ادب الطف الجزء الاول ::: 31 ـ 45
(31)
شاب رأسي والحب فيكم وليد قتل الصبـر كالحسين شهيداً وبلى الجسم والغرام جديد لا لذب والهجر منكم يزيد
    ومر الشاعر جعفر بن محمد الخطي سنة 1019 في سفينة مائية عابراً البحر بين كتكان وثوبلي وبوبهان ـ من قرى البحرين ـ و بينما هو في السفينة وثبت سمكة من البحر وهي من نوع السبيطي فشقت جبهته اليمنى فنظم قصيدة غراء اولها :
برغم العوالي و المهندة البتر دماء أراقتها سبيطية البحر
    الى ان يقول و القصيدة طويلة :
لعمر أبي الخطى ان بات ثأره فثار علي بـات عند ابن ملجم لذي غير كفو وهو نادرة العصر وأعقبه ثأر الحسـين لـدى شمر
    وحتى عند السكر والخمريات يكون منه موضع الشاهد فهذا شميم النحوي من شعراء القرن السادس والمتوفى سنة 601 يقول :
أمزج بمسبوك اللجين لما نعى ناعي الفراق وأحالها التشـبيه لما خفقت لنا شمسان من وبدت لنا في كأسها فاعجب هداك الله من ذهبا حكته دموع عيني ببين من أهوى وبيني شـبهت بـدم الحسين لألائهـا في الخافـقين من لونهـا في حلـتين كون اتفاق الـضرتين (1)
    ويقول سعيد بن هاشم العبدي احد شعراء القرن الرابع الهجري :
1 ـ ترجمه اليعقوبي في البابليات ـ الجزء الاول.

(32)
أنا في قبضة الغرام رهين فكأن الهوى فـتى عـلوي وكـأني يزيد بـين يديـه بين سيفين أرهفا ورديـني ظن اني وليت قتل الحسين فهو يختار أوجع القتلتـين
    وهكذا راح اسم الحسين وقصته يترددان على الافواه ويتخذ الناس منهما شاهداً ومثلاً وتأسيا واستشهادا :
    بكاء الكائنات :
    كان لعظم هذه الفاجعة التي لم يقع في الإسلام أفظع ولا أشنع منها ان تجاوبت الأرض والسماء بالعزاء. روى الآلوسي في شرح القصيدة العينية ان عبد الباقي العمري الموصلي رثى الحسين بقوله :
يا عاذل الصبّ في بكاه فانـه ما بكـى وحـيداً بل إنـما قد بكت عليهم بالله ساعفـه في بكـائك على بني المصطفى اولئك الإنس والـجـنّ والملائك
    ويقول في ملحمته الكبيرة كما في الديوان :
قضى الحسين نحبه وما سوى الله عليه قد بكى وانتحبا
    ويقول ابو الفرج ابن الجوزي في ( التبصرة ) :
    لما كان الغضبان يحمر وجهه عند الغضب ، فيستدل بذلك على غضبه وانه امارة السخط ، والحق سبحانه ليس بجسم فأظهر تأثير غضبه على من قتل الحسين بحمرة الافق وذلك دليل على عظم الجناية.
    والى قتل الحسين عليه السلام وحمرة السماء يشير أبو العلاء المعري في قصيدة اولها :


(33)
عللاني فان بيض الاماني فنيت والظلام ليس بفان
    الى ان يقول فيها :
وعلى الدهر من دماء الشهــيدين فهما فـي اواخر الليل فجــران ثبتا في قيمصه ليجيء الـحشر علي ونجله شاهدان وفي أولياته شفقـان مستعدياً الى الرحمن
    ومن لطيف الاستنتاج ما أنشدنيه الشيخ عبد الحسين الحويزي لنفسه :
كل شيء في عالم الكون أرخى نُـزهّ الله عن بًكـاً ، وعـلي عينه بالدموع يبكي حسينا قد بكـاه ـ وكان لله عينا ـ
    روي أن أم سلمة سمعت هاتفاً يقول كما روى الطبري في ج 6 ص 269 ، وابن الاثير في ج 4 ص 40 :
أيها الـقاتلون جـهلاً حسيناً قد لعنتم على لسان ابن داود ابشروا بالعذاب والتنـكيل وموسى وصاحب الانجيل
    وروى ابن قولويه في الكامل ، انهم كانوا يسمعون نوح الجن في الليالي التي قتل فيها الحسين عليه السلام فمن شعرهم :
ابكي ابن فاطمة الذي ولقـتله زلـزلـتموا من قتله شاب الشعر ولقتله انخسف القمر
    ومن نوحهم ما رواه هو وغيره :
نساء الجـن يـبكين ويلطـمـــن خـدوداً ويلبسن الثياب السود من الحزن شجيّاتْ كـالدنانير نقيـّات بـعد القصـبيـات


(34)
ويسعـدن بنـوح ويندبـن حسينـا للنسـاء الهاشميـات عظمت تلك الرزيات
    ومن نوحهم ما رواه الشيخ المفيد رحمه الله عن رجل من بني تميم قال كنت جالساً بالرابية ومعي صاحب لي فسمعنا هاتفاً يقول :
والله ما جئتكم حتى بصرت بـه وحـوله فتـية تدمـى نحـورهم لقد حثثت قلوصي كي أصادفهم فـعاقني قـدر والله بالغـة كان الحسين سراجاً يستضاء به بالطف منعفر الخديـن منحـورا مثل المصابيح يملون الدجى نورا من قبل ، كيما ألاقي الخرّد الحورا فكان امراً قضـاه الله مقـدورا الله يعلـم انـي لـم أقـل زورا
    فقلت من أنت يرحمك الله ، قال وليٌ من جن نصيبين أردت أنا وأبي نصرة الحسين ومواساته فانصرفنا من الحج فرأيناه قتيلا.
    وذكر ابن نما رحمه الله عن أبي حباب الكلبي قال : لما قتل الحسين (ع) ناحت عليه الجن فكان الجصاصون يخرجون بالليل الى الجبانة فيسمعون الجن يقولون :
مسح الحـسين جبينه وأبوه من أعلى قريش فله بريق في الخدود وجده خير الجـدود
    وناحت عليه الجن فقالت :
لمن الأبيات بالطف على كره بنينا تلك ابيات الحسين يتجاوبن رنينا


(35)
    قال السيد الامين في الأعيان : والشك في ذلك ينبغي له التشكيك في قوله تعالى : « قلْ أوحي اليّ انه استمع نفر من الجن ».
    وروى ان القوم لما ساروا برأس الحسين وبسباياه نزلوا في بعض المنازل ووضعوا الرأس المطهر فلم يشعروا الا وقد ظهر قلم حديد من الحائط وكتب بالدم :
أترجوا امة قتلت حسيناً شفاعة جده يوم الحساب
    كذا في مجمع الزوائد لابن حجر ج 9 ص 199 ، والخصائص للسيوطي ج 2 ص 127 ، وتاريخ ابن عساكر ج 4 ص 342 ، والصواعق المحرقة ص 116 والكواكب الدرية ج 1 ص 57 ، والاتحاف بحب الاشراف ص 23 ، وفي تاريخ القرماني ص 108 وصلوا الى دير في الطريق فنزلوا فيه ليقيلوا به فوجدوا مكتوباً على بعض جدرانه هذا البيت :
    ومن ألوان الرثاء على الحسين ما رواه الشيخ يوسف البحراني عن زهر الربيع قال : ذكر بهاء المللة والدين أن أباه الشيخ حسين بن عبد الصمد الحارثي دخل مسجد الكوفة فوجد حجراً احمراً مكتوباً فيه :
أنا در من الـسما نـثروني كنت أصفى من اللجين بياضاً يوم تزويج والد السبـطين صبغتني دماء نحر الحسين
    كذا في الكشكول للشيخ يوسف البحراني ص 17 عن كشكول الشيخ البهائي.
    وما رواه السيد ابن طاووس أن الحسين عليه السلام لما نزل الخزيمية (1) أقام بها يوماً وليلة فلما اصبح اقبلت اليه اخته زينب فقالت : يا أخي أأخبرك بشيء سمعته البارحة ، فقال الحسين (ع) و ما ذاك ، فقالت خرجت
1 ـ الخزيمية بضم اوله وفتح ثانيه. تصغير خزم منسوبة الى خزيمة بن حازم وهو منزل من منازل الحج بعد الثعلبية من الكوفة.

(36)
    في بعض الليل لقضاء حاجة فسمعت هاتفاً يهتف ويقول (1) :
ألا يا عين فاحتفلي بجهد على قوم تسوقهم المنايا ومن يبكي على الشهداء بعدي بـمقدار الـى انجـاز وعـد
    فقال لها الحسين (ع) يا أختاه كل الذي قضى فهو كائن (1).
1 ـ ولدت زينب الكبرى بعد الحسين (ع) في الخامس من شهر جمادي الاولى في السنة الخامسة من الهجرة وهي الملقبة بالصديقة الصغرى للفرق بينها وبين أمها الصديقة الكبرى.
والقابها : عقيلة بني هاشم. عقيلة الطالبيين. الموثقة. العارفة. العالمة. والعقيلة في اللغة هي الكريمة في قومها والمخدرة في بيتها. وروت الحديث عن ابيها امير المؤمنين و عن امها فاطمة وروت خطبتها الشهيرة عنها.
ولدتها الزهراء سلام الله عليها بعد شقيقها الحسين بسنتين. وجاء في خيرات الحسان وغيره ان مجاعة اصابت المدينة فرحل عنها بأهله عبد الله بن جعفر الطيار الى ضيعة له في الشام وقد حمت زوجته زينب من وعثاء السفر او ذكريات احزان واشجان من عهد سبي يزيد لآل رسول الله صلوات الله عليهم ، ثم توفيت على اثرها في النصف من رجب سنة 65 ودفنت هناك حيث المزار المشهور المعمور ومنذ سنين لاتقل عن عشر والعمران قائم على قدم وساق والهدايا والنذور والتبرعات جارية.
وقد كتب على جبهة الباب الرئيسي :
ألا زر بقعة بالشام طابت فقل للمذنبين ان ادخلوها لزينب بضعة لابي تراب تكونوا آمنين من العذاب
    ولما اهدي القفص الفضي المذهب الذي يزن 12 طنا المحلى بالجواهر الكريمة النادرة نظم المرحوم الشيخ علي البازي مؤرخاً كما رواه لي هو :
هذا ضريح زينب قف عـنده ترى الملا طراً واملاك السما واستغفـر الله لكـل مـذنب ارخ ( وقوفاً في ضريح زينب )
    ويقول الخطيب الشهير الشيخ قاسم الملا رحمه الله من قصيدة له عدد فيها كرامة الحوراء زينب :
لمرقدها بالشام تروى ثقاتها لمرقدها بالشام دلت خوارق وقيل بمصـر ان هذا لاعجـب لها ينجلي من ظلمة الشك غيهب

(37)
    جاءت الروايات بأسانيدها الصحيحة عن النبي وأهل البيت عليهم السلام في فضل زيارة الحسين وأن الله عوّض الحسين عن شهادته وتضحيته بان كان الشفاء في تربته واللأئمة من ذريته و استجابة الدعاء عند قبته ، وأن الله ينظر الى زوار قبر الحسين عشية عرفة قبل ان ينظر الى حجاج بيته الحرام. ذلك لأن الحسين حفظ حرمة البيت الحرام.
    فقد قال لابن عباس عندما خرج من مكة المكرمة قبل ان يتم حجه يابن عباس لو لم اخرج لهتكت حرمة البيت.
    وجاء عن الامام الباقر (ع) ان الحسين قتل مظلوماً فألى الله أن لايأتي قبر الحسين مظلوم الا تكفل برد مظلمته ، وأن الحسين قتل مهموماً حزيناً كئيباً فألى الله أن لايأتي قبر الحسين مهموم الا فرّج عنه. الى أمثال هذا كثير وكثير فقامت الشيعة بكل شوق تقصد قبر الحسين من البلدان النائية والاقطار البعيدة ولا يصدها عن ذلك تعب ولا نصب ولا خوف ولا خطر وتضحي بكل غال ورخيص في سبيل زيارة الحسين لتقف في مرقده المطهر و تستوحي من روحانية ابي الشهداء دروس العزة والتضحية ولترجع بذنب مغفور و طرف مقرور ، و من اعظم المواسم التي تقصدها الشيعة ـ كما ارشدهم أئمتهم هي ليلة عاشوراء والتي في صبيحتها كان استشهاد الحسين عليه السلام. والكثير من الشيعة يحيى هذه الليلة بالدعاء واقامة العزاء وتلاوة مقتل الطف والبكاء لان الحسين عليه السلام أحياها بالصلاة والاستغفار وقراءة القرآن هو وأصحابه كما جاء في الرواية : بات الحسين وأصحابه ليلة العاشر من المحرم ولهم دوي كدوي النحل من التهجد والتضرع والدعاء والاستغفار ، فقال فيهم شاعرهم :
سمة العبيد من الخشوع عليهـم واذا ترجلت الضحى شهدت لهم لله ان ضمّتهـم الأسحـار بيض القواضب أنهم احرار


(38)
    كلما عاد شهر محرم الحرام عادت معه ذكرى أبي الشهداء وشهيد الاباء أبي عبد الله الحسين عليه السلام. عادت حافلة بالعَبرة والعِبرة وعادت الذكرى للحادثة الدامية فما من بقعة من بقاع الارض وفيها شيعة لأهل البيت ، إلا وأقيمت ذكرى الحسين (ع) وانتصب منبر الحسين وعزاء الحسين (ع).
    أما كربلاء ـ بلد الحسين ومحل استشهاده ومصرعه ـ فانها تلبس الحداد وتتجلبب بالسواد وتحمل شارات الحزن فلا تجد مكاناً ولا محلا ولا مخزناً ولا مسجداً الا وعليه شعار الحسين ويجتمع الناس وتغص كربلاء بالوفاد من جميع الاقطار الاسلامية فليس هناك منظر أعظم من ذلك المنظر في اللوعة والتفجع وتتوالى المواكب والاجتماعات فكل موكب يمثل بلداً من البلدان يحمل شعاره ويردد أناشيد الحزن والعزاء. فهذا موكب شباب الكاظمية في ليلة عاشوراء يحف بالراية العراقية ويشق


(39)
طريقه الى حرم الامام الحسين (ع) تتقدمه المشاعل الكهربائية والاعلام الحسينية وتتعالى نغمات الأناشيد قائلة :
أيها الذائد عن شرع الهدى يومك السامي سيبقى خالداً أنت رمز للمعالي يا حسين أبد الدهر يهز الخافقـين
    وذاك موكب قضاء ( بلد ) قد كتب على الراية بحروف بارزة :
رزء الحسين السبط عم الورى ما بـلد أولى بـه من ( بلـد )
    ويتلوه قضاء ( القورنة ) قد كتب على الراية :
من بلد ( القرنة ) جاءت لكم إن طـاح بالـطف لواكم فقد شيعتكم تسـعى الى نيـنوى جاءت لكم ترفع هذا اللوى
    وهذا موكب بغداد يكتب على قطعة قماش :
صرخ النادبون باسم ابن طه لم يصيبوا الحسين الا فقيداً وعليه لم تحبس الدمع عين حينما أرخوه ( أين الحسين )
    ويمر موكب النجف الاشرف وهو أضخم موكب يكون ليلة عاشوراء مجلل بالوقار اذ يتقدمه الروحانيون بعمائمهم وشعاراتهم الدينية ويتوسطهم علم الحسين قد كتب عليه :
سيكون الدم الـزكـي لواء ينبت المجد في ظلال البنود لشعوب تـحاول استقـلالا الحمر يهوى نسيجها سربالا
    وهذا الصحن الحسيني على سعته يغص بالناس وفي الجهة الجنوبية الشرقية من الصحن الحسيني خزان ماء مبرد قد أسسته والدة السلطان عبد الحميد العثماني وعليه تاريخ التأسيس سنة 1281 هـ ببيت من الشعر


(40)
سلسبيل قد أتى تاريخه اشرب الماء ولا تنس الحسين
    وتملكك الروعة عندما تشاهد الصحن وروعته وقد كتب القرآن على جوانبه بخطوط بارزة تقرأ جلية بالرغم من ارتفاع جدران الصحن حوالي 15 متر ، وأول ما تشاهده في وسط الصحن هو الإيوان الذهبي بجدرانه الذهبية المشعة وابواب الحرم الحسيني الذهبية وقد كتب عليها بالذهب الخالص :
فداء لمثواك من مضجع
    وهي قصيدة من أروع الشعر لشاعر العرب ـ اليوم ـ الأستاذ محمد مهدي الجواهري ، وقصيدة الشاعر الكبير المرحوم السيد حيدر الحلي ومنها :
ياتربة الطف المقدسة التي هالوا على ابن محمد بوغائها
    إلى غير ذلك من القطع الشعرية التي تزدان بها جدران الحرم الحسيني المقدس.


(41)
    يوم أربعين الحسين عليه السلام وهو يوم العشرين من صفر من أضخم المؤتمرات الاسلامية يجتمع الناس فيه كاجتماعهم في مكة المكرمة تلتقي هناك سائر الفئات من مختلف العناصر ويعتنق شمال العراق بجنوبه والوفود من بعض الأقطار الاسلامية فهذا الموكب يردد انشودته باللغة العربية ، وذاك باللغة التركية ، وثالث باللغة الفارسية ، ورابع باللغة الأوردية وهكذا.
    ولست مبالغا اذا قلت ان هذا الموسم يجمع اكثر من مليون نسمة جاءت لاحياء ذكرى الأربعين أو لزيارة ( مردّ الرأس ) إذ أن الروايات تقول أن رأس الحسين عليه السلام اعيد الى الجسد الشريف بعد اربعين يوماً من استشهاده. جاء زين العابدين علي بن الحسين والفواطم معه ومعهم الرأس الشريف وبقية الرؤوس ومنه زيارة الأربعين.
    ان هذه المواكب من سائر الأقطار ومختلف البلدان تؤم كربلاء وقد سجلت ادارة السلطة المحلية أكثر من 300 مؤكب أكثرها يضرب


(42)
الخيام حوالي كربلاء والبعض يحجز المحلات الكبيرة وتستهلك كربلاء في هذا الموسم من الرزما لا يقل عن مائة طن وكل موكب له منادون يدعون الناس الى المائدة وتناول الطعام باسم الحسين.
    وتتخلل هذا الموسم زيارات التعارف بين المواكب وتبادل العواطف وتقديم التمنيات والتحيات وعظيم الأجر يوم الحشر ، ان الآلاف من الناس يقومون بالخدمة لهؤلاء الزوار ويسخون بانفسهم من أجل راحة الزائرين فالبعض بسقي الماء المعطر والمذاب فيه السكر ، والبعض برش ماء الورد ، والبعض بالتهوية بالمراوح اليدوية وهكذا.
الامام الحسين (ع)
    ولد الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام بالمدينة لثلاث أو لخمس خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة. وجاءت به امة فاطمة (ع) الى جده (ص) فاستبشر به وسماه حسينا وعق عنه كبشاً. ويكنى ابا عبدالله وهو وأخوه سيدا شباب أهل الجنة بشهادة الرسول (ص). وبالاسناد الى سلمان الفارسي (رض) قال سمعت الرسول (ص) يقول في الحسن والحسين عليهما السلام : ( اللهم اني احبهما وأحب من يحبهما ) وقال (ص) : ( ان ابني هذين ريحانتي في الدنيا ). وحسبهما كرامة لايشاركان فيها ، أنها هما المرادان بالأبناء في آية المباهلة. وأنهما من أهل العباء الذين لا يدرك أمد فضلهم ، وممن نزل به قوله تعالى « ويطعمون الطعام على حبّه مسكيناً ويتيماً وأسيراً ـ الى ، وجزاهم جنة وحريرا ». وانهما من القربى. وممن نزلت بهم آية التطهير. وما الى ذلك من المناقب. وقد استفاضت أخبارها وملأت الدفاتر.
    وهو الامام بعد أخيه بنص أبيه وتصريح جده (ص) فيه وفي أخيه مما


(43)
هو نص جلي على امامتهما بقوله ( ابناي هذان امامان قاما أو قعدا ) و بوصية أخيه الحسن صلوات الله عليه فامامته بما ذكر وبكثير من الدلائل ثابتة. وطاعته لازمة. وما كف عن المطالبة بها بعد وفاة أخيه الا وفاء بالهدنة المعقودة بين أخيه وبين معاوية. ولما كتب له أهل العراق بعد وفاة أخيه بخلع معاوية والبيعة له امتنع عليهم وذكر أن بينه وبين معاوية عهداً وعقداً لايجوز له نقضه حتى تمضي المدة. ولما انقضت بمهلكه مدة الهدنة اظهر أمره بحسب الامكان وأبان عن حقه للجاهلين به حالا بعد حال الى ان اجتمع له في الظاهر الانصار فدعا الى الجهاد و شمًّر للقتال وتوجه بولده واهل بيته من حرم الله وحرم رسوله (ص) نحو العراق للاستنصار بمن دعاه من شيعته على الأعداء. وقدم أمامه ابن عمه مسلم بن عقيل (رض) للدعوة الى الله والبيعة له على الجهاد فبايعه أهل الكوفة على ذلك وعاهدوه وضمنوا له النصرة والنصيحة. ووثقوا له في ذلك وعاقدوه. ولكن سرعان ان نكثوا بيعته وخذلوه وأسلموه فقتل بينهم ولم يمنعوه وخرجوا الى حرب الحسين (ع) وقد أجاب دعوتهم التي تواترت عليه بها كتبهم فحاصروه ومنعوه المسير الى بلاد الله واضطروه الى حيث لا يجد ناصرا ولا مهرباً منهم وحالوا بينه و بين ماء الفرات حتى تمكنوا منه فقتلوه فمضى (ع) ظمآن مجاهداً صابراً محتسباً مظلوماً قد نكثت بيعته واستحلت حرمته ، ولم يوف له بعهد ، ولارعيت فيه ذمّة عقد. شهيداً على ما مضى عليه أبوه وأخوه وقد قتل معه ولده وأهل بيته وسير برأسه ورؤوس رهط من أصحابه وأبنائه سبايا الى الشام وجرى عليه وعلى اهل بيته من بعده من الفظائع ما هو مسطور ومشهور.
    وان سألت عن الأهداف التي يهدف اليها الحسين والسر الذي ثار ابو الشهداء من أجله فاسمع كلماته التي صرخ بها في خطبته بالجيوش التي جاءت تحاربه قال :
    ايها الناس ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال : من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله ناكثاً لعهد الله مخالفاً لسنة رسول الله يعمل في عباد الله بالاثم


(44)
والعدوان فلم يغير ما عليه بفعل ولاقول كان حقاً على الله أن يدخله مدخله. ألا وان هولاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن ، وأظهروا الفساد وعطلوا الحدود واستأثروا بالفيء وأحلوا حرام الله وحرموا حلاله. وأنا احق من غيري ، وقد أتتني كتبكم ورسلكم وانكم لاتسلموني ولاتخذلوني فان بقيتم على بيعتكم تصيبوا رشدكم وأنا الحسين بن علي بن فاطمة بنت رسول الله نفسي مع أنفسكم وأهلي مع أهلكم. الى آخر ما قال :
    لم يكن سيد الشهداء بالرجل الطامع في حكم أو امارة أو مال ، فقد كان بوسعه أن يقول ( نعم ) لكي يحصل من وراء هذه القولة على ما يشاء من نعم الدنيا ، وكان خصومه مستعدين لأن يمنحوه ما يشاء لقاء أن يمسك لسانه وأن يلزم الصمت.
    يظن البعض ان الامام الحسين عليه السلام أراد من رواء نهضته الحصول على زمام الحكم ولكن من يدرس فلسفة النهضة يتأكد لديه أن للحسين منزلة اجتماعية لدى المسليمن أبعد بكثير من منزلة الملوك والحكام.
    قال عمر أبو النصر كانت ثورة الامام الحسين عليه السلام على يزيد ثورة أمة على حاكم لا يصلح للحكم ، وامام لم يتوفر فيه ما يجب أن يتوفر في المليك الحاكم و الامام القائم من عدل وأخلاق وعلم وايمان ... و من هذا يدل على ان الاسلام لا يؤيد الحاكم الطاغية ولا الامير العاتي بل انه ليذهب الى اكثر من هذا فيأمر المسلمين بابعاده والثورة ضده فمقام الحكم لا يليق الا للأفاضل من القوم الخلّص من البشر الذين يقسطون بين الناس ويقيمون العدل ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.
    ولقد صرح الحسين (ع) برأيه فأرسل كلمته يوم خرج من المدينة فقال : أنا أهل بيت النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة بنا فتح


(45)
الله و بنا يختم ، ويزيد رجل فاسق شارب الخمر ، قاتل النفس المحترمة ومثلي لا يبايع مثله.
    انه عليه السلام يعلمنا كيف يكون المؤمن بربه شجاعاً في الحق لا ترهبه صولة الباطل ولا تخدعهٍ زهرة الحياة عن أداء رسالة الحق والخير والايمان حتى اذا عاش عاش عزيزاً ، و اذا قضى قضى مع الأبرار كريماً.
    « من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ».
    وقد علّمنا عليه السلام أن اليد الطاهرة النقية لا تخضع لليد الآثمة الملوثة ، وقد قال لمروان بن الحكم : وعلى الاسلام السلام اذ قد بليت الأمة براع مثل يزيد.
    وقال لأخيه محمد بن الحنفية : والله لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوى لما بايعت يزيد بن معاوية.
    وخرج من المدينة يلازم الطريق الأعظم بالرغم من أن السلطة الأموية قد سدت الطرق بوجهه تريد قتله ـ فقال له اهل بيته : لو تنكبّت الطريق كما فعل ابن الزبير فقال (ع) : والله لا أفارق الطريق الأعظم حتى يقضي الله ما هو قاض.
غـداة بنـى عبد المناف انوفـهم سـرت لم تنكّب عن طريق لغـيره إلى أن أتت أرض الطفوف فخيّمت أبت أن يساف الضيم فيها بمنشقِ حذار العدى بل بالطريق المطرق بأعلى سنـامِ للعـلاء ومفـرق
ادب الطف الجزء الاول ::: فهرس