هـ ـ ما رواه عمرو بن يحيى عن أبيه عن عبد الله
ابن زيد الذي اُري النداء

الإسناد
قال النسائي : اخبرنا محمد بن منصور ، قال : حدثنا سفيان عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن عبد الله بن زيد الذي ـ اُري النداء ـ قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله توضأ فغسل وجهه ثلاثاً ويديه مرّتين وغسل رجليه مرّتين ومسح برأسه مرّتين (1)

المناقشة
إنّ رجال هذه الإسناد قد عرفت حالهم سابقاً سوى محمد بن المنصور ، وهو مردد بين الخزاعي (2) والطوسي (3) ، والترديد بينهما لا يضر لكون كل منهما ثقة.
و كذا قد عرفت أنّ هذا الإسناد مخدوش بعمرو بن يحيى وبالاضطراب السندي والمتني الذي يعرف من مجموع ما روى عنه في الوضوء.

و ـ ما رواه عمرو بن يحيى عن أبيه ، قال :
كان عمي...

الإسناد
قال البخاري : حدثنا خالد بن مخلد ، قال : حدثنا سليمان ، قال : حدثني

____________
(1) سنن النسائي 1 : 72.
(2) انظر تهذيب الكمال 26 : 497.
(3) انظر تهذيب الكمال 26 : 499.

(388)

عمرو بن يحيى عن أبيه ، قال : كان عمّي يكثر من الوضوء ، قال : لعبد الله بن زيد أخبرني كيف رأيت النبيّ صلى الله عليه وآله يتوضأ ؟
فدعا بتور من ماء فكفأ على يديه فغسلهما ثلاث مرات ، ثمّ أدخل يده في التور فمضمض واستنثر ثلاث مرات من غرفة واحدة ، ثمّ ادخل يده فاغترف بها ، فغسل وجهه ثلاث مرات ، ثمّ غسل يديه إلى المرفقين مرّتين مرّتين ثمّ اخذ بيده ماء فمسح رأسه فأدبر واقبل ثمّ غسل رجليه ، فقال : هكذا رأيت النبيّ صلى الله عليه وآله يتوضأ (1) .

المناقشة
يخدش هذا الطريق من عدة جهات
الاول : من جهة الاضطراب.
الثانية : من جهة عمرو بن يحيى.
الثالثة : من جهة خالد بن مخلد الذي وردت فيه تجريحات وتلينات كثيرة (2) .
الرابعة : من جهة سليمان بن بلال ـ على ما مر عليك في الإسناد الأول لمرويات ابن عباس الغسلية.

ز ـ ما رواه حبان بن واسع
أن اباه حدّثه أنه سمع عبد الله...

الإسناد
قال مسلم : حدثنا هارون بن معروف (3) ح ، وحدثني هارون بن سعيد (4)

____________
(1) صحيح البخاري 1 : 61.
(2) انظر مناقشة الأسانيد الثلاث الأول لما رواه عمرو بن يحيى عن أبيه عن عبد الله بن زيد.
(3) هو المروزي ، ابو على الخزاز ، الضرير ، روى له البخاري ومسلم وابو داود (انظر تهذيب الكمال 30 : 107 ، سير أعلام النبلاء 11 : 129 ، تهذيب التهذيب 11 : 11) وغيرها من المصادر.
(4) السعدي ، ابو جعفر الأيلي ، روى له مسلم وابو داود والنسائي وابن ماجة(انظر تهذيب الكمال 30 : 90 ، تهذيب التهذيب 11 : 7 ، الجمع لابن القيسراني 2 : 552) وغيرها من المصادر.

(389)

الايلي وابو الطاهر (1) ، قالوا : حّدثنا ابن وهب (2) ، أخبرني عمرو بن الحارث (3) : أنّ حبان بن واسع (4) حدثه أنّ أباه (5) حدثه أنّه سمع عبد الله بن زيد بن عاصم يذكر أنّه رأى رسول الله صلى الله عليه وآله توضأ فمضمض ثمّ استنثر ثمّ غسل وجهه ثلاثاً ويده اليمنى ثلاثاً والأخرى ثلاثاً ومسح برأسه بماء غير فضل يده وغسل رجليه حتى أنقاهما (6) .

المناقشة
في هذا الإسناد جمع من الرجال لم نذكرهم آنفاً وإليك حالهم :
فأما هارون بن معروف ، فثقة على ما هو صريح ابن معين (7) والعجلي وأبي زرعة (8) وأبي حاتم وصالح بن محمد البغدادي (9) وغيرهم.
قال عبد الرحمن بن أبي حاتم : سمع منه أبي ببغداد سنة خمس عشرة ومئتين بعد ما عمى (10) .
وأما هارون بن سعيد الايلي ، فقد وثقه ابو حاتم (11) والنسائي (12) وابن حبان
____________
(1) هو أحمد بن عمرو بن عبد الله القريشي ، أبو طاهر الأموي ، روى له مسلم وابو داود والنسائي وابن ماجة (انظر تهذيب الكمال 1 : 415 ، تهذيب التهذيب 1 : 64) وغيرها من المصادر.
(2) هو عبد الله بن وهب القرشي ، روى له الجماعة (انظر تهذيب الكمال 16 : 277) وقد مرت ترجمته.
(3) الأنصاري ، أبو أمية المصري ، روى له الجماعة (انظر تهذيب الكمال 21 : 570 ، سير أعلام النبلاء 6 : 249 ، تهذيب الكمال 8 : 14) وغيرها من المصادر.
(4) هو الأنصاري المدني ، روى له مسلم وابو داود والترمذي ، حديث الوضوء هذا لا غير (انظر تهذيب الكمال 5 : 330 ، التاريخ الكبير للبخاري 3 الترجمة 380 ، الجرح والتعديل 3 الترجمة 1321).
(5) هو واسع بن حبان الأنصاري ، روى له الجماعة (انظر تهذيب الكمال 30 : 396 ، تهذيب التهذيب 11 : 102).
(6) صحيح مسلم (بشرح النووي) 3 ـ 4 : 126 ، سنن أبي داود 1 : 30|120 ، سنن الترمذي 1 : 27|35.
(7) تهذيب الكمال 30 : 108 ، تاريخ بغداد 14 : 15.
(8) الجرح والتعديل 9 الترجمة 398.
(9) تاريخ بغداد 14 : 15.
(10) الجرح والتعديل 9 الترجمة 398 ، تهذيب الكمال 30 : 109.
(11) الجرح والتعديل 9 الترجمة 377.
(12) تهذيب الكمال 30 : 91.

(390)

حيث ذكره في كتاب الثقات (1) .
وأما ابو طاهر ، فهو ثقة على ما هو صريح النسائي (2) وغيره إلاّ أن علي بن الحسن بن خلف بن قدير قال عنه أنه لا يحفظ (3) .
وأما عبد الله بن وهب فهو مما يتأمل في سلامة مروياته ، فهو وإن وثقه ابن معين في رواية ابن أبي خيثمة عنه (4) وابو زرعة (5) إلاّ أن الباقين وإن كانوا عدّلوه الاّ أنهم لم يوثقوه ، فقد قال ابو حاتم : صالح الحديث ، صدوق (6) .
وقد قلنا بأنّ وصف الراوي بـ (صالح الحديث) أو (صدوق) وما يماثله يشعر بعدم شريطه ضبطه ويخرج روايته من كونها صحيحة إلى حسنه ، فلا يمكن الاحتجاج بها من دون الاعتبار.
وأما ما قاله ابو طالب عن أحمد بن حنبل :
« عبد الله بن وهب صحيح الحديث ، يَفصِلُ السماع عن العرض ، والحديث عن الحديث ، ما اصح حديثه واثبته ، قيل له : اليس كان يسيء الأخذ ؟ قال : قد يسيء الاخذ ، ولكن إذا نظرت في حديثه ، وما روى عن مشايخه ، وجدته صحيحاً » (7) .




فلا أدري كيف يصح الحديث عنه مع أنه كان يسيء الاخذ ؟! هذا لا يكون ؟!
وأما ما قاله الدارمي عن يحيى بن معين « أرجو أن يكون صدوقاً » (8) فيعارضه ما ورد عن ابن معين ـ على ما رواه ابن أبي خيثمة عنه ـ في توثيقه !!
والذي نميل إليه هو التشكيك فيما رواه ابن ابي خيثمة عنه في توثيقه ؛ لما رواه ابن عدي في الكامل حيث قال : حدثنا ابراهيم بن عبد الله بن أيوب المخرمي ، عن ابيه ، قال : كنت عند سفيان وعنده ابن معين ، فجاءه ابن وهب بجزء ، فقال : يا ابا محمد : أحدث بما فيه عندك ؟ فقال له ابن معين : يا شيخ ، هذا والريح بمنزلة ، ادفع إليه حتى
____________
(1) الثقات ، لابن حبان 9 : 240.
(2) انظر تهذيب الكمال 1 : 416.
(3) تهذيب الكمال 1 : 417.
(4) تهذيب الكمال 16 : 283.
(5 ـ 7) الجرح والتعديل 5 الترجمة 879.
(8) هامش تهذيب الكمال 16 : 283.

(391)

ينظر فيه حديثه (1) .
نعم يمكن أن يقال : لا تنافي بين توثيق ابن معين وبين قوله (أرجو أن يكون صدوقاً) لأنّه وثقه لكونه ثقة في نفسه ، وهذا لا ينافي كونه غير متقن في الرواية وفي الاخذ عن المشايخ ! ويدل على هذا شهادة ابن معين نفسه بقوله : سمعت عبد الله بن وهب ، قال لسفيان بن عيينة : يا ابا محمد الذي عرض عليك امس فلان اجزها ، فقال : نعم (2) .
وقال الدوري ، قال يحيى : رأيت عبد الله بن وهب يعرض له على سفيان بن عيينة وهو قاعد ينعس ـ أو قال يحيى : وهو نائم ـ قلت ليحيى : إنهم يقولون : إن عبد الله بن وهب قال لسفيان بن عيينة : السماع الذي كان أول من أمس أجزه لي ؟ فقال يحيى : انا سمعته يقول لسفيان ـ يعنى هذا (3) .
وكيفما كان فالاحتجاج بعبد الله بن وهب مع كونه « يسيء الاخذ » مشكل جداً.
وأما عمرو بن الحارث ، فقد وثقه يحيى بن معين (4) وابو زرعة (5) والعجلي (6) والنسائي (7) وهذا التوثيق حكاه إسحاق بن منصور عنهم ، فيجب التوقف في نقله لأنّه ـ اي عمرو بن الحارث ـ قد صنع حراماً يوجب تلبسه بالفسق وخروجه عن دائرة المتقين وسبحانه يقول (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) فقد قال يحيى بن بكير عن الليث بن سعد : كنت أرى عمرو بن الحارث عليه اثواب بدينار قيمصة وردائه وازاره ، ثمّ لم تمض الايام والليالي حتى رأيته يجر الوشي والخز فانا لله وانا إليه راجعون (8).
ذكر عباس الدوري عن يحيى بن معين انه قال : كان [ عمرو بن الحارث ] يعلم ولد صالح بن علي الهاشمي ، وكان سيء الحال ، فلما علمهم وحسن حاله صار يلبس الوشي
____________
(1) الكامل في الضعفاء 4 : 202.
(2) هامش تهذيب الكمال 16 : 283.
(3) تهذيب الكمال 16 : 283.
(4 ـ 5) تهذيب الكمال 14 : 21 : 573 ، الجرح والتعديل 6 الترجمة 1252.
(6) تهذيب الكمال 21 : 573 عن الثقات للعجلي الورقة 41.
(7) تهذيب الكمال 21 : 573.
(8) تهذيب الكمال 21 : 575.

(392)

والخز (1) .
ولبس الخز منهى عنه لحديث علي : أنه نهى عن مركوب الخز والجلوس عليه.
وابن الاثير قد اباح لبسه لعمل الصحابة ولبسهم له فقال : الخز المعروف اولاً : ثياب تنسج من صوف وابريسم ، وهي مباحة ، وقد لبسها الصحابة والتابعون فيكون النهي عنها لاجل التشبه بالعجم وزي المترفين (2) .
وانت ترى غلبة التعصب في كلام ابن الاثير وخروجه عن الضوابط القرآنية والمعايير العلمية وتقديسه للسلف دون أي دليل وبرهان ، فهو يعتقد بعدم عصمة الصحابي والتابعي لكنه في الحال نفسه يتعامل معهم كانهم معصومون وهو يراهم قد عصوا رسول الله صلى الله عليه وآله بلبسهم الخز ، فيسعى لتأويل فعلهم ويجعله حاكماً على السنة ، فتراه يحتج بلبسهم للخز على جواز ، لبسه مع ثبوت النهي الشرعي عن رسول الله صلى الله عليه وآله فيه.
فانه وبعد تفصيله للخز إلى انواع قال : (وإن اريد بالخز النوع الآخر ، وهو المعروف الان فهو حرام لأنّ جميعه معمول من الابريسم وعليه يحمل الحديث الاخر (قوم يستحلون الخز والحرير...) (3) .
وعلى أي حال فالخز منهى عنه ـ على ما هو صريح ابن الاثير ـ وعلى ما هو ظاهر استرجاع الامام الليث بن سعد ؛ لأنّ الاسترجاع لا داعي له لو جاز لبس الخز ، فالاسترجاع إذاً علته ثبوت النهي عند الليث.
اذا عرفت ذلك فاعلم أنّ العصيان يوجب الفسق ويخرج الفرد من العدالة ولايمكن تصحيح حاله بالوجوه المذكورة ، وعليه فالاحتجاج بامثال عمرو بن الحارث من اشكل المشكلات.
وأما حبان بن واسع ، فهو مجهول الحال ولم يذكره أحد بتوثيق أو تضعيف ، اللهم إلاّ ما كان من ابن حبان ، فانه أورده في كتاب الثقات (4) .
____________
(1) تهذيب الكمال 21 : 575 عن تاريخ الدويري 44112.
(2) النهاية ، لابن الاثير 2 : 28.
(3) النهاية ، لابن الاثير 2 : 28 وانظر جامع الاصول ، لابن الاثير 10 : 682.
(4) الثقات لابن حبان 6 : 244.

(393)

وتفرد بن حبان بايراده له في كتابه الثقات لا يعني شيئاً لأنّ جل العلماء إن لم نقل كلهم يتوقفون في توثيقاته التي تفرد بها ، وذلك لما عرف من تساهله في هذا الامر ، ولاشتمال كتابه على من لا يعرفهم هو نفسه.
وليست لحبان بن واسع رواية في الكتب الستة غير هذه ، رواها عنه مسلم والترمذي وابو داود وهو يؤكد جهالة حاله من حيث التوثيق والتضعيف.
وأما واسع بن حبان ، فقد وثقه ابو زرعة وذكره ابن حبان في ثقاته.
والحاصل : فان الاعتماد على هذا الطريق مشكل جداً لجهالة حال حبان بن واسع ولانّ عمرو بن الحارث قد أتى بما يوجب عدم وثاقته ، وعليه فهذا الطريق مما يتوقف فيه.

الخلاصة
تقدم الكلام في حبان بن واسع ـ أحد رواة الوضوء عن عبد الله بن زيد ابن عاصم ـ وقد عرفت جهالة حاله ، وإنَّ ذِكْرَ ابنِ حبّان له في (الثقات) ليس بذي أهمية ؛ لكونه قد جاء بكثير من المجاهيل ومن ليسوا بأهل للاحتجاج في ثقاته ، ولو تصفحت الكتب الستة لعرفت أنهم لم يخرّجوا له حديثاً غير هذا ؛ الّذي تفرّد عنه عمرو بن الحارث ، نعم روى ابنُ لهيعة عنه في سند الترمذي ، وهو الآخر ضعيف وممّن لم يحتجَّ به.
بقي الإشارة إلى الطرق الأخرى الّتي رواها عمرو بن يحيى عن أبيه ، وهذه الأسانيد مختلف فيها : فتارة نرى يحيى بن عمارة (أب عمرو بن يحيى) يجعل نفسه السائل عن عبد الله بن زيد ، وأُخرى يصف لنا وضوء عبد الله دون سؤاله إيّاه ، وثالثاً يجعل عمرو بن أبي حسن السائل ، ورابعاً يجعله (رجل منهم) ، وخامساً يقول : قيل له ، وسادساً يكون حاكياً لوضوء عبد الله بن زيد بن عبد ربه ـ الذي أُري النداء ـ لا عبد الله بن زيد بن عاصم .
والواضح أن اختلاف النقل عنه بهذا الحدّ يسقط روايته عن الحجيّة ، وخصوصاً لو رأينا عمرو بن يحيى هو المنفرد في النقل عن أبيه ، وإليك تفصيل صور المسألة.


(394)

1 ـ روى عمرو بن يحيى ، عن أبيه : أنّ رجلاً قال لعبد الله بن زيد بن عاصم : هل تستطيع أن تريني كيف كان رسول الله صلى الله عليه وآله يتوضأ ؟ كما في الإسناد الأول والثاني والثالث من (أ).
وأخرى روى عمرو بن يحيى ، عن أبيه ، قوله : شهدت عمرو بن أبي حسن سأل عبد الله بن زيد بن عاصم عن وضوء النبيّ صلى الله عليه وآله ، فدعا بتور من ماء فتوضّأ... ، كما في الإسناد الأول والثاني من (ب).
وثالثاً : روى عمرو بن يحيى ، عن أبيه ، أنه سمع جدّه ابا حسن سأل عبد الله ابن زيد بن عاصم ـ وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ـ : هل تستطيع أن تريني كيف كان رسول الله صلى الله عليه وآله يتوضأ ؟ كما في الإسناد الثالث من (ب) والرابع من (د) الطريق الثاني.
ورابعاً : روى عمرو بن يحيى ، عن أبيه ، عن عبد الله بن زيد ، وأنه أفرغ على يديه فغسلهما ، ثمّ غسل... ، كما في الإسناد الأول والثالث والخامس من (جـ)
وخامساً : روى عمرو بن يحيى عن أبيه ، قال : أتى رسول الله صلى الله عليه وآله فأخرجنا له ماء في كوز من صفر ، فغسل... ، كما في السند الثاني والرابع من (جـ).
وسادساً : روى عمرو بن يحيى ، عن أبيه ، عن عبد الله بن زيد بن عاصم ـ وكانت له صحبة ـ قال : قيل له : توضّأ لنا وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله ، فدعا بإناء ، وفي آخر : هل تستطيع أن تريني كيف كان رسول الله صلى الله عليه وآله يتوضّأ ؟
فنتساءل الآن : لو كان جدّ عمرو بن يحيى هو الّذي سأل عبد الله أن يصف له وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله فلماذا يبهمه في الإسناد الآخر بقوله : أنّ رجلاً قال لعبد الله : هل تستطيع أن تريني كيف كان رسول الله صلى الله عليه وآله يتوضأ ؟ وفي آخر : قيل له : توضّأ لنا وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله !!
وهل أنّ عبد الله بن زيد قد توضّأ ابتداءاً ؛ لقوله : « أفرغ على يديه فغسلهما ».
أم أنه توضّأ استجابةً لطلبهم منه « توضّأ لنا وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله » و « هل تستطيع أن تريني كيف كان وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله ».
أم أنه لم يتوضّأ ، بل حكى لهم وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله بقوله أتى رسول الله صلى الله عليه وآله فأخرجنا له ماء من كوز من صفر ، فتوضّأ ، فغسل... ».


(395)

وإلى من يرجع ضمير « وهو جدّ عمرو بن يحيى » هل إلى عبد الله بن زيد ابن عاصم ؟ أم إلى عمرو بن أبي حسن ؟
نحن بقرينة « وكان من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وآله » نفهم رجوعه إلى عبد الله بن زيد لا إلى الرجل المبهم وعمرو بن أبي حسن ، إذ لا يعقل أن يسأَلَ رجلٌ صحابيٌّ ! عن وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله والوضوء من القربات الإلهية والّتي لا يمكن أن تخفى على أحد.
نعم ، أرجع البعض الضمير إلى عمرو بن أبي حسن ، لكنّه ترجيح بلا مرجّح ودعوى بلا دليل ، وتفصيله قد يخرجنا عمّا نحن بصدده من بيان وجوه الاضطراب في هذه الأسانيد ، وإنّ تضعيف ابن معين لعمرو بن يحيى جاء لسوء ضبطه لا لكذبه ، أي أنّ تضعيفه كان مفسّراً بسوء الضبط وقد مر عليك أن ابنّ المديني والدارقطني قد اسقطا الاعتماد على ما يرويه على ما هو الظاهر منهما ، ومعه لا يمكن الأخذ بالتوثيق فيلزم البحث عما يصححه من تابع أو شاهد. وإذا لم يكونا فتسقط رواياته من الحجية.
هذا ، وإنّا لا يمكننا عزو الاضطراب والإيهام إلى الرواة عن عمرو بن يحيى ، لأنّهم وإن اختلفوا في رواية هذه النصوص إلاّ أن جميعهم أو أكثرهم ثقات أثبات فعلى هذا فلا يتصور الاضطراب عنهم ، والرواة عن عمرو بن يحيى ، هم :
1ـ خالد بن عبد الله الواسطي
2ـ عبد العزيز بن سلمة الماجشون
3ـ سفيان بن عيينة
4ـ سليمان بن بلال
5 ـ وهيب بن خالد الباهلي
6ـ مالك بن أنس ـ إمام المذهب المالكي ـ
فقد روى خالد بن عبد الله ، عن عمرو بن يحيى ، عن أبيه : أنّ الناس طلبوا من عبد الله أن يتوضّأ لهم وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله ، فأفرغ على يديه فغسلهما ، ثمّ قال : هكذا وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله (الإسناد الأول والثالث والخامس من « ج »).
وفي رواية عبد العزيز بن أبي سلمة ، عن عمرو بن يحيى ، عن أبيه ، عن عبد الله أنه قال : أتى رسول الله صلى الله عليه وآله فاخرجنا له ماء في كوز من صفر فتوضأ... (الإسناد


(396)

الثاني من « جـ »).
وفي رواية سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن يحيى ، عن أبيه ، عن عبد الله بن زيد : أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله توضّأ فغسل وجهه... (الإسناد الرابع من « جـ »)
وفي إسناد النسائي ، عن ابن عيينة إدراج كلمة (الذي أري النداء) بعد عبد الله : « سفيان ، عن عمرو بن يحيى ، عن أبيه عن عبد الله الذي أري النداء » ، وفيه : رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله توضّأ فغسل وجهه...
وفي رواية سليمان بن بلال ، عن عمرو بن يحيى ، عن أبيه ، قال : كان عمّي يكثر من الوضوء ، قال لعبد الله : أخبرني كيف رأيت النبيّ صلى الله عليه وآله توضأ ؟ فدعا... « الإسناد من (و) ».
وفي رواية وهيب ، عن عمرو بن يحيى ، عن أبيه : شهدت عمرو بن أبي حسن سأل عبد الله بن عاصم عن وضوء النبيّ صلى الله عليه وآله (الإسناد الأول والثاني من « ب »).
وتختص روايات مالك بالنصوص المختلفة عن عمرو بن يحيى ، عن أبيه ، فتارة يبهمه بـ (أنّ رجلاً) ، وأخرى يصرح بأنه (عمرو بن أبي حسن) ، وفي رواية سحنون عن عبد الرحمن بن القاسم عن مالك عن عمرو بن يحيى عن أبيه (أنه سمع جده يسأل عبد الله).
وجاء في (فتح المالك بتبويب التمهيد لابن عبد البر على موطّأ الإمام مالك) وبعد ذكره حديث مالك عن عمرو بن يحيى ، عن أبيه ، قوله :
لم يختلف على مالك في إسناد هذا الحديث ولا في لفظه ، إلاّ أن ابن وهب روى ـ في موطئه عن مالك ، عن عمرو بن يحيى بن عمارة ، عن أبيه ، عن عبد الله بن زيد بن عاصم ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله فذكر معنى ما في الموطّأ مختصراً ، ولم يقل : وهو جدّ عمرو بن يحيى.
وذكره سحنون في المدوّنة عن مالك ، عن عمرو بن يحيى ابن عمارة بن أبي حسن ، عن أبيه يحيى : أنه سمع جدّه ابا حسن يسأل عبد الله بن زيد بن عاصم ، ولم يقل « وهو جد عمرو بن يحيى » ولا ذكر عمّن رواه عن مالك. وقال أحمد بن خالد : لا نعرف هذه الرواية عن مالك ، إلاّ أن تكون لعليّ بن زياد ؛ وليس هذا الحديث









(397)

في نسخة القعنبي ، فإما أسقطه ، وإما سقط له ؛ ولم يقل أحد من رواة هذا الحديث في عبد الله بن زيد بن عاصم « وهو جد عمرو بن يحيى » إلاّ مالك وحده ، ولم يتابعه عليه أحد ، فإن كان جدّه ، فعسى أن يكون جدّه لأمّه.
وممّن رواه عن عمرو بن يحيى : سليمان بن بلال ، ووهب ، وابن عيينة ، وخالد الواسطي ، وعبد العزيز بن أبي سلمة ، وغيرهم ، ولم يقل فيه أحد منهم : وهو جّد عمرو بن يحيى ، وقد نسبنا عمرو بن يحيى بما لا اختلاف فيه (1) .







وهذا أوّل الكلام والبحث لا ينتهي عنده ، والسؤال المطروح الآن : من هو الراوي الأخير عن رسول الله ؟ أهو عمر بن أبي حسن ، أم... ؟
وإلى من يرجع ضمير « وهو جدّ عمرو بن يحيى » في نصّ البخاري والبغوي وغيرهم ، هل إلى عبد الله بن زيد ؟ أم إلى الرجل المبهم ، أم إلى عمر بن أبي الحسن ؟
وهل الواقعة كانت حكاية من عبد الله لصفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله ابتداءاً ، أم أنه توضّأ ثمّ نسب فعله إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ إلى غيرها من التساؤلات التي تثبت الاضطراب وترشدنا إلى أنّ تضعيف ابن معين وابن المديني والدارقطني لعمرو بن يحيى كان في محلّه جداً ؛ إذ كيف يختلف راوٍ في نقله عن أبيه إلى هذا الحدّ.
نعم ، هو ثقة في نفسه ـ كما هو صريح غير واحد ، كما قدمنا إليك ـ لكنّ الوثاقة شيء والاحتجاج بما يقوله شيء آخر ، هذا من جهة. ومن جهة أخرى ، فإن الاضطراب فيما رواه عمرو بن يحيى ، مستقر الأطراف ، فلا يمكن ترجيح وجه من وجوه الاضطراب على الآخر ، فغالب الأسانيد متّصلة صحيحة إليه ، وخصوصاً بعدما عرفت جهالة عمرو بن أبي حسن ، وعدم ثبوت كونه من الصحابة أو التصريح بجهالة رجل فيه ؛ لقوله « إنّ رجلاً سأل عبد الله... » في نصّ آخر. ولو ثبت وجود رجل مجهول في السند فسيكون حكمه حكم المنقطع ولا يمكن الاحتجاج به.
والإسناد المضطرب كما تعرف هو ممّا لا يمكن الاحتجاج به ـ إذا لم يترجح أحد
____________
(1) فتح المالك 1 : 233 ـ 234.

(398)

الوجوه فيه على الأخرى ـ على ما هو صريح ابن الصلاح (1) والعراقي (2) والطيبي (3) والنووي (4) والسيوطي (5) وفحوى كلام ابن كثير (6) وغيرهم (7) وقد أكّد العراقي على هذا في منظومته حيث قال :

مضطـرب الحديث مـا قـد وردا * مختلفاً من واحــد فـأزيـــدا
في متـنٍ أو في سندٍ إِن اتَّضَــحْ * فيه تساوي الخلف ، أما إن رجـح
بعض الوجـوه ، لم يكن مضطربا * والحكم للراجـح منهــا وجبــا
كمخـط للستـرة جـم الخُلــفِ * والاضطراب موجـب للضعف (8)

ولا يمكن لأحد فيما نحن فيه نفي وجود الاضطراب في أخبار عمرو بن يحيى عن أبيه بدعوى رجحان بعض الوجوه على الأخرى ، وأن الرجل المجهول في الأسانيد الثلاث الأُول قد عُرف ؛ وهو عمرو بن أبي حسن ، لأمور :
الأولى : إنّ هذا مجرّد دعوى لبعض الأعلام لم يقم عليها دليل.
الثانية : إنّ عمرو بن أبي حسن هو الآخر مجهول الحال ، ولم يذكره أصحاب الرجال والتراجم إلاّ ابن حجر ؛ إذ أورده في الإصابة ، وكان مستنده قول أبي موسى سعيد بن يعقوب ، وما أخرجه بطريقه إلى محمّد بن هلال المزني ، عن عمرو بن يحيى بن عمارة ، عن عمّه ، عن عمرو بن أبي حسن ، أنّه قال : رأيت النبي صلى الله عليه وآله يتوضأ فمضمض واستنشق مرة واحدة. فقال ابن حجر ـ بعد إتيانه بالإسناد السابق ـ : في الإسناد مَن لا أعرفه (9) .
وإنّ فحوى كلام ابن حجر لدليل صريح على نفي كونه من الصحابة ، لوجود من لا يعرفهم في طريق الخبر.
____________
(1) مقدمة ابن الصلاح : 124. (المطبوع مع التقيد والايضاح)
(2) التقيد والايضاح : 125.
(3) الخلاصة في أصول الحديث : 73.
(4 ـ 5) تدريب الراوي 1 : 141.
(6) الاختصار في علوم الحديث : 54.
(7) انظر فتح المغيث 1 : 221 ، الباعث الحثيث : 68 ، قواعد التحديث : 136.
(8) فتح المغيث 1 : 221.
(9) شرح الزرقاني على الموطأ 1 : 65.

(399)

الثالثة : إن كثير من العلماء وخصوصاً رُواة الموطّأ وشُرّاحه ، أبهموا السائل ، على ما هو صريح الزرقاني (1) وابن حجر (2) والعيني (3) والسيوطي (4) وغيرهم وهذا يقتضي أن يكون المحفوظ عن الإمام مالك هو روايته عن عمرو بن يحيى ، عن أبيه ، عن ذلك الرجل المبهم.
ومما يؤيد ثبوت الاضطراب في هذه الأسانيد أنّ الرواة والعلماء قد اختلفوا في تعيين جدّه ، فقال البعض أنه عبد الله بن زيد بن عاصم ، وقال البعض أنّه عمرو بن أبي حسن وقال ثالث : أنّه ابو حسن ـ على ما رواه سحنون في المدونة ـ
ومن العجيب أنّ علماء الدراية قد مثّلوا للاضطراب بمثال ليس بأشدّ اضطراباً من مرويات عمرو بن يحيى ، فقال السيوطي في تدريب الراوي :
« ... ومثاله : ما رواه ابو داود وابن ماجة من طريق إسماعيل بن أمية ، عن أبي عمرو بن محمد بن حريث ، عن جدّه حريث ، عن أبي هريرة مرفوعاً « إذا صلّى أحدكم فليجعل شيئاً تلقاء وجهه ، الحديث »
اختلف فيه على إسماعيل اختلافاً كثيراً ، فرواه بشر بن المفضل ،
ورواه سفيان الثوري عنه عن أبي عمرو بن حريث ، عن أبيه ، عن أبي هريرة
ورواه حميد بن الأسود ، عنه ، عن أبي عمرو بن محمد ابن عمرو ، عن جده حريث بن سليم ، عن أبي هريرة.
ورواه وهيب بن خالد وعبد الوارث ، عنه ، عن أبي عمرو ابن حريث ، عن جدّه حريث.
ورواه ابن جريح ، عنه ، عن حريث بن عمارة ، عن أبي هريرة.









____________
(1) شرح الزرقاني على الموطأ 1 : 65.
(2) فتح الباري 1 : 232.
(3) عمدة القاري 3 : 68.
(4) تنوير الحوالك 1 : 39.

(400)

ورواه داود بن علية الحارثي ، عنه ، عن أبي عمرو بن محمد ، عن جدّه حريث بن سليمان (1) .




وأنت إذا حكّمت عقلك في طرق عمرو بن يحيى لاستبان لك أنّ أسانيده أشدّ اضطراباً ممّا مثلو به في كتب الدراية ، وخصوصاً أنت ترى في أسانيده رجلاً مجهولاً ، وكذلك وجود عمرو بن أبي حسن المهمل في كتب الرجال.
وقد جاء في كتب الدراية : أنّ كثرة نعوت الراوي من اسم وكنية وصفة بحيث يشهر بشيء منها ، فيذكر بغير ما اشتهر به لغرض من الأعراض فيظن أنّه راوٍ آخر فيحصل الجهل بحاله.
والإنصاف أنّ هذا الاضطراب يوجب ضعف رواية عمرو بن يحيى ، ويسقطه عن الاعتبار والحجية.
أما مروّية حبان بن واسع ، فهي الأخرى لايمكن الاحتجاج بها ؛ لجهالة حال حبان ، ولأنّ عمرو بن الحارث قد أتى بما يوجب عدم وثاقته.
____________
(1) تدريب الراوي 1 : 141 ـ 143.

(401)

عبد الله بن زيد
وروايات المسح


(402)


(403)

المطالع في كتب السنن والأخبار يشاهد مجموعة روايات قد حكت المسح عن عبد الله بن زيد بن عاصم الأنصاري ، ونحن بإتياننا لتلك الروايات نواصل البحث مع القراء.

أ ـ ما رواه عمرو بن يحيى ، عن أبيه ، عن عبد الله

الإسناد الاول
قال ابو بكر بن أبي شيبة : حدثنا ابن عيينة ، عن عمرو بن يحيى ، عن أبيه ، عن عبد الله بن زيد : أن النبي صلى الله عليه وآله توضأ فغسل وجهه ثلاثاً ويديه مرّتين ومسح برأسه ورجليه مرّتين (1) .

المناقشة
قد عرفت حال رجال هذا السند سابقاً ، وهم ثقات ، سوى عمرو بن يحيى الموثّق من قبل النسائي والترمذي وأبي حاتم وابن سعد ، والمضعّف من قبل ابن معين والدار قطني وابن المديني !!

الإسناد الثاني
قال الدار قطني : أخبرنا جعفر بن محمد الواسطي (2) ، أخبرنا موسى بن إسحاق (3) ، أخبرنا ابو بكر (4) ، أخبرنا ابن عيينة ، بهذا الإسناد ـ أي

____________
(1) مصنف ابن أبي شيبة 1 : 16 ، كنز العمال 9 : 451 رقم 26922.
(2) هو جعفر بن محمد الواسطي ، شيخ الدار قطني (انظر تهذيب الكمال 5 : 105 ، وتهذيب التهذيب 2 : 106 ، وتاريخ بغداد 7 : 179).
(3) الظاهر انّه موسى بن إسحاق بن عبد الله بن موسى ، أبو بكر الأنصاري ، الخطمي (انظر تاريخ بغداد 13 : 53).
(4) هوالامام أبو بكر بن أبي شيبة صاحب المصنف المعروف تقدمت ترجمته في مرويات ابن عباس المسحية.

(404)

الإسناد المتقدم ـ مثله (1) .

المناقشة
رجال هذا الطريق ثقات أيضاً ـ سوى عمر بن يحيى المتقدّم ـ فالواسطي ثقة حسب قول الخطيب في تاريخه : « كان ثقة » ، وموسى بن إسحاق ثقة على ما هو صريح عبد الرحمن بن أبي حاتم ، حيث قال : كتبت عنه وهو ثقه صدوق » (2) .
وقال البغدادي : كان عفيفاً دينا فاضلاً (3)
وقال احمد بن حنبل : كان فصيحاً ثبتاً في الحديث (4)

ب ـ ما رواه عباد بن تميم عن عمه [ عبد الله ]

الإسناد
قال الطحاوي : حدثنا روح بن الفرج (5) ، قال : حدثنا عمرو بن خالد (6) ، قال : حدثنا ابن لهيعة (7) ، عن أبي الأسود (8) ، عن عبّاد بن تميم (9) ، عن عمه [ عبد الله ] : أنّ

____________
(1) سنن الدار قطني 1 : 82.
(2) تاريخ بغداد 13 : 53.
(3) تاريخ بغداد 13 : 53.
(4) تاريخ بغداد 13 : 53.
(5) هو روح بن الفرج القطان ، ابو الزنباع المصري ، من موالي آل الزبير بن العوام (انظر تهذيب الكمال 9 : 250 ، تهذيب التهذيب 3 : 297).
(6) هو عمرو بن خالد بن فروح الحنظلي ، ابو الحسن الجزري الحراني (انظر تهذيب الكمال 21 : 601 ، سير أعلام النبلاء 10 : 427 ، تهذيب التهذيب 8 : 25).
(7) هو عبد الله بن لهيعة بن عقية الحضرمي الاعدولي ، ابو عبد الرحمن المصري ، روى له مسلم و ابو داود و الترمذي و ابن ماجة (انظر تهذيب الكمال 15 : 487 ، تهذيب التهذيب 5 : 373 ، سير أعلام النبلاء 8 : 10) و غيرهما من المصادر.
(8) هو محمد بن عبد الرحمن بن نوفل القرشي الاسدي ، ابو الاسود المدني ، روى له الجماعة (انظر تهذيب الكمال 25 : 645 ، سير أعلام النبلاء 6 : 150 ، تهذيب التهذيب 9 : 307) وغيرها من المصادر.
(9) هو عباد بن تميم بن غزيّة الأنصاري ، ابن أخي عبد الله بن زيد بن عاصم ، و كان تميماً ـ أخا عبد الله بن زيد ـ لامه و قيل لابيه ، روى له الجماعة (انظر تهذيب الكمال 14 : 107 ، تهذيب التهذيب 5 : 90 ، الجرح

=


(405)

النبي صلى الله عليه وآله توضأ ومسح على القدمين ، وأنّ عروة كان يفعل ذلك (1) .

المناقشة
روح بن الفرج ثقةٌ ، على ما هو صريح الدار قطني (2) والمزي (3) وابن حجر (4) وغيرهم.
وأما عمرو بن خالد ، فهو ممّن وثّقه ابن معين (5) وابن حجر (6) والعجلي (7) ، وقال الحاكم عن الدار قطني : ثقة حجة (8) .
وقال مسلمة في الصلة : ثقة ، وذكره ابن حبان في الثقات (9) ، ولم نعثر على قول يجرحه بشيء.
وأمّا ابن لهيعة ، فهو ممّن لا يحتجّ به ؛ لتردّد الرجاليّين فيه بين الجرح والتليين المفسّرَين.
نعم ، روى الطبراني في الكبير ، عن المقدام بن داود سماعاً منه ، عن أسد بن موسى سماعاً منه ، عن ابن لهيعة سماعاً منه ، عن أبي الأسود ، عن عباد بن تميم ، عن أبيه.
لقوله : حدّثنا المقدام بن داود ، حدثنا أسد بن موسى ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا ابو الاسود ، عن عّباد بن تميم ، عن أبيه ، قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله يتوضأ ، فبدأ
____________

=

والتعديل 6 : الترجمة 398).
(1) شرح معاني الآثار 1 : 35 ح 162.
(2) انظر سنن الدار قطني 2 : 171 ـ 172.
(3) تهذيب الكمال 9 : 250.
(4) تهذيب التهذيب 3 : 297.
(5) انظر هامش تهذيب الكمال 21 : 603.
(6) تقريب التهذيب 2 : 69.
(7) ثقات العجلي : 363 ترجمة 1256.
(8) تهذيب التهذيب 8 : 26.
(9) تقريب التهذيب 2 : 69 ترجمة 571.

(406)

فغسل وجهه وذراعيه ، ثمّ تمضمض واستنشق ، ثمّ مسح برأسه (1) .
وعلق أبو عمر الفهري القرطبي في كتابه « الاستيعاب » ـ على ما رواه عباد في الوضوء ، وأنه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله يتوضّأ ويمسح بالماء على رجليه (2) ـ بقوله : وهو حديث ضعيف الإسناد لا تقوم به حجّة.
وأنت ترى سخف دعواه ، ويكفيك دليلاً على ذلك قول ابن حجر في الإصابة بعد أن صرح بوثاقه رجال رواية عباد بن تميم عن أبيه أو عمّه ـ والذي سيأتي لاحقاً ـ قال : وأغرب ابو عمر فقال : أنّه ضعيف (3).
وقال الشوكاني : أخرج الطبراني ، عن عباد بن تميم عن ابيه ، قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله يتوضّأ ويمسح على رجليه (4).
وقال ابن حجر : روى البخاري في تاريخه ، وأحمد [ في مسنده ] ، وابن أبي شيبة ، وابن أبي عمر ، والبغوي ، والبارودي وغيرهم ، كلهم عن طريق أبي الأسود عن عبّاد بن تميم ، عن أبيه قال : رأيت رسول الله يتوضا ويمسح الماء على رجليه (5).
وفي كنز العمال : عن مسند تميم بن زيد ـ ابو عباد ـ عن عباد بن تميم ، عن أبيه ، قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وضّأ ومسح بالماء على لحيته ورجليه (6).
وبهذا ، فقد عرفنا أنّ عباداً كان قد روى لنا الوضوء المسحي عن رسول الله صلى الله عليه وآله بطريقين.
الأول : عن طريق عمّه عبد الله.
والثاني : عن طريق أبيه تميم بن زيد.
والسند الأخير منه هو صحيح على شرط البخاري ومسلم ، وإنك ستعرف ذلك
____________
(1) المعجم الكبير ، للطبراني 2 : 60 ح 1285.
(2) الاستيعاب 1 : 185 (المطبوع بهامش الإصابة).
(3) الإصابة 1 : 185 وانظر مسند أحمد : مسند المدنيين.
(4) عمدة القاري 2 : 240 ، وخبر الطبراني موجود في المعجم الكبير 2 : 60 ح 1286 وصحيح ابن خزيمة 1 : 101.
(5) الاصابة 1 : 185.
(6) كنز العمال والمعجم الكبير 2 : 60 ح 1286.

(407)

حين بحثنا عن روايات عبّاد المسحية (1) إن شاء الله تعالى.
وممّا يجب التنبيه عليه هنا هو عدم رواية عباد حديثاً عن عمّه في الوضوء الثلاثي الغسلي ، وهذا يعضد كون المروي عن عبد الله هو المسح ؛ لرواية عباد عنه ذلك ، ولروايته مثل ذلك عن أبيه تميمٍ...

البحث الدلالي

قد عرفت فيما مضى أنّ النصوص الواردة عن عبد الله بن زيد بن عاصم مختلفة لفظاً ، فتارة يقول الراوي : « فمسح برأسه فأقبل وأدبر » وأخرى لم تره يقيد المسح بقيد مّا ؛ لقوله : « ثمّ أدخل يده في الإناء فمسح برأسه » أو « ثمّ أدخل يده فمسح رأسه » أو « ثمّ أدخل يده فاستخرجها فمسح برأسه ».
ولهذه النصوص الثلاث الأخيرة دلالة على أنّ النبي صلى الله عليه وآله أخذ ماءاً جديداً لمسحه ، لقول الراوي « ثمّ أدخل يده... » وفي آخر « فمسح بماء غير فضل يده » (2) .
أما النص الأول فليس فيه هذا المعنى ، لمسحه صلى الله عليه وآله بالرأس مقبلاً ومدبراً بعد أن أتمّ غسل الذراعين ، ببللِ يديه.
نعم ، هناك نص عن الربيع بنت معوّذ يخالف ما نقل عن النبي صلى الله عليه وآله : أنه أخذ ماءاً جديداً لرأسه ، والسند هو :
أخبرنا محمد بن هارون ابو حامد ، أخبرنا محمد بن يحيى الأزدي ، حدثنا عبد الله بن داود ، سمعت سفيان بن سعيد ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن الربيع بنت معوذ ، قالت : كان النبي صلى الله عليه وآله يأتينا فيتوضأ ، فمسح رأسه بما فضل في يديه من الماء ومسح هكذا ، ووصف ابن داود قال : بيديه من مؤخر رأسه إلى مقدمه ، ثمّ
____________
(1) ضمن رواه المسح من التابعين.
(2) انظر مسند أحمد 4 : 39 ، 40 ، 41 ، والترمذي 1 : 26 ؛ 35 عن حبان بن واسع عن أبيه عن عبد الله بن زيد عاصم.

(408)

ردّ يديه من مقدم رأسه إلى مؤخره (1) .
وعن الحسين بن إسماعيل ، أخبرنا زيد بن أحزم ، أخبرنا عبد الله بن داود ، أخبرنا سفيان ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن الربيع بنت معوذ : أنّ النبي صلى الله عليه وآله توضأ ومسح رأسه ببلل يديه (2) .
فهذه النصوص تراها متعارضة فيما بينها ، فالبعض منها تذهب إلى أنّه صلى الله عليه وآله مسح ببلل يديه ، والأخرى بماء غير فضل يده !!
فنتساءل : أيّهما هو الأقرب إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وآله والثابت عنه صلى الله عليه وآله ؟
فلو كان رسول الله صلى الله عليه وآله قد مسح بفضل يديه و« ببلل يديه » فما الموجب لإدخال يده صلى الله عليه وآله في الإناء تارة أخرى ومَسْح رأسه به ؟!
وهل المسح يحتاج إلى أخذ ماء جديد ، أم ان ذلك هو من لوازم الغسل ؟ وهل ان المسح يقتضى الاستيعاب حتى يصح كلام عبد الله بن زيد بن عاصم ؟!
قال ابن حزم : المسح في اللغة التي نزل بها القرآن هو غير الغسل بلا خلاف ، والغسل يقتضي الاستيعاب والمسح لا يقتضيه (3) .
هذا أولاً.
وامّا ثانياً : الملاحظ في غالب مرويات عبد الله بن زيد بن عاصم أن رسول الله صلى الله عليه وآله قد غسل وجهه ثلاثاً ، ويديه مرّتين مرّتين ومسح برأسه فأقبل بهما وأدبر ، وغسل قدميه.
وهذا النقل يخالف ما حكاه غيره من الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وآله ، لأنهم لو ذكروا التثليث لكان في جميع الأعضاء ، وهكذا المرة والمرّتين ، وليس فيما نقلوه ما يشابه نقل ابن عاصم !!
فنتساءل : ما هو حكم اليدين هل هو ثلاثاً أم ثنتين ؟!
فلو قيل بصحة النقلين ، فيكون معناه : أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله أراد بفعله هذا تصحيح كلا النقلين عنه ومعناه : ان رسول الله صلى الله عليه وآله غسل ذراعيه تارة ثلاث مرات واخرى
____________
(1) سنن الدارقطني 1 : 87 ح 2 باب المسح بفضل اليدين.
(2) سنن الدارقطني 1 : 87 ح 1 باب المسح بفضل اليدين.
(3) المحلى 2 : 52.

(409)

مرّتين.
فلو صح هذا نتساءل : لماذا اختصّ عبد الله بن زيد بهذا النقل عنه دون الصحابة ؟
ولو كان الاستيعاب من شروط الغسل لا المسح ! فلِمَ مسح رسول الله صلى الله عليه وآله رأسه مقبلاً ومدبراً ؟
الم يكن الغسل هو تطهير العضو بالماء وازالة الوسخ عنه والمسح هو امرار يده عليه فقط ؟
ولو صحَّ هذا الخبر عنه صلى الله عليه وآله ، فلِمَ لا نرى الأعلام يعملون به كأبي حنيفة القائل بجواز مسح الرأس بثلاث أصابع ، والثوري بإجزاء مسح بعض الرأس ولو شعرة واحدة ، وحد أصحاب الشافعي بشعرتين وباصبع وببعض اصبع ، وقال الأوزاعي والليث بإجزاء مسح مقدم الرأس فقط ومسح بعضه كذلك ، ومثله قول داود : يجزي من ذلك ما وقع عليه اسم مسح ، وكذلك بما مسح إصبع أو أقل (1).
فلو كان هذا مذهب الأعلام ، فعلامَ حملوا خبر الاستيعاب للرأس مقبلاً ومدبراً عن رسول الله صلى الله عليه وآله ؟! وعلى أيّ شيء يدلّ ذاك ؟!
ولو صحّ ما جاء عن عبد الله بن زيد بن عاصم في الأخبار السابقة ، فكيف يمكن تطابقه مع ما نقله عباد بن تميم عن عمّه عبد الله بن زيد ، أنّ النبي صلى الله عليه وآله ، أُتي بثلثي مدّ ماءً فتوضأ ، فجعل يدلك ذراعيه (2).
فلو صح ما قاله محقّق صحيح ابن حبان من أن إسناده صحيح ، وصحّ ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله من أنه كان يتوضأ بالمدّ ويغتسل بالصاع ، فكيف يمكن تطابق تلك النقول مع ما يحكيه عمرو بن يحيى ، عن أبيه ، عن عبد الله بن زيد بن عاصم !!
وبهذا فقد عرفت أنّ أخبار عبد الله بن زيد بن عاصم مضطربة في نفسها ومع غيرها ، ومخالفة لروايات الآخرين من الصحابة ، ومجملة الدلالة على المقصود ، ومعارضة لأخبار مسحية أخرى جاءت عنه ، ومخالفة لصريح القرآن المجيد حسبما ستعرف لاحقاً إن شاء الله تعالى.
____________
(1) انظر المحلى 2 : 52.
(2) صحيح ابن حبان بترتيب ابن بليان 3 : 364.