ادب الطف الجزء العاشر ::: 256 ـ 270
(256)
وأحـزن مـكـة أن ابـنـهـا ولـما تلاقت وفود الحـجـيج شرعـت بسيرك نحو الـعراق وجئت الطـفوف فجاءتـك من رعـيل يـجد بأثر الـرعـيل وقـفـت تحذرهـم فعـلهـم ومذ أخفق القصد في وعظـهم تـقـدم للحـرب ابـنـاؤهـا ليـوث وغى ان يحـم البـلاء تـحامي كماة العـدى قربـهم وخاضوا غمار الردى ، والظبى فخـروا لوجـه الـثرى بعـدما وماتـوا كـراما أريـج الثـناء الابـر على هـجرها مزمع ومـن كـل فج أتـت تهرع وخصـمك في كـيده يشرع جـهات العراق العدى تسرع وجـيش خـطى مثـله يتبع وتـأبى غـوايتـهم أن يعوا وعـاد سوى السيف لا ينفع ومـن بأسـهم ليلها يسـطع بهـم كـل نـازلة تـدفـع كما يتقى الجـانب المسـبع تسل ، وسـمر القـنا تشرع تضعضع هولا وما ضعضعوا لهم من أريج الكـبا أضـوع
    رضيع الحسين :
وطفلك أعـزز على أمه سقته المـدامع لو لم يكن أتتك به كي تروي حشاه وهب انكـم قد أخذتم بما وقد عاد مـن دمه يرضع من الرعب قد جمد المدمع وغيرك ليـس لها مـفزع جنيتم ، فماذا جنى الرضع
    وبعدما يصف حملات الحسين (ع) الى مصرعه يختم الملحمة بقوله :
كفى ان ذكراك يا ابن النبي ستـبقى مخـلدة مـا دعا وان سـهـام رزايـاكـم أيفزع منـها الحـشا سلوة ومـا جل يومـك لـو أننا بها كـل قلـب لنا مـوجع فم في الورى أو وعى مسمع بـكـل فؤاد لـها مـوقـع وقد ضاق فيها الفضا الاوسع بمـثل حوادثـه نـفـجـع
    محمود ابن السيد حسين بن محمود ولد 1323 ه‍ شاعر رقيق وأديب ذواقة من مشاهير الشعراء واعلام الادب نشرت له الصحف كثيرا من الشعر وشارك في حفلات أدبية فكان له قصب السبق طبعت له رباعيات بعنوان : رباعيات الحبوبي.


(257)
    عرفته كما عرفه غيري هادئ الطبع لطيف المعشر أنيقا مترفا يعتني كثيرا بهندامه وملبسه وأحب شيء الى نفسه الندوات الادبية حتى يعاف النوم والطعام في سبيلها وينسى كل شيء في الحياة يعجبه كثيراً أن يصف الطبيعة في شعره لذا ترى روضياته تمتاز على غيرها وهذه مجلة الغري حافلة بنتاجه الادبي كما تجد ذلك في ديوانه المطبوع بالنجف عام 1367 ه‍ اما رباعياته طبعت سنة 1370 ه‍ وشاهدته ينظم أكثر ما يمر عليه في الحياة لذلك تجد وصفا دقيقا لمناظر الحياة في أشعاره.
    ومن أحاسيسه قوله :
دعهم يشيدوا مـن الاوهام ما شاؤا رامـوا الفخار فـما نالوا مرامهم جـاؤا الحـياة بلا عقـل وانـهم لو يكشف القلب عـما فيه لانكشفت ولو درت أنهم من بعض من نسلت فليس يحفظ خط الكاتب الماء وقد كبا بـهم عـجز واعياء سيخرجون من الدنيا كما جاؤا منهم الى الناس اشـياء واشياء حواء لم تهو الا العـقم حواء
    ومن وصفياته قوله في وصف الربيع :
هذا الربيع تجـلى وهـو مبتسم تثني الحياة علـيه فالشـذا مدح كسا الفـيافي والاكـام من حلل رفارف ليس يدري من يشاهدها أي المباهج ترجـو أن تفتك هنا حلم جميل تمتـع فيـه مغتـبطا فلتبـتسم وليـودع نفـسك الالـم وكـل زنبـقة بيـن الـرياض فم خضرا ، بها كالفيافي تزدهي الاكم صنعاء أحذق فـي وشيء أم الديم دنيا هي البشر ، والاشـذاء والنغم فما حـياتك الا الطـيف والـحلم
    وقوله :
أشاعـرة النـهر المصـفق كلما تغني وغضي الطرف عما يخافه تغني فـما ندري غـدا ما يجيئنا تغني ونحـن الآن نشـتمل الهنا شدوت من الازهار في خير محفل سوانا من الغـيب المعمى الموجل به الدهر ، والـدنيا نصيب المغفل فليس لك الافـراح تبقى وليس لي


(258)
    وجاء في الذكرى للشاعر محمود الحبوبي والتي طبعت بالنجف الاشرف ما يلي :
    الشاعر محمود الحبوبي ولد في النجف الاشرف سنة 1906 م من أبوين علويين وكانت تربيته الاولى على والده الفقيه السيد حسين ابن السيد محمود الحبوبي شقيق العالم المجاهد السيد محمد سعيد الحبوبي. أدخله والده سنة 1912 م ( المدرسة العلوية ) وهي مدرسة نظامية أسست في أواخر العهد العثماني واستمرت حتى أوائل الحكم الوطني وأخرجه منهاعام 1916 م بعد أن تعلم القراءة والكتابة ومبادئ الدين والحساب وأوليات اللغتين العربية والفارسية.
    ثابر بعد تركه المدرسة المذكورة على دراسة علوم العربية كالنحو والصرف والبلاغة وعلم المنطق حتى تخطاها الى دراسة الاصول والفقه. انصرف عام 1929 م الى التخصص في علوم الادب فكان يكثر من قراءة النتاج الادبي الجديد ومواصلة قرض الشعر. وفي سنة 1948 م ترك النجف مع أفراد عائلته واستوطن الاعظمية من بغداد حيث أقام فيها خمس سنوات ثم استوطن بعدها الكرادة الشرقية.
    توفي بالجلطة القلبية فجر الاول من أيار 1969 م عن ثلاث وستين سنة ودفن بالنجف في مقبرة عمه السيد محمد سعيد الحبوبي في الصحن الحيدري لم يتزوج وآثر الانصراف الى دنيا الادب. وله من الآثار الادبية المطبوعة :
    1 ـ ديوان محمود الحبوبي. طبع في النجف عام 1948.
    2 ـ رباعيات الحبوبي. طبع في النجف عام 1951.
    3 ـ شاعر الحياة ـ موشح ـ طبع في النجف بعد وفاته عام 1969 وله آثار لم تطبع. أقيمت له ذكرى تأبينية تبارى فيها الشعراء والكتاب وطبعت موادها بمطبعة النعمان بالنجف الاشرف عام 1970.


(259)
    خطيب بارع ، مسقط رأسه بلدة سوق الشيوخ ـ محافظة ذي قار وفيها نشأ وكان مولده سنة 1902 وبحكم مزاولته لمجالس العلم والادب وميله لحفظ الشعر ورثاء الامام الحسين عليه السلام تولدت ملكته الادبية ونمت مضافا الى مطالعته لكتب الادب والتاريخ والشعر والاطلاع على دواوين الشعراء نهل من مواردها ما نهل حتى ارتوى فراح يفيض من أدبه. نشأ عصاميا استاذ نفسه فما درس في مدرسة ولا تلمذ على استاذ وكافح أميته بنفسه طفلا ومارس الشعر يافعا.
    امتهن أولا صياغة الثياب النيلية والالوان الاخرى يستدر منها رزقه ثم تركها غير آسف عليها مذ رأى قابليته الادبية تساعده على الخطابة. وفي سنة 1383 ه‍ طبع ديوانه ( الحان الروح ) بمطبعة دار السلام بغداد وفيه الوان من شعره الوجداني والوطني والعقائدي ، وقد كتب عليه :
ان أزهق الموت روحي فثـروتي بعـد مـوتي وغاب في الترب جسمي ديوان شعـري ورسمي
    ومن الحانه في الامام الحسين عليه السلام قصيدته في المولد وعنوانها موكب النور ، أولها :


(260)
قمرية الوادي بلحنك غردي فالوقت طاب بطيب يوم المولد
    وأخرى بعنوان ( سبط الهدى ) أولها :
سرت نفحة البشرى فأطلقت أفكاري ووقعت لحني بعد توقيع اوتاري
    ومن ألحانه قوله تحت عنوان : مهنتي.
قد أنكـروني بنو قومي وما علموا أعيـش عنهم بعـيدا لا يـسامرني اصوغ من دور الالفاظ ما عجزت لونت منها المعاني المنتقاة باصباغ صهرتـهن بقـدر الفـكر فانبعثت فالقدر والكوز والداعوش يشهد لي أني امرؤ قد سمت بي للعلى قدم الا الكـتاب بلـيل الهـم والقلم عن مثله العرب الامجاد والعجم القـريحة فـازدانت بـها الكلم نار الشعور لها من تحته ضرم والنيل والجوهر الالوان والوضم
    وله ( الزهرة الذاوية ) :
زهـرتي انـت بـين زهـر الربـيع لك عـرش بـين الـزهـور رفـيع انـت توحـين لـي القريض فـأسمو انت معـنى الجـمال يا منـية النفس انـت فـي اللـيل روعـة وسـكون انت في الصـبح نسمة توقظ الاحساس انت في الروض نفحة القدس والطيب انت في العـود نغـمة تنـعش القلب اي كـف أثيـمـة فـيـك عـاتـت بددت حسـنك النـضـير و يـامـا خـصك الله بالجـمال الطبيعي قد سما فـوق كل عرش رفيع في سماء القريض فوق الجميع وجـو الخيال في مـوضوعي فيهما تنجلي صـفات الخشوع في شاعر الهـوى المـطبوع ولحن الاطـيار في الترجيـع وفي النـاي أنـة المـوجوع فمحت مـنك اي حسـن بديع كنت اسقـيه من نمير دموعي
* * *
رتلي لي حمامة الدوح لحنا اسعديني على البـكاء فاني راعني حادث الـزمان فيا وأتتني تترى عـواديه لما يبعث الوجد في حنايا ضلوعي لم اجد لي سوى البكا من شفيع لله مـن حادث الزمان المريع أيقنت بي لم أهو عيش الخنوع
الوليد الثائر
هنا حلبات الشعر للمتسابق فهيا فقد اطلقت للجري سابقي


(261)
ووقعت لحـني فوق قيثارة الهوى ورحت أغني باسم من ملك الحشا فلولاه ما رقت شعوري ولا جرت وما الشـعر الا نظـرة وابتسامة ومـا الشعـر الا مـا يردد لحنه وما الشعر الا روضة رقصت بها ومـا الشعر الا ثورة النفس رتلت فـما كل طـير كالهـزار مغرد ولا مـثل يوم بالمـسرات مشرقا بمولـده طافـت مواكـب للمنى واشرقت الامـال فيـه ورفرفت وبالافق الاعـلى تطـوف مواكب فـيالك مـولـودا بحجر محـمد تفـرع مـن زيتـونـة احـمدية فـكم سن نهـجا للابـاة بعزمه وأوضح درس التضـحيات لامة بنهـضته الكبرى اهتدى كل ثائر لقد طاب غرسا مثلما طاب مولدا ورف على الارضين بالعدل نوره وبـدد شـمل الظالمـين وهد من وخـلد للاجـيال أروع صـفحة بانغام صـب والـه القـلب عاشق باجـفانـه لا بالسـيوف البـوارق باعـذب معـنى في الخواطر رائق الى النفـس تزجيها مـشاعر وامق بكـل فم مـن أعجـمي وناطـق بنات الـرؤى كالعـين بين الحدائق أهازيجـها الاجـيال بين الـخلائق ولا كشقـيق الـورد عـطرا لناشق كيوم بنور السـبط بالامـس شارق تصـافح في دنيا الهنا خير صادق طيور المنى في روضـها المتناسق من النور تجلو في الدجى كل غاسق تغـذى بـطـيـب للنـبوة عـابق زكا أصلها كـالفرع بالمـجد باسق وحلق فـي افق مـن الحزم سامق أبت أن تهاب الموت عـند الحقائق الى الحق في غرب الدنا والمشارق ونال من الرحـمن أسـمى المرافق فطـهرها مـن رجـس كل منافق معـاقلهم فـي سـيفه كـل شاهق تضيء بانـوار الهـدى كل غاسق
* * *
امام الهدى عفوا فاني ألكن ولكنني ارجو شفاعتكم غدا بمدحك لا اسطـيع تعبير ناطق من الله يوم الحشر بين الخلائق


(262)
يا باذلا في سـبيل الحـق مهـجته ومنقـذا شـرف الاسلام مـن فئة شرعت دستور اخلاص وتضـحية بعثت في الـدين روحا كان أزهقها ضـربت رقما قيـاسيـا يحار له للمـصلحين قوامـيس مخـلدة في تقـيم نهضـتك الـدنيا وتقـعدها ناهيك من نهضة غص الزمان بها خلـدتها فـهي للاجـيال مدرسة هـذا هو الـشرف الباقي فما هرم في ذمة الدين ما أرخصت من مهج لـولاك لانـدثرت فيـنا مـعالمه بعدا لقـوم يـرون الدين قنـطرة باتـوا يحـوطون دنـياهم بحيطته رام ابن ميسون أمـرا دونه رصد وكم سعـى جـده مسعاة ذي حنق وكـيف تطـفئ نـور الله زعنفة لها فصول مـن التاريخ قد ملئت ان انتـمت لقـريش في أرومتها يحيى علاك وتخزى نفس مرتطم هذا ضريحك كـم حج الملوك له صلى عليك الـذي أولاك مـنزلة ومـا حقا كـل تمـويه وتأسيس يزيـدهـا البغي تدنيـسا لتـدنيس في مجلس للهدى والحـق تأسيسي جـور الطـغاة وارهـاق الاباليس أهـل الحساب واصحاب المقاييس الارض واسمـك عنوان القواميس للحـشر ما بين اكـبار وتقـديس لما تـضم وتـحوي مـن نواميس تناوح المجد فـي بـحث وتدريس يعزى لغـنج عمون أو رعمسيس للدين سلن على السـمر المداعيس فلم نجد غيـر ربع مـنه مطموس لمـا يسد فـراغ البطـن والكيس وهـم على دخـل منه وتدلـيس أعيـى أباه فأودى تحـت كابوس وجـد لكـن لجـد منه معـكوس عار على العيس ان قلنا من العيس خزيا فكانت هناة في القـراطيس فـخسة الطـبع تنمـيها لإبلـيس في حمأة الشرك والطغيان مركوس فأين قـر الخـنا فـي أي ناووس دانـت لعلـيائها علـياء ادريـس


(263)
    الفقيه الاديب السيد عباس شبر حسنة من حسنات الدهر ونابغة من نوابغ العصر ووجه ناصع من وجوه الكمال ، لازمته بحكم صلة القرابة وامتزجت به روحيا وكان يعظم في عيني كلما ازددت ويسخر من هذه الحياة التي يتطاحن الناس على زبارجها وزخارفها ويبتعد كل الابتعاد عن المطامع والتصنع ويندد بالمرائين والمدلسين وكان البعض يحسبه مترفعا غير مبال بالكرامات ، وانما كان يرى لنفسها قيمتها ويحفظ لها كرامتها فما عرف عنه الا الاباء والعزة فاسمعه يقول :
ترفعت عن معروف حي وميت فكـم ليلة للغـيث بـت مسهدا فكل حـطامي منـزل لابـي وقف احاذر أن يهوي على صبيتي السقف
    عانى من شظف العيش ومرارة الحياة وآلام المجتمع شيئا كثيرا وهو صلب الارادة قوي العزيمة تتمثل فيه صفة المؤمن الكامل ( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ) وحتى لو اقتسم الناس الدنيا لما التفت اليهم ومن وقوله :
انا ما استخدمت شعري لا ولا لوثت بالاطماع أبـعــد الله أديـبـا في مديح أو خلاعة سـربـال القناعة تخذ الشعر بضاعة
    كان عندما يشاهد هذا المجتمع الراكض وراء السفاسف والزخارف وقد بنى كل مقوماته على الدجل استشهد بقول الامام العادل امير المؤمنين علي بن ابي طالب : ان هؤلاء لبسوا الدين كما يلبس الفرو مقلوبا. وكنت عندما اسمعها منه واحدق في وجهه وعينيه البراقتين استغرق ضاحكا ويزداد ارتياحي عندما يفر هذه الكلمة وأن الذي يلبس الفرو مقلوبا فقد استعمله لغير ما وضع له اذ يفقد التدفئة ثم يتراءى شكله كالكبش بمنظر مضحك ثم ينشدني قوله :
يا خلـيلي كفـناني بشعـري واعرضاني للبدر فهو رفيقي واعصرا للتغسيل منه دموعي كي يصـلي على عند الهزيع


(264)
وارقـبا فسـوف يـبدو علـيه وامنعا اهل موطني حمل نعشي عارض من كابة وخشوع فحـرام عليـهم تشييـعي
    صور العلامة شبر وابدع بتصويره ـ لوائح فنية بشعره عن مجتمعه فقد درس الحياة دراسة وافية واتحفنا بروائع جرت مجرى الامثال كقوله :
فالمرء مرآة المحيط وطبعه كالماء يأخذ شكله من ظرفه
    حديثه ملذ معجب فأين ما حل استرسل بالادب الشهي والفوائد العلمية والادبية والكلمات الحكمية فهو أشبه بدائرة معارف ولا يكاد جليسه يمل حديثه ، لذلك أعددت نفسي لالتقاط منثوره ومنظومه وقال له احد الادباء : ان حفظك للشعر لا يقوى عليه أحد ، فقال كنت ايام شبابي عندما تنتظم حلقة الادباء للتقفية الشعرية التي تبرهن على ملكة الاديب اطلب منهم ان تقتصر التقفية على ديوان واحد من دواوين الشعر كديوان الرضي مثلا ، وفي الليلة التي تليها تكون التقفية وتسمى ب‍ ( المطارة الشعرية ) مقصورة على ديوان المتنبي والبحتري وهكذا. وربما تحبس التقفية وتحصر بدائرة اضيق من ذلك بان تكون بحماسيات الرضي أو حكميات المتنبي او وصفيات ابن الرومي والبحتري أو غزل ابن الاحنف ، قال وربما تكون التقفية مقصورة بباب واحد من ابواب الديوان بمعنى تكون المطاردة بميميات المهيار أو همزيات المرتضى أو بائيات الرضي. وعندما تعرف عليه الشاعر السيد محمود الحبوبي أثناء اقامته بالبصرة وساجله ورأى قوة براعته الادبية اذ كان له على كل كلام شاهد أو شواهد شعرية قال له : اهنئك على هذا الشغف فما رأيت اسمى من روحك الادبية وحافظتك القوية ، وشاركت في الحديث فقلت : ما مر بأحد من الشعراء الا وقرأ شيئا من شعره ، فقال السيد : ما تركت شاعرا من شعراء العرب الا وحفظت أجود ما نظم.
    تولى منصب القضاء الشرعي بعد الحاح كثير من عارفيه ومقدري فضله وحتى ألزمه المرجع الديني الاعلى السيد ابو الحسن فتولى القضاء في العمارة أولا ثم في البصرة فبغداد فكان المثال الرائع


(265)
للنزاهة فلم ينتقض له حكم قط طيلة اثنتي عشرة سنة ولم يغير المنصب منه شيئا ، ملتزما بأوامر الشرع الشريف متثبتا كل التثبت مراعيا احكام الله والشريعة ( المقدسة ) وعرف عنه انه يحرص كل الحرص على حل الخصومات صلحية اكثر منها تنفيذية ومن شعره :
لولا شؤون شرحها محزن ما كنت بالمنبر مسـتبدلا تهـدد الحـر بما يخـشى ما عشت كرسيا ولا عرشا
    وقوله :
أبعد الصـبر والعزلة أولى الحكم بين الناس لقد ألجـأني دهـري فللويل عـلى الفـعل والاخبات والنـسك هذا المضحك المبكي الى أمـر به هلـكي وللويل عـلى الترك
    لقد ألزم نفسه ان لا يجلس للقضاء بين الناس الا وهو على وضوء داعيا ربه أن يهديه للصواب ، قال له زميله الشيخ علي الشرقي ـ وكان اكثر اخوانه اصرارا عليه بتولي القضاء ـ قال له على سبيل المداعبة ، انك ستجد النشوة الكبرى عندما تجلس وراء منضدتك وتقرر حكمك والناس صامتون مذعنون والمحامون صاغون ترى نفسك كأنك جالس فوق النجوم. وعندما تولى السيد المنصب كتب للشيخ الشرقي : اني وجدت أن تلك الساعة هي أخوف ساعة ، فما من مرة وقد هممت باصدار الحكم الا وارتسمت امام عيني الآية من قوله تعالى « ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد ».
    كان يقضي شطرا من الليل بالابتهال والدعاء والتضرع والبكاء ويراها احب الساعات الى نفسه ومما أنشدنيه رحمه الله في أواخر حياته وهو آخر ما نظم من رباعيات.
لقد أعرضت عن دنيا وأقـبلت على اخرى فـدنيا أنا فيـها الدار تحـيرت فـلا ادري بها لا يرتجى الخير اليها ينتـهي السير والمـسجد لا غـير أدار هـي أم ديـر
    وقال :
ولما أن رأيت الناس غرقى بطوفان الجهالة والغوايه


(266)
فلا قلب يباركه حنان وعاد الدين بينهم غريب بكيت على الورى ولزمت بيتي ولا رأس تتوجه الهداية واهل الدين هم أهل الجناية أسير اليأس انتظر النهاية
    وأنشدني :
طغى في الناس الحاد بجهل يريـد المرء أن يحيى طليقا يقـول لنا المعري منذ ألـف اذا مـا الحـدت امـم بجهل فماذا قيمة العقل الحصيف برغم العلم والدين الحنيف وما أسمى مقال الفيلسوف فقابلها بتـوحيد الـسيوف
    وكثيرا ما كان يرتجل البيت والبيتين ولكنها تذهب مع الريح كقوله عن البصرة :
هيهات غاضت أبحر ( الخليل ) في عصرنا فالجيل غير الجيل
    وقال :
أرى الشط شط العرب مرآة أهله يصارف مـنه الرافـدان بعسجد فما فيه فيهم من هدوء ومن بشر لجيـنا ولـكن المحـصل للبحر
    وكثيرا ما كان عند مطالعته الكتب وتأثره بالكتاب ينظم البيتين والثلاث فيخطها على ظهر الكتاب كقوله عندما طالع ديوان نازك الملائكة (1).
قلت لليل صامـت أنت مثلي كم على الليل من شياطين هم قال اني مصغ للحن الملائك دحرتها عني نـيازك نازك
    وكقوله الذي كتبه بخطه على كتاب ( نظرية التطور ) لسلامة موسى :
هبطت الى هـذا الوجود فلم أجد أليس محالا أن أعيش مسالما وقد بميدانه المكتض الا مـصارعا سن قاضي الكون فيه التنازعا
    وقوله وقد كتبه بخطه على مجلة الاماني وهو من المناجاة :
أنقذت نوحا وابراهيم ، من غرق فهـا انا غارق بالـدمع محترق أنجيت هذا وذا من حرق نيران ( بنار ) حزني فأنقـذني باحسان


(267)
    وفي اثناء مطالعاتي في مكتبته القيمة رأيت ديوان الشاعر بدر شاكر السياب وقد أهداه للشاعر شبر وقد كتب الاهداء بخطه ثم نعته بشاعر الانسانية. وكتب على كتاب ( فلسفة اللذة والالم ).
أطالت تبـاريح الحـياة تألـمي ولا عجب للمرء ان عاش شاكيا فطال على الدهر الخؤن تظلمي فأقـدم حس فـيه حس التألـم
    وكتب أيضا بخطه على كتاب ( اعرف مذهبك ) لمؤلفه مارتين دودج.
مذاهب ليـس لهـا غـاية والحق مقصور على واحد الا جدال وأضاليـل لاحمد أوحاه جبريل
    وكتب على ديوان ابي الطيب المتنبي.
أمة الشـعر آمـني بنبي ما ادعى أحمد النبوة حتى شكلـت معجزاتـه ديوانا عاد في الشعر قوله فرقانا
    وارتجل مرة عدما استمع الى خطيب الذكرى الحسينية في احدى المجالس :
هتفت لك الاملاك والـ ذهبت سفـر الحق من ـعلياء تصفق باليدين دمك المقدس يا حسين
    نشرت له امهات المجلات ادبا كثيرا منها مجلة الاعتدال والهاتف والغري والبيان وكتب عنه الاستاذ الخليلي في ( هكذا عرفتهم ) كما كتب عنه الحوماني في ( وحي الرافدين ). كانت ولادته سنة 1322 ه‍ بالبصرة ليلة الجمعة 19 ذي الحجة الحرام والمصادف 24 شباط 1905 م وكانت وفاته ليلة الجمعة 8 شوال 1391 وقد شيع في كل من البصرة والعمارة ميسان والكاظمية وكربلاء والنجف مثواه الاخير في احدى حجر الصحن الشريف وهي الحجرة المجاورة لباب القبلة عن يمين الداخل واقيمت له الفاتحة الكبرى في مسجده الذي يقيم فيه صلاة الجماعة بالبصرة كما اقيمت له الفاتحة في المدرسة الشبرية بالنجف واستمرت الفواتح بنواحي البصرة وسائر العراق حتى يوم اربعينه الذي أقيم في مسجده وشارك العلماء والادباء نظما ونثرا.


(268)
حيـاة الناس في لهو ولعب لعـمرك اننا فيه سنـجزى وللراثي جزاء ليس يحصى ونحن حياتنا ذكـرى الحسين نعيـما دائـما في النـشأتين ويسكن في الجنان قرير عين
    الشيخ محمد سعيد ابن الشيخ سلمان آل مانع. ولد سنة 1339 ه‍ اديب لبيب وظريف لطيف ، شاعر باللغتين الفصحى والدارجة خدم المنبر الحسيني برهة من الزمن درس ونال رتبة عالية فكان احد أساتذة منتدى النشر يوم افتتح مدرسته ، اشتركت معه في تحقيق ( جامع السعادات ) للنراقي وفي تأليف كتاب ( لسان الصدق ) وله ( أنيس الجليس في التشطير والتخميس ) ما زلت احتفظ به بخطه يتحلى بالعفة والحياء وصلابة المبدأ وقوة العقيدة الى جنب رقة الطبع والظرف فهو في الوقت الذي الف كتابا مختصرا في الدعاء وفوائده واختار جملة من الادعية المجربة اقول بهذا الوقت كان قد جمع مجموعة من الاغاني الرقيقة في الحب الطاهر والجمال الباهر والمعاني البديعة التي يشتاقها كل ذي ذوق وحس عالي ، مهما وقعت عينه على الازهار والرياض والورود والرياحين راح يتغنى بصوته الرقيق بما قاله الشعراء في الشعر الروضي. ولا يكاد يطلع عليه الفجر الا وانتبه لطاغة ربه وردد الاوراد وهو شاب مملوء حيوية وايمانا ووجدانا وذكاء وفطنة ، زاملته ولازمته اكثر من عشر سنين وهو اكثر من صاحبته فلا اعرف شخصا اتصلت به روحيا اكثر منه ، درسنا سويا في مدرسة منتدى النشر وحزنا على شهادة التخرج وتدارسنا كثيرا من الكتب فقد حققنا كتاب جامع السعادات للنراقي وعلقنا عليه وهو لم يزل موجودا عندي وعندما حققت اللجنة التي


(269)
قامت بطبع الكتاب كان ما حققناه من جملة المصادر. كان الاستاذ المانع يمتهن الخطابة ثم تفرغ للدراسة والتدريس في مدرسة منتدى النشر ، وكنا في اوقات الفراغ نتدارس كتاب ( الكامل ) للمبرد ونطالع على انفراد كتب الاخلاق ونختار منها حتى كان منها كتاب ( الاخلاق في قصة ) فاذا نظم جاء بالشيء المعجب وما زلت احتفظ بمجموعة من مراسلاته وخواطره منها اني كتبت له من لبنان سنة 1365 ه‍ رسالة وفيها قطعة شعرية منها :
حاشـاك تمـنع وصلـنا انسـاك ـ لا انـساك ـ هل عهدنا ( الماضي ) أرى تلك السويـعات العـذاب عـودي فقـد حن الفؤاد قفـص الاضالـع عاقه قد هـام حـولا بالكنائس يا صاحب الخـلق الاغر هـذي البـراقع خلـفها وجـه تناسـق بالروائع حاشا وفـاءك يا ابن مانع يا قلبي ومثواك الاضالـع يومـا لعـودته ( مضارع ) أريجـها كالمـسك ضائع لطـيب هاتـيك الـمرابع فأنـاب مـرسلة الـمدامع ثـم حـن الـى ( الجوامع ) وجـامع الشـيم الـروائع ـ الله ما خـلف البراقـع ـ مثل ما يهـوى المـطالع
    فأجابني بقطعة أذكر منها قوله :
بكـم نـجاة مـحب منعت ودي سـواكم لبنان طابت فسرتـم سبـبتم الهـجر انتم بالعـيد هنأتمـوني وصالـكم لي عيـد وجـدكم خـير شافـع لـذاك لـقـبت مـانع لهـا وخلـفـتـمـوني ففـيه لا تـتهمـونـي هل يعرف العيد مضنى بغـيـره لسـت أهـنا
    توفي ليلة 22 شوال ـ ليلة الاربعاء سنة 1392 ه‍ المصادف 28 / 11 / 1972 ومن مؤلفاته كتاب ( الرفيق في الطريق ) يضم النوادر الادبية والنتف الاخلاقية والمقاطيع الشعرية وجملة من شعره ومراسلاته لاصدقائه واخوانه امثال السيد محمد تقي الحكيم وصادق القاموسي من اعضاء منتدى النشر ومن موشحاته رائعته التي عنوانها ( انشودة الفجر ).


(270)
    الملحمة العربية الكبرى للدكتور زكي المحاسني وتنفرد بنشرها مجلة ( قافلة الزيت ) السعودية وقد بلغ بهذه الملحمة حتى الآن النشيد السابع.
    قالت مجلة العرفان اللبنانية عدد 4 م 59 : وندعو الله ونحن في ارض الوحي ان يمد له بعمره ، وهو اليوم في الخمسين منه ، ليتم هذه الملحمة الفريدة التي ينتظرها العالم العربي الحديث ويرصدها ، لتكون له بين ملاحم الامم في آدابها العالمية ملحمته المثلى.
الملحمة العربية
النشيد المحزون
الحسين
عاطني دمـعا وخـذ مني عينا انـا في الـشام وتيـار حناني يسـأل الريح اذا هبـت رخاء يا مـهادا في العراقين أجيبي كـربـلاء لفـحة قـهـريـة هـي لا ذنـب لها مـن بلـدة وقـعـة فيها عـلى عثـيرها لـكأني أبصـر الـمرج دنـا يا لها من طحمـة كان خصيم تلك همـدان أتـت في مذحج واحـسـينا واحسـينا واحسـينا ينتحي من ذكرك المـحزون حينا في البوادي عن هوى قد كان دينا أين مـثـوى ذلك المحـبوب أينا حـملت في صفـحة التاريخ شينا من دعـا الاحـجار ان تلبس زينا هـزت الـدهـر لذكـراهـا أوينا بخـيول بالـردى الـباغي سرينا سامـها العـرب وبلـواهـا جنينا وتـمــيـم وبـأقـدار رمـيـنا
ادب الطف الجزء العاشر ::: فهرس