ادب الطف الجزء العاشر ::: 121 ـ 135
(121)
1376 ه‍ وهو من المعمرين قد تجاوز المائة ودفن بالنجف الأشرف في الجانب القبلي من الصحن الحيدري وفي احد الاواوين. واعقب ستة اولاد ذكور وجملة من الاناث اما الذكور فهم : مهدي ، حسن ، صالح ، علي ، باقر ، صادق ترجم له السيد الامين في الاعيان ج 26 ص 158 وترجم له السماوي في الطليعة والشيخ أغا بزرك في طبقات الاعلام الشيعة ص 588.


(122)
الشيخ علي الجشي
المتوفى 1376 ه‍
أتغـض يا ابن العسكري على القذا عجبا لحلـمك كيـف تبقى عصبة أتـراك تنـسى يـوم جذت مـنكم يوم بـه كـف القطـيعة طـاولت وتعاهـدت في حفـظ ذمـة احمد حـتى اذا ضربوا القباب وطرزت قـامت تحـوط المحصنات كـأنها فأتت كـتائب آل حـرب نـحوها فاستوطأت ظهر الحمام تخوض في قـوم اذا عبـس المـنـون تهـللت قـوم اذا نكص الفوارس في الوغى قـوم مـعانقـة الصـوارم والقـنا جفنا ومـن علياك جـذ سـنامها وترتكـم تـطأ الثـرى اقـدامها في الطف عرنين الفخار طغامها علياءكـم ولها تـطأطأ هـامها سادات انـصار الالـه كرامـها بالسمر والبيض الرقاق خـيامها اسـد وأخبـية النـسا آجـامها تسعى وتطمع أن يـذل هـمامها بحر الوغى وقرينـها صمصامها تلك الوجوه ولـم تطش أحلامها ثبتوا كـأن منى النفس حمامهـا ما بتين مشتـبك الرماح غرامها (1)
    هو الشيخ علي ابن الحاج حسن الجشي القطيفي المولود سنة 1296 ه‍ والمتوفى يوم الثلاثاء 15 ـ 5 ـ 1376 ه‍ رجل الايمان والعقيدة عاش فترة من الزمن في النجف الاشرف دارسا ومدرسا ، وقد تولى في القطيف منصب القضاء في ظروف صعبة ولكنه قابلها بايمان راسخ
1 ـ رياض المدح والرثاء للشيخ حسين البلادي البحراني.

(123)
فكان يطبق الموازين الشرعية ويرعى لها قدسيتها بثبات وعزم غير هياب ولا وجل ، ترجم له العلامة المعاصر الشيخ فرج العمران القطيفي في موسوعته ( الازهار الارجية في الاثار الفرجية ) : فلله دره من عالم مجاهد مثالي صابر محتسب راح وترك فراغا لا يسد.
    توفي رحمه الله يوم 15 ـ 5 ـ 1376 ه‍ آخر النهار بمستشفى الظهران ودفن يوم 16 ـ 5 ـ 1376 وكان يوما مشهودا في القطيف وتقدمت الجماهير أمام النعش تردد الاناشيد المشجية تحمل الاعلام السود وحتى عطلت الدوائر الحكومية واشتركت هيئة التعليم التابعة للمعارف في التشييع والتأبين.
    فقد وقف الاستاذ المصري محمد ابو المعاطي على القبر وابن الفقيد بما يليق ومكانته ، افتتحها بقوله : اللهم ان هذه وديعتنا عندك ، ثم ذكر ما للفقيد من اياد بيضاء في التوجيه والارشاد مشيدا بمكانته العلمية وتوالت الخطباء والشعراء بكلماتهم الحارة وعواطفهم الملتهبة ، وصلى عليه العلامة الشيخ فرج العمران ثم رثاه بعد ذلك بقصيدة مؤثرة ألقيت في الفاتحة الكبرى التي أقيمت في حسينية آل السنان بالقلعة وتبارى تلامذته الذين كانوا يدرسون عليه مبدين أسفهم لفقد استاذهم ولا يفوتنا أن نشير بأن له من الشعر في أهل البيت ما نشر في ديوان خاص ، وفي رياض المدح والرثاء شعر من بعض ما قال.
    آثاره : منظومة كفاية الاصول بكلا جزئيها ، و ( الشواهد المنبرية ) طبع و ( الروضة العلية ) طبع و ( الديوان ) جزآن طبع بمطابع النجف والاول يحتوي على مدائح ومراثي أهل الكساء صلوات الله عليهم والثاني في مدح ورثاء أئمة أهل البيت وشهداء كربلاء.


(124)
الشيخ عبد الحسين الحويزي
المتوفى 1377 ه‍
    يرثي العباس بن علي (ع) :
ما بال دمعك مـن ذوب الحشا ذرفا تبـيض عيناك حـزنا للشباب وكم جـد الصبا بـك يبغي كل مهـلكة وقـرت منـه بآثام تـنـوء بـها ضيف الشباب مقيما كان في لممي ولى الشباب ووافى الشيب من كثب ما اثبتت شهـوات للصـبا هـمزت صفو المشيب بياض كالصباح زها تقـوى نشاطا من التقوى عليه متى فـان اردت بـأن تلقى الالـه ولا اسمع بـأم القرى بابن الصـفا فقرا سلـيل حـيدر مـن أم البنـين نشا تبسـمت بيد العـباس بيـض ظبى نادى أنا ابـن عـلي الطهر حيدرة دنا لخـفق لـواء العـز في يـده توسط الـحرب والابطال ناكـصة سـنانه اهـتز للاشـباح مختـلسا والنقع يستافه في الـكر غض صبا وخـال سود المـنايا فـي نواظره تبكي لشـرخ شـباب عصره سلفا ابقى علـيك ذنوبا سـودت صحفا حـتى اذا جـزت غايات لها وقفا ثقلا ويـوم تـناءى قـلت وا أسفا وقد أحس بـذكر الشيب فانـصرفا فـذا أرى ناظري وجها وذاك قفا سوء على المرء الا والمشيب نفى جلا سواد شـباب قـد دجى سدفا ألـم والجـسم من أعـبائه نحـفا ذنـبا عليك له قد كنـت مقـترفا من نعيها للملا كاس الحـمام صفا شبلا لمـنهج ضرغام العـرين قفا بكت بـها الحرب حتى دمعها وكفا والمـوت احـجم لما صوته عرفا وبـالفـرار خفـوقا جاشـه رجفا فدق بالطعن من شـوك القنا طرفا وسيـفه اسـتل للارواح مختـطفا بأنفه والردى في مـوره عـصفا بيـضا فهام بها مـن حـبه شغفا


(125)
بكفه السـيف عـار سافـحا علقا فناجزته العـدا مرضى قـلوبـهم وقال مذ وكف الطعن الدراك دما لا أرهب الموت في يوم اللقاء ولا نحا الشريعـة والاجال مـشرعة حتى ازال صـناديد الـوغى فرقا فخاض في غـمرات الماء سابحه ومذ تذكر مـن قـلب الحسين ظما وغرفـة قـد رماهـا مـن أنامله فانـصاع والعـلم الخفاق منـتشرا فا ستقبلته هـوادي الخيل طـالعـة فقام يحصد حـصد الـزرع انفسها فصير الارض بحـرا بالـدماء فذا حـتى اذا دك للاجـال شاهـقـها برت يمينا لها الاقـدار باســطة ومنه جذت يسار اليـسر حـاسمة من هاشم بدر تم فـي الصعيد هوى لـم أنسه عندما نـادى ابـن والده فـجاءه السـبط والامـاق سافحة وخر من سرجـه للارض منحـنيا يقـول والوجد رهـن في جوانحه اخي اضحت بك العلـياء عـاطلة اضحى بفـقدك سيف الحق منثلما هذي عليك دواعـي الـدين صارخة فـتى عليه العـلى جزت غدائرها سل سلة البيض عنه فـهي شاهدة قـد بـاع في الله نفسا مـنه غالية في لجـة القدس كانت خير جوهرة لهفي لزينب لما اخـبرت فـزعت دعت عـلى مفرق الـدنيا العفا بأخ يهنـيك ان سلـبت عني العدا ضغنا من بعد فقـدك يرعـانا بـناظـره في مـوكب ظـل بالارهـاج ملتحفا فحكم السـيف فـيهم فاستـحال شفا للسمر ريب الردى حسـبي به وكفى أهاب ان طمحت عـين الردى صلفا زرق الرماح وفيها الحـتف قد زحفا عن الفـرات وجـاب النـقع فانكشفا وللروى مـد مـنه الكـف مغـترفا عاف المعـين ومـنه قـط ما ارتشفا شادت لـه بفراديـس العـلى غـرفا بكـفـه والسقا مـنه اعتـلى كـتـفا مثـل النـسور عـلـيه سربها عكـفا بمرهـف لجـنى اعـمـارها اقتـطفا بلـجه راسـبا اضـحى وذاك طـفـا بـبأسـه ولاطـواد الـردي نـسفـا يمنى بـه كل من فـوق الثرى حلـفا حـوادث ما درت عـدلا ولا نـصفا لـقى بضـرب عمود هامـه خـسفا ادرك اخاك ومنه الصوت قد ضعفـا دمعا ومـنه علـيه قـلـبه انعـطـفا عليـه نـونـا بقـد لـم يـزل الـفا والدمـع مـنه على الاجفان قد وقـفا وكـان فعـلك في آذانـها شـنـفـا وظـل بعـدك لـدن العدل منقـصفا والمجـد فـي كـل ناد مـعولا هتفا وقلبها هـاج مـن حر الـجوى لهفـا ان الشـهـادة زادت قـدرة شـرفـا دون الحسـين اقيـمت للـردى هـدفا ايدي الهدى نشرت عن ضوئها الصدفا ان ابـن والدهـا نصب المـنون عفـا به انمـحى الصبر مـني والسـلو عفا بـردا وتـلبس بـردا للـعـلى تـرفا وللـضـعائـن يـبـدي ذمـة ووفـا


(126)
ويوم مـرت علـيه وهـو منجدل نادته والعـين عبرى تستـهل دما اما ترى الغل ادمى في السبا عنقي أعرضت عنا وقد كنت الرؤوف بنا لئن مضيت وفـيك الفضل مكرمة يا ابن الوصي ثـنائي صغـته ذهبا ارجـو الشفاعة لي يوم الجزاء وكم عليه ثوب لخـفاق النسـيم ضفا من الشجى فـيه لما مـاؤها نزفا وسوط زجر بمتني في الوجيف هفا حاشا نرى فيك من بعد الوداد جفا فالله يبـقي لنا صـون العلى خلفا مخلصا ليس يـدري سـبكه الزيفا بها الـه السـما عـمن عصاه عفا (1)
    الشيخ عبد الحسين ابن الشيخ عمران الحويزي النجفي ولد في النجف سنة 1287 ه‍ من اسرة نزحت من الحويزة وآثرت النجف محلا للسكن فانفرد عمران والد الشاعر بتجارة القماش وطفق الوليد ـ عبد الحسين ـ يشق طريقه لاستلهام العلوم عن طريق مشايخ عصره كالسيد ابراهيم الطباطبائي والسيد محمد حسين الكيشوان ، ولما مات والده عمران اضطر الولد الى اشغال المتجر ليعيش من ورائه ثم اصبح المتجر ندوة ادبية ومنتجعا للادباء ، وشاء القدر أن تمتد يد اللصوص وتسرق ذلك المتجر ذلك مما دعاه أن يترك النجف ويؤثر السكنى في كربلاء عام 1335 ( فقضى نصف قرن تقريبا في كربلاء حتى خبت جذوة هذا الاديب الكبير ليلة الجمعة اول محرم الحرام 1377 ه‍ ترجم له العلامة الشيخ علي كاشف الغطاء في ( الحصون المنيعة ) بقوله : اديب شاعر يحترف الشعر وهو اليوم يمتهن التجارة وله شعر كثير في أهل البيت وغيرهم ، وترجم له البحاثة المعاصر علي الخاقاني في شعراء الغري وقال كانت له اليد في كثير من العلوم كالرياضيات والهندسة والجفر والرمل والكيمياء وله فيها بعض الرسائل والاثار. وكان في شبابه مثال الاديب الجريء فقد كان يعتد بنفسه واتفق يوما أن قرأت له قصية وكان في المجلس الشاعر السيد جعفر كمال الدين فاستبعد أن تكون من نظم الحويزي لجودتها وأنها من نظم استاذه الطباطبائي ـ كان الحويزي في اوائل العقد الثالث من عمره وكان ممن حضر ذلك المجلس من شيوخ العلم والادب الملا عباس الزيوري ،
1 ـ للشاعر عشرات القصائد في يوم الحسين وفاجعة الطف ، وقام الاستاذ حميد مجيد هدو بنشر ديوانين له ثانيهما يختص باهل البيت (ع) طبعه سنة 1385 ه‍ 1965 م في مطبعة النعمان النجف.

(127)
فقال : امتحنوه ففي الامتحان يكرم المرء أو يهان ، ثم قال للحويزي أنا انظم صدور أبيات وعليك أن تنظم أعجازها واندفع قائلا :
يا قطب دائرة الوجود ومن هو ال‍ انت ابـن عـم المصطفى ووصيه مـا قـام بيـت للنـبوة مـشرع وجـبت ولايتـه على أهـل السما ‍نبأ العظـيم ومـن الـيه المفزع وأبـو بنـيـه وسـره المسـتودع الا وانـت لـه عـمـاد يـرفـع والارض ان سمعوا وان لم يسمعوا
    فاكبره شيوخ الادب فارتجل الحويزي قائلا :
يستصغر الخصم قدري في لواحظه فلسـت اوهى قـوى من نملة نطقت ونظم شعري كبير منه تبيان وظل معتبرا منهـا سليـمان
    والحويزي شاعر سريع البديهة يرتجل الشعر ولا يجاريه احد بهذه الملكة حدثني بجملة من نوادره الادبية والبعض منها لا تكتب ، ومما اذكره من سرعة البديهة انني لما تزوجت زواجي الاول بتاريخ 27 رجب 1356 ه‍ عقدت حفلات أدبية تبارى فيها الشعراء وبحكم الصلة بين والدي والمرحوم الشيخ محمد علي كمونة ـ زعيم كربلاء ـ أقام الشيخ محمد علي كمونة اياما في النجف يحضر هذه الندوات وكان الشاعر الحويزي يلازمه فكان يقول : لو طلبتم مني كل يوم قصيدة لهيأتها لكم كانت هذه الرائعة التي احتفظ بها وهي بخطه لم تزل عندي.
نفحت خدودك روضـة غناءا ترعى النواظر ورد خدك مونقا فقطفت ورد الخد احمر يانعـا لـم أدر خـدك وردة فأشمـها ومتـى بفترة ناظـريك أدرتها لو لم تكن تلك الزجاجة معدنا وأدارهـا الساقي على خلطائه يختال كالطاووس حامل كاسها وهمت عـيوني ديمة وطـفاءا ولقلـب صبك ترتـع الاحشاءا وقطفت من قطع الحشا السوداءا أو احتسـيها خـمرة صـهباءا دبت فارعش سكرها الاعضاءا ما أطلـعت ياقـوتـة حمراءا فلكا مـدامتها تـضيء ذكـاءا رقت كعين الديـك منه صفاءا


(128)
أشقيق بـدر التم وجهـك لم يزل أطلعت وجهـك بالعقاص مبرقعا الله أنـشأ حـسن وجـهك صانعا ومـن العـذيب سأمت رقة مائة فمـياه دمـعي لا يحـل ورودها ان اشتكـي بمريض لحـظك علة ولك الدمـوع أذعـن كل سريرة الحـسن قـرط بـالثـريا أذنـه مـي ونعم فـي العريـب بحسنه قـيس سلا ليـلى بحـبك فانبرى لانت لديك أخـادعي وحشاك لي انا لو ملكت مـن العوارض قبلة ماء الحـياة بـريق ثـغرك لوبه وكحلت عـينا في الخمائل علمت يجـني عـلي ولـم أكن متـعذرا خـفـضتـني ذلا وانـي واثـق في غـابة العـلياء عـرس شبله ولـدته ام المـكرمات وقـد أبى ملئـت ميازره حـجى وبـراعة يعزى الى الشرف الاصيل أرومة ساد الخـليقة فـاستطال بـسؤدد وبـمركز المـجد المـؤثل ثابت والى المـكارم انهضـته عزيمة الفـضل قـدمـه امـاما للـهدى لو كان غير الشمس تحسد مجده فسل الغـري يجـبك عـنه بأنه هـذا عـلي ظـاهـر اعـجازه نال الزواهر حـين جـد وحسبه فاقت مناقـبه على شـهب السما واذا رأى زمـن لمـجدك ثـانيا ياآل شبر لـم تـزل انـواركـم عرجت بكم هـمم لـغايات العلى والـبدر في افـق السماء سواءا بهما جمـعت النـور والظلماءا فرنا له فـاستـحسن الانـشاءا ووردت مـن عذب المدامع ماءا فلربما جـرت الـدموع دمـاءا فلها وجدت لمى الشـفاه شـفاءا تحت الضـلوع كـتمتها اخفاءا لـما اناط بـجـيده الـجوزاءا ومثـال اسمى قـد محا اسماءا وجـدا يـكابـد ليـلة لـيلاءا يبدي القـساوة صخـرة صماءا بغناي صات العاشقـون غناءا موتى الهوى سقيت غدت احياءا بالغـنج نرجس روضها الاغفاءا واليه افـدي النفـس مهما ساءا بثـنا عـلي استطـيل عـلاءا من ذا يبـشر باسـمه الـعلياءا الا يـجاري ســبقـه الآبـاءا وسـماحة وبـسالة وحـيـاءا وأبـوه احـرز عــزة واباءا زانت طلاقة وجـهه الخضراءا قطبا يدير مـن العـلى أرحاءا فشـآ فنال بسعـيه مـا شـاءا وترى الورى تقفو خطاه وراءا يـوما لـغادر عيـنها عمـياءا للرشد يوضـح طلعـة غـراءا قد أعـجز الاقـران والاكـفاءا يدعون جـدة مجـده الزهـراءا ضـوءا وزاد عـديدها احصاءا حققت نظـرة عـينه حـمقاءا تـأبى بـأنـدية الهدى اطـفاءا سبقت فجاوزت الـمدى اسراءا


(129)
يهـنيكم عرس زففت لاجله اني دعوت الله يجمع شملكم هـديا لانـواع الثـنا غـيداءا ورجوت مـني يستجيب دعـاءا
    لا زلت اتصوره حينما انشدت هذه القصيدة وهو يبتسم وربما داعبه الشيخ كمونة بأنه راح يتصبى ويتشبب في شيخوخته ويجيبه الشيخ الحويزي بأني أنظم لسان حالك ، وهكذا كان المرح لا يفارق الشيخ الحويزي وتعجبك منه تلك البسطة في الجسم مزدانة ببسطة العلم والادب وشيبة نورانية ووجه بشوش ، ولعهدي بجماعات من المتأدبين في كربلاء وهم يحسنون الفارسية فكانوا يجتمعون به في الصحن الحسيني الشريف أو في المدرسة الدينية وينشدونه الشعر الفارسي وما يتضمن من معاني نادرة فكان بتأمل قليل يصبه في الشعر العربي ومنه البيتان وقد عربهما عن الفارسية.
كل شيء في عالم الكون أرخى نـزه الله عـن بـكى ، وعلي دمعه في الوجود يبكي حسينا قـد بكاه ، وكـان لله عيـنا
    والحويزي الذي خدم الادب طوال ثمانين عاما لا عجب اذا خلف خلالها خمسة عشر ديوانا ضخما (1) لم تزل مخطوطة سوى ديوانين كتب لهما النشر ، والثاني كله في أهل البيت (ع) وكانا بمثابة العقب حيث مات ولم يعقب ولا أنسى أن ديوانا خاصا من هذه الدواوين جمع فيه التشطير والتخميس ولا شك ان هذه الموسوعة وثائق تاريخية ثمينة يحتاج اليها كل احد وهي جديرة بالتقدير والتثمين مضافا الى البراعة الشعرية فمن شعره في العرفان قوله :
كثـرت بوحدة ذاتـك الاسماء أنـت المؤثر والوجود يرى له قـد كنت كنزا قـبل كل حقيقة ما حجبت أثرا لـصنعك ظاهرا ولكل وصـف بالهدى سيماء أثـرا أقـمـن دليـله الآلاء غطاه عن مرأى العقول خفاء أرض ولا ضمت سناك سماء

1 ـ كل ديوان يحتوي على عشرة آلاف بيت.

(130)
يا حي تنشر عنك أمـوات البلى خشعت لهيبتك السماء وأرجعت وأقـمت فوق الماء عرشك ثابتا وعنت لقدرتك النفـوس مخافة وعن العقول تجردت لك بالعلى وعلى العوالم نور ذاتك لم يزل نظرت لحكمتك البصائر فانثنت بقضاء أمـرك كل شيء هالك متنزه عـن جنس كـل مشابه يا باسط الارزاق مـن يد قدرة فيك السما رفعـت ولا عمد لها عرفت بصحتها النفوس وسقمها وتموت في ملـكوتك الاحياء شـم الجبال ودكـت الارجاء فسـمت قوائمه وغيض الماء وانـقادت الخضراء والغبراء حـكم لـهن الكـبرياء رداء شيـئا وليـس كمـثله اشياء حيـرى فكل بصـيرة عمياء ولنور وجهك في الوجود بقاء دحضت بك الاضداد والاكفاء تـجري بها الـسراء والضراء لم تسر فـي دورانـها أرجاء انت الـدواء لها وأنـت الداء
    طبعت له ملحمة شعرية باسم ( فريدة البيان ) في مدح الرسول الاعظم واهل بيته وافاه الاجل في شهر آب 1957 م 1377 ه‍ ونقل جثمانه الى النجف الاشرف.


(131)
ذكرى الحسين حفيد احمد صفحة تلك الضحية في المـحرم جددت لم أنس بيـتا للشهيد وقـد دوت ان كان ديـن محـمد لـم يستقم زادت بأسرار السـماء يقيني في كعبة الاسلام صرح الدين كلماتـه في الطف منذ قرون الا بقـتلي يا سيوف خذيني (1)
    حليم دموس شاعر اديب كاتب مشهور بنظم الشعر جال في عدة ميادنيه وأغراضه ولد في زحلة بلبنان وتعلم في الكلية الشرقية ثم هاجر الى البرازيل وتعاطي الصحافة مدة قصيرة ثم رجع الى وطنه. كان محبا للغة العرب ومدافعا عنها بقوة وله وقفات طيبة في الذود عن أمجادها زمن الاستعمار الفرنسي. اتصل بكبار الشعراء والادباء في البلاد العربية واحبهم وأحبوه لطيبة نفسه وسلامة قلبه.
    ومن آثاره ديوان ( المثالث والمثاني ) ( يقظة الروح او ترانيم حليم ) ( الاغاني الوطنية ) ( قاموس العوام ) (2).
1 ـ أقول : يظن الكثير ان هذا البيت هو من نظم الامام الحسين عليه السلام وانه ارتجله يوم عاشوراء ، والصحيح انه قيل عن لسان الحسين عليه السلام وناظمه الشاعر الكربلائي الشيخ محسن ابو الحب المتوفى 1305 ه‍ وهو من قصيدة اولها.
ان كنت مشفقة علي دعيني ما زال لومك في الهوى يغريني
2 ـ العراق في الشعر العربي والمهجري تأليف الدكتور محسن جمال الدين.


(132)
حنين الروح
    جاء في مجلة البيان النجفية : الاستاذ الكبير حسان حليم دموس أشهر من أن يعرف وها هو يوافينا بعدة قصائد لاهوتية سامية
روحي تـحن الى ظلالك سـبحانك اللهم فـي كون الملك ملكك في السماوات اين السـعادة فـي الدنى شوقي الى عـدل الملائك فاجعل حياتي فـي يديك أنـا مـن أنـا يا رب ان انا نسـمة مـرت عـلى انا مـن ضبـابك قطـعة أنا مـوجة من بحر جودك انا نجـمة لمـعت وغابت انا رملة صغـرى تقلـبها انا دمـعة سـالت عـلى أنـاظـل طيـف عابـر يجـتاز فـي وادي الحياة ويخوض في بـحر المنى يا رب انقـذنـي سريـعا اني تعـبت مـن الحـياة واذا النـفـوس تطـهرت أنا اكتـفي سكنـا بـقربك يا حـبذا الارواح تصـبح هي حول عرشك كالملائك نـور عـلى نـور تدفـق أشهـى مـناي ظـلالـها وفمي يحدث عن جلالك يـدل عـلى كـمـالك العـلى وهـنـا كـذلك والمـرء في دنياه هالك لا الـى ظلـم المـمالك فكلها مـن بعـض مالك قارنت قولـي في فعالك هذي الربى وعلى جبالك بيـضاء ترقد في تلالك ترتجي صافـي نـوالك فـجـأة واللـيل حـالك الـرياح عـلى رمـالك خد الطبـيعة مـن زلالك في مهـمه وعر المسالك ولا يـرى الا المـهـالك متمـسكا بعـرى حـبالك ان أكــن اهـلا لـذلك فهـل أرى باهـي خيالك حنت الى مرأى جـمالك بين شمـسك أو هـلالك في الاعالي من عـيالك عن يمينك أو شـمـالك بيـن جـنات هـنـالك فاجعل نصيبي في ظلالك


(133)
لك في صراع البغي يوم أكبر وتعـيده الايـام لحـنا ثـائرا فتشع فـي سفر الكرامة اسطر لك مثل مـا لابيك ذكـر خالد وفضائل يقف الاعـاظم خشعا تزكو بطابعها السلـيم فتـزدهي لك مثـل ما لمحـمد بجـهاده لا زال يومك وهو يـوم شهادة ويزيل أهـوال النفوس وذعرها وصلابة تطأ الـردى وشـواظه بـك يـا شهـيد سنبتنـيها أمة وبنور مجدك سوف نرفع مجدنا وتشق ديـجور الحـياة طلائعـا وبتضـحياتك نسـتزيد بـسالة لا زال يرويه النجـيع الأحمر ينساب في سمع الزمان ويهدر منه وتستوحي الكـرامة أسطر باق بـقاء الـدهـر لا يتغـير لجـلالـها ويقـرها المتـنكر بشعاعها طرق الـرشاد وتزهر عـزم واقـدام وخـلـق نـير يجلو الظلام عن العيون ويحسر لتهـب ترعد كالاسـود وتـزأر خنقا اذا بـدت الجـموع تزمجر عربـية تـثني العـدو وتقـهر ألقـا تتـيه بـه الاباة وتفـخر ليسـت تهاب المعـتدين وتحذر نحيا بها رغم الجروح وننـصر
    ولد الشاعر عباس أبو الطوس في مدينة كربلاء سنة 1350 ه‍ الموافق سنة 1930 وانحدر من عائلة فقيرة تعرف ب‍ آل أبي الطوس


(134)
ما أن شب وترعرع في كنف هذه العائلة حتى دفعه ابوه الى احد الكتاتيب ـ وعباس لم يتجاوز السادسة من عمره آنذاك فتعلم القراءة والكتابة وولع بالادب منذ الطفولة وتدرج وهو يقرأ النحو كالقطر لابن هشام والالفية لابن مالك ويطالع ( البيان والتبيين ) للجاحظ و ( جوهر البلاغة ) وتاريخ الاسلام ويقضي شطرا من وقته بقراءة دواوين الشعر كما حفظ خمسين خطبة من نهج البلاغة لامير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام ، وحفظ ما يقارب عشرة آلاف بيت من الشعر ومنها ( المعلقات ).
    ونهض به عزمه ونبوغه لاكمال دراسته في النجف وهكذا مكث مكبا حوالي سنتين وعاد بعدها الى مسقط رأسه وصار يشارك في الحفلات الادبية وينشر روائعه في الصحف المحلية حتى جمع أكثر من ديوان ، وسمى أول دواوينه ب‍ ( هدير الشلال ) ومنه نعرف الروح الحماسية التي يتحلى بها شاعرنا ومنها تحية الجيش الباسل لخوض المعارك في فلسطين.
فلسطيـن تناديـكم بنفس وقلب لا يزال من البلايا تكـاد تهد زفرتـها الجـبالا ومن صهيون يلتهب اشتعالا
    ومن دواوينه ( أغاني الشباب ) جمع قصائده في الوصف والغزل والنسيب.
يا ذكريات الحب والسمر ودعي الهموم تظل عالقة وتجـمعي حولي مهدهدة وتحشدي والليل يحضنني وطلاقة الماضي مرفرفة وافاك ليل الصب فانتشري بـسوانح الاحـلام والفكر أشواق قلب ضـج من كدر والنجم لـماح على البـشر كرفيف حلم مشرق الصور
    كتب الاديب المعاصر سلمان هادي الطعمة عن الشاعر وقال :
    له ديوان في مديح ورثاء أهل البيت يضم طائفة من القصائد العامرة تليت في احتفالات كربلاء ومهرجاناتها الادبية ومن روائعه في ذكرى الامام علي عليه السلام وقد ألقاها في الروضة الحسينية :
ولد الوصي فيا خواطـر رددي واستلهمي الذكرى قوافي ترتمي ثم اسكبي الشعر الجميل بشائرا نغم الهنا في مهرجان المولد بأرق من روح الربيع وأبرد غرا تفيض بصبوتي وتوددي


(135)
شعرا كما انتفض الاريج مرفرفا كأس الهـوى بيدي فاضت رقة وصبا فؤادي للوصي وكيف لا فوق الجـداول والغـصون الميد وعلى فمـي نغم المـحب المنشد يصبو المشوق الى الحبيب الابعد
    وهذا مطلع أخرى من روائعه ألقاها في الروضة الحسينية ليلة مولد الحسين :
ناجاك قلب بالصبابة مفعم وهفا لمولدك المخلد شاعر وفـم بـغير ولاك لا يترنم من فيض حبك يستمد وينظم
    ودع الحياة وهو في عمر الورد دون أن يتزوج فقد وافاه الاجل يوم السبت 26 ـ 12 ـ 1958 في المستشفى الحسيني بكربلاء فشيع الى مثواه الاخير في مقبرة كربلاء.
ادب الطف الجزء العاشر ::: فهرس