|
|||||||||
(481)
ولعن قاتله إلا كتب الله له مائة ألف حسنة ، وحطّ عنه مائة ألف سيّئة ، ورفع له مائة ألف درجة ، وكأنّما أعتق مائة ألف نَسَمة ، وحشره الله تعالى يوم القيامة ثَلجَ الفؤاد ». (1)
وروي عن الإمامين الباقر والصادق ( عليهما السلام ) أنّهما قالا : « إنّ الله تعالى عوّض الحسين ( عليه السلام ) عن قتله أن : جعل الإمامة في ذريّته ، والشفاء في تربته ، وإجابة الدعاء عند قبره ، ولا تُعدّ أيام زائريه .. ـ جائياً وراجعاً ـ مِن عمره ». (2) وقد روي ـ أيضاً ـ عن الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) أنّه أمَر رجلاً كان يريد الذهاب إلى زيارة قبر الإمام الحسين ( عليه السلام ) أن يزور قبور الشهداء ـ بعد الفراغ من زياة الإمام الحسين ( عليه السلام ) ـ ويُخاطبهم بهذه الكلمات : « ... بأبي أنتم وأمّي طبتم وطابت الأرض التي فيها دفنتم ، وفزتم فوزاً عظيماً ... ». 1 ـ كتاب « كامل الزيارات » لابن قولويه ، ص 106. 2 ـ كتاب « بحار الأنوار » ج 44 ، ص 221 ، باب 29 ، نقلاً عن كتاب أمالي الطوسي. (482)
« ونسأله حسنَ الخلافة ، وجميل الإنابة ، إنّه رحيم ودود »
الخلافة : يُقال خَلَف فلان فلاناً .. خلفاً وخِلافةً : جاء بعده فصار مكانه (1). وفي الدعاء : أخلَفَ الله لك وعليك خيرا ». وفي الدعاء أيضاً : « واخلُف على عَقِبِه في الغابرين ». الإنابة : الرجوع الى الله ، قال سبحانه : « إرجعي إلى ربّك ». المعنى : ونسأل الله تعالى أن يُخلّف لناعمّن فقدناه أفراداً صالحين ، يسدّون بعض الفراغ الذي تركه مقتل أولئك الصفوة الطيّبة من رجال آل رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بأن يجعل في البقيّة الباقية منهم خيراً. أو : أن يجعل مستقبلنا مستقبلاً حسناً مريحاً ، بعد ما شاهدناه وعانيناه من المصائب الفجيعة التي لن تُنسى !! إنتهت السيدة زينب البطلة الشجاعة ، مِن إلقاء خطبتها الخالدة. والآن .. توجّهت أنظار الحاضرين إلى يزيد الحاقد 1 ـ كما يُستفاد من مجمع البحرين للطريحي. (483)
لِيَروا منه ردود الفعل.
فما كان منه سوى أنّه عَلّق على هذه الخطبة المفصّلة بقوله :
أم أنّ أعصابه أُصيبت بالإنهيار والإهتزاز ، فلم يستطع التركيز والرد ؟! أم رأى أنّ الإجابة والتعليق يُسبّب له مزيداً من الفضيحة أمام تلك الجماهير الغفيرة الحاشدة في المجلس ، فرأى السكوت خيراً له من خَلق أجواء الحوار مع إبنة الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) التي ظَهَرت جدارتها الفائقة على مقارعة أكبر طاغوت ، بكلام كلّه صدقٌ ، واستدلال منطقي وعَقلي مُقنع. وخاصة أنّ 1 ـ وفي نسخة : « ما أهون النوح على النوائح » ولعلّه ( لعنه الله ) يقصد من قراءته لهذا الشعر : أنّها إمرأة مفجوعة .. دَعها تتكلّم بما تُريد ، فإنّ ذلك لا يُهمّني ! المحقق (484)
الجملات الأخيرة ـ التي كانت تَحمل في طيّاتها التهديد المُرعب ـ جعلت يزيد ينهار رغم ما كان يشعر به مِن تجبّر وكبرياء. (1)
1 ـ لقد ذُكرت خطبة السيدة زينب ( عليها السلام ) في مجلس يزيد ، في المصادر التالية : 1 ـ كتاب مقتل الإمام الحسين عليه السلام ، للخوارزمي ج 2 ص 63. 2 ـ كتاب نثر الدرر ، لمنصور بن الحسين الآبي ، المتوفّى عام 421 هـ ، طبع مصر ، ج 4 ، ص 26. 3 ـ كتاب بلاغات النساء ، لابن طيفور ، المتوفّى عام 280 هـ. 4 ـ كتاب ( معالي السبطين ) للشيخ محمد مهدي المازندراني الحائري. 5 ـ كتاب « تظلّم الزهراء » للقزويني ، طبع بيروت ، ص 283. 6 ـ كتاب « الإيقاد » للسيد الشاه عبد العظيمي ص 173. المحقق (485)
لقد ذكرنا أنّ السيد إبن طاووس قد روى خطبة السيدة زينب الكبرى ( عليها السلام ) بكيفيّة تختلف عمّا ذكرناه ، وتمتاز ببعض الإضافات والفُروق ، ولا تَخلو من فوائد ، وإليك نصّها :
قال الراوي : فقامت زينب بنتُ علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) فقالت : « الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمد رسوله وآله أجمعين ، صدق الله سبحانه ، كذلك (1) يقول : « ثمّ كان عاقبة 1 ـ وفي نسخة : إذ يقول. (486)
الذين أساؤا السوئى أن كذّبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزؤون » (1).
أظننت ـ يا يزيد ! ـ حيثُ أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء ـ فأصبحنا نُساق كما تُساق الأُسارى (2) ـ أنّ بنا على الله هواناً ، وبك عليه كرامة ؟ وأنّ ذلك لَعَظم خطرك عنده ؟ فَشَمَخت بأنفك ، ونظرت في عطفك ، جذلان مسروراً (3) ، حين رأيت الدنيا لك مستوثقة ، والأمور متّسقة ، وحين صفى لك مُلكنا وسلطاننا ! فمهلاً مهلاً ! أنسيت قول الله ـ عزّ وجل ـ : « ولا يحسبنّ الذين كفروا أنّما نُملي لهم خيرٌ لأنفسهم ، إنّما نُملي لهم ليزدادوا إثماً ولهم عذاب مهين » (4). أمِن العدل يابن الطُلقاء ؟! تخديرك إماءك وحرائرك ، وسوقك بنات رسول الله سبايا ؟ 1 ـ سورة الروم ، الآية 10. 2 ـ وفي نسخة : كما تُساق الإماء. 3 ـ وفي نسخة : جَذِلاً مَسروراً. 4 ـ سورة آل عمران ، الآية 178. (487)
قد هتكتَ ستورهنّ ، وأبديتَ وجوههنّ ، تحدوا بهنّ الاعداء من بلد إلى بلد ، ويستشرفهنّ أهل المنازل والمناهل (1) ، ويتصفّح وجوههنّ القريب والبعيد ، والدنيّ والشريف ، ليس معهنّ من رجالهنّ وليّ ، ولا مِن حماتهنّ حميّ.
وكيف تُرتجى مراقبة ابن من لفظ فوه أكباد الأزكياء ؟ ونبت لحمه بدماء الشهداء ؟ وكيف يستبطأ في بُغضنا أهل البيت من نظر إلينا بالشَنَف والشَنآن ، والإحَن والأضغان. ثمّ تقول ـ غير مُتأثّم ولا مستعظِم ـ :
وكيف لا تقول ذلك ؟ وقد نكأتَ القرحة ، واستأصلتَ الشأفة ، بإراقتك دماء ذريّة محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ونجوم الأرض من آل عبد المطّلب. 1 ـ وفي نسخة : اهل المناهل والمناقل. (488)
وتَهتف بأشياخك ، زعمت أنّك تناديهم ، فلتردَنّ ـ وشيكاً ـ موردهم ، ولتودّنّ أنّك شُلِلتَ وبَكِمتَ (1) ، ولم تكن قلتَ ما قلتَ ، وفعلتَ ما فعلت.
اللهم خذ بحقّنا ، وانتقم ممّن ظلمنا ، واحلل غضبك بمن سفك دماءنا ، وقتل حُماتنا. فوالله ما فَرَيتَ إلا جلدك ، ولا حززت إلا لحمك (2) ، ولتردنّ على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بما تحمّلت من سفك دماء ذريّته ، وانتهكتَ من حرمته في عترته ولُحمته ، وحيث يجمع الله شملهم ، ويلمّ شعثهم ، ويأخذ بحقّهم. « ولا تحسبنّ الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياءٌ عند ربهم يُرزقون » (3) وحسبُك بالله حاكماً ، وبمحمد خصيماً ، وبجبرئيل ظهيراً. 1 ـ بَكمتَ : عجَزتَ عن الكلام خِلقةً. المعجم الوسيط. 2 ـ وفي نسخة : جَزَرتَ. 3 ـ سورة آل عمران ، الآية 169. (489)
وسيعلم مَن سوّل لك (1) ومكّنك من رقاب المسلمين ، بئس للظالمين بدلاً ، وأيّكم شرّ مكاناً (2) ، وأضعف جنداً.
ولئن جرّت عليّ الدواهي مخاطبتك ، فإنّي لأستصغرُ قدرك ، وأستعظم تقريعك ، وأستكثر توبيخك ، لكن العيون عبرى ، والصدور حرّى. ألا : فالعجب كل العجب ! لقتل حزب الله النجباء ، بحزب الشيطان الطلقاء (3) ، فهذه الأيدي تنطف من دمائنا ، والأفواه تتحلّب من لحومنا ، وتلك الجثث الطواهر الزواكي تتناهبها العواسل ، وتعفوها أمّهات الفراعل. ولئن اتّخذتنا مغنماً لتجدنّا ـ وشيكاً ـ مَغرماً ، حين لا تجدُ إلا ما قدّمت يداك ، وما ربّك بظلام للعبيد. فإلى الله المشتكى ، وعليه المعوّل. 1 ـ سوّلَ لك : زيّنَ لك عملك. 2 ـ وفي نسخة : وأيّنا شرٌ مكانا. 3 ـ لعلّ الأصح : على أيدي حزب الشيطان. المحقق (490)
فكِد كيدك ، واسعَ سعيك ، وناصِب جُهدك (1) ، فوالله لا تَمحُونّ ذكرنا ، ولا تُميت وحينا ، ولا تُدرك أمدنا ، ولا تَرحضُ عنك عارها.
وهل رأيك إلا فَنَد ، وأيامك إلا عَدَد ، وجمعك إلا بَدَد ؟ يوم ينادي المنادي : ألا : لعنة الله على الظالمين. فالحمد لله الذي ختم لأوّلنا بالسعادة والمغفرة ، ولآخرنا بالشهادة والرحمة ، ونسأل الله أن يُكمِلَ لهم الثواب ، ويوجب لهم المزيد ، ويُحسن علينا الخلافة ، إنّه رحيم ودود ، وحسبنا الله ونعم الوكيل ». فقال يزيد :
1 ـ وفي نسخة : واجهَد جهدك. 2 ـ كتاب « الملهوف » للسيد ابن طاووس ، ص 215 ـ 218. (491)
آل رسول الله في خَرِبَة الشام
حوارٌ بين مِنهال والإمام زين العابدين ( عليه السلام ) مجيء زوجة يزيد إلى خربة الشام آل رسول الله يُقيمون المآتم على الإمام الحسين ( عليه السلام ) في الشام بين الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) ويزيد بن معاوية تَرحيل عائلة آل الرسول مِن دمشق إلى المدينة المنوّرة (492)
(493)
ماذا حَدَثَ بعد مجلس الطاغية يزيد ؟
لقد جاء في التاريخ : أنّ يزيد أمر بهم إلى منزلٍ لا يُكنّهم من حرٍ ولا برد ، فأقاموا فيه حتّى تقشّرت وجوههم من حرارة الشمس وأشعّتها المباشرة ، وكانوا مدّة إقامتهم في ذلك المكان ينوحون على الإمام الحسين ( عليه السلام ). (1) 1 ـ كتاب « الملهوف » لابن طاووس ، ص 219. (494)
(495)
وفي كتاب ( الأنوار النعمانيّة ) للجزائري : عن منهال بن عمرو الدمشقي قال :
كنتُ أتمشّى في أسواق دمشق ، وإذا أنا بعليّ بن الحسين يمشي ويتوكّأ على عصا في يده ، ورِجلاه كأنّهما قصبتان ! والدم يجري من ساقَيه ! والصُفرة قد غَلَبت عليه ! قال منهال : فخَنقَتني العبرة ، فاعترضتُه (1) وقلت له : كيف أصبحت يابن رسول الله ؟! قال : يا منهال ! وكيف يُصبِح من كان أسيراً ليزيد بن معاوية ؟! يا منهال ! والله ، منذ قُتِلَ أبي ، نساؤنا ما شبعن بطونهن ! 1 ـ اعترضته : أقبلت نحوه وواجهته. |
|||||||||
|