زينب الكبرى عليها السلام من المهد الى اللحد ::: 31 ـ 45
(31)
    في غضون السنة السادسة من الهجرة استقبل البيت العلوي الفاطمي الطاهر ـ بكل فرح وسرور ، وغبطة وحبور ـ الطفل الثالث من أطفالهم ، وهي البنت الأولى للإمام أمير المؤمنين والسيدة فاطمة الزهراء ( عليهما السلام ).
    ففي اليوم الخامس من شهر جمادى الأولى ولدت السيدة زينب ، (1) وفتحت عينها في وجه الحياة ، في دار يشرف عليها ثلاثة هم أطهر خلق الله تعالى : محمد رسول الله ، وعلي أمير المؤمنين ، وفاطمة سيدة نساء العالمين ، صلى الله عليهم أجمعين.
    هذا هو القول المشهور بين الشيعة ـ حالياً ـ وهناك أقوال
1 ـ المصدر : زينب الكبرى ، للعلامة الشيخ جعفر النقدي ـ رضوان الله عليه ، المتوفى سنة 1370 هـ ـ ص 17 ، باب إسمها وتاريخ ولادتها.

(32)
تاريخة أخرى في تحديد يوم وعام ميلادها المبارك. (1)
    ويجدر ـ هنا ـ أن نشير إلى جريمة تاريخية ارتكبها عملاء الأمويين وأعجب بها المنحرفون الذين وجدوا هذه الجريمة ـ أو الأكذوبة التاريخية ـ تلائم شذوذهم الفكري ، وانحرافهم العقائدي.
    فقد ذكرت الكاتبة بنت الشاطئ في كتابها « بطلة كربلاء » ما نصه :
    « إنها الزهراء بنت النبي ، توشك أن تضع في بيت النبوة مولوداً جديداً ، بعد أن أقرت عيني الرسول بسبطيه الحبيبين : الحسن والحسين ، وثالث لم يقدر الله له أن يعيش ، هو المحسن بن علي ... » (2).
    من الثابت أن المحسن بن الإمام علي هو الطفل الخامس لا الثالث ، وهو الذي قتل وهو جنين في بطن أمه بعد أن عصروا السيدة فاطمة الزهراء بين حائط بيتها والباب ، وبسبب الضرب المبرح الذي أصاب جسمها وكان السبب في سقوط الجنبن.
    ولكن هذه الكاتبة المصرية تستعمل المغالطة والتزوير ، وتحاول إحقاق الباطل وإبطال الحق وتقول : إن السيدة زينب
1 ـ لمعرفة تفاصيل ذلك يمكن لك مراجعة كتاب ( زينب الكبرى ) للنقدي ص 17 ، وكتاب ( رياحين الشريعة ) للمحلاتي ج 3 ص 33.      المحقق
2 ـ كتاب ( بطلة كريلاء ) لعائشة بنت الشاطئ ، ص 16.


(33)
ولدت بعد المحسن بن علي الذي لم يقدر له أن يعيش !
    فانظر كيف تحاول بنت الشاطئ تغطية الجنايات التي قام بها بعض الناس بعد وفاة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) واقتحامهم بيت السيد فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) لإخراج الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ليبايع خليفتهم ، ودفاع السيدة فاطمة عن زوجها ، وعدم سماح لهم باقتحام دارها ، وماجرى عليها من الضرب والركل والضغط ، فكانت النتيجة سقوط جنينها الذي سماه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ـ في حياته ـ محسناً ، وهو ـ يومذاك ـ جنين في بطن أمه !!
    وقد ذكرنا بعض ما يتعلق بتلك المأساة في كتابنا : ( فاطمة الزهراء من المهد إلى اللحد ).


(34)

(35)
    ولما ولدت السيدة زينب ( عليها السلام ) أخبر النبي الكريم بذلك ، فأتى منزل إبنته فاطمة ، وقال : يا بنية إيتيني ببنتك المولودة.
    فلما أحضرتها أخذها النبي وضمها إلى صدره الشريف ، ووضع خده على خدها فبكى بكاءً شديداً عالياً ، وسالت دموعه على خديه.
    فقالت فاطمة : مم بكاؤك ، لا أبكى الله عينك يا أبتاه ؟
    فقال : يا بنتاه يا فاطمة ، إن هذه البنت ستبلى ببلايا وترد عليها مصائب شتى ، ورزايا أدهى.
    يا بضعتي وقرة عيني ، إن من بكى عليها ، وعلى مصائبها يكون ثوابه كثواب من بكى على أخويها.


(36)
ثم سماها زينب. (1)
1 ـ ناسخ التواريخ ، المجلد الخاص بحياة السيدة زينب ، المسمى بـ ( الطراز المذهب في أحوال سيدتنا زينب ).
وجاء في هذا المصدر ـ أيضاً ـ : لما ولدت السيدة زينب ، مضى عليها عدة أيام ولم يعين لها إسم.
فسالت السيدة فاطمة من الإمام أمير المؤمنين ( عليهما السلام ) عن سبب التأخير في التسمية ؟
فأجاب الإمام : أنه ينتظر أن يختار النبي الكريم لها إسماً.
فاقبلت السيدة فاطمة ببنتها إلى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأخبرته بذلك.
فهبط الامين جبرئيل وقال : يا رسول الله إن ربك يقرئك السلام ويقول : يا حبيبي إجعل اسمها زينب.
ثم بكى جبرئيل ، فسأله النبي عن سبب بكائه ؟
فقال : إن حياة هذه البنت سوف تكون مقرونة بالمصائب والمتاعب ، من بداية عمرها إلى وفاتها.


(37)
    إسمها : زينب
    إن الأسماء مشتقة من المصادر ، والمصادر ـ طبعاً ـ لها معنىً ومفهوم ، فما هو معنى كلمة « زينب » ؟
    الجواب : هناك قولان في هذا المجال :
    الأول : إن « زينب » كلمة مركبة من : « زين » و « أب ». (1)
    الثاني : إن « زينب » كلمة بسيطـة وليست مركبة ، وهي إسم لشجرة أو وردة. (2)
1 ـ كما احتمل ذلك الفيروز آبادي في كتابه « القاموس المحيط ».
2 ـ جاء في كتاب ( لسان العرب ) : « الزينب شجر حسن المنظر ، طيب الرائحة ، وبه سميت المرأة ». وفي كتاب ( لاروس ) : « الزينب : نبات عشبي بصلي معمر ، من فصيلة النرجسيات ، ازهاره جميلة بيضاء اللون فواحة العرف ».


(38)
    وعلى كل حال .. فلا خلاف في أن هذا الإسم جميل وحسن المعنى .. على كل تقدير.
    كنيتها : « أم كلثوم » و « أم الحسن » (1).
    يوجد ـ في كتب التراجم ـ اضطراب شديد حول هذا الإسم وهذه الكنية ، فالمشهور أن السيدتين : زينب وأم كلثوم بنتان للإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب من السيدة فاطمة الزهراء ( عليهما السلام ) (2).
وفي كتاب ( القاموس ) : « ... أو من الزينب [ إسم ] لشجر حسن المنظر طيب الرائحة ، واحدته : زينبة ، قاله ابن الاعرابي. أو أصلها زين أب ، حذفت الالف لكثرة الاستعمال.      المحقق
1 ـ كتاب ( تحفة العالم في شرح خطبته المعالم ) للسيد جعفر بحر العلوم ، المتوفى سنة 1377 هـ.
2 ـ لقد جاء التعبير عن السيدة الزينب الكبرى ـ في بعض كتب الحديث والتاريخ ـ بكلمة « أم كلثوم » ، وهنا عدة إحتمالات :
الإحتمال الأول : أن هذا التعبير هو كنية لها.
الإحتمال الثاني : أنه اسم ثان لها.
الإحتمال الثالث : أنه إشتباه وخطأ من بعض المؤرخين ، حيث أنهم عبروا عنها باسم أختها ، أو بكنية أختها.
الإحتمال الرابع : وجود سبب آخر خفي علينا ، بسبب ظلم التاريخ لترجمة حياة أهل البيت .. رجالاً ونساءً.


(39)
    وقد جاء التعبير عن السيدة زينب الكبرى ـ في بعض الأقوال التاريخية وعلى لسان بعض الخطباء والمؤلفين ب « العقيلة » ، وهذا وصـف للسيـدة زينب وليس إسٍماً (1) ، ونحن نجد في كتب
ولكل واحدة من هذه الإحتمالات الأربعة قرائن وشواهد تاريخية ، يطول الكلام بذكرها ، وهو خارج عن نطاق وإطار التعليق العامشي ، لكن الذي يتبادر إلى الذهن بعد الدراسة الموضوعية ـ والله العالم ـ هو أن أقوى الإحتمالات : هو الإحتمال الأول ، خاصة وأن شخصية البنت الثانية للإمام أمير المؤمنين أحيطت بسحاب كثيف من الغموض والإبهام والتشويش ، إلى درجة أن بعض المعاصرين أعطى لنفسه الجرأة في أن ينكر وجود بنت ثانية للإمام من زوجته السيدة فاطمة الزهراء .. يكون اسمها أم كلثوم !
وعلى كل حال .. فقد كان السيد المؤلف يطمئن .. بل ويقطع بأن المقصود من « أم كلثوم » ـ في كثير من كتب الحديث والتاريخ ـ هي السيدة زينب الكبرى ، وهذا ما نلاحظه حين الإستماع إلى مجالسه ومحاضراته ، المسجلة على اشرطة الكاسيت ، ونلاحظه ـ أيضاً ـ حين التدقيق في فصل ( حياة السيدة زينب في عهد والدها الإمام أمير المؤمنين عليهما السلام ) ففي كثير من الفقرات التاريخية المرتبظة بفاجعة مقتل الإمام علي أمير المؤمنين يوجد التعبير بجملة « تقول أم كلثوم » ، وقد فهم المؤلف أن المقصود ـ في أكثر تلك المقطوعات ـ هي السيدة زينب الكبرى فذكر الكلام ونسبه إلى السيدة زينب سلام الله عليها. ولعل التتبع في كتب الحديث والتاريخ يوصل الإنسان إلى نتائج دقيقة تزيح كثيراً من ستائر الإبهام والغموض حول هذا الإسم وهذه الكنية.      المحقق.
1 ـ ذكر أبو الفرج الإصفهاني ـ المتوفى سنة 356 هـ في كتابه ( مقاتل الطابيين ) صفحة 60 طبع النجف الأشرف ، عام 1385 هـ ـ في ترجمة عون بن عبد الله بن جعفر ـ ما يلي : « أمه : زينب العقيلة ، والعقيلة : هي التي روى ابن عباس عنها كلام فاطمة في « فدك » فقال : حدثتنا عقيلتنا زينب بنت علي عليه السلام.


(40)
اللغة معاني عديدة لكلمة « العقيلة » ، فمنها : المرأة الكريمة ، النفيسة ، المخدرة (1).
    ومعنى الكريمة : المحترمة.
1 ـ كما في كتاب « لسان العرب » لابن منظور.
وقال ابن منظور ـ أيضاً ـ : « عقيلة القوم : سيدهم ، وعقيلة كل شيء : أكرمه ».
وقال ابن دريد في « جمهرة اللغة » : فلانة عقيلة قومها : أي : كريمتهم.
وقال ابن زكريا في « مجمل اللغة » والجوهري في « صحاح اللغة » : العقيلة : كريمة الحي من النساء ».
وجاء في « المعجم الوسيط » : « العقيلة : السيدة المخدرة ».
وجاء في « الموسوعة العربية في الألفاظ الضدية » للسماوي اليماني ما معناه : العقيلة ـ من النساء ـ سيدتهم ، يقال : عقيلة قومها.
وقال الخليل بن أحمد في كتابه ( العين ) : « العقيلة : المرأة المخدرة ، وجمعها : عقائل ».
اقول : هذا ما ذكره علماء اللغة ، وقد يتبادر إلى الذهن أن « العقيلة » صيغة مبالغة ، مشتقة من العقل ، بمعنى كثرة العقل والنضج ، وقد ظهر للعالم ـ بكل وضوح ـ أن السيدة زينب الكبرى ( عليها السلام ) كانت في درجة عالية جداً وجداً من العقل الوافر والحكمة والحنكة ، فبعقلها استطاعت ان تدير « قافلة آل الرسول » من كربلاء إلى الكوفة ، ومن الكوفة إلى الشام ، واخيراً من الشام الى المدينة المنورة. وفي المدينة ـ أيضاً ـ قامت بدور كبير بالتنسيق مع الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) في إدارة المجالس العزائية ، والحفاظ على حرارة مقتل سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام ، وكشف الغطاء عن الملف الأسود ل « يزيد » الحاقد ، وبني أمية ومن يدور في فلكهم.      المحقق


(41)
    السيدة زينب في عهد جدها الرسول
    السيدة زينب في عهد أمها البتول
    السيد زينب في عهد والدها أمير المؤمنين
    السيدة زينب تعلم تفسير القرآن لنساء الكوفة
    السيدة زينب مع أخيها الإمام الحسن المجتبى
    العلاقات الودية بين السيدة زينب وأخيها الإمام الحسين



(42)

(43)
    إن الذكاء المفرط ، والنضج المبكر يمهدان للطفل أن يرقى إلى أعلى الدرجات ـ إذا استغلت مواهبه ـ وخاصةً إذا كانت حياته محاطة بالنزاهة والقداسة ، وبكل ما يساعد على توجيه الطفل نحو الأخلاق والفضائل.
    بعد ثبوت هذه المقدمة نقول :
    ما تقول في طفلة : روحها أطهر من ماء السماء ، وقلبها أصفى من المرآة ، وتمتاز بنصيب وافر من الوعي والإدراك ، تفتح عينها في وجوه أسرتها الذين هم أشرف خلق الله ، وأطهر الكائنات ، وتنمو وتكبر وتدرج تحت رعاية والد لا يشبه آباء العالم ، وفي حجر والدة فاقت بنات حواء شرفاً وفضلاً وعظمة ؟!!
    وإذا تحدثنا عن حياتها على ضوء علم التربية ، فهناك يجف القلم ، ويتوقف عن الكتابة ، لأن البحث عن حياتها التربوية يعتبر


(44)
بحثاً عن الكنز الدفين الذي لا يعرف له كم ولا كيف.
    ولكن الثابت القطعي أنها تربية نموذجية ، وحيدة وفريدة.
    وهل يستطيع الباحث أو الكاتب أو المتكلم أن يدرك الجو العائلي المستور في بيت الإمام علي والسيدة فاطمة الزهراء عليهما السلام ؟
    لقد روي أن رسـول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ قرأ قوله تعالى : « فـي بيـوت إذن الله ان ترفع ويذكـر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال ... » (1) فقام إليه رجل فقال : يا رسول الله أي بيوت هذه ؟
    فقال : بيوت الأنبياء.
    فقام إليه أبوبكر فقال : يا رسول الله هذا البيت منها ؟ وأشار إلى بيت علي وفاطمة.
    فقال النبي : « نعم ، من أفضلها » (2).
    ويجب أن لا ننسى أن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ـ الذي أعطى المناهج التربوية للأجيال ، وأضاء طرق التربية الصحيحة للقرون ـ لابد وأنه يبذل إهتماماً بالغاً
1 ـ سورة النور ، الآية 36.
2 ـ البرهان في تفسير القرآن ، للسيد هاشم البحراني ، عند تفسير الآية الكريمة.


(45)
وعنايةً تامةً في تربية عائلته ، ويمهد لهم السبيل حتى ينالوا قمة الأخلاق والفضائل.
    وخاصةً حينما يجد فيهم المؤهلات والإستعداد لتقبل تلك التعاليم التربوية.
    ومن الواضح أن السيدة زينب ـ بمواهبها واستعدادها النفسي ـ كانت تتقبل تلك الأصول التربوية ، وتتبلور بها ، وتندمج معها (1).
1 ـ ومن ذكريات الطفولة في حياة السيدة زينب ( عليها السلام ) نقرأ في كتب التاريخ : أنها سألت أباها ذات يوم فقالت : أتحبنا يا أبتاه ؟!
فقال الإمام : وكيف لا أحبكم وأنتم ثمرة فؤادي !
فقالت : يا أبتاه إن الحب لله تعالى ، والشفقة لنا.
المصدر : كتاب « زينب الكبرى » للنقدي ، وهو يحكي ذلك عن كتاب « مصابيح القلوب » للشيخ حسن السبزواري ، المعاصر للشهيد الأول ، رضوان الله عليهم.
إن هذا الحوار الجميل يدل على أكثر من معنى ، فمن ذلك :
1 ـ جو الود والصفاء الذي كان يخيم على دار الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) والعلاقات الطيبة بين الوالد الرؤف وبين طفلته الذكية !
2 ـ إن الحب ينقسم إلى أكثر من قسم ، باعتبار نوعه ومنشئه
زينب الكبرى عليها السلام من المهد الى اللحد ::: فهرس