زينب الكبرى عليها السلام من المهد الى اللحد ::: 541 ـ 555
(541)
الليل عن صُبحه (1) ، وأسفَر الحقّ عن محضه (2) ، ونَطق زعيم الدين ، وخرست شقاشق الشياطين (3) ، وطاح وشيظ النفاق (4) ، وانحلّت عُقَد الكفر والشِقاق (5) وفُهتُم بكلمة الإخلاص (6) ، في نَفَر من البيض الخِماص (7) ، وكنتـم على شفـا حفـرةٍ من النـار (8) ، مُذقة الشارب (9) ، ونُهزة الطامع (10) ، وقَبسة العجلان (11) ، وموطئ الأقدام ، تشربون
1 ـ تفرّى : إنشقّ.
2 ـ أسفَر : إذا انكشف وأضاء. والمَحض : الخالص.
3 ـ شقاشق ـ جمع شقشقة ـ : وهي شيء يَشبه الرئة يخرج من فَم البعير إذا هاج.
4 ـ الوشيظ : الأتباع والخدَم.
5 ـ الشقاق : الخلاف.
6 ـ فُهتم : تلفّظتم ، تفوّهتم.
7 ـ البيض ـ جمع أبيض ـ والخِماص ـ جمع خَميص ـ : وهو الجائع.
8 ـ شفا حُفرة : جانبها المُشرف عليها ، أو : حافّتها.
9 ـ المذقة ـ بضمّ الميم ـ شربة من اللبن الممزوج بالماء.
10 ـ النهزة ـ بضمّ النون ـ : الفُرصة.
11 ـ قبسة العجلان : الشُعلة من النار التي يأخذها الرجل العاجل.


(542)
الطَرق (1) ، وتَقتاتون القِدّ والوَرق (2) ، أذلّةً خاسئين ، تخافون أن يتخطّفكم الناس من حولكم ، فأنقذكم الله تعالى بمحمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بعد اللّتيّا والتي ، وبعد أن مُنِيَ بِبُهم الرجال (3) ، وذُؤبان العَرَب ، ومَرَدَة أهل الكتاب (4) ، كلّما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله ، أو نَجَم (5) قرنٌ للشيطان ، أو فَغَرت (6) فاغرةٌ من المشركين ، قَذَفّ أخاه في لَهَواتها (7) ، فلا
1 ـ الطرق ـ بفتح الطاء وسكون الراء ـ : الماء الذي خاضَت فيه الإبل وبالَت فيه.
2 ـ تَقتاتون : تَجعلون قُوتكم. القِدّ ـ بكسر القاف ـ : قطعة جلد غير مدبوغ ، ويُحتمل أن يكون بمعنى القديد : وهو اللحم المُجفّف في الشمس. الوَرَق : ورق الأشجار .. على اختلاف أنواعها.
3 ـ مُني ـ فعل ماضي مجهول ـ : ابتُلي. والبُهَم ـ على وزن الغُرَف ـ جَمع بهمة : وهو الشجاع الذي لا يُهتدى مِن أين يؤتى.
4 ـ مردة ـ بفتح الميم والراء والدال ـ : جَمع مارِد وهو العاتي.
5 ـ نَجَمَ ـ فعل ماضي ـ : طَلَع. وقرن الشيطان : أتباعُه.
6 ـ فغر : فَتَح. فاغرة فاها : أي : فاتحة فمَها.
7 ـ اللهوات ـ جَمع لَهاة ـ : لحمة مُشرفة على الحلق في أقصى الفم.
أخاه : المقصود هو الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.


(543)
يَنكفئ حتى يطأ صِماخها بأخمصه (1) ، ويُخمِدَ لَهَبَها بسيفه (2) ، مكدوداً في ذات الله (3) ، مُجتهداً في أمر الله ، قريباً من رسول الله ، سيداً في أولياء الله ، مُشمّراً ناصحاً ، مُجدّاً كادحاً (4) ، وأنتم في رَفاهية من العيش (5) ، وادِعون فاكهون آمنون (6) ، تتربّصون بنا الدوائر (7) ، وتتوكّفون الأخبار (8) ، وتنكصون عند النزال (9) ، وتفرّون من القتال.
    فلمّا اختار الله لنبيّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) دارَ
1 ـ ينكفئ : يَرجع. يطأ : يَدوس. صِماخها : أُذُنَها. بأخمَصه : بباطن قَدَمه.
2 ـ يُخمد : يُطفئ. لَهبَها : إشتعالها.
3 ـ المكدود : المُتعَب.
4 ـ شمّرَ ثوبه : رَفَعَه. مُجدّاً ـ بضم الميم وكسر الجيم ـ : مُجتهداً ، والكادح : الساعي.
5 ـ رفاهية : سٍعة.
6 ـ وادعون : مرتاحون. فاكهون : ناعمون.
7 ـ الدوائر : العواقب المذمومة والمفاجآت المؤسفة.
8 ـ تتوكّفون : تتوقّعون بلوغ الأخبار.
9 ـ تنكصون : ترجعون وتتأخّرون. والنزال : القتال.


(544)
أنبيائه ، ومأوى أصفيائه ، ظَهَر فيكم حسكة النفاق (1) ، وسمل جلباب الدين (2) ، ونطق كاظم الغاوين (3) ، ونَبَغَ خامل الأقلّين (4) ، وهَدَر فنيق المبطلين (5) ، فخطر في عرصاتكم (6) ، وأطلع الشيطان رأسه من مِغرَزه (7) هاتفاً بكم ، فألفاكم لِدَعوته مستجيبين ، وللغِرّة فيه ملاحظين. (8)
    ثمّ استنهضكم فوجدكم خفافاً ، وأحمشكم فألفاكم غِضابا (9) ، فـوسَمتـم غيـرَ إبلكـم (10) ، وأوردتم غير
1 ـ الحسكة والحسيكة : الشوكة.
2 ـ سمل الثوب : صارَ خَلِقاً. والجِلباب. ثوبٌ واسع.
3 ـ كاظم الغاوين : الساكت ، الضالّ ، الجاهل.
4 ـ ظهر مَن خَفي صوته واسمه .. من الأذلاء ، غير المشهورين.
5 ـ هدر البعير : ردّد صوته في حنجرته. والفنيق : الفحل من الإبل.
6 ـ خطر : إذا حرّك ذنبه ، مِن منطلق الإعجاب بنفسه.
7 ـ المغرز ـ بكسر الراء ـ : ما يُختفى فيه.
8 ـ الغِرة ـ بكسر الغين ـ : الانخداع ، ومُلاحظين : ناظرين ومُراعين ، ومُتجاوبين للإنخداع.
9 ـ أحمشكم : أغضَبَكم.
10 ـ الوَسم : الكيّ ، وَسَمَه : كواه ، لِتَبقى في جسمه علامة خاصّة تُميّزه عن غيره.


(545)
شِربكم (1) ، هذا والعهد قريب ، والكلم رَحيب (2) ، والجُرحُ لمّا يَندَمل (3) ، والرسول لمّا يُقبَر (4) ، إبتداراً زعمتم خوف الفتنة (5) ، « ألا : في الفتنة سَقطوا وإنّ جهنّم لمحيطة بالكافرين ».
    فهيهات منكم ! وكيف بكم ؟ « وأنّى تؤفكون » (6) ، وكتابُ الله بين أظهركم ، أموره ظاهرة ، وأحكامه زاهرة ، وأعلامه باهرة ، وزواجره لائحة ، وأوامره واضحة ، وقد خلّفتموه وراء ظهوركم.
    أرَغبةً عنه تريدون ؟ أم بغيره تحكمون ؟ « بئس للظالمين بدلاً » ، « ومَن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يُقبَل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ».
1 ـ الشِرب ـ بكسر الشين ـ : النصيب من الماء.
2 ـ الكلم : الجرح. رَحيب : واسع.
3 ـ اندمل : تَماثَل للشفاء والإلتئام.
4 ـ يُقبَر : يُدفَن.
5 ـ ابتداراً : مُعاجلةً منكم في غصب الخلافة.
6 ـ تؤفكون : أي تُصرفون.


(546)
    ثمّ لم تَلبثوا إلا رَيث أن تسكن نفرتُها (1) ، ويَسلَس قيادها (2) ، ثمّ أخذتم تورون وَقدَتها ، وتُهيّجون جمرتها (3) ، وتَستجيبون لِهتاف الشيطان الغويّ ، وإطفاء أنوار الدين الجليّ ، وإخماد سنن النبي الصفيّ ، تسرّون حسواً في ارتغاء ، وتمشون لاهله ووُلده في الخَمَر والضراء (4) ، ونَصبر منكم على مثل حزّ المدى (5) ، ووَخز السنان في الحشى (6) ، وأنتم ـ الآن ـ تزعمون أن لا إرثَ لنا ، « أفحكم الجاهلية يبغون » ؟ ، « ومَن أحسن من الله حُكماً لقومٍ يوقنون » ؟ أفلا تعلمون ؟ بلى تجلّى لكم ـ كالشمس الضاحية ـ أنّي ابنته.
    أيها المسلمون ! ءأُغلَبُ على إرثيَه.
    ياابنَ أبي قُحافة !
1 ـ رَيث : قَدَر. نفرتها ، نَفَرت الدابة : جَزَعت وتباعَدَت.
2 ـ يسلس : يَسهل.
3 ـ تورون : تُخرجون نارها. تُهيّجون : تُثيرون.
4 ـ الخمر ـ بفتح الخاء والميم ـ : ما يستُرك من الشجر وغيره.
5 ـ المُدى ـ بضم الميم ـ جمع مُدية : وهي الشفرة أو السكينة.
6 ـ الوَخز : الطعن. والسنان : رأس الرمح.


(547)
    أفي كتاب الله أن تَرثَ أباك ولا أرِث أبي ؟؟
    لقد جئت شيئاً فريّاً !! (1).
    أفعلى عَمدٍ تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم ؟ إذ يقول : « ووَرثَ سليمان داود » (2). وقال ـ فيما اقتصّ مِن خبر زكريّا ـ إذ قال : « فهَب لي من لدنك وليّاً يَرثني ويرث من آل يعقوب » (3).
    وقال : « وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله » (4). وقال : « يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظّ الأُنثَيَين » (5).
    وقال : « إن تَركَ خيراً الوصيّة للوالدَين والأقربين بالمعروف حقّاً على المتّقين » (6).
    وزعمتم أن لا حَظوة لي ؟ (7) ولا أرث مِن أبي !
1 ـ فريّاً : أمراً عظيماً أو منكراً قبيحاً.
2 ـ سورة النمل ، الآية 16.
3 ـ سورة مريم ، الآية 5 ـ 6.
4 ـ سورة الأنفال ، الآية 75.
5 ـ سورة النساء ، الآية 11.
6 ـ سورة البقرة ، الآية 180.
7 ـ حظوة : النَصيب.


(548)
    أفخصّكم الله بآية أخرَجَ أبي منها ؟
    أم تقولون : إنّ أهلَ مِلّتين لا يتوارثان ؟
    أوَلستُ أنا وأبي من أهل ملّة واحدة ؟
    أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمّي ؟
    فدونَكها مخطومة مرحولة (1) ، تلقاك يوم حشرك ، فنعم الحَكَم الله ، والزعيم محمد ، والموعد القيامة ، وعند الساعة يخسر المبطلون ، ولا ينفعكم إذ تندمون ، ولكلّ نبأ مستقرّ ، فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ، ويحلّ عليه عذاب مقيم.
    ثمّ رمت بطَرفها نحو الأنصار فقالت : يا معشر النَقيبة ، وأعضاد المِلّة ، وحَضَنَة الإسلام (2) ، ما هذه الغميزة في حقّي ؟ (3) ، والسِنَة عن ظلامتي ؟! ، أما كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أبي يقول : « المَرءُ يُحفَظ في وُلده » ؟
    سَرعان ما أحدثتم ، وعَجلان ذا إهالة ، ولكم طاقة
1 ـ مَرحولة : يُقال : ناقة مخطومة ومرحولة ، الخِطام ـ بكسر الخاء ـ : الزِمام ، ومرحولة : مِن الرحل : وهو للناقة كالسَرج للفَرس.
2 ـ حضَنة ـ جمع حاضِن ـ : بمعنى الحافظ.
3 ـ الغَميزة : الضعف أو الغفلة.


(549)
بما أُحاول ، وقوّة على ما أطلب وأُزاول (1).
    أتقولون : ماتَ محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فخطَبٌ جليل ، استَوسع وَهنه (2) ، واستنهر فتقه ، وانفَتَق رَتقه ، وأظلمت الأرض لِغَيبَته ، وكُسفَت النجوم لمصيبته ، واكدت الآمال (3) ، وخشعت الجبال ، وأُضيع الحَريم (4) وأُزيلَت الحُرمة عند مماته ، فتلك ـ والله ـ النازلة الكبرى (5) ، والمصيبة العظمى ، لا مثلها نازلة ، ولا بائقة عاجلة (6) أعلنَ بها كتاب الله ـ جلّ ثناؤه ـ في أفنيَتِكم (7) ، في مَمساكم ومَصبَحِكم ، هتافاً وصُراخاً ، وتلاوةً وألحاناً ، ولَقَبلَه ما حلّ بأنبيائه ورسله ، حكمٌ فَصل ، وقضاءٌ حتم ، « وما محمد إلا رسول قد خَلَت مِن
1 ـ أُزاول : أقصد.
2 ـ استوسَع وَهنه : إتّسع غاية الإتّساع وهنُه.
3 ـ أكدت : انقطعت.
4 ـ الحريم : ما يَحميه الرجل ويُقاتل عنه.
5 ـ النازلة : الشديدة.
6 ـ البائقة : الداهية.
7 ـ أفنيتكم ـ جمع فِناء ، بكسر الفاء ـ : جوانب الدار من الخارج ، أو العَرَصة المتّسعة أمام الدار.


(550)
قبله الرسل ، أفإن مات أو قُتلَ انقلبتم على أعقابكم ومَن يَنقلِب على عقبيه فلن يضرّ الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين » (1).
    ثمّ رَمَت بطرفِها نحو الأنصار وقالت :
    إيهاً بَني قيلة ! (2).
    أَأُهضَم تُراثَ ابي ؟ ، وأنتم بمرأىً منّي ومَسمَع ، ومنتدى ومَجمَع (3) تلبسُكم الدعوة ، وتَشملكم الخبرة (4) ، وأنتم ذَوو العَدَد والعُدّة ، والأداة والقوّة ، وعندكم السلاح والجُنّة ، تُوافيكم الدعوة فلا تُجيبون ؟ ، وتأتيكم الصَرخة فلا تُعينون ؟ ، وأنتم مَوصوفون بالكفاح ، مَعروفون بالخير والصلاح ، والنُخبة التي انتُخبِت ، والخيرة التي اختيرت (5).
    قاتَلتُم العَرَب ، وتحمّلتم الكدّ والتَعَب (6) ، وناطحتم
1 ـ سورة آل عمران ، الآية 144.
2 ـ إيهاً : بمعنى هيهات ، أو مزيداً من الكلام.
3 ـ مُنتدى : مجلس القوم.
4 ـ الخبرة : العِلم بالشيء.
5 ـ الخيرة ـ بكسر الخاء وسكون الياء ـ المُفضّل من القوم.
6 ـ الكدّ : الشِدّة.


(551)
الأُمم ، وكافحتم البُهَم (1) ، لا نَبرح أو تَبرحون ، نَأمُركم فتَأتَمرون ، حتى إذا دارت بنا رحى الإسلام ، ودرَ حلبُ الأيام ، وخَضَعَت ثَغرة الشِرك ، وسَكنَت فَورة الإفك ، وخَمُدت نيران الكفر ، وهَدأت دعوة الهرج ، واستوسق نظام الدين ، فأنّى حِرتُم بعد البيان ؟ ، وأسررتم بعد الإعلان ؟ ، ونكصتم بعد الإقدام ، وأشركتم بعد الإيمان ؟ ، « ألا تُقاتِلون قوماً نَكثوا أَيمانهم وهَمّوا بإخراج الرسول ، وهم بَدؤكم أوّل مرّة ، أتخشَونَهم فالله أحقّ أن تَخشَوه إن كنتم مؤمنين » (2).
    ألا : قد أرى أن قد أخلَدتم إلى الخفض (3) وأبعدتم مَن هو أحقّ بالبَسط والقَبض ، وخلَوتم إلى الدعة (4) ، ونَجَوتم مِن الضيق بالسعة ، فمَجَجتم ما وَعَيتم (5) ، ودسعتُم الذي تسوّغتم (6) ، « فإن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعاً فإنّ الله
1 ـ البهَم ـ جمع بهمة ـ : الشجاع.
2 ـ سورة التوبة ، الآية 13.
3 ـ الخفض : الراحة.
4 ـ الدعة : الراحة والسُكون.
5 ـ مَجَجتم : رَميتم. وَعيتم : حفِظتم.
6 ـ دسعتم : تقيّأتم. وتسوّغتم : شَربتُم بسهولة.


(552)
لغنيّ حميد » ، ألا : قد قلتُ ما قلتُ على معرفة منّي بالخذلة التي خامَرتكم (1) والغَدرة التي استَشعرَتها قلوبكم (2).
    ولكنّها فيضَة النفس (3) ، ونَفثة الغيظ (4) ، وخَوَر القنا (5) ، وبثّة الصدر ، وتَقدِمة الحُجّة ، فدونكموها ، فاحتَقِبوها دَبِرَة الظَهر (6) ، نقبةَ الخُف (7) ، باقية العار ، مَوسومةً بغضب الله ، وشَنار الأبد (8) ، مَوصولة بنار الله الموقدة التي تطّلع على الأفئدة ، فبِعَين الله ما تفعلون ، « وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقَلَب ينقلبون » ، وأنا ابنةُ نذير لكم بين يَدَي عذاب شديد ، فاعملوا إنّا عاملون ، وانتظروا إنّا منتظرون.
1 ـ خامَرتكم : خالطتكم.
2 ـ استشعَرَتها : لبسَتها.
3 ـ فاضَ صدرُه بالسِرّ : باحَ به.
4 ـ كالدم الذي يُرمى به من الفم ويدلّ على وجود قرحة.
5 ـ ضَعف النَفس عن التحمّل.
6 ـ دونكموها : خّذوها. دبرة : مَقروحة.
7 ـ نقبة الخُف : رَقيقة الخُفّ.
8 ـ شنار : العَيب والعار.


(553)
    فأجابها أبو بكر ( عبد الله بن عثمان ) (1) وقال :
    يابنَة رسول الله ! لقد كانَ أبوكِ بالمؤمنين عطوفاً كريماً ، رؤفاً رحيماً ، وعلى الكافرين عذاباً أليماً وعقاباً عظيماً ، إن عَزَوناه وجَدناه أباكِ دونَ النساء (2) ، وأخا إلفِكِ دون الأخِلاّء (3) ، آثره على كلّ حميم (4) ، وساعده في كل أمر جسيم ، لا يُحبّكم إلا كل سعيد ، ولا يُبغضكم إلا كل شقيّ.
    فأنتم عترة رسول الله الطيّبون ، والخيرة المنتجبون ، على الخَير أدِلّتُنا ، وإلى الجنّة مسالكنا ، وأنتِ يا خيرة النساء ، وابنة خير الأنبياء ، صادقةٌ في قولك ، سابقة في وُفور عقلك ، غير مردودة عن حقّك ، ولا مصدودة عن صدقك (5) ، والله ما عَدَوتُ رأيَ رسول الله !!! (6) ولا عَمِلتُ إلا بإذنه ، وإنّ الرائد لا يكذِبُ أهلَه (7) ، وإنّي أُشهد الله وكفى به شهيداً ، أنّي
1 ـ أي : أبو بكر بن أبي قُحافة.
2 ـ عَزَوناه : نَسَبناه.
3 ـ وفي نسخة : وأخا بَعلك. والمعنى واحد.
4 ـ حَميم : قريب.
5 ـ مَصدودة : ممنوعة.
6 ـ عَدَوتُ : جاوزتُ.
7 ـ الرائد : الذي يَتقدّم القوم ، يَبحَث لهم عن الماء والكلأ ومَساقط الثمار.


(554)
سمعتُ رسول الله يقول : « نحنُ معاشر الانبياء لا نورّث ذهباً ولا فضّةً ولا عقاراً ، وإنّما نورثّ الكتاب والحِكمة ، والعلم والنبوة ، وما كان لنا من طعمة فلوالي الأمر بَعدنا ، أن يَحكُم فيه بحُكمه ».
    وقد جعلنا ما حاولتِهِ في الكُراع والسلاح (1) ، يُقاتلُ بها المسلمون ، ويُجاهدون الكفّار ، ويُجالدون المَردة الفُجّار (2). وذلك بإجماع من المسلمين !! لم أنفَرِد به وَحدي ، ولم أستَبِدّ بما كان الرأي فيه عندي (3) ، وهذه حالي ومالي ، هي لكِ ، وبَينَ يديكِ ، لا تُزوى عنكِ (4) ، ولا تُدّخر دونكِ ، وأنتِ سيدة أمّة أبيكِ ، والشجرة الطيبة لِبنيك ، لا يُدفَع مالَك من فضلكِ ، ولا يوضع في فَرعك وأصلكِ ، حُكمك نافذ فيما مَلَكت يَداي ، فهل تَرينّ أن أُخالف في ذلك أباك ؟
    فقالت ( عليها السلام ) :
    سبحان الله ! ما كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عن
1 ـ الكراع ـ بضمّ الكاف ـ : جماعة الخيل.
2 ـ يُجالدون : يضاربون.
3 ـ استبدّ : انفرد بالأمر مِن غير مُشارك فيه.
4 ـ تُزوى عنك : تُقبَض عنك.


(555)
كتاب الله صادفاً (1) ، ولا لأحكامه مُخالفاً ، بل كان يتّبع أثَره ، ويَقفو سُوَره (2) ، أفتُجمِعون إلى الغَدر إعتلالاً عليه بالزور ، وهذه بعد وفاته شبيهٌ بما بُغيَ له من الغَوائل في حياته (3).
    هذا كتاب الله حَكَماً عدلاً ، وناطقاً فَصلاً ، يقول : « يَرثُني ويَرثُ مِن آل يَعقوب » ، « ووَرث سليمانُ داودَ » ، فبيّن ( عزّ وجل ) فيما وزّع عليه من الأقساط ، وشَرع مِن الفرائض والميراث ، واباحَ مِن حظّ الذُكران والإناث ، ما أزاحَ علّة المُبطلين ، وأزالَ التظنّي والشُبُهات في الغابرين (4) ، كلا ، « بل سَوّلت لكم أنفسُكم أمراً فصبرٌ جميل ، والله المُستعان على ما تَصِفون ».
    فقال أبو بكر :
    صَدق الله وصدق رسوله وصدقت ابنته ، أنتِ معدن الحِكمة ، ومَوطن الهدى والرحمة ، ورُكن الدين ، وعَين الحُجّة ، لا أُبعدُ صوابكِ ، ولا أُنكر خِطابكِ ، هؤلاء المسلمون
1 ـ صادِفاً : مُعرِضاً. يُقال : صَدَفَ عن الحقّ إذا أعرضَ عنه.
2 ـ يَقفو : يَتبع.
3 ـ الغوائل ـ جَمع غائلة ـ : الحادثة المهلكة.
4 ـ التظنّي : إعمال الظن. الغابرين : الباقين.
زينب الكبرى عليها السلام من المهد الى اللحد ::: فهرس