ادب الطف ـ المجلد الثاني ::: 211 ـ 225
(211)
كيف الثناء على النجوم إذا سمت أغنى طلوع الشمس عن أوصافها فوق العيون الى مدى أبعادها بجلالها وضيائهـا وبعـادها
    وقال أيضا يرثيه عليه السلام في يوم عاشوراء سنة 395 :
ورائك عن شـاك قـليل الـعوائــد توزّع بين النجــم والدمـع طــرفه ذكرتكـم ذكـر الصـبا بـعد عهـده اذا جـانبوني جانبـاً مـن وصـالهم هي الدار لا شـوقـي القديم بنـاقص ولي كـبد مقـروحة لـو أضـاعها تأوّبنـي (1) داءٌ مـن الـهم لـم يزل تذكرتُ يوم السبـط مـن آل هاشـم وظام يريغ الـماء قد حـيل دونـه أتاحـوا له مرّ الـموارد بــالقـنا بنى لـهم الـماضون آســاس هذه رمونا كما يرمى الظماء عن الروى ويا رب سـاع فـي الليالـي لقاعد أضاعوا نفـوساً بالـرماح ضياعها أألله ما تـنفـك في صـفحـاتـها لئن رقـد النُصّار عمـا أصابنـا لقـد علقـوها بالنـبي خصـومـة ويـا رب أدنـى من أمـية لـحمة تقلبه بالــرمل أيـدي الأبـاعـدِ بمطروفة انسـانـها غيــر راقد قضى وطراً مـني وليـس بـعائد علقـت بأطـراف المنى والمواعد اليهـا ولا دمعـي عليـها بـجامد من السقم غيري ما بغاهـا بناشـد بقلبي حتى عادني مـنه عـائـدي وما يومنا مـن آل حـربٍ بـواحد سـقوه ذبابـات الرقـاق الـبوارد على ما أبـاحوا من عذاب الموارد فعلّوا على أسـاس تــلك القواعد يذودوننا عـن إرث جـدٍ ووالـد على ما رأى بل كل سـاع لـقاعد يعز على الـباغـين منها النواشـد خموشٌ لكلب مـن أمـية عـاقـد فمـا الله عـما نـيل منّـا براقـد الى الله تغـني عـن يـمين وشاهد رمـونا عن الشنان (2) رمي الجلامد

1 ـ تأويني : راجعني.
2 ـ الشنأن : البغض.


(212)
طبعـنا لـهـم سيـفاً فـكـنا لحـدّه الا لـيـس فعل الأولـين وان عـلا يريدون أن نرضى وقد منعوا الرضى كذبتك إن نازعـتـني الحق ظـالماً ضرائب عن أيمانهم والسواعد على قبح فـعل الآخرين بزائد لسير بني أعمامنا غـير قاصد إذا قلت يوماً أنـني غير واجد
    وللسيد الرضى رضي الله عنه في رثاء جده الحسين عليه السلام في عاشوراء سنة 377 :
صاحت بذودي بغـداد فـانسنـي وكلما هجهجت بـي عن مباركها أطغى علـى قاطنيها غير مكترث خطب يهددني بالبعد عـن وطني إني وإن سـامني ما لا أقـاومه عجلان ألـبس وجهي كل داجية ورب قائلـة والـهمّ يـتحفـني خفّض عليك فلـلا حزان آونـة فقلت هيهات فـات السمع لائمه يوم حدى الظعن فيه لابن فاطمة وخرّ للمـوت لا كـفٌ تـقلّبه ظمآن سلـّى نجـيع الطعن غلّته كأن بيض المواضي وهي تنهبُه لله ملقى على الرمضاء غصّ به تحنو عليه الربى ظـلاً وتستره تهابه الوحش ان تدنو لمصرعه ومورد غمرات الضرب غرّته ومستطيل على الأيـام يقدرها تقلّبي في ظهور الـخيل والعيرِ عارضتها بجنان غـير مذعور وافعل الفـعل فيها غـير مأمور وما خلقت لغير السـرج والكورِ فقد نجوت وقد حـي غير مقمور والبر عَريان من ظـبي ويعفور بناظر من نطاف الدمـع ممطور وما المقيم علـى حـزن بمعذور لا يعرف الحزن إلا يوم عاشور سنان مطرّد الكـعبين مطـرور إلا بوطيء من الجـرد المحاضير عن بارد من عباب الماء مقرور نار تحكـّم في جسـم من النورِ فم الردى بـعد إقـدام وتشـمير عن النواظـر أذيـال الاعاصير وقد أقـام ثـلاثاً غـير مـقبورٍ جرت علـيه الـمنايا بالمصادير جَنىُ الزمان علـيه بالمقـاديـر


(213)
أغرى به ابن زياد لـؤم عنصـره وودّ أن يتـلافى مـا جـنـت يده تسبى بـنات رسـول الله بيـنهـم إن يظـفر الموت منه بابـن منجبة يلقى القنا بجبين شـان صـفـحته من بعد ما ردّ أطراف الرمـاح به والنقع يسحب مـن اذيــاله ولـه في فيلق شرق بالبيـض تحـسـبه بني امـية مـا الأسـياف نائـمة والبارقات تلـوّى فـي مغامـدها إني لأرقب يــوماً لاخـفاء لـه وللصوارم مـا شـاءت مضاربها أكلّ يوم لآل الـمصـطفى قـمرٌ وكل يـوم لـهم بيضـاء صافية مغوار قوم يروع المـوت من يده وأبيض الـوجه مشـهور تغطرفه مالي تعجـبت من هـمي ونـفرته باي طرف أرى العلياء ان نُضبت القى الزمـان بكـلمٍ غيـر مندمل يا جد لا زال لـي همّ يحـرّضني والــدمع تحـفره عيـنٌ مؤرقة إن السـلو لمحظور عـلى كبدي وسعــيه ليـزيـد غـير مـشكـور وكـان ذلـك كســراً غير مجبـورِ والدين غض المبـادي غيـر مستـور فطـالـما عــاد ريـّان الاظـافـير وقع القـنـا بيـن تضمـيخٍ وتعـفير قلـب فسـيحٌ ورأيٌ غير مـحـصور علـى الغـزالـة جيـب غير مزرور بـرق تـدلـّى عـلى الآكام والقـور (1) عن ساهر في أقاصـي الارض موتور والسابقات تمــطّى فـي الـمضامير عريان يقــلق منـه كـل مغـرور مـن الرقـاب شرابٌ غـير مـنزور يهوى بـوقع الـعوالي والمــباتيـر يشوبـها الدهـر مـن رنق وتكديـر أمسـى وأصبـح نـهباً لـلمغاويـر مضى بيـوم من الأيـام مشـهـور والحزن جـرح بقلبي غـير مـسبور عيني ولـجلجـت عنهـا بالمعاذيـر عمر الزمـان وقـلب غير مسـرور على الدمـوع ووجـد غير مقـهور خفر الحــنيّة عن نـزع وتوتـير (1) وما السلـو علـى قلـبٍ بمحظـور

1 ـ القور جمع قارة : الجبيل الصغير.
2 ـ الخفر : الدفع. والحنية القوس.


(214)
    وقال يرثي جده الشهيد :
راحـل أنــت والـليالـي نزول لا شـجـاعٌ يـبقــى فيعـتـنق غاية النـاس فـي الزمـان فَـناء إنما المــرء للـمنـيّة مخـبوءٌ مَن مقـيل بيـن الـضلـوع إلى فهو كالغــيم ألّـفتـه جــنوبٌ عـادة للزمـان فـي كـل يـومٍ فالليالي عون علـيك مـع البيـن ربما وافـق الفـتى مـن زمـانٍ هي دنيـا إن واصـلـت ذا جفت كل بـاك يبــكى علــيه وإن والأمـانيّ حــسـرة وعـنـاء ما يُبالـي الحِمـام أيـن تـرقـّى أيّ يوم أدمـى المـدامـع فـيـه يوم عاشــورٍ الـذي لا أعـان يا إبن بنـت الـرسول ضيّعـت ما أطاعوا النبي فيك وقـد مـالت وأحالوا على المـقادير في حربك وإستــقالـوا مـن بـعــد ما إنّ أمـراً قـنّـعت مـن دونــه يا حساماً فلّت مضـاربـه الهـام يا جـواداً أدمـى الـجـواد مـن حَجـّل الخيـل مـن دماء الأعادي يوم طاحت أيدي السـوابق في أتُرانـي أعـير وجـهـي صـوناً ومضرّ بـك البـقاء الطـويـل البيـض ولا آمـلٌ ولا مأمـول وكـذا غايـة الـغصون الذبـول ولـلطـعن تسـتجمّ الـخيــول طول عنـاءٍ وفـي الـتراب مقيل يــوم دجـنٍ ومـزّقـته قـبول يـتنـايء خِـلٌ وتـبـكي طـلول كــما سـاعـد الـذوابل طـول فـرحٌ غـيره بــه متــبـول هـذا مـلالاً كـأنهـا عـطـبول طال بقـاءُ والـثاكـل المـثكـول لـلـذي ظـن إنـهـا تعـلـيـل بعدمـا غالـت إبن فاطـم غـول حـادث رائـع وخـطب جلــيل الـصحب فـيه ولا أجـار القبـيل العهدَ رجالٌ والمـحافظـون قـليل بـأرمـاحـهـم إلـيـك الذحـول لـو أن عـذرهـم مـقــبــول أجلبوا فيهـا أألآن أيـها الـمستقيل السيف لمن حـازه لـمرعـى وبيل وقـد فـلـّه الحسـام الصقــيل الطـعن وولـّى ونحـره مبـلـول يوم يبدو طعـن وتخفى حـجـول النقع وفاض الونـى وغـاض الصـهيل وعـلى وجهــه تجـول الخيـولُ


(215)
أتـرانــي ألـذّ مـاءً ولـمـا قبلتـه الــرماح وانتـضلـت والسبايـا على النجائب تستـاق من قلوب يـدمى بها ناظر قد سُـلبن الـقناع عن كلّ وجهٍ ، وتنقّبـن بالأنامـل والدمعُ على وتشاكـين والشــكاةُ بـكـاءٌ لا يـغبّ الـحـادي الـعنـيف ياغريب الديار صبري غريبٌ بي نـزاع يطــغي الـيك لـيت أنـي ضـجيع قبرك أو لا أغبّ الطـفوف في كل يوم مطـرٌ ناعــم وريـح شمال يا بني أحـمدٍ الى كـم سناني وجيادي مـربوطة والـمطايا كم الى كم تـعلـو الطغاة وكم قد أذاع الـغلـيل قـلبي ولكن ليت أني أبـقـى فامترق الناس وأجرّ القنا لثـاراتِ يوم الطف صبغ القلب حبكم صبغة الشيب انـا مولاكم وان كـنت مـنكم وإذا الناس أدركوا غايـة الفخر يفرح الناس بي لأنـي فـضلٌ فهـم بيـن منشـدٍ ما أفـقـّيه ليت شعري مَن لائمي في مقال يُروَ مِن مهجة الامـام الغليـل فيه المنايا وعانقـته النـصول وقد نالـت الجيـوبَ الذيـول الـوجد ومن أدمع مرآها الهمول فيه للـصون مـن قناعٍ بديـل كـل ذي نـقــابٍ دلــيـل وتنـاديـن والـنداء عـويـل ولا يفترّ عن رنّة العديل العديل وقتيلَ الأعـداءِ نـومـي قتيل وشـوق وغرام وزفرة وعـويل أن ثـراه بـمدمعــي مطلول من طراق الأنواءِ غـيث هطول ونسـيم غـضّ وظــلّ ظليل غائب عـن طعـانه مـمطول ومقامي يـروع عنـه الدخـيل يحكم في كل فاضـل مفضـول غير بـدع أن استطـبّ العليـل وفـي الكـفّ صـارم مسـلول يـستلـحق الـرعيـل الرعـيل وشـيبي لـولا الـردى لا يحول والـدي حيـدر وأمـي البـتول شـأآهم مَـن قال جـدي الرسول والأنام الــذي أراه فـضـول سـروراً وسـامع مـا أقــول ترتضيــه خـواطـر وعقـول


(216)
    الشريف الرضي ذو الحسبين أبو الحسن محمد بن الطاهر ذي المنقبتين ابي احمد الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن ابراهيم بن موسى بن جعفر عليه السلام.
    ولد سنة 359 ببغداد وتوفي سنة 406 في السادس من المحرم ودفن بداره في بغداد ثم نقل الى مشهد الحسين عليه السلام بكربلا.
    نظم الشعر في عهد الطفولة ولم يزد عمره على عشر سنين فأجاد وحلق وحاز قصب السبق بغير منازع ، ولم تكن للرضي سقطات كما لغيره من الشعراء.
    أما إباؤه وعزه نفسه فكان لا يرى أحق بالخلافة منه فاسمعه حيث يقول :
ما مقامي عـلى الهوان وعـندي وإباء محلّق بي عـن الـضيـم أحمل الضيم في بلاد الأعـادي من أبوه ابي ومولاه مــولاي لـفّ عـرقي بعـرقه ســيد إن ذلـي بـذلـك الجـوّ عـزٌ قد يذل العـزيـز ما لـم يشمّر إن شراً علـيّ إسـراع عزمي أرتضي بـالأذى ولم يقف العز كالذي يـخبط الـظلام وقد أقمر مقول صـارمٌ وأنـف حميّ كمـا راغ طـائر وحـشـيّ وبـمصر الخـليفة الـعلويّ اذا ضامني البعـيد الـقصيّ الناس جميعاً محـمد وعلـيّ وأوامي بـذلـك النـقع ريّ لانطلاق وقـد يظـام الابيّ في طلاب العلى وحظي بطيّ م قصوراً ولم تــعزّ المطيّ من خلفـه النهـار المـضيّ
    قال ابن أبي الحديد كان الرضي لعلوّ همته تنازعه نفسه الى أمور عظيمة يجيش بها خاطره وينظمها في شعره ولا يجد من الدهر عليها مساعداً فيذوب
1 ـ الذمر : الملامة والحض والتهدد.

(217)
كمداً ويفنى وجدا حتى توفي ولم يبلغ عرضا فمن ذلك قوله :
ما أنا لعلـيـاء إن لـم يـكن ولا مشت بي الخيل إن لم أطأ من ولدي ما كان من والدي سرير هذا الاصيد الـماجد
    وحسبك من جرأته وعلوّ نفسه ما خاطب به القادر بالله الخليفة العباسي :
عطفا أمير المؤمنين فإننا ما بيننا يوم الفخار تفاوت إلا الخلافة ميزتـك فإنني في دوحة العلـياء لا نتفرق أبداً كلانا في المعالي مُعرق انا عاطل منها وأنت مطوق
    فقال له القادر بالله : على رغم انف الشريف. وروى أنه كان يوماً عند الخليفة الطايع بالله العباسي وهو يعبث بلحيته ويرفعها الى أنفه فقال له الطائع : أظنك تشم منها رائحة الخلافة ، قال : بل رائحة البنوة. وكان يلقب بذي الحسبين. لقّبه بذلك بهاء الدولة بن بويه ، وكان يخاطبه بالشريف الأجل.
    قال صاحب عمدة الطالب : كانت له هيبة وجلالة وفيه ورع وعفة وتقشف ومراعاة للأهل والعشيرة ، ولي نقابة الطالبيين مراراً وكانت له إمارة الحج والمظالم كان يتولى ذلك نيابة عن أبيه ذي المناقب ثم تولى ذلك بعد أبيه مستقلا ، وحج بالناس مرّات.
    وهو اول طالبي جعل عليه السواد. وكان أوحد علماء عصره واتصف الشريف الرضي بإباء النفس وعلوّ الهمة وكان رفيع المنزلة سامي المكانة يطمح الى معالي الامور ، وبلغ من ابائه وعفته انه لم يقبل من احد صلة أو جائزة وتشدد في ذلك فرفض قبول ما يجريه الملوك والأمراء على أبيه من الصلاة والهبات مدة حياته ، وبذل آل بويه كل ما في وسعهم لحمله على قبول صلاتهم فلم يقبل وقال ـ وقد ساءه أمر صدر من أبيه ومن أخيه ـ


(218)
تهضمـني مـَن لا يكـون لغيره إذا اضطرمت ما بين جنبيّ غصة شفعت الى نفسي لنفسـي فكفكفت من الناس إطراقي على الهون أو أغضي وكاد فمي يمضي من الــقول ما يمضي من الغيظ واستعطفت بعضىٍ على بعضي
    أما مكانته العلمية فهو أوحد علماء عصره وقد قيل ان الرضي أعلم الشعراء لولا المرتضى ، والمرتضي اشعر العلماء لولا الرضي. وهذه مؤلفاته تعطينا صورة جلية عن براعته فهذا ( حقائق التأويل في متشابه التنزيل ) كما يقول ابن جني ـ صنّف الرضي كتابا في معاني القرآن الكريم يتعذر وجود مثله. وكتاب ( المجازات النبوية ) و ( تلخيص البيان عن مجازات القرآن ) وغيرها. وهو الذي جمع كلام امير المؤمنين واسماه نهج البلاغة قال السيد الامين في الجزء الاول من الاعيان : والشريف الرضي محمد بن الحسين الذي قيل فيه انه افصح قريش الذين هم أفصح العرب لأنه مكثر مجيد ولأن المجيد من الشعراء ليس بمكثر والمكثر ليس بمجيد ، والرضي جمع بين الاكثار والاجادة وامره في الورع والفضل والعلم والادب وعفة النفس وعلو الهمة والجلالة اشهر من أن يذكر. اقول وكفى بعظمته أن تكون فيه اللياقة والأهلية لأن ينسب الناس اليه نهج البلاغة وهل يليق بأحد كلام سيد البلغاء وإمام الفصحاء وهو فوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق وتظهر عظمة السيد من تعليقه على كلام الامام وتقريضه له وشرحه لمفرداته. قالوا عن السيد الرضي رحمه الله : ولما تمّ وكمل بدره وبلغ سبع واربعين عمره اختار الله له دار بقاءه فناداه ولباه وفارق دنياه وذلك في بكرة يوم الاحد لست خلون من المحرم سنة ست وأربعمائة فقامت عليه نوادب الأدب وانثلم حد القلم وفقدت عين الفضل قرّتها وجبهة الدهر غرّتها وبكاه الأفاضل مع الفضائل ورثاه الأكارم مع المكارم على أنه ما مات من لم يمت ذكره وخلد مع الأيام نظمه وونثره والله يتولاه بعفوه وغفرانه ويحييه بروحه وريحانه ، لما قضى نحبه حضر الوزير فخر الملك وجميع الأعيان والاشراف والقضاة جنازته والصلاة عليه ومضى


(219)
أخوه السيد المرتضى من جزعه عليه الى مشهد جده موسى بن جعفر عليه السلام لأنه لم يستطع أن ينظر الى جنازة أخيه ودفنه ، وصلى عليه فخر الملك أبو غالب ومضى بنفسه آخر النهار الى السيد المرتضى الى المشهد الكاظمي فالزمه بالعود الى داره ورثاه أخوه المرتضى بأبيات منها :
يا للرجال لفجعة جذمت يـدي ما زلت أحذر وردها حتى أتت ومطلـتها زمـناً فلما صممت لله عمرك مـن قصـير طاهر ووددت لو ذهبت علـيّ برأسي فحسوتها في بعض ما أنا حاسي لم يثنها مطـلي وطـول مكاسي ولرب عـمـر طـال بالادناس
    ورثاه تلميذه مهيار الديلمي بقصيدة منها (1) :
بكر النعيّ من الرضى بمالك كلح الصـباح بموته عن ليلة بالفارس العلوي شق غبارها سلب العشيرة يومه مصباحها برهان حجتها التي بهرت به غايــاتـها مـتعوداً قدامـَهـا نفضت على وجه الصباح ظلامها والناطق العـربي شقّ كلامـهـا مصـلاحهـا عمّالـها علامهـا أعداءها وتـقدمــت اعمامهـا
    قال السيد الأجل السيد علي خان رحمه الله في أنوار الربيع : وشقت هذه المرثية على جماعة ممن كان يحسد الرضي رضي الله تعالى عنه على الفضل في حياته أن يرثى بمثلها بعد وفاته فرثاه بقصيدة أخرى مطلعها في براعة الاستهلال كالاولى وهو :
1 ـ وأولها :
من جب غارب هاشم وسنامها وغزى قـريشاً بالبطاح فلفّها ولوي لوياً فاستزل مقامَها بيدٍ وقوض عزها وخيامها
ومنها :
ابكيك للدنـيا الـتي طلقتـها ورميت غاربها بفضلة معرض وقد اصطفتك شبابها وغرامها زهداً وقد القت اليك زمامـها


(220)
أقريش لا لفم أراك ولا يد فتواكلي غاض الندى وخلا الندي
    وما زلت معجباً بقوله منها :
بكر النعي فقال أودى خيرها إن كان يصدق فالرضي هو الردي
    وما أحسن قوله من جملتها :
يا ناشد الحسـنات طـوّف فالياً (1) اهبط الى مضرٍ فسل حمراءهـا فجعت بمعـجز آيـة مشـهودة كانت إذا هي في الامامة نوزعت تبعتك عاقـدة عليـك امـورَها ورآك طـفلا شيبُـها وكهولـها عنها وعـاد كـأنه لـم يَـنشـُدِ مَن صاح بالبطحاء يا نار احمدي ولـربّ آيـاتٍ لها لـم تُشـهـدِ ثم ادعـت بك حـقها لـم تُجـحد وعُـرى تميمك (2) بعدُ لمّـا تعقـد فتزحزحوا لك عـن مكـان السيد
    ولد الرضي سنة تسع وخمسين وثلثمائة ، وتوفي يوم الأحد سادس المحرم سنة ست واربعمائة ودفن في داره ثم نقل الى مشهد الحسين « ع » فدفن عند ابيه. وابوه الطاهر ذو المناقب الشريف الأوحد نقيب النقباء امير الحجيج السفير بين الملوك ، امه موسوية. ولي القضاء بين الطالبيين وخصومهم من العامة.
    وجاء في ص 339 من السنة 3 من مجلة المرشد البغدادية هكذا.
    موسى ( الابرش ) ابن محمد ( الاعرج ) ابن موسى ( ابي سبحة ) ابن ابراهيم ( المرتضى ) ابن الامام موسى الكاظم عليه السلام وهو جد المرتضى والرضي.
1 ـ فالياً : باحثاً.
2 ـ التميمة ما يعلّق في عنق الصبي اتقاء من العين.


(221)
    أقول : والد المرتضى والرضي هو احمد الطاهر الحسين بن موسى الذي يسمى بالابرش.
    وقال السيد حسن الصدر قدس سره في كتابه ( نزهة اهل الحرمين ) : لقد تعرضتُ في تكملة امل الامل الى تحقيق قبري السيدين المرتضى والرضي وانهما في كربلاء ، وان المكان المعروف في بلد الكاظمية بقبرهما هو موضع دفنهما فيه أولاً ثم نقلا منه الى كربلاء ، ولا بأس بزيارتهما في هذا الموضع أيضا ، وإنما أبقوه كذلك لعظم شأنهما.
    قال رحمه الله يفتخر بأهل البيت عليهم السلام ويذكر قبورهم ويتشوقها :
ألا لله بـادرة الـطـــلاب وكـل مشـمر البـردين يهوي أعاتـبه علـى بعـد التـنائي رأيـت العجـز يخـضع لليالي ولولا صولـة الايـام دونـي ومن شيم الفتــى العربي فينا له كذب الوعيد مـن الاعـادي سـأدرّع الصـوارم والعـوالي واشتـمل الدجى والركب يمضي وكم لـيل عـبأت لـه المطايـا لقيت الارض شاحبـة الـمحيا فزعت الى الشحوب وكنت طلقا ولم نرَ مثل مبيـض النواحـي أبيت مـضاجعاً أملـي وإنـي وعزم لا يـروّع بالـعـتاب هوي المصلتات (1) الى الرقاب ويعذلني عـلى قـرب الاياب ويرضى عن نوائبها الغضاب هجمت على العلى من كل باب وصال البيض والخيل العراب ومن عـاداته صدق الضراب وما عرّيت من خلـع الشباب مضاء السيف شذّ عن القراب ونار الحـي حـائرة الشهاب تلاعـب بالضراغـم والذئاب كما فزع المشيب الى الخضاب تـعـذبه بمـسـوّد الإهـاب أرى الآمـال أشقـى للركاب

1 ـ المصلتات : السيوف.

(222)
إذا ما اليـأس خـيّبنا رجـونا أقول اذا استطـار من السواري كأن الجـو غـصّ بـه فأومى جدير أن تصـافحـه الفـيافي اذا هـتم (2) التـلاع رأيت منه سقى الله المـدينـة من مـحلٍ وجاد علـى البقيـع وساكنيـه وأعلام الغري ومـا اسـتباحت وقبراً بالطفوف يضـم شلـواً وسامراً وبـغداداً وطــوسـاً قبور تنطـف الـعبـرات فيها فلو بخـل السحاب عـلى ثراها سقاك فكـم ظمئت اليـك شوقاً تجافي يـا جنوب الريـح عني ولا تسـري إليّ مع الـليالـي قلـيل أن تقـاد لـه الغـوادي أما شـَرق التـراب بسـاكنيـه فكم غدت الضغائن وهي سكرى صـلاة الله تخفـق كل يــوم وإني لا أزال اكـرّ عزمــي واخترق الرياح الـى نســيم بودي ان تطاوعنـي الليــالي فشجعـنا الرجاء على الـطلاب زفون القطـر رقـاص الحـباب (1) ليـقـذفه على قمــم الشـعاب ويسحـب فوقهـا عـذب الرباب رضاباً فـي ثـنيـّات الهضـاب لبـاب الـماء والنـطف الـعذاب رخـيّ الـذيل ملآن الـوطــاب معـالمها مـن الحـسب اللبــاب قضى ظـمأ الـى بَـرد الشـراب هطول الـودق منخـرق الـعباب كما نطف الصبير (3) على الروابي لذابـت فوقهـا قـطـع الـسراب علـى عُدواء داري واقـتـرابـي وصوني فضل بردك عن جنـابي وما استـحقبت مـن ذاك التـراب وتنـحر فـيه أعنـاق السـحـاب فيلفـظهـم الـى النعـم الـرغاب تـديـر عليـهم كـاس المصـاب عـلى تـلـك الـمعالم والقــباب وإن قـلّت مسـاعـدة الـصحـاب تطلـع من تـراب أبـي تــراب وينشـب في الـمنى ظفـري ونابي

1 ـ السواري : جمع سارية السحاب. زفون القطر : دفاع المطر. الحباب : فقاقيع الماء.
2 ـ الهتم : كسر الثنايا من أصلها.
3 ـ الصبير : السحاب الذي يصير بعضه فوق بعض.


(223)
فارمـي العيس نـحوكم سـهاماً ترامـى بالـلغـام علـى طلاها وأجنَب بينها خــرق المـذاكي لـعلي أن ابــلّ بكـم غلـيلاً فـما لـقيـاكــم إلا دلــيل ولـي قبـران بالزوراء أشـفي أقـود اليهـما نفســي واهدي لقائــهما يطهـر من جـناني قسيـم النار جـدي يـوم يلقى وساقـي الخلق والمهجات حرّى ومـن سمـحت بخـاتمه يمين اما فـي باب خيبر معجـزات ارادت كـيــده والله يـأبـى أهذا البـدر يكسـف بـالدياجي وكان إذا استـطال عليه جـانٍ أرى شـعبان يـذكرني اشتياقي بكم في الشعر فخري لا بشعري اجلّ عـن القـبائح غيـر أني فأجـهـر بـالولاء ولا أورّي ومَـن أولى بكـم منـي وليّـاً محبكم ولــو بغضت حيـاتي تباعد بيــننا غـِيَرُ الليـالـي تغلغـل بيـن أحشاء الروابـي كما انـحدر الغـثاء عن العُقاب (1) فأملي باللـغـام عـلـى اللغاب تغلغل بيـن قلـبي والـحـجاب على كـنز الغـنيمــة والثواب بقربهما نـزاعـي واكـتـئابي سلاماً لا يـحيد عـن الجـواب ويدرأ عن ردائـي كـل عـاب به بـاب النجـاة مـن الـعذاب وفاتحـة الصراط الى الحـساب تضـن بكـل عالـية الـكعاب تـصـدق أو مناجـاة الحُبـاب فجاء النصر مـن قبـل الغراب وهذي الشمس تطمس بالـضباب يرى ترك العقاب مـن الـعقاب فمن لي أن يذكـركـم ثـوابـي وعنكـم طال بـاعي في الخطاب لكم أرمـي وأرمـى بـالسبـاب وأنـطق بالـبراء ولا أحـابـي وفـي أيـديكـم طـرف انتسابي وزائركــم ولو عقرت ركابـي ومرجعنـا الى الـنسب الـقراب (2)

1 ـ اللغام : لعاب الابل والطلى العنق والغثاء البالي من ورق الشجر المخالط زبد السيل والعقاب جمع عقبة مرقى صعب من الجبال.
2 ـ القراب : القريب.


(224)
    وقال وقد بلغه عن بعض قريش افتخار على ولد أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام :
يُفاخرنـا قومٌ بمـن لـم يَلدهم وينسون مـَن لو قدموه لقدّموا فتى هاشم بعـد النبـي وباعها ولولا عليٌ ما علوا سـرواتها أخذنا عليهـم بالنـبي وفاطم وطلنا بسبطي احـمد ووصيه وحُزناً عتيقاًوهو غاية فخركم فجدّ نبيٍّ ثـم جـدّ خلـيـفة وما افتخرت بعد النبي بغيره بتيم اذا عدّ السـوابق أو عـدي عذار جواد في الجـياد مقلــُد لمرمى عُلى أو نيل مجـد وسؤدد ولا جعجعوا منها بمرعى ومورد طلاع المساعي من مقـام ومقعد رقاب الورى من متهمين ومنجد بمولد بنـت القـاسم بن محـمد فما بعـد جدّينـا علـيٍ واحـمد يد صفقـت يـوم البياع على يد
    وفي ثنايا شعره يتمدح كثيراً بجده الحسين سيد أهل الاباء قال من قصيدة :
وجدى خابط البـيداء حتى قضى وجياده حول المعالى تكفّنه شَبا بيـض المواضي تبدّى الماء من ثَغَب الرعان ووفد ضيوفه حـول الجفان ويغسـله دم السمـر اللدان
    ومن روائعه التي سارت مسير الامثال :
الا إن رمحاً لا يصول لنبعة وإن حساماً لا يقد قطيعُ
    وقوله :
وموت الفتى خير له من حياته اذا جاور الايام وهو ذليل
    وقوله :
اذا العدو عصاني خاف حدّيدي وعرضه آمن من هاجرات فمي


(225)
    وقوله :
تشفّ خلال المرء لي قبل نطقه وقبل سؤالي عنه في القوم ما اسمه
    وقوله :
يمضي الزمان ولا نحسّ كأنه ريح يمرّ ولا يشم نسيمها
    وقوله :
فليت كريم قوم نال عرضي ولم يدنس بذم من لئيم
    وقوله :
ومنظر كان بالسراء يضحكني يا قرب ما عاد بالضراء يبكيني
    وقوله :
يا قوم ان طويل الحلم مفسدة وربما ضرّ إبقاء وإحسان
    وقوله :
وما تنفع المرء الشمال وحيدة اذا فارقتها بالمنون يمينُ
    وقوله :
لا تجعلن دليل المرء صورته كم مخبر سمج عن منظر حسنِ
    وقوله :
اذا ما الحُرّ أجدب في زمان فعفّته له زاد وماء
    وقوله :
أوطأتموه على جمر العقوق ولو لم يُحرج الليث لم يخرج من الاجم
ادب الطف ـ المجلد الثاني ::: فهرس