ادب الطف الجزء العاشر ::: 271 ـ 285
(271)
ذا عـدى حـصن ديـن وتـقى فانبرى الصحب على عرض الملا فتـن عجـت مـدى الجـيل كما هـب يطـفيها عـلى طغـيانـها نـاصـح قال لـه يابـن مطـيع فـأبـى وهـو يـنـادي رهـطه فأتـاه الجـمع فـي وثـب الـفدا أم وهـب فيـهـمـو مـقـدامـة بـأبـي أنـت وأمـي تـلك روح خـذ أبا الحـمد فـهـذي طـعنة وهـتـاف قـد عــلا تـهـداره فيهـمو عـمرو أخـو قرظـة من ولـديـهـم سـالـم ذو عـوسج وزهـيـر فـارس الـفتـكـة ان ورمـى الكـندي يـفدي خـدنـه يـا لابـطال تدانـوا في الـوغى وأتـى الخـصـم بجمـع حاشـد قـد بكى التـاريـخ خجلان ولـو يا أبا المـجـد ويـا زيـن المـلا مشهدا فـي ملحـمـات حمـحمت نحن ألجـمنا الـى الـحشر الـذي وسفحنا بـعـدك الـدمـع عـلى عطشا غـبت عـن الـدنيـا فيـا نشرب الكـأس بـلا طـعـم وما ليس يرثـيك سـوى روح علـى حمـلت سـر ( البلاغـات ) ولـو يا حبيبي لك فـي الـشـام نـدى كم ركبنا الشـوق نسـري عمـره قتـلوه قـطعوا مـنه رديـنـا شيـعة الـثأر يصيحون افتدينا تلفح النيران لا تـدري الـهوينا بـطل اعـداؤه نـادوا : الينـا لا تكن كبشا علـى المنحر هينا لن يصيب العرب من بعدي أينا يـا حسـينـاه للـقيـاك أتـينا زوجها الكلبي نادى : ما اختشينا غـير ما نـفديك فيها ما اقتنينا بـعـدو الله طغـواهـا وريـنا نـحن أنـصارك انـا قد حمينا يصـدق الـموت ولا يعرف مينا وحـبيب قـال للـحتـف اقتفينا قيل ياابن القـين لـم تعرفه قينا بكـماة مـثل جـن قـد هويـنا اشهـدوا الله وقالـوا مـا اعتدينا يا رواة الـحرب انا قـد رويـنا أظلـم التاريـخ فينا مـا اهتدينا لك فـي حـرب المناجيـد بنينا قـد طوين الـبيد والعمر طوينا قـد فـرى قلـبك ذكـراه فرينا بـطل مـا مـثله فـيك بـكينا ليتـنا حـزنـا بـماء ما ارتوينا سـاغ أنـا بـعد ظـمآن استقينا النجف الاشرف عنها مـا انثنينا سكبت شعرا لمرثى مـا رثيـنا في مطل الـزهر قـد رف علينا خلف آماد الهـوى فيـه جـرينا
    دمشق الدكتور زكي المحاسني
    ولد الدكتور زكي المحاسني سنة 1329 ه‍ 1911 م وكان ابوه من كتاب المحكمة الشرعية بدمشق ، قال : لم يلبث أن توفي وعمري


(272)
سنتان ولم يترك لي صورة أراه فيها فعشت يتيما ترعاني أمي الحنون ، وحين نلت الشهادة من كلية الحقوق بدمشق وعمري يومذاك اثنتان وعشرون سنة توفيت امي فعشت بعدها باكيا عليها في شعري وكانت حنونا رؤوما ولن استطيع ان انساها حتى اموت.
    الدكتور زكي المحاسني له شهرته الادبية والعلمية ، شاعر رقيق متين الاسلوب واستاذ لامع في مجال التربية والتعليم ومحام قدير وكاتب واديب كبير نشر مقالاته في امهات الصحف والمجلات الشرقية والمهجرية منها :
    الرسالة ، الهلال ، المجلة ، الكتاب ، الاديب يحمل شهادة دكتوراه الدولة من جامعة القاهرة من الادب العربي منذ سنة 1947 م مع اجازة ( الليسانس ) منذ سنة 1930 في الحقوق والآداب من الجامعة السورية سنة 1932 م درس فقه اللغة العربية وعلومها والادب العباسي في كلية الآداب العربية ، عين ملحقا ثقافيا بالسفارة السورية في القاهرة 1956 م.
    كان عضوا في لجنة التربية والتعليم بدمشق 1956.
    كان مديرا ثقافيا لتخطيط التعليم الجامعي بوزارة التربية والتعليم المركزية بالقاهرة سنة 1958 ـ 1961 ثم مديرا لوزارة التربية السورية.
    آثاره ومؤلفاته : ( ابو العلاء ناقد المجتمع ) ( دراسات في الادب والنقد ) وكثير من الدروس الادبية وتغنى بشعره وذكر ثورة العشرين وامجاد العرب ووصف بغداد فكانت حياته حافلة بالعلم والادب والآثار الخالدة حتى تجاوز عمره الستين عاما وفي اليوم 23 من الشهر 3 من عام 1972 م 1392 ه‍ رحل رحلته الابدية الى عالمه الثاني. كتب عنه الدكتور محسن جمال الدين في كتابه ( العراق في الشعر العربي ) وكتب عنه الاستاذ جمال الهنداوي في مجلة العرفان مجلد 61 وفي مجلة البلاغ العراقية السنة السابعة.


(273)
    الشيخ عبد الكريم صادق علم من الاعلام وائمة الشرع الكرام وسامته تنبيك عن ايمانه وورعه واساريره تقرأ عليها تقواه وطيب سريرته ، عاش في النجف ولبنان مصلحا مرشدا وافنى جل عمره بالصلاح والاصلاح ولا عجب فالاسرة اسرة علم وتقى فهو ابن البطل الكبير الشيخ عبد الحسين صادق واخو الشيخ محمد تقي صادق والشيخ حسن صادق ، دوحة تنفح بالعطر الطيب ، كان محل ثقة الجميع في عفافه وتقاه وزهده في الدنيا وانصرافه عنها ويحتل في النبطية صدر البلد ازدانت به واحتضنته معتزة به فخورة بفضله رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا.
أعن الابا يرضى الحسين عـدولا وهـو الـذي أنـف الدنـية قائلا وانا ابن أعراق الثرى مـن هاشم فـاذا تـحداني وهاجـم منعـتي ودفعـت نفسي للمهـالك قائـلا لست الحسين وليس حـيدرة أبي وأخض غمار الموت يتبع بعضها أأهـون والشـرف الاصيل يلفني وابي عـلي مـن تـردي بـردة والام فاطمة التي فـي القرط من وأنا الـذي هـز المـلائك مهده والخسف هل يرضى عليه نزولا انا مـا خلقت لان أعيش ذليـلا وأعز مـن تحـت السماء قـبيلا عات شهرت الصـارم المصقولا لا عـز الا أن تـموت قـتيـلا ان لـم أشق الى الـكفاح سبـيلا بعضا وتعتر السـيول ســيولا بردا ويعصـب مـفرقي اكلـيلا للفـخر تلثـمها الـنجوم ذيـولا عـرش المهيمـن كانت القنديلا ولظـهر احمد كـم غدا محمولا


(274)
ولكـم تنشق وفـرتي ريـحانة أحسـين للديـن الحنيف وللابا جردت عـزمك ثائرا وشحذته فوقفت اذ عبس الفوارس باسما لله وقفـتك التي كـم للـورى طـه وقـبل مبسمـي تقبيلا وكـلاهما لك قد غدا مكفولا سيف أغـر وساعدا مفـتولا وتهز فيها الصارم المصقولا أدهشـت البابا بـها وعقولا
    وله من قصيدة نبوية قال في أولها :
صفاك ربك واصطفاك نذيرا هي دفقة للنور من بحر السنا هي قبسة مـمن تجـلى نوره ولدتـك آمنة الفـخار مباركا وحواك منها حجر أكرم حرة يا من بطلـعتك الوجـود أنيـرا رحب الفضاء بها غـدا مغمورا للطور مـن سينا فـدك الطورا ومطـيبا ومطـهرا تطـهـيرا واذا النساء كرمن طبن حجورا
    وله أيضا في مدح الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
بالكـتاب المنير أحـمد جاءا فيه تبيان كل شيء واحصت ولما في الصـدور فيه شفاء جاءنا بالهـدى رسول أمين جـاء كالبدر جاء والليل داج معجزا مفحما به البلغاءا آيـة كل حكمة احصاءا حينما جهلها يكون الداءا خاتما رسل ربه الامناءا يتـجلى فمزق الظلماءا
    وله أيضا في مدح أمير المؤمنين علي عليه السلام
مضـى طه وقـام وصي له وفـوق منصة الاحـكام منها ففاضت ثم فاضت ثم فاضت فلو وردته عطشى الخلق طرا له مـن فوق منـبره سلوني مديرا من شريعته رحـاها عـلي قد تربع واعتـلاها ركي الفضل طافحة دلاها لروى من منابعه ظـماها سلوني هـل بها الاه فاها
    وله أيضا في مدح أمير المؤمنين علي عليه السلام
ولاؤك حصـني يا علي وجنتي أفي النار ترضى أن يزج معذبا اذا قصرت يوم القيامة حجتي وليك لا يشـتم روحا لجـنة


(275)
وحبك منه خامر اللحم وهو في واذ ألقمتني ثديـها الام في اللبا ببابك حط الرحل مولاك عالما غشا الرحم في دور اختباء الاجنة تـذوقـتـه مـنـه لاول رشفـة بأنك يا مولى الـورى باب حطة
    وله أيضا في مدح أمير المؤمنين علي عليه السلام :
هـي بيعة لك يا علي اقامها يوم الغدير اذ الحجيج معرس وله أقيم مـن الحـلائج منبر حيث الهواجر قد ذكت نيرانها فعلاه خير المرسلين محمـد خير الانام بمـشهد الاملاء فيما أحاط به من الصحراء يحنو عليه الـدوح بالافناء والرمل متـقد بـحر ذكاء وأتى بتلك الخطبة العصماء
    فصل في الالهيات ارجوزة له ايضا تشتمل على مأة واربع وعشرين بيتا
المـبدأ الفـياض رب الجـود شاء فـكان عـالم التـكويـن أبـدع مـا أبدع من صنيـعه هذي السما تبنى على غير عمد وهـذه الشمـس وهـذا القـمر هـو القديم الواجـب الوجود مـسخـرا لكـافه والـنون فجاءت الدهشة من جمـيعه وهذه الارض على الريح تمد كلاهـما في سـيره مسـخر
    وله ايضا
بـك آمنـت يا قديم الوجـود منك فاض الشعور في كل حي منك زهر النجوم شعت ضياء وتجـلت ذكـاء ناشـرة النو أنت سـخرتها طلوعا أفـولا يا مـن الكون منه رشحة جود وتمـشى النمو في كـل عـود وبـدا الصـبح ضاربا بعمـود ر على الارض سهلهـا والنجود كلما أدبـرت لها قلـت عودي
    وله ايضا
يا واهب الكون منه أجمل الصور ويا مـرصع آفاق الـسماء بـما ويا مـنوره بالشـمس والقـمر يبدو خلال الدجى من أنجم زهر


(276)
يـا مـن أدار بهـا الافلاك دائـبة يا من بنى فوقنا السبع العلى ودحى يا مـرسل الريح يجـريها مسخرة ولـو أراد لـها التعطـيل لم تدر من تحتنا الارض مرساة بلا جذر بأمـره فـهي مهما سـيرت تسر
    وله أيضا في العقل
هو العقل للانسان أشرف ما فيه له الصدر بيت والفـؤاد زجاجة يزيد بنور العلم نـورا وتسـتقي هو العـلم معراج السعادة للفتى به يكـبر الانسان روعـة كونه سراج هدى في حالك الجهل يهديه اذا ما صفت شع السنا من نواحيه ذبالتـه مـن زيـته ما يغـذيـه تبـلغه أسـمى الكـمال مـراقيه وما من جـمال فيه أودع منشيه
    وله أيضا
يا واهب العقل هـذا العقل برهان عداه عما يرى في الكون من نظم هذي السـماوات والافـلاك دائرة تجري كـواكبها فيـها على نسق كـل لـه منزل يـأبى تـعـديه عليك أن طلب البرهان حيران تمت فما ان عراها قط نقصان فيها فليس لهـا يختل ميـزان فكل جـار له في جريه شان الى سـواه وفوق الكل سلطان
    وله ايضا
أتخفى وهذا النور يا رب سـافر لان كنت بالابصار ربي لا ترى فأنت الذي عـين الشهود خفاؤه كم الفيـلسوف استـفرغ الوسع أتى حائما حول الحمى كي ينيله لوجـهك عنا لا يـواريه سـاتر فما قصرت عن أن تراك البصائر وأنت الهـي في بطـونك ظـاهر طالبـا لذاتك تحليلا اذا هو قاصر ولوجـا وأنهى عـمره وهو حائر
    وله أيضا
العلم حيث يكون علما نافعا واذا هما افترقا فأعلم عالم هو ما يقارن صالح الاعمال متبحر هـو أجهل الجـهال


(277)
ولكم نـرى من عالم فـاق الورى يسعـى وراءهـما واكـبر مدهش يا حامل المشعال كي يهدي الورى بالجاه أصـبح مغرما بالـمال ولع المـريض بـدائه القـتال اتغض طرفك عن سنا المشعال
    وله ايضا في المواعظ
عظ منك نفسك قبل ان تعظ الورى اتقول سـيروا للأمـام وأنـت من والـماء امـا لـوثـته نـجـاسة فتـحر أول أن تـكون مـحـررا أهـواك تعبد ثـم عن أن يعـبدوا أولا فخل لمن سـواك المنبرا يمشي ويرجع للوراء القهقرى فمن النجاسة هل يكون مطهرا وهـنا يحق بأن تقـوم محررا أهـواءهم لهموا تجيء محذرا
    وله أيضا
حاسب النفس قبل يوم الحساب سفر شاسـع ومـرمى بعـيد وسـؤال مـن منكر ونكـير وكتاب في الحـشر تلقاه منثو حين تبدو لك الصحائف سودا وتأهـب لرحـلة واغتراب وهـبـوط الى محل خراب أفهل أنت ناهـض بالجواب را فماذا أنت صانع بالكتاب اكسبتها الذنوب لون الغراب
    وله أيضا ارجوزة
عـلى بني العـلم اتـباع الرسل وفي الرياضات لهـذي الانفـس من جوهر القدس ومن در الصفا بـذاك تـرقـى سلـم السـعادة اذ انهـم كنـخسة عنهـم بـدل في صالح القول وحسن العمل كيما تفـوز بالثمـين الانـفس وحسـبها ذانك حلـيا وكـفى وتبـلـغ الاوج مـن السـيادة أو مثـل أقرب شيء من مثل
    قال يذكر المخدرة زينب بنت أمير المؤمنين علي ومحنتها بعد قتل أخيها الحسين
يا ربة الخدر ما لاقيت من خجل اذ الكفيل مضى والرحل صيح به عصر الطفوف وما عانيت من وجل نهبا وجـردت مـن حلي ومن حلل


(278)
ماذا دهاك ابنة الزهرا فانت على وما عـداك وقار من أبي حسن دهـاك والله ان الخـيل ضابحة وغـودرت جنبات الـربع خالية ذعر تراكضت في البيدا على عجل ولا شـمائل طاهـا سيـد الـرسل جاست خلال الحمى من سائر السبل من كل ذي نـجدة يحمـيك بالاسل


(279)
انت فـي العين دمـعة الكـبرياء لا أناجـيك بـالمـدامـع تهـمى ما غناء الـدموع في مـوقف جل لست في مأتـم تغـص بـه الار لسـت في الهـم عـاصـفا يذر انـما أنـت فـكـرة ومـثـال نسجت حـولك البطـولة رمـزا أي معـنى سـكـبـت فـي اذن مطـمح انـت فـي العـلاء بعيد تمتـطي الهـول مركبا غير هيا السـجايا الـوضاء فيـك ابتداع ضمـنت منك مهـجة تسع الخير وعـزوفا عـن الـدنايا وكـبرا وثـباتا عـلى العـقـيدة وقـفا وهـي النفـس ان تـثر تـركب يا مثال الجهاد يا صـورة البأس لذ فـي ذكرك السـني قريضي يا رجائي يا بانـي المـثل العليا أيهـا المـوقظ النفوس من الظلم انفـح الكـون بالعـظائم تتـرى علم العرب كيف يستسهل الموت علم العـرب كيف يقـضى على علم العرب كيف يـرتخص البذل علم العـرب كيف يحـمى حمى يا عـلاءا أزرى بـكل عـلاء انت أسـمى من الاسى والبكاء عن النـوح والشـجى والرثاء ض فتبكي لـه عيون السـماء الانفس مرعى مهدودة الاشلاء للعلـى والمـروءة السـمحاء وارتوت منـك دوحـة الشهداء الخلد فظلت تـعج بالاصـداء وابـاء أعـظم بـه مـن اباء ب صروف الدجـنة السـوداء واحنيني الى السجـايا الوضاء ونفـسا تـمـوج بـالاضـواء ومـضاءا ما بـعـده مـضاء لـم يـزل آيـة عـلى الآنـاء الصعب وتـزحم مناكب الجوزاء ويـا غـاية النـدى والسـخاء وحـلا باسـمك الحبـيب ندائي بنـاء مـا مـثـلـه مـن بناء ومـردي جـحافـل البغـضاء فالعـظيمات نفـحة العـظـماء ذيـادا عـن فـكـرة عـلـياء البغي دفاعا عن عـزة قعـساء ويحـلو الـفـداء اثـر الفـداء الحق ويـرعى بمائـج من دماء


(280)
يا رفـاتا تضوع المـسك منه عبقت منـه جنة الخـلد حتى التقـيون مـن شـذاه نشاوى يا طرازا مـن المروءة سمحا صـورة انـت للعلى وكـتاب رددته الاحقـاب جـيلا فجيلا وتغـنت بـه الليالي هـيامـا بابي انـت يا حـسين وأمـي منك صغت الشعور لحنا جديدا فسرى الطيب في مدى الارجاء فغـم العـطر عـالم السـعداء والنبـيـون مـنه فـي ايـحاء فـاض بـالمـكرمـات والآلاء ليس يبـلى ، وعـالم مـن ثناء وروتـه قـيـثـارة الانـبـاء فهي منـه في رفعـة وازدهـاء يا نشيـدي عـلى المدى وغنائي وتفـردت فـي بـديـع أدائـي (1)
    كان يسمى بشاعر الشباب متأثر بالديباجة البحترية والمدرسة الشامية في الشعر قال يصف خواطره في مقدمة ديوانه ( ظلال الايام ).
غفلت عني المنون فغنيت وبنفـسي قيـثارة تتشكى ولحن الحـياة لحـن قصير وانا الدمع والاسى والشعور
    قصد العراق استاذا في معاهدها العلمية واحتضنته ظلال الرافدين كما احتضنت غيره من أبناء العروبة يوم ان كانت نيران الاستعمار الفرنسي تلهب سماء دمشق نارا وسجنا وتعذيبا ونفيا. حل في بغداد عام 1936 شاعر الشباب السوري انور العطار منتدبا من وزارة المعارف العراقية ليكون استاذا في معاهدها لتدريس الادب العربي ، وأوحت له بغداد ودجلتها الكثير من القصائد الرقيقة ومنها قصيدته ( دجلة في الليل ) ذات الوزن الرقيق والتصوير اللطيف ، تبدو فيها اللوحات الخيالية قال فيها :
اسكب النور يا قمر وأذع فرحة الهوى يتصباني النخـيل في ثنـاياه صورة واغمر النهر بالصور وأشـع لـذة السـمر ويـغريـني النـهـر حـلـوة كـلها سـير

1 ـ ذكرى أبي الشهداء.

(281)
هـو ريحـانة العلى ها هنا سيرة الزمان فيه من عبقر أثر وعاها الذي ذكر (1)
    واقيمت في النجف حفلة تكريمية في نادي الغري لطلاب المدارس في الشام وكان الاستاذ العطار من بين الاساتذة الذين رافقوا الطلاب فالقى هذه الرائعة :
سـلام على النجـف الاطيـب عـلى مهـده عالم الذكـريات وكـوني كـآذار جـم العبـير تنشق ففي الترب مسـك العبير وطف بالهـدى والندى والعلاء وقـل يا غـمام نعـشت الغمام وسـلم عـلى العبـقري الهمام يموج مـن النـور في مـوكب يطوف على الناس مثل الضباب ويختال في الـكون مثل الربيع وعـرج عـلى موئل النعميات أخي الحزم والعزم والمكرمات وهـم بالبـيان السـني الشهي ورد مـوردا حافـلا بالخلـود ( علي ) ويا سـحر هـذا النداء تـحن اليـك القـلوب اللهاف اذا اغطش الليل كـنت الشعاع وكنـت الحـنان ورمـز الندى ولـم لا وانت رفـيق النـبي فيا ساكني النجف المستحب سأذكر ما عشت هـذا النضال وأحـيا لهـذا الحـمى نغـمه فياطـير هذا الغـناء الرقـيق سـلام عـلى ورده الاعـذب ودنـيا تـوقـد كـالكـوكب انيـقا كمنـظـوره الاهـدب تهادي وفي الجـو عطر النبي وبالجـدث الطـاهـر الطيب وقل يا ربـيع نفـحت الربي على نبعة الخـير مـن يعرب ويندى مـن الطيب في موكب اذا افـتر عـن مبـسم أشنب يـرن بـفـينانـه المعـشب على الاريحـي النـجيد الابي أخي النائل الاطـول الارحب وأعجب بـروعـته أعـجب وما شئت من ممـتع مطرب وأعـجب بـروعته أعـجب حنين الصـغار لجـنح الاب وكنـت رجاء الغد الاصعب وكـنت المعين على المذهب وانت شذى الطهر من يثرب سـلام القريـب الى الاقرب وأفـنى بـملـهمه الملـهب وقلـبي امـا يهـم يطـرب فـان شئـت ترتيله فأنـدب

1 ـ العراق في الشعر العربي والمهجري للدكتور محسن جمال الدين.

(282)
ويا جفـن هذا مـجال البكاء ويا نفـس مـن ورده فانهلي بني الجود والخلق المستطاب فياثـورة النجـف اليـعربي يسـيل الفـرات بهـا صاخبا ولولاك ما كان فجر الخلاص شباب الحـياة شبـاب الجهاد مضى يستهين بغلب الصعاب وما الحق الا الطماح الصراح فان رمت ترويحه فاسكب ويا فكر من مـائه فاشرب من الافرخ الزغب والشيب غضبت وحقك أن تغضبي ونهر العلى ان يثر يصخب ولم يجل عن دارنا الاجنبي يشق المصاعـب بالمنكب ويـدفع بالـناب والمخلب بغير الرجـولة لـم يطلب
    وله تحت عنوان : حدثيني
انت مثـل الشعاع يـترك في الكون راعـني منـك عبـقري جـمـال وفـم صيـغ مـن عـقـيـق ودر حذق السحر في الاحاديث والضحك وحـديـث مثـل الـربيـع شـهي ساحـر مـن نشـائد الحـب أحلى هـو زاد القـلـوب ريحانة الـفكر نـضر العـمـر في خـيالـى فود انـت زيـنـت لي الحـياة ولـولا أي سحـر هـذا الـذي فتن الروح حدثيني يسعـد بـنجـواك شـعري واغـمريني بعـطـفك الحـلو تهتز حـدثيـني فـفي حـديـثك دنـيا ودعـيــنـي أذق لـذاذة حـلـم حـدثـيني فـأنـت آه الـمـغـني وأمـانـي لا تـمـل الـتـمـني ضياء ، وفي النـواظر سحرا يملأ الارض والسماوات شعرا جل مـن صاغه عقـيقا ودرا وأصـبى فم المـحب وأغرى يغـمر النفس والجوانح عطرا ناعم مـن نداوة الفـجر أطرى ودنيـا تـموج خـمرا وزهرا القـلب لو أنه يحـدث دهـرا ك لكانت خلوا من الصفو قفرا فمر الوجـود يطـفح بـشرا ويـزد رفعة وتيـها وقـدرا لحوني وتسكب الشـعر خمرا تنثر المغـريات والفـن نثرا كل مـن ذاقـه ترنـح سكرا ونشـيد يطـوف ثغرا فثغرا وسـراب يـلـذ كرا وفـرا
    ولد عام 1908 م في دمشق نشأ ابان الحرب العالمية الاولى وشهد حياة دمشق ودرس في مكتب عنبر ابان أزمة الصراع بين الامبراطورية العثمانية والامة العربية ، كان في مطلع حياته ولوعا


(283)
بالرياضيات. عمل معلما ثم مديرا لمدرسة ( قرية منين ). اتصل بكرد علي ومعروف الارناؤوط ومجلة الزهراء ، ورافق علي الطنطاوي في دمشق وفي بغداد أثناء التدريس. احدهما يكتب والثاني ينظم. له من الدواوين ( البواكير ) و ( الاشواق ) و ( منعطف النهر ) و ( الليل المسحور ) و ( وادي الاحلام ) و ( ظلال الايام ) نشر أغلب شعره في مجلة الزهراء والرسالة وله كتاب ( الوصف والتزويق عند البحتري ) و ( اسرة الغزل في العصر الاموي ) الى بعض كتب مدرسية ، وله ايضا دراسة كاملة لنثر احمد شوقي ولكتابه ( اسواق الذهب ) وله درساة شاملة عن ( خير الدين الزكرلي ).
    انور العطار كشعراء وطنه محب للطبيعة ، متطلع الى الحياة ، حفظ في مطالع حياته اكثر من عشرة الاف بيت من جياد اشعار العرب فجاء أسلوبه كالماء الصافي ، فيه عذوبة ولين وفيه تدفق ومضاء. أحب الطبيعة وبردى وأحب لبنان وقال فيها فنونا من الشعر ، كما أحب دمشق وبغداد ودجلة والبصرة وغوطة دمشق ونظم فيها شعرا جيدا. أحب في أول عهده الاراجيز ونظم فيها كثيرا من شعره. حالف العطار الحزن والاسى في أغلب شعره وخلد مظاهر الاسى في النفس قال في قصيدة :
قلـم صاغ رائـعات المعاني يطرف النفس بالجديد ابتداعا هو من نفح خافـق عبقري تـتهامى من سنـه صيحة وجلاها مثل الضحى اللماح ويحامي عن النهى ويلاحي وهو من فيض خاطر سماح الحق فيزهي بذوده والكفاح


(284)
تطـلب في العلا مجـدا أثيلا وهم شوقا الـى أسـل العوالي ونل عـلياك في تعـب وكد تأس بسـبط احمد يـوم وافى فخط بـكربلا رحـلا كـريما رأى حـرب السهام عليه عارا وأحـيى الله مـبـدأه بـيـوم وجـرد في سبـيل الله سـيفا ولـو لـم يضـمئوه فيقـتلوه ومـذ سـاموه امـا القتل حرا تطـامن جـأشه بسبيل عـز لو أستسقى السما جادته صوبا أتمـطره السماء دما عبيـطا أقلـته الرمول لـقى طـريحا أتـوحش يثـرب مـنه قطينا فيـا حربا جنـتها كف حرب وآكلـة الكـبود تمـيس بشرا فتلـكم عيـنها بالبـشر قرت أمي لـغي دماءكـم الـزواكي فان طـلابـه أهـدى سبيلا ولا تتعـشـق الخـد الاسيلا ولا ترغب عن العليـا بديلا يجـرر للعلا بـردا طـويلا وياسرعان ما عـزم الرحيلا فجرد للعـدى سيفـا صقيلا هوى فيه على البـوغا قتيلا بحول الله لا يخـشـى فلولا لما أغـنى عـديـدهم فتيلا وامـا أن يسالمهـم ذليـلا وان أرداه منعـفـرا جـلا ولكن راح يستسقي النصولا وهل يشـفيه هاطلها غليلا بهاجرة فـما أسنى الرمولا وتحظى كـربلاء به نزيلا فسر بها وأحزنت الرسولا وكانت فيه فاطـمة ثكولا وهذي تسهر الليل الطويلا فلن تتمـتـعي الا قلـيلا
    السيد احمد ابن السيد رضا الشهير بالهندي في طليعة ادباء النجف ولد عام 1320 ه‍ في النجف ونشأ بها وتخرج على مدارسها الدينية


(285)
وأخذ عن أبيه الذي يعد شيخ الادب في العراق بل في العالم العربي ، والمترجم له كان كما يقول عنه الدجيلي في كتابه ( شعراء النجف ) سريع البديهة الى حد لا يوصف فانه أسرع من جري اليراع في القريض ، وقد جربته بمواطن عديدة فحار عقلي وطاش لبي بسرعة خاطره ، وقلا لاحظته لا يجدد النظر في قريضه فقد قال لي يوما : اني اذا اردت ان اصلح قصيدة فهو أصعب علي بكثير من نظمها وقد نشرت صحف العراق له الكثير من روائعه كمجلة الغري والاعتدال والحضارة والمصباح وغيرها. اقول ولا زلت احتفظ بقصيدة عنوانها ( لو أعلم الغيب ) نظمها بمناسبة زفافي سنة 1356 ه‍ ولم تزل في محفظتي وهي بخطه.
حسبي من العيش ما يمـضي به الحين ومـا بنـيت عـلى الآمـال شاهـقة لو أعـلم الغـيب لـم أحفـل بحادثة ولا نبـت بـي في تيـه مـرجـمة لا الـخـل شـاك ولا الايـام عاتبة هـذا زمانـك لا التـبجيل فيـه على يعطي جزافا لمـن يعـطي ، فمغتبط كم صاهل خلـته مـهرا فحـين نبت وكـم أخ لـي يـحـبونـي تحيـته يقــتص مابي مـن نقـص فينشره يهتز للقـذع شـوقا كالعـمـيد هوى سخـيمة تعـجم البـلوى مـساوئها دع نصـحك الدهـر لا تحفل بحادثة واقرأ على صـفحات الـدهر نيـته الاعتـدال جـمال غـير مصطـنع والنـاس تطـلب قـربانا لخـلتـها ما المرء لـولا كمال النفـس يرفعه وما الخمائل في الروض الاريض اذا وما حـياة امـرء يعـتز فـي زمن لم يبـق لي الـدهر من حول فأشكوه لـكن لـي بجـواد النفـس ظـاهرة شهم لخير الـورى أعـراقه ضربت لا تستـغل هـوى نفـسي العناوين حـتى تـؤيـد آمـالي البـراهيـن ولا عـرا أمـلي في الـدهر توهين من الخـيال عليها الـوهـم مسنون ولا الصروف ولا الدنيا ولا الـدين قدر ، ولا مدح من يـطريه موزون بغـير حـق وشاك منـه مغـبون بـه الـسـبيل تبنـته البـراذيـن يلـين مـسا كـما لان الثـعـابين أمـا ضـئيل ثنائي فـهو مكـنون كـأنـه بســباب الـناس مفـتون خبـرا كما تعـجم الخـيل الميادين ان كنـت رب نهى فالدهر مـجنون الكـون سفـر وأهـلوه المـضامين والـدوح أجـمل مـا فيـه الافانين والصدق أفـضل ما تأتـي القرابين لولا السنا فهـلال الافق عرجـون كـم الهـزار ولم تـزه الـرياحين تصول فيه عـلى الاسـد السراحين والطير أرخـم صوتا وهو مسجون من المـسرة فيـها البـشر مقرون لـما نمـا مجـده الغـر المـيامين
ادب الطف الجزء العاشر ::: فهرس