ادب الطف الجزء الاول ::: 211 ـ 225
(211)
برئـنا يا رسـول الله مـمن ألا يا لـيتني وصـلت يمينـي فجدت على السيوف بحرّ وجهي أصابك بلأذاة وبالذحـول هناك بقائم السيف الصقيل ولم أخذل بنيك مع الخذول
    وقال أيضاً كما روى ابن قتيبة في الشعر والشعراء عن طبقات ابن معتز.
آلُ النـبي ومـن يُّـحبهمُ أمنوا النصارى واليهودَ وهم يتطامنون مخافةَ القتل من امة التوحيد في ازل (1)
    قال : و أنشد الرشيد هذا بعد موته فقال : لقد هممت أن أنبشه ثم أحرقه.
1 ـ الازل : الضيق.

(212)
الشاعر :
    هو منصور بن سلمة بن الزبرقان بن شريك بن مطعم الكبش الرخم ابن مالك النمري (1) من النمر بن قاسط من نزار ، وفاته سنة 190 هجري كما ذكر الزركلي في الاعلام ، وذكر غيره سنة 193 هجري.
    كنيته أبو الفضل الشاعر الجزري البغدادي كان من خاصة هرون الرشيد وهو في الباطن من محبي اهل البيت عليهم السلام ، ولما سمع الرشيد قصيدته اللامية غضبت غضباً شديداً وأمر أبا عصمة ـ احد قواده ـ أن يذهب من فوره الى الرقة ويأخذ منصور النمري ويقطع لسانه ويقتله ويبعث اليه برأسه ، فلما وصل ابو عصمة الى باب الرقة رأى جنازة النمري خارجة منه فعاد الى الرشيد وأخبره بوفاة النمري فقال الرشيد فألا إذ صادفته ميتاً أحرقته بالنار كذا قال ابن المتعز في ( الطبقات ). و نجّى الله النمري من عذاب الرشيد.
    وروى ابن شهر آشوب : أنهم نبشوا قبره. وروى السيد المرتضى في أماليه المعروف بالغرر والدرر بسنده عن الحافظ أنه قال : كان منصور النمري يأتي باسم هرون الرشيد في شعره و مراده به صاحب منزلة هارون عليه السلام ـ يعني امير المؤمنين (ع).
    وقال السيد حسن الصدر في ( تأسيس الشيعة ) ذكره ضياء الدين في نسمة السحر في ذكر من تشيع وشعر وحكى عن جماعة من علماء الزيدية أنه كان من الشيعة ، وكان يورى في مدح هرون الرشيد العباسي بعلي (ع) تلميحاً منه الى الحديث المشهور : أنت مني بمنزلة هارون من موسى كقوله :
1 ـ النمري بفتح النون والميم.

(213)
آل الرسول خيار الناس كلهم وخير آل رسول الله هارون
    وحكي في الأغاني عنه حكايات موضوعة وضعها اعداؤه كمروان بن أبي حفصة وامثاله ، وان صحّت فهي من باب التقية ، ضرورة ان الامامة بالنص لا بالإرث باجماع الشيعة.


(214)
    9 ـ الامام الشافعي :
تأوَّه قـلـبي والـفـؤادُ كئـيبُ فمن مبلـغ ، عنـي الحسينَ رسالةً ذبيـحُ ، بلا جرم كـأنّ قمـيصه فللسيف إعوال ولـلرمـح رّنـة تـزلزلـت الدنيـا لآل مـحمـد وغارت نجوم واقـشعرّت كواكب يُصلّى على المبعوث من آل هاشم لئن كـان ذنـبي حبّ آلِ مـحمد هم شفعائي يوم حـشري وموقفي وأرّق نـومي فالسـهادُ عجيبُ وإن كرهـتها أنفسُ وقلـوبُ صبيغ بماء الارجوان خضيب وللخيل من بعد الصهيل نحيب وكادت لهم صمّ الجبال تذوب وهتكّ أستار وشـقّ جيـوب ويـغزى بنوه إنَّ ذا لعـجيب فذلك ذنب لـست عنه أتـوب إذا ما بدت للناظرين خـطوب (1)

1 ـ كذا في المناقب وفي ينابيع المودة للشيخ سليمان الحنفي القندوزي قال : وقال الحافظ جمال الدين المدني في كتابه ( معراج الوصول ) ان الامام الشافعي انشد :
ومما نفى نومي وشيب لمتى تصاريف أيام لهن خطوب
    الابيات.


(215)
الشاعر :
    هو محمد بن ادريس الشافعي المولود سنة 150 والمتوفي سنة 240 بمصر يوم الجمعة سلخ رجب.
    نسبه : محمد بن ادريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب ابن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب بن عبد مناف فالشافعي قرشي النسب.
    نشأ يتيما في حجر امه وتولت تربيته عندما خشيت عليه الضيعة فأرسلته الى مكة المكرمة وهو ابن عشر سنين ، اما ولادته فكانت بغزة وقيل بعسقلان وقيل باليمن في السنة التي توفي فيها أبو حنيفة سنة 150 ولقد زاد بعضهم فقال انه ولد في الليلة التي توفي فيها ابو حنيفة وجعلوا ذلك من البشائر فيه والاشارة لعظمته.
    قدم الشافعي مكة المكرمة وهو يومئذ ابن عشر سنين فحفظ القرآن الكريم وتعلَّم الكتابة وكان حريصاً على استماع الحديث ، وكان يكتب على الخزف مرة وعلى الجلود اخرى ، واتجه لطلب الفقه وحضر على بعض علماء مكة ، ثم توجه الى المدينة وحضر على مالك بن انس واتصل به ، ثم بعد ذلك قدم بغداد ثلاث مرات ، وقدم الشافعي الى مصر سنة 198 ونزل بالفسطاط ضيفاً كريماً على محمد بن عبد الله بن عبد الحكم فأكرم مثواه ووازره ، وكانت لمحمد بن عبد الله مكانة في مصر ورياسة علمية ، وكان أهل مصر لا يعدلون به احداً ، وتأكدت بينه وبين الشافعي مودة وإخاء وقام في معونة الشافعي ومؤازرته ونشر علمه وللشافعي شعر كثير في الحكم والنصائح.


(216)
    قال ابن خلكان : ومن الشعر المنسوب الى الشافعي :
كلما أدبـنى الدهـر واذا ما ازددت علماً أراني نقص عقلي زادني علماً بجهلي
    وقال الشافعي : تزوجت امرأة من قريش بمكة ، وكنت امازحها فأقول :
ومن البليّة أن تحبّ فلا يحبّك من تحبه
    فتقول هي :
وتصدُّ عنك بوجهه وتلحّ أنتَ فلا تغبّه
    وقال ابن خلكان : ومن شعره ما نقلته من خط الحافظ ابي طاهر السلفي :
إن الذي رزق اليسار ولم يُصب الـجدّ يُدنـي كـل أمر شاسـع واذا سـمعت بأن مـجدوداً حوى وإذا سـمعتَ بأن محـروماً أتى لو كان بالـحيل الغنى لو جدتني لكن من رزق الحـجا حُرمَ الغنى ومن الدليل على القضاء وكونه حـمداً ولا أجراً لغـير موفـّق والجـدّ يفـتـح كـل باب مغـلق عودا فاثـمر فـي يديه فـصـدّق ماءً ليـشربه فـغاض فـحـقق بنجـوم أقـطـار السـما تـعلّقي ضـدّ ان مـفترقـان أي تفـرق بؤس اللبيب وطيب عيش الاحمق
    و من قوله :
امطرى لؤلؤاً جبال سرنديب همتي همة المـلوك ونفـسي وفيضي آبار تكريت تبرا نفس حرّ ترى المذلة كفرا


(217)
أنا إن عشت لست اعدم قوتاً وإذا مت لست أعدم قبراً
    وهو القائل :
ولو الشعر بالعلماء يزري لكنتُ اليومَ أشعرَ من لبيد
    كان الامام الشافعي يتظاهر بمدح أهل البيت صلوات الله عليهم ويميل اليهم فيقول :
آل النبـي ذريعـتي ارجو بأن اعطى غداً وهموا اليه وسـيلتي بيدي اليمين صحيفتي
    واشتهر عند قوله :
يا آل بيت رسول الله حبكموا يكفيكم من عظيم الذكر انكـموا فرضُ من الله في القرآن انزله (1) من لم يصلِّ عليكم لا صلاة له
    ويوضح في الابيات الآتية عن سبب اتهامه بالرفض أو التشيع :
قالوا ترفـضتَ قلت كـلا لكن تولـيتُ دون شـك إن كان حبُّ الوصي رفضاً ما الرفض ديني واعتقادي خير إمام وخير هـادي فأنـني أرفـض العـباد
    وروى شيخ الاسلام الحموي في فوائده في الباب الثاني والعشرين من طريق ابي الحسن الواحدي باسناده عن الربيع بن سلمان ، قال : قال النبهاني في الشرف المؤبد لآل محمد ص 99 روى السبكي في
1 ـ اشارة الى الآية الشريفة : « قل لا أسئلكم عليه أجراً الا المودة في القربى »

(218)
طبقاته بسنده المتصل الى الربيع بن سليمان المرادي ـ صاحب الامام الشافعي ـ قال خرجنا مع الشافعي من مكة نريد منى ، فلم ينزل وادياً ولم يصعد شعبا إلا وهو يقول :
يا راكباً قـف بالمحّصب من منى سحراً اذا فاض الحجيج الى منى إن كان رفضـاً حبُّ آل محـمد واهتف بساكن خيفها والناهضِ فيضاً كملـتطم الفرات الفائض فليشهد الثقلان اني رافضـي
    ورواها الفخر الرازي في مناقب الشافعي ص 15.
    وسئل الشافعي يوماً عن علي عليه السلام فقال : ما اقول في رجل أخفت أولياؤه فضائله خوفا ، وأخفت اعداؤه فضائله حسداً وقد شاع من بين ذين ما ملأ الخافقين. وأخذ هذا المعنى السيد تاج الدين فقال :
لقد كتمت آثـار آل مـحمد فشاع لهم بين الفريقين نبذةُ محبوهم خوفا وأعداؤهم بغضا بها ملأ الله السماوات والارضا
    وقال محمد بن ادريس الشافعي ايضا :
ولما رأيت الناس قد ذهـبت بهـم ركبتُ على اسم الله في سفن النجا وأمسـكت حبل الله وهو ولاؤهم اذا افترقت في الدين سبعون فرقةً مـذاهبهم في أبحر الـغيَّ والـجهل وهم آل بيت المصطفى خاتم الرسل كـما قد أمرنا بالـتمسـك بالـحبل ونـيفاً كما قد صحَّ في محـكم النقل


(219)
ولم يـك نـاجِ منهم غـير فرقةِ أفـي فـرق الـهلاك آل مـحمد فإن قلتَ في الناجين فالقول واحد اذا كان مولى الـقوم منهم فانني فخلَّ علـيا لي إمامـا ونسـله فقل لي بها يا ذا الرجاحة والعقـل أم الفرقة اللاتي نجـت منهم قل لي وإن قلت في الهّلاك حفت عن العدل رضـيت بهم ما زال في طلهم طلي وانت من الباقين في سـائر الحـلّ
    اقول : وتعجبني كلمة للدكتور يعقوب صروف صاحب مجلة ( المقتطف ) ـوهو من اكبر الشخصيات العلمية ـ قال : وليس ما يفتخر به محصوراً في الفوز السياسي وفتح البلدان ، بل ان للاخلاق والفضائل مقاماً أرفع في حياة الامم ، وكل ما قرأناه في الكتب العريبة والافرنجية التي تذكر تاريخ الممالك الاسلامية رأيناه ينوّه بفضائل اهل البيت ولو خفف من شأنهم في السياسة.
    قيل للشافعي ان قوماً لا يصبرون على سماع فضيلة لاهل البيت فاذا اراد احد يذكرها يقولون هذا رافضي قال فأنشأ الشافعي يقول :
اذا فـي مجـلـس ذكروا علـياً فاجرى بعضهم ذكـرى سواهم اذا ذكـروا علـيـاً أو بـنيه وقال تجـاوزوا ياقـوم عـنـه برأت الى المهـمين من انـاسِ على آل الرسـول صـلاة ربي وسـبطيه وفاطـمـة الزكـيه فأيـقن انـه لـسلـقـلـقـيه تـشاغل بالـروايـات الدنـيه فـهذا من حديـث الـرافـضيه يرون الرفـض حـبَّ الفاطميه ولعـنته لتـلـك الـجاهـليـه
    وقال ـ كما روى الفخر الرازي في المناقب ص 51 ـ ونحن اخذناه عن كتاب ( الامام الصادق والمذاهب الاربعة ) ج 3 ص 321


(220)
أنا الشيعي في ديني ، واصلي باطـيب مولد وأعزّ فـخراً بمـكة ثم دارى عـسقلـيه وأحسن مذهبِ سموا البّرية
    روى الشيخ القمي في الكنى والالقاب عن فهرست ابن النديم قال : كان الشافعي شديداً في التشيع ، وذكر له رجل يوماً مسألة فأجاب فيها ، فقال له : خالفتَ على بن أبي طالب ، فقال له : ثبت لي هذا عن علي بن أبي طالب حتى أضع خدي على التراب ، واقول : قد اخطأت وأرجع عن قولي الى قوله. وحضر ذات يوما مجلساً فيه بعض الطالبيين ، فقال : لا أتكلم في مجلس يحضره احدهم هو أحق بالكلام ولهم الرياسة والفضل انتهى.
    ومن روائع اقواله :
واذا عجزت عن العدو فداره فالماء بالنار التي هي ضده وامـزح له إن المـزاح وفـاق يعطي النضاج وطبعها الاحراق
    وله كما في خريدة القصر :
وما خرَّ نصل السيف إغلاقُ غمده إذا كان عضباً حيث انفذته برى
    وله :
يقولون اسباب الفراغ ثـلاثة وقد ذكروا مالا وأمناً وصحة واربعة خلوّه وهو خيارها ولم يعلموا ان الشباب مدار
    وذكر ابن خلكان في ترجمة ابي عمرو أشهب بن عبد العزيز الفقيه المالكي المصري المتوفي سنة 204 قال ابن عبد الحكم سمعت اشهب يدعو على الشافعي بالموت ، فذكرت ذلك للشافعي فقال متمثلاً
تمنى رجال أن اموت فـان أمت فقل للذي يبغي خلاف الذي مضى فتلك سبيل لست فيها بـأوحد تزوّد لأخرى غيرها فكأن قد


(221)
    قال فمات الشافعي فأشترى أشهب من تركته عبداً ، ثم مات اشهب فاشتريت انا ذلك العبد من تركته. قال المسعودي حدثني فقير ابن مسكين عن المزني ـ وكان سماعنا من فقير بمدينة اسوان بصعيد مصر ـ قال : قال المزني دخلت على الشافعي غداة وفاته فقلت له : كيف اصبحت يا ابا عبدالله ، قال : اصبحت من الدنيا راحلا ، ولاخواني مفارقاً وبكأس المنية شارباً ولا ادري إلى الجنه تصير روحي فاهنيها أم الى النار فأعزّيها ، وانشأ يقول :
ولما قسى قلبي وضاقت مذاهبي تعاظـمني ذنـبي فلـما قرنته جعلت الرجا مني لعفوك سلمّا بعفوك ربي كان عفوك أعظما
    وللشافعي في مدح السفر :
ما في المقام لذي عقـل وذي أدب سافر تجد عـوضاً عمـن تفـارقه اني رأيت وقـوف الـماء يفـسده الأسد لولا فراق الغاب ما افترست والشمس لو وقفت في الفلـك دائمة والتبر كالترب ملـقى في أمـاكنه فان تـغرّب هذا عـزّ مـطلـبه من راحة فـدع الأوطـان وأغتـرب وانصب فان لـذيذ العيش في النصب إن سال طاب وإن لـم يجر لم يطب والسهم لولا فراق الـقوس لـم يصب لملها الناس من عـجم ومـن عـرب والعود في أرضـه نوعُ من الحطب وإن تـغـرب ذاك عزّ كـالـذّهب
    وله في المؤاخاة :
إذا الـمرء لا يـرعـاك إلا تكـلفاً ففي الناس أبدال وفي الترك راحة فما كل من تـهواه يهـواك قـلبه اذا لم يكن صفو الـوداد طبـيعة ولا خير في خل يخون خـلـيلـه فدعه ولا تكثر عليـه الـتأسفـا وفي القلب صبر للحبيب ولو جفا ولا خـير فـي ود يجـيء تكـلفا ولا كل من صافـيته لك قد صفا ويلقاه من بصر الـمودة بـالجفا


(222)
وينكر عيشاً قد تـقادم عهـده سلام على الدنيا إذا لم يكن بها ويظهر سـراً كـان بالأمس في خفا صديق صدوق يصدق الوعد منصفا
    وله في عز النفس :
وعين الرضا عن كل عيب كليلة ولسـت بـهيابِ لمـن لا يهابني فان تدن مني تدن مـنك مودتي كلانا غني عـن أخيـه حياتـه كما ان عين السخط تُبدي المساويا ولست أرى للـمرء ما لا يرى ليا وإن تـنا عنـي تلقني عنك نائيا ونحن إذا متنـا أشـد تـغـانـيا


(223)
    10 ـ الفضل بن الحسن بن عبيدالله بن العباس بن علي بن ابي طالب :
    قال يؤبّن جده أبا الفضل العباس شهيد الطف سلام الله عليه (1) :
احقّ الناس أن يُبكي عليه اخوه وابـنُ والـده علي ومن واساه لا يُثنيه شيء فتى أبـكى الحسين بكربلاء ابو الفضل المضرج بالدماء فجادله علـى عطـشٍ بماء

1 ـ رواها الشيخ الأميني عن ( روض الجنان في نل مشتهى الجنان ) للمؤرخ الهندي اشرف علي

(224)
    لمحة عن حياة العباس عليه السلام :
    العباس بن علي بن أبي طالب هو حامل راية الحسين يوم كربلاء وعنوان عسكره ، جاء في الزيارة عن الامام عليه السلام : اشهد أنك نعم الاخ المواسي لأخيه ، أعطاك الله من جنانه افسحها منزلا وافضلها غرفا ً ورفع ذكرك في عليين وحشرك مع النبيين والصديقين والشهداء و الصالحين وحسن اولئك رفيقاً.وهو من فقهاء اهل البيت وكفاه شهادة ابيه له بقوله : ان ولدي العباس زُقّ العلم زقا.
    ويقول الامام الصادق عليه السلام : كان عمنا العباس نافذ البصيرة صلب الايمان له منزلة عند الله يغبطه (1) بها جميع الشهداء وحتى قال الشيخ محمد طه نجف في رجاله عند ذكر العباس بن امير المؤمنين : أنا أجلّ من ان يذكرفي عداد سائر الرجال بل المناسب ان يذكر عند ذكر اهل البيت المعصومين.
    أقول : وما كان جهاد العباس عن حميّة وعصبية أو مدفوعا ً بدافع الاخوة بل دفاعه عن الحق ولان الحسين كان مثال الايمان ورمز الحق ، علّمنا العباس ذلك في رجزه يوم عاشورا مذ قال :
1 ـ يغبطه اي يتمنى ان يكون مثله بلا نقصان من حظه والغبطة خصلة غير مذمومة وهي تمني مثل ما للغير ، كما ان المنافسة هي : تمني مثل ما للغير مع السعي في التحصيل ، وهي سبب قوي للنشاط التقدم قال الله تعالى : وفي ذلك فليتنافس المتنافسون. انما المذموم الحسد ، وهو كراهة نعمة الغير وحب زوالها ، اما اذا تمنى مثل حاله دون ان يريد زوال نعمته فتلك الغبطة وفي الحديث : المؤمن يغبط والمنافق يحسد.
    واصل الحسد هو نظر الحاسد الى المحسود بعين الاكبار والاعظام ، فيرى نفسه حقيرا في جنب ما اوتي ذلك المحسود. ومن اجمل ما قيل :
ان يحسدوك على علاك فانما متسافل الدرجات يحسد من علا

(225)
والله ان قطـعتم يميني وعن إمام صادق اليقين اني احامي ابداً عن ديني نجل النبيَّ الطاهر الامين
    وتتبع ذلك مزاياه التي عددها الإمام الصادق في الزيارة التي زاره بها ومنها :
    اشهد لك بالصدق والوفاء والنصيحة لخلف النبي المرسل والسبط المنتجب والدليل العالم والوصي المبلغ. ومن القاب العباس : العابد والعبد الصالح كما في الزيارة : السلام عليك أيها العبد الصالح المطيع لله ولرسوله ولامير المؤمنين.
    أما ولادة العباس فقد كانت سنة ست وعشرين من الهجرة ، وعاش مع أبيه أمير ألمؤمنين اربع عشرة سنة.
    ويلقب بقمر بني هاشم لجماله ووسامته ويكنى بابي الفضل.وعاش مع اخيه الحسن أربعاً وعشرين سنة ، ومع اخيه الحسين اربعاً وثلاثين سنة وذلك مدة عمره.وكان أيّداً (1) شجاعاً فارساً وسيماً جسيماً يركب الفرس المطهم (2) ورجلاه تخطان في الأرض كما انه يلقب بالسقا وبأبي قربة لأنه ملك المشرعة يوم عاشورا وسقى صبية الحسين وقد ابت نفسه ان يشرب الماء واخوه الحسين ظمآن فاغترف بيده غرفة من الماء ثم تذكر عطش الحسين فرمى بها وقال :
يانفس من بعد الحسين هوني هذا حـسـين وارد الـمنون وبعده لا كنت ان تكوني وتشربين بارد المعين
    ثم عاد وقد أخد اعداؤه عليه طريقه فجعل يضربهم بسيفه وهو يقول :
1 ـ الايد كسيد : القوي ، والوسيم من الوسامة ، الجمال.
2 ـ المطهم كمحمد السمين الفاحش السمن العالي وهذه كناية عن طوله وجسامته.
ادب الطف الجزء الاول ::: فهرس