نسبة الخبر إليه

قبل تطبيق أولى مفردات (نسبة الخبر اليه) نرى لزاماً علينا التفصيل في أحد أطراف المباني المفروض طرحها في مثل هذه الدراسات العلمية ، وهو ما اكدناه أكثر من مرة للباحثين من أن نهج الاجتهاد والرأي وأنصاره ، وتصحيحاً لقول الخليفة وفعله ، كانوا ينسبون ما يريدونه إلى أعيان الصحابة من خلال القول بأن علي بن أبي طالب وابن مسعود وابن عباس وجابر بن عبد الله وغيرهم قد ذهبوا إلى ما ذهب إليه الخليفة من رأي.
وهذه الرؤية توضح ظاهرة من ظواهر اختلاف النقل عن الصحابي الواحد ، خاصة إن كان من الجناح المقابل لفقه الشيخين ، بل الأحرى المقابل لفقه الاجتهاد والرأي ، وذلك لكي يختلط الحابل بالنابل والصحيح بالسقيم ، ولكي يضيع موقف هؤلاء الصحابة من الحكم الشرعي ثم يتسنى في آخر الأمر تحكيم رأي الخليفة وأتباع الرأي فيه.
إنّ اختلاف النقل عن الصحابي الواحد ينم ـ مضافاً إلى ما قيل من وجوه في سبب الاختلاف ـ عن وجود نهج آخر في الشريعة يتعبد بالنصوص الصادرة عن الله ورسوله ولا يرتضي ما ذهب إليه الخليفة من رأي ، وهذا لا يعني أن جميع آراء الخليفة بعيدة عن التشريع والواقع ، بل في كلامه ما يوافقه وفيه ما يخالفه ، فان كان اجتهاده وفق القرآن أخذ به ، وإلا فيضرب به عرض الحائط ؛ لأنه لا قرآن ولا سنة.
وهذه الظاهرة هي التي دعتنا للتأكيد أكثر من مرة على لزوم دراسة ملابسات الأخبار عند المسلمين كي نعرف من هم وراء هكذا أحكام متعارضه ، ومن هو المستفيد منها ، ونحن لا نحدد ذلك بالخلفاء فقط ، بل يمكن أن يكون الأمر راجعاً إلى من أعطي دوراً في التشريع كعائشة أم المؤمنين وأبي هريرة كذلك.
فنحن لو وقفنا على خلفيات هذه المسائل وعرفنا المفتي بها أو الناقل للحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله أولاً ‎؛ لأمكننا الوقوف على الخيوط الخفية في تعدد الأحكام


(168)

الشرعية ، وملابسات اختلاف المسلمين في الفتاوي والآراء.
  • فلو اتخذنا قضية المتعة مثلاً لرأينا امتداد النهجين واضحاً بيناً فيها ، فابن عباس (1) وابن عمر (2) وسعد بن أبي وقاص (3) ، وعلي بن أبي طالب (4) وأبو موسى الاشعري (5) وغيرهم (6) ، يؤكدون على مشروعية هذا الفعل ويعتبرونه فعلاً شرعياً نص عليه الله ورسوله ولم ينسخ قط.
    وأما عمر بن الخطاب (7) وعثمان بن عفان (8) ومعاوية بن أبي سفيان (9) وأئمة الفقه الحاكم فلا يرتضون ذلك الفعل ، لأن الخليفة عمر بن الخطاب نهى عنه بقوله : متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله حلالاً أنا أحرمهما وأعاقب عليهما (10).
    بلى إنها خطوة اتخذت لكي لا يجرؤ أحد على مخالفة فتوى الخليفة بل ليسلم الجميع بما يراه ويذهب إليه.
    فقد جاء عن أبي موسى الأشعري أنه كان يفتي بالمتعة ، فقال له رجل : رويدك ببعض فتياك ، فإنك لا تدري ما أحدث أميرالمؤمنين [ يعني به عمر ] في النسك حتى لقيه بعد فسأله .
    فقال عمر : قد علمت أن النبي صلى الله عليه وآله قد فعله وأصحابه ، ولكني كرهت أن يظلوا
    ____________
    (1) زاد المعاد 1 : 212 ـ 213 ، مسند أحمد 1 : 327 ، ارشاد النقاد ، للصنعاني : 24 ـ 25 ، سنن الترمذي 2 : 295.
    (2) سنن الترمذي 2 : 159|823 ، ارشاد النقاد ، للصنعاني : 25.
    (3) السنن الكبرى للبيهقي 5 : 17 ، زاد المعاد 1 : 179 ، سنن الدارمي 2 : 35.
    (4) مسند أحمد 1 : 57 ، سنن النسائي (المجتبى) 5 : 152 ، المستدرك على الصحيحين 1 : 472 الموطأ 1 : 336|40 ، سنن الترمذي 2 : 295.
    (5) صحيح مسلم 2 : 896|157 ، مسند أحمد 1 : 50 ، سنن النسائي (المجتبى) 5 : 153 ، السنن الكبرى ، للبيهقي 5 : 20 ، تيسير الوصول 1 : 340|30 ، سنن ابن ماجة 3 : 992|2979.
    (6) كعمران بن الحصين ، انظر صحيح مسلم 2 : 899|168 ، شرح صحيح مسلم للنووى 7 ـ 8 : 456.
    (7) احكام القرآن للجصاص 2 : 152 ، والمصادر السابقة.
    (8) سنن النسائي (المجتبى) 5 : 152 ، المستدرك على الصحيحين 1 : 472 ، مسند أحمد 1 : 57 ، الموطأ 1 : 336.
    (9) السنن الكبرى ، للبيهقي 5 : 20 ، سنن ابي داود 2 : 157|1794 ، زاد المعاد 1 : 189.
    (10) احكام القرآن للجصاص 2 : 152.

    (169)

    معرسين بهن في الأراك ثم يروحون في الحج تقطر رؤوسهم (1).
    إن هذا النص وأمثاله مما يؤكد فكرة خضوع الأحكام الشرعية لرأي الخليفة ، إذ ترى أبا موسى الأشعري ـ وهو من كبار الصحابة ـ لا يمكنه أن يفتي بحكم المتعة ؛ لأنه لا يدري ما أحدث أمير المؤمنين في النسك !! بل يجب عليه التروي حتى يأتي أمر الخليفة وقراره الأخير فيه !!
    فإذا كان هذا فعلهم مع الصحابة الأحياء ، فكيف بالصحابة الأموات وبعد قرون من الزمن ؟! إننا لا نستبعد ـ من أجل تقوية الجناح الحاكم ـ أن يسبوا إلى إعيان الصحابة قولاً في النهي أو التشريع يوافق مذهب الخليفة ، وهذا ما فعلوه بالفعل في كثير من المسائل :
    فقد نسب القول بتحريم المتعة إلى بعض أعيان الصحابة ، منهم : علي بن أبي طالب وابن عباس وابن مسعود وجابر (2) وغيرهم ، مع أن الثابت القطعي ـ في نصوص كثيرة ـ عن هؤلاء تؤكد قولهم بالتحليل (3).
    وإنا قد ناقشنا كلام ابن القيم في متعة النساء ـ حين جعل حديث علي في النهي دليلاً للتحريم ـ بقولنا : لا ندري متى ثبتت حرمة التمتع بالنساء عن علي حتى يصح جعله دليلاً للمطلوب ، في حين كان الإمام وابن عمه عبد الله بن عباس في طليعة المجيزين له والقائلين (لولا نهي عمر لمازني الا شقي او إلا شفىً) (4)،
    وقد كذب ابن عباس عبد الله بن الزبير في ادعاء تحريم ذلك حين أحاله على امه ليسألها عن ذلك . (5) وقوله للذين لا يعملون بقول الرسول وفعله : ما أراكم منتهين حتى يعذبكم الله ـ وفي آخر : حتى يصيبكم حجر من السماء ـ نحدثكم عن النبي صلى الله عليه وآله
    ____________
    (1) صحيح مسلم 2 : 896|157 ، مسند أحمد 1 : 50 ، سنن النسائي (المجتبى) 5 : 153 ، السنن الكبرى للبيهقي 5 : 20 ، تيسير الوصول 1 : 340|30 ، سنن ابن ماجة 3 : 992|2979.
    (2) انظر : فتح الباري 9 : 142 ، أحكام القرآن ، للجصاص 2 : 147 ـ 148 ، الجامع لاحكام القرآن 5 : 132 ، المغني لابن قدامة 7 : 572 ، المبسوط للسرخسي 5 : 152 ، المهذب في فقه الشافعي 2 : 46 ، تحفة الاحوذي 4 : 267.
    (3) انظر المحلى ، لابن حزم 9 : 519.
    (4) النهاية 2 : 249 و488.
    (5) المحاضرات للراغب الاصفهاني 2 : 94 وانظر الطبراني (10721) وعنه في جامع المسانيد 31 : 152

    (170)

    وتحدثوننا عن أبي بكر وعمر (1).
    وقد صرح الإمام علي بأن الخلفاء من قبله قد عملوا أعمالاً خالفوا فيها رسول الله صلى الله عليه وآله مغيرين لسنته ؛ وعد منها المتعتين (2) ، فكيف ينسب بعد ذلك إلى علي القول بالتحريم !!
    ويزيد الأمر وضوحاً أن الخلفاء في العهد العباسي كانوا قد عقدوا جلسات المناظرة مع الأئمة من ولده ، وكان السؤال عن المتعة في رأس قائمة الأسئلة المطروحة في تلكم المناظرات التي حفظها لنا التاريخ ؟!
    فلو كان المنع قد ثبت عن علي ، فما الإصرار من قبل آله في الدفاع عن حلية التمتع؟
    ولماذا غدا أشياع علي ـ إذن ـ موضع سهام الانتقاد والمحاربة ، من أجل القول بمشروعيتها ؟ ولم تحارب الشيعة من أجله حتى اليوم ؟!
    نعم ، إن الحلية قد ثبت صدورها عن علي بطريق متعددة عند الفريقين وأجمع عليها أئمة التعبد المحض ، وهو المحفوظ عنه في الصحاح والأخبار ، وأما حديث المنع المدعى فيها وفي غيرها ـ عنه وعن غيره ـ فقد انفرد بنقله أنصار مدرسة الاجتهاد والرأي لمصالح ارتضوها !! (3).
    ومما يزيد الأمر تلبيساً هو اختلاف نقلهم عن علي ، فتارة نقلوا عنه أنه قال : نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وآله يوم خبير ، وفي آخر : في يوم حنين ، وفي ثالث في غزوة تبوك (4) ، وكذلك الحال بالنسبة إلى من نسبوا لهم بواطل الأقوال ، كل ذلك لتأكيد النسبة اليهم بهذه القيود الإضافية!
  • ومثل قضية المتعة مسألة صلاة التراويج ؛ فقد ثبت عن عمر قوله « نعمت البدعة هذه » (5).
    ____________
    (1) زاد المعاد 1 : 219.
    (2) انظر كتاب الروضة من الكافي 8 : 61.
    (3) انظر منع تدوين الحديث ، لنا : 279 بتصرف.
    (4) فتح البارى 9 : 137 ، أحكام القرآن للقرطبي 5 : 131.
    (5) صحيح البخاري 3 : 58 ، تاريخ المدينة 3 : 713 ، الرياض النضرة 1 : 309 ، تاريخ اليعقوبي 2 : 140.

    (171)

    قال اليعقوبي في تاريخة : وفي هذه السنة ـ يعني سنة أربع عشر بعد الهجرة ـ سن عمر قيام شهر رمضان وكتب بذلك إلى البلدان ، وأمر أبيّ بن كعب وتميماً الداري أن يصليا بالناس ، قيل له في ذلك : إن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يفعله ، وإن ابا بكر لم يفعله ، فقال : إن تكن بدعة فما أحسنها من بدعة (1).
    وذلك لأنه صلى الله عليه وآله كان قد خرج في رمضان ليلاً للصلاة في المسجد فأتم به الناس ، وفي اليوم الثاني كثر العدد ، وفي اليوم الثالث كانوا أكثر ، حتى خرج بهم إلى خارج المسجد ، فترك الرسول الخروج إلى المسجد خوف أن تفرض عليهم (2) ، فقد جعلوا هذا الخبر وأمثاله دليلاً على مشروعية صلاة التراويح وترى الرسول صلى الله عليه وآله في النص السابق قد تركها ولم يرتض الإتيان بها جماعةً في المسجد !!
    فالناس ـ أصحاب الرأي والاجتهاد ـ كانوا يريدون تشريع هذا الأمر ويصرون على النبي صلى الله عليه وآله أن يأتي إلى المسجد للصلاة بهم ، بحيث كان بعضهم يتنحنح ليخرج اليهم (3) ، ويقول الآخر : الصلاة ، الصلاة ‎، ورسول الله صلى الله عليه وآله يقول لهم : (خشيت أن يكتب عليكم ولو كتب عليكم ما قمتم به (4)) أو قوله في خبر زيد بن ثابت (أيها الناس ما زال بكم صنيعكم حتى ظننت أن سيكتب عليكم ، فعليكم بالصلاة في بيوتكم ، فإن خير صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة) (5).
    فهذا الخبر دليل على عدم مشروعية هذه الصلاة ، لعدم ارتضاء رسول الله صلى الله عليه وآله الصلاة بهم حتى آخر حياته ، وكذا في عهد الخليفة الأول أبي بكر ، حيث لم يكن لها وجود آنذاك ، وشطراً من خلافة عمر.
    لكن الخليفة عمر بن الخطاب فيما بعد ارتضى هذا الأمر وسعى لتشريعه بكتابته
    ____________
    (1) تاريخ اليعقوبي 2 : 140.
    (2) كنز العمال 7 : 817 ح 21542 ، واخرجه النسائي في كتاب قيل الليل ، باب قيام شهر رمضان عن عائشة .
    (3) الفتح الرباني 5 : 13.
    (4) الفتح الرباني 5 : 13 ، كنز العمال 7 : 816 ح 21541 واخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين باب استحباب صالة النافلة في بيته
    (5) الفتح الرباني 5 : 13 ، كنز العمال 7 : 816 ح 21541 واخرجه أبو داود في كتاب الصلاة ، باب فضل التطوع في البيت.

    (172)

    للأمصار في إتيان ذلك (1) !!
    قال ابن قدامة في كتاب المغني : « ونسبت التراويح إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، لأنه جمع الناس على أبيّ بن كعب ، فكان يصليها بهم ، فروى عبد الرحمن بن عبد القاري قال : خرجت مع عمر ليله في رمضان فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط ، فقال عمر : اني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل ، ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب ، قال : ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم ، فقال : نعمت البدعة هذه » (2).
    وهذا خطأ ، لان صلاة التراويح إنما نسبت إلى عمر لأنه أول من شرعها جماعة وفي المسجد مخالفاً بذلك صريح قول النبي صلى الله عليه وآله المتقدم من أن الصلاة في المسجد جماعة إنما هي للمكتوبة لا لغيرها ، فإن خبر زيد بن ثابت وغيره يكذب دعوى ابن قدامة هذه ، ويكذبها أيضاً قول عمر نفسه : (نعمت البدعة هذه) ، وكذا كتابته إلى البلدان والأمصار آمراً بنشرها.
    نعم ، إن عمر بن الخطاب شرع أمراً لم يكن شرعياً على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله ، فأراد تطبيقه بتعميم كتابٍ إلى الأمصار !!
    وبعد هذا فلا يستبعد أن ينسب إلى أعيان الصحابة أقوالاً توافق رأي الخليفة وتقوي ما ذهب اليه ، حتى نراهم في بعض تلك النصوص يشيرون إلى خصوصيات خاصة منسوبة إلى بعض الصحابة كي يؤكدوا النسبة إليه ، فمن ذلك ما رواه عرفجه الثقفي بقوله : كان علي بن أبي طالب يأمر الناس بقيام شهر رمضان ويجعل للرجال إماماً وللنساء اماماً ، فكنت أنا إمام النساء (3) !!
    وعن أبي عبد الرحمن السلمي وغيره : إن علياً قام بهم في رمضان (4) !!
    فانهم جاءوا بهذه الأخبار ليضعفوا الأخبار الأخرى الثابتة عنه في عدم
    ____________
    (1) انظر الكامل في التاريخ 2 : 489.
    (2) المغني ، لابن قدامه 1 : 834.
    (3) المجموع ، للنووي 4 : 34.
    (4) المبسوط ، للسرخسي 2 : 145.

    (173)

    مشروعية صلاة التراويح وأنها بدعة ؛ لقوله في خبر طويل مروي عن اهل بيته وولده (... والله لقد أمرت الناس ألا يجتمعوا في شهر رمضان إلا في فريضة وأعلمتهم أن اجتماعهم في النوافل بدعة) (1) ويؤيد هذا النقل عن اهل البيت وكون اجتماعهم في النوافل بدعة خبر عمر بن الخطاب نفسه : نعمت البدعة هي (2) !!
    وجاء في التهذيب بسنده إلى الصادق : أن أمير المؤمنين عليه السلام لما قدم الكوفة أمر الحسن بن علي أن ينادي في الناس (لا صلاة في شهر رمضان في المساجد جماعة).
    فنادى في الناس الحسن بن علي بما أمره به أمير المؤمنين عليه السلام ؛ فلما سمع الناس مقالة الحسن بن علي صاحوا : واعمراه ! واعمراه ! فلما رجع الحسن إلى أمير المؤمنين عليه السلام قال له : ما هذا الصوت ؟
    فقال : يا أمير المؤمنين ! الناس يصيحون : واعمراه ! واعمراه ! فقال أمير المؤمنين لهم : صلوا (3).
  • ونحن لو نظرنا إلى الصلاة بين الطلوعين وقبل الغروب لرأيناها كسابقيها ، حيث نهى عنها الخليفة عمر بن الخطاب.
    جاء في مجمع الزوائد للهيثمي : إن تميماً ركع ركعتين بعد نهي عمر بن الخطاب عن الصلاة بعد العصر ، فأتاه عمر فضربه بالدرة ، فأشار إليه تميم أن اجلس ـ وهو في صلاته ـ فجلس عمر ، ثم فرغ تميم من صلاته
    فقال تميم لعمر : لم ضربتني ؟
    قال : لأنك ركعت هاتين وقد نهيت عنها
    قال : إني صليتهما مع من هو خير منك ، رسول الله صلى الله عليه وآله.
    فقال عمر : إنه ليس بي أنتم الرهط ، ولكن أخاف أن يأتي بعدكم قوم يصلون ما بين العصر والمغرب حتى يمروا بالساعة التي نهى رسول الله صلى الله عليه وآله أن يصلوا فيها حتى
    ____________
    (1) الروضة من الكافي 8 : 58 ح 21.
    (2) صحيح البخاري 3 : 58 ، تاريخ المدينة 3 : 713 وغيره.
    (3) تهذيب الاحكام 3 : 70 | ح 27 وفي شرح النهج لابن ابي الحديد ط قديم 3 : 178 ناقلاً ذلك عن السيد المرتضى ، وفي مستطرفات السرائر مثله.

    (174)

    وصلوا ما بين الظهر والعصر (1).
    وجاء عن أبي ايوب الأنصاري أنه كان يصلى قبل خلافة عمر ركعتين بعد العصر ، فلما استخلف عمر تركها ، فلما توفي ركعهما ، فقيل له : ما هذا ؟
    فقال : إن عمر كان يضرب الناس عليهما (2).
    فمن غير البعيد أن ينسب إلى ابن عباس وغيره نهيهم عن الصلاة بعد العصر ، في حين إن اولئك كانوا قد فعلوا ذلك ، ولو تأملت في النصوص المجوزة للصلاة بعد الوقتين عن ابن عباس لا تضح لك مدعانا وسقم نسبة النهي بعد العصر إليه.
    فقد رووا عن ابن عباس قوله : شهد عندي رجال مرضيون وأرضاهم عندي عمر أن نبي الله كان يقول : لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس ، ولا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس (3).
    وعن علي قوله : كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي دبر كل صلاة مكتوبه ركعتين إلا العصر والصبح (4) لكن ابن حزم روى في المحلى بإسناده عن شعبه عن أبي جمرة نصر بن عمران الضبعي ، عن ابن عباس قوله : لقد رأيت عمر بن الخطاب يضرب الناس على الصلاة بعد العصر ، ثم قال ابن عباس : صل إن شئت ما بينك وبين أن تغيب.
    قال علي [ وهو ابن حزم ] : هم يقولون في الصاحب يروي الحديث ثم يخالفه : لولا انه كان عنده علم بنسخه ما خالفه ، فيلزمهم أن يقولوا ههنا : لولا أنه كان عند ابن عباس علم أثبت من فعل عمر ما خالف ما كان عليه مع عمر ، وبمثله عن شعبة عن ابن شعيب عن طاووس : سئل ابن عمر عن الركعتين بعد العصر ؟ فرخص فيهما (5).
    وجاء عن علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وآله قوله : لا تصلوا بعد العصر إلا أن
    ____________
    (1) مجمع الزوائد 2 : 322 ـ 323.
    (2) المصنف 2 : 433 وفي هامشه عن كنز العمال.
    (3) الفتح الرباني 2 : 292 ح 187 السنن الكبرى للبيهقي 2 : 451 ـ 457.
    (4) المحلى 2 : 267 والسنن الكبرى للبيهقي 2 : 459 وابي داود في سننه 1 : 492.
    (5) المحلى 2 : 275 ، الفتح الرباني 2 : 296 عن سنن الدار قطني وتاريخ اصبهان لابي نعيم والطبراني وتلخيص الخطيب.

    (175)

    تصلوا والشمس مرتفعة (1).
    وهذان النصان يخالفان ما ثبت عن ابن عباس وعلي ، والمطالع في كتب الفقه والحديث والتاريخ يعلم بأن الاتجاه الفقهي لمدرسة الاجتهاد والرأي كان يسعى لتطبيق ما سن على عهد عمر بن الخطاب.
    ولنأخذ موقف معاوية في حكم الصلاة بعد العصر مثلاً ، كي تتأكد لنا الحقيقة أكثر ، أخرج أحمد في مسنده عن أبي النتاج ، قال : سمعت حمران بن أبان يحدث عن معاوية أنه رأى ناساً يصلون بعد العصر ، فقال : إنكم تصلون صلاة قد صحبنا النبي صلى الله عليه وآله ما رأيناه يصليها ولقد نهى عنها ، يعنى الركعتين بعد العصر (2).
    وأخرج ابن حزم بسنده إلى عبد الله بن الحارث بن نوفل قال : صلى بنا معاوية العصر فرأى ناساً يصلون ، فقال : ما هذه الصلاة ؟ فقالوا : هذه فتيا عبد الله بن الزبير ، فجاء عبد الله بن الزبير مع الناس ، فقال معاوية : ما هذه الفتيا التي تفتي : أن يصلوا بعد العصر ؟ فقال ابن الزبير : حدثتني زوج رسول الله صلى الله عليه وآله أنه صلى بعد العصر.
    فأرسل معاوية إلى عائشة ، فقالت : هذا حديث ميمونة بنت الحارث ، فأرسل إلى ميمونة رسولين ، فقالت : إنما حدثت أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يجهز جيشاً فحبسوه حتى أرهق العصر ، فصلى العصر ثم رجع فصلى ما كان يصلي قبلها ، قالت : وكان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا صلى صلاة أو فعل شيئاً يحب أن يدوم عليه ، فقال ابن الزبير : أليس قد صلى ؟ والله لنصليه !
    قال علي : ظهرت حجة ابن الزبير فلم يجز عليه الاعتراض (3).
    نعم ، إن عائشة كانت قد قالت : ما ترك رسول الله صلى الله عليه وآله السجدتين بعد العصر عندي قط (4).
    ____________
    (1) السنن الكبرى للنسائي 1 : 485 ح 1552.
    (2) مسند أحمد 4 : 100.
    (3) المحلى 2 : 273.
    (4) السنن الكبرى للنسائي 1 : 485 ح 1553 ، وأحمد قد اخرج عن عائشة قولها ان النبي صلى الله عليه وآله نهى عن الصلاة حين تطلع الشمس حتى ترتفع ومن حين تصوب حتى تغيب ، وفي اسناده ابن لهيعه وهو ضعيف ، انظر الفتح الرباني 2 : 299.

    (176)

    وفي آخر : كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا كان عندي بعد العصر صلاهما (1).
    وقد مر عليك إنها قد صححت نظر عمر في الصلاة بعد العصر بقولها : وهم عمر إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وآله أن يتحرّي طلوع الشمس وغروبها (2).
  • وأما بيع أمهات الأولاد فهو الآخر ، من موارد ما نحن فيه ، فقد كان أبو بكر وعمر يسمحان بذلك في خلافتهما ، ولكن ما لبث الخليفة عمر بن الخطاب حتى انتبه إلى أنه محرم فحرم بيعها ، ولأجل هذا نرى نسبه جواز بيعهن ورجوعه عنه إلى علي وابن عباس وجابر (3).
    فقد أخرج القاضي نعمان في دعائم إلاسلام ، عن الباقر أنه ذكر له عن عبيدة السلماني أنه روى عن علي بيع أمهات الأولاد ، فقال الباقر : كذبوا على عبيدة ـ أو كذب عبيدة على علي ـ إنما أراد القوم أن ينسبوا إليه الحكم بالقياس ، ولا يثبت لهم هذا أبداً ، إنما نحن أفراخ علي ، فما حدثناكم به عن علي فهو قوله ، وما أنكرناه فهو افتراء عليه ، ونحن نعلم أن القياس ليس من دين علي وإنما يقيس من لا يعلم الكتاب ولا السنة ، وفلا تضلنكم روايتهم ، فإنهم لا يدعون أن يضلوا ولا ...) (4).
    وقال الشيخ مرتضى الأنصاري ، وهو من كبار علماء الإمامية في كتابه (المكاسب) : وفي بعض الأخبار دلالة على كونه من المنكرات [ أى بيعهن ] في صدر الإسلام ، مثل ما روي عن قول أمير المؤمنين عليه السلام لمن سأله عن بيع أمةٍ أرضعت ولده ، قال له : خذ بيدها وقل من يشتري أمّ ولدي (5) !.
  • وأما مسألة المسح على الخفين فهي الأخرى تشابه ما سبقها ، إذ ثبت عن عمر بن الخطاب أنه كان يمسح على خفيه ويفتي بذلك (6) ، ويأمر به (7) ، وقد كتب إلى
    ____________
    (1) السنن الكبرى للنسائي 1 : 485 ح 1555.
    (2) صحيح البخاري 1 : 152 ، صحيح مسلم 1 : 566 ـ 567 و1 : 571|295 ، مسند أحمد 6 : 124 ، النسائي (المجتبى) 1 : 278 ـ 279.
    (3) السنن الكبرى للنسائي 10 : 342 المحلى 9 : 217 الروض النضير 3 : 601 ، المبسوط 7 : 149.
    (4) دعائم الاسلام 2 : 536 ج 1902 ، مستدرك وسائل الشيعة 17 : 254.
    (5) المكاسب ، للشيخ الانصاري : 175.
    (6) موسوعة فقه عمر بن الخطاب : 870.
    (7) المصنف ، لعبد الرزاق 1 : 197 ح 766.

    (177)

    زيد بن وهب الجهني وهو بأذربيجان كتاباً في ذلك ، وهو يشترط الثلاث للمسافر ولية للمقيم وليلة للمقيم (1).
    وجاء عنه في نص آخر : لا يختلجن في نفس رجل مسلم أن يتوضأ على خفيه وإن كان جاء من الغائط (2) ، وقد بال عمر مرة فمسح على خفيه (3).
    ولذلك ، نسب إلى بعض الصحابة أقوالاً تشابه ما قاله الخليفة ، فممن روي عنهم قولان علي بن أبي طالب وابن عباس وعائشة وابن عمرو (4).
    فقد نسب إلى علي بن أبي طالب أنه مسح على خفيه (5) وقوله : للمسافر ثلاث ليال ويوم وليلة للمقيم (6) ومثله ما نسب إلى ابن عباس (7) وابن مسعود (8) ، وكان عطاء هو الناسب إلى ابن عباس وابن عمر قولهما بجواز المسح (9).
    وقد سئلت عائشة عن المسح على الخفين ، فقالت : سل علي بن أبي طالب فإنه كان يسافر مع رسول الله صلى الله عليه وآله ، فسألنا علياً فقال : للمسافر ثلاث وللمقيم ليلة (10).
    والباحث في الفقه الاسلامي يعلم بان مذهب علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس وعائشة هو عدم جواز المسح على الخفين ؛ لأنه هو الراجح من مذهبهم . إذ
    _______________
    (1) المصنف ، لعبد الرزاق 1 : 206 ح 797 وقد كتب عمر بن عبد العزيز إلى أهل المصيصة ان اخلعوا الخفاف في كل ثلاث ، المصنف لابن ابي شيبة 1 : 193 ح 1879.
    (2) المصنف ، لعبد الرزاق 1 : 195 ح 760 ، و196 ح 763.
    (3) المصنف ، لابن أبي شيبة 1 : 166 ح 1905.
    (4) انظر المحلى 2 : 60 ، المجموع 1 : 477 ـ 478 ، فتح البارى 1 : 245 ، أحكام القرآن ، للجصاص 2 : 250.
    (5) المصنف لابن أبي شيبة 1 : 165 ح 1894.
    (6) المصنف لابن ابي شيبة 1 : 165 ح 1892.
    (7) المصنف ، لعبد الرزاق 1 : 208 ح 802 ، المصنف لابن أبي شيبة 1 : 165 ح 1893 و1911.
    (8) المصنف ، لعبد الرزاق 1 : 207 ح 799 . المصنف لابن أبي شيبة 1 : 164 ح 1883 و1888 و1890.
    (9) المصنف ، لعبد الرزاق 1 : 198 ح 772.
    (10) المصنف ، لعبد الرزاق 1 : 203 ح 788 و789 ، المصنف لابن أبي شيبة 1 : 162 ح 1865 و1866 والحميدي في مسنده من طريق عتبة عن يزيد بن أبي زياد وكنز العمال 5 الرقم 3035.

    (178)

    ثبت عن علي وابن عباس قولهما : سبق الكتاب الخفين (1) ، وجاء عن خصيف : أن مقسم اخبره ان ابن عباس قال : إنا عند عمر حين سأله سعد وابن عمر عن المسح على الخفين ؟
    فقضى عمر لسعد ، فقال ابن عباس : فقلت : يا سعد ، قد علمنا أن النبي صلى الله عليه وآله مسح على خفيه ، ولكن أقبل المائدة أم بعدها ؟ قال : فقال روح [ وهو من رواة السند ] : او بعدها ؟
    قال : لا يخبرك أحد أن النبى صلى الله عليه وآله مسح عليهما بعد ما أنزلت المائدة ، فسكت عمر (2).
    وعن عائشة قولها : لئن أحزهما أو أحز أصابعي بالسكين أحب الي من أن أمسح عليهما (3) ، أو : لأن تقطع قدماي أحب الي من أن أمسح على الخفين ، أو : لإن أمسح على جلد حمار أحب إلي من أن أمسح على الخفين (4).
    وقد انزعج الخليفة عمر بن الخطاب من قول عائشة هذا فقال : لا تأخذوا بقول امرأة (5).
    فهذه النصوص صريحة بأن مذهب عائشة وعلي وابن عباس هو عدم جواز المسح على الخفين ، وإما ما جاء عنهم في جواز المسح فهو مما وضع لتأيد مذهب الخليفة عمر بن الخطاب ، وعليه فلا يمكن الركون إلى هذه الأخبار بسهولة ، لمخالفة هؤلاء الصحابة للخليفة في فهمه ونقله !!
    وواضح أن أتباع الاتجاه المقابل قد أتوا بهذه الأخبار تصحيحاً لمسارهم ، ولكي
    _______________
    (1) مصنف بن أبي شيبة 1 : 169 ح 1946 (قول علي) وفي 1947 ، 1949 قول ابن عباس وانظر عن ابن عباس في زوائد الهيثمي 1 : 256 قال : رواه الطبراني في الاوسط ، انظر الطبراني (1140) وجامع المسانيد 32 : 266 وج 30 : 245 عن الطبراني (12237).
    (2) رواه الامام أحمد في مسند . (3462) واسناده صحيح ، وقال المزين : رواه ابو داود في الطهارة ، وليس موجوداً ، ونقل الهيثمي في مجمع الزوائد (1 : 256) نحو هذا عن ابن عباس ، ونسبه للطبراني في الاوسط ، كما في هامش جامع المسانيد والسنن لابن كثير 32 : 6 ـ 4.
    (3) مصنف بن أبي شيبة 1 : 170 ح 1953.
    (4) التفسير الكبير ، للرازي 11 : 163.
    (5) مسند زيد بشرح الروض.

    (179)

    يشككوا الناس في المنقول عن المتعبدين ، ثم تصحيح ما ذهب اليه عمر بن الخطاب ، وهذه حقيقة لا تخفى على البصير بملابسات التشريع الإسلامي ، وجذور الاختلاف بين المسلمين.
    ولو تدبرت في موقف آخر من هذه المواقف ، وهو نسبة المسح على الخفين إلى أئمة الطالبين كمحمد الباقر وزيد بن علي بن الحسين و .... لعرفت صحة مدعانا ، لأن الثابت عن فقه هؤلاء هو عكس المطروح عنهم في مرويات اتباع الاجتهاد.
    فقد جاء في مسند الامام زيد بن علي عن أبيه ، عن جده الحسين بن علي رضي الله عنهما قوله : إنا ولد فاطمة (رضي الله عنها) لا نمسح على الخفين ولا العمامة ولا كمة ولا خمار ولا جهاز (1).
    وقد مر عليك ما جاء في تفسير العياشي اعتراض الإمام علي على الخليفة عمر بن الخطاب لتجويزه المسح على الخفين وقوله له : لِمَ تفتي وأنت لا تدري ؟! سبق الكتاب الخفين (2).
    مر مثله ما جاء في قول ابن عباس لعمر : لا يخبرك أحد أن النبي صلى الله عليه وآله مسح عليهما بعد ما انزلت المائده ، فسكت عمر.
    وقد أخرج أبو الفرج الاصبهاني في مقاتل الطالبيين أخبار بعض المندسين في صفوف يحيى بن عبد الله بن الحسن ، فقال :
    ... صحبه جماعة من أهل الكوفة ، فيهم ابن الحسن بن صالح بن حي ... كان يذهب مذهب الزيدية البترية في تفضيل أبي بكر وعمر وعثمان في ست سنين من إمارته ، وإلى القول بكفره في باقي عمره ، يشرب النبيذ ، ويمسح على الخفين ، وكان يخالف يحيى في أمره ، ويفسد أصحابه.
    قال يحيى بن عبد الله : فأذن المؤذن يوماً ، وتشاغلت بطهوري وأقيمت الصلاة ، فلم ينتظرني وصلى بأصحابي ، فخرجت ، فلما رأيته يصلي ، قمت أصلي ناحية ، ولم أصل معه ، لعلمي أنه يمسح على









    _______________
    (1) مسند الامام زيد : 74.
    (2) تفسير العياشي 1 : 297|46 وقد مر في مدخل الدراسة كذلك.

    (180)

    الخفين ، فلما صلى ، قال لأصحابه : علام نقتل أنفسنا مع رجل لا يرى الصلاة معنا ونحن عنده في حال من لا يرضى مذهبه (1).



    وروى ابن مصقلة عن الإمام الباقر عليه السلام ، أنه قال : فقلت : ما تقول في المسح على الخفين ؟
    فقال : كان عمر يراه ثلاثاً للمسافر ، ويوماً وليلة للمقيم ، وكان أبي لا يراه في سفر ولا حضر.
    فلما خرجت من عنده ، وقفت على عتبة الباب ، فقال لي : أقبل ، فأقبلت عليه ، فقال : إن القوم كانوا يقولون برأيهم فيخطؤون ويصيبون وكان أبي لا يقول برأيه (2).
    وعن حبابة الوالبية ، عن أمير المؤمنين عليه السلام ، قالت : سمعته يقول : إنا اهل بيت لا نمسح على الخفين ، فمن كان من شيعتنا فليقتد بنا وليستن بسنتنا ، فإنها سنة رسول الله صلى الله عليه وآله (3).
    وقال قيس بن الربيع ، سألت أبا اسحاق عن المسح على الخفين ، فقال : أدركت الناس يمسحون حتى لقيت رجلاً من بني هاشم ، لم أر مثله قط ، محمد بن علي ابن الحسين ، فسألته عنها ، فنهاني عنه ، وقال : لم يكن علي أمير المؤمنين يسمح على الخفين ، وكان يقول : سبق الكتاب المسح على الخفين ، قال : فما مسحت منذ نهاني عنه (4).
    وفي الانساب للسمعاني : إن أبا جعفر الموسائي ـ نسبة إلى موسى بن جعفر ـ يقول : إنا أهل بيت لا تقية عندنا في ثلاثة أشياء : كثرة الصلاة ، وزيارة قبور الموتى ، وترك المسح على الخفين (5).
    وقبله جاء عن جعفر بن محمد الصادق ـ كما في التهذيب والإستبصار ـ قوله :
    _______________
    (1) مقاتل الطالبيين : 468.
    (2) التهذيب 1 : 361|1089 ، الوسائل 1 : 459 أبواب الوضوء ب 38 ح 10.
    (3) الفقيه 4 : 298|898 ، الوسائل 1 : 460 أبواب الوضوء ب 38 ح 12.
    (4) ارشاد المفيد 2 : 161 ، الوسائل 1 : 462 أبواب الوضوء ب 38 ح 20.
    (5) الانساب للسمعاني 5 : 405.

    (181)

    (لا أتقي من ثلاث ..) وعد منها المسح على الخفين (1).
    فمدرسة الاجتهاد والرأى قد نسبت إلى الطالبين جواز المسح على الخفين ، وأنت ترى عدم تطابقه مع المنقول عنهم في صحاح مروياتهم والثابت من سيرتهم لحد هذا اليوم ، وبعد هذا أرجوا من المطالع أن يحكم بنفسه بقرب أي النقلين إلى علي وابن عباس وبعد الاخر عنهما ، وهل حقا أنهما كانا يذهبان إلى المسح على الخفين وحرمة المتعة والصلاة بعد العصر و ... أم لا ؟!! وسيأتيك مناقشة اخبار المسح على الخفين سنداً ودلالة في المجلدات القادمة باذن الله تعالى.
  • وبعد هذا انتقل بالقارئ إلى مسألة أخرى من مسائل التشريع الإسلامي والتي كان للخليفة الثاني فيها رأي ، وهي : عدد التكبيرات على الميت :
    فعن أبي وائل قال : كانوا يكبرون على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله سبعاً وخمساً وستاً ، أو قال : أربعاً ، فجمع عمر بن الخطاب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ، فأخبر كل رجل بما رأى ، فجمعهم عمر على أربع تكبيرات كأطول الصلاة (2).
    وعن سعيد بن المسيب : كان التكبير أربعاً وخمساً ، فجمع عمر الناس على أربع تكبيرات على الجنازة (3).
    وقال ابن حزم في المحلى : احتج من منع أكثر من أربع بخبر رويناه من طريق وكيع عن سفيان الثوري ، عن عامر بن شقيق ، عن أبي وائل ، قال : جمع عمر بن الخطاب الناس فاستشارهم بالتكبير على الجنازة ، فقالوا : كبر النبي صلى الله عليه وآله سبعاً وخمساً وأربعاً ، فجمعهم عمر على أربع تكبيرات (4).
    وقد قال الترمذي ، بعد أن روى حديثاً عن أبي هريرة في أن النبي صلى الله عليه وآله صلى على النجاشي أربعاً ، في باب ما جاء في التكبير على الجنازة : وفي الباب عن ابن عباس وابن أبي أوفى ... (5)
    _______________
    (1) الكافي 3 : 32|ح 2 ، التهذيب 1 : 362|ح 1093 ، الاستبصار 1 : 76|ح 237.
    (2) فتح الباري 3 : 157.
    (3) السنن الكبرى للبيهقي 4 : 37 ، فتح الباري 3 : 157 ، ارشاد الساري 2 : 417 ، عمدة القاري 4 : 129 .
    (4) المحلى ، لابن حزم 5 ـ 6 : 124.
    (5) سنن الترمذي 2 : 243.