|
||||||||||||||||||||||||||||||
(271)
أو ضيعاه من حق ، أو قصّر أبي عنه من واجب فقد وهبته لهما ، وجدتُ به عليهما ورغبتُ اليك في وضع تبعته عنهما فاني لا اتهمهما على نفسي ، ولا استبطأهما في برّيُ ، ولا اكره ما تولّياه من أمري يا ربِّ.
أقول ومن ابلغ الدروس في مراعاة حقوق الآخرين ومعاونتهم وتحقيق معنى الاخوة الإسلامية قوله عليه السلام في دعائه : اللهم اني اعتذر اليك من مظلوم ظلم بحضرتي فلم أنصره ، ومن معروف أُسدي اليّ فلم اشكره ، ومن مسيء اعتذر الي فلم اعذره ، و من ذي فاقةِ سألني فلم أُوثره ، ومن حق ذي حق لزمني لمؤمن فلم أوفره ، ومن عيب مؤمن ظهر لي فلم أستره. إن هذا الاعتذار من أبدع ما ينبه النفس إلى ما ينبغي عمله من هذه الأخلاق الالهية العالية والمثالية التي لم يحلم بها أرقى عصره في المدنيّة. حكى ابن شهر آشوب المتوفي سنة 588 في كتابه مناقب آل أبي طالب : ان بعض البلغاء بالبصرة ذكرت عنده الصحيفة الكاملة فقال : خذوا عنى حتى أملي عليكم مثلها ، فاخذ القلم والقرطاس وأطرق رأسه فما رفعه حتى مات. كتب عنه كثير من العلماء والمفكرين وشروحها تزيد على الخمسين شرحاً وقد كتب الدكتور حسين محفوظ مقالاً عنها وقال : انها تُرجمت إلى الإنكليزية و اللوردية والفارسية وان شراحها عددهم 58 شارحاً أقول ولعل اجود هذه الشروح واغزرها ما كتبه السيد عليخان المسمى بـ ( رياض السالكين ) كتاب ضخم ممتع قد طبع طباعة حجرية قديمة بالقطع الكبير. (272)
وفاته :
روى ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة : ان الإمام علي بن الحسين مات مسموما ، سمه الوليد بن عبد الملك. وقال الصدوق وابن طاووس في الإقبال : سمه الوليد بن عبد الملك. فلما توفي غسله ولده محمد الباقر وحنطه وكفنه وصلى عليه ودفنه. قال سعيد بن المسيب : وشهد جنازته البر والفاجر ، وأثني عليه الصالح والطالح ، وانهال الناس يتبعونه حتى لم يبق احد ، ودفن بالبقيع مع عمه الحسن في القبة التي فيها العباس. توفي عليه السلام بالمدينة سنة خمس وتسعين من الهجرة في شهر المحرم الخامس والعشرون منه وله سبع وخمسون سنة من العمر ، والعقب من الحسين منحصر فيه ، ومنه تناسل ولد الحسين عليه السلام. (273)
شاعر يرثي علي الاكبر (ع) :
قال ابو الفرج في المقاتل : حدثني احمد بن سعيد عن يحيى عن عبيد الله بن حمزة عن الحجاج بن المعتمر الهلالي عن أبي عبيدة وخلف الأحمر ان هذه الأبيات قيلت في علي الاكبر :
1 ـ النهي ، بوزن امير : اللحم الذي لم ينضج و ( نيء ) مهموزاً ، هو كل شيء شانه ان يعالج بطبخ او شيء لم ينضج فيقال : لحم نيء. قال في المصباح : والابدال والادغام عامي. ورواها السيد الامين : يغلى بنيء اللحم ، وقال : وتعدية يغلي بالباء مع انها متعدية بالهمزة لانه اراد يغلي الماء والقدر بنيء اللحم ، ورواها في ابصار العين ( نهيء ) بوزن امير ولكنه مخالف لما جاء في ( المقاتل ) و ( السرائر ) مع عدم الوثوق بصحتهما. وقوله يغلى الاولى من الغليان ، والثانية من الغلاء مقابل الرخص. وجاء في ابصار العين للشيخ السماوي ( يوقدها بالشرف القابل ) وقال : القابل : المقبل عليك ومنه عام قابل. وفي بعض النسخ : يوقدها بالشرف الطائل. 2 ـ ( السدى ) ندى اول الليل ففي مصباح المنير مادة ( ندى ) ان ما يسقط اول الليل من البلل يقال له : سدى. وما يسقط في اخره يقال له : ندى ، ويكنى بكل منها وبهما عن الكرم. (274)
علي بن الحسين الاكبر بن علي بن أبي طالب :
ولد في أوائل خلافة عثمان بن عفان ، وروى الحديث عن جده علي ابن أبي طالب ثم كما حققه ابن ادريس في السرائر ونقله عن علماء التاريخ والنسب. او بعد جده عليه السلام بسنتين كما ذكره الشيخ المفيد قدس سره في الارشاد ، وامه ليلى بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفي عظيم القريتين والذي قالت قريش فيه « لولا انزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم » وعنوا بالقريتين : مكة والطائف. فكان جد ليلى عظيم القريتين ، وهو الذي ارسلته قريش للنبي يوم الحديبية فعقد معه الصلح ثم اسلم سنة تسع من الهجرة بعد رجوع النبي (ص) من الطائف ، واستأذن النبي في الرجوع لأهله ، فرجع ودعا قومه إلى الإسلام فرماه واحد منهم بسهم وهو يؤذن للصلاة فمات فقال رسول الله لما بلغه موته : مثل عروة مثل صاحب ( يس ) دعا قومه الى الله فقتلوه. وامها ميمونة بنت أبي سفيان بن حرب بن امية ، ولهذا نادى رجل من أهل الكوفة حين برز علي الأكبر للقتال : إن لك رحماً بأمير المؤمنين يزيد فان شئت آمنّاك ، فقال له : ويلك لقرابة رسول الله أحقّ أن تُرعى. وروى ابو الفرج ان معاوية قال : من أحقّ الناس بهذا الامر ، قالوا انت قال : لا ، اولى الناس بهذا الامر علي بن الحسين بن علي : جده رسول الله ، وفيه شجاعة بني هاشم ، وسخاء بني امية ، وزهو ثقيف. وكان يشبه بجده رسول الله (ص) في الخَلق والخُلق (1) والمنطق ، 1 ـ الخلق بضم الخاء الطبع ، وبفتحها الصورة. (275)
ويكنى ابا الحسن. ويلقب بالاكبر لأنه الأكبر من أخيه علي الأصغر.
قال السيد هبة الدين الشهرستاني : وكما شابه النبي في الجسم فقد شابه جده علياً في الاسم كما شابهه في الشجاعة وفي تعصبه للحق حتى انه يوم قال الحسين أثناء مسيره : كأني بفارس قد عنّ لي على فرس يقول القوم يسيرون والمنايا تسرى اليهم ، فعلمت أنها أنفسنا نعيت الينا ، فقال له : يا أبت لا اراك الله سوء السنا على الحق ، قال : بلى والذي اليه مرجع العباد : قال يا أبتِ اذن لا نبالي بالموت ، فقال له : جزاك الله من ولد خير ما جزى ولداً عن والده. قال أبو الفرج وغيره : وكان اول من قتل بالطف من بني هاشم بعد أنصار الحسين علي بن الحسين عليه السلام ، فانه لما نظر الى وحدة أبيه تقدم اليه ، وهو على فرس له يدعى ذا الجناح ـ فاستأذنه في البرازـ وكان من أصبح الناس وجهاً واحسنهم خلقاً ، فأرخى عينيه بالدموع وأطرق ، ثم قال : ـ وقد رفع شيبته الى السماء ـ اللهم اشهد على هؤلاء فانه قد برز اليهم غلام اشبه الناس خَلقاً وخُلقاً ومنطقا برسولك وكنا اذا اشتقنا الى نبيك نظرنا اليه ؛ ثم صاح : يابن سعد قطع الله رحمك كما قطعت رحمي ولم تحفظني في رسول الله ، فلما فهم علي الإذن من أبيه شد على القوم وهو يقول :
والله لايحكم فينا ابن الدعي
فقاتل قتالاً شديداً ، ثم عاد إلى أبيه و هو يقول : يا أبت العطش قد قتلني وثقل الحديد قد اجهدني. فبكى الحسين عليه السلام وقال : واغوثاه أنىّ لي بالماء فقاتل يابني قليلاً واصبر فما اسرع الملتقى بجدك
(276)
محمد فيسقيك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبدا.
فكّر عليهم يفعل فعل أبيه وجده ، فرماه مرة بن منقذ العبدي بسهم في حلقه. وقال أبو الفرج : قال حميد بن مسلم الأزدي : كنت واقفاً وبجنبي مرة بن منقذ وعلي بن الحسين يشد على القوم يمنة ويسرة فيهزمهم ، فقال مرة : عليّ اثام العرب ان مرّ بي هذا الغلام لأثكلنّ به اباه ، فقلت : لا تقل. يكفيك هؤلاء الذين احتوشوه ، فقال : لأفعلن ، ومر بنا علي وهو يطرد كتيبة فطعنه برمحه فانقلب على قربوس فرسه فاعتنق فرسه فكرّ به على الأعداء فاحتوشوه بسيوفهم فقطعوه ، فصاح قبل أن يفارق الدنيا : السلام عليك يا أبة هذا جدي المصطفى قد سقاني بكأسه الأوفى وهو ينتظرك الليلة ، فشد الحسين عليه السلام حتى وقف عليه ـ وهو مقطع ـ فقال : قتل الله قوماً قتلوك ، يا بني فما أجرأهم على الله وعلى انتهاك حرمة الرسول ، ثم استهلّت عيناه بالدموع وقال : على الدنيا بعدك العفا. وروى أبو الفرج وأبو مخنف عن حميد بن مسلم الأزدي أنه قال : وكأني أنظر الى امرأة قد خرجت من الفسطاط وهو تنادي : يا حبيباه ، يابن اخياه. فسألت عنها. فقالوا هذه زينب بنت علي بن ابي طالب. فجاءت حتى انكبت عليه ، فجاء الحسين اليها وأخذ بيدها الى الفسطاط ورجع فقال لفتيانه : احملوا أخاكم فحملوه من مصرعه ثم جاؤا به فوضعه بين يدي فسطاطه. وقال السيد ابن طاوس في اللهوف : ثم شهق علي الأكبر شهقة ومات فجاء الحسين حتى وقف عليه ووضع خده على خده وقال : قتل الله قوماً قتلوك الى آخر كلامه. (277)
قال الشيخ التستري في الخصائص الحسينية : السلام إما السلام تحية أو سلام توديع ، ففي سلام التوديع يقدمون الخبر ويقولون : عليك مني السلام ، يعني يا ابه اودعك والملتقى يوم القيامة.
وفي نفس المهموم عن روضة الصفا : رفع الحسين صوته بالبكاء ، ولم يسمع احد الى ذلك الزمان صوته بالبكاء. وفي ناسخ التواريخ ان الحسين لما جاء الى ولده رآه وبه رمق وفتح علي عينيه في وجه أبيه وقال : يا أبتاه أرى أبواب السماء قد انفتحت والحور العين بيدها كؤوس الماء قد نزلن من السماء وهن يدعونني الى الجنة ، فأوصيك بهذه النسوة بأن لا يخمشن علي وجهاً ، ثم سكن وانقطع أنينه. (278)
استدراك :
احببنا ان لا يخلو الكتاب من هذه القصيدة ، وقد فاتنا ذكرها في ترجمة الكميت. قال الجاحظ في ( البيان والتبيين ) : قيل للفرزدق : أحسن الكميت في مدح هؤلاء الهاشميين قال : وجد آجراً وجصّافبنى ، فقد كان الهاشميون كذلك ، كانوا أقرب الناس الى لطف الشمائل وجميل الخصال :
(279)
1 ـ المنفس : ما يتنافس فيه ، والمستراد : المطلوب ، ولا موهوب : لاواهب. (280)
عن كتاب ( ادب الشيعة ) ص 258
(281)
(282)
1 ـ عبد السلام بن رغبان ( ديك الجن )
2 ـ خالد بن معدان من شعراء القرن الاول (1) 3 ـ دعبل بن علي الخزاعي 4 ـ الحسين بن الضحاك ( الخليع ) 5 ـ عبد الله بن المعتز العباسي 6 ـ الفضل بن محمد بن الفضل بن الحسن بن عبيد الله بن العباس ابن علي بن أبي طالب عليه السلام 7 ـ علي بن محمد بن بسام البغدادي 8 ـ محمد بن أحمد بن الصقر الموصلي 9 ـ القاسم بن يوسف الكاتب 10 ـ علي بن الحسن بن علي بن عمر الاشرف بن زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب علي السلام 11 ـ محمد الجواليقي 1 ـ هذه الترجمة ضمن ترجمة ديك الجن (283)
1 ـ عبد السلام ديك الجن :
2 ـ خالد بن معدان قال ديك الجن ، في رثاء الحسين (ع) :
1 ـ اي عمر بن سعد و وفي رواية غالهم غمر ، والغمر الجاهل الحاقد. (284)
1 ـ عن ديوانه المطبوع في بيروت سنة 3183 هـ (285)
1 ـ الشقب : مهواة مابين كل جبلين ، والجمع شقاب وشقوب. 2 ـ الالتياط : الالتصاق ، الجشب ، الخشن. |
||||||||||||||||||||||||||||||
|