أدَبُ الطّفّ ـ المجلد الثالث ::: 136 ـ 150
(136)
    أبو المعالي بعد العزيز بن الحسين بن الحبّاب الأغلبي السعدي الصقلي المعروف بالقاضي الجليس ، قال الشيخ الاميني في ( الغدير ) هو من مقدمي شعراء مصر وكتابهم ومن ندماء الملك الصالح طلايع بن رزيك ترجمه ابن شاكر في ( فوات الوفيات ) ج 1 ص 278 فقال : تولى ديوان الانشاء للفائز مع الموفق ابن الخلال ومن شعره :
ومن عجبي ان الصوارم والقنا وأعجب من ذا انها في اكفهم تحيض بأيدي القوم وهي ذكور تأجج نـاراً والأكـفُ بحـور
    كان القاضي الجليس كبير الانف. قال الشيخ وهو ممن اغرق نزعا في موالاة العترة الطاهرة وقال : ذكر سيدنا العلامة السيد احمد العطار البغدادي في الجزء الاول من كتابه ( الرائق ) جملة من شعر شاعرنا الجليس منها قصيدة يرثي بها آل البيت ويمدح الملك الصالح بن رزّيك ويذكر مواقفه المشكورة في خدمة آل الله أولها :
لولا مجانبة الملوك الشاني ما تمِّ شاني في الغرام بشاني
    وقصيدة في رثاء العترة الطاهرة تناهز 66 بيتاً مطلعها :
ارأيت جرأة طيف هذا الزائر ما هاب عادية الغيور الزاير
    وقصيدة 62 بيتاً في إمامة امير المؤمنين عليه السلام ويرثي السبط الحسين عليه السلام ، أولها :
الأهل لدمعي في الغمام رسولُ وهل لي الى برد الغليل سبيل


(137)
    وفي خريدة القصر :
القاضي الجليس : أبو المعالي عبد العزيز بن الحسين
ابن الحبّاب الأغلي : السعدي التميمي
    جليس صاحب مصر ، فضله مشهور ، وشعره مأثور ، وقد كان أوحد عصره في مصره نظما ونثراً ، وترسلا وشعراً ، ومات بها في سنة إحدى وستين وخمسمائة ، وقد أناف على السبعين. ومن شعره :
لا تعجبي من صدّه ونـفاره لم تترك الستون إذ نزلت به لولا المشيبُ لكنتُ من زوّاره من عهد صبوته سوى تذكاره
    وله :
حيَّى بـتفاحـةٍ مخضّبـة فقلت ما إن رأيت مشبهها من شفني حـبُّه وتيّمني فاحمرَّ من خجلة فكذَّبني
    ومن شعره :
وسما يكفُّ الحافظُ المنصور آواهـم كـرمــاً وصـا عنا المـحـل كفـّا ن حريمهم فعنا وعفَّا
    وأنشدني له الشريف ادريس الادريسي قصيدة سيَّرها إلى الصالح بن رزيك قبل وزارنه يحرضه على ادراك ثأر الظافر وكان عباس وزيرهم قتله وقتل أخويه يوسف وجبريل يقول فيها :
فأين بنو رزّيـك عنها ونصرهم فلو عاينت عيناك بالقصر يومهم وما لهم من منـعة وذيـاد ومصرعهم لم تكتحل برقاد


(138)
تدارك من الايمان قبل دثوره فمزق جموع المارقين فإنها حشاشة نفس آذنت بنـفاد بقايا زروع آذنت بحصاد
    وله فيه من أخرى في هذه الحادثة :
ولـما تـرامي الـبربريُّ بجهـله ركبت إليه مـتن عـزمتك الـتي وقُدَت لـه الجرد الخـفـاف كأنما تجـافـت عن الماء القراح فريها وقمت بحـق الطـالبيـين طـالبا أعدت اليهـم ملكهم بعـدمـا لوى فمـا غالب إلا بنصـرك غـالب فأدرك بثأر الدين مـنه ولـم تزل إلى فـتكـة مـا رامها قط رائم بأمثالها تلـقى الخـطوب العظائم قوائمـهـا عـند الطـرد قـوادم دماء العدا فهي الصوادي الصوادم وغيرك يغـضى دونـه ويسـالم به غاصـب حق الامانـة ظالـم وما هاشمِ إلا بـسيـفك هـاشـم عن الحق بالبيض الرقاق تخاصم
    وانشدني الأمير العضد مرهف للجليس يخاطب الرشيد بن الزبير في معنى نكبة خاله الموفق :
تسمع مقالي يا ابن الرشيد بلينا بذي نشـب سـائـل إذا ناله الخـير لـم نرجه فأنت حقيـق بأن تسمعه قليل الجدا في أوان الدعه وإن صفعوه صفعنا معه
    وأنشدني بعض فضلاء مصر لأبن الحبّاب :
سيوفك لا يفلُّ لها غرار (1) فنوم المارقين بها غرار (2)

1 ـ الغرار : حد السيف
2 ـ الغرار ، النوم القليل.


(139)
يُجرّدهـا إذا أُحـرجتَ سخطٌ طريدك لا يـفوتك منـه ثـأر وفيما نلـته مـن كـل بـاغ فمرُ يا صالح الأمـلاك فيـنا فقـد شفـعت إلـى ما تبتغيه ولو نوت النجوم لـه خلافـاً على قـومٍ ويـغمدها اغتفـار وخصــمك لا يـقال له عثار لمن ناواك ـ لو عقل ـ اعتبار بمـا تخـتاره فـلك الـخـيار لـك الأقـدار والفـلك الـمدار هوت في الجو [ يذروهـا ] انتثار
    ومنها :
عدلت وقد قسمت وكـم ملـوك ففي يد جـاحـد الإحسـان غلُّ لقد طمحت بـطرخان (1) أمانٍ وحاول خطـةً فيـها شمـاس هل الحسـب الفـتيُّ بمستقـلٍ أتتك بحـائن قـدمـاه سعـياً وشــان قرينـه لمـا أتـاه أرادوا العدل في قَسمٍ فجاروا وفي يد حـامد النعمى سوار له ولـمـثله فـيها بــوار على أمثـالـه وبـها نـفار إذا ما عزَّه الحسـب النضار كما يَسـعى إلى الأسد الحمار كما قد شان أسـرتـه قُـدار (2)
    وأنشدني بمصر ولده القاضي الأشرف أبو البركات عبد القوي لوالده الجليس من قطعة كتبها إلى ابن رزيك في مرضه يشكو طبيباً يقال له ابن السديد على سبيل المداعبة :
وأصل بليـتي مَـن قـد غزاني طــبيب طبـه كـغراب بيـن وأتى الـحمى وقد شاخت وباخت من السقـم المـلح بعسكرين يفرق بيـن عافـيتي وبيني فـردَّ لسها الشباب بنسختين

1 ـ هو طرخان بن سليط والي الاسكندرية ثار على طلايع فجرد له جيشاً فقضى عليه.
2 ـ قدار بن سالف عاقر نافة صالح.


(140)
ودبّرها بتدبير لـطيـف وكانت نوبةً في كل يومٍ حكاه عن سنان أو حنين (1) فصيرَّها بحذق نوبتـين
    وأنشدني أيضاً لوالده في مدح طبيب :
يا وراثـاً عـن أب وجدٍ وكامـلاً رد كـل نفـسٍ اقسـم ان لو طببت دهراً فضيلـة الطبّ والسداد همَّت عن الجسم بالبعاد لعاد كونـاً بـلا فسـاد
    ورأيت من كلامه في ديوان الصالح بن رزيك : هو الوزير الكافي والوزير الكافل ، والملك الذي تلقى بذكره الكتائب وتهزم باسمه الجحافل ، ومن جدد رسوم المملكة ، وقد كان يخفيها دثورها ، وعاد به اليها ضياؤها ونورها :
وقد خـفيت مـن قبله معجزاتها أعدتَ إلى جسـم الوزارة روحه أقامت زماناً عـند غيرك طامثاً من العدل ان يحـيا بها مستحقها إذا خطب الحسناء من ليس أهلها فأظـهرها حتى أقـر كفورها وما كان يرجى بعثها ونشورها وهذا أوان قـرؤهـا وطهورها ويخلعــها مردودة مستعيرها أشار علـيه بالطـلاق مشيرها (2)
    فقد نشرت أيامه مطوى الهم ، وأنشرت رفات الجود والكرم ، ونفقت بدولته سوق الأداب بعدما كسدت ، وهبت ريح الفضل بعد ما ركدت إذا لها الملوك بالقيان والمعازف ، كان لهوه بالعلوم والمعارف وإن عمروا أوقاتهم بالخمر والقمر ، كانت أوقاته معمورة بالنهي والأمر :
مليك إذا ألهى الملوك عن اللها خمار ، وخمر ، هاجر الدل والدنا

1 ـ حنين : ابن اسحاق ، معروف.
2 ـ من قصيدة للشاعر صردر.


(141)
ولم تنسـه الأوتـاد أوتار قيـنـةٍ ولو جار بالدنيا وعاد بضعفها ولا عيب في إنعامه غير أنه ولا طعن في إقدامه غير أنه إذا ما دعاه السيف لم يثنـه المثنـى لظـن من استـصغـاره أنه ضنـّاً إذا مـن لـم يـتبع مواهبـه مَــنّا لبوس إلى حاجاته الضـرب والطعنا
    لا شك أن هذه الأبيات لغيره.
    ومن أبياته في الغزل :
رب بيض سللن باللحظ بيضاً وخـدود للدمع فـيها خـدودٍ مرهفاتٍ جفونـهنَّ الجفونُ وعيون قد فاض منها عيون
    وله :
تُرى أخلست فـيه الفلا بـعض ريّاها ألمّـت بنمـا والـليل يزهي بـلمـة فـأشرق ضـوء الصبح وهـو جبينها إذا ما اجتنب من وجهها العين روضةً وإني لأستسقـي السحـاب لربعهــا إذا استعرت نـار الأسى بين أضلعـي ومـا بـي أن يصلـى الفـؤاد بحرَّها ففات فتيـتَ المسـك نشر خُزاماها دجوجيـةٍ لم يكتمـل بـعد فوداها وفاحـت أزاهير الربا وهي ريّـاها سفحتُ خلال الروض بالدمع أمواها وإن لم تكن إلا ضلـوعي مـأواها نضحت على حرّ الحشا برد ذكراها ويضـرم لولا أن في القلب مأواها
    وله في غلام تركي :
ظبيٌ من الأتراكِ أجفانه سيان منه إن رما أو رنا يفرَّ منه القرن خوفاً كما تسطو على الرامح والنابلِ ليس من السهمين من وائل يفرُّ ظـبي القاع مـن حابل


(142)
يا ويح أعدائك ما ها لهم لا تـفرقوا صولة نُشّابه وحـاذروا أسهـم أجفانه من غصن فوق نقاً هائل فربَّ سـهمٍ ليس بالقاتل فسحر ذا النابل من بابل
    وله في النرجس :
وقد الربيع على العيون بنرجسٍ علقت على استحـسانه أبصارنا يُلهى ويـؤنس من جـفاه خليله فارضَ الرياض بزورةٍ تلهو بها يحكي العيون فـقد حباها نفـسها شغفاً إذ الأشـياء تعشـق جنسها كم مـنَّةٍ فـي أُنسـه لـم أنسـها وأحثُث على حدقِ الحدائق عكسها
    وله :
زار وجنح الليل محلولكٌ ملتثمـاً يـبديـه لألآؤه نـمَّ عليه طيـبُ أنفاسه داج فحـيَّاهُ محيَّــاهُ والـبدر لا يكتم مسراه كما وشى بالمسك ريَّاهُ
    وله :
قد طرَّزت وجنـاتُهُ بعذاره وتألقت أضـداده فالماء في وحكيته فمدامعي تهمي على فكساه روض الحسن من أزهارهِ خـدَّيـه لا يطفـي تلـهّب نارهِ نار الحشا وتزيد في استسعـارهِ
    ومنها :
واذا بـدا فالقلـب مشغول به فمتى أعانُ على هواه بنصرَةٍ وإذا انثنى فالطرف في آثاره وجوانحي للحين من أنصاره


(143)
وكم طامح الآمال همَّ فقصرت وظن بـأن البـخل أبـقى لـوفره ظهرتَ فكنتَ الشمس جلّى ضياؤها علـوت كما تعلـو ، وأشرقت مثلما وهنـئت الأعـياد مـنك بـما جدٍ مواسـم قـد جـاءت تباعاً كـأنما وكان لها الأضـحى إماماً أمامـها وكم هـمَّ أن يعـدو مراراً فـرغته أبى الله في عـصرٍ تكون عميـده فـجاءك هذا سـابق جـال بعـده وأعقـبه عيد الغـدير (1) فلم نخل خطاه به إن العلا صـعبةُ المرقى ولو أنه يدري لكـان الـندى أبقى حنادسَ شـركٍ كان قد طبق الافقا تضيء ونرجو أن ستبقى كما تبقى تباهت به العليا وهامت بـه عشقا تروم لفرط الشوق أن تحرز السبقا فأرهـقه النوروز يمنـعه الرفـقا فأبقى ولولا فـرق بأسك ما أبـقى وسـائه أن يسـبق الباطل الحـقا مصـلٍّ وكانا للـذي تبتغي وفقا لقـرب التداني أنَّ بينـهما فرقـا
    اقول (1) ان شراح خريدة القصر يعلقون على هذا البيت ( بأن الغدير من أعياد القبط المهمة ، وكان الفاطميون يحتفلون به احتفالاً مشهوداً ) أصحيح انه من أعياد القبط ولم يك من أعياد المسلمين ، اليس هو اليوم الذي أكمل الله في الدين وأتم فيه النعمة ورضي بالاسلام ديناً ، أليس هو يوم الخلافة الكبرى التي نص بها على إمامة امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام ، يوم غدير خم وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجة الحرام في أواخر السنة العاشرة من الهجرة النبوية.
    ألم يكن يوم الغدير محل عناية من الله عزوجل إذ اوحاه تبارك وتعالى الى نبيه وانزل فيه قرآناً يرتله المسلمون اناء الليل وأطراف النهار ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ).


(144)
    هل خفي أمر ذلك اليوم وأمر ذلك التبليغ وقد جمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم الناس تحت سماء غدير خم عندما رجع من الحج ونزلت عليه الآلية السابقة فجمع الناس وأمرهم ان يأتوه باحداج دوابهم وان يضعوا بعضها فوق بعض وصعد حتى صار في ذروتها ، وأقام علياً الى جنبه ثم خطب خطبة طويلة وقال : أيها الناس ان الله مولاي وانا مولى المؤمنين ، وإني أولى بهم من أنفسهم. ثم أخذ بيد علي فرفعها اليه حتى بان بياض إبطيه وقال : من كنت مولاه فهذا علي مولاه ، اللهم وآل من والاه ، وعاد من عاداه وانصر من نصره وأخذل من خذله.
    حديث الغدير رواه الصحابة والتابعون وحتى رواه النواصب والخوارج وقد صنف ابن جرير الطبري كتاباً جمع فيه أحاديث غدير خم في مجلدين ضخمين ، ونقل عن ابن المعالي الجويني انه كان يتعجب ويقول :
    شاهدت مجلداً ببغداد في يد صحاف فيه روايات هذا الخبر مكتوب عليه : المجلدة الثامنة والعشرون من طرق من كنت مولاه فعلي مولاه ، ويتلوه المجلد التاسع والعشرون.
    وقد جمع اميرالمؤمنين علي عليه السلام الناس في الرحبة بالكوفة كما جاء في ـ تاريخ الخلفاء ، وتذكرة الخواص ـ وذلك أيام خلافته فقال : انشد الله كل امرىء مسلم سمع رسول الله (ص) يقول يوم غدير خم ما قال إلا قام فشهد بما سمع ، ولا يقوم إلا من رآه بعينيه وسمعه بأذنيه ، فقام ثلاثون صحابياً فيهم اثنا عشر بدرياً ، فشهدوا أن النبي (ص) أخذه بيده فقال للناس : أتعلمون أني اولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا نعم ، قال (ص) : من كنت مولاه فهذا مولاه اللهم وآل من والاه وعاد من عاداه.
    لقد كان الأئمة من أهل البيت عليهم السلام يتخذون اليوم الثامن عشر


(145)
من ذي الحجة عيداً في كل عام ، يجلسون فيه للتهنئة والسرور بكل بهجة وحبور ، ويتقربون فيه الى الله بالصوم والصلاة والابتهال والادعية ، ويبالغون فيه بالبر والاحسان ، شكراً لما أنعم الله به عليهم في مثل ذلك اليوم من النص على اميرالمؤمنين لما أنعم الله به عليهم في مثل ذلك اليوم من النص على اميرالمؤمنين بالخلافة والعهد اليه بالامامة ، وكانوا يصلون فيه أرحامهم ويوسعون على عيالهم ويزورون إخوانهم ويحفظون جيرانهم ويأمرون أولياءهم بهذا كله.
    وكان معزّ الدولة البويهي يأمر باظهار الزينة في بغداد وفتح الأسواق بالليل كما يفعل ليالي الأعياد ويتصافحون شكراً لله تعالى على إكمال الدين وإتمام النعمة ، هكذا كان يفعل البويهيون في العراق وإيران ، والحمدانيون في حلب وما والاها ، والفاطميون في مصر والمغرب والاقصى.
    لقد كان عيد الغدير في تلك الدول والحكومات عيداً رسمياً ، تحتفل به الامة الاسلامية ويُجلّه الجميع. واذا كان الواجب يقضي علينا أن نحتفل بالأيام التي احتفل بها أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً فان الامام الخامس من الأئمة وهو محمد باقر ابن علي زين العابدين ابن الحسين الشهيد ابن علي بن ابي طالب عليهم السلام قد احتفل بهذا اليوم وقام الكميت الاسدي ينشده قصيدته الشهيرة التي يقول فيها :
نفى عن عينك الأرقُ الهجوعاً وهمّ يمتري منها الدموعا
    الى قوله :
لدى الرحمن يشفع بالمثاني ويوم الدوح دوح غدير خـمٍّ فكان له أبو حسن شفيعا أبان له الولاية لو أطيعا

أدب الطف ـ م (10)


(146)
ولكن الرجال تدافعوها فلم أر مثلها خطراً منيعاً (1)
    واحتفل فيه الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام وأنشده السيد الحميري قصائده المعروفة ، ومنها :
يـا بـائـع الديـن بدنـياه من أين ابغضت علي الرضا مَن الـذي أحمـد من بينهم أقـامه مـن بين أصـحابه هـذا عليُ بـن ابي طالـب فوالِ مَـن والاه ياذا الـعلى لـيس بـهذا أمـر الله وأحـمد قد كان يرضاه يـوم غديرٍ خـمّ وصاه وهـم حـواليه فسـمّاه مولى لمن قد كنتُ مولاه وعادِ مَـن قد كان عاداه (2)
    واحتفل فيه الإمام علي بن موسى الرضا يوم كان ينشده دعبل بن علي الخزاعي قصيدته الشهيرة التي تناقلتها المئات من الكتب ومنها :
ولو قلدوا المـوصى اليه أمـورهم اخي خاتم الرسل المصفّى من القذا فإن جـحدوا كان الغـدير شهـيده لزُمَّت بمأمـون من العثـرات ومفترس الابطال في الغمرات وبدر ُوأُحد شامـخ الهـضبات
    واحتفل بعيد الغدير في عهد الإمامين محمد الجواد ونجله علي الهادي عليهما السلام يوم أنشد الشاعر الفحل أبو تمام الطائي قصيدته التي يقول فيها :
ويوم الغدير استوضح الحق أهله أقام رسـول الله يدعوهـم بهـا يمـدّ بضبعيـه ويُعـلـم أنـه بفيحاء ما فيهم حجاب ولا سترُ ليقـربهم عرفٌ ويـنأهمُ نـكر وليٌ ومـولاكم فهل لكم خبـر

1 ـ الهاشميات.
2 ـ تذكرة سبط ابن الجوزي.


(147)
    ومنها :
فعلتـم بأبـناء النبي ورهطـه ومن قبـله أخلـفتـموا لوصيّه أخوه إذا عدّ الفـخار وصهره وشـدِّ بـه أزر النـبيّ محـمد وما زال كشافاً دياجـير غمرة أفاعيل أدنـاها الخيانة والغدر بداهية دهـياء ليس لها قـدر فـلا مثله أخٌ ولا مثله صـهر كما شدَّ من موسى بهارونه أزر يمزَّقها عن وجهه الفتح والنصر
    واحتفل فيه بعهد الإمام العسكري سلام الله عليه يوم ينشد الشاعر ابن الرومي ـ شاعر الإمام العسكري ـ إحدى روائعه :
يا هندُ لم أعشق ومثلي لا يُرى لكـنَّ حُـبّي للوصـي محـتّمٌ فهو السـراج المستنير ومن به وإذا تركـتُ له المـحبة لم أجد قل لي أأتـرك مسـتقيم طريقة وأراه كالتبـر المصفّى جوهراً ومحلّه من كـل فضـل بيّـن قال النبيُّ لـه مقـالاً لـم يكن من كنتُ مـولاه فذا مـولى له وكذاك إذ مـنع البتول جماعة عشـق النساء ديـانة وتحـرّجا في الصدر يسرح في الفؤاد تولجا سبب النجاة مـن العذاب لمن نجا يوم القيـامة من ذنوبي مخـرجا جهـلاً وأتَّـبع الطريق الأعـوجا وأرى ســواه لناقـديه مهـرَّجاً عالٍ محلّ الشمس او بـدر الدجى ( يوم الـغدير ) لسامعيـه مجـمّجا مـثلي ، وأصبـح بالفخار متـوَّجا خطبـوا وأكرمـه بها إذ زوَّجـا


(148)
    وعوداً على شعر القاضي الجليس ، قال :
خذها إليك بماء الطبع قد شرقت جوّالةٌ بنواحـي الأرض ممعنة ألفاظها الدّر تحقيقاً ومن عجبٍ لو مازج الـبحر منـها لفظه عذبا في السير لا تشتكي أينـاً ولا نصبا تُملى على البـحر درَّ البحر مجتلبا
    وقوله في قصيدة أولها :
دع البين تحـدونا حـثاث ركـابه سأركب ظهر العزم أو أرجع المنى فإما حـياةٌ يسـحب الـمرء فوقها وإما ممـات في العلا يتـرك الفتى فغيري مَن يشجوه صوت غرابه برجعـة مـوفور الرجاءِ مثـابه ذيول الغـنـى والغزّ بين صحابه يـقـال ألا لله درُّ مـصـابــه
    ومنها :
وأروع يشـكو الجـود طـول ثوائه تصدّ الملوك الصيد عن قصد أرضه ويعطـفها مـيل الرقـاب مـهابـةً وأغـزو بـأبـكار القصائـدِ وفـره لديه ، ويشكوا المال طول اغترابه فـيرجعـها محـروبة بحـرابه ولـم تكـتحل أجـفانهُ بـترابه فـأرجعُ قد فـازت يدي بنهـابه
    وقوله :
أما وجيادك الجرد العوادي لقد شقيت بعزمتك الأعادي


(149)
رأوا أن الصـعـيد لهم ملاذ وراموا من يديك قرىً عتيداً فلم يُحـمَ الصعيد مـن الصّعاد فأهديت الحتوف على الهـوادي
    وقوله وقد جمع ثمان تشبيهات في بيت واحد :
بدا وأرانـا منـظراً جامعاً لـنا أقاحاً وراحاً تحت وردٍ ونرجسٍ تفرّق من حسن عـلى الخلق مونقا وليلاً وصبحاً فوق غصنٍ على نقا
    وقوله يصف الخمر :
معتقةٌ قد طال في الدنّ حبسها وقد أشبهت نار الخليل لأنها ولم يدُعها شرابها بنت عامها حكتها لنا في بردها وسلامها
    وذكر ابن الزبير في كتابه أنه كتب اليه مع طيب أهداه :
بعثت عشاء الـى سيدي هدية كل صحيح الإخاء فجد بالقبول وأيـقن بأن بما هو مـن خلـقه مقتبـس جرى منه ودّك مجرى النفس لفرط الحياء أتـت في الغلس
    وله يصف خليلاً :
جنائب : إن قيِدَت فأسدٌ ، وإن عدت أثارت باكنـاف المصلى عجـاجةً بأبطـالها فهي الصـبا والجنائب دجت وبدت للبيض منها كواكب


(150)
    وله يهجو :
وكم في زبـيدٍ مـن فقيه مصدّر إذا ذاب جسمي من حرور بلادكم وفي صدره بحر من الجهل مزبد علقت على أشـعـاركـم ابـتردّ
    وله يصف معركة :
تكاد من النقع المـثار كـماتـها عجاج يظل الملتقى منه في دجىً وخيل يلف النشر بالترب عدوها تناكر أحيانـا وإن قـرب النحـر وإن لمعت أسـيافـه طـلع الفجر وقتلى يعاف الأكل من هامها النسر
    ومن شعره يرثى بعض أهله :
ما كان مثلك من تغتاله الغير لو كان ينفع من ضرب الردى الحذر
    ومنها :
قد أعلن الدهر ، لكن غالنا صمم يغرّنا أمـل الـدنيا ويخـدعنا عنه ، وأنذرنا ، لو أغنـت النذر إن الغرور بأطماع المنى غرر
    ومنها :
قد كان أنفس ما ضنت يداه به أغالب القوم مجهوداً وأيسر ما لو كان يعلم ما يأتي وما يذر لقيتـه من أذاه العيُّ والحصر
    وقال يرثي اباه ، وقد مات غريقا في البحر بريح عصفت.
وكنت أهدي مع الريح السلام له ما هبت الريح في صبح وإمساء
ادب الطف ـ المجلد الثالث ::: فهرس