زينب الكبرى عليها السلام من المهد الى اللحد ::: 466 ـ 480
(466)
    ثمّ عادت السيدة زينب ( عليها السلام ) لتصبّ جاماً آخر من غضبها على المجرم الأصلي لفاجعة كربلاء ، وهو يزيد الي قام بتلك الجرائم مباشرة ، أو أصدر الأوامر لعامله اللعين ابن زياد ، الذي نفّذ أوامر يزيد من القتل والسبي والضرب وغير ذلك.
    وكأنّها ترى أن كلّ ما خاطبته به غير كافٍ لِما يستحقه من شجبٍ وتعنيف !
    فقالت :
    « ثمّ كِد كيدك ، واجهد جهدك »
    الكيد : إرادة مَضَرّة الغير خُفية ، والحيلة السيّئة ، والخُدعة ، والمكر (1).
    جَهَد جهداً : جدّ ، يُقال : طلب حتى وصل إلى الغاية ، والجهد ، الوُسع والطاقة. (2)
    هذا كلام يَطغى عليه طابع التهديد الشديد ، مِن سيّدة أسيرة ، ولكنّها واثقة من نفسها ـ أعلى درجات الثقة ـ أنّ جميع نشاطات يزيد ـ والفصول اللاحقة من مخطّطاته ـ
1 ـ المعجم الوسيط.
2 ـ نفس المصدر.


(467)
سوف تفشل ، وسوف لا يتوصّل إلى أيّ واحد من أهدافه !! بل ترجع عليه بشكل مُعاكس ، فكُرسيّه يتزعزع ، وسلطته تضعُف ، وقدرته تذهب !
    فالسيدة زينب ( عليها السلام ) تريد أن تقول ليزيد : إصنع ما بدا لك ، من تخطيط وتفكير ، وقَتل وإبادة ، وسَبي وأسر ، وابذل ما في وسعك من جهود ، فسوف لا تصل إلى الهدف الذي حَلِمتَ به ، وهو إستئصال شجرة النبوة من جذورها .. بكافّة أغصانها وفروعها وأوراقها ، وعدم إبقاء صغير أو كبير من آل رسول الله .. رجلاً كان أو إمرأة !
    « ـ فو الله الذي شرّفنا بالوحي والكتاب ، والنبوّة والإنتخاب ـ »
    القسم للتأكيد الأكثر ، وهو ـ في الواقع ـ إنعكاس آخر لعلوّ مستوى درجة الثقة بالنفس والإتّكال على الله تعالى ، واليقين بما يقوله الإنسان ويحلف من أجله ، وعِلم السيدة بحوادث المستقبل ، وما ستؤول إليه الأمور ، فإنّ حوادث اليوم ، وأحداث المستقبل تُعتبر ـ أمام عين السيدة زينب عليها السلام ـ في حدّ سواء ، لأن الله تعالى ميّزها عن بقية سيدات البشر بأن يُوصّل إليها العلوم مباشرة .. عن طريق الإلهام .. ودون تعلّم من البشر ،


(468)
ولذلك فإنّ حوادث المستقبل معلومة وواضحة لها كاملاً كالحوادث المعاصرة ، ومثالها مثال مَن يُخرج رأسه مِن نافذة الغرفة ، فيرى ـ بكلّ وضوح ـ كلّ ما هو موجود إلى آخر الشارع ، وليس مثالها مثال من يجلس في غرفة ويفتح النافذة فلا يرى إلا ما يُقابل النافذة فقط.
    إنّنا نتلمّس ـ من كلمات القسم هذه ـ المعنويّات العالية التي كانت تمتاز بها السيدة زينب ( عليها السلام ) حين إلقائها لخطبتها ، فهي تفتخر وتعتزّ بمزاياها الفريدة فتقول : « فو الله الذي شرّفنا بالوحي والكتاب » ، فالقرآن الكريم نزل على جدّ السيدة زينب وهو رسول الله سيّدنا محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وفي دارها.
    وكذلك اختار الله هذه الأسرة وانتخبها لتكون فيهم النبوّة. وكأنّها تُعرّض بكلامها ليزيد : أن أنت بماذا تَعتز ؟ وبماذا تفتخر ؟!
    وهل توجد فيك فضيلة واحدة حتى تفتخر بها ؟!
    ولعلّ السيدة زينب كانت تقصد ـ أيضاً ـ إسماع الجماهير المتواجدة في ذلك المجلس هذه الحقائق ، ومِن باب المَثل الذي يقول : « إيّاك أعني واسمَعي يا جارَه ».
    وبعد كلمات القسم تذكر السيدة زينب ( عليها السلام ) الأمور التي أقسَمَت من أجلها :


(469)
    « لا تُدرِك أمَدَنا ، ولا تَبلُغ غايتنا ، ولا تمحو ذكرنا »
    أمدنا : الأمد : الغاية والنهاية. (1)
    أي : مهما بذلت من الجهود ، وحاولتَ من المحاولات ، فسوف تفشل في ذلك ، فقد حاول ذلك مَن كان قبلك ـ وهو معاوية ـ فلم يستطع ذلك ، رغم أنّه كان أقوى منك.
    « ولا يُرحَضُ عنك عارُها »
    يُرحض : يُغسل.
    تُصرّح السيدة زينب ( عليها السلام ) بحقيقة واقعيّة : وهي أنّ العار والخزي وسبّة التاريخ ، سوف تكون ملازمة ليزيد إلى الأبد ، ولا يتمكّن من غَسلها ، لا هو .. ولا مَن سيأتي من بعده من الشواذ الذين يُشاركونه في الإتجاه واللؤم.
    إنّ التاريخ يقول : حينما بدأت الأمور تنقلب على يزيد ، فقد صارت مجالس تعليم القرآن الكريم .. في الشام يتحدّث فيها المعلّم عن جرائم يزيد في قتله الإمام الحسين ( عليه السلام ) وسبيه نساء آل رسول الله ، ثمّ بدأ الناس يُنقّبون ويُنَبّشون في ملف يزيد ، لِيَروا الفارق الواسع بين سيرته وأعماله ، وبين ما سمعوه أو قرأوه عن سيرة الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
1 ـ المعجم الوسيط.

(470)
    لمّا حدث كل هذا .. بدأ يزيد يُلقي باللوم على ابن زياد ، وصار يلعنه ويقول : إنّه قتل الحسين من تِلقاء نفسه.
    ولكنّ جميع هذه المحاولات باءَت بالفشل والفضيحة الأكثر ليزيد !
    « وهل رأيُك إلا فَنَد ، وأيّامك إلا عدد ، وجمعك إلا بدَد »
    فند : الفند : الخطأ في القول والرأي. وقيل : الفند : هو الكَذِب. (1)
    لعلّ المعنى : أنّ رأيك ـ في تخطيطك ومحاولتك للتخلّص من مضاعفات جريمتك ـ خطأ وضعيف.
    « وأيّامك إلا عدد »
    العدد : هو الكميّة المتألّفة من الوحدات ، فيختصّ بالمتعدّد في ذاته. وعدد : للتقليل : أي : معدود ، هو نقيض الكَثرة. (2)
    لعلّ المعنى : يا يزيد إنّ أيامك الباقية من عمرك قليلة ،
1 ـ كتاب « تاج العروس » للزبيدي ، و « العَين » للخليل بن أحمد.
2 ـ كما يُستفاد ذلك مِن كتاب « تاج العروس » للزبيدي.


(471)
فسوف لا تبقى في هذه الحياة إلا أياماً معدودة ، فأنتَ قريب إلى الموت والهلاك ، وبعد ذلك سوف تلاقي جزاء أعمالك ، فالعذاب منك قريب.
    إنّ جريمة قتل الإمام الحسين ( عليه السلام ) أثّرت تأثيراً سلبيّاً في مقدار عمرك ، فجعلته قصيراً جدّاً.
    فقد جاء في التاريخ : أنّ يزيد عاش بعد فاجعة كربلاء سنتين وشهرين وأربعة أيام (1) ، فلم يَتَهنّا بطول الحياة وطول مدّة السلطة ، كما كان يتمنّى ذلك ، وكما كان يُتوقّعه بعد القضاء على منافسه ـ حسب زعمه ـ وهو الإمام الحسين ( عليه السلام ).
    « وجمعك إلا بدَد »
    بدَد : يُقال بَدّهُ بَدّاً : أي فَرّقَه ، وبَدّدَ الشيء : فَرّقَه (2) والتَبَدّد : التفرُّق. (3)
    المعنى : سوف يتفرّق جمعك وجلاوزتك ، وحاشيتك التي كنت تسهرُ معهم على مائدة الخمر والقمار والغناء ،
1 ـ ذكر ذلك الطبري ـ المتوفى عام 310 هـ ـ في تاريخه ، طبع لبنان ، ج 5 ، ص 499. المحقق
2 ـ المعجم الوسيط.
3 ـ العين للخليل.


(472)
فسوف يغيبون عن عينك ، لمرض أو موت ، أو تتغيّر نظرتهم بالنسبة إليك ، أو غير ذلك من الأسباب التي تجعل كلّ يوم من الأيام يحمل لك حزناً وهمّاً جديداً ، فلا تتهنّا بمن حولك.
    « يوم ينادي المنادي : ألا لعن الله الظالم العادي »
    المعنى : يوم تموت ، وتسمع صوتاً مرعباً لمناد ينادي ـ من عند الله تعالى ـ : « ألا لعن الله الظالم العادي » فأوّل شيء تراه بعد موتك هو : سماعك لهذا الصوت.
    وكلمة « لعن الله الظالم » أي : أبعده عن رحتمه وعفوه ومغفرته.
    ثمّ .. بدأت السيدة زينب ( عليها السلام ) تُمهّد لختام خطبتها الخالدة ، فقالت :
    « والحمد لله الذي حَكَم لأوليائه بالسعادة ، وختم لأصفيائه بالشهادة ، ببلوغ الإرادة »
    حَكَم لأوليائه : قضى لهم (1) ، وقدّر لهم ذلك.
    أصفيائه : الصفيّ مِن كلّ شيء صَفوُهُ ، وجمعُه :
1 ـ المعجم الوسيط.

(473)
أصفياء. (1)
    بقلب مفعم بالإيمان بالله تعالى ، والرضا بما يختاره الله لعباده ، بدأت السيدة زينب ( عليها السلام ) تختم خطبتها بحمد الله سبحانه الذي قضى لأوليائه بالسعادة ، وتقصد من الأولياء ـ هنا ـ : الإمام الحسين ( عليه السلام ) ـ الذي هو سيد أولياء الله تعالى ـ وأصحابه الذي قُتلوا معه يوم عاشوراء ، ونالوا ـ بذلك ـ شرف الشهادة.
    إنّ الإنسان الذي يلتزم بالدين ، ويصنع من نفسه وليّاً لله ـ وذلك بأدائه لِلَوازم العبودية لله سبحانه ـ سوف يحظى بنتائج إلهيّة فريدة ، وهي عبارة عن المِنَح المميزة ، والألطاف الخاصّة التي يُفيضها الله عليه ، والتي لا تشمل غيره من الناس ، ومن أبرز تلك الألطاف الخاصة : السعادة الأبدية ، ولعلّ إلى هذا المعنى الرفيع أشار الله تعالى بقوله : « والله يختصّ برحمته من يشاء ». (2)
    إنّ أولياء الله تعالى كانوا يفكّرون ـ باستمرار ـ في جَلب رضى الله سبحانه.
    أجَل .. كان هذا هو الهدف الذي يُشغلون به بالهم ،
1 ـ المعجم الوسيط.
2 ـ سورة البقرة ، الآية 105.


(474)
ويتحرّكون في هذا المدار ويدورون حول هذا المحور.
    ومن الطبيعي أنّهم كانوا ـ ولا زالوا ـ على درجات ، فهناك مَن يكون وليّاً لله تعالى منذ السنوات الأولى من حياته ، وهناك من يصير ولياً لله تعالى في مرحلة متقدّمة من العمر.
    وعلى هذا الأساس يقضي الله ( عز وجل ) لهم بالفوز والتفوّق والسعادة الأبديّة ، بجميع ما لهذه الكلمة من معنى.
    وأحياناً يُقدّر الله تعالى لهم بعض المكاره والصعوبات ، وذلك لأسرار وحِكَم يعلمها الله سبحانه ، فترى الأولياء يُظهرون من أنفسهم كلّ إستعداد وتحمّل وتقبّل لتلك المكاره ويستقبلونها بصدر واسع وصبر جميل.
    وختم الله تعالى لأصفيائه بالشهادة ، فقد كانت حياتهم كلها خير وبركة منذ البداية إلى النهاية ، فمِن المؤسف ـ حقّاً أن يموت الوليّ ميتةً طبيعية على الفراش ، بل المتوقّع له أن يوفّقه الله تعالى للشهادة والقتل في سبيله ، لكي تكون لموته أصداءٌ تعود للدين بالفائدة ، كما كانت حياته كذلك.
    فقتلهم يوقظ الغافلين غير المُلتزمين بالدين ، ويجعلهم يُفكّرون ويتساءلون عن سبب قتله رغم كونه


(475)
إنساناً طيباً ، ويبحثون عن هويّة القاتل ، وهدفه من قتل هذا الرجل !
    فتكون هذا الأصداء سبباً لعودة الكثيرين إلى الإلتزام الشديد بالدين ومبادئه.
    أليس كذلك ؟!
    ولعلّ أولئك الأولياء هم الذين أرادوا أن يكون ختام حياتهم بالشهادة ، وسألوا من الله ( عزّ وجل ) ذلك ، فاستجاب الله ـ سبحانه ـ لهم دعاءهم ، وقدّر لهم الشهادة في سبيل الله تعالى ، ولعلّ هذا هو معنى كلام السيدة زينب ( عليها السلام ) : « بِبلوغ الإرادة ».
    « نقلهم إلى الرحمة والرأفة ، والرضوان والمغفرة »
    المعنى : نَقَلهم إلى عالم يُرَفرف على رؤوسهم رحمة الله الواسعة المخصّصة للشهداء في سبيل الله تعالى ، والرأفة : أي : العاطفة المزيجة باللطف والحنان ، التي لا تَشمَل غير الشهداء الذين باعوا أعزّ شيء لديهم ـ وهي حياتهم ـ للدين ، وفي سبيل المحافظة على روح الدين الذي كان يتجسّد في الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، وعدم الرُضوخ لبيعة « يزيد » الكافر.
    « والرضوان والمغفرة » إنّ القرآن الكريم يُصرّح بأن أعلى


(476)
وأغلى وألذّ نعمة يتنعّم بها بعض أهل الجنّة ـ وفي طليعتهم شهداء فاجعة كربلاء ـ هو شعورهم وإحساسهم بأنّ الله تعالى راض عنهم ، قال تعالى : « وَعَدَ الله المؤمنين والمؤمنات جنّات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيّبة في جنّات عدن ، ورضوان من الله أكبر ، ذلك هو الفوز العظيم ». (1)
    هذا سوى ما يُعيّن لهم من أنواع النِعَم والكرامة والإحترام اللائق .. الذي لا مَثيل له في عالم الدنيا !
    يُضاف إلى ذلك : أنّ الرجل الذي يُقتَل في سبيل الله بنيّة خالصة سوف يمرّ نسيم العفو والمغفرة على ما صدر منه من مخالفات ، فيصير ملفّه أبيض لا سواد فيه.
    إنّنا نقرأ في دعاء صلاة يوم عيد الفطر والأضحى : « ... اللهم وأهل العفو والرحمة وأهل التقوى والمغفرة » ، وهذا لجميع المؤمنين التائبين ، ولكنّ الشهيد يمتاز بمزايا وتسهيلات خاصّة قرّرها الله تعالى للشهداء فقط.
    هذا إذا كان الشهيد إنساناً عادياً غير معصوم من الذنوب ، أمّا إذا كان معصوماً فلا توجد في صحيفة أعماله
1 ـ سورة التوبة ، آية 72.

(477)
ذنوب أو معاصي ، فيكون معنى « المغفرة » بالنسبة إليه علوّ درجته في الجنّة ، واختصاصه بمنح فريدة كالشفاعة للآخرين ، وغير ذلك من المميّزات.
    وأمّا سيد الشهداء الإمام الحسين ( عليه السلام ) فقد خاطبه الله تعالى ـ بقوله ـ : « يا أيتها النفس المطمئنّة : إرجعي إلى ربّك راضيةً مرضيّة ، فادخلي في عبادي وادخُلي جنّتي » ، فقد روي عن الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) أنّ المقصود والمُخاطب بهذه الآية : هي نفس الإمام الحسين ( عليه السلام ). (1)
    وكم تتضمّن هذه الآيات من كلمات وضمائر عاطفيّة !!
    « ولم يَشقَ بهم غيرك »
    المعنى : إنّ الذي صار شقيّاً وتعيساً ومطروداً من رحمة الله .. هو أنت يا « يزيد » ، .. بسبب قتلك إيّاهم وقضائك على حياتهم ، وطعنِك في قلب الإسلام النابض وهو الإمام الحسين ( عليه السلام ).
1 ـ كتاب ( تفسير البرهان ) للسيد هاشم البحراني ، عند تفسير الآية 27 ـ 30 من سورة الفجر. المحقق

(478)
    « ولا ابتُليَ بهم سواك »
    إنّ الذي امتُحنَ بالقدرة والسلطة ومشاهدة كرسيّ الملك الذي مهّده له معاوية ، فاراد القضاء على كلّ من لا يركع له ، وبذلك سقط في الإمتحان سقوطاً ذريعاً هو أنت أيّها الخامل الحاقد !
    أمّا الذين قُتِلوا مع الإمام الحسين ( عليه السلام ) ونالوا شرف الشهادة معه .. فهم قد نجحوا في الإمتحان نجاحاً باهراً وفوزاً متوالياً متواصلاً ، أي : كما كانوا مِن قَبل الشهادة ـ أيضاً ـ في مرحلة عالية من سلامة الفكر والعقيدة والسلوك ، والطاعة التامّة لإمام زمانهم الحسين ( عليه السلام ).
    فهم ـ الآن ـ في أعلى درجات الجنان والتي يُعبّر عنها بـ « الفردوس الأعلى ».
    أما أنت ـ يا يزيد ـ فسوف يكون مصيرك في أسفل دَرَك من الجحيم ، وفي ذلك التابوت الذي يُمَوّن جميع طبقات جهنّم بالحرارة العالية التي لا يُمكن للبشر ـ في هذه الدنيا ـ أن يتصوّر درجة حرارتها وشدّة اشتعالها.
    قال تعالى ـ بالنسبة لأهل النار ـ : « ويأتيه الموتُ مِن كلّ مكان وما هو بميّت » (1) وقال ( جلّ ثناؤه ) : « وقالوا :
1 ـ سورة إبراهيم ، الآية 17.

(479)
يا مالِك ! لِيَقضِ علينا ربّك ؟ قال : إنّكم ماكثون ». (1)
    « ونَسأله أن يُكمِل لهم الأجر ، ويُجزل لهم الثواب والذخر »
    أكمَلَ الشيء : أتمّه ، وفي القرآن الكريم : « اليوم أكملتُ لكم دينكم » (2) ويقال ـ أيضاً ـ : الكَمَلُ : الكامل ، يُقال : أعطاه حقّه كملاً : وافياً. (3)
    يُجزِل : الجَزلُ : العطاء الكثير ، ويُقال : أجزَل العطاء. (4)
    والجَزلُ : الكثير من كلّ شيء. (5)
    الثواب : الجزاء والعطاء (6) ، وقيل : هو الجزاء الذي يُعطى مع الإحترام والإجلال والتقدير .. وليس مجرّد
1 ـ سورة الزخرف ، الآية 77.
2 ـ سورة المائدة ، الآية 3.
3 ـ المعجم الوسيط.
4 ـ كتاب « العَين » للخليل بن أحمد.
5 ـ المعجم الوسيط.
6 ـ نفس المصدر.


(480)
إعطاء الجزاء (1).
    الذُخر : يُقال : ذَخَر لنفسه حديثاً حسناً. (2)
    المعنى : ونسأل الله تعالى أن يُكمِلَ لهم الجزاء المخصّص للشهداء ، جزاءً تامّاً يَليقُ بتقدير الله سبحانه للشهداء المخلصين ، الذين تركوا زوجاتهم أرامل ، وأطفالهم أيتام ، وأمّهاتهم ثُكالى .. كل ذلك .. في سبيل الله !
    فيُعطيهم العطاء الكثير الوافر ، مع الإحترام والتقدير ، إذ قد يَدفع الإنسان الأجرة إلى العامل .. مِن دون أن تكون كيفيّة الإعطاء مقرونة بالإحترام ، أمّا الثواب : فهو إعطاء الأجر .. مع الإستقبال الحارّ ، والإحترام والإبتسامة واللُطف.
    ويَكتُب لهم الثناء الجميل والذكر الحسن ، على ألسنة الناس وفي صفحات التاريخ.
    وقد استجاب الله تعالى دُعاء السيدة زينب العظيمة ( عليها السلام ) ، فقد رُوي عن الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) أنّه قال : « ما مِن عبدٍ شرِب الماء فذكر الحسين ( عليه السلام )
1 ـ كما يُستفاد من كتاب « مجمع البحرين » للطريحي.
2 ـ المعجم الوسيط.
زينب الكبرى عليها السلام من المهد الى اللحد ::: فهرس