زبدة الأفكار في طهارة أو نجاسة الكفّار ::: 1 ـ 15

زبدة الأفكار
في طهارة أو نجاسة الكفّار
السيد عادل العلوي


(3)
    الإهـداء
    إلى روح والدي العلاّمة آية الله السيّد علي بن الحسين قدّس سرّه الشريف.
    أبتاه :
    سلام الله عليك أبداً إلى يوم الدين.
    لقد عشت سعيداً ، وكنت عالماً مجاهداً ، أبا حنوناً ، فقدناك مبكّراً ، راحلا إلى ربّنا الرحيم ، أسكنك الله الكريم فسيح جنانه ، وأنزل على رمسك شآبيب رحمته ، وحشرك مع أجدادك الطيّبين محمّد وآله الطاهرين.
    إليك هذه الجهيدة المتواضعة لتقرّ عينيك الكريمة.
    برجاء القبول
    والدعاء
    والشفاعة
ولدك الفدوي
العبد
عادل العلوي


(4)
كلمة العارف بالله الزاهد الأورع سماحة المحقّق المدقّق
آية الله السيّد محمّد حسن المرتضوي اللنگرودي دام ظلّه
بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لوليّه والصلاة والسلام على أشرف بريّته محمّد وآله خير خلقه ، واللعنة الدائمة على أعدائهم شرّير خليقته.
    وبعد ، فقد لاحظت شطراً وافراً من رسالة « زبدة الأفكار في طهارة أو نجاسة الكفّار » الذي نمّقه يراعة صاحب التآليف الكثيرة الممتعة حجّة الإسلام والمسلمين السيّد الأجلّ السيّد العادل اسماً وصفةً العلوي سمةً ونسباً دامت بركاته ، فوجدتها جامعة الأطراف للمسألة ، فقد أتعب نفسه الزكيّة في استيعاب آراء علماء الفريقين في المسألة ، والاستشهاد بالآيات المباركات والروايات الصادرات من معدن الوحي والأئمة الأطهار ( عليهم السلام ) ، وأتى بما رامه وقصده.
    ولعمر الحقّ تنبئ الرسالة الشريفة عن إحاطة جنابه بمدارك المسألة ، فقد أتى بما هو المأمول من جنابه الفائز مرتبةً ساميةً في العلم والعمل ، فليشكر الله على ما منحه ، فله العمل بما يستنبطه من الأحكام الشرعيّة على منهاج سلفنا الصالح مع التورّع والأخذ بما هو الحائطة لدينه ، كما هو شيمته المرضية ، وأسأله دامت بركاته أن لا ينساني من صالح دعواته في حياتي وبعد الممات ، كما لا أنساه إن شاء الله ، والسلام عليه وعلى عباد الله الصالحين ، ورحمة الله وبركاته.
السيّد محمّد حسن المرتضوي اللنگرودي


(5)
    الحمد لله الذي طهّرنا بالإسلام ، وأفضل الصّلاة وخير السلام على أشرف الأنام محمّد المبعوث بدين الإسلام ، وعلى آله الكرام ، واللعن الدائم على أعدائهم اللئام إلى يوم الدين.
    أما بعد.
    فقد شاء الله الحكيم سبحانه وتعالى أن يجدّد حياة الإسلام ، وترفرف راياته عاليةً خفّاقة على رأس القرن الخامس عشر للهجرة النبويّة الشريفة ، وذلك بانتصار الثورة الإسلامية المباركة في إيران بقيادة الفقهاء الكرام والعلماء الأعلام ، وفي طليعتهم القائد الهمام السيّد الإمام الخميني العظيم قدّس سرّه الشريف ، ووحدة الاُمّة الإسلامية ، والشعب الإيراني وتضحياته وتفاديه وتماسكه وتمسّكه بعروة الدين ، فتعطّش العالم بعد الصحوة الإسلامية العارمة إلى معرفة حقيقة الإسلام والدين المحمّدي الأصيل ، وتفهّم مفاهيمه القيّمة ، وتعلّم أحكامه الرصينة ، وتطبيق قوانينه الإلهية ، التي تضمن للبشرية جمعاء سعادتها وعيشها الرغيد ، لو تمسّكوا بمصادر تشريعها القويم ، القرآن الكريم والسنّة الشريفة ، المتمثّلة بقول المعصوم ( عليه السلام ) وفعله وتقريره ، ووقفوا على حقيقة أهدافهما ، وتعلّموا معارفهما ، وطبّقوا أحكامهما وقوانينهما في جميع حقول الحياة.


(6)
    ومن ثَمّ أحسّ الناس لا سيّما المسلمين منهم ضرورة الحكومة الإسلامية ، وإنّها بقيمها ، الصحيحة وتطبيق قوانينها الرصينة ، هي التي تعالج قضايانا المعاصرة المعقّدة ، ومشاكلنا الفردية والاجتماعية ، وتسوق الناس إلى حياة سعيدة رغيدة ، وتقودهم إلى شاطئ السلام وساحل الأمان ، وتسعى لتحكيم المُثل الأخلاقية ، والتقدّم والازدهار في كلّ جوانب الحياة ، وذلك النصر المؤزّر إنّما يتمّ فيما لو نقطع أيادي الاستكبار ، ونأمن مكر الاستعمار ، ونمحي نفوذ الكفّار ، من البلاد والأمصار ، وفي كلّ الأعصار.
    ومن المسائل التي تثار في الدولة الإسلامية وبلادها وأقطارها على الصعيدين : الفردي والاجتماعي مسألة ( كيفية التعامل مع الكفّار ) والكفر ملّة واحدة ، فكيف نتعامل معهم ؟ وذلك من زوايا وجهات عديدة ، من حيث المعاملة السياسية ، فكيف نُسايسهم في داخل بلادنا وخارجها ، حتّى لا يكون للكافر على المسلم سبيلا ، ولا نتّخذ الكفّار بطانة من دون المؤمنين ، ونكون على حذر تامّ من مخطّطاتهم ودسائسهم التي يحاولون بها السيطرة على المسلمين سياسيّاً ، وكيف تكون العزّة لله ولرسوله وللمؤمنين. هذا من الناحية السياسية ، وكذلك من الجانب الاقتصادي ، فكيف نتعامل معهم ؟ فإنّهم بشتّى الطرق والحيل يحاولون الاستيلاء على منابعنا الاقتصادية ، لا سيّما النفط الذي فيه حياتهم ، وكيف ينهبون ثروات المسلمين ، ومن ثَمّ مصّ دمائهم ، وسرقة عقولهم ، ودينهم ووعيهم ، حتّى يبقى المسلمون دوماً في تراجع وانحطاط وانكسار وتدهور اقتصادي ، فيسيطرون عليهم في الاقتصاد والسياسة ، وإذا صعب الأمر عليهم ، فإنّهم يغزونا بثقافتهم المقيتة المنهارة ، وهي الطامّة الكبرى التي يغفل عنها المسلمون ، فإنّهم في هجومهم الثقافي كالعثّ المفسد ، ربّما يصلون إلى مقاصدهم ومآربهم ما لم يصلوا


(7)
بهجومهم السياسي أو العسكري وحصرهم الاقتصادي ، كما حدث ذلك في إيران الإسلام بعد انتصار ثورتها المباركة ، التي زلزلت عروش الطغاة والجبابرة ، وأذلّة الاستكبار العالمي بمعسكريه الغربي والشرقي ، حتّى نالت أمريكا الشيطان الأكبر من الثوريّين صفعة مبرحة ، فقدت وعيها ورشدها.
    ومن أدهى الأخطار ، وأفتك الأساليب الجهنميّة الاستعمارية ، إنّما هو الهجوم الثقافي ، بالأمس إنّما فقدنا أندلس الإسلامية بذلك ، لا بالحروب الصليبيّة ، فإنّ المسلمين انتصروا فيها ، إلاّ أنّهم سرقوا الأندلس وأسبانيا منّا بهجومهم الثقافي المشؤوم ، الذي يرمي إلى إشاعة الفساد بين الشباب المسلم والاُسر الإسلامية ، بكلّ الطرق والسبل ، حتّى تنفصم المُثل الأخلاقية التي كانت تحكم البلاد ، ويذهب الحياء من الرجال والنساء ، وتحلّ الميوعة والاستهتار وعدم المبالاة واللادينيّة واللامبدئية ، وعدم الإحساس بالمسؤولية ، وفقدان الرجولة والبسالة والغيرة على الدّين والأهل والوطن ، ثمّ تسليم البلاد إلى الأعداء بعد غزوهم في عقر دارهم ـ وذل قوم غزوا في عقر دارهم كما قالها أمير المؤمنين عليّ ( عليه السلام ) في نهجه البليغ (1) ـ ولا بدّ لنا أن نعتبر ونتلقّى الدروس والتجارب من أيامنا الماضية ، ونستعين بالله سبحانه على بناء صرحنا الإيماني ، ومجتمعنا الإسلامي ، سالماً يقظاً واعياً متفكّراً حذراً ، يفوح منه عطر الأمان والإيمان ، ونسيم العدل والإحسان ، وحكومة القرآن ، وما فيه البيان والتبيان.
    فكيفية المعاملة مع الكفّار بأصنافهم فيها جوانب عديدة ومواضيع مختلفة ، تطرح في مجالات علمية وعمليّة متفاوتة.
1 ـ نهج البلاغة : خطبة الجهاد ، 27 ، المعجم المفهرس : 15.

(8)
    منها : ( نجاسة الكفّار أو طهارتهم ) وذلك من خلال علم الفقه الإسلامي ومصدر تشريعه ، حيث يستنبط حكمهم الشرعي الفرعي من خلال الأدلّة التفصيليّة في استنباط الأحكام الشرعية الفرعيّة ـ من الكتاب الكريم والسنّة الشريفة والإجماع والعقل ـ وهو موضوع رسالتي هذه التي طلب منّي كتابتها لأخذ الدكتوراه من حوزة قم العلميّة المباركة ، سائلا المولى القدير التوفيق والسداد ، فبه أستعين ، وعليه أتوكّل ، وإليه اُنيب ، إنّه خير ناصر ومعين.
    وأعتذر مقدّمةً من زلّة القدم وهفوة القلم ، واُرحّب بالنقد البنّاء والمناقشة الحرّة ، لنتّبع أحسن ما يقال ، والله من وراء القصد.
    وسمّيتها ( زبدة الأفكار في طهارة أو نجاسة الكفّار ) وإنّما عطفتها بأو الدالّة على عدم التعيين باعتبار أنّ المسألة موضع اختلاف بين الأعلام وأصحاب الفكر الفقهي ، ورتّبتها على مقدّمة وفصول وخاتمة ـ كما هو الديدن في عالم التأليف والتصنيف ، لا سيّما عند القدماء وفي مثل هذه المواضيع الفقهية ـ ومن الله التوفيق.
    ثمّ العمدة في هذه الرسالة الموجزة هو بيان أقوال علمائنا الأعلام واستدلالهم ، وبيان ما هو الصواب بعد النقض والإبرام ، إلاّ أنّه من باب الفقه المقارن وتعميماً للفائدة ، نذكر آراء وأقوال علماء المسلمين من باقي الطوائف والمذاهب ، على نحو الإشارة والإجمال ، من دون بيان ما هو الحقّ ، فإنّه سوف يعلم ذلك عندما نتعرّض لأقوال أصحابنا الكرام ، وبيان مداركهم ومستنداتهم ، إن شاء الله تعالى.
    وأقول مقدمة ـ في خصوص أهل الكتاب من الكفّار ـ : إنّ الذي يظهر من أسئلة أعاظم الرواة والمحدّثين من أئمتهم الأطهار ( عليهم السلام ) عن حكم أهل الكتاب في طهارتهم ونجاستهم إنّما كان بعد فراغهم عن طهارتهم الذاتية ، والسؤال


(9)
إنّما كان حول نجاستهم العرضية ، باعتبار أكلهم لحم الخنزير ، وشرب الخمور ، وعدم اجتنابهم عن الجنابة والبول وما شابه ذلك من النجاسات ، كما سيتّضح ذلك من خلال الروايات الواردة في المقام.
    ونذهب إلى أنّه وإن قيل بدلالة الأخبار على نجاستهم في حدّ ذاتها ، إلاّ أنّها بمعارضتها بالطائفة الثانية من الأخبار الدالّة على طهارتهم ، لا بدّ من تأويل الاُولى بحملها على النجاسة العرضية ، باعتبار عدم اجتنابهم عن النجاسات ، وهذا يعني أنّه لو أزال اليهودي أو النصراني القذارات عن جسده ، وغسل بدنه بالماء الطاهر ، فإنّه لا يجب الاجتناب عنه حينئذ.
    فلو تمّ ما ذكرناه من الجمع بين الروايات المتعارضة أو القول بتقديم الطائفة الثانية ، فإنّه ينفتح أمامنا اُفق جديد ، ونتخلّص من مشكلة إجتماعية ، فيمكن القول بعدم العلم بملاقاة الأدوية والأمتعة والأغذية الواردة من بلاد أهل الكفر بأجسادهم وأيديهم الملوّثة بالنجاسات مع رطوبتها ، ويكون حكمهم حكم أبناء المسلمين الذين لا يبالون بالنجاسات ، والمسلم في ذاته طاهر ، فعدم اجتنابه عن النجاسات ، أو معاشرته مع من لا يبالي بالطهارة والنجاسة ، لا يستلزم الاجتناب عمّا يصل إلينا منه ، إلاّ إذا علم بملاقاته للنجاسة مع يد رطبة ، فكذلك ما يصل إلينا من بلاد الكتابي من الأمتعة والأدوية وما شابه ذلك ، فإنّه لا يحكم بنجاستها ، إلاّ إذا علم بملاقاتها مع أيديهم الملوّثة بالقذارة والنجاسة مع رطوبتها ، وإلاّ فهي محكومة بالطهارة وإن علم بملاقاتها بأيديهم غير المعلوم قذارتها ، فتدبّر.
    ثمّ ما اشتهر بين الأصحاب من ذهابهم إلى نجاسة الكافر مطلقاً ، ومنه الكتابي ، فربّما يُقال بترجيح الأخبار الدالّة على النجاسة للشهرة ، فإنّه يجاب :


(10)
أنّ الشهرة المحقّقة لا تصير حجّة مطلقاً بعد العلم بمستند المشهور ، وعدم احتمال وجود مرجّح لم يذكروه ، فإنّه لمّا عرف أنّ المشهور استندوا إلى ما لا يصحّ الاستناد إليه ، لم يكن ترجيح مستندهم بمجرّد استناد المشهور. فإنّ الترجيح بالمشهور لم يكن أمراً تعبّدياً ، كما في الاجماع الكاشف عن قول المعصوم ( عليه السلام ) ، بل لأجل احتمال وجود مرجّح لهم ربّما لم يصل إلينا ، فإذا عرفنا أنّه لا مرجّح لهم ولا مستند لهم إلاّ هذه الروايات ـ الطائفة الاُولى ـ فإنّه لم يصحّ الاستناد إلى مستندهم في قبال مستند أقوى ـ أي الطائفة الثانية من الروايات ـ كما سيعلم ذلك ، فارتقب إلى حين.
    كما إنّ الشهرة لا تؤيّد بالاجماع في ما نحن فيه ، فإنّه من الإجماع المدركي الذي لا حجيّة فيه ، فلا شهرة يستند إليه ولا إجماع يعتمد عليه ، وبقينا نحن والروايات الدالّة على طهارتهم الذاتية ، ونجاستهم العرضية.


(11)
    حديثنا في المقدّمة إنّما يدور حول المعنى اللغوي والاصطلاحي للكافر ، فإنّي أعتقد أنّ كثيراً من الخلافات الفقهيّة عند فقهائنا الأعلام ـ رحم الله الماضين منهم وحفظ الباقين ـ إنّما هو ناتج من عدم تحرير وتبيين موضوع الحكم بخصوصه ، فإنّ معرفة الموضوع بخصوصه ، له دور هامّ في معرفة الأحكام منها وحملها ، فإنّها كثيراً ما تكون واضحة المستند والمدرك ، إلاّ أنّ الموضوع لإبهامه وعدم وضوحه عند المتشرّعة ، أو في لسان الشارع المقدّس ـ ومن ثمّ وجد الاختلاف في الحقيقة الشرعية ـ قد يوجب الاختلاف بين الأعلام ، حتّى يكاد أن يكون على طرفي تضادّ ونقيض ، كمن يقول بالوجوب والآخر بالحرمة.
    فلابد لنا أن نبحث أوّلا عن معنى الكافر لغةً واصطلاحاً عند الفقهاء ، والمتكفّل للأوّل هو المعاجم اللغوية كالصحاح ولسان العرب وتاج العروس وغيرها ، والثاني إنّما يؤخذ من لسان القرآن الكريم والروايات الشريفة ، ومصنّفات العلماء والفقهاء.
    وربّما يكون بين المعنى اللّغوي والاصطلاحي تبايناً ، ويسمّى بالنقل غير المألوف ، وربّما ينقل من المعنى الخاصّ على عامّ أو بالعكس ، ويسمّى


(12)
بالنقل المألوف ، كما فيما نحن فيه.
    ثمّ ، الكافر ربّما يكون في العقيدة واُخرى في العمل ، كما إن له أصناف كما سيعلم ذلك إن شاء الله تعالى.
    فالكافر لغةً :
    اسم فاعل من كفر يكفر ، وجمعه كفّار وكفرة وكافرون ، والاُنثى : كافرة وكافرات وكوافر.
    الكاف والفاء والرّاء أصل صحيح يدلّ على معنىً واحد وهو الستر والتغطية ، قيل : كفر من باب ضَرَبَ يضرِب بكسر العين. قال الرافعي في مصباحه المنير (1) : قال الفارابي وتبعه الجوهري : إنّه من باب ضرب ، وفي نسخة معتمدة من التهذيب ( يكفُر ) مضبوط بالضّم وهو القياس لأنّهم قالوا ( كَفَرَ ) النعمة أي غطّاها ، مستعار من ( كفَرَ ) الشيء الذي غطّاه ، وهو أصل الباب ، والصواب من باب قتل.
    وقال صاحب تاج العروس (2) : كفر من باب نَصَر ، وقول الجوهري تبعاً لخاله أبي نصر الفارابي : أنّه من باب ضرب لا شبهة في أنّه غلط ، والعجب من المصنّف كيف لم ينبّه عليه وهو آكد من كثير من الألفاظ التي يوردها لغير فائدة ولا عائدة ، قاله شيخنا. قلت : لا غلط ، والصواب ما ذهب إليه الجوهري والأئمّة وتبعهم المصنّف وهو الحقّ ، ونصّ عبارته : وكفرت الشيء أكفِره بالكسر ، أي
1 ـ المصباح المنير : 535.
2 ـ تاج العروس 3 : 535.


(13)
سترته ، فالكفر الذي هو بمعنى الستر بالاتفاق من باب ضرب ، وهو غير الكفر الذي هو ضد الإيمان فإنّه من باب نصر ، والجوهري إنّما قابل في الكفر الذي بمعنى الستر فظنّ شيخنا أنّهما واحد ، حيث أنّ أحدهما مأخوذ من الآخر ، وكم عائباً قولا صحيحاً وآفته من الفهم السقيم ، فتأمّل. انتهى ما قاله ، فراجع.
    ثمّ الكفر بالفتح والضّم جاء في الأصل (1) بعدّة معاني ، منها : الستر والتغطية والامحاء ، ومنه الكفّارة بمعنى : ستر ومحو الخطيئة ، والتغطية بمعنى : تغطية الشيء تغطية تستهلكه ، والجحود ، ومنه قوله تعالى : ( فَأبى الظالِمونَ إلاّ كُفوراً ) (2) أي : جحوداً ، والظلمة والليل والقير الذي تُطلى به السفن لسواده وتغطيته ، والقبر ، والقرية ، وتعظيم الفارسي لملكه ومنه التكفير ، وهو وضع يده أو يديه على صدره ، ولابس السلاح والخضوع كما ورد في الحديث : « إذا أصبح ابن آدم فإنّ الأعضاء كلّها تكفّر اللسان » أي تذل وتخضع له ، والإقرار بالطاعة ، ونقيض الإيمان كما في قوله تعالى : ( أشِدّاءُ عَلى الكُفّار ) (3) ، ونقيض الشكر كما في قوله تعالى : ( إنَّا هَدَيْناهُ السَّبيلَ إمَّا شاكِراً وَإمَّا كَفوراً ) (4) وهو بمعنى جحود النعمة كما ورد
1 ـ هذه المعاني خلاصة ما جاء في كتب اللغة نقلتها من الكتب التالية : لسان العرب 5 : 144 ـ 151 ، والنهاية لابن الأثير 4 : 185 ، ومجمع البحرين للطريحي 3 : 474 ، وأقرب الموارد 3 : 364 ، والمصباح المنير : 535 ، ومعجم مفردات ألفاظ القرآن للراغب : 451 ، ومعجم مقاييس اللغة 5 : 191.
2 ـ الإسراء : 99.
3 ـ الفتح : 29.
4 ـ الإنسان : 3.


(14)
في أحاديث كثيرة ، وبمعنى الزارع كما في قوله تعالى : ( كَمَثَلِ غَيْث أعْجَبَ الكُفَّارَ نَباتهُ ) (1) أي أعجب الزرّاع نباته. وبمعنى البحر والوادي العظيم والنهر الكبير والسحاب المظلم والدرع والبعيد من الأرض ، والأرض المستوية والنبت والخشبة القصيرة الغليظة والعصا القصيرة. وغيرها وكلّها ترجع إلى الستر والتغطية بتوجيه مّا كما هو واضح.
    وأمّا الكافر اصطلاحاً :
    فقد قال بعض أهل العلم :
    الكفر على أربعة أنحاء :
    كفر إنكار : بأن لا يعرف الله أصلا ، ولا يعترف به ، فهو يكفر وينكر بقلبه ولسانه ولا يعرف ما يذكر له من التوحيد ، كذلك روي في قوله تعالى : ( إنَّ الذينَ كَـفَروا سَواءٌ عَـلَيْهِمْ أأ نْذَرْتَهُمْ أمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤمِنون ) (2) أي الذين كفروا بتوحيد الله.
    وكفر جحود : فإنّه يعترف بقلبه ولا يقرّ بلسانه ، فهو كافر جاحد ، ككفر إبليس وكفر اُميّة بن أبي الصلت ، ومنه قوله تعالى : ( فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرفوا كَفَروا بِهِ ) (3) يعني كفر الجحود.
1 ـ الحديد : 20.
2 ـ البقرة : 6.
3 ـ البقرة : 89.


(15)
    وكفر معاندة : بأن يعرف الله بقلبه ويقرّ بلسانه ، ولا يدين به حسداً وبغياً ، ككفر أبي جهل وأضرابه.
    وكفر نفاق : فهو أن يقرّ بالله بلسانه ويكفر بقلبه.
    وقيل : يأتي بمعنى البراءة كقوله تعالى حكاية عن الشيطان حين دخوله النار : ( إنِّي كَفَرْتُ بِما أشْرَكْتُمونِ مِنْ قَبْل ) (1) أي تبرّأت.
    وقيل : الكفر على وجوه : فكفر هو شرك يتّخذ مع الله إلهاً آخر ، وكفر بكتاب الله ورسوله ، وكفر بادّعاء ولد الله ، وكفر مدّعي الإسلام ولكن يعمل بغير ما أنزل الله ، ويسعى في الأرض فساداً ، ويقتل نفساً محرّمة بغير حقّ ، وغير ذلك من الأعمال المحرّمة.
    ويأتي الكفر بمعنى جحود النّعمة ، فيسمّى تارك الصلاة كافراً ، كما من كان مستطيعاً للحجّ ولم يحجّ ، يعدّ كافراً ، كما في قوله : ( وَمَنْ كَفَرَ فَإنَّ اللهَ هُوَ الغَنِيُّ الحَميد ) (2).
    وقيل : سُمّي الكافر كافراً ، لأنّ الكفر غطّى قلبه كلّه ، فهو منقول من اللغة بالنقل المألوف من المعنى العامّ إلى المعنى الخاصّ.
    وقيل : الكفر صنفان :
    أحدهما : الكفر بأصل الإيمان وهو ضدّه.
    والآخر : الكفر بفرع من فروع الإسلام ، فلا يخرج عن أصل الإيمان كتارك الحجّ مستطيعاً.
1 ـ إبراهيم : 22.
2 ـ لقمان : 12.
زبدة الأفكار في طهارة أو نجاسة الكفّار ::: فهرس