الإسناد الثاني :
قال ابو داود : حدثنا عثمان بن أبي شيبة (1) ، حدثنا محمد بن بشر (2) ، حدّثنا هشام بن سعد (3) ، حدثنا زيد [ بن أسلم ] ، عن عطاء بن يسار ، قال : قال لنا ابن عباس : أتحبون أن أريكم كيف كان رسول الله صلى الله عليه وآله يتوضأ ؟ فدعا بإناء فيه ماء ؛ فاغترف غرفة بيده اليمنى ، فتمضمض واستنشق ، ثمّ أخذ أخرى فجمع بها يديه ، ثمّ غسل وجهه ، ثمّ أخذ أخرى فغسل بها يده اليمنى ، ثمّ أخذ أخرى فغسل بها يده اليسرى ، ثمّ قبض قبضة من الماء ثمّ نفض يده ثمّ مسح بها رأسه وأُذُنيه ، ثمّ قبض قبضة أُخرى من الماء فرشَّ على رجله اليمنى وفيها النعل ثمّ مسحها بيديه ؛ يد فوق القدم ويد تحت النعل ، ثمّ صنع باليسرى مثل ذلك (4).
____________
(1) هو عثمان بن محمد بن إبراهيم ، مولاهم ، ابو الحسن بن أبي شيبة الكوفي ، وثقه العجلي وابن معين ، وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم عن أبيه : صدوق ، وقال ابن حجر : ثقة حافظ شهير ، له أوهام (انظر تهذيب الكمال 19 : 478 الترجمة 3757 ، تاريخ بغداد 11 : 287 الجرح والتعديل 6 : الترجمة 913 ، تهذيب التهذيب 7 : 149) وغيرها من المصادر.
(2) هو محمد بن بشر العبدي ، ابو عبد الله الكوفي ، قال ابن الجنيد : لم يكن به بأس ، وقال ابن حجر : ثقة حافظ ، وقال الذهبي : وثقه يحيى بن معين (انظر تهذيب الكمال 24 : 520 الترجمة 5088 ، تقريب التهذيب 2 : 147 ، أعلام النبلاء 9 : 266 ، الطبقات الكبرى لابن سعد 6 : 394 ، التاريخ الكبير للبخاري 1 : الترجمة 87) وغيرها من المصادر.
(3) هو هشام بن سعد المدني ، أبو عباد ، ويقال : ابو سعيد ، مولى آل أبي لهب ، ليّنه بعض اهل العلم باعتبار ضبطه على ما هو ظاهر أقوالهم (انظر تهذيب الكمال 30 : 205 الترجمة 6577 ، الجرح و التعديل 9 : الترجمة 241 ، ميزان الاعتدال 4 : الترجمة 9224 ، الضعفاء لابن الجوزي 2ـ 3 : 174 ، المغني في الضعفاء 2 : الترجمة 6748 ، سير أعلام النبلاء 7 : 344 والجمع بين رجال الصحيحين لابن القيسراني 2 : 550) وغيرها من المصادر ، اخرج له البخاري في التعليقات ، واحتج له مسلم.
(4) سنن أبي داود 1 : 34 ح 137 ، باب الوضوء مرتين.

( 91 )

المناقشة
في هذا الطريق عثمان بن أبي شيبة ، وهو وإن وثّقه غير واحد من أهل العلم إلاّ أنّ البعض الآخر منهم ليّنوه ، ويبدو أنّ علّة تليينِهِ هو ما حكي عنه من التصحيف في القرآن الكريم.
والإنصاف أن علّة هذا التليين غير معقولة ، إذ من البعيد جداً أن يصحِّف إمام حافظ تصحيفاً لا يصدر عن صبيان المكاتب (1).
وهل يعقل أن يقرأ ابن أبي شيبة وأمثاله (أَلَمْ) الاستفهامية من سورة الفيل (ألف ، لام ، ميم) مقطّعة كما تقرأ في أوّل سورة البقرة ؟
فمما يحتمل ـ وهو ما قاله الذهبي عنه ـ أنّه كان مزّاحاً حتّى فيما يتصحّف من القرآن (2).
وعلى أسوأ تقدير فإنّه يمكن الاحتجاج بهِ في المتابعات والشواهد ، فتأمل ! لكنّ التحقيق هو أنّ هذا الطريق مخدوش من جهتين أُخريين :
الأولى : وجود هشام بن سعد فيه ، حيث لم يوثّقه أحدٌ من الرجاليين ، وفي نفس الوقت لم نعثر على من جرحه بما يوجب ترك حديثه مطلقاً ـ حتى مع النظرـ وأكثر أهل العلم مدحوه بما هو دون الوثاقة ، وقليل منهم لينهُ ليناً يتدارك بالاعتبار.
قال العجلي : جائز الحديث ، حسن الحديث (3).
وقال ابو زرعة : شيخ محلّه الصدق (4).
وقال ابو حاتم : يكتب حديثه ولا يحتجّ به (5).
____________
(1) هذا ما قاله ابن كثير في الدفاع عن ابن أبي شيبة (انظر اختصار علوم الحديث : 116).
(2) تذكرة الحفاظ 2 : 444 ، ميزان الاعتدال 3 : الترجمة 5518.
(3) تهذيب الكمال 30 : 207 عن ثقاته الورقه 55.
(4) الجرح والتعديل 9 : الترجمة 241.
(5) تهذيب الكمال 30 : 205 ، الجرح والتعديل 9 : الترجمة 241.

( 92 )

وقال يحيى بن معين : صالح ليس بمتروك الحديث (1).
وقال ابن عدي : مع ضعفه يكتب حديثه (2).
وقال يحيى بن معين في موضع آخر : ليس بالقوي (3).
وقال النسائي تارة : ليس بالقوي (4) ، وتارة أخرى : ضعيف (5).
والمتحصل من مجموع هذه الكلمات :
إن هشاماً لايحتج بهِ من دون نظر ومتابعة ، وإلى هذا أومأ ابن حجر في فتح الباري ، فراجع (6).
الثانية : وجود زيد بن أسلم فيه ، وقد مرّ عليك أنّه قد عنعن عن عطاء ، وهو ممن يدلّس. وبذلك يكون السند محكوم عليه بالانقطاع من هذه الجهة.

الإسناد الثالث
قال النسائي : أخبرنا مجاهد بن موسى (7) ، قال : حدثنا عبد الله بن إدريس (8) ، قال : حدثنا ابن عجلان (9) ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ،
____________
(1) الجرح والتعديل 9 : الترجمة 241.
(2) ميزان الاعتدال 4 : الترجمة 9224.
(3 و4) تهذيب الكمال (الهامش) 30 : 207 ، و208.
(5) ميزان الاعتدال 4 : 299 ، الترجمة 9224.
(6) فتح الباري 1 : 194.
(7) هو مجاهد بن موسى الخوارزمي ، ابو علي نزيل بغداد ، وثّقه ابن معين وقال عنه : ثقة ، لا بأس به ، وقال النسائي : بغدادي ثقة (انظر تهذيب الكمال 27 : 236 الترجمة 5784 ، سير أعلام النبلاء 11 : 495 ، تقريب التهذيب 2 : 229) وغيرها من المصادر.
(8) هو الزعافري ابو محمد الكوفي ، وثقه ابن معين والنسائي وابو حاتم ، روى له الجماعة (انظر تهذيب الكمال 14 : 294 الترجمة 3159 ، الطبقات الكبرى لابن سعد 6 : 389 ، الجرح والتعديل 5 : الترجمة 44 ، تاريخ بغداد 9 : 415) وغيرها من المصادر.
(9) هو محمد بن عجلان القرشي ، ابو عبد الله المدني ، مولى فاطمة بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة بن عبد

=


( 93 )

عن ابن عباس ، قال : توضأ رسول الله صلى الله عليه وآله فغرف غرفة فمضمض واستنشق ، ثمّ غرف غرفة فغسل وجهه ، ثمّ غرف غرفة فغسل يده اليمنى ، ثمّ غرف غرفة فغسل يده اليسرى ، ثمّ مسح برأسه وأذنيه باطنهما بالسباحتين وظاهرهما بابهاميه ، ثمّ غرف فغسل رجله اليمنى ، ثمّ غرف غرفة فغسل رجله اليسرى (1).

المناقشة
ويخدش هذا السند من جهتين :
الأولى : من جهة محمد بن عجلان ، الذي ورد فيه ما يورث عدم الاحتجاج به ؛ لأنّ مالكاً أجاب مَن سأله عنه بقوله : لم يكن ابن عجلان يعرف هذه الأشياء ـ يعني به الحديث والرواية ـ ولم يكن عالماً (2).
وقال ابن يونس : قدم ـ ابن عجلان ـ مصر وصار إلى الإسكندرية ، فتزوّج بها امرأة فأتاها في دبرها ، فشكته إلى أهلها ، فشاع ذلك ، فصاحوا به فخرج منها (3).
قال الحاكم : أخرج له مسلم في كتابه ثلاثة عشر حديثاً كلها شواهد ، وقد تكلّم المتأخّرون من أئمّتنا في سوء حفظه (4).
وقال ابن حجر : أخرج له مسلم في المتابعات ولم يحتجّ به (5).
ونقل الذهبي عن البخاري أنّه ذكر ابن عجلان في الضعفاء (6).
وقال البخاري : « قال يحيى القطان : لا أعلم إلاّ أنّي سمعت



____________

=

شمس بن مناف ، روى له الجماعة (انظر تهذيب الكمال 26 : 101 والجرح والتعديل 8 : الترجمة 228 وتهذيب التهذيب 9 : 342) وغيرها من المصادر.
(1) سنن النسائي 1 : 74 باب مسح الاذنين مع الرأس وما يستدل به على أنهما من الرأس.
(2) ميزان الاعتدال 3 : 644 الترجمة 7938.
(3) تهذيب الكمال 26 : 107 ، تهذيب التهذيب 9 : 342.
(4) ميزان الاعتدال 3 : 644 الترجمة 7938.
(5) تهذيب التهذيب 9 : 342.
(6) ميزان الاعتدال 3 : 645.

( 94 )

ابن عجلان يقول : كان سعيد المقبري يحدِّث عن أبيه عن أبي هريرة ، وعن رجل ، عن أبي هريرة ، فاختلط فجعلهما عن أبي هريرة ، كذا في نسختي بالضعفاء للبخاري.
وعندي في مكان آخر : إنّ ابن عجلان كان يحدّث عن سعيد ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، وعن رجل عن أبي هريرة ، فاختلط عليه فجعلهما عن أبي هريرة.
قلت : فهذا أشبه ، وإلاّ لكان الغمز من القطان يكون في المقبري ، والمقبري صدوق ، إنما يروي عن أبيه ، عن أبي هريرة ، وعن أبي هريرة نفسه ، ويفصل هذا من هذا...







إلى أن يُنهي الذهبي كلامه عن ابن عجلان بقوله «... وقد رُوي عنه عن أنس ، فما أدري هل شافه أنساً أو دلّس عنه » (1) !!
وعليه فالبخاري لم يحتج في صحيحه بحديثه وإن كان قد روى له بعض الشيء استشهاداً وتعليقاً (2). ومثله فعل مسلم.
وأما كلام الإمام مالك ـ آنف الذكر ـ فيمكن أن يفيدنا في الدلالة على سوء حفظه ؛ لأنّ قوله « لم يكن ابن عجلان يعرف هذه الأشياء ولم يكن عالماً » يعني أنّه ليس أهلاً للرواية والتحديث ، فهذا يرشدنا إلى سوء حفظ ابن عجلان وعدم ضبطه ؛ إذ ثبت عنه أنّه قد روى عن أناس لم يسمع منهم ؛ كروايته عن النعمان بن أبي عيّاش مع أنّه لم يسمع منه (3) وصالح مولى التؤمة (4) و....
وهذه النصوص تدل على أنّه كان مرسِلاً أو مدّلساً ، وقد وقفت على تصريح الذهبي بقوله « لا أدري هل شافه أنساً أو دلّس عنه ». فالذهبي رغم دفاعه عن الرواة
____________
(1) ميزان الاعتدال 3 : 644 ـ 647 الترجمة 7938.
(2) انظر تهذيب الكمال 26 : 108.
(3) هذا قول الدار قطني في العلل 3 الورقة 179.
(4) المراسيل ، لابن حبّان : 194.

( 95 )

لم يوثق ابن عجلان بل قال عنه : « إمام صدوق ، مشهور » (1) وهذه العبارة ـ مشهور ، صدوق ـ تشعر بعدم شريطه الضبط كما تقدّم ، ويؤيد ما قلناه ما جاء عن الذهبي في مكان آخر من الميزان : ابن عجلان متوسّط في الحفظ (2) ، بل صرح ابن حجر بسوء حفظه (3).
وقال ابو زرعة عن ابن عجلان في أحد النقلين عنه : صدوق وسط (4).
أضف إلى ذلك أنّ ابن عجلان قد أتى بأمور تخالف المروءة ، وقد وقفت على قصته مع من تزوجها في مصر !!
هذا ، وإن العقيلي (5) والذهبي والبخاري ـ كما تقدم ـ (6) وغيرهم أوردوه في الضعفاء.
يضاف إلى كل ذلك أنّ ابن عجلان قد عنعن روايته هنا عن زيد بن أسلم ، مع انّا لم نقف على تصريح له بالسماع عنه. في مكان آخر ، وهذا ما يسقط روايته عن الحجية.
والحاصل : فإن الاحتجاج به ـ على أحسن الأقوال ـ ممكن ولكن مع الاعتبار ، خصوصاً لو علمنا بما كرّم الله به ابن عجلان ، من إبقائه في بطن أمه أربعة أعوام حتى نبتت أسنانه (7) !!!
الثانية : من جهة زيد بن أسلم على ما تقدم عليك في الأسانيد السابقة.
____________
(1) ميزان الاعتدال 3 : 644.
(2) ميزان الاعتدال 3 : 645.
(3) مقدمة فتح الباري : 351.
(4) تهذيب التهذيب 9 : 342.
(5) الضعفاء ، للعقيلي 4 : 118.
(6) المغني 2 : الترجمة 5816 وديوان الضعفاء الترجمة 3877.
(7) انظر ميزان الاعتدال وتهذيب الكمال وغيرها في « ترجمة ابن عجلان ».

( 96 )

الإسناد الرابع
قال النسائي : أخبرنا الهيثم بن أيوب الطالقاني (1) ، قال : حدثنا عبد العزيز ابن محمد (2) ، قال : حدثنا زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن ابن عباس ، قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله توضّأ فغسل يديه ثمّ تمضمض ، واستنشق من غرفة واحدة وغسل وجهه وغسل يديه مرّة مرة ومسح برأسه وأذنيه مرّة.
قال عبد العزيز : وأخبرني مَنْ سمع ابن عجلان يقول في ذلك : وغَسَلَ رجليه (3).

المناقشة
وهذا الطريق مخدوش من جهتين :
الأولى : من جهة عبد العزيز ، فقد ليّنه غير واحد من أهل العلم ، قال النسائي : ليس بالقويّ (4).
وسئل أحمد بن حنبل عنه ، فقال : كان معروفاً بالطلب ، وإذا حدّث من كتابه فهو صحيح ، وإذا حدّث من كُتُب الناس وَهِم ، وكان يقرأ من كتبهم فيخطئ ، وربّما قلب حديث عبد الله بن عمر يرويه عن عبيدالله بن عمر (5).
____________
(1) هو السُّلمي ، أبو عمران الطالقاني ، وثقه النسائي وقال في موضع آخر : لا بأس به (انظر تهذيب الكمال 30 : 365 ، وتقريب التهذيب) وغيرهما من المصادر.
(2) هو الدراوردي ، ابو محمد المدني ، مولى جهينة « انظر ترجمته في تهذيب الكمال 18 : 187 ، سير أعلام النبلاء 8 : 366 ، ميزان الاعتدال 2 : 633 ، تهذيب التهذيب 6 : 353 ، الضعفاء للعقيلي 2 : 20 ، تقريب التهذيب 1 : 512 » وغيرها.
(3) سنن النسائي 1 : 73 باب مسح الاذنين.
(4) تهذيب الكمال 18 : 194 ، المستخرج من مصنفات النسائي في الجرح والتعديل : 105 ترجمة 169.
(5) تهذيب الكمال 18 : 193 ، الجرح والتعديل 5 : 395 وفي الاخير كان يقلب حديث عبد الله العمري فيرويه عن عبد الله بن عمر.

( 97 )

وقال يحيى بن معين : ليس به بأس (1).
وقال ابو زرعة : سيء الحفظ ، فربّما حدّث من حفظه الشيء فيخطىء (2).
وقال ابن سعد : ثقة ، كثير الحديث ، يغلط (3).
وقال ابو حاتم : لا يحتجّ به (4).
وعن أحمد أيضاً : إذا حدّث من حفظه يهم ، ليس هو بشيء ، وإذا حدّث من كتابه فنعم (5).
وقال عبد الرحمان بن أبي حاتم : سئل أبي عن عبد العزيز ، فقال : محدث (6).
وقال الذهبي : صدوق من علماء المدينة ، غيره أقوى منه (7). وحكى الذهبي عن أحمد قوله : إذا حدّث من حفظه جاء ببواطيل (8).
وقال الساجي : كان من أهل الصدق والأمانة إلاّ أنّه كثير الوَهَم (9).
وقال عياش بن المغيرة : جاء إلى أبي يعرض عليه الحديث فجعل يلحن لحناً منكراً ، فقال له أبي : ويحك إنّك إلى لسانك أحوج منك إلى هذا (10). وذكره ابن حبان في (الثقات) وقال عنه : كان يخطئ (11).
وقال ابن المديني : ثقة ثبت (12).
____________
(1) تهذيب الكمال 18 : 193 ، الجرح والتعديل 5 : 396 ، والذي فيه (صالح ، ليس به بأس).
(2) الجرح والتعديل 5 : 396 ، تهذيب الكمال 18 : 194.
(3) تهذيب الكمال 18 : 195.
(4) سير أعلام النبلاء 8 : 367.
(5) سير أعلام النبلاء 8 : 367.
(6) تهذيب الكمال 18 : 194.
(7) ميزان الاعتدال 2 : 633.
(8) ميزان الاعتدال 2 : 634.
(9) تهذيب التهذيب 6 : 355.
(10) هو الزعافري ابو محمد الكوفي ، وثقه ابن معين و النسائي و ابو حاتم ، روى له الجماعة (انظر تهذيبمة (11) الثقات ، لابن حبان 7 : 116.
(12) ميزان الاعتدال 2 : 634.

( 98 )

وقد ذكره العقيلي في ضعفائه (1) ، والذهبي في كتابيه المغني (2) و الميزان (3).
وعليه فلا يمكن الاحتجاج بخبر الدراوردي لأنّه وإن قيل بوثاقته لكنه يجرح بسوء حفظه وكثرة أخطائه ، وهذان يسقطان الخبر عن الحجية.
الثانية : من جهة زيد بن أسلم على مامر عليك.

ب : ما رواه سعيد بن جبير عنه
الإسناد (4)
قال ابو داود : حدثنا الحسن بن علي (5) ، حدثنا يزيد بن هارون (6) ، أخبرنا عبّاد بن منصور (7) عن عكرمة بن خالد (8) ، عن سعيد بن جبير (9) ، عن ابن عباس

____________
(1) ضعفاء العقيلي3 : 20 الترجمة 977.
(2) المغني 2 : الترجمة 3753.
(3) ميزان الاعتدال 2 : 634.
(4) وهو الإسناد الخامس من أسانيد ابن عباس الغسليّة.
(5) وهو مردد بين الواسطي والخلال (انظر ترجمة الواسطي في تهذيب الكمال 6 : 215 ، وترجمة الخلال في تهذيب الكمال 6 : 259 الترجمة 1250 ) وغيره من المصادر.
(6) هو يزيد بن هارون بن زادي السلمي ، ابو خالد الواسطي (انظر تهذيب الكمال 32 : 261 الترجمة 7061 ، الجرح والتعديل 9 : الترجمة 557) وغيرهما من المصادر.
(7) هو عباد بن منصور الناجي ، ابو سلمة البصري (انظر تهذيب الكمال 14 : 156 ، الجرح و التعديل 6 : الترجمة 438 ، سير أعلام النبلاء 7 : 105 ، الضعفاء للعقيلي 3 : 134 ، الضعفاء لابن الجوزي 2 : 76 ، تهذيب التهذيب 5 : 103 ، ميزان الاعتدال 2 : الترجمة 4141 ، الطبقات الكبرى 7 : 270) وغيرها من المصادر.
(8) فهو عكرمة بن خالد بن العاص بن هشام بن المغيرة... القرشي المخزومي ، المكي ، وثقه يحيى بن معين وابو زرعة والنسائي ، روى له الجماعة سوى ابن ماجة (انظر تهذيب الكمال 20 : 249 الترجمة 4004 ، الجرح والتعديل 7 : الترجمة 34 ، الطبقات الكبرى 5 : 475 ، ميزان الاعتدال 3 : 90 الترجمة 5709).
(9) هو سعيد بن جبير بن هاشم الاسدي الوالبي ، ابو محمد الكوفي ، أحد الاعلام ، قتله الحجاج صبراً ، قال الذهبي عنه : ولما علم من فضل الشهادة ، ثبت للقتل ولم يكترث ، ولا عامل عدوه بالتقية المباحة له

( 99 )

رأى رسول الله صلى الله عليه وآله يتوضأ فذكر الحديث كلّه ثلاثاً ثلاثاً ، قال : ومسح برأسه وأُذنيه مسحة واحدة (1).

المناقشة
وهذا الطريق مخدوش من جهتين :
الأولى : من جهة الحسن بن علي ، وهو مردّد بين الواسطي والخّلال الحُلواني ، وبما أنّ النفوري قد صرح في بذل المجهود (2) أنّه الخّلال الحلواني فلن نتعرض لذكر حال الواسطي جرياً مع ماصرّح به.
والخّلال وثقه النسائي (3) ، ويعقوب بن أبي شيبة (4) ، والخطيب (5) على ما حكاه المزي (6) ، إلاّ أنّه ورد فيه تليين ـ أو ما لازمه التجريح ـ من الإمام أحمد ابن حنبل وغيره.
فقد قال عبد الله بن أحمد بن حنبل : سألت أبي عنه ؟ فقال : ما أعرفه بطلب الحديث ، ولا رأيته يطلب الحديث ؟
وقال أيضاً : لم يحمده أبي (7).
وقال أيضاً عن أبيه : تبلغني عنه أشياء أكرهها (8).
وعن أبيه أيضاً : أهل الثغر عنه غير راضين (9)...
وقال داود بن الحسين : سألت أبا سلمة بن شبيب عن علم الحُلواني ، فقال : يرمى في الحش (10).
والحاصل : فإن الوثوق بمرويات الخلال ـ هكذا ببساطة ـ لايخلو من
____________
(انظر تهذيب الكمال 10 : 358 ، سير أعلام النبلاء 4 : 321 ـ 340) وغيرهما من المصادر.
(1) سنن أبي داود 1 : 32 ح 133 ، باب صفة وضوء النبي صلى الله عليه وآله.
(2) بذل المجهود 1 : 325.
(3 ـ 5) تهذيب الكمال 6 : 262 ، تاريخ الخطيب 7 : 366.
(6) تهذيب الكمال 6 : 262 ـ 263.
(7 ـ 9) تهذيب الكمال 6 : 262 ، تاريخ الخطيب 7 : 365 ، تهذيب التهذيب 2 : 303.
(10) الحش : البستان ، والكنيف. و هو كناية عن عدم أخذهم به و جُرحهم له.

( 100 )

إشكالات ؛ لما تقدّم عليك من ذم بعض الأئمّة له بنحو يوجب التأمّل فيما يروي ؛ لأنّ المسألة لم تنحصر في ذم الإمام أحمد بن حنبل ولا في وصف ابن شبيب علمه بأنّه مما يرمى في الحش ، بل تعدت إلى أنّ فئة من الناس لا يرتضونه ولا يميلون اليه ، والذم الجمعي ليس كالذم الفردي ؛ لأنّ الأول يستبعد في حقه أن يقال فيه : أنّه ذم نشأ عن الغفلة وعدم الاطلاع التام على أحوال الخلال كما قد يحتمل في ذم فرد واحد له ، فعلى هذا لا يمكن القول بأنّه عدل ثقة مع عدم رضا أهل الثغر كلهم عنه ـ بما فيهم عقلاؤهم ومتشرّعوهم إلاّ مع مجازفة واضحة.
وكذا القول بعدم وثاقته ـ طبقَ القواعد وبالنظر لتوثيقات مَن وثّقه ـ مشكل أيضاً.
وأحسن الأمور أن يقال فيه : أنّه إذا روى شيئاً فإنّه يتوقف وينظر فيه ؛ فإذا عارضه الثقات فإنّه لا يحتج بما يروي ، وإلاّ فيحتج به مع النظر ، وقد يمكن الاحتجاج بهِ عند عدم معارضة الثقات له حتّى من دون النظر والاعتبار عند حصول الظن المعتبر بمفادات ما يروي.
الثانية : من جهة عبّاد بن منصور ، وعباد هذا لم يوثقه أحد من الأئمّة ، فكلّهم بين جارح أو مليّن له. قال يحيى بن معين : ليس بشيء (1) ، ضعيف (2) ، أو ليس بشيء في الحديث (3).
وقال النسائي : ضعيف ، وقد كان أيضاً قد تغيّر (4).
وقال الساجي : ضعيف مدلس (5).
____________
(1) تهذيب الكمال 14 : 158 ، ميزان الاعتدال 2 : 376 الترجمة 4141.
(2) الجرح والتعديل 6 : 86.
(3) المجروحين ، لابن حبان البستي 2 : 166.
(4) الضعفاء والمتروكين ، للنسائي ، الترجمة 414 ، وفي تهذيب الكمال 14 : 160 « ضعيف ، ليس بحجة » ، وفي ميزان الاعتدال 2 : 376 « ضعفه النسائي » ، وفي تهذيب التهذيب 5 : 104 « ليس بحجة ».
(5) ميزان الاعتدال 2 : 376 الترجمة 4141 جاء في نسخة منه (قال العلائي ، قال مهنا : سألت أحمد عنه فقال : كان يدلس).

( 101 )

وقال ابن الجنيد : متروك ، قَدَري (1).
وقال الدورقي عن ابن معين : ضعيف الحديث (2).
وقال ابن سعد : كان قاضياً ، وهو ضعيف ، له أحاديث منكرة (3).
وقال ابن الجنيد : عن يحيى بن معين : كان قدريّاً ضعيف الحديث (4).
وقال وهب بن جرير : قدريّ خبيث (5).
وقال ابو بكر بن أبي شيبة : هذا رجل ليس بالقويّ في الحديث (6).
وقال محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، عن ابن المديني : ضعيف عندنا وكان قدرياً (7).
وقال الجوزجاني : ... وكان سيّء الحفظ فيما سمعه ، وتغيّر أخيراً (8).
هذا ، وقد أدرج مصنّفوا الضعفاء اسمه في كتبهم كالذهبي (9) والعقيلي (10) وابن الجوزي (11) وغيرهم.
نعم ، قال أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد القطّان : قال جدي (12) : عبّاد
____________
(1) ميزان الاعتدال 2 : 376 وفيه قال ابن الجيد وهو خطأ والصحيح ما اثبتناه.
(2) الكامل في الضعفاء 4 : 338.
(3) الطبقات الكبرى ، لابن سعد 7 : 270.
(4) انظر هامش تهذيب الكمال 14 : 159 (عن سؤلاته الورقة 39).
(5) انظر هامش تهذيب الكمال 14 : 160 (عن تاريخ الدوري 2 : 293).
(6) انظر هامش تهذيب الكمال 14 : 160 (عن سؤالات ابن محرز : الورقة 40).
(7) انظر هامش تهذيب الكمال 14 : 160 (عن سؤلات ابن أبي شيبة للمديني الترجمة 13 ، 16).
(8) انظر هامش تهذيب الكمال 14 : 160 (عن أحوال الرجال : الترجمة 180).
(9)ديوان الضعفاء 2 : الترجمة 3054.
(10) ضعفاء العقيلي 3 : 134.
(11) ضعفاء ابن الجوزي 2 : 77.
(12) هو يحيى بن سعيد بن فرّوخ ، أبو سعيد القطان ، ثقة متقن حافظ ، احتج به الجماعة (انظر تقريب التهذيب 2 : 348).

( 102 )

ابن منصور ، ثقة ، لا ينبغي أن يترك حديثه لرأي أخطأ فيه ، يعني القدر (1).
وهذه الجملة قد يستفاد منها التوثيق ، لكن الحقّ أنّها لا تفيده ، لأنّ نقل الحفيد أحمد بن محمد عن جدّه لا يتّفق مع النقل الآخر عن ابن القطّان ، فقد جاء عنه قوله :... إنّا حين رأيناه كان لا يحفظ... (2)
وقد مر عليك أنّ (صدوق) و(لا بأس به) و(محلّه الصدق) وغيرها من عبارات هذه المرتبة من مراتب التعديل لا يمكن الاحتجاج بأحد من أهلها ، لأنّها تشعر بعدم شريطة الضبط ، وفيما نحن فيه فإنّ عبارة القطّان (لا يحفظ) هي الأخرى دالّة على عدم الضبط ، بخلاف ما نقله أحمد بن محمد عن جدّه فإنها تدلّ على ذلك بالإشعار لاالصراحة ؛ والعلّة في ذلك أن التوثيق لا يطلق على من كان لا يحفظ ، اللّهم الا أن يقال أن مقصود القطان هنا هو أن عباد ثقة في نفسهِ حتى لو افترض أنّه لا يحفظ وغير ضابط في الحديث ، وهذا هو الذي عنيناه بالإشعار ، فانتبه.
ولا يخفى عليك أنّ دلالة الصريح تُقَدّم على دلالة الإشعار بالأولويّة العقليّة ، وعليه فعدم الاحتجاج بقول أحمد بن محمد عن جدّه هنا أولى.
هذا إذا افترضنا كون عبّاد قائلاً بالقدر مع عدم كونه داعيةً إليه ، وإلاّ فلا يحتج بالداعية من الأساس على ما هو صريح ابن الصلاح (3) ، وابن حبان (4) ، وابن حجر (5) ، والنووي (6) ، والطيبي (7) ، والسيوطي (8) ، وكلّ أصحاب الشافعي (9).
____________
(1) تهذيب الكمال 14 : 158 ، الجرح والتعديل 6 : 86.
(2) تهذيب الكمال 14 : 158 ، الجرح والتعديل 6 : 86 ، الكامل في الضعفاء 4 : 338.
(3) مقدمة ابن الصلاح : 230.
(4) حكاه عنه الطيبي في الخلاصة : 91 ، وابن الصلاح في المقدمة : 229 ، وابن حجر في مقدمة فتح الباري : 382 ، والسيوطي في تدريب الراوي 1 : 225 والذهبي في الميزان 2 : 378.
(5) مقدمة فتح الباري : 382.
(6) تقريب النووي (المطبوع مع شرح الكرماني على البخاري) 1 : 13.
(7) الخلاصة في أصول الحديث : 91.
(8)تدريب الراوي : 177.
(9) حكاه عنهم الطيبي في الخلاصة : 91.

( 103 )

وقد صرح ابن حبّان بكونه داعيةً إلى مذهبه حيث قال : وكان داعية إلى القدر (1).
أضف إلى ذلك أنّ حصر العلة ـ في كلام أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد القطان عن جده ـ بالقول بالقدر ، خطأ واضح من القطّان ، وذلك لأنّ الآخرين من الائمة إنّما أعرضوا عن عبّاد لا لمجرّد كونه يقول بالقدر ، بل لأنه مدلس أيضاً ، فقد صرّح البخاريّ بأنّ عبّاداً ربّما دلّس عن عكرمة (2) ، وهذا التدليس منه في بعض الموارد ، ينطبق على ما نحن فيه ، لأنّ عباداً ـ في هذا الخبر ـ قد عنعن عن عكرمة ، وبما أنّ البخاري قد صرح بتدليسه أحياناً عن عكرمة ، والساجي صرح بأنّه مدلس (3) . فلا يمكن الاعتماد على هذا الخبر بعد هذا ، ويسقط عن الحجية ، وخصوصاً لو اتّضح لنا عدم ضبطه وعدم إتقانه ، وتغيّره وروايته للمناكير !!
وقد أخرج العقيلي عن الحسين بن عبد الله الذراع أنّه قال : سمعت أبا داود قال : عبّاد بن منصور ولي قضاء البصرة خمس مرات ، وليس هو بذاك ، وعنده أحاديث فيها نكارة ، وقالوا : تغير (4).
وقد مر عليك قول ابن سعد عنه : ضعيف له أحاديث منكرة.
ولو سلّمنا ثبوت توثيق القطّان هذا ، فهو لا يقاوم التجريحات المفسَّرة في عبّاد ، لأن جلّ أهل العلم على تقديم الجرح المفسّر على التعديل عند التعارض ؛ لأنّه ـ وكما قيل ـ مع الجارح زيادة علم خفيت على المعدِّل ، وعلى هذا صريح كلام
____________
(1) ميزان الاعتدال 2 : 378 الترجمة 4141 ، المجروحين لابن حبان 2 : 165.
(2) هذا ما حكاه الذهبي عنه في الميزان 2 : 377 الترجمة 4141. تهذيب التهذيب 5 : 105.
(3) ميزان الاعتدال 2 : 376 الترجمة 4141 ، هامش الضعفاء للعقيلي 3 : 134 ، قال مهنا سألت أحمد عنه فقال : كان يدلس. تهذيب التهذيب 5 : 105.
(4) الضعفاء للعقيلي 3 : 137 الترجمة 1119 ، تهذيب الكمال 14 : 159 عن (سؤلات الآجري 3|الورقة 26).

( 104 )

ابن الصلاح (1) ، وابن كثير (2) ، والطيبي (3) ، والبلقيني (4) ، والعراقي (5) ، وابن الاثير (6) ، والنووي (7) وابن عساكر (8) والفخر الرازي (9) والآمدي (10) والسخاوي (11) والسيوطي (12) ‌ وغيرهم ، بل لم نعثر على مخالف بعد الاتفاق على ذلك.
____________
(1) محاسن الاصلاح (المطبوع ضمن مقدمة ابن الصلاح) : 224.
(2) اختصار علوم الحديث : 77.
(3) الخلاصة في أصول الحديث : 87.
(4) محاسن الاصلاح ، للبلقيني (المطبوع ضمن مقدمة ابن الصلاح) : 224.
(5) فتح المغيث 1 : 336 وط اخرى 1 : 263.
(6) مقدمة جامع الأصول 1 : 128.
(7) تقريب النووي (المطبوع مع شرح الكرماني على البخاري) 1 : 12.
(8 ـ10) حكاه عنهم السخاوي في فتح المغيث 1 : 336.
(11) فتح المغيث 1 : 287.
(12) تدريب الراوي 168 وط اخرى 1 : 309.

( 105 )

الخلاصة
بعد أن انتهينا من بيان حال الأسانيد الخمسة للوضوء الغسليّ عن ابن عباس ، لابدّ لنا من تلخيص الكلام فيها ، فنقول وبالله المستعان :
أوضحت لنا الصفحات السابقة ، أنّ الطرق الغسليّة عن ابن عباس تنتهي إلى تابعيَّيْنِ قد رَوَيا الغسل عنه. هما :
الأوّل : عطاء بن يسار.
فقد وقع في الإسناد الأوّل إليه سليمان بن بلال ، وفي الاسناد الثاني هشام بن سعد ، وفي الإسناد الثالث محمد بن عجلان ، وفي الاسناد الرابع عبد العزيز ابن محمد الدراوردي ، وهؤلاء ممن لم يتفق الأئمّة على وثاقتهم ، وإنّ قول الرجاليين عنهم (لا بأس به) (صدوق) وو... يشعر بعدم شريطة الضبط ، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى فقد أثبتنا لك فيما تقدّم أنّ رواية زيد بن أسلم عن عطاء منقطعة أو في حكم المنقطعة ؛ وذلك لأنّه مدلس ، ونقلنا لك تصريحات الأئمّة على تدليسه عن أربعة من الصحابة ، مع ملاحظة أنّ زيداً لم يثبت له سماع عن عطاء ثبوتاً معتبراً في مصنّفات الحديث.
الثاني : سعيد بن جبير (1).
وقد وقع في الإسناد إليه الحسن بن علي الخلاّل الحُلواني الذي ليّنه أحمد بن حنبل وابو سلمة ، ووقع فيه عباد بن منصور الذي ضعّفه ابن معين والنسائي والساجي والدورقي وابن سعد وغيرهم من أئمّة الجرح والتعديل. وإنَّ وجود هذين الشخصين في خبر سعيد بن جبير يسقطه من الاعتبار والحجية ، وخصوصاً مجيء عباد بن منصور في إسناد يرويه عن عكرمة الّذي احتمل البخاري تدليسه عنه بقوله (ربّما دلس عن عكرمة) (2) ، مع معرفتنا بأنّ عباداً كان قدريّاً يدعو إلى مذهبه ويروي
____________
(1) وهو ما جاء في سنن أبي داود 1 : 33 ح133.
(2) ميزان الاعتدال 2 : 378.

( 106 )

المناكير ، وكان لا يحفظ ـ حسبما قاله القطان عنه ـ فهذه الأوصاف أسقطت خبر سعيد بن جبير ، من الحجية.
فان قلت : يمكن تصحيح ما روى عن ابن عبّاس في الغسل باعتبار أنّ هناك شواهد صحيحة من مرويات عثمان وعبد الله بن زيد بن عاصم وعبد الله بن عمرو ابن العاص وغيرهم ممن روى الغسل عن النّبي صلى الله عليه وآله ، فلا تضر الخدشة في الأسانيد الخمسة التي روت عن ابن عباس الغسل.
قلنا : سيأتي منّا البرهان على أن مرويات هؤلاء الصحابة معارضة بمثلها سنداً ودلالة ، فقد روي عن ابن عبّاس وعثمان وعبد الله بن زيد وعبد الله بن عمرو بن العاص ، كما روي عن علي وأنس بن مالك وعبد الله بن عمر وأوس بن أبي أوس ورفاعة بن رافع وغيرهم في المسح بأسانيد أقوى من أسانيد الغسل ، وبدلالة أوضح منها ، فادعاء التصحيح بالشواهد ـ مع هذهِ المعارضة الشديدة جداً ـ مما لا وجه له ، على أنّ هذا هو ممّا سنبحثه مفصّلاً بعد إنتهائنا من مناقشه جميع البحوث السنديّة ـ غسليّة كانت أم مسحيّة ـ فانتظر ذلك !!.