :
    ( في الخبر ، كلّ أربعين داراً جيران من بين اليدين والخلف واليمين والشمال .. وفي الحديث ، عليكم بحسن الجوار وحُسن الجوار يعمّر الديار.
    ومن جملة حسن الجوار إبتداؤه بالسلام ، وعيادته في المرض ، وتعزيته في

1 ـ بحار الأنوار ، ج 75 ، ص 461 ، باب 93 ، ح 14.
2 ـ بحار الأنوار ، ج 74 ، ص 154 ، باب 10 ، الأحاديث.


(178)
    يا علي ، إيّاكَ والحَسد ، فإنّ الحسدَ في الحسناتِ أسرعُ من النارِ في الحَطَب (65).
    يا علي ، إيّاكَ والغِيبَة (66) ...

المصيبة ، وتهنيته في الفرح ، والصفح عن زلاّته ، وعدم التطلّع إلى عوراته ، وترك مضايقته فيما يحتاج إليه ) (1).
    وأضاف في السفينة ، انّه ليس حسن الجوار كفّ الأذى عن الجار فقط ، بل تحمّل الأذى منه أيضاً (2).
    (65) في أنّه يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب .. وقد مضى بيان آفة الحسد في وصيّة الفقيه فراجع.
    (66) الغيبة بكسر الغين وسكون الياء وفتح الباء كما ضبط (3).
    وهي كما عرفها المشهور ، ( ذكر الإنسان حال غَيبته بما يكره نسبته إليه ، ممّا يُعد نقصاناً في العرف ، بقصد الإنتقاص والذمّ ).
    وقد تطابقت على حرمتها الأدلّة الأربعة ، الكتاب والسنّة والإجماع والعقل.
    أمّا الكتاب ، فلصريح مثل قوله تعالى : ( وَلاَ يَغْتَبْ بَّعْضُكُم بَعْضاً ) (4).
    وأمّا السنّة فلمتواتر الأحاديث الواردة في حرمتها (5) وذمّها (6).

1 ـ مجمع البحرين ، ص 248.
2 ـ سفينة البحار ، ج 1 ، ص 693.
3 ـ مجمع البحرين ، مادّة غيب ، ص 130.
4 ـ سورة الحجرات ، الآية 12.
5 ـ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 566 ، باب 152 ، الأحاديث.
6 ـ بحار الأنوار ، ج 75 ، ص 220 ، باب 66 ، الأحاديث.


(179)
فإن الجَمْرةَ (67) في فَمِ المُسلم خيرٌ له مِن أنْ يغتابَ مسلماً بما فيه (68).
    يا علي ، إذا كنتَ صائماً فلا تُبالِ اغتبتَ أو شَربتَ شربةً ماءاً بارداً بالنّهار (69).

    وأمّا الإجماع ، فلإجماع المسلمين ، بل ضروري الدين بحرمتها (1).
    وأمّا العقل ، فلأنّ غيبة المؤمن إيذاء وإذلال له وهو ظلم ، والظلم قبيح بحكم العقل بل بإستقلاله.
    (67) أي جمرة النار ، وهي معروفة في احراقها ، وتأذّي المحترق بها.
    (68) إذْ الجمرة من نار الدنيا وهي أهون من نار الآخرة.
    (69) من حيث فساد الصوم الحقيقي ، وعدم قبوله ، فإنّ من أدب الصائم الإمساك الكامل عن جميع المحرّمات.
    وجاء في حديث محمّد بن مسلم ، قال أبو عبدالله ( عليه السلام ) ، « إذا صمت فليصم سمعك وبصرك وشعرك وجلدك ـ وعدّد أشياء غير هذا ـ وقال ، لا يكون يوم صومك كيوم فطرك » (2).
    وفي الحديث أيضاً قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لجابر بن عبدالله ، « يا جابر هذا شهر رمضان ، من صام نهاره ، وقام وِرداً من ليله ، وعفّ بطنه وفرجه ، وكفَّ لسانه خرج من ذنوبه كخروجه من الشهر. فقال جابر ، يا رسول الله ما أحسن هذا الحديث ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، يا جابر وما أشدّ هذه الشروط » (3).

1 ـ جواهر الكلام ، ج 22 ، ص 65.
2 ـ الكافي ، ج 4 ، ص 87 ، ح 1.
3 ـ الكافي ، ج 4 ، ص 87 ، ح 2.


(180)
    يا علي ، إيّاك والنظر إلى حُرَمِ المؤمنين (70) فإنّ مَن نَظر في حُرَمِ المؤمنين أخرجَ اللّهُ خوفَ الآخرةِ مِن قلبهِ ، واليقينَ من صدرِه ، ومَلأَ قلبَه من خوفِ الفقرِ والهمِّ والحُزن (71).
    يا علي ، إيّاك والكِذب فإنّه من أخلاقِ المنافقين ، وإيّاك والنميمةَ فإنّ اللّهَ قد حرَّم الجنّةَ على كلّ بخيل ومُراء ونمّام وعاقِّ الوالدين ومانعِ الزكاة وآكلِ الربا وآكلِ الحرام وشاربِ الخمر ، والواشمةِ والمستوشمة (72) ، والواصلةِ الشعر والمستوصلة (73) ،

    (70) حُرَم ومفردها حُرمة مثل غُرَف وغرفة ـ هي المرأة ـ وحرم الرجل أهله.
    (71) فإنّ النظر إلى حرم المؤمنين خيانة بهم ، والخيانة لها آثارها هذه.
    (72) فسّرهما الشيخ الصدوق نقلا عن علي بن غراب بقوله ، والواشمة التي تَشِمُ وشماً في يد المرأة أو في شيء من بدنها ، وهو أن تغرز بدنها أو ظهر كفّها بابرة حتّى تؤثّر فيه ، ثمّ تحشوها بالكحل أو شيءٌ من النورة فتخضرّ ، والمستوشمة التي يفعل بها ذلك ، ذكر هذا التفسير بعد حديث لعنها عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) (1).
    (73) أي التي تصل شعر المرأة بشعر امرأة غيرها ..
    وحُملت حرمة هذا العمل على صورة التدليس بأن تفعله الماشطة بامرأة تدليساً وإخفاءً للعيب ـ لا من باب الزينة والتزيّن لزوجها.
    لحديث سعد الاسكاف عن الإمام أبي جعفر ( عليه السلام ) ، « لا بأس على المرأة بما تزيّنت به لزوجها » (2).

1 ـ معاني الأخبار ، ص 249.
2 ـ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 94 ، باب 19 ، ح 3.
وصايا الرسول لزوج البتول ::: فهرس