زبدة الأفكار في طهارة أو نجاسة الكفّار ::: 16 ـ 30
(16)
    وقيل : الكافر على الإطلاق متعارف فيمن يجحد الوحدانية أو النبوّة أو الشريعة أو ثلاثتها (1).
    وقال السيّد نور الدين الجزائري في فروق اللّغات (2) : في الفرق بين الكافر والمشرك : قال بعض المتأخّرين : الكافر اسمٌ لمن لا إيمان له ، فإن أظهر الإيمان خصّ باسم المنافق ، وإن أظهر الكفر بعد الإسلام خصّ باسم المرتدّ ; لرجوعه عن الإسلام ، فإن قال بإلهين فصاعداً ، خصّ باسم المشرك ، وإن كان متديّناً ببعض الأديان والكتب المنسوخة خصّ باسم الكتابي ، وإن كان يقول بقِدم الدهر واستناد الحوادث إليه سُمّي باسم الدهري ، وإن كان لا يثبت البارئ خصّ باسم المعطّل ، وإن كان مع اعترافه بنبوّة نبيّنا محمّد ( صلى الله عليه وآله ) وإظهار شرائع الإسلام ، ويبطن عقائد من كفر بالاتفاق خُصّ باسم الزنديق.
    ثمّ ، كلمة الكفر بمشتقّاتها قد وردت في القرآن الكريم في (523) موضعاً ، كما وردت كلمة الإيمان والإسلام ومشتقاتهما في القرآن كثيراً ، وأمّا الروايات النبويّة والولويّة فحدّث ولا حرج ، فهناك آلاف الروايات والأخبار الشريفة تذكر الكفر وما يضادّه من الإيمان والإسلام وشرائطهما وأركانهما وأقسامهما وآثارهما في الدنيا والآخرة ، يكفيك شاهداً كتاب بحار الأنوار للعلاّمة المجلسي فإنّه ( من مجلّد 64 إلى مجلّد 70 ، طبعة بيروت مؤسسة الوفاء 1403 هـ ) يتحدّث عن الإيمان والكفر.
    إلاّ أنّ اُمّهات معاني الكفر في القرآن الكريم ترجع إلى خمسة وجوه ، كما ورد في الأخبار الشريفة :
1 ـ مفردات الراغب : 451.
2 ـ فروق اللغات : 198.


(17)
    جاء في بحار الأنوار ، عن تفسير النعماني ، بسنده في كتاب فضل القرآن ، عن أمير المؤمنين عليّ ( عليه السلام ) ، قال : وأمّا الكفر المذكور في كتاب الله تعالى فخمسة وجوه ، منها : كفر الجحود ، ومنها كفر فقط ، والجحود ينقسم على وجهين ، ومنها كفر الترك لما أمر الله تعالى به ، ومنها كفر البراءة ، ومنها كفر النِّعم.
    فأمّا كفر الجحود ، فأحد الوجهين منه جحود الوحدانية وهو قول من يقول : لا ربّ ولا جنّة ولا نار ولا بعث ولا نشور ، وهؤلاء صنف من الزنادقة ، وصنف من الدهرية الذين يقولون : ( ما يُهْلِكُنا إلاّ الدَّهْرُ ) (1) وذلك رأي وضعوه لأنفسهم استحسنوه بغير حجّة فقال الله تعالى : ( إنْ هُمْ إلاّ يَظُنُّونَ ) (2) ، وقال : ( إنَّ الَّذينَ كَفَروا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أأنْذَرْتَهُمْ أمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤمِنونَ ) (3) ، أي لا يؤمنون بتوحيد الله.
    والوجه الآخر من الجحود ، هو الجحود مع المعرفة بحقيقته ، قال تعالى : ( وَجَحَدوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوَّاً ) (4) ، وقال سبحانه : ( وَكانوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحونَ عَلى الَّذينَ كَفَروا فَلَمَّا جائَهُمْ ما عَرفوا كَفَروا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلى الكافِرينَ ) (5) ، أي جحدوه بعد أن عرفوه.
    وأمّا الوجه الثالث من الكفر ، فهو كفر الترك لما أمر الله به ، وهو من المعاصي ، قال الله تعالى : ( وَإذْ أخَذْنا ميثاقَكُمْ لا تَسْفِكونَ دِمائَكُمْ وَلا تُخْرِجونَ أنْفُسَكُمْ
1 ـ الجاثية : 24.
2 ـ البقرة : 78.
3 ـ البقرة : 6.
4 ـ النمل : 14.
5 ـ البقرة : 89.


(18)
مِنْ دِيارِكُمْ ثُمَّ أقْرَرَتُمْ وَأنْتُمْ تَشْهَدون ) (1) إلى قوله : ( أفَتُؤمِنونَ بِبَعْضِ الكِتابِ وَتَكْفُرونَ بِبَعْض ) (2) ، فكانوا كفّاراً لتركهم ما أمر الله به ، فنسبهم إلى الإيمان بإقرارهم بألسنتهم على الظاهر دون الباطن ، فلم ينفعهم ذلك لقوله تعالى : ( فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ مِنْهُمْ إلاّ خِزْيٌ في الحَياةِ الدُّنْيا ) (3) إلى آخر الآية.
    وأمّا الوجه الرابع من الكفر ، فهو ما حكاه الله تعالى عن قول إبراهيم ( عليه السلام ) : ( كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ العَداوَةُ وَالبَغْضاءُ أبَداً حَتَّى تُؤمِنوا بِاللهِ وَحْدَه ) (4) ، فقوله : ( كفرنا بكم ) أي : تبرّأنا منكم ، وقال سبحانه في قصّة إبليس وتبرّيه من أوليائه من الإنس إلى يوم القيامة : ( إنَّما اتَّخَذْتُمْ مِنْ دونِ اللهِ أوْثاناً مَوَدَّة بَيْنِكُمْ في الحَياةِ الدُّنْيا ) (5) إلى قوله : ( وَيَوْمَ القِيامَةِ يَكْفُرْ بَعْضُكُمْ بِبَعْض وَيَلْعَنْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً ) (6) ، الآية.
    وأمّا الوجه الخامس من الكفر ، وهو كفر النِّعم ، قال الله تعالى عن قول سليمان ( عليه السلام ) : ( هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلوَني أأشْكُرُ أمْ أكْفُر ) (7) ، الآية ، وقوله عزّوجلّ : ( فَاذْكُروني أذْكُرْكُمْ وَاشْكُروا لي وَلا تَكْفُرون ) (8).
    فأمّا ما جاء من ذكر الشرك في كتاب الله تعالى ، فمن أربعة أوجه : قوله
1 ـ البقرة : 84.
2 و 3 ـ البقرة : 85.
4 ـ الممتحنة : 4.
5 و 6 ـ العنكبوت : 25.
7 ـ النمل : 40.
8 ـ البقرة : 152.


(19)
تعالى : ( لَقَدْ كَفَرَ الَّذينَ قالوا إنَّ اللهَ هُوَ المَسيحُ بْنُ مَرْيَمَ وَقالَ المَسيحُ يا بَني إسْرائيلَ اعْبُدوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ وَمَأواهُ النَّارُ وَما لِلظالِمينَ مَنْ أنْصار ) (1) ، فهذا شرك القول والوصف.
    وأمّا الوجه الثاني من الشرك ، فهو شرك الأعمال ، قال الله تعالى : ( وَما يُؤمِنُ أكْثَرُهُمْ بِاللهِ إلاّ وَهُمْ مُشْرِكون ) (2) ، وقوله سبحانه : ( اتَّخَذوا أحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أرْباباً مِنْ دونِ اللهِ ) (3) إلاّ إنّهم لم يصوموا لهم ولم يصلّوا ، ولكنّهم أمروهم ونهوهم فأطاعوهم ، وقد حرّموا عليهم حلالا ، وأحلّوا لهم حراماً ، فعبدوهم من حيث لا يعلمون ، فهذا شرك الأعمال والطاعات.
    وأمّا الوجه الثالث من الشرك ، فهو شرك الزّنا. قال الله تعالى : ( وَشارَكَهُمْ في الأمْوالِ وَالأوْلاد ) (4) وربّما من هذا الباب أنّه من استمع إلى ناطق فقد عبده ، فإن كان الناطق عن الله تعالى فقد عبد الله ، وإن كان ينطق عن غير الله تعالى فقد عبد غير الله.
    وأمّا الوجه الرابع من الشرك ، فهو شرك الرياء ، قال الله تعالى : ( فَمَنْ كانَ يَرْجو لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صالِحاً وَلا يُشْرِك بِعِبادَةِ رَبِّهِ أحَداً ) (5) فهؤلاء صاموا وصلّوا واستعملوا أنفسهم بأعمال أهل الخير إلاّ أنّهم يريدون به رئاء الناس
1 ـ المائدة : 72.
2 ـ يوسف : 106.
3 ـ التوبة : 31.
4 ـ الإسراء : 64.
5 ـ الكهف : 110.


(20)
فأشركوا لما أتوه من الرياء ، فهذه جملة وجوه الشرك في كتاب الله تعالى ) (1).
    وقريب من هذا المعنى جاء عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) (2) ، وكلّما جاء في القرآن الكريم فكذلك عند الأئمّة الأطهار من عترة الرسول المختار ( عليهم السلام ) ، لأنّهم عدل القرآن وهما الثقلان بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ولن يفترقا في كلّ شيء إلى يوم القيامة ،
1 ـ بحار الأنوار 69 : 100.
    وهناك تقسيم ثنائي للشرك ، فإنّه تارةً يسمّى بشرك العبادة بأن يعبد غير الله من صنم أو كوكب أو إنسان أو غير ذلك ، ويسمّى بالشرك الجلي أيضاً ، وأُخرى أن يطيع غير الله فيما لا يرضى الله من هوىً أو شيطان أو إنسان أو غير ذلك ، ويسمّى بشرك الطاعة ، وكذلك الشرك الخفيّ ، كما في قوله تعالى : ( وَما يُؤمِنُ أكْثَرُهُمْ إلاّ وَهُمْ مُشْرِكون ) ( يوسف : 106) فإنّه سبحانه نسبهم إلى الإيمان مع أنّه أثبت لهم الشرك ، والطائفيّة والقوميّة والتحزّب وما شابه ذلك كعمل الرياء والكذب ، إنّما هو من الشرك الخفي لو صدر من المؤمن بالله سبحانه وربما يقال ـ كما ذهب إليه الفيض الكاشاني في ( الوافي 3 : 183 ، طبع مكتبة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ـ اصفهان ) : إنّ شرك الطاعة لاستلزامه معصية الله عزّوجلّ يرجع إلى شرك العبادة ، ولذا اُطلق اسم الشرك عليه ، وذلك لأنّ كلّ من أطاع مخلوقاً في معصية الخالق فقد عبده ، وكلّ من عبد غير الخالق فقد عبد هواه ، كما قال الله سبحانه : ( أفَرَأيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إلهَهُ هَواهُ ) ( الجاثية : 23) ومن عبد هواه فقد عبد الشيطان كما قال عزّوجلّ : ( ألَمْ أعْهَدْ إلَيْكُمْ يا بَني آدَمَ ألاّ تَعْبُدوا الشَّيْطان ) ( يس : 60). وتمام الكلام في هذا المقام يأتي من باب وجوه الشرك إن شاء الله. انتهى كلامه رفع الله مقامه.
    وفي الحديث الشريف عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) ( الكافي 2 : 397) في ذيل الآية الشريفة قال : ( يطيع الشيطان من حيث لا يعلم فيشرك ).
    وفي آخر عنه ( عليه السلام ) ، قال : ( شرك طاعة وليس بشرك عبادة ).
2 ـ مجمع البحرين 3 : 475 ، والكافي 2 : 389.


(21)
فنكتفي بهذه الوجوه الخمسة من معاني الكفر ، والأربعة من معاني الشرك في القرآن الكريم والسّنة الشريفة.
    وبنظري ، يظهر من خلال المراجعة إلى مجموع ما ورد في الثقلين كتاب الله الكريم ولسان العترة الطاهرة والسّنة الشريفة ، أنّ الكفر ينقسم حسب التقسيم الأوّلي إلى قسمين : كفر عقيدة كالمُلحد بالله والناكر له ، وكفر عمل كتارك الحجّ مستطيعاً ، كما أنّ الشرك ينقسم إلى قسمين : شرك عقيدة كالمعتقد بإلهين أو أكثر كالمجوس ، وشرك عمل كالرادّ على الأئمّة الأطهار ( عليهم السلام ) ، كما ورد في الخبر الشريف ( والرّاد علينا كافر ... في حدّ الشّرك ) (1) ، كما إنّ الارتداد على قسمين : ارتداد عقيدة ، كمن كان مسلماً فكفر ، وارتداد في العمل ، كالمرتدّ عن الولاية ، كما ورد : ( ارتدّ الناس بعد رسول الله إلاّ ثلاثة أو خمسة أو سبعة ) ، والنفاق على قسمين أيضاً : نفاق عقيدة ، كمن يظهر الإيمان والإسلام ويبطن الكفر. ونفاق عمل ، كالذي يخلف وعده ، فقد ورد في الخبر الشريف ، عن الكافي بسنده ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) ، قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : « ثلاثٌ ، من كنّ فيه كان منافقاً وإن صام وصلّى وزعم أنّه مسلم ، من إذا ائتُمن خان ، وإذا حدّث كذب ، وإذا وعد أخلف ، إنّ الله عزّوجلّ قال في كتابه : ( إنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الخائِنين ) (2) ، وقال : ( أنَّ
1 ـ الوسائل 1 : 23 ، الباب 2 من مقدّمة العبادات ، الحديث 12. وقريب منه ما جاء في الكافي 2 : 398 عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) ، قال : سمعته يقول : اُمر الناس بمعرفتنا والردّ إلينا والتسليم لنا ، ثمّ قال وإن صاموا وصلّوا أو شهدوا أن لا إله إلاّ الله وجعلوا في أنفسهم أن لا يردّوا إلينا كانوا بذلك مشركين. وروايات اُخرى في الباب ، فراجع.
2 ـ الأنفال : 58.


(22)
لَعْنَةَ اللهِ عَلَيْهِ إنْ كانَ مِنَ الكاذِبين ) (1) ، وفي قوله عزّوجلّ : ( وَاذْكُرْ في الكِتابِ إسْماعيلَ إنَّهُ كانَ صادِقَ الوَعْدِ وَكانَ رَسولا نَبِيّاً ) (2) » (3).
    قال العلاّمة المجلسيّ ( قدس سره ) في بيان الخبر : إعلم أنّه كما يطلق المؤمن والمسلم على معان كما عرفت ، فكذلك يطلق المنافق على معان ، منها : أن يظهر الإسلام ويبطن الكفر ، وهو المعنى المشهور ، ومنها : الرياء ، ومنها : أن يظهر الحُبّ ويكون في الباطن عدوّاً ، أو يظهر الصلاح ويكون في الباطن فاسقاً ، وقد يطلق على من يدّعي الإيمان ولم يعمل بمقتضاه ، ولم يتّصف بالصفات التي ينبغي أن يكون المؤمن عليها ، فكان باطنه مخالفاً لظاهره ، وكأنّه المراد هنا ، وسيأتي معاني النفاق في بابه إن شاء الله تعالى ، والمراد بالمسلم هنا المؤمن الكامل المسلّم لأوامر الله ونواهيه ، ولذا عبّر بلفظ الزعم المشعر بأنّه غير صادق في دعوى الإسلام. انتهى كلامه.
    هذا في التقسيم الأوّلي للكافر ، وهناك تقسيمات ثانوية اُخرى حسب اعتبارات خاصّة ، كتقسيمه إلى الحربيّ وغيره ، أو الكتابيّ وغيره ، أو المرتدّ وغيره ، ثمّ المرتدّ إلى الملّي والفطري ، وخلاصة الأقسام أنّ الكافر في اللسان القرآني والروائي ، إنّما يقصد به المنكر لله والجاحد له تارةً ، واُخرى ناكر النبوّة ، وثالثة المرتدّ عن الدين ، ورابعة من أشرك بالله. وكلّ هذا يتعلّق بالعقيدة ، وربما يطلق على من جحد بِنِعَم الله وآلائه في مقام العمل ، كتارك الصلاة والحجّ مستطيعاً.
    ثمّ ، لفظ الكافر في الروايات مطلق ، فإنّه اسم جنس ، ومعلوم إنّ إرادة العموم
1 ـ النور : 7.
2 ـ مريم : 54.
3 ـ بحار الأنوار 69 : 108 ، عن الكافي 2 : 290.


(23)
من المطلقات وأسماء الأجناس إنّما يتمّ بقرينة لفظيّة أو عقلية أو بمقدمات الحكمة.
فالعموم إن كان من نفس لفظ الجنس ، فإنّه يكون من العموم اللفظي ، وإن كان من مقدّمات الحكمة ، كأن يكون المتكلّم في مقام البيان وعدم نصب قرينة على خلاف الظاهر ، فإنّه يسمّى بالعموم الحكمتي. والظاهر من الكافر من فسد عقيدته فيعمّ جميع الكفّار.
    ثمّ ، يطلق المسلم ويقابله الكافر ، وتارةً يطلق ويقابله المؤمن بالمعنى الأخصّ ، فإنّ معاني المؤمن في الروايات على ثلاثة أقسام : إيمان بالمعنى الأعمّ ، وهو لمن أظهر الشهادتين بلسانه ويسمّى بالمسلم ، وبهما يحقن دمه وماله وعرضه ، وإيمان بالمعنى الخاصّ وهو الشيعي الإمامي الإثنا عشري الذي يقرّ بالشهادة الثالثة ، ويقابله المخالف بالمعنى الخاصّ ، وإيمان بالمعنى الأخصّ ـ أي خاصّ الخاصّ ـ وهو الإمامي المتّقي العادل الثقة (1).
    ثمّ ، لقد حكم الفقهاء الكرام على بعض الفرق المنسوبة إلى الإسلام بالكفر ، كما حكموا عليهم بالنجاسة ، فإنّ الكافر إمّا أن يكون أصليّاً أو عرضيّاً أو حكميّاً ، والأوّل ـ كما مرّ ـ من كفر بالله أو بالرسول الأكرم محمّد ( صلى الله عليه وآله ) ، وهو إمّا أن يكون ذميّاً في بلد الإسلام وذمّة المسلمين ، يعمل بشرائط الذمّة كدفع الجزية ، وقد يكون الذمّي كتابياً ـ أي له كتاب كاليهود والنصارى حيث لهم كتاب سماوي كالتوراة والإنجيل ـ وقد يكون غير كتابي ـ كالمجوس على قول ـ أو يكون كافراً مستأمناً طلب الأمان في بلاد الإسلام من الحكومة الإسلامية للتجارة أو زيارة في بلاد المسلمين وما شابه ذلك ، وإمّا أن يكون كافراً حربيّاً ، وإن لم يكن في حرب المسلمين ، وهو من لم يكن في ذمّة المسلمين.
1 ـ من كتابنا « القصاص على ضوء القرآن والسنّة » 1 : 259 ، مطبوع ، فراجع.

(24)
    وأمّا الكفر العرضي : فهو المسلم الذي يعرض عليه الكفر ويسمّى بالمرتدّ ، وهو إمّا فطري ـ من كان من أبوين مسلمين ـ ثمّ أنكر الله والرسالة أو ضروري من ضروريات الدين ، وإمّا ملّي بأن كان كافراً ، ثمّ أسلم ثمّ كفر ، ولكلٍّ حكمه الخاصّ.
    وأمّا الكفر الحكمي : فهو الذي ينسب إلى المسلمين ، إلاّ أنّه حكم عليه بأحكام الكفّار ، وهم طوائف ستّة :
    1 ـ الغلاة : وهم طائفة من الشيعة الذين يقولون باُلوهية أحد الأئمّة ( عليهم السلام ) ونحن من هؤلاء الغالية بُراء.
    2 ـ النواصب : الذين نصبوا في قلوبهم العداوة والبغض لأهل البيت ( عليهم السلام ).
    3 ـ الخوارج : الذين مرقوا عن طاعة أمير المؤمنين عليّ ( عليه السلام ) ، وخرجوا على إمام زمانهم ، واليوم يسمّون أتباعهم بالأباضية ، باسم أوّل قائد عسكري لفرقة من الخوارج ، وإنّما انتحلوا هذا الإسم بُعداً عن قباحة لفظ الخوارج بين المسلمين.
    4 ـ المجسّمة : الذين يقولون بجسميّة ربّ العالمين كالكراميّة.
    5 ـ الحلوليّة : الذين يقولون بحلول الله في البشر ، كحلوله في عليّ ( عليه السلام ) أو المسيح أو في بدن العارف كما عند بعض المتصوّفة.
    6 ـ التناسخية : الذين يقولون بانتقال الروح من جسد الإنسان إلى شيء آخر ، وهم أربعة فرق : فمنهم من يقول بانتقال الروح إلى جسد آخر وإلى الجنين في رحم الاُمّ ، وهو عبارة عن التناسخ ، ومنهم من يقول بانتقاله إلى بدن حيوان وهو عبارة عن التماسخ ، ومنهم من يذهب إلى انتقاله إلى النباتات ويسمّى بالتفاسخ ، ومنهم من يرى انتقاله إلى الجمادات ويسمّى بالتراسخ.


(25)
    وأصحابنا الإمامية الأخيار بُراء من هذه الفرق الضالّة والمضلّة (1).
    ولتوضيح حكم هؤلاء الطوائف حيث إنّ المسألة اختلافية من جهة السعة والضيق في تحديد كلّ طائفة ، لا بأس أن نذكر إجمالا ما جاء في كتاب ( مفتاح الكرامة ) (2) ، كما سنذكر تفصيل ذلك في الفصول الآتية :
    قال العلاّمة السيّد محمّد جواد العاملي في شرح قواعد العلاّمة في قول المصنّف : ( والكافر ـ من النجاسات ـ سواء كان أصليّاً أو مرتدّاً ، وسواء انتمى إلى الإسلام كالخوارج أو الغلات أم لا ) يدلّ عليهم ـ الخوارج والغلات ـ خصوصاً إجماع الروض والدلائل ، ولإنكارهم ما هو ضروري يدخلون تحت إجماع الانتصار والناصريات والتهذيب والغنية والسرائر والمعتبر والمنتهى ونهاية الإحكام والتذكرة والدلائل والبحار وشرح الفاضل ، وحكم في السرائر والمعتبر والمنتهى والنهاية والتذكرة والتحرير والدروس وجامع المقاصد والدلائل وشرح الفاضل بنجاسة النواصب ، بل في جامع المقاصد والدلائل لا كلام في نجاستهم ، وفي شرح الاُستاذ : الظاهر أنّ نجاسة النواصب والغلات ـ بل الخوارج ـ غير خلافية. انتهى. والحاصل : أنّه لا كلام لأحد في نجاسة الناصب فيما أجد ، وإنّما الكلام في المراد منه. ففي الصحاح : نصبت لفلان نصباً ، إذا عاديته. وفي القاموس : النواصب والناصبية وأهل النصب المستدينون ببغضة عليّ ( عليه السلام ) ; لأنّهم نصبوا له أي عادوه ، وفي المجمع : ما في الصحاح قال : ومنه الناصب ـ وهو الذي يتظاهر بعداوة أهل البيت ( عليهم السلام ) أو لمواليهم لأجل متابعتهم لهم.
1 ـ القصاص على ضوء القرآن والسّنة 1 : 262.
2 ـ 1 : 144.


(26)
    وزعم آخرون : أنّ الناصب من نصب العداوة لشيعتهم ، انتهى. ويدلّ عليه بعض الأخبار ، وفي السرائر : أنّ الناصب من نصب العداوة لأهل الإيمان. وفي المعتبر : أنّ النواصب هم الخوارج ، قال : أمّا الخوارج فمن يقدحون في عليّ ( عليه السلام ) ، وقد علم من الدين تحريم ذلك ، فهم بهذا الاعتبار داخلون في الكفر لخروجهم عن الاجماع ، وهم المعنيون بالنصاب ، ومثله قال في المنتهى ، وهو ظاهر الشرائع والنافع ، وأسآر التحرير حيث اقتصر فيها على ذكر الخوارج والغلات ، والروض حيث قال : إن عطف الناصب على الكافر إمّا من عطف الخاصّ على العامّ ، أو يريد به كفّار المسلمين ، كمن أظهر البغضاء لأهل البيت ( عليهم السلام ) صريحاً أو لزوماً ، وفي النهاية الاكتفاء بالناصب على الكافر ، وابن إدريس نزّل خبري ( خذ مال الناصب ) على ناصب الحرب ، وفي جامع المقاصد : النواصب هم الذين نصبوا العداوة لأهل البيت ( عليهم السلام ) ، ولو نصبوا لشيعتهم ، لأنّهم يدينون بحبّهم فكذلك ، وفي النهاية للمصنّف ـ العلاّمة الحلي ـ والتذكرة وحاشية الشرايع : الذي يتظاهر بعداوة أهل البيت ( عليهم السلام ) ، وقال الصدوق : لا يجوز التطهير بغسالة الحمّام لأنّ فيها غسالة اليهودي والمجوسي والمبغض لآل محمّد ( صلى الله عليه وآله ) ، وفي شرح المقداد : أنّ الناصب يطلق على خمسة أوجه : الخارجي القادح في عليّ ( عليه السلام ). الثاني : ما ينسب إلى أحدهم ما يسقط العدالة. الثالث : من ينكر فضيلتهم لو سمعها ، الرابع : من اعتقد أفضلية ... على عليّ ( عليه السلام ) ، الخامس : من أنكر ... على عليّ ( عليه السلام ) بعد سماعه أو وصوله إليه بوجه يصدّقه ، أمّا من أنكر الإجماع أو مصلحة فليس بناصب. فالذي تحصّل من كلامهم أنّ الناصب يطلق على معان :
    أحدها : الخارجي ، الثاني : المبغض لأمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) على وجه التديّن به ، وذلك ما ذكره في القاموس ، وربّما رجع إلى الخارجي ، الثالث :


(27)
المتظاهر بالبغض لا مطلق البغض ، كما في التذكرة والنهاية وغيرها ، الرابع : مطلق البغض لأهل البيت ( عليهم السلام ). الخامس : المبغض لشيعتهم ، السادس : ناصب الحرب للمسلمين. والذي يظهر تيقّن الثلاثة الاُوَل ، وتحقّق معنى النصب فيها ، ويشكّ في الباقي ، وكلام المتقدّمين ما عدا الصدوق خال عن التنصيص على الناصب بمعنى المبغض ; لأنّ منهم من حكم بنجاسة المخالفين ، ومنهم من اقتصر على ذكر الكافر ، ويعلم أنّ الذي يظهر من السير والتواريخ أنّ كثيراً من ... في زمن النّبيّ ( صلى الله عليه وآله ) وبعده وأصحاب ... بل كافة أهل ... وأكثر أهل ... مكّة كانوا في أشدّ العداوة لأمير المؤمنين وذريته ( عليهم السلام ) ، مع أنّ مخالطتهم ومساورتهم لم تكن منكرة عند الشيعة أصلا ، ولو سرّاً ، ولعلّهم لاندراجهم فيمن أنكر إجماع أو مصلحة ، ولعلّ الأصحّ أنّ ذلك لمكان شدّة الحاجة لمخالطتهم ، ووفور التقيّة ، وقد حرّرنا ذلك في باب المكاسب ، والحاصل أنّ طهارتهم مقرونة إمّا بالتقيّة أو الحاجة ، وحيث ينتفيان ، فهم كافرون قطعاً.
    أقول : في دولة الحقّ وظهور صاحب الزمان ( عليه السلام ) فإنّه يتعامل معهم معاملة الكفّار ، وأمّا قبل الظهور لاختلال النظم والعسر والحرج من حيث لزوم المخالطة والمراودة والمعاشرة كما في أيّام الحجّ ، فإنّه يحكم بطهارتهم ، وما يترتّب عليها من أحكام شرعية اُخرى ، كصحة النكاح الدائم. كما إنّ الفرق الناجية في الدنيا والآخرة كما ثبت بالأدلّة العقلية والسمعية ، من الكتاب والسنّة ما عليه أصحابنا الأخيار ، وأمّا الفرَق الاُخرى فهلاكها يوم القيامة (1) ، ويحشرون في زمرة الكفّار
1 ـ لقد شرحنا هذا المعنى بالتفصيل في كتابينا « عقائد المؤمنين » و « التقيّة بين الأعلام » ، وهما مطبوعان ، فراجع.

(28)
إذا وصل إليهم الحقّ وتخلّفوا عنه تعصّباً أو تقليداً لآبائهم ـ هذا ما يستنبط من الأخبار الشريفة الواردة في المقام ـ فتدبّر.
    ثمّ قال صاحب مفتاح الكرامة في حكم المجسّمة : وحكم في المبسوط والتحرير والمنتهى والدروس والبيان وجامع المقاصد وحاشية الشرائع والمسالك والدلائل بنجاسة المجسّمة ، وتعطيه عبارة الكتاب فيما سيأتي. وفي حاشية المقاصد والدلائل : لا كلام في نجاستهم. وفي شرح الاُستاذ : الظاهر أنّه لا خلاف فيه ، وفي نهاية الإحكام حكم الشيخ بنجاسة المجسمة ... وابن إدريس بنجاسة غير المؤمن. والوجه عندي الطهارة ، ومثل ذلك ذكر في التذكرة ، بل قال فيها : والأقرب طهارة غير الناصب ، لأنّ عليّاً ( عليه السلام ) لم يجتنب سؤر من يأتيه من ... فقد حكم في الكتابين بالطهارة كما هو ظاهر المعتبر والذكرى ، وحكم في المبسوط والتحرير والمنتهى والبيان بنجاسة المشبّهة ، والمصنّف فيما يأتي حكم بطهارتهم ، وهو ظاهر المعتبر والتذكرة ونهاية الإحكام والذكرى ، وليعلم بأنّه قيّد في البيان : المجسّمة والمشبّهة بالحقيقة ، قال الفاضل الهندي : يعني القائلون بأنّ الله تعالى جسم أو كخلقه في صفة ملزومة للحدث ، لا من يلزمهم ذلك ، وهم له منكرون ... أو يعني من قال بأنّه جسم حقيقة أي كسائر الأجسام في الحقيقة ، ولوازمها لا من يطلق عليه الجسم ويقول أنّه جسم لا كالأجسام ، فينتفي عنه جميع ما يقتضي الحدوث والافتقار والتحديد ، وكذا من شبّهه بالحادثات حقيقة ، أي في الحقيقة ولوازمها المقتضية للحدوث والفقر والأمر كما قال ، ولعلّ إطلاق غيره منزل عليه ، انتهى. وفي جامع المقاصد والروض : أمّا المجسّمة فقسمان : بالحقيقة : وهم الذين يقولون أنّه تعالى شأنه جسم كالأجسام ، والمجسّمة بالتسمية المجرّدة : وهم القائلون بأنّه جسم كالأجسام. ثمّ قطع في الروض ـ كما في المسالك ـ بنجاسة المجسّمة


(29)
بالحقيقة. قال في الروض : وإن تردّد فيه بعض الأصحاب ، وفي جامع المقاصد قال : والأصحّ نجاسة الجميع ، وربما تردّد بعضهم في القسم الثاني ، انتهى. ويظهر من عباراتهم أنّ المشبهة هم المجسّمة وكلّ منهما يكون بالحقيقة والتسمية. والحاصل : أنّه في المبسوط والتحرير والمنتهى حكم بنجاستهم على الإطلاق ، وكذا الدروس في المجسّمة ، ولم يذكر المشبّهة ، وقد عرفت من قيد هذا ، ونقل الاُستاذ أدام الله تعالى حراسته في تعليقه على الرجال أنّ المرتضى قال في الشافي : وأمّا ما رمي به هشام بن الحكم من القول بالتجسيم ، فالظاهر من الحكاية عنه القول بأنّه جسم لا كالأجسام ، ولا خلاف في أنّ هذا القول ليس بتشبيه ، ولا ناقض لأصل ، ولا معترض على فرع ، وإنّه غلط في عبارة يرجع في نفيها وإثباتها إلى اللغة. وأكثر أصحابنا يقولون أنّه أورد ذلك على سبيل المعارضة للمعتزلة فقال لهم : إذا قلتم أنّ القديم شيء لا كالأشياء ، فقولوا إنّه جسم لا كالأجسام (1).
    وأمّا ... فقد نصّ المصنّف فيما يأتي على طهارتهم ، وضعّف القول بنجاستهم في المعتبر والمنتهى ونهاية الإحكام والتذكرة والذكرى وجامع المقاصد وغيرها ، وفي الكفاية : نقل الشهرة على القول بالطهارة ، وقوّاه. ويفهم من شرح الفاضل أنّ مذهب الشيخ في النجاسة قويّ ; لأنّ تنجيس أهل ... أولى من تنجيس المجسّمة والمشبّهة ، بل أكثر الكفّار ، لأنّ ... تستتبع إبطال النبوّات والتكاليف رأساً. نعم ،
1 ـ لقد ذكرنا تفصيل هذا الإشكال وجوابه في كتابنا « دروس اليقين في معرفة اُصول الدين » وهو مطبوع ، فراجع. كما تعرّضنا لذلك في كتابي « بداية الفكر في شرح الباب الحادي عشر » و « القول الحميد في شرح التجريد » ، وهما مخطوطان.

(30)
الحقّ أنّ الذين لا يعرفون حقيقة ... ليسوا من الناس في شيء ، قال : ويدلّ على نجاستهم الأخبار الناصّة بكفرهم. انتهى كلامه رفع الله مقامه.
    وقال العلاّمة الحلي (1) : حكم الناصب حكم الكافر ، لأنّه ينكر ما يعلم من الدين ثبوته بالضرورة ، والغلاة أيضاً كذلك ، وهل المجسّمة والمشبّهة كذلك ؟ الأقرب المساواة لاعتقادهم أنّه تعالى جسم ، وقد ثبت أنّ كلّ جسم محدث.
    أقول : قد ذهب المشهور إلى نجاسة الخوارج وهم أهل النهروان ومن دان بمقالتهم ، والغلاة جمع غال ، وهم الذين اعتقدوا باُلوهية أحد الأئمة الأطهار ( عليهم السلام ) أو نحو ذلك ، والنواصب الذين نصبوا عداوة أهل البيت ( عليهم السلام ) في قلوبهم ، واُلحق بهم بعض من نصب العدواة لشيعتهم لأنّهم يدينون بحبّهم ، والمجسّمة بالحقيقة الذين يعتقدون بأنّ الله جسم ، وأمّا المجسّمة بالتسمية المجرّدة فقد تردّد بعضهم في نجاستهم ، وأمّا نجاسة كلّ من خالف أهل الحقّ مطلقاً الذين يعبّر عنهم بالمخالفين فقد ذهب السيّد المرتضى إلى ذلك ، والمشهور على طهارتهم ، وأمّا نجاسة المجبّرة من أهل الخلاف فقد ذهب الشيخ إلى ذلك وهو ضعيف كما سيتّضح ذلك في المباحث الآتية.
    وقال المحقّق الشيخ عبد النبي العراقي ( قدس سره ) (2) : الكافر هو مقابل المسلم والمؤمن تقابل التضاد أو السلب والإيجاب ـ ولكنّ السيّدين العلمين السيّد الحكيم في مستمسكه والسيّد الخوئي في التنقيح يذهبان إلى أنّه من الملكة وعدمها كما سنذكر ذلك في الخاتمة ـ فغيرهما كافر وله عرض عريض على حسب أصنافه ،
1 ـ المنتهى 1 : 168.
2 ـ المعالم الزلفى في شرح العروة الوثقى 1 : 335.
زبدة الأفكار في طهارة أو نجاسة الكفّار ::: فهرس