ادب الطف الجزء الاول ::: 301 ـ 315
(301)
آلاف درهم مما ضرب باسمه ولم تكن دفعت الى احد بعد ، وأمر لي من منزله بحلى كثير اخرجه إلي الخادم فقدمت العراق فبعت كل درهم منها بعشرة دراهم اشتراها مني الشيعة فحصل لي مائة الف درهم فكان اول مال اعتقدته.
    وروي ان دعبلاً استوهب من الرضا عليه السلام ثوباً قد لبسه ليجعله في اكفانه فخلع جبة كانت عليه فأعطاه إياه وبلغ اهل قم خبرها فسألوه ان يبيعهم إياها بثلاثين الف درهم فلم يفعل فخرجوا عليه في طريقه فأخذوها منه غصبا ، وقالوا له : إن شئت ان تأخذ المال فافعل والا فانت اعلم ، فقال لهم : اني والله لااعطيكم إياها طوعا ولا تنفعكم غصبا واشكوكم الى الرضا ، فصالحوه على ان اعطوه الثلاثين الف درهم وفرد كمٍّ من بطانتها فرضي بذلك فأعطوه فُرد كمٍّ فكان في اكفانه.
    وكتب قصيدته على ثوب وأحرم فيه وأمر بأن يكون في اكفانه.
    قال ابن الفتال في الروضة وابن شهراشوب في المناقب : وروى ان دعبل انشدها الامام عليه السلام من قوله : مدارس آيات. فقيل له لم بدأت بمدراس ايات فقال : استحيت من الامام عليه السلام ان انشده التشبيب فانشدته المناقب.
    وقال :
تأسفتْ جـارتي لـما رأت زوري ترجو الصـبا بعدما شابت ذوائبها أجارتي ! إن شـيب الرأس ثقَّلني لو كنت اركن للدنـيا وزيـنـتها أخنى الزمان على أهلي فصدّعهم بعض أقام وبعض قـد أهاب به وعدّت الحلم ذنباً غيـر مـغـتفر وقد جرت طلقاً فـي حلبـة الكبر ذكر المعاد وارضـانـي عن القدر إذن بكيت على الماضين من نفري تصدع القعب لاقى صـدمة الحجر داعي المنية والـباقي علـى الأثر


(302)
أمـا المقـيم فـأخـشى أن يفارقني أصـبحت أخبر عن أهلي وعن ولدي لولا تـشـاغل نفسي بالأولى سلفوا وفي مـواليـك للـمحـزون مشغلة كم مـن ذراعِ لهم بـالـطف بـائنة أنسـى الحسين ومسراهم لمـقـتله يا أمـة السوء ما جازيت أحمد عن خلفتمـوه على الابـناء حين مضى وليـس حـي مـن الأحـياء تعلمهُ الا وهـم شـركاء فـي دمائـهـم قتلاً واسـراً وتـحريقاً ومـنهبة : أرى امية مـعـذوريـن إن قـتلوا ابناء حـربٍ ومـروانٍ واسـرتهم قوم قتلتـم علـى الإسـلام أولهـم اربعْ بطوس على قبر الزكي بـهـا قبران في طوس : خير الخلق كلـهم ما ينفع الرجس من قرب الزكي وما هيهات كل امـريء رهـن بما كسبت ولسـتُ أوبـة مـن ولى بمنتظر كـحـاكـم قـصَّ رؤيا بعد مدّكر مـن أهـل بيت رسول الله لم اقر من ان تبيت لمفـقـودِ علـى أثر وعارض من صعيد الترب منـعفر وهم يقولونَ : هـذا سيـدُ البـشر! حسن البلاء على التنـزيل والـسور خلافة الذئـب في أبقـار ذي بـقر من ذي يمانٍ ومـن بكرٍ ومن مضر كما تشـاركَ ايسـار على جزر (1) فعل الغـزاة بـأرض الروم والخزر ولا أرى لبـني العباس مـن عـذر بنو معـيـطٍ ولاة الحـقد والـوغر حتى إذا استمكنوا جازوا على الكفر إن كنت تـربع من دينِ على وطر وقبر شرهم هـذا مـن الـعـبـر على الزكي بقرب الرجس من ضرر له يـداه فخذ ما شـئـت أو فـذر
    حدث ميمون بن هارون قال : قال ابراهيم بن المهدي للمأمون في دعبل يحرضه عليه ، فضحك المامون و قال : إنما تحرضني عليه لقوله فيك :
يا معشر الاجناد لا تقنطوا وارضوا بما كان ولا تسخطوا

1 ـ الياسر : الذي يلي قسمة الجزور. والجزور الناقة المجزورة.

(303)
فسوف تعطون حُنينيةً والمعبديـات لـقوادكم وهكذا يـرزق قـواده يلتذها الامـرد والاشـمط لا تدخل الكيس ولا تربط خليفة مـصحفـه البربط
    حدث ابو ناجية قال : كان المعتصم يبغض دعبلا لطول لسانه ، وبلغ دعبلا انه يريد اغتياله وقتله فهرب الى الجبل وقال يهجوه :
بكـى لشتات الـدين مكـتئب صب قـام إمـام لـم يـكـن ذا هـدايـة ومـا كانت الانـباء تـأتـي بـمثله ولكـن كما قال الـذيـن تتـابعـوا مـلوك بني العباس في الكتب سبعة كـذلك أهل الكهف في الكهف سبعة وإنـي لأعلي كـلبهـم عـنك رفعةً لقد ضاع ملك الـناس إذ ساس ملكهم وفـضل ابـن مـروان يثـلم ثلـمة وفاض بفرط الدمع من عينه غرب فليس لـه ديـن وليـس له لـبُّ يُملّك يوماً أو تديـن لـه الـعربُ من السلف الماضين اذ عظم الخطب ولم تأتـنا عـن ثـامـن لهم كتب خيار إذا عُدّوا وثامـنـهـم كـلب لأنـك ذو ذنـب وليـس لـه ذنب وصيف واشناسُ وقد عظم الكـرب يظّل لـها الاسلام ليس لـه شـعب
    وحدث ميمون بن هارون قال : لما مات المعتصم قال محمد بن عبد الملك الزيات يرثيه :
قد قلت إذ غيبوه وانصرفوا لن يجـبـر الله امة فقدت في خير قبر لخير مدفون مثلك إلا بـمـثل هارون
    فقال دعبل يعارضه :
قد قلت إذ غيبوه وانصرفوا في شرّ قبر لشرّ مدفون


(304)
إذ هب إلى النار والعذاب فما ما زلت حتى عقدت بيعة من خلتك إلا من شياطين أضّر بالمسلمين والدين
    ودخل عبد الله بن طاهر على المأمون فقال له المأمون : أي شيء تحفظ يا عبد الله لدعبل ، فقال احفظ ابياتاً له في أهل البيت أمير المؤمنين ، قال : هاتها ويحك ، فانشده عبد الله قول دعبل :
سـقياً ورعيـاً لأيام الصبابات ايام غصـني رطيب من ليانته دع عنك ذكر زمان فات مطلبه واقصد بـكل مـديح انت قائله أيام أرفـل فـي أثـواب لذاتي أصبو إلى خـير جارات وكنات واقذف برجلك عن متن الجهالات نحو الهداة بني بـيت الـكرامات
    فقال المأمون : انه قد وجد والله مقالاً ونال ببعيد ذكرهم ما لا يناله في وصف غيرهم ، ثم قال المأمون : لقد احسن في وصف سفر سافره فطال ذلك السفر عليه فقال فيه :
ألم يأن للسفر الذين تحمـلوا فقلت ولم أملك سوابق عـبرةٍ تبين فكم دار تفرّق شمـلـها كذاك الليالي صرفهن كما ترى إلى وطن قبل الممات رجوع نطقن بما ضمّت عليه ضلوع شمل شتيتٍ عاد وهو جميـع لكل انـاس جـدبـة وربيع
    ثم قال : ما سافرتُ قط الا كانت هذه الأبيات نصب عيني في سفري وهجيرتي ومسيلتي حتى أعود.
    قال ابن قتيبه في « الشعروالشعراء » وهو القائل :
يموتُ ردّيء الشعر من قبل اهله وجيده يحيا وإن مات قائله


(305)
    وهو القائل :
إن من ضنّ بالكنيف عن الضيفِ ما رأينـا ولا سـمعنا بـحُـشٍّ ان يكن في الكنيف شـيء تخبّا بغير الكنيف كيف يجـودُ قبل هـذا لبـابهِ إقـلـيد ه فعندي إن شئت فيه مزيد
    وكان ضيفاً لرجل فقام لحاجة فوجد باب الكنيف مغلقاً ، فلم يتهيأ فتحه حتى أعجله الأمر.
    وفي معجم الادباء قال : (1) ومما يختار من شعر دعبل قصيدته العينية التي رثى بها الحسين عليه السلام قال :
رأس ابن بنت محمد ووصيه والمسلمـون بمنظر وبمسمع ايقظت اجفانا وكنت لها كرى كحلت بمنظرك العيون عماية ما روضة إلا تـمـنت انـها يا للرجال على قـنـاة يـرفـع لا جازع من ذا ولا متـخشـع وانمت عيناً لم تكن بك تهـجع واصمّ نعيك كل اذن تـسمـع لك مضجع ولحظ قبرك موضع
    ويمدح الامام أمير المؤمنين ويذكر تصدقه بالخاتم في صلاته ونزول قوله تعالى :
    « انما وليكم الله ورسوله والذين امنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ».
نطق القران بفضل ال محمد بولاية المختار من خير الذي إذ جاءه المسكين حال صلاته فتناول المـسكيـن منه خاتماً وولايةٍ لعلـيـّه لـم تـجحد بعد النبـي الصادق المتودد فامتدّ طـوعاً بالذراع وباليد هبة الكريم الاجودين الاجود

1 ـ جزء 11 ـ وفي الديوان ص 232

(306)
فاختصه الرحمن في تنزيله إن الإله وليكم ورسـولـه يكن الإله خصيمه فيها غداً من حاز مثل فخاره فليـعدد والمؤمنين فمن يشا فليـجحد والله ليس بمخلف في الموعد
    وقول :
أتـسكب دمع الـعـين بالـعبرات وتـبـكـى لاثـار لال محـمـد ؟! الافـابكـهـم حـقـاً وبلَّ عليهـمُ ولاتنس فـي يوم الطفوف مصابـهم سقى الله أجداثاً على ارض كربـلاء وصلى عـلى روح الحسين حبـيبه قتيلاً بلا جـرم فجـعـنا بفـقـده أنا الظامئ العطشان في أرض غربة وقد رفعوا رأس الحسـين على القنا فقل لابن سعد : عـذب الله روحـه سأقنت طـول الدهـر ماهبت الصبا على معشـر ضـلوا جـميعاً وضيعوا وبتّ تقاسـي شـدة الـزفرات (1) فقد ضاق منك الصدر بالحسرات عيوناً لـريب الـدهر منسكبات وداهيةً مـن أعظـم النـكـبات مرابيع أمـطـار مـن المزنات قتيلاً لدى النهريـن بالـفـلوات فريداً ينادي : أيـن أين حمـاتي ؟! قتيلاً ومظلوماً بغـيـر تـراب وساقوا نـساءً ولهـا خفـرات سـتلقى عذاب النـار باللـعنات وأقـنتُ بالاصـال والـغـدوات مقال رسـول الله بـالـشبـهات
    وقال :
ان كـنت محزوناً فمالك ترقد هلا بكيت على الحسين وأهله ؟ لتضغضغ الإسلام يوم مصابه فلقد بكـته فـي السماء ملائكُ هلا بكيت لمن بكاه محمدُ (2) إن البكاء لمثلـهم قد يحمدُ فالجود يبكي فقده والسودد زهرُ كرام راكعون وسجدُ

1 ـ الغدير ج 2 ص 381
2 ـ الغدير ج 2 ص 382


(307)
أنـسيت إذ صـارت إلـيه كتائب فسقوه من جرع الحـتوف بمشهد لم يحفظوا حـق الـنـبي محمدٍ قتلوا الحـسينُ فـأثكـلوه بسبطه كيف القرار ؟! وفي السبايا زينب هذا حسـينُ بالـسيـوف مبضَّع عار بلا ثـوب صريع في الثرى والطيبـون بنـوك قتلـى حوله يا جد قـد منـعوا الفرات وقتَّلوا يا جد من ثـكلى وطول مصيبتي فيها إبـن سـعد والطغاة الجحد ؟ كثر العداة به وقـلَّ الـمسـعد اذ جرّعـوه حـرارةً ما تبـرد فالثكل من بـعد الـحسين مبرد تدعو بفرط حـرارة : يـا أحمد متلطـخ بـدمـائـه مستـشهد بين الحوافـر والسـنابك يقصد فوق التراب ذبـائـح لا تُـلحد عطشاً فليـس لهم هـنالك مورد ولما اُعافـيـه أقـوم وأقـعـد
    وقال :
جاؤوا مـن الشام المشومة أهلها لُعنوا وقد لُـعـنوا بقتل إمامهم وسُبوا فوا حـزني بنات محمد تباً لكـم يا ويلـكم أرضيـتُم بعتم بدنيا غيركـم جـهلاً بكم أخـزى بـها مـن بيعةٍ أمويةٍ بؤسا لمن بايـعتـم وكـانني يا ال أحمد مـا لقـيـتم بعده ؟ كم عبرة فاضت لكم وتقطعت صبراً موالينا فـسوف نديلكم ما زلت متبعاً لكـم ولأمركم للشـوم يـقـدم جندهم ابـلـيسُ تركوه وهـو مـبضع مخمـوس عبرى حواسر مالـهـن لـبوس بالنار ؟ ذلَّ هـنالك الـمحـبوس عزَّ الـحـيـاة وانـه لـنفـيس لُعنت وحـظ البـايعيـن خسيس بإمامكم وسط الجـحـيم حـبيس من عصبة هم في القياس مجوس يوم الطفوف على الحسين نفوس يوماً على آل اللـعيـن عبـوس وعليه نفسي ما حيـيت أسـوس


(308)
الشاعر
    ولد سنة 148 ومات سنة 246 هـ وعاش سبعا وتسعين سنة 97 ، قال أبو الفرج الأصبهاني توفي بقرية من نواحي السوس ودفن بتلك القرية وكان صديقا للبحتري ـ وأبو تمام حبيب بن اوس قد مات قبله فرثاهما البحتري بقوله :
قد زاد في كلفى وأوقد لوعتي جدث على الأهواز يبعد دونه مثوى حبيب يوم مات ودعبل مسرى النعيَّ ورّمة بالموصـل
    كان دعبل شاعراً مفلقاً مخلصاً في ولاء أهل البيت عليهم السلام ، ومن محاسنه أنه لا يرغب في مدح الملوك ولكثرة طعنه في أعداء أهل البيت أصبح مرهوب اللسان تخاف هجاءه الملوك. قال ابراهيم بن المدّبر لقيت دعبل بن علي الخزاعي فقلت له أنت أجسر الناس عندي وأقدمهم حيث تقول :
إني من القوم الذين سيوفهـم رفعوا محلك بعد طول خموله قـتلت أبـاك وشـرّفتك بمقعد واستنقذوك من الحضيض الاوهد
    ـ يشير إلى قصة طاهر الخزاعي وقتله الأمين اخا المأمون ـ فقال : يا ابا اسحاق انا احمل خشبتي منذ اربعين سنة فلا اجد من يصلبني عليها.
    وذكر ابو الفرج الاصبهاني في الاغاني ج 18 ص 44 قال الجاحظ


(309)
سمعت دعبل بن علي يقول : مكثت نحو ستين سنة ليس من يوم ذرّ شارقه إلا وأنا اقول فيه شعراً.
    حدث محمد بن القاسم بن مهرويه قال كنت مع دعبل بالضميرة وقد جاء نعى المعتصم وقيام الواثق ، فقال لي دعبل : امعك شيء تكتب فيه فقلت نعم واخرجت قرطاساً فأملى عليّ بديهاً :
الحمد لله لا صبرُ ولا جَلَبُ خليفة مات لم يحزن له أحد ولا عزاء إذا أهل البلا رقدوا واخر قام لم يـفـرح به احد
    ولدعبل من هذا النوع كثير ولكنه ضاع ولم يبق إلا القليل النادر ، قال عبد الحسيب طه : ولو وَصَلنا كله لورثنا أدباً قوياً جريئاً يمثل نفس دعبل وقوتها وجرأتها.


(310)
    4 ـ الحسين بن الضحاك
ومما شجا قلبي وأوكف عبرتي ومهتوكة بالطف عنها سجوفها إذا حفزتها روعة مـن منازع وربات خدرٍ من ذوابـة هاشم أردّ يداً مني إذا مـا ذكـرته فلا بات ليل الشامتين بغبطة محـارمُ من ال النـبي اسـتحلتِ كعاب كقرن الشـمس لمـا تبدّتِ لها المرط عاذت بالخضوع ورنت هتفن بدعوى خـير حـيٍّ وميت على كبـد حرّى وقـلب مفـتت ولا بلغت آمـالهـا مـا تمـنت
    وقوله من قصيدة كما في الطليعة :
هتكوا بحرمتك التي هتكت سلبت معاجرهن واختلست قد كنت كهفا يسـتظل به حرم الرسول ودونها السُّجُف ذات النقاب ونوزع الشـنف ومضى فلا ظل ولا كهـف
    قال السيد الامين في الأعيان : يمكن أن يستدل على تشيعه بما نسبه اليه جماعة انه قال في رثاء الحسين عليه السلام وقد ذكرناه نحن في الدر النضيد ولا ندري الان من أين نقلناه
    أقول والظاهر ان السيد نقله عن مثير الاحزان للشيخ ابن نما حيث قال : ويحسن ان نستشهد بشعر الحسين بن الضحاك :
    ومما شجا قلبي واوكف عبرتي الابيات.


(311)
الشاعر :
    هو ابو علي الحسين بن الضحاك بن ياسر الباهلي المعروف بالخليع أو الخالع. ولد سنة 162 ومات سنة 250 فيكون عمره 88 سنة وقيل بل عمر أكثر من مائة سنة ، وكانت ولادته بالبصرة.
    ونشأ بها ثم ارتحل إلى بغداد وأقام بها ، وكانت تلك الإقامة في الأعوام الاخيرة في عهد هارون الرشيد المتوفي سنة 193 هـ ، فقنع هذا الشاعر بمنادمة صالح بن هارون الرشيد ثم ارتقى إلى منادمة اخيه الأمين فلما تولى الامين الخلافة كان من ندمائه والمقربين اليه فاجزل عطاياه وأسنى جوائزه.
    وقال الحموي في معجم الادباء : الحسين بن الضحاك ، ابو علي. أصله من خراسان ، وهو مولى لولد سليمان بن ربيعة الباهلي الصحابي فهو مولى (1) لا باهلي النسب كما زعم ابن الجراح ، بصري المولد والمنشأ وهو شاعر ماجن ولذلك لقب بالخليع ، وعداده في الطبقة الأولى من شعراء الدولة العباسية المجيدين وكان شاعراً مطبوعاً حسن التصرف في الشعر ، وكان أبو نؤاس يغير على معانيه في الخمر ، فإذا قال فيها شيئاً نسبه الناس إلى ابي نؤاس ، وله غزل كثير أجاد فيه ، فمن ذلك قوله :
وَصف البدر حسن وجهك حتى وإذا مـا تنفَس النرجس الغضُّ خدع للمُـنى تعـلـلني فـيك خلت أني وما أراك أراكا توهمـته نـسـيم شذاكا بإشراق ذا وبهجـة ذاكا
    وقال الحسين بن الضحاك ، وقد عمّر :
أصبحتُ من أُسراء الله من محتسباً إن الثمانين إذ وُفـّيـتُ عِـدّتَها في الارض نحو قضاء الله والقدر لم تُبْق باقـيـةً مـنى ولـم تذر
    يقول الحموي : والاصل في قول الحسين بن الضحاك هذا ، الحديث الذي
1 ـ مولى : مملوك

(312)
رواه ابن قتيبة في غريب الحديث قال. حدثنا ابو سفيان الغنوي حدثنا معقل ابن مالك عن عبد الرحمن بن سليمان عن عبيد الله بن أنس عن انس عن النبي (ص) قال : اذا بلغ العبد ثمانين سنةً فانه أسير الله في الارض ، تُكتبُ له الحسنات وتُمحى عنه السيئات.
    اقول وجاء عن الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام : إن الله ليكرم ابناء السبعين ويستحي من ابناء الثمانين فيأمر بأن تكتب لهم الحسنات وتُمحى عنهم السيئات ويقول هم اُسرائي في الارض وما اجمل ما قيل :
وهتْ عزماتك عند المشيب وأنكرتَ نفسك لـما كُبرت وما كان من حـقها أن تهي فلا هي أنتَ ، ولا انت هي
    ومن شعر أبناء الثمانين قول احدهم :
ضعفتُ ومَن جاز الثمانين يضعف ويمشي رويداً كـالاسـير مقـيداً وينكر منه كلـما كـان يعرفُ تداني خطاه في الحديد ويرسف
    وقال الاخر :
قالت أنينك طولَ الليل يزعجنا فما الذي تشتكي ، قلت الثمانينا
    وقال الاخر :
إن الثمانين وبلّغتها قد أحوجت سمعي الى ترجمان
    له ديوان شعر طبع في دار الثقافة ببيروت فمن قوله في قبيح الوجه ( سابور ) :
ويحك ما اخسّك بل أخصّك بالعيوبِ وجهُ قبيحُ في التبسم كيف يحسن في القطوب


(313)
    وله في الغزل شعر كثير وفي رثاء الامين وغيره من بني العباس. ترجم له في كتاب وفيات الاعيان لابن خلكان. قال : ومن محاسن شعره
صِل بخدى خديك تلق عجيباً فبـخدّيك للربـيـع ريـاض من معانٍ يجاد فيها الضميرُ وبخـدّي للـدمـوع غدير
    وله ايضاً :
أيا من طرفه سـحرُ تجاسرت فكاشـفتكَ وما أحسن في مثلك فـان عنفـي الناس ويا مـن ريقه خمرُ لما غلـب الـصبرُ ان يـنهتك الـسرّ ففي وجهك لي عذر
    وذكر في كتاب الاغاني ان هذه الابيات انشدها ابو العباس ثعلب النحوي للخليع ابن الرضا وقال ما بقي من يحسن ان يقول مثل هذا ، وله ايضا :
إذا خنتموا بالغيب عهدي فما لكم صلوا وافعلوا فعل المدل بوصله تدلّون إدلال المـقيم على العهدِ وإلا فصدوا وافعلوا فعل ذي صدَّ


(314)
    5 ـ عبد الله ابن المعتز (1)
    المولود سنة 247 هـ
    المتوفي سنة 296 هـ ـ 908 م.
شجاك الحـيُّ إذ بـانـوا وفيـهـم العـسُ اغيـدُ ، ولم أنـس ، وقـد زُمّت وقـد اسـهـبـني فـاهُ فقل فـي مـكرَع عذبٍ وضمٍّ لـم تـحـسـنه كما ضـمّ غريق سابحاً ، وما خفـنا من الـناسِ جَزينـا الامـويـّيـن وذاقـوا ثَـمـر البغي وللـخـيـر وللـشـر ولـولا نـحن قد ضاعَ فيا مَن عنـده الـقـبرُ بـاسـيافٍ لـكم اودى يُرى فـي وجهه الجهمِ فـدمـع العـين تهتانُ ساجي الـطرف وسنان لو شك الـبين أضعان وولىَّ وهـو عـجلان وقد وافـاه عـطـشان له في الريح أغـصان والـمـاءُ طـوفـان وهل في الـناس إنسان ودّناهـم كـمـا دانـوا وخنّاهم كـمـا خـانوا بـكـفّ الله مـيـزان دمُ بالـطـف مـجـّانُ (1) وطينُ الـقـبر قُـربانُ حسينُ وهـو ظـمأن لوجه الـمـوت ألـوان

1 ـ عن الديوان
2 ـ العس : في شفتيه سواد ، والاغيد : المائل العنق ، اللين الاعطاف. ساجي : ساكن.


(315)
ودأب الـعلويين فهلّا كان إمساكُ يلومونهم ظـلماً لهم جحدُ وكُفـران اذا لم يكُ إحسـان فهّلا مثلَهم كـانوا
    ويقول في مدح الامام علي عليه السلام ورثاء الحسين :
« أ آكل لحمي »
ريثت الحجيج ، فقـال العداة أآكل لحمـي ، واحسـو دمي ! علي يظنــون بي بـغضه ، اذا لاسـقـتـني غـداً كـفه سُببـت ، فمن لامني منـهـم ، مجلّي الكروبِ ، وليث الحروب وبحر العـلم ، وغيظ الخصوم يُقلّـب فـي فـمـه مـقـولاً ، وأول من ظل فـي مـوقـف ، وكـان أخاً لنـبـي الـهـدى ، وكفؤاً لـخـير نـسـاء العباد وأقضى القضاة لفصل الخطاب وفي ليلة الغار وقـى الـنـبي ، وبات ضـجـيعاً به في فراش وعـمرو بن عـبدٍ وأحـزابه ، سـبَّ عـلـياً وبيـت الـنبي فيا قـوم للـعـجـب الأعجب ! فهلا سـوى الكـفـر ظنوه بي ؟ من الحوض والمشرب الأعـذبِ فلسـت بـمـرضٍ ولا معـتبِ ، في الرهّج السـاطـع الاهـيب متى يـصـطـرع وهم يغلـبِ كشقشقة الجـمل الـمـصعب (1) يـصلـي مـع الطـاهر الطيبِ وخُص بـذاك ، فـلا تـكـذب ما بين شـرقٍ الـى مـغـربِ والمـنطـق الأعـدل الاصوبِ عـشـاءً الى الفلـق الاشـهبِ موطـن نـفـس على الاصعب سقاهم حسـا الـموت في يثربِ

1 ـ الرهج الساطع : الغبار المنتشر.
2 ـ الشقشقة : شيء كالرئة يخرجه البعير من فمه اذا هاج.
ادب الطف الجزء الاول ::: فهرس