ادب الطف الجزء الاول ::: 106 ـ 120
(106)
وإن سراتنا وذوي حجانا بكل مهند عضبٍ وجردٍ تواصوا أن نجيب إذا دعينا علـيهن الكـماة مسومـينا
    وروى ابن قتيبة في الشعر والشعراء قوله :
اذا كنـتَ مظلوماً فلا تلف راضيـاً وإن كـنت انت الظالم القوم فاطرّح وقـارب بـذى جهل وباعد بعـالم وإن حدبوا فاقعس ، وإن هم تقاعسوا عن القوم حتى تأخذَ النصف واغضب مقالتـهم واشـغب بهـم كل مَشـغب جـلوب علـيك الحق من كل مجـلب لينـتزعوا ماخلف ظـهرك فاحـدب
    وقال :
تعودتُ مس الضـر حتى ألفـته ووسّع صدري للاذى كثرة الاذى إذا أنا لم اقبل من الدهر كل مـا وأسلمني طول البلاء الى الصبر وكان قديماً قد يضيق به صدري ألاقيه منه طال عتبي على الدهر


(107)
    14 ـ ابن مفرغ الحميري :
    قال يخاطب عبيد الله بن زياد :
كم يا عبـيد الله عندك من دمٍِ ومعاشـر أُنف أبحت دماءهم اذكر حسيناً وابن عروة هانئاً يسعى ليدركه بقتلك ساعـي فرّقتهم مـن بعد طول جماع وبني عقـيلٍ فارس المرباع


(108)
يزيد بن ربيعة بن مفرغ (1) كان شاعراً مقداماً هجا زياداً وآل زياد وعرف سجن عبيد الله بن زياد وهو القائل لما استلحق معاوية زياداً ونسبه الى ابيه (2) :
الا أبلغ معـاوية بن حرب أتغضب أن يقال ابوك عفّ فاشهد أنّ رحـمك من زياد وأشهد أنـها ولدت زيـاداً مغلغـلة من الرجل اليـماني وترضى أن يقال أبوك زاني كرحم الفـيل من وَلد الأتـان وصخـر من سمية غير داني
    فاستأذن عبيد الله بن زياد معاوية في قتله فلم يأذن له وأمره بتأديبه فلما قدم ابن زياد البصرة أخذ ابن المفرغ من دار المنذر بن الجارود ـ وكان أجاره ـ فأمر به فسقى دواء ثم حمل على حمار وطيف به وهو يسلخ في ثيابه ، فقال لعبيد الله :
يغسل الماء ماصنعت ، وقولي راسخ منك في العظام البوالي (3)
    أقول وتمثل سيدنا الحسين عليه السلام بشعره لما خرج من دار والي المدينة الوليد بن عتبه بن أبي سفيان ، وكان قد طلب من الحسين البيعة ليزيد ابن معاوية فأبى سيد الشهداء قائلاً : يا أمير انا أهل بيت النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة بنا فتح الله وبنا يختم ومثلي لا يبايع مثله ولكن نصبح وتصبحون وننظر وتنظرون أيّنا أحق بالخلافة ، ثم خرج يتمثل بقول يزيد بن المفرغ :
1 ـ انما سمي مفرغاً لأنه راهن على سقاء من لبن يشربه كله فشربه حتى فرغه فسمي مفرغاً ، وكان شاعراً غزلا محسناً من شعراء الصدر الأول وزمن معاوية بن ابي سفيان.
2 ـ وفي خزانة الأدب ، والحيوان : ان هذه الأشعار لعبد الرحمن بن الحكم ـ اخي مروان ـ قال ابو الفرج والناس ينسبونها الى ابن المفرغ لكثرة هجائه لزياد.
3 ـ هذا البيت من قصيدة يذكر فيها ما فعل به ابن زياد واهمال حلفائه من قريش اياه.


(109)
لاذعـرت السـوام في غـسق الصبح يوم أعطى مخافة الـموت ضيماً مغيراً ولا دعيت يزيدا والمنايا يرصدنني أن أحـيدا
    وقال ابن قتيبة في الشعر الشعراء : هو يزيد بن ربيعة بن مفرغ الحميري حليف لقريش ، صحب عباد بن زياد بن ابي سفيان فلم يحمده وكان عباد طويل اللحية عريضها ، فركب ذات يوم وابن مفرغ معه في موكبه فهبت الريح فنفشت لحيته قال ابن مفرغ :
ألا ليت اللحي كانت حشيشاً فنعلفها دواب المسلمينا
    فبلغ ذلك عباداً فجفاه وحقد عليه ، فأخذه عبيد الله بن زياد فحبسه وعذبه وسقاه التربذ في النبيذ (1) وحمله على بعير وقرن به خنزيرة ، فامشاه بطنة مشياً شديداً ، فكان يسيل ما يخرج منه على الخنزيرة فتصيءُ ، فكلما صاءت قال ابن مفرغ :
ضجت سميةُ لما مسها القَرنُ لا تجزعي إن شر الشيمة الجزع
    وسمية ام زياد ، فطيف به في أزقة البصرة وأسواقها والناس يصيحون خلفه فمر به فارسي فرآه فقال : ( اين جيست ) ، لما يسيل منه وهو يقول :
أبست نبيذست    عصارات زبيبست    سمية رو سفيدست.
    ومعناه هذا ماء نبيذ ، هذا عصارة زبيب ، و سمية عاهر فلما ألح عليه ما يخرج منه قيل لابن زياد : انه لما به. لا نأمن أن يموت فأمر به فانزل ، فاغتسل فلما خرج من الماء قال :
يغسل الماء مافعلت ، وقولي راسخ منك في العظام البوالي (3)

1 ـ هو راسب زئبقي اصفر.
2 ـ انظر هذا في الطبري.
3 ـ والقصيدة طويلة رواها ابو الفرج في الأغاني.


(110)
    ثم دس اليه غرماءه يقتضونه ويستعدون عليه ففعلوا ذلك فامر ببيع ما وجد له في اعطاء غرمائه ، فكان فيما بيغ له غلام كان رباه يقال له ( بُرد ) كان يعدل عنه ولده ، وجارية يقال لها ( اراكة ) أو ( اراك ) فقال ابن مفرغ فيهما :
يا برد مـا مسنا دهر أضرّ بنا أما الاراك فـكانت من محارمنا لولا الدعي ولولا ما تعرّض لي من قبل هذا ولا بعنا له ولداً عيشاً لذيذاً وكانت جنةً رغدا من الحوادث ما فارقتها أبـداً
    وقال من قصيدة له ، وهي أجود شعره :
وشريت برداً ليتنـي أو بومة تدعو الصدى من بعد برد كنت هامه بين المشقّر واليمـامة
    وأَول الشعر :
اصرمت حبلك من أمامه من بعد أيام برامه (1)
    ثم ان عبيد الله بن زياد أمر به فحمل إلى سجستان الى عباد بن زياد ، فحبس بها.
    وقال الشيخ القمي في الكنى : ابو عثمان يزيد بن زياد بن ربيعة ابن مفرغ الحميري لقب جده مفرغاً ، وقد هجا عباد بن زياد وعبيد الله بن زياد وقد نكّلا به وحبساه ولولا قومه وعشيرته الذين كانوا مع يزيد بن معاوية لقتلاه ، ومن شعره في لحية عباد ـ وكان عظيم اللحية كأنها جوالق :
ألا ليت اللحى كانت حشيشاً فتعلفها خيول المسلمينا
    وله أيضاً في هجاء زياد :
فاشهدُ أن امك لم تباشر أبا سفيان واضعة القناع

1 ـ انظرها في طبقات ابن سلام والخزانة والاغاني والكامل.

(111)
ولكن كان أمر فيه لبس على وجل شديد وامتناع
    وله في هجاء عبيد الله بن زياد :
وقل لعبيد الله مالك والد بحق ولا يدري امرءً كيف ينسب
    و من شعره أيضاً :
إن زياداً ونافعاً وأبا بكرةَ هم رجال ثلاثة خـلقوا ذا قرشي كما يقول وذا عندي من أعجب العجبِ (1) في رحم أنثـى وكلـهم لأبِ مولى وهذا ابن عمه عربي
    توفي سنة 69 هـ بعد ان قضى عمراً تارة في سجن عبيد الله ابن زياد بالبصرة ، واخرى في سجن عباد بن زياد بسجستان ومع ذلك كان ينطلق بهجاء آل زياد فلما طال مقامه في السجن استأجر رسولاً الى دمشق وقال له : إذا كان يوم الجمعة فقف على درج جامع دمشق وانشد هذه الأبيات :
ابلغ سراةَ بنـي قحطان قاطبةً اضحى دعـي زياد فقع قرقرة والحميري صريع وسط مزبلة قولوا جميعاً امير المؤمنين لنا اكفف دعيّ زيـاد عن أكارمنا عضّت بأير أبيهـا سادة الـيمن يا للحوادث يلهـو بابن ذي يزن هذا لعمرك غبن ليـس كالغـبن علـيك حق ومنّ ليس كالمـنن ماذا تريد بذي الأحقاد والاحـن
    ففعل الرسول ما أمره به وأنشد الأبيات فحميت اليمانية وغضبوا وركب طلحة الطلحات الى الحجاز وليس قرشيا وكان ابن مفرغ حليفاً لبني أمية فقال لهم طلحة يا معشر قريش إن اخاكم وحليفكم ابن مفرغ قد ابتلى بهذه الاعبد من بني زياد وهو عديدكم وحليفكم ورجل منكم
1 ـ أراد بهم اولاد سمية وهم ، زياد ، ونافع وابو بكرة كل واحد من هؤلاء ينتمي وينسب لأب غير الاخر واراد بالنبطي : نافعاً : وبالعربي ابا بكرة. ، وبالمولى زياد لان اباه عبيد كان عبد بني علاج.

(112)
ووالله ما احب أن يجري الله عافيته الى يدي دونكم ولا أفوز بالمكرمة في أمره وتخلوا أنتم منها ، فانهضوا معي بجماعتكم الى يزيد بن معاوية فان أهل اليمن قد تحركوا بالشام.
    فركب خالد بن أسيد وامية بن عبد الله اخوه في وجوه خزاعة وكنانة وخرجوا إلى يزيد فبينما هم يسمرون ذات ليلة إذ سمعوا راكباً يتغنى في سواد الليل بقول ابن مفرغ ويقول :
قلت والـليل مـطبق بـعراه ليتني مت قـبل تركـي أخـا عبـشمي ابـوه عبد مـنـاف قل لقومي لدى الأباطح من آل سامنـي بـعدكم دعي زيـاد كان ما كان في الاراكة واجتبَّ أوغل العبد في العقوبة والشـتم فارحـلوا في حليفكم واخيـكم فاطلبوا النصفَ من دعي زيـاد ليتني مت قـبل ترك سـعيد النجدة والحزم والفعال الشديدَ فاز مـنها بتاجهـا المـعقود لـويّ بن غالـب ذي الـجود خطة الغـادر اللـئيم الزهـيد ببرد سـنام عيشـي وجـيدي وأودى بـطـارفـي وتلـيدي نحو غوث المستصرخين يزيد وسلوني بما أدعيت شـهودي
    فدعوه وسألوه ما هذا الذي سمعنا منك تغني به فقال هذا قول رجل والله إن أمره لعجيب رجل ضاع بين قريش واليمن وهو رجل الناس ، قالوا من هو قال ابن مفرغ ، فقالوا والله ما رحلنا إلا فيه وانتسبوا له فعرفهم وانشد قوله :
لعمري لو كان الأسير بن معمر ولو أنهم نـالوا أمية أر قلـت فابلغت عذراً في لؤى ابن غالب فإٍن لم يغيـرها الإمـام بحـقها وصاحبه أو شكـله ابن اسيد براكبها الوجـناء نحو يزيـد واتلفت فيهم طارفي وتليدي عدلت الى شُمٍ شوامخ صـيد


(113)
فنـاديت فيـهـم دعـوة يمنـية ودافعت حتى ابلغ الجـهد عنهم فإن لم تكونوا عند ظني بنصركم بنفسي وأهـلي ذاك حـياً و ميتاً فكم من مقام في قريـش كفـيته وخصم تحامـاه لؤى بـن غالب وخير كثيـر قد أفأتُ عـليـكم كما كان آبائـي دعـوا وجدودي دفاع امرىء في الخير غير زهيد فليس لها غـيـر الأغـر سـعيد نضارُ وعـود الـمرء أكرم عود ويـوم يشيب الكاعبـات شـديد شببت لـه ناري فهاب وقـودي وأنتم رقـود أو شـبيه رقـود
    فاسترجع القوم وقالوا : والله ذلت رؤوسنا في العرب إن لم نغسلها بكفه ، فاغذّ القوم السيرَ حتى قدموا الشام وهناك اجتمعوا مع اليمانية ودخلوا على يزيد وكلموه فأمر بتسريح ابن مفرغ وأرسل بذلك مع رجل له خمخام فأطلقه.
    ومن قول ابن مفرغ يذكر هرب عبيد الله بن زياد وتركه أمه :
أعـبيدُ هلا كـنتَ أول فـارس أسلمت امك والرماح تنوشهـا إذ تستغيث وما لنـفسك مانـع هلا عـجوز إذ تـمد بـثديهـا فركبت رأسك ثم قلت أرى العدا فانجي بنفسك وابتـغي نفقاً فما ليس الكريم بمن يخلّـف امـه حذر المنية والريـاح تنوشه متأبطـاً سـيفاً علـيه يلمـَّق لا خير في هذرِ يهـز لـسانه لابن الزبير غداةً يذمر مبـدراً يوم الهياج دعا بحتفك داعي يا ليتـني لك لـيلة الأفـزاع عبد تـردده بـدار ضـياع وتصيح ان لا تنزعنّ قناعي كثروا وأخلف موعد الاشياع لي طاقة بكِ والسلام وداعي وفتاتَه في المنزل الجـعجاع لم يرم دون نسـائه بكـراع مثل الحمـار أثـرته بيـفاع بكلامه والقلب غيـرَ شـجاع أولـى بغايـة كل يوم وقـاع


(114)
واحق بالصبر الجميل من امرىءِ جعد اليدين عن السماحة والندى كم يا عـبيد الله عنـدك من دمِ ومعاشر أنفٍ أبحت حريمـهمٍ أذكر حـسيناً وابن عروة هانئاً كزّ انامله قـصير البـاع وعن الضريبة فاحشِ منّاع يسعى ليدركه بقتلك ساعي فرقتهم من بعد طول جماع وبني عقيلٍ فارس المرباع
    وقال ابن مفرغ في مقتل ابن زياد بالزاب :
ان الذي عاش حـثاراً بذمـته العبد للعبد لا أصل ولا طرف إن المـنايا اذا مازرن طاغـيةً هلا جمـوع نـزار إذ لقيـتهم لا انت زاحمت عن ملك فتمنعه ما شق جيـب ولا ناحتك نائحة ومات عبـداً قتـيل الله بـالزابِ ألوت به ذات أظـفار وأنـياب هتكن عنه ستوراً بيـن أبـواب كنت امرءً من نزار غير مرتاب ولا مددت إلـى قـوم بأسبـاب ولا بكتك جياد عـنـد أسـلاب
    قال الطبري في تاريخه وفي سنة 59 كان ما كان من امر يزيد بن مفرغ الحميري وعباد بن زياد وهجاء يزيد بني زياد ، وقال :
    ان يزيد بن ربيعة بن مفرغ كان مع عباد بن زياد بسجستان فاشتغل عنه بحرب الترك فاستبطأه فاصاب الجند مع عباد ضيق في إعلاف دوابهم فقال ابن مفرغ :
ألا ليت اللحي كانت حشيشا فيعلفها خيول المسلمينا
    ولقد مر ما صنع به عبيد الله ثم حمله الى عباد بسجستان فكلمت اليمانية فيه بالشام معاوية فأرسل رسولاً الى عباد فحمل ابن مفرغ من عنده حتى قدم على معاوية فقال في طريقه :
عدس ما لعبّادٍ عليك إمارة نجوتِ وهذا تحملين طليقُ


(115)
    15 ـ عبيد الله بن عمرو الكندي البدي :
سعـيدَ بن عـبد الله لا تنسيـنّه فلو وقفـت صمّ الجبال مكـانهم فمن قائم يستعرض النبلَ وجـهه ولا الـحر إذ آسى زهيراً على قسر لمارت عـلى سهل ودكّت على وعر ومن مقدم يلقـى الاسـّنة بالصـدر


(116)
    قال الشيخ المامقاني في تنقيح المقال : عبيدالله بن عمرو الكندي ذكره علماء السير وانه كان فارساً شجاعاً كوفياً شيعياً شهد مع أمير المؤمنين مشاهده كلها وبايع مسلم بن عقيل ، وكان يأخذ البيعة من أهل الكوفة للحسين وعقد له مسلم راية على ربع كندة يوم حاصر قصر الامارة فلما تخاذل الناس عن مسلم واطمأن ابن زياد ارسل الحصين بن نمير فقبض على عبيدالله واحضره امامه فسأله ممن انت ، قال من كندة قال : انت صاحب راية كندة وربيعة قال نعم ، قال انطلقوا به فاضربوا عنقه فانطلقوا به فضربوا عنقه رضوان الله عليه.
    قال التستري صاحب ( قاموس الرجال ) : انما روى الطبري عقد مسلم له على ربع كندة وربيعة واما اخذه وقتله فلا.
    وحيث ان الشاعر قد ذكر في الابيات اسماء الأبطال الثلاثة من اصحاب الحسين عليه السلام ، رأينا ان نذكر ترجمة كل واحد منهم بالمناسبة :
    1 ـ سعيد بن عبد الله الحنفي :
    كان ممن استشهد مع الحسين يوم الطف وكان من وجوه الشيعة بالكوفة ، وذوي الشجاعة والعبادة فيهم ، وكان ممن حمل الكتب إلى الحسين عليه السلام من اهل الكوفة إلى مكة والحسين فيها ، ولما خطب الحسين اصحابه في اللية العاشرة من محرم وأذن لهم بالتفرق فأجابه اهل بيته ثم قام سعيد بن عبد الله فقال : والله لا نخليك حتى يعلم الله إنا قد حفظنا نبيه محمداً فيك. والله لو علمت أني أُقتل في أُحيي ثم احرق حيَّاً ثم أُذر. يفعل بي ذلك سبعين مرة ما فارقتك حتى القي حمامي دونك ، فكيف لا أفعل ذلك وإنما هي قتلة واحدة ثم الكرامة التي لا انقضاء لها ابداً.
    وروى ابن مخنف انه لما صلى الحسين الظهر صلاة الخوف. اقتتلوا


(117)
بعد الظهر فاشتد القتال ، ولما قرب الأعداء من الحسين ، وهو قائم بمكانه ، استقدم سعيد الحنفي امام الحسين فاستهدف لهم يرمونه بالنبل يميناً وشمالاً وهو قائم بين يدي الحسين يقيه السهام طوراً بوجهه وطوراً بصدره وطوراً بيديه وطوراً بجبينه فلم يكد يصل إلى الحسين شيء من ذلك حتى سقط الحنفي إلى الارض وهو يقول اللهم ألعنهم لعن عاد وثمود. اللهم أبلغ نبيك عني السلام وأبلغه ما لقيت من ألم الجراح فاني أردت ثوابك في نصرة نبيك ، ثم ألتفت إلى الحسين فقال ، أوفيت يابن رسول الله ، قال نعم أنت أمامي في الجنة ثم فاضت نفسه النفيسة.
    2 ـ الحر بن يزيد الرياحي :
    تقدت ترجمته في ص 82 ـ 89 من هذه الموسوعة.
    3 ـ زهير بن القين بن قيس الانماري البجلي :
    كان زهير رجلاً شريفاً في قومه ، نازلا فيهم بالكوفة ، شجاعاً ، له في المغازي مواقف مشهورة ، ومواطن مشهودة ، وكان أولاً عثمانياً فحج سنة ستين في اهله ، ثم عاد فوافق الحسين في الطريق ، فهداه الله وانتقل علويا ، ( روى ) ابو مخنف عن بعض الفزاريين ، قال كنا مع زهير بن القين حين أقبلنا من مكة نساير الحسين عليه السلام فلم يكن شيء ابغض الينا من ان نسايره في منزل ، فاذا سار الحسين عليه السلام تخلف زهير ، واذا نزل الحسين تقدم زهير ، حتى نزلنا يوماً في منزل لم نجد بُدّاً من أن ننازله فيه فنزل الحسين في جانب ونزلنا في جانب فبينا نحن نتغدى من طعام لنا ، وإذا أقبل رسول الحسين (ع) فسلم ودخل ، فقال يا زهير بن القين : إن ابا عبدالله الحسين بن علي بعثني اليك لتأتيه ، فطرح كل انسان منا ما في يده حتى كأن على رؤسنا الطير ، ( قال ) ابو مخنف : فحدثتني دلهم بنت عمرو امرأة زهير قالت : فقلت له ايبعث اليك ابن رسول الله (ص)


(118)
ثم لا تأتيه ، سبحان الله لو أتيته فسمعت من كلامه ثم انصرفتَ.
    قالت فأتاه زهير بن القين : فما لبث ان جاء مستبشرا قد اسفر وجهه فأمر بفسطاطه وثقله ومتاعه فقوّض وحمل إلى الحسين (ع) ثم قال لي : انت طالق ، الحقي بأهلك ، فأني لا احب ان يصيبك بسببي إلّا خير ، ثم قال لأصحابه من احب منكم أن يتبعني ، والا فانه آخر العهد ، إني سأحدثكم حديثا ، غزونا بلنجر (1) ، ففتح الله علينا وأصبنا غنائم ، فقال لنا سلمان افرحتم بما فتح الله عليكم : واصبتم من المغانم ؟ فقلنا نعم فقال : اذا ادركتم شباب آل محمد (ص) فكونوا اشد فرحاً بقتالكم معه بما اصبتم من المغانم ، فأما انا فاني استودعكم الله ، قال ثم والله ما زال اول القوم حتى قتل معه.
    ( وقال ) ابو مخنف لما عارض الحر بن يزيد ، الحسين (ع) في الطريق واراد أن ينزله حيث يريد ، فأبى الحسين (ع) عليه ، ثم انه سايره فلما بلغ ذا حسم خطب اصحابه خطبته التي يقول فيها ، اما بعد فانه قد نزل بنا من الأمر ما قد ترون ( الخ ) ، فقام زهير ، وقال لاصحابه أتتكلمون أم أتكلم ، قالوا بل تكلم : فحمد الله واثنى عليه ، ثم قال قد سمعنا هداك الله يابن رسول الله (ص) مقالتك والله لو كانت الدنيا لنا باقية ، وكنا فيها مخلدين ـ إلا أنّ فراقها في نصرك ومواساتك ـ لآثرنا النهوض معك على الاقامة فيها ، فدعا له الحسين وقال له خيراً ( وروى ) ابن مخنف ان الحر لما ضايق الحسين عليه السلام بالنزول : و أتاه أمر ابن زياد ان ينزل الحسين على غير ماء ولا كلاء ولا في قرية ، قال له الحسين ، دعنا ننزل في هذه القرية. يعني نينوى او هذه يعني الغاضرية ، او هذه يعني شفيّة ، فقال الحر : لا والله
1 ـ بلنجر بالباء الموحدة واللام المفتوحتين والنون الساكنة والجيم المفتوحة والراء المهملة هي مدينة في الخزر.

(119)
لا استطيع ذلك ، هذا رجل قد بعث عليَّ عينا. فقال زهير للحسين (ع) يابن رسول الله (ص) ، ان قتال هؤلاء اهون علينا مَن قتال من بعدَهم ، فلعمري ليأتينا من بعدهم ما لا قبل لنا به فقال له الحسين (ع) : ما كنت لأبدئهم بقتال فقال له زهير : فسر بنا إلى هذه القرية فانها حصينة وهي على شاطيء الفرات ، فان منعونا قاتلناهم ، فقتالهم أهون من قتال من يجيء من بعدهم ، فقال الحسين عليه السّلام واية قرية هي : قال العقر ، فقال الحسين (ع) اللهم اني اعوذ بك من العقر ، فنزل بمكانه وهو كربلاء.
    وقال ابو مخنف لما اجمع عمر بن سعد على القتال نادى شمر بن ذي الجوشن : يا خيل الله اركبي وابشري بالجنة ، والحسين عليه السلام جالس امام بيته ، محتب بسيفه وقد وضع رأسه على ركبته من نعاس ، فدنت اخته زينب منه وقالت : يا اخي قد اقترب العدو ، وذلك يوم الخميس التاسع من المحرم بعد العصر ، و جائه العباس ، فقال يا أخي أتاك القوم ، فنهض ، ثم قال يا عباس اركب اليهم حتى تسألهم عما جاء بهم ، فركب العباس في عشرين فارسا منهم حبيب بن مظاهر وزهير ابن القين ، فسألهم العباس ، فقالوا جاء أمر الامير بالنزول على حكمه او المنازلة ، فقال لهم العباس : لا تعجلوا حتى أرجع الى ابي عبد الله فاعرض عليه ما ذكرتم ، فوقفوا وقالوا له القه فاعلمه ثم القنا بما يقول ، فذهب العباس راجعاً ووقف اصحابه ، فقال حبيب لزهير كلم القوم إن شئت وإن شئت كلمتهم انا : فقال زهير انت بدأت فكلمهم فكلمم فردّ عليه عزرة بن قيس بقوله : إنك لتزكي نفسك ما استطعت ، فقال له زهير : ان الله قد زكائها وهداها فاتق الله يا عزرة ، فاني لك من الناصحين انشدك الله يا عزرة أن تكون ممن يعين الضلال على قتل النفوس الزكية ، فقال عزرة : ما كنت عندنا من شيعة هذا البيت انما كنت عثمانياً ، قال أفلا تستدل بموقفي هذا على اني منهم ، اما


(120)
والله ما كتبت اليه كتاباً قط ، ولا أرسلت اليه رسولا قط ، ولا وعدته نصرتي قط ، ولكن الطريق جمع بيني وبينه ، فلما رأيته ذكرت به رسول الله صلى الله عليه وآله ومكانه منه ، وعرفت ما يقدم عليه من عدوه وحزبكم ، فرأيت أن أنصره وأن أكون في حزبه وأن أجعل نفسي دون نفسه ، حفظاً لما ضيعتم من حق الله وحق رسوله ، قال واقبل العباس. فسألهم امهال العشية ، فتوامروا ، ثم رضوا فرجعوا.
    ( وروى ) ابو مخنف عن الضحاك بن عبد الله المشرقي قال : لما كانت الليلة العاشرة خطب الحسين (ع) اصحابه واهل بيته ، فقال في كلامه : هذا الليل قد غشيكم ، فاتخذوه جملاً ، وليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من اهل بيتي ، فان القوم انما يطلبوني ، فأجابه العباس وبقية اهله ، ثم اجابه مسلم بن عوسجة واجابه سعيد ، ثم قالم زهير فقال والله لوددت اني قتلت ثم نشرت ثم قتلت حتى أقتل كذا ألف قتلة ، و أنّ الله يدفع بذلك القتل عن نفسك ، وعن انفس هؤلاء الفتية من اهل بيتك ( وقال ) اهل السير لما صف الحسين (ع) اصحابه للقتال ، وانما هم زهاء السبعين ، جعل زهير على الميمنة ، وحبيباً على الميسرة ووقف في القلب واعطى الراية لأخيه العباس ، ( وروى ) ابو مخنف عن علي بن حنظلة بن سعد الشبامي عن كثير بن عبد الله الشعبي البجلي ، قال لما زحفنا قبل الحسين عليه السلام ، خرج الينا زهير بن القين. على فرس له ذنوب ، وهو شاك في السلاح ، فقال يا اهل الكوفة. نذار لكم من عذاب الله نذار انّ حقنا على المسلم نصيحة اخيه المسلم ، ونحن حتى الآن اخوة وعلى دين واحد وملة واحدة ما لم يقع بيننا وبينكم السيف ، فاذا وقع السيف انقطعت العصمة وكنا امة وكنتم امة ، انّ الله قد ابتلانا واياكم بذرية نبيه ، لينظر ما نحن وانتم عاملون ، انا ندعوكم إلى نصرهم وخذلان الطاغية عبيد الله بن زياد فانكم لا تدركون منهما إلا السوءَ عمرَ سلطانهما.
ادب الطف الجزء الاول ::: فهرس