زينب الكبرى عليها السلام من المهد الى اللحد ::: 451 ـ 465
(451)
    مَحشوّة : أي : مملوءة.
    إنّ القلب إذا صار قاسياً ، والنفس إذا أخذها الطغيان ، فسوف لا تكون الأرضيّة مساعدة فيهما لتقبّل المواعظ والنصائح.
    يُضاف إلى ذلك .. أنّ الشيطان الرجيم إذا وجد التفاعل والتجاوب من شخص ، فسوف يتربّع في فكره وذهنه ، ويتّخذه لنفسه عشاً ووكراً ، ومسكناً ومحلاً للإقامة فيه ، ويكون بمنزلة جهاز التحكّم في الأشياء ، يتحكّم في ميوله واتّجاهاته ، فيوجّه الشخص حيثما يريد ، ويأمره بأنواع الإنحراف والإنسلاخ عن الفطرة الإنسانية والعاطفة وجميع الصفات الحميدة ، ويعطيه الجُرأة على اقتاحم المخاطر الدينية ، فإذا أراد الشيطان مغادرة فكر هذا المنحرف فإنّ هناك فراخه ، أي : جنوده ، الذين يقومون مقامه ويؤدّون دوره في مهمّة الإغراء والتشجيع على الجريمة من دون التفكير في مضاعفاتها السلبيّة.
    « ومن هناك مِثلك ما دَرَج »
    ومن هناك : أي : وبسبب ذلك ، ونتيجة لتلك الأسباب. وقيل : « ما » في « ما درج » : زائدة.
    درج : يُقال : درج الصبيّ : أي : أخذ في الحركة ومشى


(452)
مشياً قليلاً .. أوّل ما يمشي. (1) وقيل : درج : أي نشأ وتقوّى.
    « فالعجب كلّ العجب لقتل الأتقياء ، وأسباط الأنبياء ، وسليل الأوصياء ، بأيدي الطلقاء الخبيثة ، ونسل العَهَرة الفجرة »
    الأتقياء ـ هنا ـ : الإمام الحسين ( عليه السلام ) والمستشهدين معه.
    أسباط ـ جمع سبط ـ : الحفيد.
    السليل : الوَلَد.
    العهرة ـ جمع عاهر وعاهرة ـ : الرجل الزاني ، والمرأة الزانية.
    الفجرة ـ جمع فاجر وفاجرة ـ : الرجل أو المرأة التي تُمارس جريمة الزنا والفجور.
    حقّاً إنّه عجيب ، بل هو من أعجب الأعاجيب أن يُقتل أشرف وأطيب خلق الله تعالى على أيدي ذريّة العاهرين والعاهرات !!
    ولكن .. هذه هي طبيعة الحياة الدنيا ، أنّها تكون
1 ـ المعجم الوسيط.

(453)
قاعة امتحان للأخيار والأشرار ، وللذين يضربون أرقاماً قياسيّة في الطيب أو الخبث.
    ومن هنا .. بقيت « فاجعة كربلاء » خالدة إلى يوم القيامة ، عند كلّ مجتمع يمتاز بالوعي والإدراك ، وفهم المفاهيم والقيم الإنسانية ، وكلّما إزداد البشر نُضجاً وفَهماً أقبل على دراسة وتحليل هذه الفاجعة بصورة أوسع ، والتفكير حولها بشكل أشمل ، والكتابة عنها بتفصيل أكثر.
    وقد شاء الله تعالى أن يبقى هذا الملفّ مفتوحاً لدى العقلاء المؤمنين ، ويُجدّد فتحه في كل عام ، بل في كل يوم ، لتحليل ودراسة جزئيّات هذه الفاجعة !!
    ولخلود فاجعة كربلاء ـ وإمتيازها على بقيّة فجائع وكوارث التاريخ ـ أسباب متعددّة ، نذكر بعضها ، ليعرف ذلك كل من يبحث عن إجابة هذا السؤال ، ويريد معرفة الواقع والحقيقة :
    1 ـ إنّ الذين انصبّت عليهم مصيبة القتل أو السبي .. ـ في هذه الفاجعة ـ كانوا هم أفضل طبقات البشر ، وأشرف خلق الله تعالى .. رجالاً ونساءً ، بل كانوا في قمّة شاهقة ، ودرجة عالية من العظمة والجلالة والإيمان بالله تعالى ، والنفسيّة الطيّبة ، بحيث لا مجال لأن نقيس بهم


(454)
غيرهم من البشر .. مهما كانوا عظماء.
    2 ـ إنّ الذين ارتكبوا الجرائم ـ في هذه الفاجعة ـ .. كانوا أخبث البشر ، وأكثر الناس لؤماً ، وأنزلهم نفسيّةً.
    3 ـ إنّ هذه الفاجعة مهّدَت الطريق لسلسلة من الفجائع والجرائم والجنايات ، فأعطت الناس الجُرأة بأن لا يخافوا من أحد ، ولا يلتزموا بعقيدة أو دين ، فكان عمل مرتكبي هذه الفاجعة .. بمنزلة تأسيس الأُسُس وفتح الطريق أمام كل خبيث ولئيم ، في أن يقوم بما تطيبُ له نفسه القذرة من الجرائم والجنايات !
    ولقد جاء في التاريخ : أنّ الإمام الحسين ( عليه السلام ) صرّح بهذه الحقيقة ، أثناء مُقاتَلَته مع أهل الكوفة ، فقال : « ... يا أمّة السَوء : بئسما خلفتهم محمداً في عترته ، أما إنّكم لن تقتلوا بعدي عبداً من عباد الله فتهابوا قتله ، بل يهون عليكم ذلك عند قتلكم إيّاي ... ». (1)
    4 ـ إنّ طبيعة الحياة : هي أنّ التاريخ يُعيد نفسه .. لكن .. مع إختلاف الافراد والأجيال ، فكان ضروريّاً على كل مسلم أن يستلهم الدروس والعبر من هذه الفاجعة الكبرى ، ويقوم بدراستها ومعرفة تحليلها .. بشكل
1 ـ كتاب « بحار الأنوار » ج 45 ، ص 52.

(455)
شامل ، لكي لا يَسقُط في الإمتحانات الإلهيّة الصعبة ، والمنعطفات الحادّة الخطيرة ، وحتى لا تتكرّر مآسي وفجائع مشابهة.
    وحتى لو تكرّرت ذلك فإنّه يبادر إلى صفوف الأخيار ، ويتّخذ موقف الإنسان المؤمن الذي يخاف الله تعالى ، ويؤمن بيوم الحساب ، وذلك لأنّ لديه خلفيّة دينيّة واسعة وشاملة عن فاجعة كربلاء ومضاعفاتها.
    5 ـ إنّ فتح ملف « فاجعة كربلاء » والبكاء حين قراءة أو سماع تفاصيلها يعني : تأمين جاذبيّة قويّة ، تجذب الناس نحو الدين بـ « إسم الإمام الحسين عليه السلام » ، وبجاذبيّة عاطفيّة لا يمكن تَصَوُّر درجة قوّتها !!
    وهنا .. ينبغي الإلتفات إلى حقيقة مهمّة ، وهي : أنّ الأدلّة العقليّة والإستدلالات المنطقيّة ـ في مجال دعوة الناس إلى الإلتزام بالدين ـ تقوم بدَور الإقناع فقط ، لكن لابدّ لذلك من عامل يجذب الناس لإستماع هذه الأدلّة ، وأقوى عوامل الجذب هو : العامل العاطفي ، وهو متوفّر في كلّ بند من بنود هذه الفاجعة !
    وهذه الجاذبيّة لا تقتصر على جذب الناس نحو الدين فحسب ، بل تجذبهم نحو الفضائل والأخلاق ، والتطبيق العملي لبنود الدين ، وتعلّم معالم وعقائد


(456)
وعبادات الدين من أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) .. لا مِن غيرهم.
    فإنّ الله تعالى جعل شرط قبول الأعمال ولاية أهل البيت وإتّباعهم ، لا مجرّد محبّتهم ، وجعل الله ( عز وجل ) الإسلام الواقعي ينحصر في مذهب أهل البيت ، لا المذاهب الأخرى .. حتى لو كانت تلك المذاهب مشتملة على ظواهر ومظاهر دينيّة ، فالمظهر وحده لا يكفي ، بل لابدّ من التمسّك بالمحتوى الصحيح !
    ولابدّ من التوقيع الإلهي على شرعيّة ذلك المذهب ، عن طريق نزول الوحي على رسول الله الصادق الأمين ، أو ظهور المعجزات من إمام ذلك المذهب.
    ولذلك فقد اشتُهر وتواتر عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قوله : « مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح ، مَن ركبها نجى ، ومن تخلّف عنها غرِق ».
    والآن .. نعود إلى شرح كلمات خطبة السيدة زينب ( عليها السلام ) :
    تقول السيدة : إنّ قتل الأتقياء وأحفاد الأنبياء وإبن الأوصياء ، كان على أيدي الطلقاء الخبيثة ، ونسل العهرة الفجرة.
    إنّنا حينما نُراجع التاريخ الصحيح نجد أنّ الذين


(457)
ارتكبوا فاجعة كربلاء الدامية كانوا من أولاد الحرام !! بِدءاً من يزيد ، إلى ابن زياد ، إلى الشمر ، إلى العشرة الذين سحقوا جسد الإمام الحسين ( عليه السلام ) بعد شهادته ، بحوافر خيولهم !!
    ولإلتحاق كلّ واحد منهم بأبيه قصّة مذكورة في كتب « علم الأنساب ». (1)
    فقد جاء في التاريخ : أنّ إمرأة نصرانية إسمها : « ميسون بنت بجدل الكلبي » زَنَت مع عبد أبيها ، فحملت بـ « يزيد » وبعد الحمل بشهور تزوّجها معاوية. (2)
    وأمّا عبيد الله بن زياد ، فإنّ أمّه « مرجانة » كانت مشهورة ـ عند الجميع ـ بالزنا المُستمرّ !! (3)
    وكلام الإمام الحسين ( عليه السلام ) مشهور وصريح بأنّ عبيد الله وأباه زياد كانا إبنَي زنا ، حيث قال الإمام : « ... الا وإنّ الدعيّ ابن الدعيّ قد ركز بين اثنتين : بين السلّة والذلّة ، وهيهات منّا الذلّة ... ».
1 ـ إقرأ كتاب « مثالب العرب » لهشام بن الكلبي وكتاب « إلزام النواصب » للشيخ مفلح بن الحسين البحراني.
2 ـ كتاب « مجالس المؤمنين » ، ج 2 ، ص 547 ، نقلاً عن كتاب « مثالب الصحابة ».
3 ـ كتاب « معالي السبطين » ج 1 ، الفصل السابع ، المجلس الرابع.


(458)
    وقد رويَ عن الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) أنّه قال : « قاتل الحسين ( عليه السلام ) ولد زنا ». (1)
    « تَنطِف أكُفّهم من دمائنا »
    تنطِفُ : تقطرُ أو تسيل. (2)
    والظاهر أنّ هذا الكلام ـ أيضاً ـ إستعارة بلاغيّة ، وتعني السيدة زينب ( عليها السلام ) تلك الأيدي والأكفّ التي كانت تضرب بسيوفها ورماحها على أجسام آل رسول الله : الإمام الحسين ورجال أهل بيته وأصحابه ، فتتقاطر أكفّهم وسيوفهم من دماء أولئك الطيّبين.
    « وتتحلّب أفواههم من لحومنا »
    تتحلّب : يُقال : حَلَبَ فلانٌ الشاة أو الناقة : أي : إستخرج ما في ضَرعها من اللبن ، واستحلب اللبن : إستدرّه. (3) وتحلّب فوه أو الشيء : إذا سال. (4)
1 ـ كتاب « كامل الزيارات » لابن قولويه ، ص 79 ، حديث 11 ، وكتاب « بحار الأنوار » ج 14 ، ص 183.
2 ـ على ما هو مذكور في أكثر كتب اللغة.      المحقق
3 ـ كتاب « أقرب الموارد » للشرتوني.
4 ـ كتاب « العين » للخليل بن أحمد.


(459)
    لعل المراد : أنّه كما أنّ ولد الناقة تتحلّب وتمتصّ بفمها الحليب من محالب أمّها ، كذلك كان الأعداء يمتصّون بأفواههم من لحوم ودماء آل رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مصّاً قوياً بدافع الحقد والبغضاء !!
    وهذه ـ أيضاً ـ إستعارة بلاغيّة وكناية عن شدّة حقدهم وعدائهم.
    ويُمكن أن تكون هذه الكلمة إشارةً إلى ما فعلته « هند » جدّة يزيد ـ في غزوة أحد ـ : مِن شقّها لبطن سيّدنا حمزة بن عبد المطّلب ، وإخراجها كبده ، ثم وضعه في فمها ومحاولتها أن تمضغه وتأكل منه ، حقداً منها عليه ، لكونه عمّاً لرسول الله ، وقائداً كفوءاً في جيش المسلمين. (1)
    « تلك الجُثث الزاكية ، على الجَبوب الضاحية »
    الجَبوب : وجه الأرض الصلبة (2) وقيل : الجَبوب : التُراب. (3)
1 ـ المحقق.
2 ـ كتاب « العين » للخليل بن أحمد.
3 ـ المعجم الوسيط.


(460)
    الضاحية : يُقال ضحا ضَحواً : برز للشمس ، أو أصابه حرّ الشمس ، وأرض ضاحية الظلال : أي : لا شجر فيها. (1)
    إخبار من السيدة زينب ( عليها السلام ) عن مصيبة بقاء الأجساد الطاهرة على وجه الأرض عدّة أيام .. من غير دفن ، تصهرها الشمس بأشعّتها المباشرة ، كلّ ذلك .. رغم كونهم سادات أولياء الله تعالى.
    « تَنتابها العواسل »
    تنتابها : تأتي إليها مرّة بعد مرّة.
    العواسل ـ جمع عاسِل ـ : وهو الذئب. (2)
    وهنا إحتمالان في المقصود من هذا الكلام.
    الإحتمال الأول : إنّ المقصود من « العواسل » : هم الذين حضروا يوم عاشوراء لقتل الإمام الحسين ( عليه السلام ) والصفوة الطيبة من ذريته وأهل بيته واصحابه. عبّرت السيدة زينب ( عليها السلام ) عن أولئك الاعداء بالذئاب ، لأنّهم كانوا يحملون صفة الذئاب وهي الإفتراس ، ويُعبّر
1 ـ المعجم الوسيط.
2 ـ وقيل : العواسل ـ جمع عسّال ـ : وهو الرمح.      المحقق


(461)
عن هذا النوع من التشبيه ـ في علم البلاغة والأدب ـ بـ « الإستعارة ».
    وقد استعمل الإمام الحسين ( عليه السلام ) هذا النوع من الإستعارة في خطبته التي ألقاها قبل خروجه من مكّة نحو العراق ، حيث قال ـ فيها ـ : « ... خُيّرَ لي مصرع أنا لاقيه ، وكأنّي بأوصالي تُقطّعها عُسلان الفلوات ، بين النواويس وكربلاء ... ». (1)
    وبناءً على هذا .. يكون المقصود من كلمة « تَنتابها » الهجوم المتوالي والغارات المتتالية التي كان الأعداء يَشِنّونها على أصحاب الإمام الحسين وخيامه .. يوم عاشوراء.
    الإحتمال الثاني : هو أنّ الشأن والعادة تقتضي أن لو بقيت جُثث أناس على الأرض ـ من غير دفن ـ ، وكانت المنطقة تتواجد فيها الذئاب ، فإنّها تأتي إلى تلك الجثث وتأكل من لحومها.
    إلا أنّ المعنى لم يحصل ـ بكلّ تأكيد ـ بالنسبة إلى الجسد الطاهر للإمام الحسين ( عليه السلام ) وأجساد أصحابه وأهل بيته الطاهرين ، الذين قُتلوا معه ، وبقيت أجسادهم على
1 ـ كتاب « بحار الأنوار » ج 44 ، ص 367.      المحقق

(462)
الأرض لمدّة ثلاثة أيام ، من غير دفن أو مواراة في الأرض ، من دون أن يتعرّض لها ذئب أو أيّ حيوان مفترس آخر.
    « وتُعفّرها أمّهات الفراعل »
    الفراعل ـ جمع فُرعُل ـ : ولد الضبع. (1)
    الظاهر أنّ هذا الكلام ـ أيضاً ـ إستعارة بلاغيّة ، ولعلّها تشير إلى أولئك الأفراد العشرة الذين ركبوا خيولهم وسحقوا جسد الإمام الحسين ( عليه السلام ) بعد قتله .. بحوافر الخيل ، في يوم عاشوراء ، أو اليوم الحادي عشر من المحرّم.
    قال الراوي : ثمّ نادى عمر بن سعد في أصحابه : مَن ينتدبُ للحسين فيوطئ الخيل ظهره ؟
    فانتدب منهم عشرة وهم : إسحاق بن حوية ، وأخنَس بن مرثد ، وحكيم بن طفيل ، وعمر بن صبيح الصيداوي ، ورجاء بن مُنقذ العبدي ، وسالم بن خَيثمة الجعفي ، وصالح بن وهب الجعفي ، وواحظ بن غانم ، وهاني بن ثَبيت الحضرمي ، وأُسيد بن مالك ( لعنهم الله ) فداسوا الحسين بحوافر خيولهم حتى رضّوا ظهره وصدره !!
1 ـ كتاب « أقرب الموارد » للشَرتوني.

(463)
    قال الراوي : وجاء هؤلاء العشرة حتى وقفوا عند ابن زياد ، فقال له أحدهم :
نحن رضضنا الصدر بعد الظهر بكـلّ يعبـوبٍ شديـد الأسـر
    فقال ابن زياد : مَن أنتم ؟
    قالوا : نحن وطئنا بخيولنا ظهر الحسين .. حتى طحنّا جناجن صدره !!
    فأمر لهم بجائزة.
    قال أبوعمرو الزاهد : فنظرنا في نسب هؤلاء العشرة ، فوجدناهم جميعاً أولاد زنا ! (1)
    « فلئن اتّخذتنا مغنَماً ، لتجدُ بنا وشيكاً مُغرماً حين لا تجد إلا ما قدّمت يداك ، وما الله بظلام للعبيد »
    مَغنَماً : الغنيمة ، وجمعها : مغانم (2) وقيل : المَغنَم : هو كل ما حصل عليه الإنسان من أموال الحرب. (3)
1 ـ كتاب « الملهوف » للسيد ابن طاووس ، ص 182 ـ 183.
2 ـ المعجم الوسيط.
3 ـ كتاب « لسان العرب ».


(464)
    مُغرَماً : المُغرَم : المُثقل بالدَين (1) أو أسير الدَين (2) وقيل : المغرَم : مصدر وُضِعَ موضع الإسم ، ويُراد به مُغرَم الذنوب والمعاصي. (3)
    المعنى : يا يزيد ! إنّك أمرت بأسرنا ، وتعاملَت جلاوزتك معنا ـ في طريق الشام ـ تعامل السبايا والغنائم الحربيّة ، ولكن .. إعلم أنّك ـ في القريب العاجل ـ سوف تجد نفسك مُثقلاً بالذنوب ومحاصراً بالمعاصي التي يلزم عليك دفع ضريبتها ، والدفاع عن نفسك في محكمة العدل الإلهية ، حيث لا تجد معك إلا ما قدّمت يداك : من جرائم وجنايات ، والتي مِن أبرزها : سبيِ نساء آل رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ). وفي ذلك الحين ترى نفسك وحيداً ذليلاً مهاناً ، من غير محام يدافع عنك ، ولا عذرٍ لتبرّر به أعمالك ، ولا مال لتدفعه رشوةً وتُخلّص به نفسك ، بل تبقى أنت وأعمالك !!
    « فإلى الله المشتكى والمُعَوّل ، وإليه الملجأ والمؤمّل »
    المُعَوّل : إسم مفعول بمعنى « المُستعان » ، يقال :
1 ـ المعجم الوسيط.
2 ـ أقرب الموارد للشرتوني.
3 ـ كتاب « مجمع البحرين » للطريحي.


(465)
عَوّلتُ عليه : أي استَعَنتُ به ، وصَيّرت أمري إليه (1) وقيل : العَولُ : المُستعان به ، والعِوَل : الإتّكال والإستعانة ، يُقال : عَوَل الرجل عليه : أي : إعتمد وإتّكل عليه ، واستعانَ به. (2)
    وبعد ما ذكرَت السيدة زينب ( عليها السلام ) ما جرى على آل الرسول الطاهرين من المصائب ، تقول « فإلى الله المُشتكى » وعليه الإعتماد والإتّكال والإستعانة به .. لا إلى غيره ، فقد كان تعالى : هو الشاهد على ما جرى ، وسيكون هو المنتقم من الأعداء ، المقتدر على إبادتهم وعقوبتهم. « وإليه المَلجأ والمؤمّل » فهو ـ سبحانه ـ الملجأ لنا ولبقيّة أفراد العائلة المكرّمة ، وخاصّة بعد فقدنا لسيّدنا الإمام الحسين ( عليه السلام ) وتواجدنا في عاصمة بني أميّة ، في قيد الأسر والسبي !
    وهو « المؤمّل » : الذي نأمل منه أن يُعيننا على ما أصابنا ، ويُعطينا الصبر الجميل على تحمّل ذلك ، ويمنحنا الأجر الجزيل إزاء ما لاقيناه من المكاره والنوائب.
1 ـ كتاب « العين » ، للخليل بن أحمد.
2 ـ المعجم الوسيط.
زينب الكبرى عليها السلام من المهد الى اللحد ::: فهرس